عملات الميم المشفرة المرتبطة بترمب تنبئ بـ”كارثة” وشيكة

هناك بعض المتعة في متابعة حالة الغضب التي تنتاب قطاع العملات المشفرة بين الحين والآخر. أحدث موجة من هذا الغضب تُعد من العيار الثقيل، فالنخب التي كانت ترى دونالد ترمب منقذاً للعملات المشفرة، باتت الآن غاضبة بسبب بيعه لعملة ميم مشفرة تحمل اسمه بقيمة مليارات الدولارات.

المستثمر آري بول وصف ما حدث بأنه “احتيال لسرقة مليارات الدولارات من الناس”، في حين شبّه أنتوني سكاراموتشي، وهو شريك سابق لترمب، الأمر بـ”فساد” على مستوى دكتاتوري. أما بالاجي سرينيفاسان، المسؤول التنفيذي السابق في شركة “كوين بيس”، فوصف الصفقة بأنها “يانصيب” لا يساهم في خلق أي ثروة حقيقية.

يبدو طبيعياً انتقاد عملات الميم المشفرة المرتبطة بترمب، التي تمثل مزيجاً واضحاً من الجشع، وثقافة “اجعل أميركا عظيمة مجدداً” (MAGA)، واستراتيجيات “الضخ والتفريغ” في عالم الرموز المشفرة. نحن نتحدث عن شخص أُدين سابقاً بالاحتيال، وكانت فكرته عن إعلان اللحظة الأخيرة قبل أن يصبح أقوى رجل في العالم هي الترويج لبيع 20% من رمزٍ خالٍ تماماً من أي قيمة حقيقية، ما أدى إلى جني مليارات الدولارات من العدم، بينما احتفظ الداعمون الداخليون بالبقية (80%).

أما إطلاق ميلانيا ترمب لعملتها الرقمية لاحقاً، والذي تزامن مع انخفاض قيمة عملة زوجها، فلم يكن أفضل حالاً. وإذا كنا اعتدنا على التقلبات المروعة في أسعار العملات المشفرة ولم تعد تثير الخوف فينا، فإن تضارب المصالح والاستهزاء بالمبادئ يجب أن يثيرا قلقنا. ما الذي يمنع القوى الأجنبية من استغلال هذا النمط الاحتيالي لتقليل مخاطر التعريفات الجمركية؟

أزمات ضربت أسعار العملات المشفرة؟

ربما يعكس تغير موقف عالم العملات المشفرة تجاه ترمب قلقاً أعمق بشأن مستقبل ازدهار الأصول المشفرة. ارتفع سعر بتكوين بأكثر من 160% خلال عام واحد، مدعوماً من مؤسسات كبرى مثل “بلاك روك”، وتفاؤل ببيئة تنظيمية أكثر وداً لصالح العملات الرقمية.

لكن وراء هذا الازدهار، تتزايد المضاربات على عملات الميم بشكل لافت. على سبيل المثال ارتفعت القيمة السوقية لرمز “بي نات” (PNUT)، المستوحى من السناجب، إلى مليار دولار العام الماضي، أو العملة التي أطلقتها فتاة تُدعى هوك توا، والتي انتهت بفشل ذريع.

أما محاولة ترمب الأخيرة للاستفادة من عالم العملات المشفرة، فقد تكون اللحظة التي يبدو فيها السوق بأكمله في حالة نشوة، تماماً كما حدث في 2017 عندما تدفقت الأموال على العروض الأولية غير المدروسة للعملات، أو في 2022 عندما بيعت الرموز غير القابلة للاستبدال بمبالغ خيالية. وبينما تحلم بتكوين بأن تكون “الذهب الرقمي”، لا يمكننا أن ننسى انهيارها الأخير، حين فقدت 67% من قيمتها في عام واحد.

مخاطر متفاقمة

من اللافت أن نرى النخب في عالم العملات المشفرة تُظهر فجأة اهتماماً بمصلحة المستثمر العادي، رغم أن حملة ترمب لم تُظهر يوماً أولوية للاستقرار المالي أو حماية المستهلك. ألم تكن مبيعاته المتكررة للرموز غير القابلة للاستبدال إشارة كافية؟ أو دعمه لفكرة احتفاظ الحكومة ببتكوين، ما يضع أموال دافعي الضرائب في خطر مع أصول لم يتجاوز عمرها عمر بطاقات البوكيمون؟

ولا ننسى وعوده بتنظيمات أكثر وداً في نفس الوقت الذي ما زالت فيه المحاكم تتعامل مع آثار انهيار “تيرا” (Terra) بقيمة 40 مليار دولار في عام 2022.

سياسات ترمب لطالما عكست توجهاً نحو تقارب أكبر بين عالم التمويل التقليدي والعملات المشفرة، بغض النظر عن مخاطر التقلبات. ومع الترابط الوثيق بين أسواق العملات الرقمية وتأثير الديون على أسعار الأصول التي يمكن أن تنهار بنفس سرعة ارتفاعها، فإن هذا يزيد من المخاطر النظامية ويؤدي إلى احتمالية وقوع أزمات أكبر.

أزمة وشيكة

بغض النظر عن رأي الفرد في العملات المشفرة، وحتى إذا كان من أشد المشككين بها، لا يمكن إنكار أن مستثمري بتكوين ما زالوا يحققون أرباحاً، رغم غياب الاستخدامات اليومية الواضحة. ومع ذلك، هناك شيء في هذه اللحظة يبدو وكأنه قصة قد تنتهي بشكل سيئ.

إلى جانب تضارب المصالح الواضح لترمب، وحقيقة أن بعض داعميه قد يتم استغلالهم مالياً، يكمن الخطر الأكبر في احتمال انهيار النظام المالي الذي تغمره “الأموال السيئة”، ما يؤدي إلى طرد “الأموال الجيدة”. كما يحذر الاقتصادي باري آيشنغرين من جامعة كاليفورنيا في بيركلي: “وجود رئيس وإدارة يتبنيان أفكاراً متهورة كهذه قد يقرران، بنفس القدر من التهور، التدخل في إدارة الاحتياطي الفيدرالي المسؤولة. وإذا حدث ذلك، فقد يهدد ذلك مكانة الدولار كعملة دولية”.

فلنأمل أن يختفي عود الثقاب الذي أشعل فكرة عملات الميم المشفرة قبل أن يؤدي إلى حريقٍ أكبر.