الذكاء الاصطناعي الصيني يثير مخاوف كبار مستثمري التكنولوجيا

هزَّت التطورات في الذكاء الاصطناعي من قبل الشركات الصينية الناشئة الأسواق الأميركية يوم الاثنين، مع التهديد بزيادة المنافسة، ما أسفر عن انخفاض أسهم أكبر شركات التكنولوجيا.

إذ أعلنت شركة «ديب سيك» الصينية للذكاء الاصطناعي أنها قادرة على مضاهاة قدرات برامج الدردشة الآلية المتطورة، باستخدام جزء يسير من الرقائق الحاسوبية المتخصصة التي تعتمد عليها شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة. وقد دفع ذلك المستثمرين إلى إعادة النظر في التقييمات المبالغ فيها لشركات عملاقة مثل شركة «إنفيديا»، التي تعمل معداتها على تعزيز أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدما، فضلا عن الاستثمارات الهائلة التي تباشرها شركات مثل «ألفابيت»، و«ميتا»، و«أوبن إيه آي» لبناء أعمالها.

ويوم الاثنين انخفض مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنسبة 1.5 في المائة، وانخفض مؤشر ناسداك الذي يعتمد على أسهم التكنولوجيا بنسبة 3.1 في المائة. وتعرضت شركة «إنفيديا» لضربة قوية، إذ تراجعت بنسبة 16.9 في المائة وخسرت ما يقرب من 600 مليار دولار من قيمتها في السوق. كما أدى انخفاض أسهم التكنولوجيا إلى انخفاض مؤشرات السوق في أوروبا واليابان.

وقد ساعدت الإثارة حول آفاق الذكاء الاصطناعي على ارتفاع أسهم التكنولوجيا إلى عنان السماء على مدار العام الماضي، لكن المخاوف كانت في ازدياد أيضا. إذ أصبح المستثمرون قلقين بشكل متزايد من أن المجموعة الصغيرة من شركات التكنولوجيا التي دفعت مكاسب السوق الأوسع لن ترقى إلى مستوى التوقعات العالية التي توحي بها أسعارها المرتفعة للغاية.

وتركزت الآلام في الشركات التي كانت في طليعة طفرة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الشركات العملاقة التي تبلغ قيمتها عدة تريليونات من الدولارات، والتي دفعت بأكبر مكاسب سنوية متعاقبة للأسواق الأميركية منذ تسعينيات القرن الماضي. فقد انخفضت أسهم شركتي «ألفابيت» و«مايكروسوفت»، إضافة إلى شركة «إنفيديا»، كما انخفضت شركات صناعة الرقائق الأخرى، بما في ذلك شركات «أرم»، و«برودكوم»، و«ميكرون»، كما انخفضت شركات معدات أشباه الموصلات المتخصصة مثل شركة «إيه إس إم إل».

يقول ستيف سوسنيك، كبير الاستراتيجيين في شركة «إنتراكتيف بروكرز»، إن شركة «ديب سيك» الصينية يمكن أن تكون بداية مرحلة جديدة في كيفية تفكير المستثمرين إزاء الذكاء الاصطناعي. ووصف ذلك بأنه «صفعة كبيرة على الوجه» للمستثمرين الذين يمكنهم إعادة ضبط الطريقة التي يُقدرون بها المخاطر.

وكانت الشركة الصينية قد كشفت عن نظامها الجديد الشهر الماضي، لكنها جذبت اهتمام عالم التكنولوجيا أواخر الأسبوع الماضي من خلال ورقة بحثية توضح بالتفصيل كيفية قيامها ببناء التكنولوجيا. كتب شارو شانانا، كبير استراتيجيي الاستثمار في «ساكسو بنك»، في مذكرة بحثية، أن ذلك «بمثابة تذكير بأن المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي العالمي تزداد حدة، وأن شركة (إنفيديا) قد لا تحتل موضع الصدارة إلى الأبد».

أصبح روبوت الدردشة من شركة «ديب سيك» الصينية هو التطبيق المجاني الأكثر تنزيلا في متجر تطبيقات «أبل» في الولايات المتحدة يوم الاثنين، متجاوزا برنامج «شات جي بي تي» من شركة «أوبن إيه آي». وقد قامت الشركة الصينية مؤقتا بالحد من عمليات التسجيل الجديدة، ردا على ما وصفته بـ«الهجمات الخبيثة واسعة النطاق» على خدماتها.

انخفضت أسهم شركة «ألفابيت»، الشركة الأم لـ«غوغل»، وشركة «مايكروسوفت»، اللتين راهنتا بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، بنسبة 4.2 في المائة و2.1 في المائة على التوالي يوم الاثنين. وانخفضت أسهم شركة «أوراكل» – الشريكة في مشروع مشترك مع شركة «أوبن إيه آي» وشركة «سوفت بنك» كُشف عنه النقاب في حدث مع الرئيس دونالد ترمب الأسبوع الماضي – بنسبة 14 في المائة تقريبا. فقد خسرت شركة «سوفت بنك» أكثر من 8 في المائة أثناء التداولات في طوكيو.

لكن بعض عمالقة التكنولوجيا الآخرين خالفوا هذا الاتجاه. وكانت شركة «ميتا»، التي أعلنت الأسبوع الماضي عن قفزة كبيرة في خطط الإنفاق على مراكز البيانات قد تعثرت في التداولات المبكرة قبل أن تُحقق مكاسب صغيرة. وارتفعت شركة «أبل»، التي تأخرت نسبيا في الدخول في سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي، بنسبة 3.25 في المائة.

وشهد قطاع التكنولوجيا الإجمالي في مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بداية عصيبة لهذا العام، فقد خسر 4 في المائة من قيمته، في حين حقق كل قطاع رئيسي آخر مكاسب خلال نفس الفترة. وبسبب حجم ونفوذ صناعة التكنولوجيا، فقد أثر ذلك على مؤشر ستاندرد أند بورز 500، الذي ارتفع بنسبة 2.2 في المائة للعام الجاري.

تُلقى الاضطرابات الأخيرة بظلالها على عمالقة التكنولوجيا، إذ تستعد شركتا «ميتا» و«مايكروسوفت» وغيرهما لتقديم أحدث تقارير أرباحها الفصلية هذا الأسبوع. وإذا ما نظرنا إلى ما هو أبعد من الأرباح الوفيرة التي كانت تحققها في الماضي، فسوف يكون بوسع المحللين أن يضغطوا على المديرين التنفيذيين بشأن التوقعات المالية لشركاتهم في المستقبل في ظل منافسة عالمية أشد ضراوة.

وكتب المحللون في شركة «جيفريز» في مذكرة لهم: «من الطبيعي أن تقلق السوق بشأن نمو الطلب على القوة الحاسوبية». وأضافوا أن الاختراقات الواضحة التي حققتها شركة «ديب سيك» في مجالي التكلفة والكفاءة «يمكن أن تدفع المستثمرين إلى طرح أسئلة عسيرة» على قادة التكنولوجيا بشأن استثماراتهم الضخمة في الرقائق ومراكز البيانات.

كما راهنت شركات رأس المال الاستثماري بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، حيث استثمرت ما يقرب من 130 مليار دولار في الشركات الناشئة في هذا المجال خلال العام الماضي، وفقا لشركة «بيتشبوك». ولاحظ مقدم البيانات أن 1 من كل 3 دولارات من رأس المال الاستثماري، في المجموع، يذهب إلى شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي.

كما أسفرت الاضطرابات أيضا عن تراجع ملحوظ في أسهم شركات المرافق العامة التي فتحت خطوطا جديدة للعمل تخدم احتياجات الطاقة الشرهة لمراكز البيانات. فقد انخفضت أسهم شركات الطاقة مثل «كونستيلاشن إنيرجي»، و«جنرال إلكتريك فيرنوفا»، و«فيسترا» بأكثر من 20 في المائة، ما عكس جزئيا صعودا طويل الأمد شهد تضاعف أسهم شركة إنتاج الطاقة خلال الأشهر الـ12 الماضية.

كذلك انخفضت عائدات سندات الخزانة الأميركية بصورة حادة، كما يحدث غالبا عندما يسعى المستثمرون إلى الحصول على ملاذات آمنة خلال أوقات الاضطرابات. فالعائدات تتحرك عكسيا مع سعر الدين، مما يعني أن قيمة سندات الخزانة قد قفزت يوم الاثنين.

وقد أثر ذلك بدوره على قيمة الدولار، الذي انخفض بشكل متواضع مقابل سلة من عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة. وقد تلاشت هذه التحركات إلى حد ما بعد الظهيرة مع تركيز المستثمرين مجددا على اجتماع هذا الأسبوع لمسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذين من المتوقع أن يتوقفوا عن حملة خفض أسعار الفائدة.

وقد وعد الرئيس ترمب بتسريع إنتاج الذكاء الاصطناعي المصنوع في الولايات المتحدة المنافسة للصين على الزعامة العالمية في مجال التكنولوجيا. ففي الأسبوع الماضي، وقع على أمر تنفيذي يهدف إلى «إزالة الحواجز» التي تحول دون تطوير الذكاء الاصطناعي. وفي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة الأميركية على الحفاظ على صدارة البلاد في سباق الذكاء الاصطناعي، فإنها تحاول الحد من عدد الرقائق القوية، مثل تلك التي تصنعها شركة «إنفيديا»، والتي يمكن بيعها للصين وغيرها من المنافسين.

وعلى الرغم من الاعتراف بإمكانات أنظمة «ديب سيك» الصينية، لاحظ المحللون في شركة «بيرنشتاين» أن «رد فعلهم الأولي لا يشمل الذعر». وقالوا إن أي قدرة حاسوبية يتم تحريرها من خلال أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر كفاءة سوف يتم استيعابها من خلال الطلب المتزايد بسرعة، «سوف نظل بحاجة إلى الكثير من الرقائق، وسوف نحصل عليها».

جيسون كارايان وجو رينيسون