سراب الربح السريع يُغرق آلاف المصريين في دوامة الاحتيال.. ما قصة منصة FBC؟

لم تكن (ي.م) تنتوي مشاركة الكثير من التفاصيل حول استثمارها الذي ظنت أنه آمن ويُدر عليها دخلاً مُرضياً، حتى فوجئت بسيلٍ من التعليقات المُشككة في المنصة التي تتعامل معها، وفي خطٍ متوازٍ أيضاً مع عدم تمكنها من سحب أرباحها المعتادة، فراحت -ضمن سيل من المُعلقين الذين تعرضوا لعملية نصب- تروي تجربتها مع منصة تُدعى FBC للبرمجيات والتسويق الإلكتروني.

“في البداية كنت على باقة 3600 جنيه (الدولار يعادل 50.6 جنيه مصري تقريباً) ثم رفعتها إلى 11200، ولم أحصل على مدخراتي التي كانت جزءاً من مبلغ خاص بعملية جراحية لوالدتي”.. طلبت (ي.م) المساعدة في استرداد أموالها، وهي المهمة التي تبدو أكثر تعقيداً مما تظن، بعدما وقع الآلاف في شرك المنصة المذكورة بدافع رغبة جامحة في زيادة المدخرات، ومنهم من أنفق مبالغ أكثر من ذلك، وبعضهم قدّم بلاغات للجهات المعنيّة.. فما قصة هذه المنصة؟ وما هي حجم الأموال المفقودة؟ وما عدد العملاء الذين تعرضوا لـ “الاحتيال” في مصر؟

ذاع صيت منصة FBC في مصر قبل أشهر، وتحديداً في نهايات العام الماضي 2024، عندما تم الترويج إليها عبر قنوات مختلفة ومن خلال مجموعة من الأفراد فيما يشبه التسويق الشبكي، على أنها أداة توفر للمتعاملين معها فرصة تحقيق أرباح مقابل تنفيذ بعض المهام الموكلة إليهم عبر الإنترنت، ما بين التفاعل مع صفحات أو منتجات مختلفة، وكذلك مشاهدة فيديوهات والإعجاب بها وتحميل برامج في أوقات مُحددة.

المنصة التي بدأت عملها في يناير/ كانون الثاني 2025،  تعمل بنظام المستويات المختلفة أو ما يُعرف بـ (الباقات الاستثمارية)، فلكل عميل أو مشترك باقة مُحددة القيمة المالية التي يقوم بسدادها ويمكن زيادتها لاحقاً، وبناءً على كل قيمة يحصل على أرباح يومية (مغرية) من تنفيذ المهام الموكلة إليه. وقد شهدت انتشاراً واسعاً في مصر، وبين عملاء خارج مصر.

وبدأت المنصة -التي لا يُعرف مالكها على وجه التحديد، والتي روجت لنفسها على أنها شركة مصرية مرخصة وتعمل بدعوة من الحكومة-  حملات دعائية مكثفة عبر منصات التواصل منذ قبل بداية العام، شارك فيها مؤثرون عبر السوشيال ميديا. وزعمت ارتباطها بمؤسسات عالمية.

وفي الوقت الذي صنفت فيه المتعاملين عليها إلى مستويات، ما بين موظفين ومتدربين ومدراء (أدمن)، دعّمت المنصة بعض المستخدمين لإنشاء فروع لها والحصول على تراخيص (السجل التجاري). وقام بعضهم بتنظيم فعاليات محتلفة (اجتماعات عامة وحفلات) بتمويلٍ من الشركة لجذب المتعاملين.

خلال تلك الفعاليات والحملات الإعلانية للمنصة، تم استغلال شهادات مختلفة من أشخاص زعموا تحقيق أرباح طائلة وثروات من العمل من خلالها، منهم من تمكن من شراء فيلات ووحدات سكنية وسيارات فاخرة.. بمجرد مداومته على تحقيق الربح من مشاهدة الفيديوهات والتفاعل مع المنتجات والصفحات بحسب ما يُطلب منه.

كانت المنصة تتبع نظام (الدفع من أجل الربح)؛ إذ يقوم المتعاملون بدفع قيمة مالية (بناءً على باقات مختلفة أشهرها باقة الـ 11200 جنيه التي تمنح ربحاً يومياً 490 جنيهاً ومكافآت إضافية تصل لـ 5 آلاف جنيه) مقابل مهام تسويقية يتم تكليف المستخدم بها فور فتح حساب على تطبيق المنصة كشرط للحصول على الربح.. وكلما كانت باقة المستخدم أكبر كلما كان ربحه اليومي أكثر.

وكانت عملية السحب تتم بشكل يومي، الأمر الذي أسهم في زيادة عدد المستخدمين بعد أن اكتسبت الثقة، قبل أن تفرض المنصة لاحقاً قيوداً على السحب لاحقاً ومنع العملاء من الوصول لأموالهم.

أغدقت المنصة بالأرباح في شهورها الأولى على المستخدمين، وبذلك تمكنت من كسب الثقة، وزيادة الباقات لدفع أكبر عدد ممكن من الالتحاق بها، مع مغريات مختلفة كهدايا مثل (شنطة رمضان). وتقدر تقارير محلية في مصر عدد المتعاملين بـ 500 ألف شخص (لم نتمكن من الاستدلال بشكل مستقل عن العدد الدقيق للمستخدمين).

بدأت المشكلة مع عدم تمكن المستخدمين من سحب أرباحهم، ثم زعم الشركة بداية بأن السبب إجازة مرتبطة بأحد الأعياد الخاصة بمناسبة دينية خارج مصر. ثم تحدثت الشركة لاحقاً عن مشكلات بسبب الضغط المكثف، قبل أن تعلن تعرضها لاختراق من قبل قراصنة مجهولين مع بداية الأسبوع الجاري.

أبلغت الشركة المتعاملين بأنهم من أجل استرداد حساباتهم عليهم دفع أموال مقابل استرداد البيانات. وذلك قبل أن تغلق حساباتها ومجموعاتها وتختفي تاركة ورائها آلاف (وربما أكثر) من الذين خسروا أموالهم.

ومع تقدم عديد من المستخدمين ببلاغات للأجهزة المعنيّة، تم التحرك من أجل ضبط متورطين محتملين في عملية الاحتيال. فقد  تمكنت الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية، بالتعاون مع إدارة البحث الجنائي بالبحيرة (شمال القاهرة)، من القبض على أحد المتهمين  المرتطبين بـ  FBC.

فى إطار جهود أجهزة وزارة الداخلية لكشف ملابسات ما تبلغ من عدد 101 مواطن خلال الفترة من 22 الجارى وحتى حينه بتضررهم من القائمين على منصة إلكترونية بمسمى ” #FBC ” عبر شبكة الإنترنت لقيامهم بالإحتيال عليهم والإستيلاء على أموالهم والتى بلغ إجماليها قرابة “2 مليون جنيه” بزعم إستثمارها لهم فى مجال البرمجيات والتسويق الإلكترونى وإيهامهم بمنحهم أرباح مالية مزعومة .

ضبط متهمين

وقالت الداخلية المصرية، في بيانٍ الاثنين 24 فبراير/ شباط إن  عمليات الفحص والتحرى كشفت  “تشكيل عصابي” “يتزعمه ثلاثة عناصر يحملون جنسيات أجنبية “متواجدين بالبلاد” مرتبطين بشبكة إجرامية بالخارج، متخصص فى مجال النصب والاحتيال الالكترونى والإستيلاء على أموال المواطنين بزعم استثمارها لهم عبر منصة  إلكترونية بمسمى “FBC” ، وقيامهم بالإتفاق مع عدد 11 شخصاً لتأسيس شركة بالقاهرة  لممارسة نشاطهم الإجرامى والترويج للمنصة عبر وسائل التواصل الإجتماعى وتطبيق الواتس آب مقابل عمولات مالية وكذا توفير خطوط هواتف محمولة لتفعيل محافظ إلكترونية عليها ببيانات وهمية لاستخدامها فى تلقى وتحويل الأموال المستولى عليها وعقب ذلك تم غلق المنصة ومقر الشركة.

وأضاف البيان: عقب تقنين الإجراءات تم ضبط (13منهم) وبحوزتهم (عدد من الهواتف المحمولة – 1135 شريحة هاتف محمول – جهاز “لاب توب” – مبالغ مالية عملات مختلفة قيمتها “مليون و270 ألف جنيه “) ، وبمواجهتهم اعترفوا بارتكابهم الواقعة على النحو المشار إليه.. وتم إتخاذ الإجراءات القانونية.

وحذرت وزارة الداخلية المواطنين من التعامل مع مثل تلك التطبيقات المجهولة المصدر التى يتم بثها عبر شبكة الإنترنت بزعم تحقيقها أرباحاً مالية سريعة لعدم تعرضهم للنصب والإحتيال وفقدان أموالهم.