خفض بنك “سيتي غروب” نظرته للأسهم الأميركية، في الوقت الذي رفع فيه تصنيف الأسهم الصينية إلى توصية بالشراء، في مؤشر جديد على التباعد المتزايد في التوقعات المستقبلية لأكبر سوقين حول العالم.
كتب استراتيجيو “سيتي غروب”، من بينهم ديرك ويلر، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي وتوزيعات الأصول عالمياً، في مذكرة للعملاء بتاريخ 10 مارس الجاري، أن “التفوق الأميركي سيتعثر على الأقل مؤقتاً” خلال الأشهر القليلة المقبلة. خفض الخبراء توصيتهم للأسهم الأميركية من الشراء إلى توصية بالاحتفاظ بالأسهم دون تعديل. في خطوة مماثلة، خفض فريق في “إتش إس بي سي هولدينغز” تصنيفه للأسهم الأميركية إلى توصية بالاحتفاظ بها مشيراً إلى أنه يرى فرصاً استثمارية أفضل في أماكن أخرى في الوقت الحالي.
تراجع الاقتصاد الأميركي
أضاف ويلر وفريقه أن أداء الاقتصاد الأميركي قد يكون دون مستوى بقية اقتصادات العالم خلال الأشهر المقبلة، متوقعين صدور بيانات اقتصادية أميركية أضعف. وأوضحوا أن توصيتهم بالاحتفاظ بالأسهم الأميركية يمتد لفترة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر.
أما بالنسبة للأسهم الصينية، فأشار استراتيجيو “سيتي غروب” إلى أنها ما تزال جذابة حتى بعد الارتفاع الأخير، مستشهدين بالتطورات في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة “ديب سيك”، إضافة إلى دعم الحكومة لقطاع التكنولوجيا والتقييمات التي ما تزال منخفضة.
جاءت قرارات “سيتي غروب” في وقت شهدت فيه “وول ستريت” هبوطاً كبيراً أمس، وسط تصاعد المخاوف من أن زيادات الرسوم الجمركية وخفض الإنفاق الذي أقره الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد تضر بالاقتصاد الأميركي، الذي حافظ حتى الآن على قوته متحدياً المتشائمين، ما جعل المستثمرين في الأسهم متفائلين.
على مدى عامين متتاليين، رفع محللو سوق الأسهم توقعاتهم لمؤشر “ستاندرد أند بورز 500” بشكل متكرر لمواكبة الصعود المستمر. لكن بعد مرور أقل من 3 أشهر على العام الجديد، بدأ العديد من المحللين في خفض توقعاتهم المتفائلة لـ2025. تراجع مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” 4.5% منذ بداية العام، بعد أن سجل مكاسب تجاوزت 20% في كل من العامين الماضيين.
الأسهم الصينية تتقدم
يشكل ذلك تبايناً واضحاً مع الصين، إذ شهدت الأسهم هناك ارتفاعاً ملحوظاً منذ بداية العام. فقد قفز مؤشر الأسهم الصينية المدرجة في بورصة هونغ كونغ 20%، ما يجعله من بين أفضل المؤشرات أداء على مستوى العالم في عام 2025. كما أنه في طريقه لتسجيل أكبر تفوق على مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” خلال الربع الحالي منذ سبتمبر 2007.
كان “سيتي غروب” حافظ على تصنيف “توصية بالشراء” للأسهم الأميركية منذ أكتوبر 2023، لكن ويلر وفريقه حذروا في نوفمبر الماضي من أن التداول المستند لفكرة التفوق الأميركي، ربما تكون عرضة للخطر إذا انتهت الحرب في أوكرانيا، رغم تأكيدهم أنه ما يزال من المبكر اتخاذ مراكز استثمارية بناء على هذا الاحتمال. وأشاروا كذلك إلى أن الوقت لم يكن مناسباً حينها للرهان على تفوق الأسهم الصينية، رغم احتمال تقديم محفزات اقتصادية محلية.
يزداد التباين بين الولايات المتحدة والصين وضوحاً عند النظر إلى أسهم التكنولوجيا، إذ أدى ظهور نموذج ذكاء اصطناعي متقدم من شركة “ديب سيك” الصينية الناشئة إلى إعادة تقييم القطاع بشكل جذري في الصين، ما عزز من جاذبيته الاستثمارية.
في هذا السياق، قفز مؤشر يضم سبع شركات تكنولوجية صينية كبرى، من بينها مجموعة علي بابا القابضة، والذي تديره سوسيتيه جنرال، بأكثر من 40% منذ بداية العام الحالي، في حين انخفض مؤشر أسهم شركات “العظماء السبعة” الأميركية بنحو 10%، ما دفع “مؤشر ناسداك 100” إلى شفا حركة تصحيحية.
الأسهم الأوروبية
من العوامل الأخرى التي تسرع التحول بعيداً عن الأصول الأميركية ظهور بدائل أقل تكلفة في مناطق أخرى من العالم. فعلى سبيل المثال، يُنظر إلى خطة ألمانيا لزيادة الإنفاق بشكل كبير على أنها نقطة تحول في سياسات الاتحاد الأوروبي، ما يعزز جاذبية الأصول الألمانية. ونتيجة لذلك، ارتفع مؤشر “داكس” الألماني بنحو 14% منذ بداية العام الجاري.
في الوقت الذي خفض فيه استراتيجيون من “إتش إس بي سي” تصنيف الأسهم الأميركية، رفعوا تصنيف الأسهم الأوروبية -باستثناء المملكة المتحدة- من توصية بالبيع إلى توصية بالشراء، مشيرين إلى أن توفير حوافز مالية في منطقة اليورو قد يكون عامل تغيير جذري في المشهد الاقتصادي.