ذعر الحرب التجارية يجتاح أسواق العالم.. و”S&P 500″ يتراجع 9.1% في أسبوع

زادت حدة الضغوط البيعية في أسواق الأسهم، وارتفعت السندات، وهبطت أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها في أربع سنوات، بعد أن أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى أن أضرار الحرب التجارية ستكون أكبر من المتوقع، وسط تأثيرات محتملة بما في ذلك ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو.

ورغم المخاطر الاقتصادية الناجمة عن الحرب التجارية التي شنها الرئيس دونالد ترمب، والتي شملت للتو رداً انتقامياً من الصين، جدد باول موقفه لاتباع سياسة الترقب والانتظار بشأن أسعار الفائدة.
وتكبد مؤشر “إس آند بي 500” (S&P 500) أعنف انخفاض له في يومين منذ مارس 2020، في تراجع حاد خسر خلاله نحو 5 تريليونات دولار من قيمته السوقية، حيث انخفض المؤشر بنحو 6% يوم الجمعة.
ودخل مؤشر “ناسداك 100” منطقة السوق الهابطة. وانخفضت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات بنقطتين أساس لتصل إلى 4.01%.
وتتوقع أسواق المال إجراء أربعة تخفيضات لأسعار الفائدة بالكامل من قِبَل الاحتياطي الفيدرالي هذا العام، واحتمالية حدوث تخفيض خامس. وارتفع الدولار بنسبة 1%.

مخاوف الركود تنتشر في وول ستريت

قال دوج رامزي، كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة “ليوثولد”، في مقابلة: “أداء السوق يبرز مخاوف الركود. وأحياناً تكون تحركات السوق في حد ذاتها هي المحفز النهائي الذي يدفع الركود للتحقق”.

في حين أشار أحدث تقرير للوظائف إلى أن سوق العمل قوية، إلا أن ذلك كان قبل أن تبدأ الرسوم الجمركية الصارمة التي فرضها ترمب بالتغلغل عبر الاقتصاد. كما تصاعدت التوترات التجارية مع رد الصين على الرسوم الأميركية الجديدة بسلسلة من الإجراءات، شملت فرض رسوم جمركية على جميع الواردات الأميركية وضوابط تصدير المعادن النادرة.

قال ترمب إن سياساته الاقتصادية “لن تتغير أبداً”. وفي وقت لاحق، أشار الرئيس إلى أنه أجرى “مكالمة مثمرة للغاية” مع فيتنام، مما أدى إلى ارتفاع أسهم الشركات التي لديها عمليات تصنيع كبيرة في البلاد، بما في ذلك شركتا “نايكي” و”لولوليمون أثليتيكا”.

أكدت شركة “بايت دانس” أنها تجري مناقشات مع الولايات المتحدة بشأن خطط لاستمرار عمل “تيك توك” في الولايات المتحدة. وتراجعت أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى بما في ذلك “إنفيديا” و”تسلا”. كما تراجعت أسهم الشركات الصينية المدرجة في الولايات المتحدة، مثل مجموعة “علي بابا” و”بايدو”. وسجّل مؤشر أسهم البنوك الكبرى أدنى مستوى له منذ 7 أغسطس، مع انخفاض أسهم “مورغان ستانلي” و”غولدمان ساكس” بأكثر من 7%.

هبوط يعيد إلى الأذهان ذكريات انهيار كوفيد

وتُعيد سرعة الانهيار الأخير في وول ستريت إلى الأذهان ذكريات غير سارة عن توقف التداول في السوق بالكامل أثناء الانهيار الذي سببه كوفيد في مارس 2020. إذ اقتربت نسبة هبوط مؤشر “إس آند بي 500” يوم الجمعة من عتبة 7% التي من شأنها أن تتسبب في تعليق التداولات في بورصة نيويورك لمدة 15 دقيقة.

يتجه العديد من المحللين  إلى إصدار توقعات متشائمة بشأن الأسهم الأميركية، وينصحون المستثمرين بالامتناع عن الشراء في ظل عمليات البيع المكثفة التي تثيرها حرب تجارية تاريخية تثير شبح الركود.

“سوق الأسهم تفترض أن هذا قد يستمر لبضعة فصول، ويتحول في الواقع إلى ارتفاعٍ بمعدلات البطالة، وإحجام المستهلكين عن الإنفاق، وتجميد الشركات لقراراتها، مما يتسبب ليس فقط في ركود خفيف ولكن في شيء أكثر خطورة من ذلك”، وفق بيتر مالوك من شركة “كرييتف بلانينغ” (Creative Planning)، التي تشرف على 360 مليار دولار.

نصح مايكل هارتنت، من “بنك أوف أميركا”، المستثمرين ببيع الأصول الخطرة على المكشوف حتى يتخلى ترمب عن الرسوم الجمركية ويتجه نحو خفض الضرائب، وزيادة إمدادات الطاقة، وتحرير القيود التنظيمية، ورفع سقف الدين بشكل حاد. وخفض مارك هيفيل، من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” (UBS Global Wealth Management)، توصيته للأسهم الأميركية إلى “الحياد”.

“التصحيح يمكن أن يكون أقوى قليلاً، نظراً لعدم اليقين” وفق ما قال نورييل روبيني في تجمع للاقتصاديين وقادة الأعمال على ضفاف بحيرة كومو في سيرنوبيو بإيطاليا. وأضاف: “حتى لو بدا الأمر وكأن ترمب سيبدأ المفاوضات في الأسابيع القليلة المقبلة، وحصلنا على تهدئة، أعتقد أن السوق سيصحح نفسه أكثر قليلاً، وسيصل إلى القاع”.

هل الوقت مناسب لاقتناص الفرص؟

ورغم ذلك، يرى آخرون فرصاً الآن بالسوق. قال إد يارديني، من “يارديني ريسرش” التي تحمل اسمه، إن الوقت قد حان لشراء الأسهم عند انخفاضها بعد أسوأ يوم للمؤشر منذ جائحة كوفيد.

قال المستثمر بيل غروس في منشور على منصة “إكس”: “الأسبوع المقبل قد يحمل بعض الفرص”. وأشار إلى أن السوق المالية الأميركية “مثقلة بالديون” وأن هذه الرافعة المالية تتلاشى “دون مراعاة القيمة”. وأضاف: “ما زلت أنتظر سقوط هذه السكين المحملة بالديون حتى تصل إلى القاع”.

أدى أسرع هبوط في سوق الأسهم الأميركية منذ ذروة جائحة كوفيد إلى انخفاض تقييمات الأسهم. ولكن إذا كان الركود حتمياً بسبب الحرب التجارية العالمية، فإن تعريف الرخص يصبح نسبياً.

تاريخيًا، ينزلق مكرر السعر إلى الأرباح لمؤشر “إس آند بي 500” إلى متوسط ​​15.6 مرة خلال موجات الهبوط التي تسبق فترات الركود الاقتصادي، وفقاً للبيانات التي جمعها سام ستوفال، كبير استراتيجيي الاستثمار في شركة الأبحاث “سي إف آر إيه” (CFRA). والآن يبلغ المعدل 23 مرة رغم عمليات البيع الأخيرة، مما يعني أنه لا يزال هناك مجال كبير لانخفاض أسعار الأسهم. (فقط في حال تحقق فرضية الركود الاقتصادي).

استسلام المتداولين الأفراد

بدأت أولى علامات الاستسلام بين المتداولين الأفراد المتفائلين في الظهور وفق البيانات الصادرة عن “جيه بي مورغان” وشركة “فيديليتي انفستمنتس”.

قالت “جيه بي مورغان ” إن أوامر البيع من قبل المستثمرين الأفراد سجلت صافي بيع بقيمة 1.5 مليار دولار ظهر يوم الجمعة، وهو أعلى مبلغ في أول ساعتين ونصف من التداول في التاريخ. وجاء ذلك بعد يوم من إظهار أرقام الشركة أن الأفراد كانوا مشترين صافين بقيمة 4.7 مليار دولار من الأسهم، وهو أكبر يوم على مدى العقد الماضي.

وفي وحدة الوساطة التابعة لشركة “فيديليتي”، كان المستثمرون الأفراد لا يزالون يشترون أسهمهم المفضلة وصناديق الاستثمار المتداولة في البورصة يوم الجمعة، ولكن مستوى الشراء مقارنة بأوامر البيع أظهر تباطؤاً عن اليوم السابق.

هل اقتربت السوق من الارتداد؟

يقول ديفيد ليبوفيتز من “جيه بي مورغان أسيت مانجمنت” إن الأسهم وصلت إلى منطقة الشراء عند القيعان، وذلك استناداً إلى وجهة نظره بأن الولايات المتحدة ستظل قادرة على تجنب الركود الي قد ينجم عن الرسوم الجمركية.

ويترقب ليبوفيتز، الذي يساعد في تشكيل أولويات تخصيص شركة إدارة الأموال البالغة قيمتها 3.6 تريليون دولار، وصول مؤشر “إس آند بي 500” إلى مستوى 5100 نقطة، والذي كسره لأسفل يوم الجمعة بعد الظهر.

قال ليبوفيتز، الخبير الاستراتيجي العالمي في فريق استراتيجية حلول الأصول المتعددة بالبنك، في مقابلة: “كلما انخفضت أسعار الأسهم، زاد اهتمامنا بها”. وأضاف: “تاريخياً، فإن خفض الوزن الاستثماري للأسهم في عام لم يتضمن ركود لا يعمل بشكل جيد من منظور العائد في معظم الأوقات”.