يُرجح أن يتباطأ التضخم في منطقة اليورو بوتيرة أكبر مما كان متوقعاً سابقاً بسبب الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة، وفقاً لاستطلاع أجرته “بلومبرغ”، مما يعزز احتمال إقدام البنك المركزي الأوروبي على خفض أسعار الفائدة هذا الأسبوع.
المحللون توقعوا أن يبلغ متوسط نمو أسعار المستهلكين 1.9% في عام 2026، و2% في 2027، بانخفاض قدره 0.1 نقطة مئوية لكل من التقديرين السابقين. كما رجحوا أن ينمو الاقتصاد بنسبة 0.8% هذا العام، بتراجع طفيف عن التقديرات السابقة، قبل أن تكتسب وتيرة النمو زخماً في وقت لاحق.
رغم أن الاستطلاع لم يأخذ في الحسبان قرار دونالد ترمب تعليق فرض رسوم جمركية أعلى على معظم دول العالم، إلا أنه يسلط الضوء على التداعيات المحتملة لسياسته. فرض ترمب حالياً رسوماً بنسبة 145% على الصين، ورسوم 10% على شركاء تجاريين آخرين، من ضمنهم الاتحاد الأوروبي. وتُطبق الإجراءات الأخيرة لمدة 90 يوماً، لإتاحة المجال أمام المفاوضات.
أدت الصدمة التي أصابت المستثمرين إلى هزة في أسواق الأسهم، وعززت التوقعات بأن البنك المركزي الأوروبي سيضطر إلى خفض الفائدة للمرة السابعة هذا الأسبوع.
وفي استطلاع آخر منفصل أجرته “بلومبرغ”، توقع خبراء الاقتصاد أن يجري خفضان إضافيان في شهري أبريل ويونيو.
قال غريغ فوزيزي، الخبير الاقتصادي لدى “جيه بي مورغان تشيس”: “حتى مع تعليق الرسوم الجمركية، يظل الخفض في أبريل منطقياً”. أضاف: “خفض يونيو أيضاً قد لا يكون موضع جدل كبير”، مشيراً إلى أن المسار بعد ذلك يعتمد على كيفية تطور المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة.
رسوم ترمب تدعم خفض الفائدة الأوروبية
أشار بعض صانعي السياسة إلى استعدادهم للتحرك قبيل دخول فترة الصمت عن التصريحات الأسبوع الماضي. ذكر محافظ بنك فرنسا، فرنسوا فيليروي دو غالو، أن هناك مجالاً لخفض الفائدة، موضحاً أن رسوم ترمب تعزز المبررات للتحرك “قريباً”. كما عبّر كل من أولي رين من فنلندا وجديميناس سيمكوس من ليتوانيا عن تأييدهما لخفض آخر هذا الأسبوع.
في المقابل، اكتفى رئيس “بوندسبنك” يواكيم ناغل بالقول إن البنك المركزي الأوروبي سيتصرف “بمسؤولية” استناداً إلى البيانات والمعطيات. أما النمساوي روبرت هولزمان، فقال إنه لا يرى في الوقت الراهن مبررات لخفض الفائدة، نظراً إلى حالة عدم اليقين السائدة.
بدأ التضخم يتراجع بالفعل قبل إعلان ترمب، بما في ذلك في قطاع الخدمات الحيوي. أظهر استطلاع أجراه البنك المركزي الأوروبي في الربع الأول بين شركات منطقة اليورو، أن توقعاتها لنمو الأسعار خلال عام شهدت تراجعاً طفيفاً، بحسب بيان نُشر يوم الاثنين.
في مارس، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد أمام المشرعين في الاتحاد الأوروبي إن الرسوم الجمركية ستمثل تحدياً لهذا التقدم، من خلال الإضرار بالنمو ورفع التضخم على المدى القصير.
لكن التأثير على الأسواق المالية كان لافتاً. فقد ارتفع اليورو إلى أعلى مستوى له في ثلاث سنوات يوم الجمعة، ما يعني أن الواردات إلى منطقة العملة الموحدة ستصبح أقل كلفة، ما من شأنه أن يضغط على الأسعار. كما تراجعت أسعار الطاقة.
رأي “بلومبرغ إيكونوميكس”
“يواجه البنك المركزي الأوروبي عالماً مختلفاً تماماً عن آخر اجتماع له، مع دخول الرسوم الجمركية الأميركية حيز التنفيذ، وهو ما يستدعي تعديلاً في السياسة النقدية لمنطقة اليورو. نتوقع أن يقدم مجلس الإدارة على خفض جديد بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه في 17 أبريل، تمهيداً لمزيد من التيسير في وقت لاحق هذا العام”.
علاوة على ذلك، أحجم الاتحاد الأوروبي حتى الآن عن اتخاذ تدابير انتقامية صارمة، كان من شأنها أن تؤدي إلى زيادة التضخم. ترى إيفلين هيرمان، الخبيرة الاقتصادية في “بنك أوف أميركا”، أن ذلك يفتح الباب أمام مزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة حتى بعد هذا الأسبوع.
قالت: “إذا لم تتغير أسعار الطاقة وسعر الصرف بشكل كبير، سيكون من الصعب على البنك المركزي الأوروبي ألا يخفض توقعاته للتضخم في يونيو”. أضافت: “في هذه الحالة، سيكون من الصعب عدم خفض الفائدة مرة أخرى”.
سعر الفائدة المحايد
الخفض الإضافي بمقدار ربع نقطة في يونيو سيدفع سعر الفائدة على الودائع إلى مستوى 2%، وهو ما يمثل تقريباً منتصف النطاق التقديري لما يُعرف بـ”سعر الفائدة المحايد”، أي المستوى النظري الذي لا يقيّد النمو ولا يحرّكه. أما خفض الفائدة إلى ما دون هذا المستوى فربما يتطلب تزايداً في المخاطر الاقتصادية، وهو ما لا يزال تحت السيطرة بفضل وعود بزيادة كبيرة في الإنفاق المالي في ألمانيا.
على غرار هيرمان، يتوقع خبراء الاقتصاد في “دويتشه بنك” و”غولدمان ساكس” أن تنخفض الفائدة إلى 1.5% هذا العام، بسبب ضعف توقعات النمو والتضخم. لكن آخرين يبدون حذرهم.
قال بيتر شافريك وجورج موران من “آر بي سي كابيتال ماركتس”: “من غير المرجح أن يتفاعل البنك المركزي الأوروبي بسرعة مع إعلانات الرسوم الجمركية، لذلك قد تكون الأسواق مفرطة في التفاؤل بشأن خفض جديد في يونيو على هذا الأساس”. أضافا: “نعتقد أن البنك سيتحرك بحذر، وأن مخاطر ارتفاع التضخم ستجعل من الصعب خفض الفائدة بعد هذا الاجتماع”.
سلط محافظ البنك المركزي الهولندي كلاس نوت الضوء الأسبوع الماضي على كيف أن تداخل السياسات الاقتصادية يجعل من الصعب على البنك المركزي الأوروبي تكوين رؤية واضحة بشأن آفاق النمو في المنطقة.
أشار خلال فعالية في أمستردام إلى أن الرسوم تشكل “صدمة سلبية للطلب” على المدى القصير، لكن آثارها التضخمية قد تطغى على المدى الطويل. قال إن البنك، مع الأخذ في الاعتبار التحول في السياسة المالية، سيضطر إلى توخي “حذر كبير”.