مؤشرات وول ستريت تعمّق خسائرها بعد تحذيرات الفيدرالي

أشعلت تحذيرات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول من أن التوترات التجارية قد تُقوّض أهداف البنك المتعلقة بالتوظيف واستقرار الأسعار، موجة جديدة من التقلبات في “وول ستريت” يوم الخميس، حيث عادت مؤشرات الأسهم الأميركية إلى الهبوط الحاد، بينما ارتفعت الأصول الآمنة مثل سندات الخزانة والذهب.

وبعد يومين من الهدوء النسبي، عادت الضغوط إلى الأسواق مع إشارة باول إلى تبنّي سياسة “الترقب وانتظار البيانات” تجاه حملة الرسوم التي يشنّها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ما بدد الآمال بتدخل سريع من الفيدرالي لطمأنة المستثمرين. وتعمقت الخسائر التي بدأت في وقت سابق من الجلسة، عقب إعلان شركتين كبيرتين في قطاع أشباه الموصلات عن نتائج مخيبة ترتبط بالحرب التجارية العالمية.

وعندما سُئل باول خلال مشاركته في “النادي الاقتصادي في شيكاغو” إن كان يرى سيناريو يتدخل من خلاله الفيدرالي لتهدئة الأسواق، أجاب: “لا”، مضيفاً أن هناك الكثير من الأسئلة التي لم تُحسم بعد بشأن تداعيات سياسات ترمب. وتابع: “لا نعلم ذلك بعد، وحتى نعلم، لا يمكننا اتخاذ قرارات مدروسة”.

تراجع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 2.2%، في حين تكبّد قطاع التكنولوجيا أكبر الخسائر مع هبوط مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 3% بعد فرض البيت الأبيض قيوداً جديدة على صادرات شركة “إنفيديا” من الرقائق إلى الصين. وتراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بنحو 5 نقاط أساس إلى 4.28%.

سوق العمل “في مكان جيد”

رغم ذلك، شدّد باول على أن سوق العمل لا تزال “في مكان جيد جداً”، حيث يتراجع العرض والطلب على الوظائف معاً، مشيراً إلى أنه يتوقع استمرار هذه الظروف.

قال آدم فيليبس، المدير الإداري للاستثمار في شركة “إيه بي ويلث أدفايزورز” (EP Wealth Advisors): “كان كثيرون يظنون أن الاحتياطي الفيدرالي سيُعطي الأولوية لشق التوظيف من التفويض المزدوج إذا اضطر للاختيار، لكنه أشار إلى أن استقرار الأسعار ضروري للحفاظ على سوق عمل قوية”.

وأضاف: “إذا كنت تنتظر تدخلاً من الفيدرالي لدعم السوق، فعليك خفض سقف توقعاتك طالما ظلت الضغوط التضخمية مرتفعة. لا تتوقع دعماً قريباً من السياسة النقدية”.

أما مايكل بيلي، مدير الأبحاث في “أف بي بي كابيتال بارترز” (FBB Capital Partners)، فقال إن “باول ألقى بالأسهم تحت عجلات الحافلة”، مضيفاً: “هذه السنة كانت مليئة بالخيبات، بدءاً من الرسوم المخيبة، والآن الفيدرالي يتخلى عن المستثمرين. باول تجاهل السوق في وقت غير مناسب، وسط صدمة تشهدها أسهم شركات أشباه الموصلات التي تضرب المعنويات عالمياً”.

في وقت سابق، أعربت بيث هامّاك، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، عن موقف مماثل، معتبرة أنه ينبغي الإبقاء على أسعار الفائدة مستقرة حتى تتضح آثار الرسوم الجديدة. كما أبقى متداولو عقود المبادلة على رهاناتهم بأن يلجأ الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة بنقطة مئوية كاملة بحلول يناير المقبل.

ضغوط إضافية على “إنفيديا” و”ASML”

تعمّقت خسائر سهم “إنفيديا” بعد تعليقات باول، لينخفض بأكثر من 9%، بعدما حذّرت الشركة من تكاليف قيمتها 5.5 مليارات دولار تتعلق بمخزونات والتزامات شريحة “H20” خلال هذا الربع. وزادت المخاوف بعد أن أعلنت شركة “ASML” عن طلبيات أقل من المتوقع.

وكانت الحكومة الأميركية قد أبلغت شركة “إنفيديا” يوم الإثنين أن تصدير شريحة “H20” إلى الصين سيحتاج إلى ترخيص “لأجل غير مسمى”. وقالت الشركة في إفصاح إن القواعد الجديدة تستند إلى مخاوف واشنطن من أن “المنتجات المعنية قد تُستخدم في جهاز حوسبة فائق في الصين، أو يُعاد توجيهها إليه”.

وقال فيشنو فاراثان، رئيس قسم الاقتصاد والاستراتيجية في “ميزوهو بنك” في سنغافورة، إن هذه الخطوة “مقلقة لسببين: أولاً، تُظهر الطبيعة المتقلبة لرسوم ترمب، إذ تم التراجع عن تنازلات سابقة قُدّمت لإنفيديا. وثانياً، توحي بأن التوترات بين الولايات المتحدة والصين عميقة ومستمرة، رغم ما يبدو على السطح من هدوء”.

تزايد التقلبات ومخاوف من انكماش التجارة

مع ازدياد التقلبات، اتجه المستثمرون نحو الأصول الآمنة مثل الذهب، الذي سجّل مستوى قياسياً، والفرنك السويسري. وتراجع الدولار مع تعمّق التوترات التجارية، ما أضعف الثقة بالعملة الاحتياطية العالمية.

ومن العوامل التي ضغطت على الأصول المحفوفة بالمخاطر، خفّضت منظمة التجارة العالمية توقعاتها للعام، وقالت إن التجارة العالمية ستتراجع بنسبة 0.2% في عام 2025، أي أقل بثلاث نقاط مئوية تقريباً من التوقعات السابقة في حال عدم فرض رسوم جديدة.

وذكرت تقارير أن الصين تبحث عن شخصية محورية، بالإضافة إلى مزيد من الاحترام من إدارة ترمب، قبل العودة إلى طاولة المفاوضات بشأن الرسوم.

وقالت سوليتا مارسيلي من “يو بي إس لإدارة الثروات العالمية”: “رغم أننا نتوقع أن تثمر المحادثات التجارية في نهاية المطاف، إلا أن سياسة حافة الهاوية بين الولايات المتحدة والصين تبدو مستمرة في المدى القريب”.

في سياق موازٍ، ارتفعت مبيعات التجزئة الأميركية لشهر مارس بنسبة 1.4%، وهي الزيادة الأكبر في عامين، حيث أقبل الأميركيون على الإنفاق بشكل مكثّف، واشتروا كل شيء من السيارات إلى الإلكترونيات في الأيام التي سبقت إعلان الرئيس دونالد ترمب عن الرسوم الجمركية.