تمكنت الشركات الصينية من تجاوز تأثير الرسوم الجمركية الأميركية، ومواصلة نشاطها القوي في طرح الأسهم، في وقت أدت فيه مخاوف الحرب التجارية إلى تباطؤ الطروحات العامة في الولايات المتحدة وأوروبا.
جمعت الشركات الصينية، مثل سلسلة الشاي “تشاغي هولدينغز” (Chagee Holdings) وشركة صناعة الأدوية “ديولتي بيوثيرابيوتكس” (Duality Biotherapeutics)، عبر الاكتتابات العامة الأولية والطروحات الخاصة وصفقات التداول الجماعية ما مجموعه 3.4 مليار دولار خلال أبريل، بزيادة تقارب 90% عن العام الماضي، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرغ”.
وفي المقابل، تتجه مبيعات الأسهم في الولايات المتحدة نحو أسوأ أداء شهري لها منذ أكثر من عام، فيما هوت مبيعات الأسهم في أوروبا بأكثر من 80%.
الشركات الصينية تتكيف مع الرسوم الجمركية
تعكس هذه الأرقام تنامي عدد الشركات الصينية القادرة على التكيف مع الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، من خلال تقليص اعتمادها على الصادرات إلى السوق الأميركية.
ومع اقتراب شركة “كونتمبوراري أمبيركس تكنولوجي” (Contemporary Amperex Technology) من إتمام إدراج ضخم لأسهمها بقيمة مليارات الدولارات في بورصة هونغ كونغ، تتجه الأنظار نحو موجة جديدة من الصفقات المرتقبة.
في هذا السياق، قالت كاثي تشانغ، رئيسة أسواق رأس المال في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى “مورغان ستانلي” (Morgan Stanley)، والتي شاركت في اكتتابي “تشاغي” و”ديولتي”، إن “النشاط في هونغ كونغ والصين سيفوق بقية الأسواق العالمية في المستقبل القريب”.
وأضافت أن “الصفقات لا تزال تُبرم لأن المستثمرين الذين تواصلنا معهم لا يزالون مستعدين لضخ رؤوس الأموال، ولا يزالون يبحثون عن فرص استثمارية في شركات صينية تتمتع بجودة عالية”.
تعزيز الطلب المحلي في الصين
تعهدت الصين بتعزيز الطلب المحلي في ظل التوقعات التي تشير إلى تأثير الرسوم الجمركية الأميركية سلباً على الصادرات. وشهدت مبيعات التجزئة تحسناً منذ أواخر العام الماضي، مع بدء السلطات في تقديم حوافز لدعم شراء السيارات والأجهزة المنزلية، حيث سجلت الإيرادات أفضل وتيرة نمو في مارس منذ ديسمبر 2023.
مع ذلك، أقرت تشانغ بأن السوق ستظل مضطربة وغير قابلة للتنبؤ لفترة من الوقت، وأن المستثمرين باتوا أكثر حساسية تجاه تقييمات الشركات. وأوضحت أن صناديق الاستثمار الآسيوية والأوروبية طويلة الأجل لا تزال ترى فرصاً واعدة في عمليات بيع الأسهم في المنطقة، فيما أصبحت الصناديق الأميركية أكثر انتقائية نتيجة الرسوم الجمركية الأميركية والتوترات المستمرة بين بكين وواشنطن.
تداعيات “يوم التحرير” الجمركي
لا تزال البورصات الرئيسية في هونغ كونغ والبر الرئيسي الصيني تعاني من تداعيات إعلان ترمب فرض رسوم جمركية جديدة خلال أبريل، والذي وصفه بـ”يوم التحرير”.
ومن بين الصفقات التي أُبرمت في أبريل، تمكنت شركة “تشاغي”، التي طرحت أسهمها للاكتتاب العام في السوق الأميركية، من تحدي حالة الركود هناك عبر اكتتابها العام الأولي الذي جمع 411 مليون دولار، وقد ارتفع سهمها بنسبة 26% منذ الإدراج. وفي غضون ذلك، قفزت قيمة أسهم شركة “ديولتي” إلى أكثر من الضعف بعد إدراجها في بورصة هونغ كونغ.
وتلوح في الأفق صفقات ضخمة، إذ تستعد شركة “كونتمبوراري أمبيركس تكنولوجي”، عملاقة صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، لبدء تلقي طلبات المستثمرين على إدراج محتمل قد تتجاوز قيمته 5 مليارات دولار في مايو، بحسب أشخاص مطلعين على الأمر.
وفي السياق ذاته، حصلت شركة الأدوية “جيانغسو هينغروي فارماسيوتيكالز” (Jiangsu Hengrui Pharmaceuticals) هذا الأسبوع على موافقة هيئة الأوراق المالية الصينية لإدراج أسهمها في بورصة هونغ كونغ، لتصبح على مشارف تنفيذ إدراج عام قد تصل قيمته إلى ملياري دولار على الأقل.
علق فرانك بي، رئيس قسم المعاملات المؤسسية في آسيا لدى مكتب المحاماة “آشورست” (Ashurst)، على صفقات هونغ كونغ قائلاً: “من الواضح أن الشركات تسعى لاختيار توقيت أكثر ملاءمة، لكن في ظل الضبابية الحالية بشأن الرسوم الجمركية، لا يمكن التنبؤ بالوقت الأنسب”. وأضاف: “لذلك، بدلاً من انتظار نافذة جديدة، فضلت الشركات المضي قدماً في تنفيذ طروحاتها”.
تباطؤ آسيوي وهونغ كونغ تواصل الصمود
على نطاق أوسع في المنطقة، أظهرت بيانات جمعتها “بلومبرغ” أن مبيعات الأسهم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تراجعت بنسبة 38% مقارنة بالعام الماضي لتصل إلى 7.6 مليار دولار، خاصة وسط فتور أسواق كانت نشطة سابقاً مثل الهند.
مع ذلك، يُتوقع أن تحافظ بعض الأسواق الإقليمية، خاصة هونغ كونغ، على مرونتها في نشاط الطروحات المرتقبة. فقد ساهم الزخم الكبير للإدراجات الجديدة في تحقيق بورصة هونغ كونغ أرباحاً قياسية هذا الأسبوع.
صرح كينيث تشاو، رئيس قسم إصدار المنتجات وأسواق رأس المال في آسيا لدى “سيتي غروب”، بأن معظم الشركات التي تتجه للإدراج في هونغ كونغ لا تتأثر بشكل مباشر بالرسوم الجمركية.
وأضاف تشاو، الذي شارك فريقه أيضاً في إدارة اكتتاب “تشاغي”: “يعتقد المستثمرون أن تصاعد حدة الرسوم الجمركية يؤدي إلى تعزيز الدعم الموجه لقطاع الاستهلاك في الصين”.