انكماش الاقتصاد الأميركي في الربع الأول.. هل يتحمل بايدن المسؤولية فعلاً؟

ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب باللوم على سلفه جو بايدن مسؤولية انكماش الاقتصاد الأميركي بعد الإعلان عن تراجع الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة خلال الربع الأول من 2025 يوم الأربعاء، لكنه بعض الاقتصاديين كان لهم رأي آخر في السبب وراء ذلك.

وحمل اقتصاديون الرسوم الجمركية الضخمة التي فرضها ترامب على جميع الدول تقريباً جزءاً كبيراً من المسؤولية عن التطورات المتعلقة بالاقتصاد الأميركي خاصة مع التصريحات السابقة على الفرض الفعلي للرسوم وإعلان إجراء دراسة لفرضها، وهو ما أثر على السلوكيات الاقتصادية للشركات والمواطنين.

انكماش الاقتصاد الأميركي

يوم الأربعاء، كشفت بيانات وزارة التجارة الأميركية عن تراجع الناتج المحلي الإجمالي – وهو إجمالي السلع والخدمات المنتَجة بين يناير/ كانون الثاني ومارس/ آذار – بنسبة سنوية قدرها 0.3% بعد التعديل الموسمي وأخذ التضخم في الحسبان.

جاء ذلك على عكس توقعات اقتصاديين استطلعت آراؤهم “داو جونز” بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4%، بعد أن سجل الاقتصاد نمواً بنسبة 2.4% في الربع الرابع من عام 2024.


لكن بعض المحللين في وول ستريت عدلوا توقعاتهم نحو السلبية في اليومين السابقين على إعلان تلك البيانات، بسبب ارتفاع غير متوقع في الواردات، مع سعي الشركات والمستهلكين لتسريع مشترياتهم قبل دخول تعرفات ترامب الجمركية حيّز التنفيذ في أوائل أبريل. وتُحتسب الواردات كعنصر يُخصم من الناتج المحلي الإجمالي.

وقفزت الواردات من السلع والخدمات بنسبة 41.3% خلال الربع الأول على أساس سنوي، وبلغت الزيادة في واردات السلع أكثر من النصف (50.9%).

ترامب يتهم بايدن

من جانبه، سرعان ما خرج ترامب عبر منصته الاجتماعية “Truth Social”، بعد صدور البيانات، لاتهام الرئيس السابق جو بايدن عن المسؤولية عن هذا التراجع. وقال إن انكماش الاقتصاد الأميركي في الربع الأول جاء نتيجة “أثر بايدن المتراكم”.

وقال الرئيس الأميركي الحالي: “هذا سوق أسهم بايدن وليس سوق ترامب .. علينا التخلص من عبء بايدن، أثر التعرفات الجمركية سيبدأ قريباً الشركات بدأت تنتقل بأعداد قياسية لأميركا”.

وأشار ترامب إلى أن الازدهار الذي وعد به سيستغرق بعض الوقت.


رأي مختلف للاقتصاديين

لكن الأمر لبعض الاقتصاديين لا يبدو كذلك. ففي ظل حالة عدم اليقين بشأن كيفية تغيّر الأسعار والتوظيف خلال الفترات المقبلة، والتي بدأت في الربع الأول وتستمر حتى الآن، أو الشركات التي تُكافح في ظلّ مستقبلٍ غامضٍ للغاية، فإنهم يعتقدون أن الرسوم الجمركية تتحمل في الواقع جزءاً كبيراً من اللوم، مشيرين إلى أنه من النادر أن يكون لسياسات رئيس جديد مثل هذا التأثير الحاد والفوري على الاقتصاد.

وقال المتخصص في دراسة سياسات رؤساء الولايات المتحدة، من جامعة جورجيا للتكنولوجيا، مارك زاكاري تايلور، لوكالة الأنباء الأميركية أسوشيتد برس، إن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعكس “ازدواجية صارخة في المعايير”.

وقال جوزيف ستيغليتز، من جامعة كولومبيا، وهو اقتصادي حائز على جائزة نوبل ورئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض في إدارة كلينتون: “بعض ما ترونه الآن مرتبط بترامب تماماً”. “لا يستطيع أحد أن ينظر إلى ما يحدث في الاقتصاد دون أن يقول إن الرسوم الجمركية المتقلبة – التي تُفرض ثم تُلغى – لا تؤثر على الوضع الاقتصادي”.


الأمر قد يبدو مختلفاً عن المعتاد بالنسبة للرؤساء الذين يدخلون البيت الأبيض بطموحات كبيرة لإعادة تشكيل الاقتصاد من البداية. وقال تايلور: “كلما تصرّف الرئيس الجديد بجرأةٍ أكبر (وكلما كان دعم الكونغرس له أقوى)، أصبح الاقتصاد ملكه في أسرع وقت”.

أبرز مثال على ذلك هو الرئيس فرانكلين د. روزفلت، في الثلاثينات من القرن الماضي، الذي دفع بتشريعات رئيسية – بما في ذلك مشروع قانون أنشأ فعلياً تأميناً على الودائع لتهدئة أزمة مصرفية – لمكافحة الكساد الكبير خلال أول 100 يوم من توليه منصبه. كما تولى الرئيسان رونالد ريغان وباراك أوباما منصبيهما خلال الأزمات الاقتصادية وتحركا بسرعة للتعامل معها.

لكن حتى هذه السياسات التي اتخذها هؤلاء الرؤساء لم تُحرك البيانات الاقتصادية بنفس سرعة أو حدة ترامب. يعتبر ارتفاع الواردات بنسبة 41% خلال الربع الأول، أكبر قفزة لها – باستثناء فترة جائحة كورونا – منذ عام 1972. وسارعت الشركات إلى استيراد البضائع في الربع الأول لتفادي الرسوم الجمركية الوشيكة.

أدى تدفق الواردات إلى نمو سلبي، وفقاً لتقديرات الحكومة الأميركية، وانكمش الاقتصاد لأول مرة منذ الربع الأول لعام 2022 عندما سجل الناتج المحلي الإجمالي التراجع الوحيد خلال الفترة الرئاسية لبايدن التي استمرت أربع سنوات منذ يناير 2021 وحتى يناير الماضي.


وقال تايلور إن الأرقام المتعلقة بالواردات خلال الربع الأول “تُطابق تماماً ما يتوقعه المرء من ملايين الشركات والأسر الأميركية التي تحاول استباق زيادات الرسوم الجمركية الوشيكة”، مضيفاً أن حرب ترامب التجارية مسؤولة أيضاً عن تراجع سوق الأسهم وانخفاض قيمة الدولار.

فرض الرسوم الجمركية

كانت إدارة ترامب فرضت في الثاني من أبريل/ نيسان، أو ما وصفته بـ “يوم التحرير”، رسوماً جمركية شاملة بنسبة 10% على الواردات من معظم الدول، ومتبادلة بنسبة أعلى على بعض البلدان.

وبعد أيام علقت الإدارة الأميركية الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة 90 يوماً مع استمرار تطبيق النسبة الشاملة 10%، باستثناء الصين، التي رفعت عليها الولايات المتحدة الرسوم عدة مرات لتصل إلى 145%، وهو ما ردت عليه الصين برسوم انتقامية وصلت في مجملها إلى 125% بالإضافة إلى إجراءات أخرى.

أيضاً خلال الفترة الماضية فرضت إدارة ترامب رسوماً تجارية على الواردات الأميركية من الصلب والألمنيوم، وكذلك السيارات.


مخاوف الشركات من الرسوم الجمركية

وتركت الطريقة غير المنتظمة التي طرح بها ترامب سياساته الحمائية – فرض تعرفات جمركية ثم تعليقها، ثم الإعلان عن تعرفات جديدة – الشركات والمستهلكين والمستثمرين في حيرة من أمرهم.

تُظهر الاستطلاعات أن الشركات المصنعة في الولايات المتحدة تتلقى طلبات أقل وأن إنتاجها آخذ في الانخفاض. يوم الخميس، أصدر معهد إدارة التوريد، وهو مجموعة تجارية لمديري المشتريات، استطلاعه الشهري للمصنعين، والذي يتضمن عادةً مجموعة مختارة من تعليقات أعضائه.

عادةً ما تعكس التعليقات المخاوف الفردية لكل قطاع، لكن في تقرير أبريل/ نيسان، ركزت جميع التعليقات العشرة – كل تعليق على حدة – على الرسوم الجمركية.

وقالت إحدى الشركات في قطاع معدات النقل: “الرسوم الجمركية تؤثر على العمليات – وتحديداً تأخير عبور الحدود وحسابات الرسوم المعقدة وغير المفهومة تماماً”. “نتيجةً لذلك، قد ندفع رسوماً جمركية زائدة”.