لماذا لم تتأثر الأسواق الهندية بالضربات ضد باكستان؟

يواصل المستثمرون إيمانهم بالاقتصاد الهندي، إذ طغى التفاؤل حيال آفاق النمو الاقتصادي للبلاد على المخاوف الجيوسياسية المتصاعدة، وذلك في أعقاب الضربات العسكرية التي نفذتها نيودلهي داخل أراضٍ خاضعة لسيطرة باكستان فجر الأربعاء.

وتجاهلت الأسواق المالية الهندية التوترات الجديدة مع إسلام آباد، حيث أظهرت مؤشرات الأسهم تماسُكاً يعكس ثقة المستثمرين بمتانة الاقتصاد المحلي.

وقال موهيت ميربوري، مدير صناديق الأسهم في «إس جي إم سي كابيتال»، إن «الإصلاحات الهيكلية، والطلب المحلي الصامد، والأسس الماكرو اقتصادية القوية، تواصل توفير حالة استثمارية جذابة».

وأضاف ميربوري: «قد يتوقف المستثمرون مؤقتاً لقراءة المشهد، لكن ذلك لن يغيّر من مسار الهند كوجهة رئيسية للاستثمارات ضمن الأسواق الناشئة».

ويأتي هذا الاستقرار في الأسواق أيضاً مدعوماً بتقدّم الهند في مباحثات التجارة مع شركائها الرئيسيين، لاسيّما بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع المملكة المتحدة يوم الثلاثاء، في خطوة تعزز مكانة نيودلهي على الخارطة التجارية العالمية.

 

وأشارت راديكا راو، كبيرة الاقتصاديين في بنك «دي بي إس» ومقره سنغافورة في تصريحات لقناة CNBC، إلى أنّ الهند من المرجّح أن تكون من أوائل الدول في المنطقة التي تبرم اتفاقية تجارة ثنائية مع الولايات المتحدة، ربما قبل نهاية الربع الثالث من عام 2025.

 

استقرار الأصول الهندية

 

من جانبها، قالت جوانا تشوا، رئيسة قسم اقتصاديات الأسواق الناشئة لدى «سيتي غروب»، في مذكرة للعملاء صدرت بعد تنفيذ الهند لضرباتها العسكرية، إنّ «الأصول الهندية من المتوقع أن تبقى مستقرة نسبياً رغم تصاعد التوترات الجيوسياسية مع باكستان».

وأضافت تشوا أنّ هناك سوابق تاريخية تدعم هذا التوجّه، مشيرة إلى ردّة فعل المستثمرين في عام 2019 بعد هجوم بولواما الذي أسفر عن مقتل 40 من عناصر الأمن الهنود، وتبعه تنفيذ الهند لضربات داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة باكستان.

 

وفي ذلك الوقت، بقيت أسواق العملات «هادئة نسبياً»، كما تداولت عوائد السندات الحكومية الهندية لأجل 10 سنوات ضمن نطاق محدود بلغ 15 نقطة أساس، رغم أنّ البلاد كانت على مشارف انتخابات وفي بيئة تتجه نحو خفض معدلات الفائدة.

ورغم ترقب المستثمرين لبعض ردود الفعل اللحظية في الأسواق، فإنّ التوقعات تميل إلى تهدئة سريعة للتوتر قد تُقلّص تداعياته على الأسواق المالية.

 

تأثير النزاع على الأسهم الهندية

 

وتداولت الأسهم الهندية بشكل شبه مستقر عقب العملية العسكرية، بعدما تراجعت في الجلسة السابقة. فقد بقي مؤشرا «نيفتي 50» و«سينسكس» دون تغيّر يُذكر، ما يشير إلى أنّ المستثمرين لم يُبدوا حتى الآن قلقاً بالغاً من التوترات بين البلدين النوويين.

لكن خبراء السوق لم يستبعدوا أن تتعرّض الأسواق لهزات قوية في حال تصاعد النزاع. وقال كرَنتي باثيني، مدير استراتيجية الأسهم في شركة «ويلث ميلز سيكيوريتيز»، إنّ «الأسواق قد تشهد تقلبات على المدى القريب مع احتمالات لهبوط مؤقت، يعقبه تعافٍ تدريجي».

وأضاف: «السؤال الجوهري هو: هل سيتحوّل الوضع إلى صراع شامل أم سيبقى في إطار ضربة محدودة؟ التصعيد الواسع قد يُضعف ثقة المستثمرين، في حين أنّ استجابة محدودة ربما لن تترك أثراً يُذكر على الأسواق».

 

تراجع الروبية الهندية

 

تراجعت الروبية الهندية بنسبة 0.33% لتسجّل 84.562 مقابل الدولار الأميركي، في ظل موجة ضعف أوسع تطال العملات الآسيوية، رغم بقائها قريبة من أعلى مستوياتها في ثلاثة أشهر.

وانخفض العائد على السندات الحكومية الهندية لأجل عشر سنوات بشكل طفيف إلى 6.339%.

وقال دارين تاي، رئيس وحدة مخاطر الدول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى مؤسسة BMP، إن «التبادل الناري الأخير كان أكثر عنفاً مقارنة بما حدث عام 2019، لكننا ما زلنا نعتقد أنه سينتهي بتهدئة خلال الأشهر المقبلة»، مضيفاً أن المستثمرين «يجب أن يحافظوا على النظرة الإيجابية تجاه الأصول الهندية».

في المقابل، حذّر محللون آخرون من أن الوضع الحالي على الحدود بين الهند وباكستان أكثر حدة مقارنةً بالأحداث التي تلت هجوم عام 2019.

وقال توم ميلر وأوديث سيكند، وهما محللان بارزان لدى Gavekal، في تصريحات لـ«CNBC»: «الوضع الميداني لا يزال متقلباً للغاية، ونطاق العملية العسكرية الهندية هذه المرة أوسع بكثير مما حدث في عامي 2016 و2019، ما قد يدفع باكستان إلى الرد بشكل أكثر تصعيداً».

وأضافا: «رغم ذلك، فإن رد الفعل المحدود من الأسواق الهندية على تطورات الليلة الماضية يشير إلى أن المستثمرين لا يتوقعون دوامة متواصلة من التصعيد العسكري المتبادل».

يُذكر أن العملية العسكرية الهندية الأخيرة جاءت بعد هجوم مسلح وقع الشهر الماضي في بلدة باهالغام في جامو وكشمير، وأسفر عن مقتل 26 شخصاً.