ارتفاع مؤشر الخوف في سوق الأسهم لا يعني هبوطاً حتمياً

ارتفاع التقلبات في السوق يعني حتماً هبوطاً في الأسهم، أليس كذلك؟ خطأ.

أعترف أنني مع كل قفزة في مؤشر “فيكس” (VIX) -أي مؤشر تقلبات بورصة خيارات مجلس شيكاغو-  أتهيأ لتراجع في سوق الأسهم. ويبدو من القلق الذي أبداه المستثمرون بعد ارتفاع المؤشر إثر إعلان الرئيس دونالد ترمب عن زيادة الرسوم الجمركية الشهر الماضي، أنني لست الوحيد الذي يفكر بهذه الطريقة.

فقد سجّل مؤشر “فيكس” الذي يقيس توقعات تقلبات مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” لفترة ثلاثين يوماً المقبلة، ارتفاعاً بنحو ثلاثة أضعاف خلال أربعة أيام تداول أعقبت إعلان ترمب من البيت الأبيض في 2 أبريل. فقد أغلق المؤشر عند 52 نقطة في 8 أبريل، وهو ثالث أعلى مستوى يسجله منذ انطلاقته عام 1990، وأدنى فقط من المستويات التي بلغها خلال الأزمة المالية عام 2008 وجائحة كورونا.

“مؤشر الخوف”

كما اتضح لاحقاً، كانت مخاوف المستثمرين من انهيار وشيك في سوق الأسهم في غير محلها. فقد تراجعت السوق إلى أدنى مستوى في 8 أبريل، وهو اليوم نفسه الذي بلغ فيه مؤشر “فيكس” ذروته. ومنذ ذلك الحين وحتى 5 مايو، سجّل مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” ارتفاعاً بنسبة 13%، وهي قفزة كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة.

صحيح أن مؤشر “فيكس” أصاب في إشارته إلى تقلبات أعلى من المعتاد، أي إلى تحركات حادة أكثر من العادة في أسعار الأسهم. لكن ما خالف توقعات كثير من المستثمرين هو أن تلك التحركات جاءت على شكل أرباح لا خسائر.

وهذا ليس بأمر مستغرب، فمؤشرات التقلب، مثل “فيكس”، تقيس حدة تغيّرات الأسعار، لا اتجاهها. فالتقلب المرتفع يعني ببساطة تحرّكات كبيرة، سواء صعوداً أو هبوطاً، تماماً كما يشير التقلب المنخفض إلى تغيّرات محدودة في أي من الاتجاهين.

لذلك، عندما يرتفع مؤشر “فيكس”، فإن المكاسب الكبيرة تكون واردة بقدر التراجعات الحادة، وهو ما ذكّرت به السوق المستثمرين خلال الأسابيع الماضية.

ورغم إدراكي لهذه الحقيقة، لا أعرف لماذا لا أزال أميل إلى الربط بين ارتفاع مؤشر “فيكس” وتراجع السوق. ربما لتأثري باللقب المشؤوم الذي يُنعت فيه المؤشر، أي “مؤشر الخوف”، في إشارة إلى حالة الذعر التي تعتري المستثمرين عند كلّ قفزة في مؤشر “فيكس”.

غير موثوق للتنبؤ باتجاه السوق

الربط السلبي بين مؤشر “فيكس” وتراجع السوق غالباً ما يكون في غير محلّه. فصحيح أنه أداة جيدة لرصد مستوى التقلبات على المدى القريب، إلا أنه لم يُثبت موثوقيته كمؤشر للتنبؤ باتجاه السوق.

فمنذ عام 1990، سجّل “فيكس” ارتباطاً وثيقاً بتقلبات مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” خلال فترة الثلاثين يوماً التالية، وفق قياسها بالانحراف المعياري السنوي (0.69). لكن العلاقة بينه وبين الأداء السعري الفعلي للمؤشر خلال الفترة نفسها كانت شبه معدومة (0.1).

في الواقع، الاعتماد على مؤشر “فيكس” لاتخاذ قرارات استثمارية غالباً ما يكون رهاناً خاسراً، لأن السوق تميل إلى الصعود في معظم الأوقات، بغض النظر عن مستوى المؤشر.

رتبت القيم اليومية لـ”فيكس” منذ عام 1990 تنازلياً وقسمتها إلى خمس فئات متساوية، وتبيّن أن مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” ارتفع في 68% من الحالات خلال الثلاثين يوماً التالية بعد أعلى فئة، أي في الفترات التي بلغ فيها مؤشر “فيكس” ذروته. واللافت أن هذه النسبة كانت شبه مطابقة لما سجّله المؤشر في أدنى فئة، وظلت متقاربة في الفئات الثلاث الوسطى.

ونظراً إلى ضعف الترابط بين مؤشر “فيكس” واتجاه السوق، قد يكون من الأنسب إطلاق اسم “مؤشر عدم اليقين” عليه. فعدم اليقين هو المحرّك الأساسي للتقلبات في معظم الأحيان، ومثل التقلبات، لا يعني نتيجة محددة بالضرورة.

قد تنتهي فترات عدم اليقين على نحو كارثي حيناً، كما حصل خلال الأزمة المالية، أو قد تمرّ من دون أن تسبب ضرراً يُذكر، كما حصل بعد المخاوف من احتمال تخلّف الولايات المتحدة عن سداد ديونها عام 2011. وفي الغالب، يبقى عدم اليقين مخيماً على المشهد، بينما تواصل أرباح الشركات نموّها. ولهذا السبب، غالباً ما تواصل الأسواق مسارها التصاعدي بغض النظر عن مستوى مؤشر “فيكس”.

استمرار حالة عدم اليقين

مع ذلك، من المهم التمييز بين مستوى مؤشر “فيكس” والتغيّرات التي تطرأ عليه. فكون المؤشر في طور الارتفاع يرتبط ارتباطاً عكسياً قوياً بتراجع السوق، والعكس صحيح، (حيث يبلغ معامل الارتباط بين التغيّرات المتزامنة خلال فترة 30 يوماً لكلّ من “فيكس” ومؤشر “ستاندرد آند بورز 500” نحو -0.68).

لكن المستثمرين لا يستطيعون التنبؤ باتجاه “فيكس” بدقة، تماماً كما لا يمكنهم توقّع اتجاه السوق. وغالباً، يكون الانخفاض في السوق قد حصل بالفعل بحلول الوقت الذي يصبح فيه “فيكس” مرتفعاً.

وهذا بالضبط ما حدث في الشهر الماضي. فقد تراجع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بشكل حاد بالتزامن مع الصعود في مؤشر “فيكس”. وبحلول الوقت الذي بدا فيه مستوى “فيكس” مرتفعاً بشكل مقلق، كانت السوق قد بلغت القاع. لا يعني ذلك أن الانتعاشة اللاحقة في اتجاه السوق كانت حتمية، لكن بالاستناد إلى سجلّ “فيكس” تاريخياً، فإن الاحتمالات كانت ترجّح حدوث تعاف.

أين نقف اليوم إذاً؟ يبلغ مؤشر “فيكس” حالياً نحو 24 نقطة، أي أقل من نصف المستوى الذي سجّله في 8 أبريل، لكنه لا يزال أعلى من متوسطه طويل الأجل البالغ قرابة 19 نقطة. وهذا يرجّح أننا مقبلون على مزيد من التقلبات، وهو ما تعكسه تصريحات عدد متزايد من الرؤساء التنفيذيين، الذين يقولون إن استمرار حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية يُصعّب عليهم وضع الخطط والتنبؤ بالقادم.

من السهل فهم سبب تهيؤ مؤشر “فيكس” لتحرّكات استثنائية في السوق. ففرض ترمب رسوماً جمركية موسعة مقامرة ضخمة بحدّ ذاتها، قد تترتب عنها تداعيات كبرى. فإذا أفضت هذه الرسوم في نهاية المطاف إلى اتفاقات تقلّص الحواجز التجارية أمام الشركات الأميركية، فإن ذلك سينعكس بشكل إيجابي جداً على السوق. وفي حال أدّت إلى حرب تجارية طويلة الأمد تثقل كاهل الشركات، فلن يصب ذلك في مصلحة الأسهم.

وقد تدفع حالة عدم اليقين هذه مؤشر “فيكس” إلى البقاء عند مستويات مرتفعة لفترة أطول مما يرغب فيه المستثمرون. لكن لا ينبغي افتراض أن ذلك يعني بالضرورة أن السوق مقبلة على تراجع.