الاحتفاظ بـ “الكاش”.. هل هو الخيار الأفضل على المدى القصير؟ )

تتسارع وتيرة التحولات في المشهد الاقتصادي العالمي، بينما تلقي حرب الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بظلالها على الأسواق، وتثير حالة من الضبابية والقلق لدى المستثمرين والمستشارين الماليين على حد سواء. وفي ظل هذا الوضع المضطرب، يبقى السؤال الأبرز: كيف يمكن الحفاظ على الأموال في أوقات الأزمات؟

يُظهر الاستطلاع الذي أجرته CNBC عربية في مايو/أيار 2025، وشمل أكثر من 20 مخططاً ومستشاراً مالياً معتمداً في شركات أميركية وأوروبية، أن خيار “الاحتفاظ بالكاش” تصدّر قائمة التوصيات، حيث أجمع عليه 40% من المشاركين كأفضل وسيلة لحماية رأس المال على المدى القصير. هذا التوجه يعكس حالة الترقب التي تسود الأوساط المالية، مع مخاوف من تصاعد التوترات التجارية وانعكاساتها على الأسواق.

لكن، هل يُعد خيار الاحتفاظ بالسيولة النقدية عوضاً عن استثمارها هو الحل الأمثل فعلاً؟ وهل يحقق الأمان المالي في بيئة يسودها القلق من تقلبات السوق والقرارات السياسية المفاجئة؟

ويبدو خيار “الاحتفاظ بالكاش” اتجاهاً مرحباً به بالنسبة لعديد من المستثمرين على مختلف درجاتهم، وهو ما بدا واضحاً على سبيل المثال بالنسبة للمستثمر الأسطور وارن بافيت، فمع نهاية العام  2024 وصلت احتياطيات بيركشاير هاثاواي النقدية إلى 334 مليار دولار (بما يمثل ضعف ما كانت عليه في نهاية العام).

وفي الربع الأول من العام الجاري 2025، ارتفع النقد لدى شركة وارن بافيت، إلى مستويات قياسية عند 347 مليار دولار. لكن يظهر هذا الارتفاع بنحو 4% أن وارن بافيت لم يستغل التراجع في أسواق الأسهم خلال الربع الأول.

وبينما  لا يدير الجميع تكتلاً بحجم بيركشاير هاثاواي، إلا أن امتلاك السيولة النقدية يمنح فرصةً لاغتنام الفرص التي قد تتاح لاحقاً، وهو ما يذكره الملياردير الأميركي مارك كوبان، والذي كشف -في بودكاست سابق- عن أنه يحتفظ بجزء كبير من محفظته نقداً.
بالنسبة للمستثمرين الأفراد، فإن الاحتفاظ بالنقد -على المدى القصير- ربما يعد خياراً مريحاً نسبياً للحفاظ على المال بعيداً عن تقلبات الأسواق، لكنه في الوقت نفسه ليس مربحاً بطبيعة الحال.

في تحليلهم لاستطلاع CNBC عربية وأبرز القضايا التي طرحها والنتائج التي تتمخض عنه، يتحدث مجموعة من المُحللين الماليين من شركات مختلفة عن جدوى خيار الاحتفاظ بالكاش والفرص البديلة على المدى القصير، مع تصورات ونصائح استثمارية على المدى المتوسط أيضاً.

الاحتفاظ بالسيولة في هذه الحالة

“بغض النظر عما يحدث في العالم، إذا كنت بحاجة إلى المال على المدى القصير، فيجب أن يكون سائلاً (نقداً)؛ لذا فإن حساب السوق النقدي أو حساب التوفير هو الخيار المثالي. كما يمكن استخدام القيمة النقدية في بوليصة التأمين على الحياة كمال قصيرة الأجل في حالة الطوارئ”، بحسب رئيسة DS Financial Strategies  المستشارة المالية المعتمدة بالولايات المتحدة، داون سانتورييلو، لدى تفاعلها مع استطلاع CNBC عربية.

أما على المديين المتوسط وطويل الأجل، فتشير إلى أن “الاستثمار في الأسهم أو السندات مناسب للاستثمار متوسط وطويل الأجل”، مردفة: “أؤمن بالاستثمار المبني على الأدلة (Evidence Based Investing) والذي يتعلق بشراء السوق والتنويع عالمياً، والميول نحو الشركات الصغيرة والقيمة.. هذه الاستراتيجية مدعومة بأبحاث أكاديمية وتم تصميمها لتكون قادرة على التعامل مع أي وضع”.

رياح مواتية لـ “الأسهم” في هذه الحالة!

وفي السياق نفسه، فإن المدير التنفيذي ومدير الامتثال في شركة The ABC Squared، ماركوس ستيرديفانت، يقول لـ CNBC عربية، إنه (في حالة عدم وجود أفق استثماري طويل الأجل بالنسبة للأفراد) قد يكون من الحكمة “تقليل التعرض للأسهم”. وينصح في هذه الحالة بعض صناديق المؤشرات وزيادة التخصيص في السندات والنقد (الكاش) والأدوات البديلة للتحوط من التقلبات وحماية النمو مع تحقيق الدخل.

وفيما يتعلق بسوق الأسهم، فيضيف:  “على المدى القصير، إذا استطعنا تجاوز هذه التحركات الاقتصادية الدقيقة والواسعة (مشيراً إلى الاضطرابات التي يواجهها الاقتصاد العالمي)، فهناك رياح مواتية لدفع الأسهم لمواصلة الصعود.. إذ يظهر التاريخ أن التراجع في الأسواق، بالقرب من حالات السوق الهابطة والركود، مع كون هذه الموجة واسعة وعميقة، يؤدي عادةً إلى مكاسب للمستثمرين الذين ثبتوا مواقعهم أو عززوا استثماراتهم خلال هذه التراجعات.. إذا نظرنا إلى الأمام بعد ستة، أو 12 أو 18  شهراً، فإن العوائد تتجاوز 15%”.

ويعتقد بأن “التراجع الأخير (في سوق الأسهم الأميركية) تم تسعيره/ شراؤه من قبل المستثمرين الأفراد، وسيتعين على المؤسسات زيادة مراكزها، مما يشكل دعماً إضافياً للسوق وقد يكون بمثابة محفز.. ومع ذلك، يمكن لمنشور واحد على وسائل التواصل الاجتماعي أن يجعل هذا المنطق بلا جدوى”.

لكن فيما يخص الوضع الراهن، فيشير إلى أنه “في الوقت الحالي، ومع تعليق الرسوم الجمركية  (..) يبدو أن الاقتصاد العالمي يعاني من حالة تفكك.. كما أن عملية “إزالة السموم” من الاقتصاد الأميركي تثير الكثير من القلق في العالم، وتدفع الأسواق الدولية والحكومات إلى تعزيز قوتها الاقتصادية.. يتجلى هذا التفوق بوضوح في أداء الأسهم في الأسواق الدولية مقارنة بالمؤشرات الأميركية مثل S&P 500 أو داو جونز”.

وتبعاً لذلك فإن “الذهب رسخ مكانته كملاذ آمن، لكنه أظهر بعض الضعف مؤخراً.. أما البيتكوين، فيلعب لعبة (المخاطرة أم الأمان) ويتداول بشكل مشابه للذهب”، وفق ستيرديفانت الذي لا يعتقد بأن أعتقد أن الذهب سيظل الملاذ الوحيد كما كان في بداية العام أو حتى عام 2026. وإذا اتبعت الإدارة الأميركية الحالية خطى بعض الدول الأخرى وزادت أو أنشأت احتياطيات من العملات المشفرة، فإن البيتكوين هو “كريمة” سوق الكريبتو، سواء أحببناه أم لا كأصل استثماري، مستطرداً: “قيام البنوك المركزية العالمية بإضافته إلى احتياطياتها يمكن أن يمنحه دوراً يتجاوز كونه مجرد أداة للمضاربة، بل يخلق له فائدة حقيقية لأولئك الذين يرون أن العملات المشفرة تفتقر إليها”.

وكان أكثر من  44% من المستشارين الماليين قد ذكروا أن الحفاظ على رأس المال يمثل أولويتهم القصوى في المرحلة الحالية، فيما اختار نحو 28%  التحوط ضد التضخم كعامل رئيسي، وهو ما يعكس مخاوفهم من تآكل القوة الشرائية بفعل ارتفاع الأسعار. وجاءت السيولة وسهولة الخروج من الاستثمارات كسبب مفضل لدى 11% من المشاركين، فيما أكد 11% آخرين أهمية تحقيق عوائد عالية على المدى القصير، بينما رأى 5.6% أن التنويع وتقليل المخاطر يمثلان المحرك الأساسي لاختياراتهم، بحسب نتائج استطلاع CNBC عربية الأخير.

“الخوف” وعدم الاستقرار المالي

“بصفتي مخططاً مالياً ومستشاراً استثمارياً في شركة Concierge Financial Advisory فإنني أعمل بشكل خاص مع الأفراد في تقاطع الاستراتيجية المالية والرفاهية النفسية، بما في ذلك الفئات التي لم تحظَ تاريخياً بخدمات مالية كافية، والأفراد الذين يبنون ثروات الجيل الأول، وحتى أولئك الذين يقتربون من التقاعد.. ورغم اختلاف هذه الفئات في خلفياتها، إلا أنها غالباً ما تشترك في خوف عميق الجذور من عدم الاستقرار المالي؛  سواء كان ذلك نتيجة صعوبات سابقة، أو ضغوط كونهم الأوائل في تحقيق النجاح و/أو ترك إرث للأجيال القادمة”.. تقول المستشارة المالية المعتمدة، الدكتورة كونستانس كريغ.

وتضيف: “في أوقات عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي، تتفاقم هذه المخاوف. ولهذا، فإن الاستثمار في الملاذات الآمنة ليس مجرد وسيلة لحماية الأموال، بل هو أيضاً وسيلة متعمدة لحماية الكرامة والإرث وراحة البال. ورغم اختياري للذهب كملاذ آمن قصير الأجل الأكثر ملاءمة، أوصي أيضاً بالجمع بينه وبين أدوات نقدية مرتفعة العائد (مثل أذون الخزانة أو صناديق أسواق النقد) لضمان السيولة، وسندات قصيرة الأجل لتحقيق الاستقرار”.

الاستثمار طويل الأجل

“لست متأكداً من قدرتي على تحديد استثمار آمن حقيقي قصير الأجل في الوقت الحالي”.. يتبنى مؤسس شركة Life Moves Wealth Management، دايل شافر، لدى حديثه مع CNBC عربية، نظرة أكثرة تشاؤماً بالنسبة للأدوات الاستثمارية والادخارية على المدى القصير، إذ لم يختر النقد كأداة لحفظ المال على أقل تقدير -كما ذهب 40% من المستشارين الماليين الآخرين.

وفيما وجد صعوبة في تحديد توظيف آمن للأموال على المدى القصير -في ظل الأوضاع الراهنة- فإنه يضيف: “بينما أبني استراتيجيات استثمارية لعملائي تهدف إلى الأجل الطويل، يمكنني أن أُبرز جدوى الادخار عالي العائد، وحسابات السوق النقدي، وسندات الخزانة الأميركية قصيرة الأجل، وشهادات الإيداع لمدة سنة، وغيرها.. وفي رأيي، فإن معظم الأصول الأخرى التي قد يشير إليها البعض مثل العملات المشفرة أو الذهب، من الأفضل الاحتفاظ بها لفترة زمنية أطول”.

ويستطرد: “أقترح الحفاظ على تخصيص أكبر للاستثمارات طويلة الأجل، مع استخدام الاستثمارات قصيرة الأجل كاستراتيجية لإدارة السيولة النقدية”، ويحذر من أن “من يحمل جميع أصوله الاستثمارية إلى الاستثمارات قصيرة الأجل بسبب حالة عدم اليقين الحالية من المرجح أن يقلل من عوائده على المدى الطويل”.

CNBC عربية