رغم اندلاع الصراع في المنطقة منذ 2023، ظلت المراكز التجارية الرئيسية في الشرق الأوسط تشهد تدفقاً مستقراً للعاملين في القطاع المالي والشركات، نظراً لأن أغنى دول الخليج النفطية بقيت بمنأى إلى حد كبير عن التوترات.
لكن مع تصاعد العداء بين إسرائيل وإيران، وازدياد احتمال توجيه ضربة أميركية لطهران، بدأ مديرو الأموال العالميون يبدون قلقاً متزايداً إزاء التداعيات المحتملة في الدول المجاورة.
مخاوف من تدخل الولايات المتحدة
في دبي، التي تُعدُّ مركزاً مالياً رئيسياً في المنطقة، اتفق أكثر من ستة مستثمرين ومديرين ماليين على أن أي تدخل من جانب الولايات المتحدة سيؤثر على خططهم في الخليج. وقال مدير في مكتب عائلي محلي –طلب عدم الكشف عن هويته– إن تأثير التقلبات الجيوسياسية بقي محصوراً حتى الآن، لكن انخراط أميركا في الحرب بشكل مباشر قد يقلب الموازين.
وجهت إسرائيل ضربة إلى إيران الأسبوع الماضي في أحدث تصعيد، ما استدعى رداً حاداً من طهران التي ردّت بإطلاق 400 صاروخ باليستي ومئات الطائرات المسيّرة. وذكرت “بلومبرغ” أن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى يستعدون لاحتمال تنفيذ ضربة على إيران في الأيام المقبلة، وهي خطوة تهدد بجعل ممارسة الأعمال في الدول المجاورة أقل جاذبية.
خلف الحبتور، قطب العقارات وأحد أبرز رجال الأعمال في دبي، أعرب عن قلقه عبر منصة “إكس” يوم الأربعاء، قائلاً إن “المنطقة تواجه الآن خطراً استراتيجياً حقيقياً”، داعياً إلى اتخاذ إجراءات وقائية جماعية من قِبل الأمم المتحدة، والوكالات الدولية للطاقة الذرية، والقوى المؤثرة.
وأضاف: “الشرق الأوسط بحاجة إلى التهدئة لا التصعيد، وإلى التعاون لا الصراع”.
ميتاش باريك، الرئيس العالمي المشارك لقسم الاقتصاد الكلي والدخل الثابت لدى “شونفيلد ستراتيجيك أدفايزرز” (Schonfeld Strategic Advisors) في الإمارات، حذّر من أن منفذي الصفقات ربما لا يقيّمون المخاطر بالشكل الكافي.
تأثير الحرب على أسواق المنطقة
تراجع مؤشر “MSCI للدول الخليجية مجتمعة” بنسبة 3.7% من 12 يونيو وحتى إغلاق الأربعاء، متخلفاً عن أداء مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” ومؤشر “MSCI للأسواق الناشئة”. وقد قاد مؤشر دبي الخسائر في الخليج خلال تلك الفترة، متراجعاً بأكثر من 5%.
وأفصح رئيس مكتب إقليمي لشركة عالمية في دبي إنه كان يتحقق من الرحلات الجوية لمعرفة ما إذا كان بإمكانه إرسال عائلته إلى بلده الأم حتى تتضح الصورة.
بينما أفاد آخرون –طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لمناقشتهم مسائل داخلية– أنهم على تواصل دائم مع مراكزهم الرئيسية لمراجعة خطط الطوارئ في حال تصاعد النزاع. في حين كشف مدير كبير في شركة عقارية إنه يخطط لمغادرة دبي مؤقتاً، طالباً عدم الكشف عن هويته أيضاً.
علاقات خليجية أميركية قوية
تُعدُّ دول الخليج حليفة منذ وقت طويل للولايات المتحدة. إذ تستضيف الإمارات آلاف العسكريين الأميركيين، فيما تحتفظ القوات الجوية الأميركية بوجود كبير وأصول مهمة في قاعدة الأمير سلطان الجوية خارج الرياض. وتستضيف قطر قاعدة أميركية كبيرة في المنطقة، بينما تُعدُّ البحرين مقر الأسطول الخامس للبحرية الأميركية.
كما تملك الولايات المتحدة قواعد عسكرية كبيرة في أماكن مثل الكويت والعراق. وهددت إيران باستهداف المصالح الأميركية في حال أقدمت واشنطن على تنفيذ ضربة.
بلومبرغ: دول الخليج العربي تفاجأت بسرعة هجوم إسرائيل على إيران
في الإمارات، جذب مركزا دبي وأبوظبي البنوك وصناديق التحوط، بفضل نظام عدم فرض ضرائب على الدخل، والمنطقة الزمنية الملائمة للتعامل مع الشرق والغرب، وأسلوب الحياة الفاخر المصمم للأثرياء. كما تسعى السعودية وقطر إلى جذب الشركات المالية في إطار جهود تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط.
رأي “بلومبرغ إيكونوميكس”…
تتوقع “بلومبرغ إيكونوميكس” أن يكون التدخل الأميركي هو النتيجة الأكثر ترجيحاً.
“هناك عدة أسباب قد ترجح حدوث هذا السيناريو؟ 1- إسرائيل لا تُظهر أي بوادر تراجع، وقد سبق أن جرّت الولايات المتحدة إلى صراعات. 2- قد يرى ترمب في ذلك فرصة لتحقيق هدفه بإنهاء البرنامج النووي الإيراني. 3- تحركاته الأخيرة: مغادرة قمة مجموعة السبع مبكراً، وتهديد إيران، والدعوة لإجلاء طهران، وتحريك الأصول العسكرية الأميركية نحو المنطقة– كلها تشير إلى احتمال انخراط مباشر من واشنطن”.
وسارعت السعودية والإمارات وقطر –أكبر ثلاثة اقتصادات خليجية– إلى إدانة الهجوم الإسرائيلي، داعيةً للعودة إلى الدبلوماسية. ولا يزال العديد من التنفيذيين ومدراء الشركات متمسكين بالأمل في إمكانية احتواء الوضع، وأن تبقى الولايات المتحدة خارج حرب إسرائيل وإيران.
تفاؤل رغم الأزمة
يُنوّه بهاسكار داسغوبتا، المدير في مؤسسة “صن فاونديشن” (Sun Foundation) ومقره الإمارات، بأنه “عادةً يشعر الناس هنا بأمان كبير”. مشيراً إلى أنه يعرف كندياً عاد إلى تورونتو، لكن معظم الناس في الإمارات ما زالوا يشعرون بـ”الأمان والاستقرار والسعادة”.
أما أوستن سمارت، المدير التنفيذي في شركة “تايغ إنترناشونال” (Tighe International) ومقرها دبي، والتي تساعد الشركات المالية على توظيف التنفيذيين في الخليج، فقال إن بعض الأشخاص غيّروا خطط عطلاتهم بسبب التوترات الإقليمية، لكن شركته ما زالت “متفائلة للغاية بشأن مستقبل المنطقة المتماسك”.
في السنوات الأخيرة، ازدادت رغبة البنوك العالمية وصناديق التحوط في تأسيس مقار لها في الخليج مع تعزيز الدول الرئيسية لتحالفاتها وإشاراتها على رغبتها في تجنب الصراعات.
لكن تلك التحركات لضمان السلام في المنطقة أصبحت الآن مهددة بشكل مباشر.
شهدت سوق العقارات في دبي ارتفاعاً كبيراً في الأسعار خلال السنوات الماضية مع تدفق الوافدين. لكن الطلب على العقارات في الإمارات يعتمد على احتواء الصراعات الجيوسياسية، حسبما ذكرت “بلومبرغ إنتليجنس” في تقرير.
“تزايد المخاطر الجيوسياسية”
بلغ سعر خام برنت نحو 77 دولاراً للبرميل، بارتفاع يقارب 19% مقارنة بالشهر الماضي، مقترباً من مستويات أكثر راحة للاقتصادات الخليجية المعتمدة على النفط. ومع ذلك، وأوردت “ستاندرد آند بورز غلوبال ريتينغز” في تقرير يوم الإثنين إن هناك “تزايداً في المخاطر السلبية” على اقتصادات المنطقة، نظراً لاحتمال تعطل طرق النقل الرئيسية، وتذبذب أسعار الطاقة، وتراجع السياحة، وخروج رؤوس الأموال، وزيادة الإنفاق الأمني، وضعف ثقة المستهلكين والمستثمرين.
وقال محللو “ستاندرد آند بورز”، ومن بينهم بنجامين يونغ: “لقد حددنا في السنوات الأخيرة أن المخاطر الجيوسياسية تُعد أحد أبرز المخاطر السلبية على الجدارة الائتمانية السيادية، ولها تداعيات على الاقتصاد العالمي”.
واختتم: “إن تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران منذ 13 يونيو 2025 يزيد من هذه المخاطر عبر إدخال عامل ضغط إضافي على السيناريو الأساسي الذي تستند إليه معظم تصنيفاتنا السيادية في المنطقة”.