في ظل تراجع قيمة الدولار الأميركي وتصاعد التوترات التجارية التي تضغط على حلفاء الولايات المتحدة، عاد السؤال القديم إلى الواجهة: هل انتهت الاستثنائية الأميركية؟
هذا التساؤل لا يعبّر فقط عن شكوك بشأن موقع أميركا الاقتصادي في النظام العالمي، بل يفتح الباب لتحليل أوسع حول طبيعة النموذج الأميركي وقدرته على الصمود أمام التحولات الكبرى.
تقرير حديث صادر عن LTI يتخذ من هذا السؤال مدخلًا لتحليل المشهد الاقتصادي الأميركي، مستعرضًا أداء الشركات والإنتاجية ودور التكنولوجيا والسياسات النقدية، وكذلك تحركات المستثمرين الأفراد والمؤسسات.
وبين النقد الحاد لإدارة الاحتياطي الفدرالي، والإشادة بقدرة السوق الأميركية على التجدد والابتكار، يخلص التقرير إلى أن استثنائية الولايات المتحدة لم تنتهِ، بل لا تزال فاعلة، وإن كانت تواجه اختبارات حقيقية في طريقها نحو المستقبل.
تقول الرئيسة التنفيذية والمديرة المالية في شركة Laffer Tengler Investments، نانسي تينغلر في مذكرة شاركتها مع CNBC عربية، مطلع الأسبوع الجاري إن “الاستثنائية الأميركية لا تعتمد فقط على دولة تركز على رأسمالية السوق الحرة، بل على ثقافة أعمال تُعلي من شأن الكفاءة على حساب المساواة، وعلى عامل أميركي أكثر استعداداً للمخاطرة”.
يشير تحليل شركتها “LTI”، إلى تفوق الشركات الأميركية على نظيراتها في الاقتصادات الكبرى من حيث الربحية. ويرتبط هذا التفوق بعوامل مثل الكفاءة، وبيئة تنظيمية محفزة على ريادة الأعمال، رغم ما قد يبدو من صرامة أحياناً. كما تُعد الولايات المتحدة نموذجاً في الابتكار والمخاطرة.
منذ العام 2000، نما الاقتصاد الأميركي بنسبة تفوق نظيره الأوروبي بـ 20% والياباني بـ 45%، ويُعزى ذلك إلى الإنتاجية، لا إلى الفروقات الديموغرافية أو الركود الاقتصادي فحسب.
ووفق تينغلر ، فإن هذه الإنتاجية الاستثنائية مدفوعة بالتطور التكنولوجي في مجالات مثل الرقمنة والروبوتات والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.
وفي سياق السياسة النقدية، تتوقع “LTI” تراجع أسعار الفائدة، سواء قرر الاحتياطي الفدرالي ذلك أم لا. إذ تُظهر مؤشرات السندات لأجل عامين أن السعر العادل للفائدة الفدرالية أقل بـ75 نقطة أساس. كما يشير تباطؤ نمو الائتمان الاستهلاكي وتراجع أرصدة البطاقات الائتمانية إلى احتمال انخفاض الإنفاق الاستهلاكي، وهو ما قد يُنذر بضعف اقتصادي قادم.
وبالعودة إلى تجربة سبتمبر، أيلول 2024، حين هبط العائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى 3.63%، تبعه الفدرالي بثلاثة تخفيضات متتالية للفائدة. لكن المفارقة أن العوائد ارتفعت بنفس المقدار، ما يدل على تراجع ثقة السوق في قرارات الفدرالي.
ويذهب التقرير إلى أبعد من ذلك، بوصف رئيس الفدرالي الحالي بأنه “قد يكون من بين الأسوأ في التاريخ الحديث”. فالرئيس رفع أسعار الفائدة في العام 2018 كرد فعل على رسوم ترامب الجمركية، مما تسبب في انهيار السوق، ثم تراجع لاحقاً. كما تأخر الفدرالي في رفع الفائدة عام 2021 رغم اشتعال التضخم، حيث بلغت ذروة مؤشر أسعار المستهلكين 9.1% في يونيو، حزيران 2022، بينما لم يكن قد تم رفع الفائدة إلا مرتين فقط آنذاك. كذلك تجاهل البنك المركزي تأثير الإنفاق الحكومي الضخم، والذي، مع السياسات النقدية التوسعية، أدى إلى تضخم لم تشهده أميركا منذ السبعينيات.
أما اليوم، فيعبر رئيس الفدرالي عن قلقه من الرسوم الجمركية رغم أن الرسوم السابقة لم تكن تضخمية، حيث كان التضخم في فترة ترامب الأولى أقل من 2%. ويرى التقرير أن هذا التناقض يثير تساؤلات حول قدرة الفدرالي على إدارة السياسة النقدية بفعالية.
في المقابل، تراهن تينغلر على المستثمر الفردي “الذكي”، مشيرة إلى أن تدفقات ضخمة من السيولة -تصل إلى 500 مليار دولار وفق تقديرات JPMorgan – سوف تدفع الأسهم الأميركية للصعود في النصف الثاني من العام. ويأتي هذا التدفق من مستثمرين أفراد يحتفظون بـ7 تريليونات دولار على الهامش، في وقت لا تزال المؤسسات الاستثمارية تقلل من وزنها في الأسهم الأميركية.
أما على صعيد القطاعات، فيؤكد التقرير أن الرهان الأساسي لا يزال على قطاع التكنولوجيا، لاسيما الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والروبوتات والكم والنووي. ويكشف أيضًا عن توسيع التركيز باتجاه قطاع الإسكان، من خلال ضخ استثمارات في شركات مثل Home Depot وSherwin-Williams، إضافة إلى شركات بناء جديدة.