قد يشكّل اتفاق التجارة بين اليابان وأميركا معياراً مرجعياً للعديد من الصفقات الأخرى التي يتم التفاوض عليها حالياً مع واشنطن، كما يرى خبراء الاقتصاد، في ظل قدرة الاقتصاد العالمي على تحمّل مستوى الرسوم الجمركية البالغ 15% الذي تم الاتفاق عليه الليلة الماضية.
ويخفض الاتفاق بين طوكيو وواشنطن الرسوم الجمركية على واردات السيارات إلى 15%، بعد أن كانت تصل إلى 27.5%. كما سيتم خفض الرسوم التي كان من المقرر فرضها على سلع يابانية أخرى اعتباراً من الأول من أغسطس آب إلى 15% بدلاً من 25%.»
«يُعدّ الاتفاق مع رابع أكبر اقتصاد في العالم، والذي يتضمّن التزامات تتعلق بالاستثمار والقروض الموجّهة إلى الولايات المتحدة، الأهم من بين مجموعة من الاتفاقات التي أبرمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى الآن. ويرفع هذا الاتفاق منسوب الضغط على الصين والاتحاد الأوروبي، اللذين يواجهان مهلتين حاسمتين في أغسطس آب المقبل.
ورغم أن رسم جمركي بنسبة 15% لا يزال مرتفعاً، إلا أن هذا المستوى يبقى مقبولاً ويمكن التعامل معه، وهو أقل ضرراً من التقلبات التي تسبّبت بها حالة عدم اليقين، والتي جعلت من الصعب على الشركات وضع خطط استثمارية، وفقاً لعدد من الخبراء الاقتصاديين لرويترز.
وقال موهيت كومار من شركة «جيفريز»: «بلغ متوسط الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة نحو 2.5% في عام 2024، بينما يبلغ حالياً حوالي 17%»، في إشارة إلى الارتفاع الكبير في الرسوم العالمية منذ إعلان ترامب المعروف باسم «يوم التحرير» في الثاني من أبريل نيسان».
«قال كومار: «يبقى السيناريو الأساسي لدينا هو أنه عندما يهدأ الغبار، قد نشهد متوسط رسوم جمركية في حدود 15%، رغم أن الاتفاقات الأخيرة تشير إلى احتمال أن يكون هذا الرقم أعلى قليلاً».
وأضاف: «رغم أن هذا يُعدّ سلبياً من منظور الاقتصاد الكلي، إلا أن العالم يستطيع التعايش مع رسوم جمركية بحدود 15%».
وقد تنفّست الأسواق المالية الصعداء يوم الأربعاء.
أسهم شركات السيارات تقود المكاسب
قفز مؤشر نيكاي الياباني بنسبة 3.5% بعد الإعلان عن الاتفاق، كما ارتفعت الأسهم الأوروبية أيضاً، مدفوعة بأسهم شركات صناعة السيارات، في ظل تزايد التفاؤل بإمكانية التوصّل إلى اتفاقات قابلة للتنفيذ.
«قال ديريك هالبيني، رئيس قسم الأبحاث في بنك MUFG في لندن: «يبدو أن المستوى المرجعي للدول الكبرى سيكون بين 10% و15%، بينما سيكون أعلى قليلاً بالنسبة للاقتصادات الأصغر».
وقفزت أسهم «فولفو كار» بأكثر من 10%، بينما ارتفعت أسهم شركات «بورشه» و«بي إم دبليو» و«مرسيدس-بنز» و«فولكسفاغن» —وجميعها تحقق مبيعات كبيرة في الولايات المتحدة— بنسبة تراوحت بين 4% و7%.»
«قال جيم ريد، المحلل في «دويتشه بنك»: «إن هذه الأنباء الإيجابية بشأن التجارة ساهمت فعلاً في تهدئة مخاوف المستثمرين من أن تعود الرسوم الجمركية إلى الارتفاع مجدداً في الأول من أغسطس آب».
وأضاف: «لكن بالطبع، لا يزال خطر فرض رسوم جمركية أعلى بكثير قائماً بالنسبة لعدد من الاقتصادات الكبرى، بما في ذلك 30% على الاتحاد الأوروبي، و35% على كندا، و50% على البرازيل». وتابع: «كما نعلم من التجربة، قد لا يتضح مصير هذه القرارات إلا قبل ساعات فقط من انتهاء المهلة».
وقد تراجعت قليلاً توقعات التضخم الأميركي على المدى الطويل عقب هذا الاتفاق، في إشارة إلى أن التفاهمات التجارية يمكن أن تخفف من بعض المخاوف بشأن الأسعار، ما يمنح «الفدرالي» الأميركي مجالاً لخفض معدلات الفائدة في وقت لاحق من العام الجاري.
ومع ذلك، لا تزال الأسواق ترى احتمالاً شبه معدوم لخفض الفائدة خلال اجتماع الأسبوع المقبل، بينما لم يُسعّر أول خفض محتمل بشكل كامل قبل أكتوبر.
ويُتوقّع أن يكون الاتحاد الأوروبي —الذي يتولى التفاوض على الاتفاقات التجارية نيابةً عن أعضائه الـ27— التالي على القائمة. فقد صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه سيفرض رسوماً جمركية بنسبة 30% بحلول الأول من أغسطس آب، وهو ما قوبل بتهديدات من الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات انتقامية.
ويمكن أن تكون لهذه النسبة آثار مدمّرة اقتصادياً على التكتّل الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة، وقد تتسبب في شطب قطاعات كاملة من التجارة عبر الأطلسي. وكان الاتحاد الأوروبي يأمل في البداية التوصل إلى نسبة رسوم تبلغ نحو 10%، لكنه بات يدرك الآن أن النتيجة المرجّحة ستكون أعلى من ذلك بعدة نقاط على الأقل.
ولا تزال الضغوط مرتفعة كذلك على الصين، التي تواجه مهلة تنتهي في 12 أغسطس آب، قبل أن تعود الرسوم الجمركية إلى مستويات 145% من الجانب الأميركي و125% من الجانب الصيني، في حال عدم التوصل إلى اتفاق أو تمديد تفاوضي.
وقالت مؤسسة ING: «إن الاتفاق الأميركي-الياباني سيزيد من الضغط على باقي كبار المصدّرين الآسيويين للتوصل إلى اتفاقات أفضل». وأضافت: «لقد شهدنا بالفعل اتفاقات تجارية مع الفلبين وإندونيسيا. ومن المتوقع أن تُبرم المزيد من الاتفاقات مع المصدرين الآسيويين قبل الأول من أغسطس آب».