الذكاء الاصطناعي بين الحلم والكابوس المقبل

لم يعد تطوّر الذكاء الاصطناعي خياراً يمكن إيقافه، لكنه أيضاً ليس مساراً لا يمكن توجيهه. فالتحدي يكمن، كما يشير روبرت مانينغ، الباحث البارز في مركز ستيمسون، وفريال آرا سعيد، الباحثة غير المقيمة في مركز ستيمسون والدبلوماسية الأمريكية سابقة، في ضمان بقاء هذه التقنية العملاقة منسجمة مع الأهداف الإنسانية، وسط سباق عالمي محموم للهيمنة التقنية، لا يخلو من الأخطار الجسيمة التي حذر منها حتى مبتكروها.

وقال الكاتبان في مقال مشترك بموقع مجلة “ناشونال إنترست” إن هاجس التفوق على الصين والمنافسين يدفع الولايات المتحدة إلى تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي، متجاهلة في أحيان كثيرة التحذيرات من السلامة والمخاطر الاجتماعية، في سبيل تحقيق الابتكار السريع والهيمنة.

وعود الوفرة بلا حدود
وتناول الكاتبان رؤية قادة التكنولوجيا، مثل سام ألتمان، وإيلون ماسك ومارك زوكربيرغ، الذين يتصورون عالماً تحل فيه الآلات مشاكل كبرى، من القضاء على الأمراض، إلى وقف التدهور البيئي، وتوفير طاقة لا تنضب. لكن في هذه الصورة الحالمة وجه آخر أكثر قتامة، يتمثل في احتمال فقدان البشر لدورهم الأساسي في صنع القرار، والعمل، والانغلاق داخل عوالم افتراضية تحكمها نخب تكنوقراطية.

التكنوقراطية وتراجع الفاعلية الإنسانية
وربط الكاتبان بين الحلم التكنولوجي الحديث وحركة “التكنوقراطية” في القرن الماضي، التي دعت إلى حكم المهندسين والعلماء. وأوضحا أن هذه الرؤية تغفل دور الإنسان، وتُسند للآلات مهام التفكير والتنفيذ، ما يهدد بإضعاف السياسة والحياة العامة، وإقصاء البشر عن دوائر الفاعلية.

ولا ينكر الكاتبان أن الذكاء الاصطناعي أحدث قفزات علمية هائلة، مثل برنامج “ألفا فولد” الذي فاز مطوروه بجائزة نوبل في 2024. لكنهما يحذران من الاضطرابات المحتملة، خاصة مع خطر خسارة ملايين الوظائف المعرفية خلال سنوات قليلة، ما يهدد الحراك الاجتماعي، ويعيد تشكيل سوق العمل بشكل جذري.

وشبّه الكاتبان قوة شركات التكنولوجيا العملاقة اليوم بشركة الهند الشرقية البريطانية في الماضي، إذ باتت تملك تأثيراً عابراً للحدود، وتشكل السياسات الوطنية، وتتحكم في البنية التحتية الرقمية، ومع تزايد استثماراتها ونفوذها السياسي، تصبح مسألة استعادة الدول لسيادتها التكنولوجية تحدياً معقداً.

الأخطار التقنية وفجوة الفهم
وحذر المقال من ظاهرة “الهلوسة” في أنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث تقدم إجابات خاطئة أو مختلقة بنسبة تصل إلى 80% في بعض الاختبارات المعقدة. وأشر إلى اعتراف كبار المطورين، مثل مصطفى سليمان ويوشوا بنجيو، بصعوبة السيطرة الكاملة على الأنظمة المتقدمة، وضرورة الاستثمار في آليات مراقبة صارمة.

ورغم اتفاق دول كبرى في “إعلان بلتشلي” على تطوير آمن للذكاء الاصطناعي، تظل أطر الرقابة متأخرة عن سرعة التطور، فيما تخصص نسبة ضئيلة جداً من الأبحاث العالمية لسلامة النظم ومواءمتها مع القيم الإنسانية.

تحذيرات من الداخل
ولفت الكاتبان النظر إلى أن أخطار الذكاء الاصطناعي ليست مجرد افتراضات، بل تحذيرات من رواد المجال أنفسهم، مثل إيلون ماسك، الذي قدّر احتمال فناء البشرية بسبب هذه التقنية بنسبة 20%. ورغم ذلك، يتواصل السباق في الاستثمار بوتيرة مذهلة، ما يفاقم فجوة السلامة والمساءلة.

ويرى مانينغ وسعيد أن الذكاء الاصطناعي يمثل تكنولوجيا تحول نادرة، تجمع بين إمكانات هائلة وأخطار جلية. وبينما لا يمكن إيقاف القطار، يمكن توجيه مساره بدرجة كافية لتفادي الكارثة. لكن تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية، وتعاوناً دولياً، وأولويات واضحة تضع الإنسان في قلب الابتكار، قبل أن تفرض التكنولوجيا واقعاً لا رجعة فيه.