من أشعل نار التضخم؟

يؤرق التضخم منام الرئيس الأميركي جو بايدن، بشكل يفوق الخيال، لدرجة أنه أصدر بياناً خاصاً، هذا الأسبوع، للتعليق على بيانات التضخم في شهر أبريل، وقد حرص بايدن خلال البيان على الترويج، لما وصفه، بأدنى مستوى للتضخم الأساسي منذ 3 سنوات، وعد مكافحة التضخم أولويته القصوى، ليس هذا فقط، بل إن الرئيس الديمقراطي أكد في إحدى مقابلاته التليفزيونية، مؤخراً، بأن التضخم كان 9 % عندما تولي منصبه، رغم أنه كان 1.4 % فقط، وهذا يعد تزييفاً للتاريخ الاقتصادي، فالحقائق تؤكد أنه استلم اقتصاداً كان يتعافى بوتيرة غير مسبوقة، عندما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي 1.5 تريليون دولار، فيما عاد حوالي 1.5 مليون موظف شهرياً للعمل مع رفع عمليات الإغلاق بسبب الجائحة.

تتعامل الحكومة الفيدرالية مع البيانات الاقتصادية الحساسة مثل التضخم والبطالة والتوظيف، باعتبارها قضية انتخابية، ولذلك يجرى التلاعب في البيانات بطريقة منهجية، ‏‎وفقاً لشعار: “من فضلك قم بإخفاء التضخم قبل الانتخابات”، وفي ظل تلك السياسة المعيبة، لن يصل التضخم إلى هدف الـ2 %، إلا إذا توقف الاحتياطي الفيدرالي عن تمويل العجز التريليوني لوزارة الخزانة، ويكفي أن نعلم أن الحكومة الفيدرالية تصدر ديوناً بحوالي تريليون دولار كل 100 يوم، ولهذا، فإن ‏‎‎عدم اليقين الاقتصادي في الوقت الحالي، يدفع بأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة بالاحتفاظ بكل سنت، باعتبار أن الكاش هو الملك، حيث لا توجد لديهم ثقة كاملة في قدرة الحكومة الفيدرالية على دحر التضخم العنيف في الأمد القريب.

أصبح الأميركيون أكثر فقراً بسبب ضريبة التضخم الخفية، وتم سحق الطبقة المتوسطة، في الوقت الذي يتم فيه تقديم مساعدات مالية وعسكرية لأوكرانيا بحوالي 150 مليار دولار، على مدى عامين فقط، وفي حرب خاسرة، بينما انخفض الراتب الأسبوعي للعامل المتوسط، حسب التضخم، بنسبة 4.4 ٪، وقد أدت أجندة بايدن المتعلقة بالإنفاق والاقتراض وطباعة الدولارات، إلى زيادة أسعار الفائدة على كل شيء، بدءاً من القروض العقارية إلى بطاقات الائتمان، وبالنسبة للعائلات الأميركية، فإن المزيج القاتل من انخفاض القوة الشرائية، وارتفاع تكلفة التمويل، يعادل انخفاض الدخل السنوي للأسر بحوالي 8100 دولار، بينما ارتفعت إيجارات المساكن بشكل جنوني، وبات حصول الأميركي على بيت جديد ضرباً من الخيال، بعدما ارتفع تمويل الرهن العقاري الشهري على منزل متوسط السعر بنسبة 115 %، وهذا يعني دفع مبلغ إضافي قدره 13300 دولار سنوياً، لمدة 30 عاماً، لنفس المنزل قبل أن يتولى بايدن منصبه.

الخبر السيئ للأميركيين، أنه لا توجد نهاية سعيدة في الأفق للتضخم العنيف، فقد أضاف الرئيس بايدن وحلفاؤه في الكونجرس 6.9 تريليونات دولار إلى الدين الفيدرالي، بينما تتجه وزارة الخزانة إلى اقتراض 900 مليار دولار إضافية خلال الربع الثالث، والأسوأ، أن البيت الأبيض يضغط من أجل ميزانية بقيمة 7.3 تريليونات دولار في العام المقبل، وهو مستوى لم يسبق له مثيل من قبل، وكل هذا الإنفاق المتهور يعني المزيد من الاقتراض، واشتعال التضخم، وهو الأمر الذي يثير قلق المستهلكين الأميركيين بشكل خاص، لأن التضخم بدأ بالفعل يتسارع خلال الأشهر الأخيرة، ولن تغني إعادة كتابة التاريخ الاقتصادي “بالمزاج” عن بايدن شيئاً، فهو ليس بريئاً من ذنب التضخم، وسياساته التوسعية في الإنفاق، كانت جزءاً رئيسياً من المشكلة، فقد صبت الزيت على نار التضخم.

د. خالد رمضان