تحاول بعض المصارف والسياسيين الايحاء بأنّ صندوق النقد سيُقدّم حلولاً بديلة لاقتراحاته السابقة بالنسبة الى ما يخص معالجة الازمة، والتي قد تُخوّل لبنان الحصول على تسهيل (قرض) من صندوق النقد الدولي.
ينظر صندوق النقد الى لبنان كبلد مفلس وليس كمتعثّر (الذي يرفضه بشدة كارلوس غصن اكبر الخبراء الماليين عالمياً، على سبيل المثال)، ويرى الصندوق ان دين الدولة مع خسارة مصرف لبنان بالدولار اصبح 500% من الناتج المحلي. ويشمل الدين العام سندات اليوروبوند مع متأخرات الفوائد، اضف الى ذلك خسائر مصرف لبنان المقدرة بـ 73 مليار دولار.
من غير الممكن ان يتأهل لبنان للاستفادة من قرض صندوق النقد الا اذا تم شطب معظم خسائر (رأسمال سلبي) مصرف لبنان. والدافع الرئيسي لهذا الموقف هو ان مجلس المديرين التنفيذيين في صندوق النقد الدولي، صاحب القرار بإقراض لبنان، يرى ان قدرة لبنان لإعادة قرض الصندوق بدءاً من السنة الخامسة اصبحت معدومة من دون خفض ديونه، مما يعرّض اموال الدول الاعضاء في صندوق النقد لخطر تقصير لبنان عن خدمة دينه تجاه الصندوق، وقد يُقدم ذريعةً لدولٍ اخرى لطلب التساهل في شروط الصندوق لاستمرارية قدرة البلد على خدمة دينه. القدرة على اعادة الدين هي مبدأ اساسي في عمل الصندوق للحفاظ على كوتا الاعضاء.
لذا لن يوافق مجلس المديرين التنفيذيين على اقراض لبنان الا اذا خفض دينه الى مستوى يوازي نحو 100% الى 120% من الناتج المحلي. وهذا ممكن فقط، من وجهة نظر صندوق النقد، من خلال شطب ودائع المصارف بالدولار لدى مصرف لبنان لكي يُخفض الدين الى المستوى المقبول وإبعاد شبح تعثر خدمة دين صندوق النقد. ويقابل هذا الشطب، شطب ودائع العملاء (المودعين) المقابلة في المصارف. هذا الحل مرفوض من قبل المواطن والكتل النيابية، ومجلس شورى الدولة.
حاولت الحكومة تقديم اقتراحات تمويهية توحي بالحل (كإنشاء صندوق لاسترداد الودائع مكوّن من شهادات ايداع حكومية مقابل شطب الودائع )، لكنّ معظمها رُفض من قبل صندوق النقد. اعتبر الصندوق بكل وضوح انّ هكذا صندوق لا يُخفض من التزامات الدولة اذ انه فقط يُحول الدين من مصرف لبنان الى الدولة مباشرة ويبقي الدين العام بحدود الـ 500% من الناتج المحلي، ولا يؤهّل لبنان للاقتراض من الصندوق. ولا يدعم الصندوق هذا الاسلوب المُموّه بل يرغب بأن لا يخفي وجهة نظره عن المواطن اللبناني.
وقدمت الحكومة اقتراحات اخرى لتخفيض الودائع شملت شطب فائض الفوائد (التي تفوق الفوائد السائدة في الاسواق العالمية) التي حصل المودعون عليها. هذا الفائض تبخّر بعد احجام المصارف عن دفع فوائد للمودعين خلال الخمس سنوات الماضية.
كما اقترحت التمييز بين الودائع المؤهلة وغير المؤهلة. يرى الصندوق انه من الصعب تطبيق هذا التمييز من الناحية القانونية اولاً، وبسبب صعوبة حساب هكذا تحويل في ضوء السرية المصرفية ثانياً.
لذا قدّم الصندوق الرفض المقنع لاقتراحات الحكومة بتعديل الخطة التي أقرّت سابقاً من قبله ومن قبل الحكومة في ايار 2022.
ان شطب الودائع وخفض الدين بحسب رغبة الصندوق غير ممكنة، كما ان تعديل الخطة بحسب طرح الحكومة أعلاه غير مقبول ايضا. الصندوق لم يقدّم اي حل بديل حتى الآن يلقى اجماع الكتل النيابية والمواطن.
الحل الوحيد الممكن يتمثّل بالاسلوب التقليدي لحل الازمات المالية الشبيهة، وهو التوصّل الى القدرة على خدمة الدين (وليس شطبه) من خلال اعادة الجدولة لودائع المودعين وودائع المصارف في مصرف لبنان، والدين السيادي مع تمديد اجل الاستحقاق والحصول على خصومات لتكلفة خدمة الدين، وتخفيض الدين طوعياً او بحسب بند العمل الجماعي.
لبنان يستطيع تحقيق هذه المتطلبات من خلال الحوار مع الدائنين لإعادة الجدولة، وخفض تكلفة خدمة الدين لكي تحقق الدولة فائضا اوليا في المالية العامة. وقد حققت المالية في موازنة 2024 بمقدار 15 مليار ليرة.
التغيير الحقيقي في موقف صندوق النقد يجب ان يتبع هذه الخطوات اعلاه.
الدكتور منير راشد