أدى انتعاش مؤشرات الأسهم الأميركية في المرحلة الأخيرة من أسبوع عصيب إلى دفع وول ستريت لتسجيل أكبر صعود متتالٍ في 2024.
ويتناقض هذا الهدوء الظاهري بشكل صارخ مع التقلبات الأخيرة التي هزت أسواق المال العالمية. بعد العديد من حالات الصعود والهبوط -بما في ذلك عمليات البيع المذعورة يوم الاثنين- كاد مؤشر “إس آند بي 500” (S&P 500) أن يمحو خسائره الأسبوعية. صعدت كل مجموعات الأسهم تقريباً في جلسة ذات حجم تداول ضعيف.
شهد شهر أغسطس العديد من الأحداث الدرامية، إذ حل في وقت تظهر على سوق الأسهم بالفعل علامات على الإجهاد بعد ارتفاع حاد. كما زاد توتر المتداولين بسبب المخاوف بشأن تخلف الاحتياطي الفيدرالي عن السوق بعد بضع بيانات اقتصادية ضعيفة. وكانت وجهات النظر المتضاربة حول مسار السياسة النقدية لبنك اليابان سبباً في تفاقم اضطرابات السوق، مع ارتداد تجارة الفائدة المتعثرة عبر فئات الأصول.
حساسية الأسواق لخفض أسعار الفائدة
“حتى لو مر هذا الحدث العصيب، فقد تعلمنا مدى حساسية الأسواق الآن تجاه البيانات الاقتصادية الأميركية الضعيفة، ومدى تأثير تجارة الفائدة بالين على نطاق واسع، وكيف يتوقع المستثمرون أن تكون تخفيضات أسعار الفائدة علاجاً لكل شيء”، وفق ليز يونغ توماس من “SoFi”.
أشار رونالد تيمبل من “لازارد” إلى أن شدة الهبوط كانت بمثابة تذكير بأن السوق ارتفعت بشكل ملموس، ووصلت (الأسهم) إلى تقييمات يتفق معظم الناس على كونها منهكة. ومع ذلك، كانت عمليات البيع “مفرطة، ومن المحتمل أن تمثل فرصة للمستثمرين على الأجل الطويل لإضافة مراكز في الأسهم بشكل انتقائي”.
وقال: “بالنسبة للمستثمرين الذين يهتمون بالأداء على مدى سنوات، فإن عمليات اليع العشوائية مثل تلك التي شهدناها الأسبوع الماضي يمكن أن تمثل فرصاً عظيمة إذا لم تتغير الأساسيات بشكل جوهري. من وجهة نظري، لا تزال الأساسيات الاقتصادية قوية”.
ارتفع مؤشر”إس آند بي 500″ (S&P 500) بنسبة 0.5%، ليغلق دون تغيير ملحوظ على مدار الأسبوع. صعد سعر سهم شركة “إكسبيديا غروب” بعد تحقيقها نتائج أفضل من المتوقع. أفادت “رويترز” أن شركة “سيسكو سيستمز” تخطط لإلغاء آلاف الوظائف الإضافية في الجولة الثانية من عمليات تسريح العمال هذا العام.
انخفضت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات خمس نقاط أساس إلى 3.94%. وبعد التوقعات بإجراء الاحتياطي الفيدرالي خفضاً قوياً لأسعار الفائدة هذا الأسبوع، قلص المتداولون رهاناتهم إلى حوالي 100 نقطة أساس من التيسير النقدي لهذا العام. ويرجح معظم الاقتصاديين الذين شملهم استطلاع بلومبرغ خفضاً بمقدار ربع نقطة فقط في سبتمبر. وهذا يتعارض مع دعوات بعض البنوك الكبرى إلى إجراء خفض كبير.
مصير السوق الصاعدة
يرى جون ستولتزفوس، من شركة “أوبنهايمر أسيت مانجمنت”، أن السوق الصاعدة مازال لديها مجال للانطلاق.
وقال: “ما زلنا متفائلين حيال الأسهم. نعتقد أن الأساسيات الاقتصادية الأميركية لا تزال على أساس قوي رغم تأثير السياسة النقدية المتشددة، والتي نعتقد أنها ستُخفَّف قريباً”.
واصل مؤشر “مقياس الخوف” في وول ستريت -“VIX” تقهقره يوم الجمعة، ليحوم حول 20 نقطة. وذلك بعد ارتفاع غير مسبوق دفعه ليتخطى مستوى 65 نقطة يوم الاثنين، وهو مستوى نادر يشير عادة إلى الذعر المطلق. أثار هذا الارتفاع غير المعتاد بعض التساؤلات حول ما إذا كان المؤشر “يبالغ” في تقدير كل تلك الضغوط في سوق الأسهم الأميركية.
القول المأثور بأن “التقلب هو الثمن الذي تدفعه مقابل عوائد سوق الأسهم” صحيح تماماً، ولكن فك رموز ما تقوله الأسواق المتقلبة عن المستقبل هو ممارسة قيمة مع ذلك. وفق نيكولاس كولاس من “داتا تريك ريسرش” (DataTrek Research).
وقال كولاس: “ظروف السوق الحالية ليست مريحة، على أقل تقدير. لكنها لم تطلق تحذيراً قوياً حيال الركود، كما أنها لم تحكم على السوق الصاعدة الحالية بالانتهاء مبكراً. بعد أسبوع عصيب، نشعر بالارتياح لهذه الرسالة”.
هل يبالغ مؤشر “VIX”؟
حث وزير الخزانة السابق لورانس سامرز لجنة الأوراق المالية والبورصة، والبورصات ذات الصلة، على النظر في الارتفاع التاريخي في المؤشر الأكثر متابعة لقياس التقلبات المالية الأميركية يوم الاثنين.
وقال سامرز في برنامج “وول ستريت ويك” الذي يبثه تلفزيون بلومبرغ مع ديفيد ويستن يوم الجمعة: “ما أفهمه هو أنه نظراً لوجود بعض الأدوات غير السائلة التي تدخل في حساب مؤشر (VIX)، فقد شهد المؤشر حركة مصطنعة إلى حد ما يوم الاثنين. ونظراً لأن هذا المؤشر تتم مراقبته على نطاق واسع، وقضايا السيولة، والقضايا المتعلقة بكيفية تسويته، أعتقد أنه يجب دراسته من قبل الأطراف ذات الصلة في الصناعة والجهة التنظيمية، أي هيئة الأوراق المالية والبورصة”.
ومع وقوع سوق الأسهم في قبضة عمليات البيع واسعة النطاق في وقت مبكر من هذا الأسبوع، تراجعت إشارة المعنويات إلى واحدة من أدنى مستوياتها في التاريخ.
قال دين كريستيانز في “سنتيمان تريدر” (SentimenTrader) إن نسبة الأسهم إلى السندات -التي تقارن مؤشر “إس آند بي 500” مقابل سندات الخزانة طويلة الأجل لاختبار ما إذا كانت الأسهم رخيصة أو باهظة الثمن مقارنة بالسندات- تعمل أيضاً كمقياس لمعنويات السوق.
حققت السوق عوائد ممتازة في فترات مماثلة من الخوف المدفوع بالذعر في الماضي. فمنذ 1962، انخفضت النسبة إلى هذا الحد 13 مرة أخرى فقط، وفي أكثر من 90% من تلك الحالات، سجل مؤشر “إس آند بي 500” عوائد إيجابية في عام.
“ارتباك”
يرى مايكل هارنت من “بنك أوف أميركا كورب” إن الاضطراب لم يصل بعد إلى أبعاد من شأنها أن تشير إلى المخاوف بشأن الهبوط الاقتصادي الحاد.
وقال هارتنت: “لم يتم كسر المستويات الفنية التي من شأنها أن تقلب رواية وول ستريت من الهبوط السلس إلى الهبوط الحاد”. وأضاف أن ردود فعل المستثمرين “مشوشة”، لكن التوقعات بتخفيض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة تعني أن تفضيل الأسهم على السندات لم ينته بسبب تراجع السوق.
في الوقت الحالي، من المرجح أن يؤدي غياب أي أخبار اقتصادية رئيسية حتى صدور مؤشر أسعار المستهلكين يوم الأربعاء المقبل إلى تراجع تقلبات السوق، وفق مارك لوشيني من “جاني مونتغمري سكوت” (Janney Montgomery Scott).
ومع ذلك، أشار إلى أن شهري أغسطس وسبتمبر يعتبران ضعيفين موسمياً بالنسبة للأسهم، لذلك قد يتوقع حدوث تقلبات، خاصة في خضم انتخابات رئاسية تشهد منافسة.
أداء أبرز المؤشرات:
- ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 0.5% في الساعة 4 مساءً بتوقيت نيويورك.
- صعد مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 0.5%.
- ارتفع مؤشر “داو جونز الصناعي” بنسبة 0.1%.
- انخفض مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري 0.2%.
- ارتفع سعر “بتكوين” بنسبة 1.9% إلى 60668.49 دولار.
- صعدت قيمة “إيثر” 0.8% إلى 2591.07 دولار.
- ارتفع سعر الذهب في المعاملات الفورية 0.1% إلى 2430.32 دولار للأونصة.