الرهانات على قرار “الفيدرالي” توجه متداولي “وول ستريت” نحو الأسهم الصغيرة

واصل المتداولون في “وول ستريت”، الذين يستعدون لقرار “الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي هذا الأسبوع، التخلي عن الاستثمار في أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى التي كانت قد وجّهت السوق الصاعدة منذ بداية العام.

في ظل تزايد الرهانات على خفض “الفيدرالي” للفائدة بمقدار نصف نقطة يوم الأربعاء، استمر تدفق الأموال نحو القطاعات ذات الطبيعة الحساسة اقتصادياً، وابتعد عن أسهم التكنولوجيا الكبرى التي تُعتبر ملاذاً آمناً. تراجعت أسهم “أبل” بنسبة 3% بعد تحذير محلل بارز من أن الطلب على “أيفون 16 برو” جاء أقل من المتوقع. ورغم أن مؤشر “إس آند بي 500” لم يشهد تغييراً كبيراً يوم الإثنين، إلا أن معظم الأسهم المدرجة ارتفعت.

يرجع هذا التباين بشكل كبير إلى ضعف شركات التكنولوجيا الكبرى التي تسيطر على المؤشر الرئيسي للأسهم الأميركية. وفي الوقت نفسه، اقترب المقياس متساوي الأوزان ضمن مؤشر “إس آند بي 500” -الذي يمنح شركات مثل “تارغت” (Target Corp) نفس التأثير مثل “مايكروسوفت”- من أعلى مستوياته على الإطلاق وسط آمالٍ بأن يزيد الارتفاع الذي شهدته الأسهم هذا العام.

قال جون ستولتزفوس، من شركة “أوبنهايمر أسيت مانجمنت” (Oppenheimer Asset Management): “لا نزال متفائلين تجاه الأسهم. التحول الواسع نحو الارتفاع من أدنى مستويات مؤشر إس آند بي 500 العام الماضي، خفف حدة التقلبات التي شهدناها بشكل متكرر منذ أدنى مستويات أغسطس. والتراجعات التي شهدناها حتى الآن هذا العام تبدو في معظمها كتصحيحات طفيفة لمؤشر إس آند بي 500”.

حالة الاقتصاد الأميركي أهم من الفائدة

مع اقتراب قرار “الفيدرالي”، أشار استراتيجيون من “مورغان ستانلي” و”غولدمان ساكس” و”جيه بي مورغان” إلى أن حجم الخفض في أسعار الفائدة أقل أهمية بالنسبة للأسهم مقارنة بحالة الاقتصاد الأميركي.

كالي كوكس، من شركة “ريتهولتز ويلث مانجمنت” (Ritholtz Wealth Management)، توقعت أن “يكون هناك خفض في الفائدة هذا الأسبوع، سواء كان بمقدار 25 أو 50 نقطة أساس. التأثير الاقتصادي لخفض واحد -بغض النظر عن حجمه- سيكون غير ذي أهمية كبيرة. الأهم هو مسار ودرجة التخفيضات خلال العام المقبل وما بعده”.

كان مؤشر “إس آند بي 500” يحوم حول مستوى 5625 نقطة. في حين انخفض مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 0.6%. وارتفع مؤشر “داو جونز الصناعي” بنسبة 0.4%. بينما تراجع مؤشر “بلومبرغ” لـ”السبعة العظماء” بنسبة 1%. في حين أضاف مؤشر “راسل 2000″، الذي يضم الشركات الصغيرة، نسبة 0.6%. كما تفوقت أسهم البنوك بشكل كبير على السوق الأوسع بعدما أشار محلل كبير إلى أن احتمالات تحقيق هبوط اقتصادي سلس يجب أن تتفوق على الضغوط على هوامش الربحية.

تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بثلاث نقاط أساس إلى 3.62%. كما انخفض الدولار إلى أدنى مستوياته منذ يناير. بينما بلغت أسعار الذهب أعلى مستوياتها على الإطلاق.

قادت شركات التكنولوجيا العملاقة مثل “إنفيديا” و”مايكروسوفت” ارتفاع الأسهم على مدى العامين الماضيين، حيث انجذب المستثمرون إلى أرباحها القوية وانخراطها في تقنيات الذكاء الاصطناعي.

لكن منذ وصول مؤشر “إس آند بي 500″ إلى ذروته في 16 يوليو، شهدت أسهم ما يُسمى بـ”السبعة العظماء” تراجعاً بأكثر من 6%، في حين اكتسبت قطاعات أخرى زخماً.

أسهم التكنولوجيا تستعيد زخمها

يوضح بول نولتي، من شركة “ميرفي آند سيلفيست ويلث مانجمنت” (Murphy & Sylvest Wealth Management)، أنه “منذ وصول أسهم التكنولوجيا إلى ذروتها (مؤقتاً؟) في يوليو، كانت الأسهم الرابحة هي ‘493 سهماً’ المتبقية في مؤشر إس آند بي 500”. مضيفاً: “كانت هناك الكثير من ‘البدايات الخاطئة’ عندما بدا أن أسهم التكنولوجيا خفت نجمها، لكن سرعان ما استعادت مكانتها القيادية في السوق”.

وتابع نولتي أنه خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة الماضية، كان الفارق بين قطاع التكنولوجيا المزدهر ومتوسط الأسهم مشابهاً لما كان عليه في أوائل عام 2000. منوّهاً بأنه “بينما قد لا يعيد التاريخ نفسه، فإنه يشير على الأقل إلى تقليل التعرض لقطاع التكنولوجيا لفترة”.

في الوقت نفسه، عادت صناديق التحوط إلى شراء أسهم التكنولوجيا الكبيرة، وفقاً لتقرير حديث من “مورغان ستانلي برايم بروكريج” (Morgan Stanley Prime Brokerage). وعلى النقيض من ذلك، تعرضت القطاعات الدفاعية للبيع بشكل صافٍ حيث قلصت  الصناديق انكشافها على العقارات والرعاية الصحية والمرافق.

في ظل استعداد المستثمرين لبدء دورة خفض أسعار الفائدة من قبل “الفيدرالي”، يبدو أن الأسهم والسندات مسعرة بشكل مفرط، لكنها تتبنى رؤى مختلفة حول المسار المستقبلي، وفقاً لليزا شاليت، من “مورغان ستانلي ويلث مانجمنت” (Morgan Stanley Wealth Management).

شاليت أضافت: “الأسهم تأخذ في الحسبان ‘هبوطاً سلساً لا تشوبه شائبة’، مدفوعاً بنمو أرباح بنسبة مئوية مزدوجة دون أي اضطرابات كبيرة في سوق العمل والاستهلاك.. أما السندات فقد ارتفعت بشكل حاد، مشيرةً إلى حدوث ركود وأن الفيدرالي ‘متأخر’ عن المنحنى”.

إذا كانت السندات تتخذ مساراً “صحيحاً”، فإن الأسهم ستواجه انخفاضاً بسبب تراجع الأرباح، وفقاً لشاليت. وإذا كانت السندات في اتجاه “خاطئ”، فإن ارتفاع معدلات الفائدة سيخلق رياحاً معاكسة للتقييمات.

وتابعت: “علينا أن نضع في الاعتبار حيازة الأسهم متساوية الأوزان ضمن مؤشر إس آند بي 500 كأفضل انكشاف من حيث المخاطر مقارنة بالأسهم التي تعتمد على الوزن في السوق. ولا تزال القطاعات المالية والصناعية والطاقة والرعاية الصحية والأسهم المرتبطة بالبنية التحتية والمواد تقدم خيارات مقنعة، وكذلك بعض أجزاء قطاع التكنولوجيا مثل البرمجيات. يجب البحث عن أفكار دفاعية في صناديق الاستثمار العقاري السكنية والمرافق”.

تقييمات محدودة

وفقاً لاستراتيجيي “غولدمان ساكس غروب” بقيادة ديفيد كوستين، فإن احتمالية ارتفاع تقييمات الأسهم محدودة عند المستويات الحالية، لأن التوقعات لنمو الاقتصاد هي الدافع الأكثر أهمية، وليس سرعة تخفيضات الفائدة.

وأفادوا: “بينما يعتقد بعض المستثمرين أن سرعة تخفيضات الفيدرالي ستكون العامل الحاسم في عوائد الأسهم خلال الأشهر المقبلة، إلا أن مسار النمو الاقتصادي هو الدافع الأهم للأسهم في نهاية المطاف.”

بينما أشار استراتيجيون في “جيه بي مورغان تشيس”، بقيادة ميسلاف ماتيجكا، إلى أن السيولة وحالة الاقتصاد ستحددان رد فعل سوق الأسهم تجاه تخفيضات الفائدة. وأوصوا المستثمرين بزيادة حيازاتهم في القطاعات الدفاعية، مع توقع استفادة الشركات الصغيرة من استمرار انخفاض عوائد السندات.

وقال مايك ويلسون من “مورغان ستانلي: “إذا ضعفت سوق العمل عن المستوى الحالي، فقد تُتداول الأسواق وفق آلية تجنب المخاطر، بغض النظر عما إذا كانت الخطوة الأولى للفيدرالي هي خفض بمقدار 25 أو 50 نقطة أساس”. من ناحية أخرى، إذا تحسن التوظيف، فقد تدعم سلسلة من التخفيضات بمقدار 25 نقطة أساس حتى منتصف 2025 تقييمات الأسهم بشكل أكبر.

الانتخابات، الاقتصاد، حجم خفض الفائدة الأميركية هذا الأسبوع، كلها أمور تركت السوق في حالة توتر. وأوصت سافيتا سوبرامانيان، الخبيرة الاستراتيجية في الأسهم والخبيرة الكمية في “بنك أوف أميركا”، المستثمرين بتجنب المخاطر.

وأضافت في مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ” يوم الإثنين: “يجب التركيز على الأسهم ذات توزيعات الأرباح الآمنة، وأعلم أن هذه هي أسوأ توصية على الإطلاق، لكن في بعض الأحيان يكون الملل هو الخيار الجيد”.