◾ مديرة الاستثمار في Hargreaves Lansdown: ترامب كان غير متوقع في الماضي بشأن الوعود التي قطعها أثناء حملته الانتخابية.. ومن الممكن أن تخيب الآمال السياسة التي سيتبعها عند توليه المنصب
◾ كبير الاقتصاديين في شركة ACY باستراليا: الارتفاع الهائل والسريع للبيتكوين قد يعقبه انخفاض مفاجئ إذا فشل ترامب في رسم الإطار التنفيذي والقانوني للعملات المشفرة خلال الـ 100 يوم الأولى من رئاسته
◾ رئيس وحدتي الخدمات المالية والبلوك تشين والعملات المشفرة في Swiss Economics: الوضوح التنظيمي في قطاع العملات المشفرة هو المحك الأساسي في سياسات ترامب
تُشكل ليلة الثلاثاء الخامس من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 ليلة حاسمة في سوق الكريبتو، حيث تأكدت معها العودة المُنتظرة للرئيس الأميركي السابق دونالد إلى البيت الأبيض، وبما دعّم حماس المتعاملين بالقطاع، لجهة التأثير المتوقع للسياسات الداعمة التي يَعد بها الرئيس المُنتخب الذي قدّم نفسه كمؤيد قوي للعملات المشفرة، الأمر الذي دفع العملة الأكبر (البتكوين) إلى مستويات قياسية غير مسبوقة فوق الـ 80 ألف دولار، وسط توقعات متزايدة -لكنها حذرة- بكسر مستوى الـ 100 ألف في وقت قياسي.
تحوّل موقف دونالد ترامب بشكل لافت من الكريبتو خلال فترة حملته الانتخابية مقارنة بموقفه الصارم تجاه القطاع إبان وجود بالسلطة في الفترة من 2016 وحتى 2020.
قدّم الرئيس الأميركي المُنتخب نفسه خلال الحملة لحاملي العملات المشفرة داعماً قوياً للقطاع، وقدّم مجموعة من الوعود التي ترتبط بضعها بأطر تنظيمية تعالج أزمات المتعاملين بالقطاع مع الجهات التنظيمية.
من بين أبرز الوعود التي أطلقها والمواقف الإيجابية المتوقعة بالنسبة للسوق والتي من شأنها دفع الحماسة بالقطاع، على النحو التالي:
المخزون الاستراتيجي للعملات المشفرة: تعهد ترامب بعدم بيع الحكومة الأميركية لممتلكاتها من البيتكوين، التي تم مصادرتها من المجرمين الماليين. كما أكد على الحفاظ على جميع احتياطيات البيتكوين الموجودة.
إقالة غاري غينسلر: وعد ترامب بإقالة رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC)، غاري غينسلر، الذي كان يتخذ مواقف معارضة لصناعة العملات المشفرة، رغم أنه لا يملك صلاحية إقالته بشكل مباشر.
مجلس استشاري للعملات المشفرة: تعهد بإنشاء “مجلس استشاري رئاسي للبيتكوين والعملات المشفرة”، حيث ستكتب القواعد التنظيمية من قبل مؤيدين لهذه الصناعة وليس معارضيها.
تعدين البيتكوين في أميركا: وعد بتشجيع تعدين البيتكوين داخل الولايات المتحدة، بهدف تحقيق “هيمنة طاقية” وتعزيز قوة الاقتصاد الأميركي، مشيرًا إلى ضرورة أن يتم استخراج جميع العملات المشفرة في أميركا، وجعلها عاصمة العملات المشفرة في العالم.
خفض أسعار الفائدة: أعلن عن دعمه لأسعار الفائدة المنخفضة، مما يُتوقع أن يعزز من أداء العملات المشفرة، حيث يرتبط خفض الفائدة عادة بارتفاع الأسعار في هذا القطاع.
وعود ترامب لمؤيدي العملات المشفرة.. عهد جديد لـ “الكريبتو”
وترجمة لتلك الوعود، كان يتم تداول العملة الأكبر (بتكوين)عند مستوى 67845 دولار عشية يوم الانتخابات، قبل أن تصل إلى مستوى الـ 70 ألفاً في اليوم التالي بعد فوز ترامب، لتواصل مكاسبها مقتربة من الـ 85 ألفاً خلال تعاملات الاثنين 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، وبنسبة ارتفاع 20% خلال أسبوع واحد فقط.
كذلك عملية الإيثيريوم التي ارتفعت من 2423 دولار خلال تعاملات الاثنين الماضي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني (قبل يوم واحد من الانتخابات) وصولاً إلى أكثر من 3319 دولاراً بعد أسبوع، وبنسبة ارتفاع بلغت 36% في نحو سبعة أيام.
فيما تشير التقديرات إلى إمكانية اختراق سعر البتكوين الـ 100 ألف دولار بحلول نهاية العام الجاري بعد فوز ترامب، بحسب محللين، من بينهم جيمس باترفيل، رئيس الأبحاث في كوينشيرز. بينما بالغ آخرون بتوقع مستويات الـ 150 ألفاً.
يأتي ذلك في الوقت الذي من المرجح أن يجعل فوز ترامب بالرئاسة والأغلبية الجديدة للجمهوريين في مجلس الشيوخ من الأسهل الدفع من خلال “إطار تنظيمي متوقع مريح”.بيئة أكثر تساهلاً
رئيسة قسم المال والاستثمار في Hargreaves Lansdown سوزانا ستريتر، تقول لدى حديثها مع CNBC عربية: “لقد دفع الحماس الذي أطلقته فوز ترامب إلى ارتفاعات قياسية جديدة لبيتكوين، ذلك أن تعهده بالاستثمار الكبير في العملات المشفرة دفع العملة المشفرة الأكبر إلى تسجيل ارتفاعات جديدة، حيث تجاوزت قيمتها الآن 82,000 دولار”.
المتفائلون يعلقون آمالهم على تغير موقف ترامب تجاه هذه الصناعة؛ بعد أن تبددت شكوكه السابقة، وتعهد بتحويل الولايات المتحدة إلى عاصمة عالمية للعملات المشفرة.
ويراهن المضاربون في بيتكوين على بيئة تنظيمية أكثر تساهلاً، مع توقعات بأن السلطات قد تبدأ في بناء صندوق احتياطي للعملات المشفرة، مما يعزز الطلب المستمر.
بحسب ستريتر، فإن “التوقعات بأن العملات المشفرة ستكتسب المزيد من الشرعية تعطي بيتكوين فرصة جديدة للظهور في الأفق.. لكن الرئيس ترامب كان غير متوقع في الماضي بشأن الوعود التي قطعها أثناء حملته الانتخابية، ومن الممكن أن تخيب السياسة التي سيتبعها عند توليه المنصب”.
وشهدت سوق الكريبتو بعض الحماسة الكبيرة في السابق قبل أن تنخفض بشكل حاد (في مناسبات مختلفة)، ومع التحركات الحادة الأخيرة صعوداً، قد تكون التصحيحات الجديدة على الأبواب، بحسب رئيسة قسم المال والاستثمار في Hargreaves Lansdown.
وتستطرد: على الرغم من أنه من الواضح أن هناك فرصاً كبيرة للابتكار في النظام البيئي للعملات المشفرة وبلوك تشين، إلا أنه على الصعيد العالمي ما زال من غير الواضح كيف سيبدو المشهد التنظيمي في المستقبل على مستوى العالم.
لكنها تشدد في الأخير على أن “أي شخص يفكر في المضاربة في العملات المشفرة يجب أن يتوخى الحذر، ويستخدم المال الذي يمكنه تحمل خسارته، وأن يقتصر على القيام بذلك في أطراف محافظه المالية المتنوعة”.
صفقات ترامب
وفي مذكرة بحثية الأسبوع الماضي، سلط استراتيجيو CITI الضوء على أن العملات المشفرة كانت واحدة من “الصفقات القليلة لترامب التي لم تتراجع بعد”.
وقال الاستراتيجيون بقيادة ديفيد جلاس: “إن جزءاً من السبب يرجع إلى الطبيعة الصديقة للعملات المشفرة المتوقعة لإدارة ترامب، والتي يأمل المستثمرون أن تترجم إلى وضوح تنظيمي في الولايات المتحدة”، مشيرين إلى أنه منذ الانتخابات، شهدت صناديق الاستثمار المتداولة في العملات المشفرة بعضًا من أكبر التدفقات الداخلة على الإطلاق.
وبلغت التدفقات الصافية لصناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين والإيثريوم في اليومين التاليين للانتخابات 2.01 مليار دولار و132 مليون دولار على التوالي.
صناعة ناشئة
من جانبه، يقول كبير الاقتصاديين في شركة ACY باستراليا، د.نضال الشعار، لدى حديثه مع CNBC عربية: “عندما نتحدث عن العملات الرقمية، فإننا نتحدث عن صناعة ناشئة، ومن طبيعة الصناعات الناشئة أن تكون غير مستقرة وتتعرض لتقلبات حادة.. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإطار التنظيمي لهذه الصناعة لم يكتمل بعد، ولا يزال الجدل قائماً حول جدواها وفعاليتها، فضلاً عن قابليتها لتحقيق الأهداف المرجوة منها”.
كما أن هناك تحديات ستواجهها ضمن النظام النقدي العالمي الحالي الذي لم يوفر لها المساحة المنشودة. وبالتالي، لا يمكن اعتبارها عملات مستقرة، بل هي ما زالت -في تقدير الشعار- في مرحلة المواد، أي أنك تتداول بالمواد.
النقطة الثانية التي يشير إليها الشعار فيما يخص البيتكوين، فهي بلا شك العملة الرقمية الأولى والأكثر شهرة وتداولاً. وقد أثبتت ذلك في عدة مجالات، ومنها قبول هيئة الأوراق المالية في أميركا بأن تكون أصلاً مالياً للصناديق القابلة للتداول “ETF”، بالإضافة إلى إقبال مؤسسات مالية ضخمة مثل “بلاك ووتر” على إنشاء هذه الصناديق.
ويضيف: من الواضح تماماً أن توجه الرئيس ترامب قد اختلف عن توجهه السابق في ولايته الأولى، حيث صرح حينها بأن العملات الرقمية والبيتكوين تعتمد على الهواء. كان هذا تصريحاً حرفياً، ولكن أثناء حملته الانتخابية الحالية، قام بانعطاف قدره 180 درجة، حيث صرح حرفياً بأنه سيكون “رئيس العملات الرقمية” (..) وهو بصدد دعم منصة تداول العملات الرقمية والعملات غير القابلة للاستبدال.
ويلفت كبير الاقتصاديين في شركة ACY باستراليا هنا إلى تضامن إيلون ماسك مع الرئيس المنتخب ترامب، والذي اقترب من أن يصبح شراكة. هذا يعزز الاتجاه الإيجابي نحو العملات الرقمية، إذ أن إيلون ماسك معروف وضليع في هذا المجال وله تجارب متعددة، وهو من الداعمين الأوائل لهذه الصناعة. وهناك توقعات بأن يكون ماسك مستشاراً للرئيس ترامب في أمور التكنولوجيا، ومنها العملات الرقمية والذكاء الاصطناعي، مما سيوفر دعماً هائلًا لهذه الصناعات.
ويعتقد الشعار بأنه إذا استطاع ترامب وفريقه التكنولوجي إيجاد الإطار التنظيمي والقانوني المناسب للعملات الرقمية، فإن ذلك سينعكس إيجابياً على أغلب هذه العملات، وسيحدث ما يمكن تسميته بالاصطفاء الطبيعي، حيث تبقى بعض العملات الرقمية بينما تختفي أخرى؛ إذ أن ساحة العملات الرقمية اليوم مكتظة إلى حد العشوائية، ولا بد من تنظيمها.
وفي السياق، يرى أن التحدي الأكبر الذي سيواجهه ترامب هو مقاومة المصارف المركزية لهيمنة العملات الرقمية. إذ أن هذه العملات تعمل خارج السلطات النقدية، وأي سيطرة مباشرة عليها من قبل السلطات النقدية يفقدها ميزتها الأساسية، وهي الاستقلالية واللامركزية.
فيما لا يعتقد بأنه خلال الأربع سنوات القادمة سيكون ترامب قادراً على إقناع الاحتياطي الفدرالي بالدور المتعاظم الذي يروج له للعملات الرقمية. وبالتالي، سينحصر شيوعها واستخداماتها في القطاع الخاص، لكن مع توسع واضح. وبعد انتهاء السنوات الأربع، لا أحد يعلم ما هي توجهات الإدارة الجديدة ومدى تجاوبها مع السلطات النقدية. في ذات الوقت، يجب أن نلاحظ أن الدول الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي ليست بنفس مستوى الحماس الذي نشهده حاليًا من الإدارة الأميركية الجديدة.
ويختتم الشعار حديثه مع CNBC عربية، قائلاً: إن استمرار الارتفاع الهائل والسريع الذي شهدته البيتكوين، حيث وصلت الآن إلى حدود 85 ألف دولار، قد يعقبه انخفاض مفاجئ إذا فشل الرئيس ترامب في رسم الإطار التنفيذي والقانوني للعملات الرقمية، وذلك خلال الـ 100 يوم الأولى من رئاسته. فالفترة الأولى بعد 20 يناير/ كانون الثاني 2025 ستحدد فعلاً مصير العملات الرقمية. وإذا فشل ترامب في تحديد الإطار التنفيذي والقانوني، سيفقدها بريقها، وستصبح شبه مهجورة في الأعوام القادمة رغم كل المحاولات.
وفي السياق، فإن التوقعات المستمرة بانخفاض أسعار الفائدة وتجنب الركود وسوق العمل القوية في الولايات المتحدة من المرجح أيضًا أن تعد حافزاً أكبر لمزيد من الثقة في مستقبل البيتكوين خصوصاً، والكريبتو بشكل عام.
“التنظيم هو المفتاح”
وحول ما إذا كانت السنوات الأربعة المقبلة -خلال ولاية الرئيس ترامب الثانية- قد تمثل عهداً جديداً لسوق العملات المشفرة، يقول رئيس وحدتي الخدمات المالية و البلوك تشين والعملات المشفرة في شركة Swiss Economics، ماتيس هافنر، يقول لدى حديثه مع CNBC عربية، إن “التنظيم هو المفتاح”.
ويفسر ذلك مردفاً: “يمكن لترامب أن يجلب المزيد من الوضوح التنظيمي في قطاع العملات المشفرة.. هذا سيسمح للبنوك وأيضاً المزودين الذين ليس لديهم ترخيص مصرفي، باستخدام التكنولوجيا وتحقيق التبني الجماعي للعملات المشفرة”. ويستطرد: “إذا رأينا الضوء الأخضر لغير البنوك لاستخدام التكنولوجيا، فمن المحتمل أن نرى منحنى تبني قوي”.
في ضوء ذلك، وبخصوص مستويات الأهداف طويلة الأجل لسوق العملات المشفرة، والتحديات الرئيسية التي تواجهه، يعتقد هافنر بأن التحديات تتلخص في التنظيم والتباين بين الحلول الحالية، علاوة على الصعوبات التقنية في استخدام التكنولوجيا”.
وفيما يتعلق بالمتغيرات الرئيسية التي يتعين أن تراقبها أسواق العملات المشفرة تحت إدارة ترامب، وأي من وعوده الأكثر احتمالًا لتحقيق تأثير على القطاع، يتحدث رئيس وحدتي الخدمات المالية و البلوك تشين والعملات المشفرة في شركة Swiss Economicsعن أهمية عامل التنظيم الواضح والتنافسي للعملات المستقرة والأصول المالية على البلوك تشين، باعتباره العنصر الأكثر تأثيراً في مسار السوق.
CNBC – محمد خالد