فقاعة بتكوين ليست مرتبطة بترمب فقط

بدأت تتضح لي أخيراً قيمة العملات المشفرة، فهي تضيف عنصراً من التقلبات إلى محفظتك الاستثمارية، وهو ما قد يفسر سبب دعم دونالد ترمب لها، كونه يضفي بدوره الكثير من التقلبات إلى المشهد السياسي أيضاً.

ورغم أنني لن أتمادى كثيراً في المقارنة بين الرئيس المنتخب والعملات المشفرة، إلا أن هذه التقلبات تكشف التناقض الأساسي في هذه الأصول الرقمية التي سجلت مستويات قياسية مرتفعة في الأسبوع التالي لانتخاب ترمب. فمن المفترض أن تكون العملات المشفرة بديلاً للعملات الحكومية، وملاذاً آمناً في حال انهيار النظام المالي العالمي، لكن تاريخها يُظهر أنها تجعل محفظتك الاستثمارية أكثر خطورة. فمن المستحيل أن يكون الأصل نفسه مصدراً للمخاطر والأمان في آنٍ واحد.

التأثر الكبير بالتقلبات

ظهرت العملات المشفرة قبل نحو 15 عاماً فقط، وهي فترة قصيرة جداً في عالم الأسواق المالية، وبالتأكيد غير كافية للتوصل إلى استنتاجات حاسمة بشأن سلوك تسعيرها. مع ذلك، بدأت تظهر أنماط متكررة، مثل تأثر هذه العملات بالتقلبات بدرجة عالية، كما أنها ترتبط بشكلٍ كبير بأداء سوق الأسهم بصورة عامة. فعندما ترتفع السوق، ترتفع العملات المشفرة بمعدلات أعلى، وعندما تنخفض السوق، تتراجع هذه العملات بشكلٍ أكثر حدّة.

الارتفاع الكبير الذي شهدته العملات المشفرة هذا الأسبوع يعود بشكل كبير إلى فوز ترمب الحاسم. فهو يُعد أحد أكثر المؤيدين للعملات المشفرة، إذ سبق أن عقد فعالية انتخابية في حانة مستوحاة من شعار “بتكوين”، كما وعد بتقديم لوائح تنظيمية ملائمة أكثر لهذه الأصول، وألمح إلى احتمال إنشاء صندوق عملات مشفرة تديره وزارة الخزانة. في عهد ترمب، قد تصبح العملات المشفرة سائدة أخيراً وتصبح أكثر قبولاً لدى المستثمرين من المؤسسات.

تناقض الأمان والمخاطرة

لكن حتى لو لم يكن ترمب من داعمي العملات المشفرة، فإنها كانت ستحظى على الأرجح بأسبوع جيد، نظراً لارتفاع السوق بشكل عام، كما أن العملات المشفرة تتأثر بالتقلبات بدرجة عالية، بما يجعلها أصولاً شديدة المخاطرة. فعندما يزداد ثراء جميع المتداولين، تصبح أنت (كمستثمر بالأصول الرقمية) أكثر ثراءً. لكن عندما تنهار الأسواق، تصبح أسوأ حالاً، وهو وقت قد تكون فيه بحاجة ماسة إلى المال.

وهذا يجعل من الصعب التوفيق بين هذا السلوك وبين الوعود التي تقدمها العملات المشفرة كوسيلة آمنة لإجراء المعاملات المالية، وبأنها أصل يحتفظ بقيمته حتى مع تضخيم الحكومات لقيمة عملاتها أو، في أسوأ الأحوال، عند انهيار النظام الاقتصادي العالمي.

لو تمكنت العملات المشفرة من الوفاء بهذا الوعد، لكانت بالفعل أصولاً آمنة، أكثر حتى من الذهب أو سندات الخزانة. لكن الأصول الآمنة، بطبيعتها، لا تتأثر كثيراً بالتقلبات لأنها تضمن الاحتفاظ بقيمتها بغض النظر عن حالة السوق. وبالتالي، لا يمكن للأصل الآمن أن يكون شديد التقلب وفي الوقت نفسه ملاذاً آمناً عندما تنهار الأسواق. حتى الذهب، الذي يتمتع بقيمة جوهرية ويُعتبر ملاذاً آمناً رغم تقلباته العالية، شهد انخفاضاً في قيمته مؤخراً.

العملات المشفرة ليست الملاذ الأمثل

رغم المستويات القياسية المرتفعة التي وصلت إليها العملات المشفرة وانتشارها الكبير، إلا أنني ما زلت مرتابة بشأنها. إذا كان هدف المستثمرين هو إضافة المزيد من المخاطر إلى محافظهم الاستثمارية، فقد تكون العملات المشفرة خياراً معقولاً إلى حد ما، وإن كانت هناك بدائل أخرى لتحقيق ذلك، مثل استخدام الرافعة المالية.

كما أن تقلبات هذه الأصول تجعلها غير ملائمة لتكون مخزناً للقيمة، بجانب كونها غير عملية للاستخدام في المعاملات المالية واسعة النطاق. وإذا كان الهدف من الإجراءات التنظيمية الجديدة هو تحويل العملات المشفرة إلى بديل مستقر للعملات المدعومة من الحكومات، فهذا يعني أنها ستقدم عوائد أقل مستقبلاً.

ربما يكون الوعد تقديم أصل جديد وغير مُختبر أمراً مثيراً للاهتمام، لكن هذا الحماس لن يدوم إلى الأبد. يمكن النظر إلى العملات المشفرة باعتبارها نسخة مالية من “قانون ستاين”، إذ يمكن للأسواق تحمل شيء غير منطقي لعقود، إلى أن يتوقف ذلك فجأةً يوماً ما.