عودة العملات المشفرة.. كيف نتجنب الكارثة؟

يبدو أن حفلة العملات المشفرة تستعد للانطلاق من جديد. فعملة “بتكوين” في ارتفاع مستمر وكبار اللاعبين يحتفلون، وسط توقعات بأن الرئيس المنتخب دونالد ترمب سيجعل الولايات المتحدة، كما قال، “عاصمة العملات المشفرة في العالم”.

وحتى لا تنحرف هذه التجربة عن مسارها، تحتاج الهيئات التنظيمية إلى الحفاظ على بعض الضوابط.

في شكلها الحالي، تنطوي العملات المشفرة في أفضل الأحوال على إمكانية غير مباشرة لإفادة المجتمع. فعلاقة معظم مؤسساتها –مثل شركة “وورلد ليبرتي فايننشال” (World Liberty Financial) التي يدعمها ترمب– ضئيلة أو معدومة بقدرة التكنولوجيا على تحسين المدفوعات عبر الحدود أو تسوية الأوراق المالية.

وتميل الرموز المشفرة الأكثر انتشاراً وشعبية إلى كونها مجرد أدوات للمضاربة، لا صلة لها بالتدفقات النقدية الحقيقية التي تستمد منها الأصول المالية قيمتها. ويجري تداولها على منصات تكتظ بالمحتالين وأشكال التلاعب وتضارب المصالح، فتحقق الثراء بشكل أساسي لذلك النوع من الوسطاء الذين كان يفترض أن تقضي عليهم العملات المشفرة.

سياسة إدارة بايدن

تحت رئاسة جو بايدن، سعت “هيئة الأوراق المالية والبورصات” إلى إنهاء نشاط العملات المشفرة بدلاً من تطوير وتطبيق قواعد لاحتوائها وتنظيمها (كما تحاول أوروبا على سبيل المثال).

رفع رئيس الهيئة غاري غنسلر دعاوى قضائية ضد اثنتين من أكبر منصات التداول في العالم، هما “بينانس هولدينغز” (Binance Holdings) و”كوين بيس غلوبال” (Coinbase Global)، بسبب انتهاكات مختلفة لقوانين الأوراق المالية، وكان يمكن لهذه الجهود إذا نجحت أن تضطرهما إلى مغادرة البلاد أو حتى الخروج من النشاط.

ترمب واحتياطي “بتكوين”

تغيرت الأمور الآن، وتعهد ترمب بإقالة غنسلر، بل وبإنشاء “احتياطي استراتيجي وطني من بتكوين”، مدخلاً السعادة والسرور على أنصار العملات المشفرة الذين ضخوا أكثر من 200 مليون دولار في حملته، وحملات العشرات من مرشحي الكونغرس الناجحين.

من شأن التشريع الذي يرعاه قطاع العملات المشفرة أن يحيد “هيئة الأوراق المالية والبورصات” إلى حد كبير، مما يسهل زيادة وانتشار إصدار الرموز وتداولها مع أدنى حد من الرقابة والإشراف، لاسيما في ضوء تعيينات الرئيس المنتخب المحتملة للمنظمين المعنيين.

في الأيام العشرة التي تلت انتخاب ترمب، قفزت “بتكوين” بأكثر من 30%، وتضاعف تقريباً سعر “دوج كوين”، التي صدرت كمزحة في البداية.

دون إثارة للذعر أو الإفراط في التدخل غير المبرر، من المهم أن نتناول بالتفكير  بعض الأشكال التي قد تتطور فيها الأمور على نحو خاطئ.

لم يتضح حتى الآن ما ستسفر عنه فكرة ترمب المتعلقة باحتياطي عملة “بتكوين”، وقد يقتصر ذلك الاحتياطي على الرموز التي صادرتها الحكومة فعلاً في القضايا الجنائية وبالتالي لا داعي للقلق بشأنها.

وبالمثل، إذا ظلت العملات المشفرة مجالاً للنصب والتربح الشخصي والمضاربة بلا طائل، فإن الضحايا سيكونون بشكل رئيسي من الأشخاص الذين تم تحذيرهم بما يكفي، وكان ينبغي أن يتعلموا ويتعظوا، كما حدث مع انهيار شركة “إف تي إكس” (FTX) في 2022.

لسوء الحظ، ليس هذا  كل شيء. فإذا سُمح للمؤسسات المالية التقليدية بتقديم قروض مقابل ضمانات من رموز مشفرة تم استحضارها من العدم، فقد تنتشر المشاكل بسرعة من العملات المشفرة.

العملات المستقرة ومخاطر أخرى

إذا استطاع مصدرو ما يسمى بالعملات المستقرة “stablecoin” (وهي رموز مشفرة يزعمون أنها تمثل الدولار والعملات الأخرى) جمع ومراكمة ما يكفي من الأصول التقليدية، فقد يترتب على أي حالة ذعر في مجال العملات المشفرة زعزعة الاستقرار في الأسواق المالية.

وإذا استمر عمل هذه العملات المستقرة كقنوات لحركة الأموال لا تخضع للرقابة، فقد تضعف قدرة الولايات المتحدة على محاربة الإرهاب وفرض العقوبات بشكل كبير. فمئات المليارات من الدولارات تدخل عملة “تيذر” (Tether) وتخرج منها شهرياً، وهي أكثر العملات المستقرة انتشاراً.

يجب أن تظل السلطات يقظة ومستعدة. وحتى الآن، فرضت هيئات تنظيم قطاع المال شروطاً جيدة بالحد من الإقراض بضمان العملات المشفرة، خاصة من جانب البنوك. وعليها أن تستمر في ذلك.

لدى وزارة الخزانة سلطة كبيرة للتأثير على مصدري العملات المستقرة “ستيبل كوين”، التي لا يمكن أن تعمل بشكل صحيح دون إمكانية الحصول على الدولار. وينبغي عليها أن تطالبهم بمراقبة المعاملات بدقة، والإبلاغ عن أي نشاط يثير الشبهات، وتجميد الحيازات عند الضرورة. ويجب أن تقتصر استثماراتهم على الأوراق المالية الأكثر أماناً وسيولة.

تتأهب العملات المشفرة لمشهد العودة. وتستطيع إجراءات الحماية الأساسية على الأقل أن تمنعها من أن تشكل خطراً على الملايين من الأشخاص الذين يرغبون بشكل معقول في عدم التعامل معها. وفيما وراء ذلك، على من يشتريها أن يتوخى الحذر.