اليابان تتأهب لإطلاق حزمة تحفيز جديدة بقيمة 140 مليار دولار

مع بداية ولايته الرسمية الثانية كرئيس للوزراء يوم الإثنين، بدا شينغيرو إيشيبا وكأنه في سُبات أثناء تسلم دفة القيادة.

فقد تصدر رئيس الوزراء عناوين الأخبار بعد أن التقطته الكاميرات وهو يغفو أثناء جلسة ترشيحه في البرلمان كزعيم لليابان. من المعتاد أن يغفو السياسيون اليابانيون الذين يُضطرون لحضور النقاشات البرلمانية المملة لساعات طويلة، والتي لا يضطر نظراؤهم حول العالم لتحملها. المتحدث باسم إيشيبا أرجع السبب في هذه الغفوة إلى أدوية البرد.

لكن ربما تمنى إيشيبا لو ظل نائماً. فهو يواجه بالفعل ما يكفي من المشكلات. ولم يتخلص بعد من مرارة هزيمة موجعة في الانتخابات حيث شكّل للتو حكومة أقلية، وهي الأولى في اليابان منذ ثلاثة عقود التي يُتوقع أن تكون غير مستقرة.

زعيم الحزب الذي يحتاج  لتمرير تشريعات تدعمه، يواجه ورطة بعد أن اعترف بعلاقة خارج إطار الزواج. اثنان من وزراء إيشيبا وزعيم شريكه في التحالف خسروا مقاعدهم في الانتخابات. ربما يكون التوقيت هو السبب في عدم خسارة الحزب الديمقراطي الليبرالي السلطة، عكس ما شهدته الأحزاب الحاكمة حول العالم هذا العام، حيث إن الحزب المعارض الرئيسي في اليابان يخوض أيضاً عملية إعادة تنظيم.

كيف ينظر ترمب لليابان؟

الآن أصبح رئيس الوزراء الياباني، الذي يواجه تراجعاً في شعبيته، في وضع صعب بسبب عودة دونالد ترمب، الرجل الذي قال ذات مرة إن الشيء الوحيد الذي يحبه في اليابان هو أن الناس ينحنون بدلاً من المصافحة. بعد ثلاث سنوات من الاستقرار القياسي في التحالف الياباني-الأميركي، يأتي ذلك ليضفي مستوى جديداً من الفوضى على علاقة حاسمة للسلام الإقليمي.

اتصال إيشيبا بالرئيس الأميركي المنتخب، والذي وصفه رئيس الوزراء بأنه “ودي بشكل استثنائي”، استمر لخمس دقائق فقط، وهو أقصر بكثير من المكالمات مع زعماء العالم الآخرين. الآن عليه عقد لقاء حاسم مع ترمب، فهو يستحضر ذكريات عام 2016 عندما سارع المسؤولون اليابانيون لترتيب زيارة لرئيس الوزراء آنذاك شينزو آبي إلى برج ترمب حاملاً معه هدية عبارة عن مضرب غولف ذهبي. هذه اللفتة دشنت لعلاقة شخصية عبر رياضة الغولف حمت اليابان من تجاوزات ترمب.

طوكيو مستعدة هذه المرة؛ إذ استقبلت في الأشهر الأخيرة العديد من أفراد الدائرة المقربة من الرئيس المنتخب. تم إرسال رئيس الوزراء السابق تارو آسو إلى نيويورك في أبريل، مع التوقعات بأن يكون آسو الشخصية اليابانية “المقنعة لترمب” في ظل رحيل آبي، الذي اغتيل في عام 2022. لكن بعد دعم آسو لمنافسة إيشيبا، وهي ساناي تاكايشي، في سباق قيادة الحزب في سبتمبر، عوقب بمنصب شرفي همّش دوره في الحزب الحاكم. نظرة استنكار آسو لمشهد إيشيبا وهو يغفو في البرلمان توحي بأنه قد لا يكون ذا فائدة كبيرة.

قد يجد رئيس الوزراء نفسه معرضاً لمخاطر الانتقادات. السياسي التي يسترشد به إيشيبا، وهو رئيس الوزراء السابق كاكويي تاناكا من سبعينيات القرن الماضي، قال ذات مرة إن رئيس الوزراء لا بد أن تكون له تجارب سابقة في قيادة وزارتين من بين الوزارات الثلاث الكبرى: المالية، والخارجية، وما يُعرف الآن بوزارة الاقتصاد والتجارة. لم يتولّ إيشيبا أياً من هذه الحقائب الوزارية.

خبرة دولية محدودة

شخصياً، هل يتحمل ترمب أسلوب إيشيبا الملتوي والمزعج في المحادثات؟ بينما تلقى آبي تعليمه في الولايات المتحدة، وكان متواجداً بين دوائر النفوذ منذ طفولته، يتمتع إيشيبا بخبرة دولية محدودة. في حين أن آبي قضى معظم زياراته على ملاعب الغولف، أفادت التقارير بأن إيشيبا لم يمارس الغولف منذ أن أصبح نائباً منذ نحو أربعة عقود. (أما نظيره الكوري الجنوبي يون سوك يول عاد إلى ممارسة هذه الرياضة لأول مرة منذ ثماني سنوات).

يوم الإثنين، أظهر إيشيبا فارقاً كبيراً بين نهج ترمب المعتمد على الصفقات في العلاقات الدولية، ونهجه هو، قائلاً إنه لا يعتقد أن العلاقات الدبلوماسية هي “عالم من الصفقات المتبادلة”. بالنظر إلى أن الرئيس المنتخب يبدو غير متحمس لتحالف حلف شمال الأطلسي، فمن غير المحتمل بشدة أن يدعم خطط نظيره الياباني القديمة لإنشاء نسخة آسيوية من التحالف. على الرغم من أن الرجلين قد يتفقان على أن التحالف الحالي بين الولايات المتحدة واليابان غير عادل، فمن المرجح أن يختلفا بشأن الطرف الذي يتحمل العبء الأكبر.

بفضل الدبلوماسية التي قادها آبي إلى حد كبير، تجنبت اليابان إلى حد كبير حروب التجارة في الإدارة الأولى لترمب. ولكن منذ ذلك الحين، ازداد فائضها التجاري مع الولايات المتحدة، حيث ارتفعت صادراتها إلى هناك بأكثر من 40% مقارنة بعام 2016، متجاوزة تلك المتجهة إلى الصين. يخشى المسؤولون من أن يطلب ترمب أيضاً من اليابان زيادة إنفاقها الدفاعي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، حتى في الوقت الذي تكافح فيه البلاد لتحقيق هدف الإنفاق البالغ 2%.

فرصة الاختلافات

مع ذلك، قد يجد إيشيبا في هذه الاختلافات فرصة. يبدو أن هذه الرسالة ظهرت خلال مقابلة مثيرة للجدل مع مستشاره للسياسة الخارجية، تاكاشي كاواكامي، في “ديلي سايزو”. بينما أثارت المقابلة ضجة باللغة الإنجليزية لتصريحات كاواكامي حول أعمال الشغب في مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، كانت هناك أفكار أكثر إثارة للقلق بالنسبة لمراقبي التحالف بين البلدين. أشار كاواكامي إلى أنه من خلال استغلال قلة اهتمام ترمب بالشراكات التقليدية، يمكن لليابان أن تصبح “دولة متحررة حقاً”، وتعيد التفكير في مكانتها ليس فقط تجاه الولايات المتحدة، بل أيضاً تجاه الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية.

نظرياً، فكرة أن تكون اليابان ذات استقلالية أكبر هي فكرة جيدة. ومع ذلك، في ظل الواقع الحالي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ غير المستقرة، فإن فكرة أن تعتمد طوكيو على ترمب للاستقلالية عن واشنطن تبدو مقلقة. هل ستحتاج اليابان، في حال غيابها عن مظلة الأمن الأميركية إلى امتلاك أسلحة نووية خاصة بها؟ هل يمكن لدولة أكثر ميلاً إلى مبدأ عدم الانحياز أن تنجذب نحو دائرة نفوذ الصين؟.

لا يزال من غير المحتمل أن يبقى إيشيبا أو مستشاروه لفترة طويلة تكفي لإحداث تأثير دائم على العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان؛ فقد كسب الوقت لإعطاء الأولوية لتمرير الإنفاق الإضافي لهذا العام وميزانية العام المقبل، ولكن بعد ذلك كل شيء مفتوح، خاصة مع اقتراب انتخابات مجلس الشيوخ الصيف المقبل.

ولكن، على جانبي المحيط الهادئ، فاجأ كل شيء عن السياسة في الأشهر القليلة الماضية الخبراء؛ بما في ذلك هوية زعيمي أحد أكثر التحالفات أهمية في العالم. هذا ليس وقتاً للنوم.

خلاصة

مع بداية ولايته الرسمية الثانية، شهد رئيس الوزراء الياباني شينغيرو إيشيبا بداية غير مستقرة حيث التقطته الكاميرات وهو يغفو خلال جلسة ترشيحه. ولكن، يواجه إيشيبا تحديات أكبر من النعاس، فقد شكل حكومة أقلية غير مستقرة، ويعاني من مرارة هزيمة انتخابية وفضيحة أخلاقية طالت زعيم الحزب الذي يحتاج دعمه.

من جهة أخرى، يقف إيشيبا أمام مرحلة جديدة من التوتر في العلاقات الدولية بعودة دونالد ترمب كرئيس للولايات المتحدة، ما يعقد موقف اليابان التي تحتاج لمراجعة موقفها تجاه حلفائها التقليديين وخصومها الإقليميين. مع محدودية خبرته الدولية وفقدان حليفه السابق شينزو آبي، يتطلع إيشيبا إلى تحديد مسار جديد في سياسته الخارجية والدفاعية في ظل مطالب متزايدة من الولايات المتحدة وتحديات الأمن الإقليمي.