إخراج لبنان من القائمة الرمادية أو جرّه إلى القائمة السوداء؟

تحدّثنا مراراً وتكراراً عن مخاطر إدراج لبنان في القائمة الرمادية، ومن ثم عن تداعيات إدراجه على هذه القائمة بعد أن وقعت الكارثة. حان الوقت لنتناول خطة تنفيذية واستراتيجية لإخراج لبنان من هذه القائمة عوضاً عن جرّه وانزلاقه إلى القائمة السوداء.

في تشرين الأول 2024، أدرجت مجموعة العمل المالية FATF لبنان كما كان متوقعاً على القائمة الرمادية، فكانت الأولوية الأولى تفاوضاً مع المصارف المراسلة لحماية التحويلات من لبنان وإليه، ومنع الإنهيار الشامل.

إنّ الخطر الأكبر، متابعة الإنزلاق وجرّ لبنان إلى القائمة السوداء، فيُضاف بلد الأرز على قائمة العقوبات الدولية، التي تضمُّ إيران وكوريا الشمالية وجزر المايمار، والتي ستُشكّل نهاية لبنان اقتصادياً، ديموقراطيا، مالياً ونقدياً.

في هذا السياق، إنّ تركيز المسؤولين المعنيّين على المخاطر السوداء التي تنتظر لبنان، ينبغي أن تسلك مسار التركيز على البلدان التي كانت مدرجة أسماؤها على القائمة السوداء، (مثل تركيا وجامايكا)، وقد خرجت منها في العام الحالي 2024.

إنّ الأولوية لأخذ العِبر والحكمة من البلدَين اللذين أُخرجا من القائمة الرمادية في العام 2024 وهما تركيا وجامايكا، إذ نفّذا خطة إصلاحية واضحة وجدّية.

لسوء الحظ يجعلنا ما تقدّم نستنتج أنّه كلّما تراجعنا في أي تصنيف، نتابع الإنهيار والإنزلاق عوضاً عن مواجهته ووقف النزف. فهذا ما اختبرناه عندما تراجع تصنيف لبنان الإئتماني من B إلى B- ومن ثم إلى الـC، حتى وصلنا إلى ما يُسمّى الإفلاس المبطّن أي RD – Destricted default. وتابعنا في النفق عينه، إذ وصلنا إلى بلد حتى أنّه لا يُصنّف في ظل غياب كل المعطيات المالية والنقدية.

لقد اختبرنا أيضاً التدهور عينه في تصنيف «صنع العمل في لبنان» -Doing Business in Lebanon، إذ تراجع لبنان من المرتبة الـ118، إلى المرتبة 146، فيما بات يقع حالياً في المرتبة 160 أي إلى قعر اللائحة، ولن نرى أي خطة أو استراتيجية لتحسين وضعنا واستقطاب المستثمرين والاستثمارات.

من وراء هذه التجارب المؤلمة، من المنطقي أن نتخوّف من أنّه بعد إدراج لبنان على القائمة الرمادية نتابع الإنهيار كالعادة للوصول إلى القائمة السوداء ومواجهة العقوبات الدولية الصارمة.

إنّ مشكلتنا الأساسية ليست متعلقة فقط باقتصاد الكاش كما يعتقد البعض، إنما تتعلق خصوصاً بمنظمات ومؤسسات الدولة، وبالشق التنفيذي، أي العدل، والأحكام، والتحقيقات والتوقيفات وتنفيذ المتطلبات الدولية وغيرها.

إنّ مجموعة العمل الدولية لا تنتظر منا وعوداً ولا خططاً وهمية، لكن تريد أن ترى تنفيذ وملاحقة المشاريع والإصلاحات، لأنّ الخطط تمثل 10% من المشروع، أمّا التنفيذ والملاحقة فيمثلان 90% من المتطلبات الدولية. فالمنتظر من لبنان ومن الدولة اللبنانية ومن سائر الوزارات هو تقديم أرقام واضحة، لمواجهة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إذ ينتظرون من السلطة التنفيذية وخصوصاً وزارة العدل، تحقيقات وملاحقات وتوقيفات وأحكاماً سريعة وشفافة، وأيضاً من السلطة التشريعية القوانين الحديثة المرجوة من المنظمات الدولية.

في المحصّلة، إنّ لبنان على مفترق طرق، إمّا ينفّذ الإصلاحات المرجوّة لمكافحة الفساد وتبييض الأموال والإرهاب، ويرجع إلى الخط الصحيح، وإمّا تكملة الإنزلاق وجرّه إلى القائمة السوداء وفصله نهائياً عن الدورة الاقتصادية الدولية، فيصبح لبنان رسمياً بلد المافيا والمافيات.

د. فؤاد زمكحل