أطلعني صديق لي على رسالة وصلته على بريده الالكتروني، وكان يهدف من تمريرها لي تسلية نفسه وتسليتي ايضا.
الرسالة ترمي الى الترغيب بالفوركس وجذب انتباه القارئ الى درب يوصل سالكه لمستودع الذهب المنشود. الكاتب ينطلق من فرضية كونه ذكيا، وكون القارئ المُستهدَف غبيا. هو غبيٌ مُفترَض الى درجة يسهُل فيها التغريرُ به، وايقاعُه في الفخ بسهولة قصوى.
نحدّد الهدف أذا منذ البداية. هو الإيقاع ببعض القراء واستغلال غباوتهم، وليس إطلاقا تحقيق الإفادة لهم. مرسل الرسالة مدرك جيدا لهذه الحقيقة. هو عارف لأية شريحة من المستهلكين يتوجه.
مِن المستهلكين؟ بالتأكيد .. المسألة مسألة سلعة يتم الترويج لها، وهي تستهدف فئة معينة من المستهلكين.
لا أستطيع إدراك السبب الذي جعل كاتب الرسالة يختار اللغة العامية – وكأني بها اللهجة المصرية – في كتابة رسالته، ولكنني أستطيع أن أقدّر. لم أجد سوى احتمالين لا بدّ أن يكون واحد منهما صحيحا. ألإحتمال الأول أن يكون الكاتب جاهلا بقواعد اللغة الفصحى وعاجزا عن التعبير بها، وهذا إن صحّ يكون مدعاة للخجل. ألإحتمال الثاني أن تكون كتابة الرسالة مقصودة بهذا الأسلوب الشعبي، لأنها تسهّل اصطياد فئة من القراء تستهدفها الرسالة بالتحديد، وهذا هو الإحتمال الذي أرجحه. نحن إذا تجاه مصيدة. اللهجة العامية هي من عدّة الشغل. لنقل إنها المطرقة.
وإذا صدق ظني، وكانت اللهجة المصرية هي المعتمدة، فلماذا اعتمادها؟ ألأن الكاتب مصري؟ قد يكون ذلك. ولكن ربما السبب في كون الفئات الشعبية التي يسهل خداعها والتي بدأت تتعرف على الانترنت وتتواصل بواسطتها متواجدة ومتزايدة في مصر بنسبة أعلى مما هي في دول الخليج مثلا. بهذه الحالة فمن قواعد اللعبة تحديد موضع نصب المصيدة حيث كثرة الطرائد.
إن صحّ ظنّي، فالصيد في السوق المصري وفير والربح غزير…
من الإغراءات الدعائية الجاذبة – الذكيّة أو الغبيّة – التي استعملها كاتب الرسالة أيضا إنه ألمح لقارئه المُستهدَف بالمصيدة الى إنه سيكون بمقدوره تكوين ربح يبلغ أضعاف أضعاف رأسماله الذي سيخصّصه لهذه التجارة، وبوقت غير بعيد، وبأقل عناء ممكن وبالإستناد الى مؤشر بسيط جدا وسهل التعامل معه جدا، هو ما سماه ال ” موفينج افرج” أي الخط المتوسطي الذي يحتسب القيمة الوسطية لمجموعة من الأيام او الساعات او الدقائق. أيضا هذا الإغراء هو جزء من – المصيدة – عدة الشغل. لنقل انه السندان.
بهذا تكون قد اكتملت عدة الشغل: مطرقة وسندان.
إرتكز موجّه الرسالة على خطين اثنين من هذه الخطوط، هما خط الثلاثة عشر يوما وخط الثلاثة وأربعين يوما وأشار الى تقاطعهما. لماذا هذان الخطان بالضبط؟ ربما لأنه أراد التميّز والبرهان على انه اكتشف السرّ العجيب الذي لم يكتشفه غيره. الباقون يعتمدون على العشرة والعشرين والثمانية والثلاثين والخمسين والتسعين والمئة والمئتين، اما هو فلا بد ان يكون مميزا لكي يكون مؤثرا. عُدّة شغله مختلفة.
والآن أريد أن أطلق العنان لمخيلتي قليلا. هو يدعو القارئ للدخول الى الرابط المرفق بالرسالة للإطلاع على السر العجيب. أنا لم أدخل. لم يدفعني فضولي لذلك. ببساطة أريد أن أتخيّل. أؤكد لقارئي العزيز بأن الرابط هذا يحتوي على شارت لعملة محددة كانت تحركاتها في فترة زمنية محددة متطيرة، بحيث إنها كوّنت ترندات صاعدة وأخرى هابطة، بدون أن تعرف أية فترة أفقية بينها. هذه الحالة تعتبر نموذجية ممتازة لكي تتقاطع خطوط ” الموفنج افرج ” وتعطي إشارات كلها رابحة .
قارئي العزيز! إن أنت أخذت نفس العملة هذه، وعدت بالزمن الى الوراء، لرأيت أن نفس هذه الخطوط لم تعطِ سوى إشارات خاسرة في فترة زمنية أخرى لم تتناسب حركة السوق معها. كذلك الأمر لو تقدمت بالزمن الى الأمام وطابقتها على فترة زمنية تحركت فيها هذه العملة بشكل أفقي طال أمده.
النتيجة: إن كل الأرباح التي تكون قد حققتها في فترة الترند لا بدّ أن تخسرها – وقد تخسر أضعافها في فترة المراوحة الأفقية.
قارئي العزيز! مُرسِل الرسالة حضّر المطرقة والسندان. إنتبه! لا تكُنْ أنت ما بينهما…!
حسنا، لنعُد الآن الى مُرسِل الرسالة. ما مصلحته من ذلك؟ لماذا يريد أن يعلّم بعض الأغرار ما لن يستفيدوا منه؟
ببساطة لأنه يريد ان يعلمَهم ما يستفيدُ هو منه. إن كان صاحب مركز لتعليم العمل في الفوركس – وهذا بدأ يشيع في عالمنا العربي- فقسطُ الدورة يُدفَع سلفا. وإن خسر المتدرب لاحقا ، يكون السبب سؤ تطبيق الخطة، وليست الخطة بحد ذاتها. الخطة هذه سيعاود استعمالها مع فوج جديد من البسطاء. هي إذا منزهة عن الخطأ… عدة الشغل واحدة: المطرقة والسندان!
مسكين ذلك المغرر به. هو غبي . غبي جدا..
انها لعبة مقيتة فعلا. أغريك بالربح الوفير لأسلب منك بعضا مما معك. أدخلك الى حلبة، وأنت تجهل ما ينتظرك فيها. تدخل اليها من باب ضيق، وانت تعتقد أنك خارج الى الفضاء الواسع فإذا أنت محاصَر بائس، تتطلع الى مغيث ولا تجده.. تبحث عمّن أدخلك الى الحلبة فإذا هو قد تخلى عنك .
معذّبوك هؤلاء أذكياء؟ لا، بل أغبياء أيضا. ماكرون نعم. أذكياء لا.. لا يتميزون عنك سوى بخبثهم ومَكرهم. لا يملكون سوى ألسنتهم. يحمون أنفسهم ببعض من كلمات مراوغة يتحصنون وراءها. إن واجهتهم ببعض الحقيقة تلعثموا وهربوا.
يُذكّرونني بمصارعي الثيران في أسبانيا. ذلك التقليد الهمجي. هذه الجموع المصفقة والمنتشية بدماء ثور مسكين تسيل من رقبته حتى الموت.
ثور مسكين؟ نعم، بالطبع، ولكنه غبيّ أيضا.
عزيزي القارئ! لا تجعل الوشاح الأحمر يغريك، وإلا فهم سيتسلّون بدمائك التي ستسيل، ويصير لون جلدك بلون الوشاح الذي استَسَغت.
تبصّر بالنصيحة جيدا. ما كلّ نُصح ٍ تُعطاه يكون لك، ولا كلّ من نَصحَ صَدق…
– وللكلام صلة…
–
للتواصل مع كاتب المقال : khibrat-omr@boursa.info