القلق من تفاقم العجز الأميركي يضغط على مؤشرات وول ستريت

تراجع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 1.4%، في حين خسر مؤشر “ناسداك 100” نحو 1.1%. أما مؤشر “داو جونز” الصناعي فقد هبط بنسبة 1.7%.

صعد العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار 10 نقاط أساس ليصل إلى 4.58%. كما انخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.4%.

عكس ضعف الطلب على مزاد سندات الخزانة الأميركية بقيمة 16 مليار دولار، قلق وول ستريت المتزايد من تفاقم العجز الذي يهدد مكانة أميركا كملاذ آمن، في وقت تراجعت مؤشرات الأسهم، والسندات، والدولار.

تلقّت سندات الخزانة ضربة بعد مزايدة ضعيفة على السندات لأجل 20 عاماً، والتي بلغت نسبة الفائدة الاسمية السنوية 5%، وهو أعلى مستوى منذ إعادة طرح هذا الأجل في عام 2020.

تحملت الديون طويلة الأجل وطأة البيع، إذ قفزت عوائد السندات لأجل 30 عاماً بمقدار 11 نقطة أساس لتقترب من أعلى مستوياتها منذ أكتوبر 2023. وبعد أن كاد يمحو خسائره، هبط مؤشر “إس آند بي 500” بنحو 1.5%. وتراجع الدولار مقابل معظم العملات الرئيسية. أما “بتكوين”، فقلصت مكاسبها، لكنها ظلت تتجه نحو مستوى قياسي جديد.

وقال مايكل أورورك، كبير استراتيجيي السوق في “جونز تريدينغ”: “زاد المزاد الضعيف لسندات العشرين عاماً من الضغط”، وأضاف: “لقد كان هذا هو الموضوع المسيطر طوال الأسبوع، بدءاً من تخفيض التصنيف الائتماني من قبل موديز. وهناك أيضاً الجدل المستمر حول العجز والموازنة في خلفية هذا المشهد”.

المستثمرون يراهنون على ارتفاعات أكبر في العوائد

دفع القلق من تضخم الدين والعجز الأميركي المتداولين إلى تكثيف الرهانات على ارتفاع حاد في عوائد السندات طويلة الأجل، خصوصاً بعد أن خفضت وكالة “موديز” التصنيف الائتماني للولايات المتحدة يوم الجمعة إلى ما دون أعلى مستوى “AAA”. وكانت الرسالة بالنسبة للكثيرين واضحة: ما لم تضبط أميركا أوضاعها المالية، فإن المخاطر المرتبطة بإقراض الحكومة ستزداد.

وفي خضم هذه الأجواء، صعّد البيت الأبيض ضغوطه على الجمهوريين يوم الأربعاء، مطالباً النواب بالموافقة السريعة على مشروع قانون الضرائب الذي يحمل توقيع الرئيس دونالد ترمب، محذراً من أن عدم تمريره سيكون “خيانة مطلقة”.

أما وزير الخزانة الأميركي السابق ستيفن منوتشين، فقد عبّر عن قلقه الشديد إزاء العجز المتزايد في الميزانية، داعياً واشنطن إلى إعطاء الأولوية لإصلاح الأوضاع المالية.

وقال منوتشين خلال جلسة نقاشية في منتدى قطر الاقتصادي الأربعاء: “أنا قلق جداً… العجز في الموازنة يشكل مصدر قلق أكبر لدي من العجز التجاري. لذلك، آمل أن نشهد المزيد من خفض الإنفاق، فهذا أمر في غاية الأهمية”.

الأسواق تحت الضغط: الأسهم تتراجع والعوائد تقفز

تراجع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 1.4%، في حين خسر مؤشر “ناسداك 100” نحو 1.1%. أما مؤشر “داو جونز” الصناعي فقد هبط بنسبة 1.7%.

صعد العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار 10 نقاط أساس ليصل إلى 4.58%. كما انخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.4%.

يؤدي الغموض في التوقعات الاقتصادية إلى تغذية عمليات التحوط في خيارات الخزانة، مع اتجاه المستثمرين إلى استهداف معدلات أعلى للسندات طويلة الأجل مع نهاية العام.

وتتطابق هذه الرهانات مع مشاعر وول ستريت، حيث يقوم الاستراتيجيون في كل من “غولدمان ساكس” و”جيه بي مورغان” برفع توقعاتهم للعوائد.

وفي “بي تي آي جي”، يقول جوناثان كرينسكي إن سوق السندات باتت أخيراً تلفت انتباه سوق الأسهم.

من جهته، قال مات مالي من “ميلر تاباك” إن “الارتفاع الحاد في العائد على سندات العشر سنوات إلى ما فوق 4.5% يؤكد حصول تغيير رئيسي في العوائد طويلة الأجل”. وأضاف أن هذه العوائد المرتفعة “تجعل من الصعب تبرير المستويات العالية جداً من التقييمات الحالية. لذا من المرجح أن تشكّل رياحاً معاكسة متجددة للأسهم”.

المستثمرون يحجمون عن تمويل العجز الأميركي

يرى جورج سارافيلوس من “دويتشه بنك” أن من الصعب على الأسهم الأميركية أن تظل صامدة في مثل هذه البيئة.

وأضاف: “شهدنا في الفترة 2023-2024 صعوداً متزامناً في العوائد والأسهم الأميركية، حيث كانت الأسواق تعيد تقييم توقعات النمو الأميركي نحو الأعلى، وكان ذلك منطقياً تماماً. أما اليوم، فالوضع مختلف تماماً. من الصعب الزعم بأن دافعاً سلبياً مثل ارتفاع تكلفة رأس المال يمكن أن يكون إيجابياً للأصول الخطرة”.

وأشار سارافيلوس إلى أن أكثر ما يدعو للقلق في رد فعل السوق على مزاد السندات هو أن الدولار تراجع في الوقت نفسه.

وقال: “جوهر المشكلة يتمثل في أن المستثمرين الأجانب ببساطة لم يعودوا على استعداد لتمويل العجز الأميركي المزدوج عند مستويات الأسعار الحالية”.

اعتبر خوسيه توريس من “إنترآكتيف بروكرز” أن “التطورات القادمة من واشنطن ستهيمن على العناوين لبقية الأسبوع، في ظل غياب محفزات من نتائج الشركات أو البيانات الاقتصادية”.

الأسهم الأميركية لا تزال متأخرة عن نظيراتها العالمية

رغم أن الأسواق استفادت من لهجة أكثر ليونة من إدارة ترمب بشأن التجارة – خصوصاً في ظل الهدنة المؤقتة مع الصين – إلا أن تعافي الأسهم الأميركية إلى مستويات ما قبل الرسوم الجمركية لا يزال متخلفاً عن مؤشرات الأسواق العالمية الأخرى.

فلا يزال مؤشر “إس آند بي 500” دون مستواه القياسي المسجّل في 19 فبراير، في حين بلغ مؤشر “إم إس سي آي” للأسواق خارج الولايات المتحدة، مستوى قياسياً هذا الأسبوع.

ولا تزال الأسهم الأميركية متأخرة عن نظيراتها في الأسواق العالمية هذا العام. ويرى محللو “بلومبرغ إنتليجنس” أن استمرار الانتعاش واستعادة موقع الصدارة يتطلب من شركات أميركا أن تعيد تشغيل محرك أرباحها بقوة.

وبحسب تحليل من ناثانييل ويلنهوفر لدى “بلومبرغ إنتليجنس”، فإن مؤشر “إس آند بي 500” قد تراجع عن أداء مؤشر يضم 22 سوقاً متقدمة خارج الولايات المتحدة منذ أواخر العام الماضي، حيث تباطأت وتيرة نمو الأرباح الأميركية مقارنة ببقية دول العالم.

وكانت المرة الأخيرة التي حدث فيها أمر مماثل في عام 2017، حين كانت وتيرة نمو أرباح مؤشر الأسهم الأميركية أبطأ من نظرائه في الخارج.