قال نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، لويس دي غيندوس، إن الرسوم الجمركية ستُشكّل عبئاً على نمو اقتصاد منطقة اليورو وأسعار السلع والخدمات لسنوات مقبلة، مؤكداً في الوقت نفسه أن مخاطر تراجع التضخم إلى مستويات مفرطة الانخفاض لا تزال محدودة، كما أن ارتفاع اليورو مقابل الدولار لا يُعدّ مصدر قلق كبير حالياً.
وكان البنك المركزي الأوروبي قد لمح هذا الشهر إلى التريث في مسار التيسير النقدي، رغم التوقعات التي تشير إلى تراجع مؤقت في وتيرة نمو الأسعار إلى ما دون هدف التضخم البالغ 2%، وذلك بفعل قوة اليورو وانخفاض أسعار النفط، ما أعاد إلى الأذهان المخاوف من عودة بيئة التضخم شديد الانخفاض التي سادت العقد الذي سبق الجائحة.
لكن دي غيندوس قلّل من شأن تلك المخاوف، مشيراً إلى أنّ البنك المركزي الأوروبي بات أخيراً قريباً من تحقيق هدفه بعد سنوات من تجاوز مستويات التضخم صعوداً وهبوطاً.
وقال دي غيندوس في مقابلة مع وكالة رويترز: «أرى أنّ مخاطر تراجع التضخم دون المستهدف محدودة للغاية»، مضيفاً: «تقييمنا يشير إلى أنّ مخاطر التضخم متوازنة حالياً».
وأوضح أنّ أحد العوامل الرئيسة التي ستُسهم في عودة التضخم إلى مستواه المستهدف بعد أن يُسجّل انخفاضاً إلى 1.4% في الربع الأول من عام 2026، هو استمرار ضيق سوق العمل، ما سيدفع النقابات إلى المطالبة بزيادات مجزية في الأجور، تُبقي نمو التعويضات عند مستوى 3%.
ورغم أنّ دي غيندوس لم يدعُ صراحةً إلى وقف مؤقت في سياسة التيسير النقدي، إلا أنّه أشار إلى أنّ المستثمرين الماليين —الذين يتوقعون خفضاً إضافياً واحداً في معدلات الفائدة، ربما في نهاية العام —قد فسّروا بشكل صحيح الرسالة التي أرادت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد إيصالها.
قال دي غيندوس: «الأسواق فهمت تماماً ما قالته الرئيسة بشأن كوننا في وضع جيد»، مضيفاً: «أعتقد أن الأسواق تُدرك وتُسعّر بالفعل أننا قريبون جداً من تحقيق هدف التضخم المستدام عند 2% على المدى المتوسط».
اليورو يحقق مستويات قياسية
وقد ارتفع اليورو بنسبة 11% مقابل الدولار خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مسجّلاً يوم الخميس أعلى مستوى له في نحو أربع سنوات عند 1.1632 دولار.
ومع أنّ هذا الصعود يُشكّل عبئاً إضافياً على المصدرين إلى جانب الرسوم الأميركية، فإن قوة العملة الأوروبية قد تُسهم في خفض إضافي لأسعار الواردات.
لكن دي غيندوس رأى أن سعر الصرف لم يشهد تقلبات حادة، كما أن ارتفاع اليورو لم يكن سريعاً، وهما معياران أساسيان برأيه. وقال: «برأيي، عند مستوى 1.15 دولار، لن يُشكّل سعر صرف اليورو عقبة كبيرة».
ورغم تصاعد النقاشات حول إمكانية أن يُنافس اليورو قريباً الدولار في مكانته كعملة احتياطية عالمية، قلّل دي غيندوس من هذه الاحتمالات، مشيراً إلى أن تلك التوقعات «مبالغ فيها».
ورأى دي غيندوس أنّ منطقة اليورو لا تزال تفتقر إلى البنية المالية الكاملة أو القدرات الدفاعية اللازمة لكي تصبح منافساً حقيقياً للدولار، وهو ما سيحد أيضاً من مكاسب العملة الأوروبية، ويُشكّل برأيه حُجّة إضافية لدحض المخاوف من انخفاض التضخم بشكل مفرط.
وقال: «في رأيي، لن تتم زعزعة مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية في الأجل القصير».
وقد شكّل الدولار نحو 58% من الاحتياطيات العالمية من العملات الأجنبية بنهاية عام 2024، بانخفاض قدره 10 نقاط مئوية مقارنةً قبل عشر سنوات. في المقابل، لم ترتفع حصة اليورو التي ظلت مستقرة عند نحو 20%، بينما استفادت عملات أصغر من هذا التراجع.
ورغم أن الإنفاق الحكومي المفرط والسياسات المتقلبة في الولايات المتحدة أثارا تساؤلات حول استدامة الدين العام ووضع الدولار، إلا أنّ دي غيندوس شدّد على أنّ موثوقية الاحتياطي الفدرالي الأميركي لا تزال «خارج نطاق الشك».
وقال دي غيندوس إن البنك المركزي الأوروبي مقتنع بأن شبكة الدعم التي جددها الاحتياطي الفدرالي مؤخراً للدولار ستظل قائمة، مؤكداً في الوقت نفسه أن احتياطات الذهب التي تحتفظ بها بعض البنوك المركزية في منطقة اليورو لدى الاحتياطي الفدرالي في نيويورك «آمنة تماماً»، إلى درجة أن مسألة نقلها لم تُطرح حتى في ظل الاضطرابات السياسية الراهنة.