تحولت السندات الحكومية اللبنانية المقومة بالدولار، التي كانت أحد أكثر الرهانات ربحية لمستثمري السندات في الأسواق الناشئة خلال العام الماضي، من مكاسب قياسية إلى خسائر من خانتين (تتجاوز 10%)، في ظل تعثر إصلاحات القطاع المصرفي اللبناني وتراجع أداء ديونه السيادية.
حققت السندات عائداً يناهز 229% بين أواخر سبتمبر وأوائل مارس، لتتفوق بذلك على سندات 67 دولة أخرى مدرجة ضمن مؤشر “بلومبرغ” الخاص بهذه الفئة من الأصول، وجاء ذلك نتيجة انفراجة في المشهد السياسي حينها، إذ تم تشكيل حكومة فاعلة لأول مرة منذ أكثر من عامين، إلى جانب تعيين شخصيات مؤيدة للإصلاح في مناصب رئيسية.
لكن منذ ذلك الحين، غيرت السندات مسارها وتفاقمت خسائرها مع تزايد حدة التوترات الجيوسياسية بسبب تصاعد القتال بين إيران وإسرائيل.
تعثر تعافي الأسواق الناشئة
رغم أن هذه الخسائر لا تمثل سوى جزء بسيط من المكاسب السابقة، فإنها تُبرز تعثر قصة تعافٍ أخرى في العالم النامي.
فمن إسرائيل إلى أوكرانيا والسنغال، وصولاً إلى لبنان، يُخفق الساسة في تحقيق التغييرات الجذرية التي كان يتوقعها المستثمرون في السندات.
وتنخفض أسعار السندات اللبنانية كون “الضغوط البيعية تأتي من المستثمرين المحليين، ولا توجد أخبار بارزة بشأن إعادة الهيكلة”، حسب سورين مورك، مدير إدارة الأصول في مصرف “دانسكي بنك”، الذي اشترى هذه السندات العام الماضي عند نحو 6.5 سنتات لكل دولار من قيمتها الاسمية، وشهد صعودها إلى 19 سنتاً، قبل أن تتراجع حالياً إلى نحو 16.5 سنتاً للدولار الواحد من قيمتها الأصلية.
فجوة لبنانية بمليارات الدولارات
مورك، الذي لا يزال يحتفظ بالسندات، قال إن المسألة الأهم بالنسبة لمستثمري السندات في لبنان هي خطة السلطات اللبنانية لمعالجة العجز في النظام المصرفي.
ويعود ذلك إلى فجوة كبيرة بين ما تدين به البنوك التجارية من ودائع دولارية، وما يمكن للمودعين سحبه فعلياً– وتُقدّر هذه الفجوة بأكثر من 80 مليار دولار.
تشكل هذه الفجوة المصرفية أحد الأسباب المحورية في انهيار الاقتصاد اللبناني والتعثر عن سداد الديون في مارس 2020، وهي تمس كلاً من المودعين الصغار والكبار، لكنها لا تزال بلا حل في ظل الجمود بين المشرّعين بشأن سُبل معالجتها. وأدى ذلك إلى تعطيل اتفاق التمويل مع صندوق النقد الدولي، وعرقلة تدفقات محتملة من شركاء مثل المملكة العربية السعودية.
من يتحمل الخسائر؟
“في صميم الجمود الذي يواجهه لبنان يكمن سؤال جوهري يشغل الجميع، لكن إجابته لا تزال غير واضحة: من سيتحمّل الخسائر الضخمة في القطاع المصرفي، والبالغة 80 مليار دولار؟” بحسب نادين ياموت، أستاذة الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت.
لفتت ياموت إلى أن الخلافات بين الحكومة والمصرف المركزي والبنوك الخاصة تُعيق تحقيق أي تقدم. وقالت إن “البنوك التجارية تسعى لحماية كبار المودعين ومصالحها، في حين تميل خطة الحكومة إلى حماية صغار المودعين وإعادة هيكلة رؤوس أموال البنوك”.
قال وزير المالية اللبناني، ياسين جابر، إن الحكومة تعمل على معالجة المشكلة، مع إقراره بأنه لم يتم التوصل بعد إلى حل لمسألة توزيع الخسائر. وأضاف جابر، في ردٍّ مكتوب على أسئلة “بلومبرغ”، أن “مناقشات برلمانية تجري حالياً لإقرار تشريع خاص بإعادة هيكلة البنوك، من شأنه أن يوفر الأدوات اللازمة والإطار القانوني الملائم لإجراء التدقيقات المصرفية، إلى جانب قانون السرية المصرفية القائم، وذلك كخطوة أولى في مسار إعادة الهيكلة. ولكن لا يزال التقدم مطلوباً على صعيد استراتيجية استرداد الودائع وتوزيع الخسائر”.
سندات لبنان دون حاجز 20 سنتاً لكل دولار
أدى هذا الجمود إلى بقاء السندات اللبنانية دون تجاوز عتبة 20 سنتاً لكل دولار من قيمتها الاسمية، وهو أمر توقعه عدة مستثمرين من بينهم مورك.
ولا يزال لبنان أحد دولتين فقط في العالم تتداول سنداتهما السيادية بأقل من 20 سنتاً لكل دولار من قيمتها الأسمية، إلى جانب فنزويلا. ويتوقع العديد من المستثمرين حالياً أن تواصل السندات اللبنانية تراجعها قبل أن تظهر مبررات أو جدوى الاستثمار فيها مجدداً.
قال إسحاق ديوان، مدير الأبحاث في “مختبر التمويل من أجل التنمية” وأستاذ الاقتصاد في “المدرسة العليا للأساتذة” في باريس: “نقترب من مرحلة سيُطرح فيها المزيد من الأرقام الواضحة على الطاولة، وأشعر بوجود شهية متزايدة لدى العديد من البنوك للمضي قدماً”.
إعادة هيكلة الديون المتعثرة
يقول فادي جندي مدير محافظ الدخل الثابت في “أرقام كابيتال” بدبي، إن جوهر الرهان الاستثماري يكمن في إعادة هيكلة الديون المتعثرة، وهي خطوة قد تدفع أسعار السندات للصعود إلى 25 سنتاً لكل دولار من قيمتها الأسمية.
لكنه أضاف: “حالياً، المشترون المحتملون ونحن منهم ننتظر مستويات دخول أفضل تقل بنحو 1 إلى 3 سنتات لكل دولار من القيمة الأصلية للسندات عن الأسعار الحالية”.