ماذا قد يحدث إذا قرّر ترامب تصعيد خلافه مع باول إلى المستوى التالي؟

واصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الاثنين، هجومه على الفدرالي، مطالباً بتيسير السياسة النقدية، إذ بعث إلى رئيس البنك المركزي، جيروم باول، قائمة بمعدلات الفائدة لدى البنوك المركزية حول العالم، مذيّلة بتعليقات بخطّ يده، قال فيها إنّ على الفائدة الأميركية أن تكون بين 0.5% كما في اليابان و1.75% كما في الدنمارك، مضيفاً أن باول كان «كالعادة، متأخّراً».

وقال ترامب في المذكرة التي نشرها أيضاً على منصات التواصل الاجتماعي: «عليكم أن تخفّضوا الفائدة بشكل كبير. مئات المليارات تُهدر». وأضاف أنّ العمل كرئيس للبنك المركزي في أميركا هو «من أسهل الوظائف وأكثرها مكانة في البلاد، ومع ذلك فشلوا… يجب أن ندفع فائدة 1% أو أقل!».

وتاريخياً، ارتبطت معدلات فائدة عند مستوى 1% في الولايات المتحدة بفترات من النمو الاقتصادي الضعيف، بل والانكماش، وكذلك بانخفاض معدلات التضخّم، بحسب رويترز.

ومثل العديد من منشورات ترامب حول السياسة النقدية، بدا أنّه يخلط بين سعر الفائدة المرجعي قصير الأجل الذي يحددده الفدرالي، وبين معدل العائد الذي يطلبه المستثمرون مقابل الاحتفاظ بالسندات الأميركية، وهو ما يتأثر بسياسة الفدرالي، لكنه مرتبط أيضاً بتوقعات حول الاقتصاد والتضخّم والجغرافيا السياسية واستقرار المؤسسات.

 

وفي ظل تدنّي معدل البطالة وبقاء التضخّم فوق مستوى الـ2% المستهدف من الفدرالي، أبدى مسؤولو البنك المركزي تردّدهم في خفض الفائدة من النطاق الحالي البالغ 4.25% إلى 4.5%، ما لم يتبيّن أنّ تعريفات ترامب الجمركية لن تؤدي إلى موجة تضخّم جديدة.

وقد أعرب عدد من مسؤولي الفدرالي، يوم الاثنين، عن استمرار قلقهم بهذا الخصوص، في وقت بدأ فيه وزير الخزانة، سكوت بيسينت، التحضير لآلية اختيار بديل لجيروم باول عند انتهاء ولايته في مايو أيار المقبل.

 

خليفة جيروم باول

 

لا يملك ترامب سلطة إقالة باول بسبب خلاف في السياسات، لكنه حثّه الأسبوع الماضي على الاستقالة.

من جانبه، أشار بيسينت إلى أنّ الانتقال في قيادة الفدرالي سيكون على الأرجح بطريقة تقليدية، دون تعيين “رئيس ظل” أو أي محاولة للتأثير على السياسة النقدية عبر قنوات غير رسمية.

وقال بيسينت في مقابلة تليفزيونية: «هناك مقعد شاغر سيفتح في يناير كانون الثاني. لذلك بدأنا التفكير في إمكانية أن يتولى الشخص الذي يُعيّن في ذلك المنصب رئاسة المجلس بعد مغادرة باول في مايو».

 

ومن المتوقع أن تنتهي ولاية الحاكمة الحالية أدريانا كوغلار في يناير كانون الثاني. وقال بيسينت، يوم الجمعة، إنّ شغور المنصب في يناير قد يعني ترشيحاً في أكتوبر أو نوفمبر، يليه تصديق مجلس الشيوخ.

ومن بين الأسماء المطروحة لخلافة باول، الحاكم الحالي كريستوفر والر، الذي يشارك بالفعل في مناقشات السياسة النقدية، بينما قد يضطر آخرون مثل الحاكم السابق كيفن وورش إلى الانتظار لحين شغور مقعد رسمي وتصديق مجلس الشيوخ على تعيينهم.

 

البيانات الصيفية ستكون حاسمة

 

ورغم إصرار ترامب على خفض الفائدة، فإنّ جلسات الاستماع لتثبيت الرئيس الجديد للفدرالي قد تكون شائكة، نظراً لأنّ البنك المركزي يُفترض أن يعمل باستقلالية عن رغبات المسؤولين المنتخبين. وفي هذا السياق، ستكون البيانات الاقتصادية خلال الصيف عاملاً حاسماً في تهدئة أو تأجيج التوتر بين البيت الأبيض والمركزي الأميركي، لا سيّما إذا توصل الفدرالي إلى مسار يسمح بخفض الفائدة بمبادرة منه.

ويتوقّع المستثمرون أن يبدأ الفدرالي بخفض الفائدة خلال اجتماعه في سبتمبر أيلول، على أن يستمر في تقليصها تدريجياً بعد ذلك. وفي تحوّل لافت، عدّل خبراء الاقتصاد في «غولدمان ساكس» توقعاتهم يوم الاثنين، وتوقّعوا أول خفض للفائدة في سبتمبر أيلول بدلاً من نهاية العام، في ضوء التطورات الأخيرة.

وقال محللو المصرف: «كنّا نعتقد أنّ تأثير التعرفات الجمركية في الصيف سيجعل من الصعب خفض الفائدة في وقت مبكر. لكن المؤشرات الأولية تُظهر أنّ تأثير الرسوم جاء أقل مما توقعنا، وهناك عوامل انكماشية أخرى كانت أقوى، كما نعتقد أنّ قيادة الفدرالي تشاركنا الرأي بأنّ الرسوم الجمركية سيكون لها تأثير واحد فقط على مستوى الأسعار».

وكان كريستوفر والر قد أشار إلى أنّ خفض الفائدة قد يكون مبرّراً اعتباراً من اجتماع يوليو تموز، مع إمكان التوقّف إذا ما بدأ التضخّم في الارتفاع مجدّداً.

 

ومن المنتظر أن يتلقّى الفدرالي، يوم الخميس، بيانات التوظيف لشهر يونيو حزيران، والتي قد تكشف ما إذا كانت سوق العمل بدأت تفقد زخمها —ما يعزّز المبررات لخفض الفائدة قريباً. كما يُرتقب صدور بيانات التضخم الأسبوع المقبل.

ويصادف يوم 9 يوليو تموز موعد انتهاء التجميد المؤقت لبعض التعرفات الجمركية التي فرضها ترامب، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الرسوم سترتفع بشكل تلقائي، أو ما إذا كان البرنامج سيتأجّل مجدّداً في انتظار مفاوضات جديدة.

وفي هذا السياق، كرّر رئيس الفدرالي في أتلانتا، رافائيل بوستيك، يوم الاثنين، أنّه لا يزال يرى أنّ البنك المركزي سيقوم بخفض واحد فقط للفائدة هذا العام، مشيراً إلى أنّ لا حاجة للاستعجال في اتخاذ القرار في ظل حالة عدم اليقين.

وقال بوستيك، خلال فعالية نظّمتها «ماركت نيوز إنترناشونال»: «أعتقد أنّ لدينا مساحة للتمهّل، لأنّ سوق العمل لا تزال متماسكة». وأضاف: «ما زلت أعتقد أنّ مزيداً من ضغوط الأسعار قادم، والمسألة تتعلّق بالوقت، متى وليس إذا… وسيتعيّن علينا الانتظار لبعض الوقت قبل أن تتّضح هذه الأمور تماماً».