تتراوح الأسعار حول 95 دولاراً لبرميل نفط برنت، وارتفعت إلى نحو 100 دولار لبرميل النفوط النيجيرية الخفيفة التي تعوض النقص الحاصل للنفط الصخري الأميركي الخفيف.
هذه ليست المرة الأولى التي تسجل فيها الأسعار هذا المستوى العالي، وقد فاقت هذا المستوى بكثير سابقاً. لكن المهم في الارتفاع السعري الحالي، هو تزامنه مع مرحلة «تحول الطاقة»، التي تتزامن بدورها مع النتائج المترتبة على جائحة كوفيد – 19، وتلتها مباشرة الحرب الأوكرانية ومقاطعة أوروبا للبترول الروسي.
شهدت ظاهرة تحول الطاقة خلال العقود الأخيرة مراحل عدة. الاهتمام البيئي الذي أصبح بنداً رئيسياً في مؤتمرات القمة والأمم المتحدة، بالإضافة إلى المساندة الواسعة له من قبل الرأي العام، عقدت على أثرها عشرات المؤتمرات، إلا أنها لم تحقق نجاحاً يذكر حتى مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة تغيير المناخ (كوب) في باريس عام 2015. ومن ضمن قرارات مؤتمر باريس، التي حازت على موافقة أغلبية دول العالم، هو قرار تصفير الانبعاثات بحلول عام 2050. لكن رغم موافقة إدارة الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما على قرارات المؤتمر، عارضته لاحقاً إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب بحجة أنه يضر بالمصالح الاقتصادية الأميركية. ثم عاد ووافق الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن على قرارات مؤتمر باريس.
تم تكليف وكالة الطاقة الدولية برسم خريطة طريق لتصفير الانبعاثات. وألقت الوكالة معظم اللوم للانبعاثات على النفط، وأوصت بإيقاف الاعتماد على النفط في سلة الطاقة المستقبلية، مهملة بذلك حقيقة أن الدول الصناعية الغربية واختراعاتها التقنية كانت مسؤولة عن ازدياد استهلاك النفط، وأنه لولا الازدياد السنوي في الطلب العالمي على النفط، وبخس أسعار برميل النفط خلال النصف الأول من القرن العشرين، لما تأسست الصناعات المتعددة من وسائل النقل والأدوات الاستهلاكية. لقد أدى الاعتماد على النفط خلال القرن العشرين إلى اقتصاد اليوم.
كان هناك شعور بالغبن عند الدول المنتجة للنفط، تبين بشكل واضح وعلني عندما بادر الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، مباشرة بعد صدور تقرير خريطة طريق الوكالة بوصفه أنه «فيلم هوليوودي خيالي». والسبب في ذلك عدم أخذ التقرير بنظر الاعتبار واقع صناعة الطاقة العالمية، وما تحتاجه خريطة الطريق من تغييرات ووقت واستثمارات لتغيير الطاقة وتصفير الانبعاثات.
ومنذ أوائل هذا العقد، تستمر الوكالة في برنامجها الذي رسمته حيث تصدر على أساسه التغيرات المتوقعة، وآخرها كان توقع ذروة الطلب على النفط في عام 2030، وذلك لتشجيع الدول على إيقاف بيع مركبات محرك الاحتراق الداخلي. هذا رغم، أن دولتين مستهلكتين كبيرتين كانتا قد أعلنتا أن موعد التزامهما بتصفير الانبعاثات سيؤجل إلى ما بعد عام 2050، وناهيك عن عدم استعداد وإمكانيات الكثير من دول العالم الثالث التغيير في عام 2050. فقد أعلنت الهند استعدادها لتصفير الانبعاثات في 2060 والصين في 2070. فمن دونهما ودون الكثير من دول العالم الثالث، من الصعب جداً البدء بتصفير الانبعاثات عالمياً في 2050.
أيضاً، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الأسبوع الماضي أنه سيرجئ لخمس سنوات (حتى عام 2035) حظراً على المركبات الجديدة التي تعمل بالغاز والديزل، والتي كان من المقرر أن يتوقف بيعها في بريطانيا عام 2030، قائلاً إنها «تكاليف غير مقبولة» على الناس العاديين. وأضاف أنه سيفي بوعده بتخفيض انبعاثات المملكة المتحدة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى الصفر بحلول عام 2050، ولكن «مع نهج أكثر واقعية وسياسية».
ويشكل إعلان سوناك ضربة قاسية لتوقعات الوكالة بالنسبة لمنع بيع المركبات المستهلكة للبنزين والديزل، إذ كانت بريطانيا مع بقية الدول الأوروبية، من أولى الدول المتحمسة لهذا الاقتراح الذي يشكل خطوة مهيئة لتصفير الانبعاثات في 2050.
أدى التسرع في محاولة تهميش دور النفط، رغم زيادة الطلب السنوي عليه منذ انتهاء الجائحة ومع نشوب حرب أوكرانيا، إلى اضطراب الأسواق البترولية؛ نظراً لزيادة الأنباء المتضاربة وغير الدقيقة بمنع بيع المركبات المستعملة للبنزين أو الديزل قريباً. فقطاع النقل هو أكبر مستهلك للنفط، والتغييرات المخططة له ستترك بصماتها على صناعات وأسواق عالمية عدة. وهذه معضلة تواجه الأسواق، وهي الدعوة لتخفيض الاستثمارات في القطاع النفطي بحجة توصل العالم إلى ذروة الطلب على النفط بحلول عام 2030، كما تدعي وكالة الطاقة الدولية.
وذكر وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في جلسة حوارية من ضمن «مؤتمر البترول العالمي» الذي انعقد الأسبوع الماضي في مدينة كالغاري في كندا، أنه «لا بد أن نكون استباقيين وحذرين»، وأضاف أن «الاستثمار في الطاقة التقليدية لا بد أن يستمر بالتوازي مع التحول للطاقة المتجددة»، بمعنى أخذ النفط بنظر الاعتبار في سلة الطاقة المستقبلية، جنباً إلى جنب مع الطاقات المستدامة، وبالذات لأن الطلب على النفط اليوم يفوق 100 مليون برميل يومياً، ولا تتوفر لحد الآن الطاقات المستدامة أو التقنيات للحلول كلياً محل النفط. كما أن هناك إمكانات وصناعات متزايدة لتقليص الانبعاثات الكربونية من النفط.
وقال: «إن كل الأمور التي حذرت منها وكالة الطاقة الدولية لم تحدث، إذ إن توقعاتها ابتعدت عن توقع أوضاع السوق لتضطلع بدور سياسي»، معتبراً أن «وكالة الطاقة صارت مؤدلجة».
ومن المتوقع أن تطرح وجهة النظر هذه التي تتبناها مجموعة «أوبك بلس» والسعودية في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب – 28» الذي سينعقد في دولة الإمارات نهاية هذا العام.
وليد خدوري