تراوحت أسعار النفط خلال الأسبوع الماضي ما بين 90- 95 دولاراً للبرميل، وسجل سعر نفط «برنت» نهاية الأسبوع 92.43 دولار للبرميل، بسبب استمرار معركة غزة، والتوترات واسعة النطاق.
بدأت حرب غزة تأخذ أبعاداً دولية وإقليمية؛ حيث ربط الرئيس الأميركي جو بايدن عداءه للقضية الفلسطينية بتحرير أوكرانيا، فذكر في أول خطاب له للشعب الأميركي مساء الخميس الماضي عبر التلفزيون، بعد زيارته السريعة لإسرائيل، أن «حماس» وبوتين ظاهرتان مختلفتان، ولكن يتشاركان في الخطر نفسه. فكل منهما يعمل لتحقيق إبادة كاملة لدولة ديمقراطية جارة. وأضاف: «أنا أعرف أنه يتبين أن هذين النزاعين بعيدان جداً عنّا. وأنه من الطبيعي هذا السؤال: ما أهميتهما للولايات المتحدة؟ ويتوجب الحذر من خطورة النزاعات والفوضى التي قد تنتشر حول العالم في منطقة المحيطين الهندي والهادي والشرق الأوسط، وخصوصاً في الشرق الأوسط».
وأعلن الرئيس الأميركي أنه سيرسل مشروع قرار للكونغرس حالاً، يطالب فيه بتقديم مساعدات بقيمة 110 مليارات دولار، منها 14 مليار دولار لإسرائيل، و60 مليار دولار لأوكرانيا، و14 مليار دولار لحراسة الحدود الأميركية، و7 مليارات دولار لمنطقة شرق آسيا وتايوان.
وقد استمرت في الأسبوع الماضي على صعيد يومي المناوشات العسكرية ما بين «حزب الله» من جهة والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى، في جبهة جنوب لبنان الحدودية وشمال إسرائيل، كما تم قصف من مسيّرات على قوات عسكرية أميركية في ستة مواقع بالعراق وسوريا، منها قاعدة «عين الأسد» في غرب العراق، وعلى موقع بالقرب من خط أنابيب بترولي بالقرب من حقل كانت تنتج منه شركة «كونوكو» الأميركية في شرق سوريا. كما اعترضت سفينة حربية أميركية في شمال البحر الأحمر سفينة حاملة للصواريخ والمسيرات، يُعتقد أنها كانت مرسلة من قِبل الحوثيين في اليمن إلى غزة، وفق تصريح مسؤول عسكري أميركي. وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية «تحذيراً عالمياً» للمواطنين الأميركيين؛ «للحذر من المناطق المكتظة بالسياح».
وقد أثارت هذه التطورات الشعور بأن إيران تحرك الميليشيات الحليفة لها في المنطقة، دون المشاركة المباشرة من قبلها حتى الآن، تفادياً لتعرض أراضيها لهجمات مباشرة. واقترحت إيران بعد قصف المستشفى الأهلي المعمداني في غزة فرض حظر نفطي على إسرائيل، إلا أنه لم يُؤخذ هذا الاقتراح موضع الجد، إذ إن معظم الصادرات النفطية لإسرائيل هي من خارج أقطار منظمة «أوبك»، أو الأقطار الإسلامية.
تزامنت هذه التطورات مع معدلات سحب ونقص في المخزون التجاري النفطي الأميركي، إذ صدر بيان عن «إدارة معلومات الطاقة» الأميركية، تشير فيه إلى أن الشركات سحبت 4.5 مليون برميل من المخزون النفطي التجاري الأميركي خلال الأسبوع المنتهي في 13 أكتوبر (تشرين الأول)، وأن هذا هو الأسبوع الرابع من مجمل 5 أسابيع التي يتم فيها النقصان في المخزون. وأضافت الإدارة أن المسحوب من المخزون هذا العام خلال الفترة نفسها فاق 1.7 مليون برميل أسبوعياً، خلافاً لمعدلات السنوات الخمس الماضية (2018- 2022) لفترة الأسابيع نفسها التي تمت فيها الإضافة إلى المخزون 2.5 مليون برميل أسبوعياً. وتُؤثر مؤشرات السحب والإضافة الأسبوعية للمخزون التجاري النفطي الأميركي على أسعار النفط العالمية، فالنقصان في المخزون يؤدي إلى الارتفاع في الأسعار، والعكس صحيح.
أدى اندلاع حرب أوكرانيا إلى تبيان أهمية اعتماد النفط والغاز في سلة الطاقة المستقبلية لعالم ما بعد تصفير الانبعاثات (2050). وأدت الحرب إلى تبيان ضرورة البترول، بالإضافة إلى الطاقات المُستدامة في المستقبل. والسبب في بروز أهمية البترول المستقبلية هي تجربة الأسواق الفعلية والصعبة خلال جائحة «كوفيد – 19» في محاولة الاعتماد الواسع على «الطاقات المستدامة» فقط.
وقد أثبتت التجربة خلال نهاية العقد الماضي أن طاقتي الرياح والشمس غير كافيتين في الوقت الحاضر لتلبية الطلب العالمي على الطاقة. والأنكى من ذلك، أنهما لا يستطيعان تزويد الطاقة باستمرار ودون انقطاع مستقبلاً، فالأمر يعتمد أيضاً على توفُّر الإشعاع الشمسي لفترات طويلة ومستمرة، أو طاقة الرياح لفترة طويلة، ومن ثمّ لا بد من دعم هاتين الطاقتين بطاقات أخرى نظيفة؛ بعضها مستدام مثل الطاقة الهيدروكهربائية، وبعضها متوفر بكميات ضخمة ويُستثمر فيه بمليارات الدولارات، مثل الطاقة الهيدروكربونية، لكن مع التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في آبار وكهوف فارغة. هذه الصناعة الحديثة العهد التي انتشرت في كبرى الدول المنتجة للبترول، هي فرصة للاستمرار في استهلاك البترول المنخفض التلوث مستقبلاً، بعد عام 2050.
ستطرح الدول والشركات البترولية وجهة النظر هذه في «كوب 28» في دبي بعد شهر تقريباً، ويُتوقع حدوث المعارضة التقليدية لها من قِبل «حركات الخضر» التي تُطالب بإنهاء استعمال البترول، دون الأخذ بعين الاعتبار صناعة «التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون». سيتوجب على الدول الصناعية التي بدأت تشعر بضخامة المسؤولية المُلقاة عليها في الاعتماد فقط على الطاقات المستدامة أن تتعامل هي مع «حركات الخضر» في بلادها. وقد بدأت المواجهة بالفعل في بريطانيا.