تتكاثر الأزمات في لبنان وتداعياتها التي تطال الجميع، في المقابل، تعوم وسائل الاعلام بالحلول والخطط الإنقاذية المختلفة والمتنوعة الي تكاد، إن طبقت، أن توفر حلولا ملموسة ومدخلا لحل مستدام. على الصعيد الرسمي، هناك توجه واضح نحو اتفاق مع صندوق النقد الدولي ترجم في المفاوضات مع ممثلين من الصندوق وفي كل الخطط الإصلاحية التي يعمل عليها في الحكومة. بناء على ذلك الواقع، من المفيد أن نسأل، هل فعلا التوجه إلى صندوق النقد سيؤمن الحل للأزمة في لبنان؟
أولا: ما هو صندوق النقد الدولي؟
نشأ كجزء من اتفاقية “بريتون وودز” وهدفها تنظيم النظام المالي وتشجيع التعاون الدولي تحديدا بعد الحرب العالمية الأولى والثانية وما أسفر عنهما من أزمات اقتصادية. بعد انهيار هده الاتفاقية سنة 1971 وحتى اليوم، يسوّق الصندوق نفسه كداعم للاستقرار المالي والنقدي ومشجع للنمو الاقتصادي المستدام بغية محاربة الفقر العالمي.
تتعدد وظائف صندوق النقد ولكن ستتناول هده المقالة وظيفته الاقراضية وتحديدا للدول التي تعاني من أزمات وانهيارات اقتصادية.
من المهم، قبل التطرق إلى خصوصية الوضع اللبناني، أن نشير إلى دول تعاونت مع صندوق النقد لأخد عبرة من تلك التجارب.
تحتل دولة الارجنتين المركز الأول على لائحة الدول الأكثر مديونة من الصندوق النقد الدولي، ويعود الاتفاق الأول بينهما إلى العام 1956 ومنذ ذلك الوقت، تبع ذلك أكثر من 21 اتفاقية اخرها في العام 2018 الذي ناهز القرض الخمسين مليار دولار، وهو أكبر قرض يسجل في تاريخ الصندوق. اليوم، تعاني الارجنتين من نسبة فقر تخطت 40%, تضخم ناري وصل إلى 254%, إنفاق عام اجتاز الناتج المحلي بنسبة 40%, إضافة إلى الخطر الذي يداهم الجميع وهو التخلف عن سداد القروض. رغم كل هذا التعاون، لماذا لم تتبلور أرضية حل ما؟ يعود ذلك إلى غياب رؤية إصلاحية واضحة إضافة إلى تعدد الاستراتيجيات التي تتغير مع كل حكومة وانتخابات، ما يعوق تطبيقها أي العودة إلى نقطة الصفر.
من ناحبة أخرى، ببقى النموذج الأيسلندي من أنجح الاتفاقات التي سنت بين صندوق النقد ودولة. كانت أيسلندا من أكثر الدول المتضررة جراء الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008. من التدابير التي طبقت هي:
• الكابيتل كونترول: الذي فرض دون تحديد مدة زمنية معينة لبقائه. ساهم هذا الإجراء في الحد من تقلص العملة الوطنية “الكرونا” واستقرار الفوائد المحلية
• إعادة هيكلة النظام المصرفي: من خلال تقسيم المصارف الكبيرة التي عجزت الدولة عن تغطية خسائرها وتفريق الودائع المحلية عن التعاملات الأجنبية بغية التركيز على حماية الاقتصاد الوطني
• التوحيد المالي المرحلي: من خلال تخفيف نسب العجز في الموازنة وتكدس الديون
• حماية نظام الرعاية الاجتماعية: تأمين غطاء اجتماعي للفئات الأكثر ضعفا
بعد عقد من الزمان الذي خلف وقوع الأزمة، تسجل أيسلندا أقوى مستويات النمو الاقتصادي بمعدل 4% سنويا، كما تم رفع معظم إجراءات الكابيتل كونترول بعد تحديد فائض موازنة.
ثانيا: لبنان والصندوق
بعد تقديم الحالتين المختلفتين، يبقى تحديد لبنان من تلك المعادلة. في الواقع السياسي، نلاحظ تشابها كبيرا بين الوضعين السياسي اللبناني والأرجنتيني من خلال التباين الحاد في التوجهات الحزبية على كل الأصعدة. ففي نظام مبني على التوافق كالنظام اللبناني، يبقى تقارب الآراء من اّخر المستحيلات، ما يعيق أي أرضية إصلاحية تؤمن تفعيل دور إيجابي لأي اتفاق مستقبلي مع صندوق النقد.
بالإضافة إلى ذلك، بيقى تطبيق الإصلاحات التي اعتمدت في أيسلندا غير متلائم مع الظروف اللبنانية، فلا منفعة من تطبيق الكابيتل كونترول بعد أن تم تحويل جزء كبير من الودائع إلى الخارج وما من شبكة اجتماعية أصلاً لحماية الفئات الاجتماعية الاكثر ضعفاً كون أي خطة إصلاحية ستتضمن ضرائب جديدة. أخيراً وليس اّخراً، صدرت مجدداً من البنك الدولي دراسة أثبتت أن الدول النامية لن تتمكن من سداد ديونها نظراً لتباطؤ نسب النمو الاقتصادي لتلك الدول، الأمر الذي يجعلها قابلة للانهيار.
في الختام، لا يؤمن صندوق النقد الحل للأزمة اللبنانية نظراً إلى خصوصية الوضع السياسي وتوتر الوضع الدولي.