اقتصاديون أميركيون يرصدون ـ عربية.. ما الذي ينتظر “العلاقات التجارية مع الصين” بعد انتخابات نوفمبر؟

تمر العلاقات الأميركية الصينية بمحطات متصلة من التوتر، لا سيما على الصعيد التُجاري، خاصة منذ أن بدأ الرئيس السابق دونالد ترامب تصعيده ضد بكين باستخدام الرسوم الجمركية، والتي احتفظت بها إدارة الرئيس الحالي جو بايدن.

تأتي تلك التوترات كجزء من المنافسة الأعمق بين أكبر اقتصادين في العالم، ومع كثير من الملفات الخلافية الكبرى، سواء على صعيد العلاقات الثنائية وكذلك فيما يتعلق بقضايا إقليمية ودولية، بما في ذلك ملف تايوان، علاوة على حرب الرقائق وسباق التسليح العسكري، وما إلى ذلك من حلقات التباري بين البلدين.

ومع تصاعد الملفات الخلافية والمنافسة الاستراتيجية بين البلدين، إلا أنهما يسعيان إلى إدارة العلاقات بشكل مسؤول والإبقاء على مستوى مناسب من التواصل، وسط جهود إذابة الجليد بينهما، وهو ما عبّرت عنه القمة التي جمعت بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ونظيره الصيني شي جين بينغ، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على هامش قمة أبيك.

ومع نجاح البلدين في إحراز تقدماً في بعض الملفات المشتركة، إلا أن المنافسة الاستراتيجية بينهما تحتدم على نحوٍ واسع، لا سيما فيما يتصل بالعلاقات التجارية، وبما يجعل الأنظار مسلطة بشكل أساسي على انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في الولايات المتحددة، والتي تُحدد ساكن البيت الأبيض لأربعة سنوات مقبلة، وهو ما قد ينعكس بالضرورة على طبيعة العلاقات مع الصين، بما في ذلك العلاقات التجارية.

وفي داخل الولايات المتحدة يُنظر إلى ملف العلاقات مع بكين باعتباره ملفاً ساخناً يُحدد جانباً من توجهات الناخبين، مع مقارنات بين مواقف الناخبين إزاء العلاقات مع أكبر اقتصاد في العالم.. فمن هو المُرشح الأنسب الذي يُمكنه إدارة العلاقات مع الصين بشكل يضمن مصلحة الولايات المتحدة؟ وما مصير الحرب التجارية بين البلدين حال نجح بايدن في الاستمرار في البيت الأبيض أو عاد ترامب؟ وما هو المرشح الذي يُمكن أن تكون الصين أكثر ميلاً لنجاحه أو يعد فوزه وسياساته أقل حدة عليها من فوز الآخر؟

يجيب عن هذه التساؤلات مختصون أميركيون في تصريحات منفصلة لـ CNBC عربية، حللوا خلالها توجهات كل من ترامب وبايدن إزاء العلاقات مع الصين وموقف الرئيسين -السابق والحالي- مع المنافسة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

سياسات متشابهة

استاذ التجارة الدولية في Thunderbird School of Global Management التابعة  لجامعة ولاية أريزونا، جوناس جامسو، يقول في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، إن سياسات بايدن وترامب كانت متشابهة إلى حد كبير من حيث السياسة الاقتصادية الخارجية.

لقد تجنب كلاهما اتفاقيات التجارة الحرة، واستخدما السياسات الحمائية والصناعية لتعزيز الإنتاج الأميركي. ويبدو من المرجح أن يواصل بايدن السير على هذا الطريق إذا أعيد انتخابه.

أما ترامب -وفق استاذ التجارة الدولية- فهو أقل قابلية للتنبؤ به؛ فقد هدد بسحب الولايات المتحدة من منظمة التجارة العالمية، ووفقًا لفيكتور أوربان، بوقف المساعدات لأوكرانيا، لكنه أطلق تهديدات مماثلة في الماضي لم تتحقق، لذلك من الصعب معرفة ما إذا كان قد فعل ذلك أم لا، مضيفاً: “أعتقد بأن القدرة على التنبؤ (أو عدم وجودها) هي من بين الفوارق الرئيسية بين الاثنين من منظور خارجي”.

ويستطرد: ويبدو أن الانفصال عن الصين هو نقطة اتفاق بين الحزبين في الولايات المتحدة، لذلك أعتقد بأن المزيد من السياسات في هذا السياق من المرجح أن تكون كذلك بغض النظر عما إذا كان ترامب أو بايدن هو الرئيس. ومع ذلك، يبدو من المرجح أن يكون الخطاب في ظل إدارة ترامب أكثر حدة، مما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات بين البلدين.

الرسوم الجمركية والعقوبات

وفي تقدير استاذ العلاقات الدولية في كلية هاملتون في نيويورك، آلان كفروني، فإنه من المرجح أن يزيد ترامب حال فوزه في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني الرسوم الجمركية والعقوبات؛ لأسباب جيوسياسية جزئياً، ولكن أيضا مع فوائد كبيرة لبعض قطاعات الشركات الأميركية، وخاصة الطاقة.

وعن العلاقات مع الصين تحديداً، يوضح في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، أنه على الرغم من التصريحات “الخطابية” فإن السياسات الاقتصادية تجاه الصين لن تخضع لتغييرات جذرية بعد يناير/كانون الثاني 2025 (تاريخ بدء الولاية الرئاسية الجديدة).

ويوضح أن إدارة الرئيس بايدن احتفظت بمعظم تعريفات ترامب الجمركية على الصين. كما قامت بتوسيع استراتيجيتها العدوانية لاحتواء أشباه الموصلات في الصين، حتى في الوقت الذي سعت فيه إلى فرض رؤيتها التجارية على حلفائها وتشجيع الإنتاج في الولايات المتحدة.

وحتى مع تأثير التعريفات الجمركية سلباً على الاقتصاد الأميركي ومساهمتها في التضخم، صرح ترامب بأنه سيزيد التعريفات الجمركية على الصين بنسبة 60٪.

كشف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الأحد 4 فبراير/ شباط، عن موقفه من فرض “رسوم جمركية” على الصين مجدداً حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام الجاري.

خلال مقابله بُثت على قناة “فوكس نيوز”، أكد ترامب أنه سيفرض رسوما جمركية على الصين مجددا حال فوزه، قائلاً: “علينا أن نفعل ذلك.. أعني، انظروا، سوق الأوراق المالية كادت أن تنهار  (..)”، وردا على سؤال عن تقرير أشار إلى أن ترامب يفكر في فرض رسوم جمركية بنسبة 60 % على البضائع الصينية حال انتخابه، قال الرئيس السابق “لا، أود أن أقول ربما ستكون (الرسوم) أكثر من ذلك”.

كذلك كشف الرئيس الأميركي السابق، عن أنه سوف يفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على سيارات الصين المصنوعة في المكسيك. وأشار ترامب -أمام تجمع حاشد في أوهايو السبت 16 مارس/ آذار- إلى “المصانع الكبيرة لتصنيع السيارات” التي تقوم الصين ببنائها في المكسيك، وقال موجهاً حديثه للقيادة الصينية: بينما لا تقومون بتوظيف أميركيين وتريدون بيع السيارات لنا.. سنفرض تعريفة بنسبة 100% على كل سيارة تأتي عبر هذا الخط، ولن تتمكنوا من بيع تلك السيارات إذا تم انتخابي”.

الحواجز التجارية

من جانبه، يوضح الاستاذ بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، جوناثان د.أرونسون، في تصريحات  خاصة لـ CNBC عربية، الاعتبارات الأساسية فيما يتعلق بتوجهات السياسة الاقتصادية الخارجية للولايات المتحدة سواء في ولاية ثانية للرئيس بايدن أو في حال فوز الرئيس ترامب، مشدداً على أنه من غير المرجح أن يؤدي أي منهما (سواء بايدن وترامب) إلى تقليص الحواجز أمام التجارة.

لكنّه بشكل عام يعتقد بأن “الأسواق لا تحب عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب”، في إشارة إلى أن ذلك ربما يرجح كفة بايدن.

ومن بين المحددات التي تحكم انتخابات نوفمبر/ تشرين ما يرتبط بموقف المرشحين من المساعدات الخارجية لاسيما تلك المقدمة لأوكرانيا. بحسب أرونسون، فإن خفض المساعدات من جانب ترامب من شأنه الإضرار بالصناعات الدفاعية في الولايات المتحدة.

البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية، تشير إلى ارتفاع مبيعات المعدات العسكرية الأميركية بنسبة تصل إلى 16%، لتبلغ 238 مليار دولار في العام 2023، وذلك بدعم من مساعي عديد من الدول لتعويض المفقود في مخزونها بعد دعمها لكييف.

مبيعات الشركات الأميركية العسكرية المباشرة بلغت 157.5 مليار دولار (مقارنة بـ 153.6 مليار دولار في 2022). كما قفزت المبيعات من خلال الحكومة الأميركية إلى 80.9 مليار دولار العام الماضي (مقابل 51.9 مليار دولار في 2022).

وفيما يتعلق بالعلاقات التجارية مع الصين بشكل خاص، وكيف يمكن لنتائج انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني أن تشكل العلاقات الاقتصادية مع بكين، يشير الاستاذ بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، إلى أن بكين “بالغت في تقدير قوتها.. كما بالغت الولايات المتحدة في رد فعلها”.

ومن ثم، فإنه يعتقد بأنه  “من الممكن أن يؤدي الاقتصاد الصيني الأضعف إلى التسوية.. لكن الخطر الشديد هو الأعمال العدائية التي تقوم بها الصين تجاه تايوان”، على حد وصفه، مشدداً على أنه يتعين على الولايات المتحدة والصين العمل معًا للتعامل مع تغير المناخ.

التوترات التجارية

أستاذ الاقتصاد بكلية ويليامز بالولايات المتحدة، كينيث ن. كوتنر، يقول في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، إن الصين (ثاني أكبر اقتصاد في العالم) هي القضية الكبرى فيما يخص العلاقات التجارية للولايات المتحدة.

وبينما يظل التعامل مع بكين معياراً أساسياً مُحدداً لاختيارات الناخبين في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فإن كوتنر يقول: “يمكن أن يكون للانتخابات تأثير كبير.. لن أتفاجأ برؤية ترامب ينسحب من اتفاقية الجات ويفرض تعريفات انتقامية ضد الدول الأخرى أيضاً”.

كذلك من المرجح أيضًا أن “نشهد زيادة في التوترات التجارية، خاصة مع الصين”، وقد يكون انقطاع العلاقات التجارية، وخاصة مع الصين، ضاراً إذ يقطع سلاسل التوريد ويتسبب في التضخم.

وحتى الآن، وضع ترامب خططاً لفرض تعريفات جمركية، بما في ذلك ضريبة بنسبة 60% على البضائع الصينية. وخلال فترة ولايته في البيت الأبيض، قاد حرباً تجارية متبادلة مع بكين، ولا تزال العديد من سياساتها سارية في عهد الرئيس جو بايدن.

الكرة بملعب الصين

“يشعر كل من بايدن وترامب بالقلق بشأن ما قد يحدث إذا أصبحت الصين أكثر عدوانية”، وفق استاذ التمويل بمعهد Cornell بجامعة فلوريدا الأميركية، رئيس جمعية الإدارة المالية، جاي ر. ريتر، في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية.

يتم تحديد العلاقات الاقتصادية مع الصين بشكل أساسي من قبل بكين. وإذا لم تنفق الصين المزيد والمزيد من الأموال على جيشها، وتهدد تايوان وغيرها من البلدان في بحر الصين الجنوبي، فلن يشعر أحد بالقلق إزاء الصين، وفق ريتر.

ويضيف: “يمكن للصين أن تصبح صديقة للجميع إذا توقفت عن إنفاق الكثير على جيشها وتهديد الدول الأخرى. يمكن أن يكون لها عديد من الأصدقاء في العالم. ولا تقلق الولايات المتحدة بشأن الواردات من الدول الصديقة مثل كندا، والمكسيك، والهند، وألمانيا، وما إلى ذلك. وإذا كانت الصين أكثر ودية، فإن الدول الأخرى سوف تتصرف بشكل ودود معها”.

تمهد خطط الصين المتعلقة بالإنتاج والتصدير الطريق لصدام تجاري آخر مع واشنطن، بغض النظر عمن سيتولى البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، حسبما حذرت شركة Capital Economics الأسبوع الماضي.

وكان كبير الاقتصاديين في المجموعة نيل شيرينغ في مذكرة جديدة، قد قال: “قد يشعر المستثمرون بالقلق بشأن العودة المحتملة لترامب والتهديد بتجدد الحرب التجارية، لكن هذا الصراع يبدو أكثر احتمالاً من أي وقت مضى سواء كانت الإدارة المقبلة ديمقراطية أو جمهورية”.

محمد خالد