مر أكثر من شهرين على إصدار مصرف لبنان التعميم رقم 166 الذي يتيح لشريحة من المودعين سحب 150 دولاراً من أرصدتهم العالقة في المصارف. إلا أن الغالبية الساحقة من المصارف لم تبدأ بعد بتطبيق التعميم المذكور، تحت ذرائع متعددة تختلف بين مصرف وآخر.
من جهة أخرى، تستمر معضلة تحديد سعر صرف للسحوبات المصرفية، ورفع الغبن عن المودعين الذين يتكبّدون اليوم أكثر من 83 في المئة من قيمة ودائعهم، من خلال إلزامهم على السحب من حساباتهم وفق سعر 15000 ليرة للدولار، بشكل مخالف لكل القوانين والتعاميم.
لا ينفصل الملفان عن بعضهما، وإن كانا غير مترابطين بشكل مباشر. فكما يبيع مصرف لبنان المودعين أملاً بالحصول على الفتات من أموالهم بموجب التعميم 166 العالق حتى اللحظة، كذلك تماطل الحكومة بمسألة سعر صرف الدولار المصرفي، وتشتري الوقت لصالح أصحاب المصارف الذين يحققون المكاسب بتذويب الودائع تدريجياً. بالمحصلة، ينتظر المودعون منذ أشهر الإفراج الجزئي عن ودائعهم من دون جدوى.
التعميم 166
لم تبدأ المصارف بتطبيق التعميم 166 فعلياً، وإن كان بعضها قد بدأ باستقبال طلبات المودعين الراغبين بالإستفادة منه. وحده بنك عودة بدأ تطبيق التعميم وباشر بتنفيذه وصرف 150 دولاراً لكل مودع تتوفر فيه شروط التعميم. كما دخل بنك لبنان والمهجر (بلوم بنك) مرحلة البت بالطلبات المرفوعة من قبل المودعين، وأبلغ بعضهم بإمكان سحب المبالغ المستحقة.
وعلى الرغم من إجحاف التعميم 166 بحق المودعين وإرغامهم بقبوله كخيار وحيد لتحرير جزء خجول من الودائع، ترفض العديد من المصارف تطبيقه، في وقت تماطل مصارف أخرى بدراسة الطلبات، في محاولة منها لشراء الوقت بانتظار أي جديد على مستوى الأزمة المصرفية.
البنك اللبناني للتجارة BLC وبنك بيبلوس على سبيل المثال، باشرا باستقبال طلبات المودعين الراغبين بالإستفادة من التعميم المذكور. إلا أن موظفيهم لا يوفّرون فرصة لتذكير المودعين بأن لا فكرة لديهم متى يمكن البدء بدفع الـ150 دولاراً، تحت ذريعة أن التأخير من مصرف لبنان وهو مَن يقرر بشأن الأسماء المستحقة.
مصارف أخرى، ومنها بنك البحر المتوسط وسواه، يعمدون إلى المماطلة باستقبال الطلبات والتذرع بحجج متنوعة للتهرّب من أسئلة المودعين، حتى أن منهم من يقول لكل مودع إن اسمه غير وارد بلوائح مصرف لبنان. علماً بأن لا لوائح ولا أسماء جاهزة لدى مصرف لبنان، إنما تعود عملية تحديد الأسماء المؤهلة إلى المصارف، التي تمتلك كافة المعلومات عن المودعين ومن ثم ترسل الطلبات إلى مصرف لبنان مع كشف السرية عنها، وتحديد ما إن كانت قد استفادت من تعميم آخر أو ينطبق عليها أحد أسباب الحرمان من التعميم.
وفي حين يقول أحد المصرفيين إن بعض المصارف مربكة بشأن تطبيق التعميم 166، لاسيما لجهة تحديد المستفيدين من أموال صيرفة، والمودعين الذين حوّلوا أكثر من 300 ألف دولار من الليرة إلى الدولار، وأولئك الذين سددوا قروضاً مصرفية كبيرة بالليرة، ومن تاجروا بالشيكات بمبالغ ضخمة.. يكشف المصدر بأن مصارف أخرى حسمت أمرها برفض تطبيق التعميم، مؤكداً عجزها عن تطبيقه على الرغم من ضآلة المبالغ المستحقة: 150 دولاراً للمودع.
دولار السحوبات
تشارك كافة الأطراف بجريمة تذويب الودائع بإلزام المودعين سحب أموالهم على سعر 15000 ليرة للدولار. فالسلطة السياسية غير متضررة من الوضع القائم، لا بل مرتاحة لخدمة المصارف. والأخيرة تخفف من خسائرها بتذويب الودائع مع اقتطاع أكثر من 83 في المئة من قيمتها الفعلية. أما مصرف لبنان، فيقف متفرجاً وقد رمى الحمل عن كاهله حين أقر سعر صرف الدولار 89500 ليرة، من دون أن يتمكن من فرضه على المصارف.
من جهتها، تسعى الحكومة والمصارف إلى إقرار سعر صرف جديد للسحوبات عند 25 ألف ليرة بدلاً من السعر الحقيقي الحالي للدولار 89500 ليرة. إلا أن مصرف لبنان متمسّك حتى اليوم برفضه السعر المذكور، والذي يكرّس الاقتطاع بنحو 72 في المئة من قيمة الودائع. ويقول مصدر من مصرف لبنان بأن الخلاف بين الدولة ممثلة بوزارة المالية، وبين مصرف لبنان، يتصاعد، حتى أنه بات هناك تحدٍّ “حول إصرار الحكومة على تحميل مصرف لبنان مسؤولية تحديد سعر صرف السحوبات عند 25 أو 30 ألف ليرة، في وقت يرفض فيه مصرف لبنان ذلك بشكل قاطع. فهو يرفض السعر المطروح علمياً واقتصادياً، باعتبار أن هذا القرار يحرم لبنان عطف الدول المانحة. ومن الممكن ان يُغرق البلد أكثر فأكثر”، يقول المصدر.
لكن، وحسب المعلومات، قد يتوصل الطرفان في وقت قريب إلى اتفاق حول سعر صرف السحوبات، يقوم على تحديد سعر الدولار المصرفي عند 30 ألف ليرة لمدة محدودة، تعتبر كمرحلة أولية لاستيعاب السوق السعر الجديد، قبل رفع السعر تدريجياً وصولاً إلى سعر الصرف الرائج. ولا يستبعد المصدر اعتماد هذا السيناريو لوقف النزيف الحاصل بالودائع. علماً أن أي خيار جديد يستلزم إجراءات دقيقة من مصرف لبنان لضبط السوق، وتجنّب ارتفاع التضخم من جديد، لاسيما أن تعديل سعر الدولار المصرفي سينتج سيولة ضخمة بالليرة اللبنانية. كما أن أي سعر جديد للدولار المصرفي يقل عن السعر الحقيقي، أي 89500 ليرة حالياً، يُعتبر استمراراً للهيركات المقنّع.
عزة الحاج حسن