متابعة قراءة مديرة صندوق النقد: “درجة كبيرة من الغموض” تكتنف آفاق الاقتصاد العالمي
كل مقالات admin
مقاومات و دفاعات : يورو + داكس + ذهب
اوبشن تستحق ال 15:00 جمت
الاقتصاد والثروة البشرية
يعد رأس المال البشري أحد عناصر الإنتاج الأربعة، برفقة الأرض ورأس المال وإدارة الأعمال. وخلال العقود الأخيرة بدأ رأس المال البشري يكتسب أهمية أكبر في الإنتاج بشكل خاص وفي الاقتصاد بشكل عام. ومعرفة تأثير هذا العنصر مهم للغاية لأثره المباشر في النمو الاقتصادي، ولأن الشواهد تظهر أن دولاً تقدمت اقتصادياً بسبب تطور رأس مالها البشري، بينما لم تستثمر دول أخرى كثافتها السكانية من الناحية الاقتصادية، بل على العكس شكلت هذه الكثافة عبئاً اقتصادياً عليها.
وتعرف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية رأس المال البشري بـ«المعارف والمهارات والكفاءات وما يتصف به الأشخاص ويمكن من خلاله خلق الرفاه الشخصي والاجتماعي والاقتصادي». ويلاحظ من خلال هذا التعريف أن عدد السكان ليس العامل الجوهري في رأس المال البشري، ولعل أوضح مثال على ذلك ما تعاني منه الهند اليوم، وهي الدولة ذات المليار وثلاثمائة مليون نسمة. فالهند هي إحدى أكثر الدول تقدماً في الخدمات المعلوماتية، ويبلغ عدد العاملين في قطاع تقنية المعلومات بالهند أكثر من 20 مليون موظف، ومع ذلك فلا يزال نقص رأس المال البشري في الهند عاملاً مؤثراً في نمو هذا القطاع.
ومع التوجه نحو الاقتصاد المعرفي، تزيد أهمية العنصر البشري في النمو الاقتصادي، حتى أصبحت مؤشرات رأس المال البشري أحد المقاييس الاقتصادية لتقييم الدول. ويمكن قياس هذا العنصر بعدد من المؤشرات التي تنقسم إلى قسمين؛ القسم الأول يعنى بالتعليم، مثل عدد سنوات التعليم، ونسبة الأميّة، وجودة التعليم، ومتوسط سنوات الخبرة لدى العاملين. أما القسم الثاني فيعنى بالصحة، مثل الوعي الصحي، والتغذية ومتوسط الأعمار، وغيرها. والواقع أن تقييم رأس المال البشري (المؤثر بالاقتصاد الوطني) من خلال الصحة والتعليم هو أمر مثير للاهتمام، فلطالما اعتبر الكثيرون أن هذين القطاعين يستنزفان ميزانيات الدول، بينما تظهر الدراسات أن النمو الاقتصادي من خلال رأس المال البشري يتأثر وبشكل مباشر من مهارات العاملين (التعليم) ومن قدرتهم على العمل (الصحة).
وفي عصر يلعب فيه الابتكار دوراً مفصليّاً في الاقتصاد، يأتي هذا الابتكار من العقول المفكرة التي تستند بشكل رئيسي على جودة التعليم. وتشير الدراسات إلى أن النمو الاقتصادي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجودة التعليم. كما تشير الدراسات إلى أن اعتماد النظام الدراسي الحالي في دول العالم كان له أثر كبير في النمو الاقتصادي الحالي، ودللت على ذلك بدول مثل كوريا الجنوبية التي يبلغ معدل نموها الاقتصادي السنوي نحو 7.4 في المائة منذ السبعينات الميلادية حتى 2015، وهو معدل ضخم مقارنة بدولة ليست بغنى غيرها من ناحية الموارد الطبيعية، ولا تنافس الدول المجاورة لها بضخامة عدد السكان.
ولذلك فإن الدول تتفاوت فيما بينها في مدى ثرائها برأس المال البشري، وغالباً ما يقترن مستوى هذا الثراء بالحالة الاقتصادية للدولة، ويمكن القول إن العلاقة بين رأس المال البشري والناتج القومي هي علاقة سببية، فقد تكون الدولة فقيرة بسبب ضعف جودة التعليم فيها، وقد تكون جودة التعليم منخفضة بسبب فقر الدولة. إلا أن المؤكد أن نهوض الدول اقتصادياً لا يكون إلا بنضوج رأس مالها البشري.
ويشكل العنصر البشري رافداً مهماً للاستثمارات، فأول ما تنظر له الشركات قبل إقبالها على الاستثمار في دولة ما، هو مدى توفر المهارات والكفاءات، فإن توفرت هذه الكفاءات كانت الفائدة للطرفين (الدولة المستثمر فيها والشركة)، وقد لا تستثمر الشركة إن لم تجد الكفاءات اللازمة لها، حتى وإن استثمرت، فقد تكون هي الرابح الوحيد من الاستثمار في دولة لم تستفد إلا من الوجود المكاني للشركة في أراضيها، دون تشغيل لمواطنيها أو تخفيض لمستويات البطالة. ولذلك يلاحظ على كثير من الدول الآسيوية التفاتها إلى تطوير مواردها البشرية لاجتذاب الشركات الأجنبية، ولا يقف الأمر على انخفاض تكلفة اليد العاملة فحسب، وإلا فإن أواسط أفريقيا قد تكون خياراً مناسباً بدلاً عن آسيا.
وحين بحثت الشركات الأميركية عن بدائل للصين خلال الحرب الاقتصادية في السنوات القليلة الماضية، لم تخرج ببديل يملك الميزات نفسها التي تملكها الصين، على الرغم من أن اليد العاملة دول محيطة مثل فيتنام أقل تكلفة من الصين. ولكن امتلاك المعارف والمهارات هو ما تميزت فيه الصين عن غيرها، ويمكن القول إن هذه المهارات هي ما تتميز به الصين عن بقية دول العالم، بل إن إنجاز الصين الأكبر خلال العقود الأخيرة كان تحويل عائقها الأكبر وهو كثرة السكان، إلا ميزة تنافسية لا تستطيع دولة في العالم مجاراتها فيها، أما النمو الاقتصادي فلم يكن إلا نتيجة لهذا التحوّل.
د. عبدالله الردادي.
النفط والطاقات البديلة
ارتكز الاقتصاد العالمي في القرن العشرين على النفط، وكان الاهتمام السياسي والاقتصادي مرتبطا بكميات النفط المتوافرة وسعر البرميل. كلما تأزم الانتاج النفطي لأي سبب، تأزم الاقتصاد العالمي وتوجه الناس الى الشارع للاحتجاج والمطالبة بالحلول. تغير العالم كثيرا في القرن الواحد والعشرين ولم يعد النفط مهما كما في السابق. أتت الكوروونا لتضيف الى الموضوع أي لتخفض الطلب على النفط وبالتالي تخفض الأسعار مما أحدث خللا كبيرا في ميزانيات الدول المنتجة واضطرارها لتسريع التنويع الانتاجي حماية للمستقبل. فرضت الكورونا على المواطنين العمل من المنزل أي عدم استهلاك النفط للانتقال أو السفر. العمل من المنزل يظهر أنه رفع انتاجية العمل، وبالتالي لن تعود طرق العمل الى ما كانت عليه قبل الكورونا.
تقوم الأمم المتحدة عبر مؤسساتها بجهد كبير لتخفيف التلوث البيئي وتحقيق التنمية النظيفة أو المستدامة. تهتم الأمم المتحدة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية للمواضيع البيئية كالفقر والصحة. تهتم بالموارد الطبيعية والحفاظ على استمراريتها للتنمية ولنوعية الحياة كالغابات والمحيطات والبحور. تهتم بتقوية دور المجموعات المهتمة بالبيئة كالنساء والشباب والأعمال. تهتم أيضا بكيفية تنفيذ هذه الاصلاحات كي لا تكون حبرا على ورق أي التمويل والتكونولوجيا والتعليم والتدريب كما القوانين والوعي الشعبي لأهمية البيئة وتأثيرها. في الحقيقة ما زال العالم ينفق على استهلاك الكماليات أكثر بكثير من انفاقه على ضروريات الحياة والمستقبل.
تضرر كثيرا قطاعا السيارات والنقل الجوي كما تتعثر السياحة العالمية بسبب الكورونا وبالتالي ينهار الاستهلاك النفطي. من الصعب توقع عودة النفط الى أهميته السابقة لأن فترة السماح الحالية تعطي العالم المنتج فرصة لتطوير الطاقات البديلة وهذا ما يحدث. يؤكد مستوى أسعار أسهم الشركات المنتجة للنفط مقارنة بأسعار الشركات المنتجة للطاقات البديلة على هذا التغيير الكبير في مصادر الطاقة. الأولى تنخفض والثانية ترتفع.
تراجع الاقتصاد العالمي واستمرار الفوائد منخفضة الى حدود الصفر سمح للشركات المنتجة بالاقتراض لتطوير الطاقات البديلة. ينتقل العالم بسرعة من الطاقات الملوثة الى الأخرى النظيفة، أي يطور البنية التحتية الخضراء كما لم يحصل سابقا. استمرار الفوائد منخفضة كما ضخ النقد والمال من قبل الدولة لتخفيف الأوجاع سمحا للمواطن أيضا بالاقتراض لتوسيع المنزل أو للانتقال الى منازل أكبر لأن العمل من المنزل أصبح النظام المعتمد. هذا رفع أسعار المنازل في عز زمن الكورونا.
يتنبه العالم أكثر فأكثر الى محاربة التلوث البيئي الآتي من مصادر مختلفة. أصبح العالم واعياً للضرر الذي يحدثه تلوث البيئة على الصحة والنمو بل على نوعية الحياة. لم يأتِ التلوث فقط من الصناعات المختلفة، بل أتى أيضا من اهمال المواطنين في استهلاكهم. أتى من عدم اهتمامهم بكميات ونوعيات وفرز النفايات التي تصدر عنهم مما يؤثر سلبا على النظافة البيئية ويلوث ركائز الحياة من هواء وماء وأرض. يعي العالم اليوم أنه لا يمكن الاستمرار بتلويث البيئة وبالتالي يجب معالجة الأسباب والمصادر بطريقة جدية ومستدامة.
في حملته الانتخابية، وعد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بانفاق ألفي مليار دولار على تنظيف البيئة الأميركية، أي عمليا العودة الى اتفاقية باريس للمناخ التي أخرجها منها الرئيس ترامب. ستنفق الوحدة الأوروبية 30% من برنامجها الانقاذي المقدر بـ880 مليار دولار على المناخ والسياسات الكفيلة بالتنظيف البيئي. الحقيقة أنه لا رجوع الى الوراء فيما يخص البيئة بالرغم من الانتكاسات الزمنية القليلة المحدودة. هنالك نوع من الاجماع العالمي على أن القرن الواحد والعشرين سيكون أنظف بيئيا وأفضل لصحة الانسان، مما ينعكس ايجابا على الاستقرارين السياسي والاقتصادي. هذا يعني ان حصة الطاقات النظيفة من المجموع العالمي سترتفع من 5% حاليا الى 25% في سنة 2035 والى 50% في سنة 2050 تبعا لوكالة الطاقة العالمية.
ستكون الدول المستوردة للنفط المستفيدة الأولى من هذا الانتقال الكبير وفي طليعتها الصين التي تلوث كثيرا لكنها مهتمة بتغيير عاداتها والتحول أكثر الى النظافة في الاستهلاك والانتاج. يقول الرئيس شي أن الصين ستتوقف عن الاساءة الى البيئة بدءاً من سنة 2060 وبالتالي لن تضيف بعدها الى حجم الكاربون العالمي.
من أهم أسباب التلوث هي نوعية الطاقة التي نستهلكها في حياتنا والتي في معظمها تصدر الغازات الفحمية المؤثرة سلبا على تنفس الانسان وحياته وعمره المرتقب. يحاول العالم الانتقال بهدؤ من الطاقة الملوثة الى الأخرى النظيفة من شمس وهواء ومياه وغيرها علما ان العالم لا يستطيع الاستغناء كليا عن أي نوع من الطاقات المستعملة حاليا بما فيها الطاقة النووية. ينجح العالم في هذا الانتقال الذي بدأ لكنه يواجه تحديات كبيرة للاستمرار والنجاح:
أولا: ارتفاع تكلفة الطاقات النظيفة البديلة وخاصة الانتاج الكهربائي والتسعيرة المطلوبة من المواطنين. حاليا يستعمل العالم أكثر فأكثر السيارات الكهربائية أو الأخرى العجينة، لكن معظم الدول النامية لا يملك الكهرباء الكافية للانتقال الكلي الى السيارات الكهربائية بالاضافة الى أن أسعارها ما زالت فوق قدرة المواطن العادي. تكلفة الانتاج الكهربائي غير المدعومة ما زالت مرتفعة مما يشير الى أن تكنولوجيا الانتاج الكهربائي ما زالت غير متطورة ومكلفة وبالتالي يحتاج العالم الى تكنولوجيات حديثة تخفض التكلفة الحقيقية.
ثانيا: هنالك دول طبقت الضريبة على الكربون لدفع المواطنين الى استعمال مصادر أخرى للطاقة أي عمليا الكهرباء النظيفة. هذه الضريبة صعبة التطبيق بالاضافة الى أن مواطني الدول النامية عاجزون عن دفع ضرائب اضافية حتى لو كانت مبررة. هنالك في نفس الوقت ضرورة للانتقال الى الطاقات النظيفة في التدفئة والنقل وخاصة في الزراعة التي هي أساس الحياة النوعية. في الاحصائيات الحديثة وفي الولايات المتحدة مثلا، نسبة الكهرباء المنتجة من الفحم تدنت من 50% في سنة 2005 الى 21% اليوم. في بريطانيا، تدنت النسبة نفسها من 30% في سنة 2014 الى 5% في سنة 2018 وهذا لا شك تقدم هائل في التكنولوجيا وحسن الاستعمال.
أخيرا تواجه الدول العربية العدو الكوروني بكافة الطرق والوسائل المتاحة. هنلك دول تنجح بفضل السياسات والقدرات المالية وأخرى تتعثر بسبب المال وعدم احترام المواطنين للتوجيهات العامة. القدرات المالية للدول العربية حتى النفطية متعثرة عموما اليوم، لكن لا يمكنها اهمال الخطر الصحي وضرورة الاقفال مع احترام القدرات المعيشية للمواطن. التحديات التي نواجهها عربيا أتت في وقت لسنا فيه أقوياء وبالتالي ترشيد استعمال القدرات المالية والانسانية والطبية وغيرها هو في أقصى درجات الأهمية.
د. لويس حبيقة.