أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

معلومات كارثيّة برسم المودعين

 

حملت مسودّة “مشروع القانون المتعلّق بمعالجة أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها”، علامات استفهام كثيرة.

ويطرح مشروع القانون إشكاليات عدّة تتعلّق بإعادة الهيكلة وصولاً الى التصفية فأموال المودعين وغيرها، وفي هذا الإطار يؤكّد الخبير الاقتصادي أنطوان فرح للكلمة أونلاين، أنّ لاشكّ في أنّ خطّة الحكومة الجديدة لإعادة الانتظام إلى متابعة قراءة معلومات كارثيّة برسم المودعين

إندماج المصارف… حلّ للأزمة الماليّة في لبنان؟

يتخبّط لبنان في أزمة اقتصاديّة-ماليّة احتدّت في العام ٢٠١٩، إلّا أنّ تاريخها يمتدّ إلى مرحلة أسبق، لا سيّما تلك الحقبة التي عرفت صراعًا داخليًّا وإقليميًّا على الأرض اللبنانيّة، خرج منها البلد منهكًا على الرغم من محاولات انعاشه اقتصاديًّا منذ متابعة قراءة إندماج المصارف… حلّ للأزمة الماليّة في لبنان؟

التعميم 166 ماذا يعطي… وماذا يأخذ؟

لا يختلف اثنان على أنّ التعميم 166 لا يحلّ أزمة، ولا يصلُح حتى ليكون ممراً الى بدء المعالجة. وهو يندرج في اطار استمرار سياسة شراء الوقت، وعلى طريقة بدل من ضائع، بانتظار ان تحسم «الدولة» صاحبة القرار الاول والأخير أمرها، وتمسك بزمام المبادرة، وتعلن عن خطتها للانقاذ، بدلاً من هذه الفوضى القائمة اليوم.

يُدرك حاكم متابعة قراءة التعميم 166 ماذا يعطي… وماذا يأخذ؟

أزمة صامتة بين مصرف لبنان والدولة

ما أظهرته الموازنة، يتجاوز مسألة السجالات التي دارت تحت قبّة البرلمان بين النواب أنفسهم من جهة، وبين النواب والحكومة، من جهة ثانية. إذ أثبتت «الدولة» مجدداً، بشقيها التنفيذي والتشريعي، انّها أعجز من أن تتخذ أي قرار على طريق الخروج من الانهيار، و متابعة قراءة أزمة صامتة بين مصرف لبنان والدولة

في غياب أي مبادرة حكومية: مصير الودائع بيد المودعين

من الواضح أنّه لا يمكن إنجاز أي إصلاح بمبادرة حكومية. والعقبة مصدرها الحكومة وموقف صندوق النقد، لإصرارهما على شطب الودائع الدولارية، وتحويل جزء منها الى أسهم مصرفية، وإلى ودائع بالليرة بسعر مخفّض أقل من سعر السوق الموازي (صندوق النقد، مشاورات المادة الرابعة- حزيران 2023- المادة 17). أي انّ طرح الصندوق لا يقدّم أي حماية للمودع بخاصة لكبار المودعين. خبرة الصندوق تقتصر في معظم الحالات على حلّ أزمات الديون الثنائية والمتعددة الأطراف من خلال نادي باريس، وليس من المستغرب إصدار طروحات غير واقعية لحل الديون السيادية اللبنانية بيد القطاع الخاص.

فهل يتصور أي من الداعين لشطب الودائع ما سيكون مصير المواطن اللبناني؟ انّ الممارسة الحالية كحسم الوديعة بالدولار بنسبة 80% او 85% هي أفضل بكثير من طرح الحكومة، طرح صندوق النقد، والطروحات الأخرى الداعية لشطب الودائع.
انّ الحل المقترح من قِبل الصندوق بإلغاء الودائع الدولارية الخاصة لم يُطبّق في اي دولة من العالم سابقاً، مع العلم انّ المودع هو الضحية. كما اعترض عدد من أعضاء المجلس التنفيذي لصندوق النقد في اجتماعه الأخير بشأن لبنان في حزيران 2023، على مدى الإجحاف الملحق بحق المودعين لتحميلهم معظم تكلفة الأزمة المزعومة. يجب ان تتراجع عنه الحكومة وكل من يُروّج لهكذا حل تحت شعار انّه الوحيد وسُيعوّض عن الودائع من خلال صناديق او اصدار تعهدات او شهادات وهمية لاسترداد الودائع (على سبيل المثال: اقتراح دراسة ريكاردو هوسمان وزملائه في مركز التنمية الدولي لجامعة هارفارد، استبدال الودائع بشهادات حكومية ليس لها أي قيمة فعلية، او اقتراحات اخرى من محللين لبنانيين بإستبدال الودائع بسندات اجنبية مخصومة، تستحق بعد 30 سنة ببضعة مليارات بكوبون صفر قيمتها الحالية توازي فقط 6% من الودائع من دون معرفة مصدر التمويل). فهي طروحات غير مجدية على الإطلاق.

بند العمل الجماعي
لا يمكن التوصل إلى حل لديون المصارف للمودعين وحَمَلة الأسهم والسندات (أجانب ومواطنين) من دون الاتفاق مع المودعين والمستثمرين حسب بند العمل الجماعي المتبع في الممارسات الدولية (القانون الأميركي لليوروبوند والبريطاني المماثل). فكما اقترح صندوق النقد إعادة هيكلة الدين الخارجي بمشاركة الدائنين الاجانب، يتوجب إشراك الدائنين اللبنانيين (حملة اليوروبوند او السندات والودائع) على المبدأ ذاته، لاحترام مبدأ المساواة في المعاملة.
يجب الاستناد حسب الممارسات الدولية الى بند العمل الجماعي في حالة الدين بالعملات الأجنبية (اليوروبوند والودائع) لمعالجة الديون السيادية في حوزة القطاع الخاص الأجنبي والوطني. ويسري تطبيقه حسب الاتفاق مع أكثرية الدائنين (75%) على أساس الحجم وليس العدد لمعالجة الدين السيادي (بما فيه دين مصرف لبنان للمصارف). وقد يشمل الاتفاق إلغاء جزء من الدين، الاتفاق على فترة السماح، وعلى تكلفة خدمة الدين. بالاتفاق مع الاكثرية يتوجب قبول الأقلية بالاتفاق النهائي.
يتولّى نادي لندن معالجة الدين السيادي بحوزة القطاع الخاص، ولا يتطلّب بالضرورة مشاركة صندوق النقد، بل مشاركة الدائنين اصحاب الحق، للتوصل الى اتفاق بين الدولة المدينة والمصارف الخاصة الدائنة والمؤسسات المالية وممثلين عن المودعين. اذاً، لا يجوز للدولة اللبنانية اقتراح حل مخالف للممارسات الدولية الجيدة ومخالف للدستور(المادة 15).
انّ عدم اعتبار أهمية مشاركة المودعين والدائنين بمعالجة الودائع قد يُعَرّض الحكومة لإجراءات قانونية من قِبل المواطنين والمودعين الأجانب، ما قد يعرقل التوصل الى حل عادل في فترة وجيزة.

توصيات بنك التسويات الدولية
من الافضل اقتراح حلول تلتزم بالممارسات الدولية الجيدة لمعالجة الديون حسب توصيات بنك التسويات الدولي ايضاً. فتوصياته لا تشير إلى أفضلية اعتبار الأموال الخاصة او احتياطي المصارف كخسارة بإسلوب استنسابي يُخوّل للبنوك المركزية شطبها. بل على العكس من ذلك، برهن انّ المصارف المركزية تستطيع ان تمارس سياستها النقدية بفعالية، على الرغم من حيازتها على خسارات (النشرة 68 لبنك التسويات الدولي). لذا فهو يثني المصارف المركزية عن اعتبار الأموال الخاصة كخسارات معرّضة للشطب. وهي أهم نقاط الخلاف بين الكتل النيابية والمودعين من جانب وصندوق النقد والحكومة من الجانب الآخر.
هل يوجد بدائل عن شطب الودائع؟ بالطبع يوجد. من خلال توفير السيولة والثقة. وتشمل الاولوية الإجراءات الضرورية التالية:
*إلغاء مشروع قانون اعادة الانتظام المالي وإصلاح وضع المصارف الصادرين عن الحكومة اللذين يدعوان لإلغاء الودائع الدولارية بالكامل، ولا يخدمان اعادة انتظام القطاع المالي، وانما يؤديان الى تراجعه وانعدام الثقة فيه. يجب إعادة صياغة هذين القانونين مع الحفاظ على الودائع.
*الغاء التعميم 151 كلياً وكذلك 158 اللذين يحدّدان السحب والسعر الاستنسابي.
* تحرير سعر الصرف بالاستناد الى سوق مقاصة يتبع المزادات الدولية (وليس فقط لمعاملات التجارة الخارجية – الواردات) بإشراك جميع المؤسسات المالية في المناقصات. ولا بدّ من التذكير، انّ تثبيت سعر الصرف بأي وسيلة، كان احد اهم أسباب الأزمة. ومع تحرير سعر الصرف تنتهي ضرورة حجز أموال المصارف بالدولار كاحتياط إلزامي، مما يوفر السيولة الكافية للمصارف.
* الاستقرار في سعر الصرف واستعادة الثقة يتطلبان سياسات شفافة مع تحقيق توازن مالي ونقدي.
* جدولة الودائع المصرفية لفئات: حسابات جارية وحسابات آجلة تتناسق مع سيولة المصارف. ويُخوّل استعمال الشيكات لجميع فئات الودائع حسب اجل الحساب. ويُحدّد سعر شيكات الحسابات الآجلة حسب السوق التابع.
* جدولة الدين العام بالتنسيق مع الدائنين اللبنانيين والاجانب (بالاستناد الى التمثيل الجماعي لحلّ الاستحقاقات المالية للقطاع العام).
انّ الحل بديهي لمعالجة الوضع المالي، فيجب ان يُصَوّب الجهد نحو اعادة الثقة بالقطاع المصرفي، ومنها التخلّي عن طروحات شطب الودائع. وعندما تتوفر السيولة والثقة من خلال تحرير الأسواق وتحقيق التوازن المالي، سيعود العمل المصرفي الى وضعه السليم. فمعالجة الديون لا تُمارس حسب رغبة السلطة الاستنسابية فقط، بل بإشراك الدائنين (والمودعون أهمهم).

البروفيسور منير راشد

 

بديل التعميم 151، «بلومبرغ»… ورفع سعر الصرف

ثلاث قضايا على المستوى النقدي والمالي، تستأثر بالاهتمام الشعبي في هذه الفترة، الاولى تتعلق بالتعميم 151 الذي انتهى مفعوله في نهاية 2023، ولم يتمّ تجديده. الثانية تتعلّق بقرب موعد بدء عمل منصّة «بلومبرغ» وتأثير ذلك على سعر الصرف. والقضية الثالثة، اعتماد سعر منصّة صيرفة الوارد في موازنة 2024، كسعر رسمي موحّد للدولار في كل المعاملات.

منذ اندلاع أزمة الانهيار رسمياً في آذار 2020، مع إعلان الدولة اللبنانية التوقف عن دفع سندات دينها بالدولار (يوروبوند)، كان يُفترض ان تتولّى الدولة زمام الامور، وأن تباشر الإجراءات الآنية المطلوب اتخاذها في حالات من هذا النوع، لكنها لم تفعل وتقاعست، وتركت للمصرف المركزي ان يتصرّف بما يراه مناسباً. وهكذا باشر مصرف لبنان في حينه، اتخاذ الاجراءات التي اعتبر انّها ضرورية لتسيير الامور بالتي هي أحسن، بانتظار خطة الدولة للخروج من الأزمة. وجاءت معظم الإجراءات على شكل تعاميم، او حتى قرارات كانت تتبلّغها المصارف، وتعمل بموجبها.

ومن ضمن هذه التعاميم، صدر التعميم 151 لتنظيم سحب الاموال من الودائع الدولارية في المصارف. وكان الهدف المُعلن منه، تسهيل امور الناس. وللتوضيح فإنّ المركزي هو من قرّر ان يكون السحب بالليرة وليس بالدولار، وهو من حدّد سعر السحب.

اليوم، هناك نقاش في احتمال إصدار تعميم بديل. ويبدو انّ مصرف لبنان يريد ان يتمّ السحب بالدولار، وفق سقف شهري لا يتجاوز الـ150 دولاراً من كل حساب. لكن الإشكالية في هذا الموضوع، تكمن في النقاط التالية:

اولاً- أي قرار بتنظيم سحب الدولارات من دون وجود أفق لخطةٍ توضح المسار المالي، قد يعني ببساطة الاستمرار في النزف وصولاً الى مرحلة نضوب الاموال، وفقدان الامل بأية خطة لضمان حقوق المودعين، او حتى على الاقل صغار المودعين.

ثانياً- انّ تعميم السحب على كل الحسابات المصرفية، المؤهل منها وغير المؤهل، يعني ببساطة انّ كل الذين اشتروا شيكات مصرفية بـ11% من سعرها، سوف يجنون ارباحاً غير مستحقة، مقابل خسائر غير مبرّرة سيتعرّض لها المودع الذي باع الشيك. وهنا لا بدّ من الاشارة، الى انّ البعض كان ينصح في الفترة الاخيرة بشراء شيكات مصرفية، مُلمّحاً الى انّ قراراً ما سيصدُر وسيسمح لهم بتحقيق أرباح كبيرة.

ثالثاً- اصبح اي اجراءٍ ترقيعي خارج إطار الخطة الشاملة، لا يخلو من الاضرار الجانبية الجسيمة، وبالتالي، اذا لم تواكب «الدولة» الإجراءات الاستثنائية الناتجة اصلاً من استمرار غياب دورها، لن تكون النتائج ايجابية في المحصلة.

في موضوع منصّة «بلومبرغ»، لا شيء استثنائياً، ما دامت المنصّة مجرد وسيلة لتنظيم العرض والطلب. ويعمل المركزي حالياً على تجاوز العرقلة التقنية التي ارتبطت بتداعيات حرب غزة. وفي كل الأحوال، لن تكون المنصّة مسؤولة عن ارتفاع او انخفاض سعر الصرف، بل انّها قد تساهم في مزيد من الشفافية في السوق المالي، وقد تخفّف قليلاً من مخاطر الاقتصاد النقدي (cash economy).

في موضوع تغيير سعر الصرف الرسمي للدولار، واعتماد دولار منصّة صيرفة، اصبح واضحاً انّ مصرف لبنان ينتظر صدور موازنة العام 2024، لكي يتبنّى واقع تغيير وتوحيد سعر الصرف. وهذا الامر مطلوب من قِبل صندوق النقد الدولي. لكن الإشكالية هنا تكمن في زيادة الضغط المعيشي على المواطنين، بسبب ارتباط بعض الضرائب والرسوم بسعر الصرف الرسمي. بالاضافة الى ذلك، لا بدّ من اجراءات تمنع حصول ثغرات في ميزانيات الشركات والمؤسسات المالية. وهناك من يسأل عن جدوى رفع سعر الصرف في هذا التوقيت، إذا كان الاتفاق مع صندوق النقد مؤجّلاً، بما يعني انّ الخطة الاقتصادية الشاملة لن ترى النور قريباً. وبالتالي، ليس مفيداً ان تتعرّض المؤسسات لأي خلل بنيوي يعيق استمرارها.

في المحصّلة، لا تكمن المشكلة في الإجراءات التي قد يتخذها مصرف لبنان، بل في تقاعُس الدولة عن القيام بدورها. وبعد 4 سنوات على الانهيار، لم يعد ممكناً اتخاذ اجراءات مجتزأة، بل صار المطلوب صدور سلّة متكاملة تشمل كل الخطوات التي ينبغي ان تواكب الخطة الشاملة. وبعد تقرير «الفاريز» الجنائي، وبعد الدراسة الصادرة عن جامعة «هارفرد»، وبعد البيان الاخير لمصرف لبنان في شأن تبيان وضعه المالي حتى نهاية العام 2023، لم يعد متاحاً صدور اية خطة لا توضح فيها الدولة قرارها في شأن كيفية التعاطي مع ديونها ومع المستحقات المتراكمة عليها لمصرف لبنان، لأنّه في ضوء هذا القرار يمكن تحديد مصير الودائع والمودعين، ومصير الاقتصاد في السنوات المقبلة.

أنطوان فرح

شروط استدامة الدولرة الشاملة: دروس دولية مفيدة للبنان…

صحيح أنّ نظام «الربط الصارم» وتحديد منه الدولرة الشاملة هو خيار يصله البلد المعني يحصل بعد استنزاف فعالية أي نظام آخر قادر على إعادة الاستقرار النقدي، إلا أن الرهان على نجاحه يحتاج سلسلة عناصر:

• المصداقية السياسية

من الممكن أن تستفيد البلدان التي عانى فيها صناع السياسات تاريخياً من الافتقار إلى المصداقية السياسية، وخاصة في المجال النقدي، من الانضباط الذي يفرضه نظام «الربط الصارم» Hard Peg.

نظام نقدي متشدد مثل مجلس النقد أو الدولرة الشاملة يفرض قمة الانضباط للمالية العامة لأنه يمنع اللجوء الى المصرف المركزي وتغطية العجوزات المالية أو تمويل الدين العام عبر طباعة العملة الوطني… فذلك يلتزم صناع السياسات بمصداقية بالاستقرار النقدي والانضباط.

• تجربة التضخم

البلدان التي تتجه نحو الدولرة هي بمعظمها تعاني تجربة تضخّم مفرط يفقد الثقة بالعملة الوطنية.. إنّ دولاً مثل بلغاريا وغيرها اختارت إنشاء مجلس نقد كحل فيما بلدان من الاكوادور اعتمدت الدولرة الشاملة الرسمية بنجاح.

• نظام سعر الصرف الحالي

حتى لو تمكنت دولة ما من الدولرة باستخدام أي نظام لسعر الصرف، فإنّ نجاح مجالس النقد أو أسعار الصرف الثابتة بشكل موثوق تشير إلى أن البلد قد أثبت بالفعل التزامه بعملة مستقرة.

وبالتالي، تكلفة التحول الإضافية من أسعار الصرف الثابتة أو مجالس نقد نحو الدولرة الشاملة أقل من تلك التي يتم الحصول عليها من أنظمة أسعار الصرف الأكثر مرونة.

• تغطية احتياطيات القاعدة النقدية

الحد الأدنى من معايير الدولرة هو أنّ احتياطيات النقد الأجنبي للدولة التي تعتمد على الدولرة يجب أن تغطي على الأقل القاعدة النقدية (أو العملة المتداولة). ومع ذلك، فإنّ بعض البلدان التي قد تكون مرشحة جيدة للدولرة قد لا تحقق هذا الهدف، وفي هذه الحالة قد تفكر في اقتراض الاحتياطيات اللازمة من مصادر رسمية أو دائنين من القطاع الخاص.

• صلابة النظام المصرفي

إنّ وجود نظام مصرفي قوي وتنافسي وخاضع للإشراف والتنظيم الجيد هو شرط مهم لنجاح الدولرة الشاملة. إنّ التواجد الكبير للمصارف الأجنبية في اقتصاد يعتمد على الدولار يمكن أن يساعد لأنه: (أ) سوف يقلّل من مخاطر الأزمات المصرفية؛ (ب) سوف يقدم الدعم الضمني لمقرض الملاذ الأخير.

• مدى الدولرة غير الرسمية

كلما زادت الدرجة الحالية من الدولرة غير الرسمية، زادت فوائد تخفيض قيمة الصرف وزادت الفوائد المحتملة للدولرة الرسمية. وإذا تم استخدام الدولار بالفعل كوحدة حسابية ووسيلة للدفع ومخزن للقيمة، فسيتم تقليل تكاليف التحول إلى الدولرة الرسمية إلى الحد الأدنى. كما انّ دولرة الالتزامات تزيد من فوائد الدولرة الكاملة. وعلى وجه الخصوص، فإنّ البلدان غير القادرة على الاقتراض طويل الأجل بعملاتها الخاصة (بلدان «الخطيئة الأصلية» في المصطلحات الهوسمانية) من الممكن أن تستفيد أيضاً.

• القدرة على العمل كمقرض الملاذ الأخير بعد الدولرة

على الرغم من أنّ الدولة التي تعتمد على الدولار تكون بشكل عام أكثر محدودية في قدرتها على تزويد مُقرضي الملاذ الأخير بالخدمات لنظامها المصرفي، إلّا أن مثل هذه الوظيفة يمكن القيام بها حتى في سياق الدولرة.

أولاً، إذا تجاوزت احتياطيات النقد الأجنبي ما هو مطلوب لتغطية القاعدة النقدية. ثانياً، تستطيع الدولة المعتمدة على الدولار أن تعمل على بناء احتياطيات من السيولة عن طريق الاقتراض من القطاع الخاص (خطوط الائتمان الخاصة الطارئة) أو المؤسسات المالية الدولية.

ثالثاً، يمكن للتغيرات في نسَب متطلبات الاحتياطي أن توفّر المزيد من السيولة للنظام المصرفي.

رابعاً، بموجب اتفاقية تقاسم عائدات رسوم سك العملة، من الممكن استخدام القيمة المخفضة لتدفق مدفوعات رسوم سك العملة في المستقبل كضمان لخطوط الائتمان مع الدائنين من القطاع الخاص و/أو العام.

• تكلفة الإيرادات من فقدان رسوم سك العملات seigneuriage

إنّ الدولرة التي تحدث من دون تقاسم رسوم سك العملات مع الولايات المتحدة ستعني ضمناً خسارة إيرادات هذه الرسوم. وبالنسبة للبلدان حيث تمثّل هذه الرسوم جزءاً كبيراً من الإيرادات العامة، فإنّ مثل هذه الخسارة تخلّف عواقب وخيمة على الميزانية. أما إذا كان البلد أساساً جداً مدولر بأكثر من حوالى 90 % كما هي حال لبنان فهذا يعني أن خسارة سك العملة ضئيلة لأنها تقتصر على 10% من السيولة المتبقية بالعملة الوطنية.

• ملاءة البنوك المركزية في غياب تقاسم رسوم سك العملات

هناك جانب آخر لخسارة رسوم هذا السك يجب مراعاته، وهو كيفية تأثير هذه الخسارة على ملاءة البنك المركزي في الاقتصاد المدولر. القيمة الحالية لرسوم سك العملات المستقبلية هي أحد الأصول للبنوك المركزية التي لا تظهر في الميزانيات العمومية الحالية للبنوك المركزية. ومن المهم المحافظة على وظائف المصارف المركزية (مثل الإشراف/التنظيم، وتأمين الودائع، ومقرض الملاذ الأخير، وتحديد متطلبات الاحتياطي) يجب ضمانها حتى في الاقتصاد المدولر بشكل شامل.

• حالة المالية العامة

كلما انخفض عجز الموازنة وحجم الدين العام، كلما انخفض خطر فشل الدولرة. والواقع أنّ الظروف المالية غير المستدامة من الممكن أن تدفع السّاسة وصنّاع السياسات إلى عكس اتجاه الدولرة، والعودة إلى العملة الوطنية حتى يتمكنوا من استئناف الطباعة (إستعادة القدرة على الوصول إلى ضريبة التضخم). ومن الممكن أن تؤدي المشكلات المالية الخطيرة أيضًا إلى تقويض ثقة الجمهور في السلطات المالية وتؤدي إلى أزمة مالية مرتبطة بأزمة الديون الخارجية (وهي نقطة يتم تناولها بمزيد من التفصيل في القسم التالي). ويمكن أيضا أن تحد من القوة المالية.

• الدين الخارجي واحتياجات التمويل

إنّ رصيد الديون الخارجية للدولة التي تعتمد على الدولرة وخدمة ديونها الخارجية سيؤثران على نجاح الدولرة. وفي حين أنه من الممكن الحد من ظواهر مثل «التوقف المفاجئ» لتدفقات رأس المال والانتكاسات المفاجئة لتدفقاته إذا تخلى بلد ما عن عملته الوطنية، فإنّ احتمال حدوث أزمات مالية مرتبطة بالصرف المفرط لا يمكن استبعادها مع الديون الخارجية.

• القدرة على اتّباع سياسة نقدية لمواجهة التقلبات الدورية بنجاح

إنّ معيار نجاح الدولرة في المساهمة بالاستقرار يَكمن في تقييم ما إذا كانت ستقلّل من القدرة على تهدئة تقلبات الإنتاج. ولذلك فهو معيار مناسب لتقييم الفرصة (إن لم يكن مدى استعداد البلاد) للدولرة. وستعتمد هذه القدرة على عدد من العوامل: درجة الدولرة غير الرسمية للاقتصاد، ومصداقية صانعي السياسات، ودرجة ربط الأجور، ودرجة تأثير أسعار الصرف على الأسعار المحلية.

• إرتباط دورة الأعمال بدورة الأعمال الأميركية

تنخفض الحاجة إلى تعديل سعر الصرف إذا كانت الدورة الاقتصادية لبلد يعتمد على الدولار ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالدورة الاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية. وتعتمد درجة التزامن الاقتصادي بدورها على عوامل هيكلية، مثل درجة التكامل التجاري والتشابه في هيكل الإنتاج.

• التكامل التجاري مع الولايات المتحدة

إنّ أفضل مرشّح للتبادل التجاري والتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية هو البلد الذي يلجأ إلى الدولرة. إنّ المزيد من التكامل التجاري يعني ضمناً قدراً أعظم من التزامن بين الدورة الاقتصادية للاقتصاد المعتمد على الدولار مع الدولة الرئيسية. علاوة على ذلك، يرتبط التكامل التجاري عمومًا بزيادة النمو المالي ورأس المال.

• التعرّض لصدمات شروط التجارة

تؤدي القابلية للتأثر بصدمات معدلات التبادل التجاري دورًا غامضًا، فمن المُحتمل أن تكون فوائد الدولرة أكبر بالنسبة لتلك الاقتصادات الصغيرة المفتوحة التي تتقبّل الأسعار في الأسواق الدولية. ومن ناحية أخرى، قد تكون هناك حاجة إلى صدمات كبيرة لشروط التبادل التجاري (وسيتم استيعابها بنجاح) من خلال التعديل النقدي إذا كانت الدولة تتمتّع ببعض القوة السوقية عند التصدير (و/أو إذا لم يكتمل انتقال انخفاض الأسعار المحلية).

• الانفتاح على التجارة

إنّ المزيد من الانفتاح على التجارة، قياساً بنسبة الصادرات/الواردات إلى الناتج المحلي الإجمالي، من الممكن أن يؤدي (مع بعض المحاذير) إلى تعزيز حالة الدولرة لعدد من الأسباب. أولاً، الاقتصادات التي تتمتع بحصة كبيرة من التجارة الدولية هي عموماً اقتصادات صغيرة ومفتوحة وليس لديها قدرة تذكر على التأثير على شروط التبادل التجاري. ثانياً، كلما كان الاقتصاد أكثر انفتاحاً، كلما انخفض تأثير انخفاض القيمة الاسمية على الأسعار المحلية، وبالتالي انخفضت الفوائد المترتبة على انخفاض القيمة الاسمية – التعديل النقدي. ثالثاً، كلما زادت حصة القطاع المتداول، زاد التنويع.

• مرونة أسواق العمل

في غياب آلية لسعر الصرف، إنّ الصدمات الخارجية التي تتطلب تغييرا في القيمة الحقيقية للأجور و/أو تنقل العمالة بين القطاعات لن يكون لها آثار دائمة على معدل البطالة إذا كانت أسواق العمل مَرنة بما فيه الكفاية. وقد تحتاج هذه المرونة إلى أن تأخذ شكل مرونة هبوطية في الأجور الاسمية (للحَث على تخفيض الأجور الحقيقية إذا لزم الأمر).

• درجة هجرة اليد العاملة

قد تكون درجة تنقّل العمالة مهمة لأن عددًا من الدول الأميركية لديها أعداد كبيرة من العمّال المهاجرين القانونيين (وغير القانونيين) المؤقتين والدائمين الذين يمكنهم التنقل بين الولايات المتحدة وبلدهم الأصلي.

إنّ انتشار مغتربين للبلد المدولر كلياً يسهم في إدخال تحويلات دولارية إليه تعزز السيولة بالعملة الصعبة.

• درجة حركة رأس المال

من الممكن أن يعوّض الحراك الدولي لرأس المال الحقيقي، جزئياً، عن الافتقار إلى قدرة اليد العاملة على الحركة عبر البلدان. ويمكن تعديل الصدمات التي تتطلب حركة العمالة عبر الحدود جزئياً من خلال تحركات رأس المال الحقيقية.

• العوامل السياسية

يتطلّب نجاح الدولرة الشاملة مستوى عالياً من الدعم الشعبي؛ مساحة واسعة ومفتوحة من النقاش المسبق والشفافية في إعلان آلية وروزنامة الانتقال التدريجي اليها.

في الواقع، يصعب أن يكون الدعم السياسي للدولرة واسع النطاق علناً نظراً لحرص القوى السياسية على إظهار خطاب السياسة النقدية والتمسّك بالعملة الوطنية. لذا، تتجّه البلدان المماثلة الى ترك السوق يفرض الدولرة شبه الشاملة بشكل غير رسمي ويصبح الإقرار بها نوعاً من مواكبة مطلب شعبي لتسهيل التعامل في الاقتصاد…

يبقى القول، انّ نظام «الربط الصارم» إنْ كان عبر «مجلس نقد» أو «دولرة شاملة» يصبح أحياناً ضرورة ملحّة للاستقرار النقدي، إلا انه ليس عصا سحريا بل انّ نجاحه يتطلّب سلة شروط إصلاحية مواكبة مثلما سبق ذكره. في لبنان، اختيار نظام سعر صرف جديد باتَ حاجة ملحّة كما أنّ الاستعداد الى مواكبته بالاصلاحات الضرورية التي من شأنها السماح بنجاحه وفعاليته أمر أكثر إلحاحاً…

د. سهام رزق الله

إبقاء تصنيف لبنان على C مع نظرة مستقرَّة

أعلنت وكالة «موديز» الدولية للتصنيف الإئتماني، مؤخراً، إبقاء تصنيف لبنان عند C، لكنها عدّلت نظرتها المستقبلية إلى «مستقرّة» من «لا نظرة» سابقاً. علماً أنها تحدّثت أيضاً عن مخاطر عدم تنفيذ الإصلاحات، والفراغات الدستورية الداخلية، والمخاطر الأمنية في المنطقة، وخطورة امتداد الأزمة على المدى الطويل.

نذكّر أن التصنيف الدولي للبنان ولأي بلد، مهم جداً، لاستقطاب الإستثمارات، وحماية المستثمرين، وخصوصاً لإعادة الثقة المنخفضة والمعدومة. نذكّر بأسف، أن التصنيف اللبناني كان قد وصل في سنواتنا الذهبية إلى مراتب عالية، أي إلى +B، لكنه تراجع سريعاً إلى -B –B، +C، -C وصولاً إلى أدنى التصنيفات بحسب وكالة موديز وهي C.

أما وكالات التصنيف الدولية الأخرى، مثل «ستاندرد آند بوز» S&P، فقد وضعت لبنان أيضاً في أدنى المستويات في سلّم تصنيفاتها، أي SD (Default)، بعد قرار التعثّر المالي الذي كان بالحقيقة الإعلان عن الإفلاس المبطّن. أما وكالة فيتش (Fitch)، فهي أيضاً صنَّفت لبنان في أقصى ترتيبها وهو RD (Default Restricted) جرّاء «حالة التخلّف عن الدفع المقيّدة».

نذكّر بأسف، أن نقطة التحوّل المهمة في كل هذه التصنيفات، وتاريخنا الأسود الذي كان في 7 آذار 2020، كان قد ارتسم عندما أعلنت رسمياً الدولة اللبنانية ما سُمّي بالتعثّر المالي (Financial Distress) والذي هو بالحقيقة إفلاس البلاد. وهنا إنهارت الثقة نهائياً، وتدهورت أكثر فأكثر العملة الوطنية، وتحوَّلنا سريعاً إلى اقتصاد مدولر، وهُدر ما تبقّى من الإحتياط، وتلاشى الدعم الوهمي، والذي لم ير منه اللبنانون شيئاً، لا بل تبخَّر إلى ما وراء الحدود.

نذكّر أنه حينما أُعلن الإفلاس، كان لدى «المركزي» أكثر من 30 مليار دولار، فيما المتوجّبات لتلك السنة لم تتجاوز أكثر من مليار ونصف المليار. فأبقت وكالة «موديز» Moody›s تصنيف لبنان على C، لكنها حسّنت النظرة المستقبلية إلى مستقرّة جرّاء إستعادة بعض النموّ الخجول، وخصوصاً بعد موسم صيف 2023 الذي أعاد بعض الحركة والسيولة، وشبه الإستقرار. لكنّ التقرير شدّد أيضاً على أن ثمّة مخاطر كبيرة لامتداد الأزمة على المدى الطويل، من دون أي خطة إصلاحية وإنقاذية، ومن دون أي إستراتيجية ورؤية، وفي ظل الفراغات الدستورية وغياب القرارات المصيرية.

فهذه الأزمة الراهنة التي أصبحت من صلب حياة اللبنانيين والإقتصاد اللبناني، والتي طالت على المَديين القصير والمتوسط، يُمكن أن تطول على المدى الطويل، كبلاد أخرى متعثّرة مثل فنزويلا وغيرها.

كما حذّر التقرير أيضاً من مخاطر حرب غزة، ولا سيما تداعياتها على لبنان، وعلى كل القطاعات الإقتصادية، ولا سيما على القطاع السياحي، والذي كان من أهم «عوّامات» الخلاص لإقتصادنا، وأيضاً يمكن أن تجرّنا الى تضخّم مفرط وإنكماش، أي أن توصلنا إلى الركود التضخمي (Stagflation).

لسوء الحظ، إن الذين أوصلونا إلى هذا القعر، هم المسؤولون المباشرون عن تدهور كافة التصنيفات الدولية، والذين لم يرف لهم جفن، بعد هذا التدمير المالي والنقدي، الإقتصادي والإجتماعي المبرمج والممنهج، ولا نستطيع أن ننتظر منهم أيّ خطة أو حتى أي جهد أو نيّة لإعادة بناء النمو، والثقة، أو أيّ خطة لنرتفع مجدداً بهذه التصنيفات الدولية. فالتصنيفات العليا في بعض البلاد تجذب المستثمرين والمبتكرين والرياديين، أما التصنيفات الدنيا فتجذب المهرّبين والمروّجين والمبيّضين.

في المحصّلة، لا شك في أنه رغم أن النظرة الدولية للبنان مستقرة، فإن أهم ركائز إعادة النمو تبدأ بإعادة الثقة المعدومة، وأيضاً بإعادة بناء مؤسسات الدولة المهترئة. لذا إن الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي تصلنا من السياسيين جرّاء شعاراتهم الوهمية، ووعودهم الكاذبة، مفادها أن ليس هناك أي نيّة للإنقاذ، لا بل لديهم إستراتيجية لإستكمال هذا المسلسل الإفلاسي والتدهوري. أما رسائل الشعب، والرياديين والقطاع الخاص والإقتصاد فهي واضحة أيضاً، بأننا لم ولن نستسلم، ولن نترك مركبنا يغرق، لا بل سنواصل معركتنا بعزيمة ومثابرة للإنقاذ لإعادة إنماء القطاع الخاص اللبناني.

د. فؤاد زمكحل

أسعار الشيكات ترتفع بانتظار سعر سحب الدولار من المصارف

تشهد سوق الشيكات في الفترة الأخيرة تغييرات في طريقة احتسابها، إذ بعدما أقفل العام 2023 على بيع الشيك بنسبة 11.5% من قيمته الاسمية، سجلت هذه النسبة ارتفاعا هذا الاسبوع الى ما بين 14% للشراء و 15% للبيع. فلماذا هذا التغيير؟ وهل من علاقة بالتعميم 151؟ وما السقف الذي يمكن أن تبلغه؟

يخلق عدم تجديد التعميم 151 الكثير من التكهنات حول مصير دولار المصارف في المرحلة المقبلة، وقد أضيف اليها مؤخراً البيان الاخير للمصرف المركزي والذي يوحي باستئناف التحضيرات لإطلاق منصة بلومبرغ ودعوة المصارف للانضمام اليها. كل هذا يَشي بأنّ شيئاً ما يتحضّر للمرحلة المقبلة تتعلق بسعر الصرف. هذه الاجواء انعكست تبدّلاً في تسعيرة الشيكات في السوق والتي ارتفعت قيمتها مؤخرا الى 15% بما يوحي بارتفاع الطلب عليها تحضيراً للمرحلة المقبلة والتي يتوقع معها ان ترتفع قيمتها. والسؤال المطروح هل ستعود الشيكات الى قيمتها الفعلية؟ ما هو السقف الذي يمكن ان تبلغه؟ هل ستظل تجارة الشيكات قائمة؟ وهل من مصلحة للمودعين اليوم ببيع شيكاتهم؟ وهل من تداعيات اقتصادية لهذا التوجه في ظل عدم إقرار الكابيتال كونترول واي خطة تعافٍ اقتصادي؟
ما حقيقة العلاقة بين ياسمين عبد العزيز وأحمد العوضي اليوم؟

في السياق، شرح المستشار المالي ميشال قزح لـ«الجمهورية» انّ سوق الشيكات هي سوق مواز تتحكّم فيها مجموعة من الصرافين، وهؤلاء يشترون الشيكات لسببين: الاول كخطوة استباقية مراهنين على ان يقدم المصرف المركزي على رفع سعر الصرف من 15 الفاً الى 25 او 35 او ربما 89500 ليرة، لذا يسارعون الى الشراء مراهنين على تحقيق ارباح في المرحلة المقبلة متى ارتفع سعر الصرف. والثاني: شراء الشيكات بهدف بيعها لأفراد يستعملونها بهدف تسديد ديون مستحقة عليهم.
وكشف قزح انّ بعص المصارف عمدت الى رفع سقف السحوبات الى 5000 دولار بدل السقف الذي حدّده المركزي اي 1600 دولار، وذلك بهدف تسريع تخلّص المودعين من لولاراتها قبل ان يتغيّر سعر الدولار في المصارف. وربطَ قزح ما بين هذه الخطوة وبين ارتفاع سعر الشيك قائلاً: بمجرد رفع سقف السحوبات يرتفع سعر الشيك لأنّ هذه الخطوة تتيح تصريف كمية ليرات أكثر، لذا يُقدم بعض الافراد على شراء الشيكات ووضعها في البنوك وسحبها على 15 الفا طالما انّ سقف السحوبات ارتفع او لإبقائها وسحبها لاحقاً عندما يرتفع سعر دولار المصارف.
وتابع قزح: انّ المصارف التي أبقت على نفس سقف السحوبات اي 1600 دولار رفعت من كمية النقدي الممكن للمودع أخذها من 5 او 10 ملايين الى 24 مليون ليرة، وهي بذلك تحاول التخلص من أكبر كمية ممكنة من اللولارات لديها.

ترقب لتغير دولار المصارف
وعن حركة السوق، قال قزح: الحركة ضعيفة جدا والمودعون في حالة انتظار وترقّب لتغيّر سعر دولار المصارف، لا سيما انّ هناك توجهاً لتوحيد سعر الصرف بعد اقرار الكابيتال كونترول، على ان يخفّض تزامناً سقف السحوبات من 1600 دولار راهناً الى 270 دولاراً مع الابقاء على الحصول على نفس كمية النقدي بالليرة اللبنانية.
وردا على سؤال، قال قزح انّ سعر الشيكات يتجه نحو سعر السوق لكن استعمالها لن يعود متاحاً بعد إقرار الكابيتال كونترول، لأنه سيُتاح، بعد هذا الاقرار، سحب 24 مليونا شهريا والتي توازي 270 دولاراً، ومن شأن ذلك ان يلجم حركة الشيكات وان يجمّد الودائع القديمة، فقط ودائع الفريش ستكون قابلة للتحرك.
وتابع: في المرحلة المقبلة لن تبقى الودائع على حالها انما ستتم غربلتها والاتفاق على كيفية رَد جزء منها. ومن الطروحات المتداولة اعطاء سندات على مدة 30 عاما واحتساب الفائدة بـ5.5% (الفائدة المتداولة عالمياً) على سبيل المثال سند قيمته 100 دولار يقسّم على 30 عاماً وتُضاف اليه الفائدة الاسمية تصبح قيمته 20 دولاراً اي بهيركات نحو 80% بما يوازي الهيركات المتّبَع اليوم، لكن السلطة تحاول تمليق المودع بالمراهنة على انخفاض الفائدة العالمية بما يرفع من قيمة السند لاحقاً.

الحل بصندوق النقد
وأكد قزح ان كل حل خارج صندوق النقد ليس بحل إنما هو «ترقيع»، لافتاً الى ان صندوق النقد يقسم المودعين آخر 10 سنوات الى فئات، منهم من هرّب امواله خارج لبنان بعد الثورة في عام 2019، ومنهم من حوّل من ليرة الى دولار بعد الثورة، ومنهم من استفاد من فوائد الهندسات المالية والتي وصلت قيمتها الى 15 مليار دولار، وهناك مصارف استفادت من الهندسات بقيمة تتراوح ما بين 20 الى 30 مليار دولار. هؤلاء يجب غربلتهم والعمل وفق الرأسمال لا الفوائد الوهمية، ولاحقاً التفتيش عن حلول لرد اموالهم.

إرتفاع كبير متوقّع في اسعار الشيكات؟
مصدر مالي مواكب للوضع، استبعد ان تكون بعض المصارف لجأت الى رفع سقف السحب، لا سيما انه تم تجفيف السوق من الليرة، بحيث كانت فائدة الانتربنك ترتفع الى مستويات قياسية، بسبب حاجة المصارف الى السيولة بالليرة. وقال المصدر لـ«الجمهورية» انّ ارتفاع سعر الشيكات يرتبط حصراً بالرهان على ارتفاع سعر سحب دولار المصارف في الفترة المقبلة. ووفق السعر الجديد الذي سيتم تحديده، قد ترتفع من جديد اسعار الشيكات. واذا ما تم رفع سعر دولار المصارف الى سعر منصة صيرفة اي 89،500 ليرة، فهذا سيؤدي حتما الى ارتفاع اكبر في اسعار الشيكات، لا سيما ذات القيمة الصغيرة منها.

إيفا ابي حيدر

محطات اقتصادية لافتة شهدها الاقتصاد اللبناني في 2023

لا تشبه سنة 2023 سابقاتها من السنوات الثلاث الماضية التي عانى فيها لبنان من أسوأ أزمة اقتصادية ونقدية ومصرفية في تاريخه، فعلى الرغم من المشهد السوداوي الذي شهده في نهاية العام 2022 إلا أن العام الحالي جاء أقل وطأة على كاهل المواطنين وبخاصة العاملين في القطاع الخاص الذين ساهموا مع أموال المغتربين التي تقدر بـ 8 مليارات دولار والموسم السياحي الذي فاقت إيراداته الـ 4 مليارات دولار بنمو يقدر بنحو 0.5% كمؤشر إيجابي للاقتصاد اللبناني.

إلا أن العجز عن إقرار أي خطة حكومية للتعافي يبقى حتى الآن هو العائق الأساسي لعدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

محطات عديدة رسمت العام 2023 لربما أبرزها انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة وتسلم الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، الذي أدار السياسة المالية محافظاً على استقرار سعر الصرف وامتنع عن تمويل الدولة من أموال مصرف لبنان بالعملات الأجنبية لتغطية عجز الموازنة، هذه الموازنة التي خرجت بعجز معلن قدره 46 تريليون ليرة أو ما يقارب 500 مليون دولار ولم تقر حتى اللحظة فيما مشروع موازنة 2024 مثقل بالضرائب والرسوم ويواجه اعتراضات باللجان النيابية.

ومع عدم إيجاد أي حلول لأموال المودعين تبقى القوانين الإصلاحية كالكابيتول كونترول وإعادة هيكلة المصارف وقانون التوازن المالي معلقة بانتظار الحلول السياسية العامة في ظل فراغ رئاسي وتشريعي وحكومة تصريف أعمال غير مكتملة الصلاحيات.

أما على المستوى الاجتماعي فقد أظهرت البيانات الحديثة لإدارة الإحصاء المركزي أن مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان سجل ارتفاعاً نسبته 208% في شهر سبتمبر أيلول 2023، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، وهو ما يعود إلى ارتفاع أسعار مختلف المواد والخدمات الأساسية بحيث حل لبنان في المرتبة الثانية من بين الدول العشرة الأكثر تضرراً من تضخم الغذاء في العالم بحسب البنك الدولي.

ووفقاً لتقرير المرصد الاقتصادي للبنان فإن علامات التطبيعأو التكيف الحاصل حالياً مع الأزمة والتباطؤ في انكماش النشاط الاقتصادي لا يعني تحقيق الاستقرار كما إن تنامي الاقتصاد النقدي الذي يقدر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي هو نقطة سوداء في الاقتصاد المحلي والمطلوب خطة إصلاحية شاملة تكون بارقة أمل للعام.