أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

لان الفدرالي سيركز على محاربة التضخم… أزمة لبنان ستتضخّم!

وفقًا لتقديرات مصرف “غولدمان ساكس”، من المتوقّع أن يلجأ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي –وهو بمثابة المصرف المركزي في الولايات المتحدة- إلى رفع معدلات الفوائد خلال العام الحالي 4 مرّات، في أشهر: آذار وحزيران وأيلول وكانون الأوّل، أي بوتيرة مرّة واحدة كل ثلاثة أشهر. مع الإشارة إلى أن زيادة معدلات الفوائد خلال شهر آذار المقبل باتت الآن بحكم الأمر المؤكّد، وفقًا لجميع التحليلات والتقديرات، في ظل حاجة الاحتياطي الفيدرالي إلى استيعاب معدّلات التضخّم والغلاء الفاحش. فرفع معدلات الفوائد من شأنه أن يرفع كلفة الاستدانة ويلجم عمليّات الإقراض، كما من شأنه التشجيع على امتصاص السيولة إلى داخل النظام المالي على شكل ودائع واستثمارات العوائد الثابتة. وفي المحصّلة، سيكون بإمكان السلطة النقديّة من خلال هذه الإجراءات تقليص حجم السيولة المتداولة في السوق، وبالتالي تخفيض معدلات التضخّم.

آثار مؤلمة على الدول النامية.. ومنها لبنان
للوهلة الأولى، قد يبدو للمتابع أنّ ما نتحدّث عنه ليس سوى بعض القرارات والتطوّرات المرتبطة بالسوق المحلّي الأميركي حصرًا، والبعيدة عن التأثير على حياة المقيمين في الدول الناميّة. لكنّ السيولة التي نتحدّث عن امتصاصها ولجمها هنا، هي في واقع الأمر العملة العالميّة الأكثر انتشارًا والأكثر تأثيرًا على الأنظمة المصرفيّة والماليّة وأسواق القطع: أي الدولار الأميركي. ولهذا السبب بالتحديد، من المفترض أن يؤدّي قرار رفع الفوائد السريع خلال العام الحالي إلى انقلاب كبير في توازنات الأسواق الماليّة، وخصوصًا أسواق الدول النامية السريعة التأثّر بتدفّق التحويلات الخارجيّة إليها، والشديدة الاعتماد على هذه التحويلات لإعادة تمويل ديونها وعجوزات ميزانيّاتها العامّة وميزانها التجاري. بل وشديدة التأثّر أيضًا بأسعار الفوائد وكلفة الاقتراض على ميزانيّاتها العامّة وشركاتها الخاصّة.

في الواقع، شهد العالم انقلابًا من هذا النوع عام 2015، يوم شرعت الولايات المتحدة برفع معدلات فوائدها بشكل سريع وبقرارات متتالية، بعد أن خرجت الأسواق من تبعات الأزمة الماليّة العالميّة السابقة. يومها، قررت المصارف المركزيّة حول العالم العودة لرفع معدلات الفوائد بشكل تدريجي، والخروج من حقبة الفوائد شديدة الانخفاض التي تم اعتمادها لضخ السيولة في السوق وإنعاش الاقتصاد العالمي. وبمجرّد العودة إلى رفع الفوائد، عانت الدول النامية –ومنها لبنان على سبيل المثال- من تسارع التحويلات باتجاه الدول المتطورّة التي رفعت فوائدها، وهو ما أدّى إلى أزمات ميزان المدفوعات وأسعار صرف العملات المحليّة في العديد من الاقتصادات الناشئة. بل ويمكن القول أن ذلك التطوّر كان أحد الأسباب التي تضافرت لمراكمة أسباب الانهيار المالي في لبنان، الذي حصل بعد سنوات طويلة من عجز ميزان المدفوعات واستنزاف احتياطات المصرف المركزي.

اليوم، وبعد تحرّك الأسواق العالميّة والخروج تدريجيًّا من المحنة الاقتصاديّة التي رافقت تفشّي وباء كورونا، تستعد المصارف المركزيّة في الدول المتطوّرة لرفع معدلات فوائدها، لاستيعاب معدلات التضخّم المرتفعة التي غالبًا ما تصاحب الارتفاع السريع في معدلات النمو الاقتصادي. وهذا التطوّر، سيكون له آثار كارثيّة على الدول النامية، ومنها لبنان الذي بات يعتمد في اقتصاده على حركة الدولار النقدي، وتدفّقه إلى السوق المحليّة، عوضًا عن حركة السيولة داخل النظام المالي. ببساطة، أي ضمور في حركة النقد بالعملات الأجنبيّة وتدفّقها إلى الأسواق، نتيجة ارتفاع معدلات الفوائد، سيكون له أثر بالغ على ما تبقى من تحويلات نقديّة وافدة إلى السوق اللبنانيّة، بما فيها تلك يجنيها المغتربون العاملون في البلدان النامية.

كلفة السيولة ترتفع على الدول النامية
النتيجة البديهيّة الأولى لرفع معدلات الفوائد في الولايات المتحدة الأميركيّة، والأسواق المتطوّرة بشكل عام، ستكون هروباً للأموال باتجاه الأسواق الغربيّة بحثًا عن معدلات الفائدة السخيّة، في ظل بيئة اقتصاديّة أكثر استقرارًا وأكثر جاذبيّة للاستثمار. ونزوح الأموال بهذا الشكل، سيعني تلقائيًّا ضرب بورصات الدول النامية، وشح الدولار في أسواقها، وارتفاع العجوزات في ميزان مدفوعاتها ومن ثم الضغط على أسعار صرف عملاتها المحليّة. بل والمتوقّع في الدول التي تعتمد تثبيت سعر الصرف، كحال لبنان قبل العام 2019، أن تؤدّي هذه التطورات إلى الضغط على احتياطات العملات الصعبة المتوفّرة في المصارف المركزيّة، وزيادة الضغوط على أنظمة الدول النامية المصرفيّة بشكل عام.

ولمحاولة الحفاظ على السيولة المتوفّرة بالعملات الأجنبيّة في أنظمة الدول النامية الماليّة، سيكون على هذه الدول زيادة معدلات الفوائد لديها بشكل موازٍ، ما يعني زيادة كلفة الحصول على هذه الأموال بالنسبة إلى الأنظمة المصرفيّة. ومع رفع نسب الفوائد على الودائع، سيكون على هذه الدول زيادة نسب الفوائد على الاقتراض، ما يعني زيادة الضغوط على الدول والشركات الخاصّة المقترضة، واستنزاف ميزانيّتها لتمويل فوائد هذه القروض.

أما بالنسبة إلى الدول النامية التي تعتمد على الاقتراض المباشر من الأسواق الدوليّة، عبر بيع سندات الخزينة المتداولة في هذه الأسواق، فستكون هذه الدول مطالبة بعرض فوائد أعلى على سندات الدين التي تصدرها، بمجرّد رفع المصارف المركزيّة الغربيّة معدلات الفوائد التي تمنحها على الودائع. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يكتسب الدولار المزيد من القوّة في مقابل العملات الأخرى، مع زيادة الطلب عليه نتيجة نزوح المزيد من الرساميل باتجاه الولايات المتحدة، وهو ما سيفاقم من تدهور عملات الدول التي لا تمتلك قاعدة إنتاجيّة صلبة تسمح بالحفاظ على تدفقات العملة الأجنبيّة إليها.

لكل هذه الأسباب، طالب صندوق النقد الدولي الاقتصادات الناشئة بالاستعداد لفترات من الاضطراب الاقتصادي، لمواجهة المتاعب الماليّة التي ستنتج عن بدء معدلات الفوائد بالارتفاع عالميًّا، بمجرّد اتخاذ الاحتياطي الفيدراليّة قرار زيادة معدلات الفوائد في الولايات المتحدة.

لبنان في عين العاصفة
بمجرّد اعتماد المصارف المركزيّة في الغرب سياسات نقديّة انكماشيّة، ولجوئها إلى رفع الفوائد لامتصاص المعروض من النقد في الأسواق العالميّة، ستصبح شروط الحصول على قروض صندوق النقد وبكميات وازنة أصعب وأكثر قسوة على الدول النامية، ومنها لبنان، وخصوصًا مع تقلّص كميات السيولة الموجودة والمخصصة لهذه الغايات. بل ومع ارتفاع معدلات الفوائد عالميًّا، سيكون من المتوقّع أن ترتفع نسبة الفوائد على قروض الصندوق التي يستهدف لبنان الحصول عليها في المستقبل. وإذا كانت الدولة اللبنانيّة تطمح للحصول على رزم أخرى من القروض والمساعدات من دول أخرى، كرزم قروض مؤتمر سيدر، بعد الدخول في برنامج قرض مع الصندوق، فسيكون الحصول على هذه القروض والمساعدات مسألة أصعب في حال لجوء الدول المانحة لهذه القروض إلى سياسات نقديّة انكماشيّة قاسية.

لكن أهم ما سيواجه لبنان، هو تراجع قيمة التدفقات الماليّة السائلة المتجهة إليه، والتي يستفيد منها سوقه المحلّي لتمويل حاجاته بالدولار النقدي. فشحّ السيولة الذي تواجهه السوق المحليّة اليوم، سيترافق مع تراجع المعروض النقدي على مستوى الدول النامية بشكل عام، بل وفي جميع الأسواق العالميّة، بما فيها تلك التي يعمل فيها مغتربون لبنانيون كأفريقيا ودول الخليج العربي. وهكذا، ستُضيف هذه العوامل المزيد من الضغوط على الوضع المالي المتأزّم أساسًا في لبنان، وهو ما سيؤثّر حكمًا على قيمة الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي في السوق الموازية.

علي نور الدين

تعليقات من دون صدى

بعد توضيح حجم الإنفاق غير المجدي سوى لمن توسّطوا لإقراره، أصبحت التعليقات غير ذات نتيجة لأن قضايا الهدر كبيرة الحجم ومتعدّدة الهدف. فهنالك التلزيمات التي تمّت دون الالتزام بشروط القانون، وهنالك التوظيفات التي أقرّت دون دراسة حاجات الوزارة المعنيّة، ومن أهم هذه عددياً تعيينات وزارة الاتصالات في شركتي الخليوي التي بقيت قراراتها في أيدي الوزراء المعنيّين رغماً عن تلزيم الدولة تشغيل الشركتين بعد استرداد الامتيازات مقابل مبلغ ملحوظ للشركتين اللتين تقبّلتا حق الوزراء في التعيينات لأن الحصيلة المترتبة على الشركات للدولة كانت تُحتسب على أساس الدخل القائم محسوماً منه أكلاف التشغيل، ومن هذه وأكبرها أجور الموظفين، فلا عجب أن دخل شركتي الخليوي انخفض 280 مليون دولار سنوياً منذ أن تسلّم شؤونها الوزير نقولا الصحناوي الذي استأجر مبنى لسنتين لحاجات إنجاز الخدمات، من دون أن يزور المبنى أيّ موظف لكن الوزارة سدّدت أكلاف استئجار المبنى على سنتين 15 مليون دولار.

حينما تدار شؤون الخدمات العامة على هذا الشكل لا تعود هنالك حاجة للتدقيق بل حاجة لإعادة تنظيم عمل مختلف الوزارات.

 

لقد شهدنا بتقدير كبير خطوات وزير التربية للحصول على معونات دولية لتعزيز معاشات وكلفة انتقال المدرّسين في المدارس الرسمية، وشهدنا كذلك وزير الصحة الذي تميّز أصلاً في تأمين خدمات الاستشفاء من الكورونا في مستشفى رفيق الحريري حيث استطاع حيازة معونة فرنسية بتأمين 540 ألف لقاح فايزر وأدوية لحالات الأمراض المزمنة ومعالجة السرطان، وكل من الوزيرين يستحق التقدير، كما نائب رئيس مجلس الوزراء الذي مثل صندوق النقد الدولي في #لبنان لعدد من السنوات أفاد ولا يزال يفيد مجلس الوزراء بتوضيح ضرورات تطوير الإدارة وشروط عملها إن كان للبنان أن يتوصّل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وأيّ اتفاق يستوجب على الأقل 6 أشهر ولن يُنجز قبل حزيران المقبل، ولبنان وأهله يواجهون مشكلات التضخم والحاجات الملحّة ولا يستطيعون تأمين حاجات أولادهم للدراسة سواء في لبنان أو خارجه.

الحقيقة الواضحة أن لبنان استفاد ولا يزال من المعونات المتوافرة للجيش وثقة المساعدين للجيش اللبناني، سواء الولايات المتحدة، أو بريطانيا، أو فرنسا وإيطاليا، ويضاف الى المعونات المباشرة نفقات القوات الدولية التي تتولى الإشراف على سيادة الهدوء على الحدود الجنوبية، ولا شك في أن نفقات أفراد القوات الدولية تضيف الى توافر النقد الأجنبي ما يساوي أو يزيد على 500 مليون دولار سنوياً، وهذا الإنفاق يعزز حاجات لبنان الجارية للنقد الأجنبي بما يوازي نسبة 5% من الحاجات إضافة الى 2-3 في المئة تتوافر للجيش.

إن الكلام والكتابة عن الدعم الذي يمكن أن يتوافر من اللبنانيين المهاجرين نهائياً من لبنان أو مؤقتاً لحيازة مردود على خدماتهم في العالم العربي وأفريقيا لم يتجاوز 7 مليارات دولار في السنة خلال السنوات الأربع المنقضية، وحاجات لبنان لتغطية العجز تفوق هذه التحويلات حتى بعد زيادتها بنسبة 10% سنوياً من المهجرين قسراً بسبب قصور الحكم وخططه، وهنا نتحدّث عن عجز حكومة دياب على تأمين أيّ ثقة، ومن بعده تعجيز الرئيس عون لسعد الحريري عن تشكيل حكومة قادرة، والانتهاء بحكومة يمكن وصفها بأنها مجمّدة حتى إشعار آخر قبل استيلادها لمشروع مقبول إنمائياً.

العلة الأساس على صعيد الاقتصاد لهذا العهد تعود الى معايشته ظروف التهرّب من تحصيل الضرائب على كافة المستوردات بل أيضاً ومنذ عام 2013 الى مساندة العهد لعقود استيراد مشتقات النفط دون التحقق من استهلاكها في لبنان خاصة أن تمويل استيرادها كان يتم من بنوك لبنانية كان أحدها يفاخر بحجم قروضه لتغطية استيراد مشتقات النفط وأحد كبار مساهميه من المسؤولين السوريين الأقرباء للرئيس السوري، وقد تجلى هذا الأمر في مضاعفة أكلاف استيراد مشتقات الطاقة ما بين 2013 و2014، رغم عدم تعدّل أسعار النفط في السنتين المذكورتين بصورة جذرية.

لبنان الفاقد للقدرة على التحكم بأكلاف مستوردات حيوية تتسرّب منها نسبة 30-40% الى سوريا من دون مقابل، كيف له أن تستقيم أموره الاقتصادية وأن يستقطب تدفق المعونات والاستثمارات.

سياسات العهد وممارساته المستمرّة في تجميد آليّات الحكم وحصر إمكانات الحصول على مساعدات حيوية تسهم كل يوم بتعميق أبعاد الأزمة وتوسّع نطاقها، ولن يستقيم الوضع إلا بعد إجراء انتخابات يؤمل أن تكون نزيهة ونجاح 30-40 في المئة من النواب الجدد في تعديل سياسات الحكم وتوجّهاته.

لقد أسمعنا الزوار من مختلف الهيئات العالمية سواء #الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، صندوق النقد الدولي، وصندوق النقد الأوروبي، والصندوق الأوروبي للإنماء، وكل من فرنسا وألمانيا كلمات قاسية عن تصرّف المسؤولين في لبنان.

وقد قرأنا أخيراً عن ملاحقة الانتربول لوزيرة سابقة، وإن من يزور فرنسا وله اتصالات بالمسؤولين يعلم علم اليقين بأن لدى السلطات الفرنسية معلومات مؤكدة عن حسابات مسؤولين لبنانيين تولّوا إدارة شؤون وزارات… يمكن تصنيفها بأنها وزارات مجزية – لنسبة العمولات التي توافرت للقيّمين على العقود والقرارات السابقة.

بالمقابل، كل ما لدى العهد مشروع إلغاء ديون الدولة وتأسيس 5 مصارف تعمل دون غيرها، وإقناع المواطنين بأن هذه المنهجية هي للإنقاذ، والواقع هي منهجية انتحار للشعب اللبناني اقتصادياً وذلك لحساب من أهدروا ما كان متوافراً من أموال لدى لبنان، ولا يمكن تحميل المودعين ذنوب النواب والوزراء وبعض المديرين العامّين.

ما حدث في لبنان يتجاوز روايات الاحتيال سواء لمادوف الذي يقضي بقيّة حياته في السجن والذي انتحر ابنه بسبب خجله من سرقة المواطنين ومنهم لبنانيون مبلغاً شارف على 60 مليار دولار.

مروان اسكندر

هل سيتم تسييل الذهب في توزيع الخسائر؟

يُفترض ان يصل الى بيروت في الاسبوع المقبل وفد الصندوق الدولي للإطلاع ميدانياً على ما تحقق من تقدّم في عملية التمهيد، تحضيراً لعقد اتفاق إطار يُمهّد لاتفاقية تنفيذية ضمن برنامج تمويل لخطة التعافي الاقتصادي والمالي. هل ما سيُعرض على الوفد سيكون مُقنعاً لإعطاء دفعٍ للمفاوضات، من شأنه تسريع مسار الوصول الى الاتفاق المنشود؟

في العلن، لم تنجز اللجنة اللبنانية المكلّفة إعداد الأرضية التمهيدية لعقد اتفاق تمويل مع صندوق النقد، سوى التوافق الداخلي على تقدير حجم الخسائر، او ما اتُفق على تسميته الفجوة المالية. وللتوضيح، هذه الفجوة قائمة بشكل اساسي في حسابات مصرف لبنان، وقد تمّ تقديرها بـ69 مليار دولار، ومعظمها بمثابة مطلوبات (liabilities) للمصارف التجارية على المركزي.

 

لكن الاتفاق على رقم الخسائر، لا يعني حصول تقدّمٍ فعلي في عملية تمهيد الارض للاتفاق مع الصندوق، اذ هناك حاجة للامور التالية:

 

اولاً- موافقة الصندوق على رقم الخسائر.

ثانياً- الاتفاق على كيفية توزيع الخسائر، أي تحديد المبلغ الذي سيتحمّله كل طرف لسدّ الفجوة.

 

ثالثاً- تقديم خطة اقتصادية شاملة مع برنامج زمني تنفيذي.

رابعاً- إقرار موازنة عامة متوازنة، لا عجز فيها، وقابلة للاستمرارية (sustainable) على مدى السنوات التي سيتمّ خلالها تنفيذ الخطة المُتفق عليها. والمدة هنا، قد تتراوح بين 3 و6 سنوات. مع الإشارة الى انّ الصندوق يشترط ان تتضمّن الموازنة بنوداً إنفاقية بنسبة جيدة على الحماية الاجتماعية، لمساعدة الطبقات المهمّشة على الصمود في ظلّ الإجراءات الموجعة المطلوب تنفيذها.

 

خامساً- إقرار، والبدء في تنفيذ اصلاحات هيكلية اساسية، على ان يتمّ وضع برنامج زمني لتنفيذ بقية الإصلاحات المطلوبة خلال تنفيذ الخطة.

سادساً- تقديم ضمانات في شأن قدرة الحكومة على الاجتماع وانجاز خطة تحظى بموافقة المجلس النيابي، الذي يمتلك حق مناقشة وتغيير اي خطة تُنجزها الحكومة.

 

هل تعني كل هذه المتطلبات انّ مسألة الاتفاق مع صندوق النقد لا تزال بعيدة، وانّ زيارة وفد الصندوق ستكون مُخيّبة للآمال، وستعطي اشارة سلبية الى كل من يعتقد انّ البلد بات قريباً من بدء مسيرة الخروج من النفق؟

 

في الواقع، كل بند من البنود المطلوبة يحتاج الى جهد كبير لكي يتمّ تنفيذه. ولكن، وقبل الولوج الى الشروط والمتطلبات المتنوعة، لا بدّ من التوقّف عند البند الوحيد الذي تدّعي الحكومة إنجازه، أي الاتفاق على رقم الخسائر، لطرح تساؤلات تتعلق بهذا الملف الذي تسبّب سابقاً في عرقلة انطلاقة خطة التعافي في عهد حكومة حسان دياب.

 

في المداولات التي تتسرّب عن هذا التوافق، انّه تمّ احتساب قيمة الاحتياطي من الذهب لتحديد حجم الفجوة. هذا الامر مشروع ومنطقي، لكن المشكلة هنا، انّ الذهب الذي يُعتبر حالياً مصدر آمان معنوي لقدرة البلد على النهوض لاحقاً، يصعب التوافق على تسييله. وبالتالي، إذا كان الاتجاه نحو الإبقاء على هذه الثروة كنقطة قوة معنوية، تساهم في تعزيز الثقة بقدرة القطاع المالي ومصرف لبنان، على استعادة دورهما الطبيعي ضمن خطة الإنقاذ، فهذا يعني عملياً انّ النقص في السيولة ليس 69 مليار دولار، بل ينبغي اضافة قيمة الذهب (حوالى 15 مليار دولار) الى المبلغ، لتصبح الفجوة المطلوب معالجتها حوالى 84 مليار دولار. إلاّ اذا كان التوجّه يقضي بتسييل الذهب، وهذا الامر ليس بالقرار الذي يمكن تنفيذه حتى الآن. وبالتالي، قد يكون الاتجاه نحو تقديم الذهب كضمانة (نوع من انواع الرهن)، لإنجاز حسابات سدّ الفجوة بالسيولة اللازمة. مع الإشارة هنا، الى انّ مطلوبات المصارف لدى المركزي قد لا تقلّ لوحدها عن 70 مليار دولار. فكيف سيتمّ تسديد هذه المطلوبات، وما هي نسبة الاقتطاع التي قد تُعتمد على هذه المطلوبات، التي تشكّل في الأساس القسم الأكبر من الودائع في المصارف؟

 

أما الخسائر في المصارف نفسها، والمرتبطة بالديون المشكوك في تحصيلها، او الديون الهالكة، فقد تتمّ معالجتها بإسلوب إنشاء ما يُعرف بالـbad bank، لإدارة محفظة هذه القروض وبيع باقات الـNPEs.

 

من خلال عرض معضلة الخسائر، يمكن الاستنتاج انّ مسألة التقدّم في مسار الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد لتنفيذ خطة للتعافي لا تزال في بدايتها، وهناك مسار طويل مليء بالعقبات التي تحتاج الى قرارات سياسية واضحة وجريئة لتجاوزها. وحتى الآن، لا بوادر على انّ هذه القرارات يسهل اتخاذها. لكن، وقبل الغوص في عمق هذه المعضلة، لننتظر لنعرف اذا ما كانت الحكومة ستجتمع فعلاً، وبعد ذلك، يمكن الانتقال للحديث عن أمور أخرى.

انطوان فرح

أعطوا لبنان فرصة…فسادكم أوصلنا الى جهنم

بعد مرور عامين على أزمة إقتصادية لا مثيل لها في العالم الحديث، وفي ظل غياب مطلق لمؤسسات الدولة، ومع إنهيار كامل لمختلف القطاعات الخدماتية، بدأت تتضح صورة الخدمات الذاتية، بالتماهي مع مجموعة من القطاعات المتفككة، يحاول من خلالها السياسيون النفاذ إلى الإنتخابات النيابية، علماً أنّهم أثبتوا فشلهم وعدم صدقيتهم في مختلف المجالات التي تعاطوا بها.

قد تكون أكاذيب المنظومة واضحة للجميع ونعرفها جيداً. وخير مثال على ذلك «الليرة بألف خير»، ومن ثم حصل إنهيار كامل للقطاع المصرفي وتراجع سعر الصرف بشكل بات يهدّد الأمن القومي ويشكّل أزمة إنسانية غير مسبوقة. وأيضاً الكهرباء 24/24، حتى وصلنا الى إنقطاع شبه دائم للكهرباء دون حسيب أو رقيب، ومع غياب غير معقول لوزير الطاقة، وكأنّ الأمر لا يعنيه. هذا الامر إذا ما حصل في دولة تحترم نفسها يستقيل الوزير حتماً. وأخيراً تحرير القدس، والذي بدا وكأنّ الدخول إلى عين الرمانة هو الممر الحتمي لتحريرالقدس، ويذكّرنا بكلام سابق لأحد المسؤولين الفلسطينيين على أنّ طريق القدس تمّر في جونيه، وما آلت إليه منظمة التحرير وإنهيارها. كلها أمور باتت واضحة للجميع. إنما يبقى الأهم هنا مسألة تدهور سعر الصرف بشكل غير مسبوق، ومع تعاميم دون جدوى للبنك المركزي، وتراجع القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من الشعب، حتى بتنا من أفقر دول العالم، حيث لا طعام ولا طبابة ولا بنى تحتية، وغيرها من مقومات العيش الكريم، لشعب طالما تغنى بمستواه العالمي والثقافي وتمايزه عن الدول العربية كلها.

 

يبقى الغريب الغريب في الأمر، غياب الإتحاد العمالي العام عن السمع، وكأنّها أمور لا تعنيه، علماً أنّه في دول أخرى مثل فرنسا إستطاعت «السترات الصفر» تغيير مجرى الأمور، وأجبرت الحكومة على تغيير خط تعاطيها مع مواضيع عدّة. كلها أمور تصل بالواقع الى جهنم الذي وعدونا به، ويبدو أنّ لا طريق للخلاص من هذه المنظومة الفاسدة ومافياتها سوى عبر حلٍ دولي يشترط من خلاله اللاعبون الخارجون على ما سُمّي بالمسؤولين، إجراء إصلاحات مشروطة بمساعدات، كي لا يتراجع الوضع أكثر وأكثر، لا سيما الوضع الأمني، والذي قد ينهار جراء تفاقم الوضعية الإنسانية لشريحة كبيرة من الشعب. هذا مع العلم أنّ الحكومة غائبة عن السمع ولا تجتمع مطلقاً، كون بعضهم خلط الأوراق السياسية بالقضائية، وكأنّ جريمة العصر لم تحدث. وتبدو المحادثات مع صندوق النقد الدولي بطيئة، وقد ندفع ثمنها سنوات من التقشف أكثر مما نعيشه ولبضع سنوات أخرى. وقد تنبأ «غولدمن ساكس» باقتطاع 80 بالمائة من الودائع، ويبدو انّ تعاميم البنك المركزي المتلاحقة تحقق هذه النبوءة، إذ يعطيك البنك الدولار بـ 8000 ل.ل مقابل دولار السوق السوداء بـ28000 ليرة. يقتطع من حسابك 100 دولار وتصرفها بحوالى 30 دولاراً كي تؤمّن مصاريف حياتك اليومية. وما من تعافٍ للقطاع المصرفي إلاّ بإعادة هيكلة كاملة وإقفال المصارف التي لا تمتثل للمعايير الدولية ولا تؤمّن خدمات مصرفية بالمعنى الحقيقي.

 

وعلى ما يبدو، الدولة بعيدة كل البعد عن هذه الإجراءات الملحّة، وتحاول الإلتفاف عليها لتبرير سرقة 100 مليار دولار، والتي هي نسبة المديونية، علماً أنّ لا طرقات ولا بنى تحتية ولا معامل كهرباء ولا خطط إنمائية ولا شبكة أمان صحية، مما يجعل المؤسسات الدولية تعترف وبالعلن، أنّ وضعية البلد نادراً ما يوجد مثلها. وللذين يقولون إنّ «ماكنزي» وخطته الإقتصادية كانت ستكون صالحة، نقول، انّه كان يمكن اعتبار الخطة جيدة في ظروف مختلفة، لكن وضعية لبنان اليوم تستوجب خبرات مخضرمين بالسياسات الإقتصادية، لأنّ البلد أصبح في وضعية لا تحتمل.

 

ومن دون أجندة إقتصادية تساعد في الخروج من الهوة التي أنزلونا فيها، تبدو الأمور في وضعية صعبة جداً. وللذين يراقبون ما يحدث في لبنان يعلمون علم اليقين، أنّ الطبقة السياسية تقاسمت الغنائم منذ العام 1990 ولا تزال، وتذرّعت بحقوق الطوائف، وأوجدت مجالس هي عبارة عن مؤسسات لا توحي إلّا بالفساد والرشوة والمحسوبية، وخير دليل على ذلك، مجلس الإنماء والإعمار ومجلس الجنوب ووزارة المهجرين، علماً أنّ وزارة الطاقة وحدها تستنفد ما يزيد على ملياري دولار سنوياً بشكل تراكمي، حتى شكّلت ثلث الدين العام بالتحديد.

 

لذلك، قد يكون من الملّح أولاً بأول تجاوب المؤسسات الدولية في هذه الفترة الصعبة للتخفيف من معاناة السكان، والضرر الناجم عن تخلّي الدولة عن أبسط واجباتها، وإقناعهم بإستعدادنا للعمل وبخطوات سريعة من أجل تحقيق الإصلاحات المنشودة.

 

وفي غياب عجيب لمنطق الدولة، أقل ما يُقال فيها إنّها غير مسؤولة فاسدة أكلتها المحسوبية والطائفية والرشوات، يبقى أن نقول لهم «أعطوا لبنان فرصة» كي يرتاح من فسادكم ومحسوبياتكم، ونستطيع أن نعيش لفترة في منأى عنكم. وطالما أنتم في الحكم، لا خير في هذا البلد.​

 

 

بروفسور غريتا صعب

لا اتفاق مع الصندوق بلا كابيتال كونترول

من المفترض ان تكون الحكومة منشغلة في تهيئة الارضية لعقد برنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي، في حين انّها أشبه بوضعية تصريف أعمال، وسط شلل يصيب انعقاد جلساتها، خصوصاً انّها بعثت برسالة إلى الصندوق عبّرت فيها عن اهتمامها بوضع برنامج تمويل معه.

الاجتماعات مع وفد الصندوق والجهات الدولية كافة والخطط التي تضعها الحكومة في الكواليس، ولا تعلن عنها، حول نظرتها للخروج من الأزمة، لا يمكن ان تتبلور في حال بقي الجمود السياسي على حاله، وفي حال عدم تطبيق الحدّ الأدنى من الإصلاحات المطلوبة للحصول على التمويل، إن عبر الادارات الرسمية او عبر المنظمات غير الحكومية، أوّلها قانون الكابيتال كونترول الذي لم يبصر النور لغاية اليوم، والذي استوجب نصّ مسودات واقتراحات عديدة للقانون، لم يفلح المسؤولون في الاتفاق على واحدة منها منذ اندلاع الأزمة في 2019. هذا العقم أدّى الى تعميق المشكلة، وخروج مليارات الدولارات من البلاد، ساهمت في مفاقمة الوضع المالي والنقدي، وسرّعت في الانهيار، مما استوجب بعدها، انشاء لجان تحقيق في الاموال المهرّبة بالاضافة الى اقتراح قانون يرمي الى استرداد الأموال النقدية والمحافظ المالية المحولة الى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019 والذي ناقشته لجنة المال امس.

 

بالاضافة الى الاموال التي تمّ تحويلها الى الخارج نتيجة عدم اقرار قانون الكابيتال كونترول في الوقت المطلوب، تتعرّض المصارف لغاية اليوم، وبسبب غياب قانون الكابيتال كونترول، الى دعاوى قضائية من قِبل مودعين لبنانيين واجانب لتحرير اموالهم، آخرها قرار الغرفة التاسعة للمحكمة القضائية في باريس، والذي قضى بتسديد جميع المبالغ المودعة، بما يعادل 2.5 مليون يورو، من قِبل مواطن سوري أقام في فرنسا لمدة 45 عاماً، من قِبل بنك سرادار. وكان هذا القرار متوقعاً بسبب وجود معاهدة ثنائية لحماية الاستثمار بين فرنسا ولبنان، والتي تُلزم البنوك اللبنانية إعادة الأموال إلى الأشخاص المقيمين في فرنسا.

 

في هذا الاطار، تساءل مسؤول مالي دولي، عمّا إذا كان معظم النواب اللبنانيين على دراية بالأهداف وراء إقرار قانون الكابيتال كونترول، «لأنّهم لو يعلمون، لكانوا أصدروا قانوناً مؤقتاً بحالة الطوارئ، في تشرين الاول 2019 عندما كان مصرف لبنان يملك حوالى 30 مليار دولار من احتياطيات العملات الاجنبية». وقال لـ»الجمهورية»: «إذا لم يتمكنوا من الاتفاق على قانون لضبط رؤوس الاموال بعد ما يقرب من عامين من النقاش، هل يعتقدون أنّهم سيكونون قادرين على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذ؟».

 

اضاف: «عادة ما يتمّ تطبيق قوانين ضبط رأس المال بشكل سريع ومؤقت في بداية الأزمات الاقتصادية والمصرفية، لحماية المودعين وإدارة ظروف الاقتصاد الكلي في البلاد».

 

واعتبر انّ صياغة مثل هذا القانون للبنان في هذه المرحلة، أمر معقّد، لأنّ مصرف لبنان يفرض في الحقيقة اقتطاعاً كبيراً على الودائع ويفرض ضوابط غير رسمية على رأس المال. كما أنّ جميع التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان منذ تشرين الأول 2019 تعقّد صياغة مثل هذا القانون. «وبالتالي لا يسعنا سوى الاعتقاد انّ التأخير في صياغة مثل هذا القانون منذ العام 2019، متعمّد، لأنّه سمح للسياسيين والأفراد النافذين بتحويل الأموال إلى الخارج دون انتهاك قانون الكابيتال كونترول».

 

وختم المسؤول الدولي مؤكّداً، انّ اقرار قانون فعّال لضبط رأس المال في 2019 كان من الممكن أن يحدّ من الانهيار السريع في قيمة الليرة اللبنانية والى احتواء الهجوم الذي حصل على المصارف الى حين استعادة الثقة.

 

رنى سعرتي

إما توحيد سعر الصرف… إما الدولرة الرسمية

لا نزال نعاني يومياً تدهوراً متواصلاً وضربات موجعة ومؤلمة للعملة الوطنية، لأسباب عدة، منها نقدية وإقتصادية، داخلية، وأخرى مشبوهة وحتى إقليمية ودولية.

في مواجهة هذه الأزمة الكارثية التي تزيد الفقر والإنهيار، لا يوجد لدى المسؤولين أي خطة ولا إستراتيجية، على المدى القصير، المتوسط والبعيد. أمام هذا الإنزلاق المرعب، نشهد إصدار «خلق» تعميم تلو الآخر، لا نكاد نقرأ ونفهم الأول، ليُلحقوننا بالتالي، من دون خطة واضحة ولا رؤية لهذا الضباب الحالك السواد.

بالتوازي، نشهد تضخماً خطراً على الإقتصاد اللبناني، وعلى نحو متصاعد، في ظل تعاظم الكتلة النقدية في السوق المحلية، حيث الليرة اللبنانية تنهار يوماً بعد يوم، فيما يصعب إنقاذها بعد اليوم.

إنّ الخيارات لم تعد كثيرة لإعادة الدورة الإقتصادية. فالحل الأول، إما توحيد سعر الصرف وفق المنصة الرسمية، مع مراقبة دقيقة وضوابط، وإما الدولرة الرسمية للتعامل والتبادل النقدي.

أما الحل الثالث، فهو ترك اللبنانيين تحت رحمة السوق السوداء، والتي لا نعرف مَن هو وراءها ولا مّن يُديرها، ولا مَن يتلاعب بمصير اللبنانيين وحياتهم.

فإذا كان القرار هو التمسّك بالليرة الوطنية، فإنّه لا يُمكن أن يتحقق ذلك من دون الإتفاق الموحّد على توحيد المنصّة الرسمية، وحتى إذا كان السعر والتداول عائماً، لكن تحت مراقبة وضوابط مالية ورسمية، عوضاً عن المنصّات المدمّرة والمتفلتة والعشوائية والمشبوهة.

أما في حال عدم إتخاذ هذا القرار البديهي، فلنذهب إلى سوق مدولرة بإمتياز رسمياً، وتحويل كل المداخيل والتبادل التجاري، وجزء من الودائع إلى عملات صعبة، والتحول رسمياً إلى سوق مدولرة والتي لا هروب منها، وتصبح حقيقة يوماً بعد يوم شئنا أم أبينا.

في هذه الحال، تتحول الرواتب والأجور شيئاً فشيئاً إلى الدولار، وتُثبّت أسعار السلع الضرورية بالعملة الأجنبية، من دون تضخّم. وترجع العملة الصعبة للتداول الرسمي في جيوب اللبنانيين، وحتى في المصارف. وتُعود الدورة الإقتصادية الى العملات الصعبة، آملين في إعادة النمو لتحسين نسبة العيش.

أما في القطاع العام، فيُخلق صندوق مدعوم من البلدان المانحة والصديقة، لدفع أجور القوى العسكرية والأمنية والجيش بالعملات الصعبة، وأيضاً صندوق للقضاء والقضاة، لتوفير مداخيلهم من صناديق الدعم الدولية. أما باقي مؤسسات الدولة، فعلينا أن نُحولها إلى شركات خاصة على طريقة الـ BOT – BUILD OPERATE TRANSFER والتي تعني البناء، والتشغيل والتحويل، من قِبل شركات خاصة، والتي ستستثمر وتقدّم الخدمات المنتجة والبنّاءة للشعب اللبناني، حيث تبقى الملكية للدولة اللبنانية.

في المحصلة، هناك خيارات عدة لمواجهة الأزمة ومحاولة إعادة النمو، لكننا نتعايش مع الخيارات الأسوأ، وهي قرارات عشوائية لن نفهم أساسها ولا تطبيقها، والتي تدعم السوق السوداء وتضرب الإقتصاد أكثر فأكثر وتزيد مخاطر على اللبنانيين.

نتمنى خطة وإستراتيجية واضحة وشفافة على المدى القصير، المتوسط والبعيد، وفي حال عدم سلوك هذه الطريق، فإننا نكون في مرحلة زيادة المخاطر والإنهيار.

 

 

د. فؤاد زمكحل

ما سرّ تفاؤل بعض «الزوار» بحلّ الأزمة؟

توحي المؤشرات بأنّ مسار الدولار التصاعدي الذي شهدناه في الشهرين الأخيرين من العام 2021 قد توقف، وانّ الدولار سيُنهي السنة على سعر قريب من سعره الحالي. لكن السؤال، كيف سيكون وضع النقد في العام 2022، وهل ينبغي ان نتوقّع عاماً اسوأ، على المستويين المالي والاقتصادي؟

بدأت مفاعيل التعميم 161 تظهر بوضوح في سعر صرف الدولار في السوق السوداء. ويبدو انّ التجديد لهذا التعميم قد يستمر شهراً بعد آخر وصولًا الى موعد الانتخابات النيابية في ايار المقبل. وهناك احتمال، وفي حال الوصول الى اتفاق إطار مع صندوق النقد الدولي في نهاية شباط، كما يأمل السفير بيار دوكان، والذي نقل رغبته هذه الى المسؤولين اللبنانيين عندما التقاهم في بيروت، ان يُصار الى وقف العمل في التعميم، استناداً الى المراهنة على العوامل النفسية الإيجابية التي قد تساهم في حينه، في تخفيف الضغط على الليرة.

لكن التعميم 161، ورغم إفادة الموظفين من مفاعيله، الّا انّه قد لا يكون كافياً، وستكون هناك حاجة الى مواصلة تعزيز مداخيل موظفي القطاع العام، ومن ضمنهم العسكر، لضمان الصمود المجتمعي في المرحلة الفاصلة عن تغيير المشهد، والانتقال الى مسار التعافي بعد الانتخابات، إذا حصلت. والرهان على الانتخابات لا يعني انّ المنتظرين يتوقعون سقوط ما يُعرف بالمنظومة، بل يكفيهم سقوط الأكثرية الحالية من بين يدي «حزب الله»، وتكوين كتلة من الوجوه المستقلة القديمة والجديدة، بحيث تصبح هذه الكتلة بيضة القبان، قادرة على منح الأكثرية النيابية الى الفريق الذي تميل اليه. وبالتالي، سيطمئن المجتمع الدولي الى انّ أي اتفاق مع صندوق النقد سيُنفّذ، ولن يُعلّق ويتعرقل في مجلس النواب، بدفعٍ من قوى لا ترفض الاتفاق علناً، لكنها تعمل ضمناً على إجهاض أي برنامج يموّله الصندوق.

من هنا، يبدو المشهد في النصف الاول من 2022، شبيهاً بالمشهد الذي شهدناه في كانون الاول من 2021، اي استمرار المراوحة، واستمرار المحاولات لكبح جماح الدولار، ومنعه من التفلّت، ولو انّه سيواصل حتماً ارتفاعه التدريجي، ولو البطيء.

في المقابل، ستكون هناك استحقاقات اخرى حسّاسة الى جانب زيادة الاجور تحت مسمّيات مختلفة (مساعدات او خلاف ذلك)، تتعلق بتحسين المالية العامة للدولة. إذ انّ صندوق النقد يتوقّع إنجاز موازنة يتمّ خفض العجز فيها الى مستويات قياسية. وهذا المطلب، وهو إجراء ضروري لتمهيد الارض لخطة التعافي، يستوجب إلغاء او خفض الدعم عمّا تبقّى من سلع. وباستثناء القمح (الخبز)، سيكون مطلوباً وقف دعم الكهرباء من خلال تحسين الجباية، ورفع التعرفة، خصوصاً وفق نظام الشطور، الى مستويات تحقيق التوازن المالي في المؤسسة لتمكينها من تمويل نفسها.

كذلك سيتحتّم إلغاء ما تبقّى من دعم على البنزين. ومن المتوقّع رفع تعرفة الاتصالات والانترنت. ولن يبقى الدولار الجمركي على تسعيرة 1500 ليرة للدولار، وسيتمّ رفعه على معظم السلع الاستهلاكية.

لكن الامر الغامض في هذا المسار هو التوقيت. هل تُقدِم الحكومة على إجراءات من هذا النوع قبل الانتخابات النيابية، ام انّها ستحاول التملّص من هذه الاستحقاقات بانتظار تمرير استحقاق الانتخابات، تحاشياً لإثارة غضب الناس؟

في الاعتماد على ما يسمعه الزوار من المسؤولين، لن تحول الانتخابات دون اتخاذ اي إجراء ضروري للوصول في اسرع وقت الى خطة التعافي. صحيح انّ الاعتماد على الوعود فيه شيء من السذاجة، بناءً على كل التجارب السابقة، خصوصاً منذ مؤتمر «سيدر» حتى اليوم، لكن الصحيح ايضاً، انّ الزوار الأجانب الذين يبدون تفاؤلّا اكثر من اللبنانيين أنفسهم، يستندون في تفاؤلهم، من دون الإعلان عن ذلك، على العقوبات الجاهزة في وجه اي مسؤول سيتبيّن انّه عرقل مسيرة التقدّم نحو الإنقاذ. ويبدو انّ بعض الزوار أبلغ هذه الحقائق مباشرة الى من يعنيهم الأمر، وانّ المسؤولين يصدّقون هذه المرة انّ التهديدات ستُنفّذ، ولن تبقى مجرد تهويل. انّه الأمل الوحيد الذي قد يدعو الى التفاؤل بأنّ العام 2022، ورغم انّ الظروف المعيشية للناس لن تتحسّن، لكنه قد يكون بداية نقطة التحوّل التي ستقود الى الخروج التدريجي من الهاوية. فهل تصحّ التوقعات، وتنجح العقوبات في إنجاز ما فشلت في تحقيقه كل الإجراءات الأخرى؟

أنطوان فرح

القطاع الخاصّ دون حلّ ابتكاري والقطاع العامّ في غيبوبة

بالتأكيد إن نقولا شمّاس من رجال الاعمال المميزين بعلمهم وخبرتهم، وفي حديث تلفزيوني قبل أيام صرّح بأن ال#لبنانيين الذين توجّهوا للعمل في الخارج خاصة في دبي وأبو ظبي وأسّسوا أعمالاً تستند الى خبراتهم في لبنان إنما ينقلون #الاقتصاد اللبناني الى الخارج وبالتالي يحافظون على القدرة لاستعادة النشاط مستقبلاً في لبنان.

برغم الصداقة التي تربطني بنقولا وتقديري لدوره العام أخالفه في الاعتقاد بأننا ننقل الاقتصاد اللبناني الى الخارج، فاللبنانيون العاملون في الخارج قبل 2019 عام الإعلان عن الانتفاضة، كانوا يشكلون نسبة 30-35% من عدد القوة العاملة في لبنان.

 

هذا المقياس هو الاوفر دلالة على دور اللبنانيين، خاصة أن نسبة منهم من أصحاب الخبرات والكفاءات والقدرات على التسويق والإنتاج في مختلف بقاع العالم، والتوجه الى دول الخليج العربي كان ولا يزال بسبب التقارب في اللغة والعادات والتفاعل مع أعداد الوافدين من العالم العربي خلال سنوات الخير واستعادة صورة الحداثة في لبنان بعد أحداث 1975-1990 التي كسرت التفاهم اللبناني-اللبناني.

لبنان في وجهه الحضاري على مشارف القرن الـ21 تطوّر ليصبح المستشفى الاول للبلاد العربية، والمقصد السياحي للعرب والاوروبيين، وتطوّر العمل التلفزيوني، والنشر، والتوثيق واحتواء مراكز ثقافية نادرة، مثل المركز الألماني لدراسات المشرق، وتمتع لبنان بأربع جامعات تتوافر لكلّ منها شهادات الاعتراف بالمستويات الدولية من هيئات أميركية، وبريطانية وفرنسية وعربية.

هويّة لبنان ليست فقط اقتصادية. فعلى سبيل المثال وقبل الهجرة المستحدثة بسبب الاستقطاب السياسي خاصّة مع ما يسمّى دول الممانعة، وحتى تاريخه لا نعرف سوريا ممانعة ومواجهة لإسرائيل، ولم تطلق رصاصة في الجولان منذ عام 1974 وما زال بعض أهل الجولان يكتسبون العلم في دمشق وينتقلون ما بين الجولان والداخل السوري، ولا نعرف ما دور إيران في الممانعة، ما عدا تسمية فوج مسلح بأنه المسؤول عن تحرير القدس، وإيران في حربها مع العراق استوردت الاسلحة والمعلومات المصوّرة جوّياً من إسرائيل.

أفضل مثال على نجاح لبنان في القرن الواحد والعشرين في توفير خدمات استراتيجية ومالية، يتمظهر بشركة MUREX المملوكة أساساً من أبناء المرحوم ميشال إده، وهم تمتعوا بعلومهم في أفضل المؤسسات العلمية في الولايات المتحدة، واختاروا مهنة قياس أوضاع الاقتصاد والمال على نطاق عالمي ومقارعة أمثال شركة رويترز وبلومبيرغ.

وشركة موريكس التي لديها مكتب ملحوظ في بيروت ونسبة مقبولة من التمثيل اللبناني في موظفيها، تعمل في مكاتب تمتدّ من موسكو، الى نيويورك، ولندن، ودول الخليج، واليابان، والصين وقبرص الخ، لكن مركزها الرئيسي هو في إيرلندا. والسؤال المطلوب من السلطات اللبنانية هو لماذا اختيار إيرلندا لتأسيس المركز الرئيسي للشركة التي بالمناسبة وبعد ضمور حجم الانتاج القومي في لبنان، أصبحت تنتج معلوماتياً ما يقارب ملياري دولار أي 8% من حجم الدخل القومي اللبناني حالياً.

إن هذه الشركة التي من مؤسّسيها إضافة إلى أبناء المرحوم ميشال إدّه، صهر العائلة ابن المرحوم بيار حلو، وللذكر فقط نشير إلى أن ميشال إدّه، حينما واجه ضغطاً مالياً في لبنان وبعد تولّيه الوزارة، اختار الانتقال الى أفريقيا واستطاع بحنكته تشجيع شركات من النمسا على إنجاز معامل لإنتاج الكهرباء في بلد أفريقي، وبيار حلو عمل بنشاط ونجاح في السعودية.

أبناء الرجلين تمتعوا بقدرات علمية تسمح لهم بالنجاح في العالم العربي لكنهم اختاروا التمكّن من خدمات معلوماتية اقتصادية ومالية وأرفقوها بتقديراتهم التحليلية غير متخوّفين من المنافسة الدولية. وهنا تكمن إمكانات لبنان المستقبلية التي لا تعتمد على تحفيزات من الحكومات المتتالية على لبنان والتي لا يزال غالبية أعضائها مغيّبين عن الإنجاز وقفزات العلوم التي أصبحت تسيّر العالم، وتطوّر الخدمات التي كانت أساسية للبنان ولا تزال في حال تطويرها، أي خدمات التعليم، والتطبيب والانخراط في عالم المعلوماتية لا فقط حول الاقتصاد بل الطبّ ووسائل التعليم والتدريب الحديثة.

أفضل مثال على نجاح اللبنانيين المثقفين والمنفتحين على التطوّرات العالمية هو السبيل لنجاح لبنان، لكن هذا النجاح لن يؤدّي الى تطوّر الاقتصاد اللبناني لسبب رئيسي.

دور الدولة في لبنان بجهازها الوظيفي والتقاعدي يشمل تأمين المعاشات والتعويضات لـ320 ألف موظف ومتقاعد، وهذا العدد هائل لبلد صغير كلبنان، وما كان يسمح بتحمّل أكلاف الموظفين والمتقاعدين في السابق كان تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، الذين كانت أعدادهم حوالى 350 ألفاً أصبحوا بعد الازمة المستمرّة منذ تولّي الرئيس عون زمام القيادة، حوالى 400 ألف لبناني ولبنانية، وإمكانات تحويلاتهم للبنان، التي بلغت في وقت من الأوقات 10 مليارات دولار سنوياً تدنّت الى 7 مليارات خلال السنوات الاخيرة، ومع انخفاض الدخل القومي والمستوردات بنسبة 50% لم نشهد محاولة لرسم سياسة مقنعة للسلطات الدولية ومؤسسات الإقراض العالمية تسهم في استعادة لبنان بريق استقطاب الزوار العرب، بصورة خاصّة، للاصطياف في لبنان، أو الالتحاق بجامعاته، أو لإنجاز البرامج، أو طباعة الكتب أو الاستمتاع بنقاوة جوّه، وقد أصبحت المياه في لبنان ملوّثة.

التقهقر التام حصل في وقت وجيز، لكن هذا الوقت كان كافياً لأبو ظبي ودبي لوضع مخططات لتوسيع نطاق الخدمات الحديثة على نطاق عالمي وإقرار الزواج المدني، وتفحّص آفاق الفضاء… والحاكم في لبنان في غيبوبة واللبنانيون يسعون للهجرة.

مروان اسكندر

هل يمكن إنقاذ لبنان باستعادة النمو والاستثمار؟

لقد كنتُ على مدى عشر سنين احذر من تداعيات عجز #الكهرباء على الاحتياط ومن تحوّل حسابات ميزان المدفوعات الى العجز المتنامي، وطالبت باستيراد الكهرباء من الاردن بعد انجاز حقل بطاقة 1000 ميغاواط لانتاج الطاقة من اختزان الطاقة الشمسية. والاهم من كل ذلك كان توصل رفيق الحريري عام 2004 الى اتفاق رباعي شمل مصر وسوريا والاردن و#لبنان لاستيراد الغاز من مصر، وكان مقدرًا ان تبدأ التسليمات عام 2006، لكن طاقة مصر على تصدير الغاز تناقصت بسبب التزامات لتسليمات لاسرائيل، وتوقف معمل لانتاج الغاز.

عام 2007 اكتشفت شركة “ايني” الايطالية اكبر حقل مكتشف حتى تاريخه في حوض البحر المتوسط واصبحت امكانات تصدير الغاز افضل، فتحقق للبنان استيراد الغاز المصري عام 2009 وكان انجاز خط لنقل الغاز المصري الواصل الى سوريا قد تم بإنجاز خط من قرب حمص الى معمل كهرباء نهر البارد، وتوقفت العملية بعد ذلك لان حاجات سوريا تعاظمت مع انخفاض معدلات انتاجها من الغاز والنفط، وهذا الانخفاض تحول منذ عام 2013 الى فقدان هذه الموارد مع احتلال القوات الاميركية لمناطق انتاج النفط والغاز في سوريا وتأمين مداخيل الانتاج للاكراد اكثرية سكان المنطقة. وهنا لجأت سوريا الى الاعتماد على مستوردات مشتقات النفط عبر لبنان، فارتفعت فاتورة استيراد المشتقات ما بين 2013 و2014 من 4.8 مليارات دولار خصصها لبنان للاستيراد الى 8.8 مليارات دولار، وبدأ استنزاف الاحتياط اللبناني لمصلحة سوريا، وتعاظم مع اقرار برامج الدعم. وهذه النتيجة تسببت بتفاقم عجز مؤسسة كهرباء لبنان من دون اي معالجة، ولا زلنا حتى تاريخه مترددين في استيراد ما يعادل مليون طن من النفط من العراق، لخلاف ما بين الطرف اللبناني المصرّ على انجاز عمليات تحويل النفط الخام الى مشتقات، وموقف العراقيين المشجع على تنفيذ الاتفاق واشرافهم ذاتيًا على عمليات التكرير تفاديًا لاية اخطاء تقنية او محاسبية، وسيتوافر الغاز من مصر خلال بضعة اشهر لكن طاقة معملي الكهرباء المنجزين من قِبل الرئيس الحريري اواخر التسعينات غير كافية لتغطية حاجات عام 2021/2022 واستيراد الكهرباء، وانجاز حقول انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية حاجة ملحّة ولا يمكن تحقيقها خلال الفترة المتبقية من هذا العهد الذي اورثنا العجز الكهربائي و65% من الدين العام اللبناني.

 

مقابل عجز التجهيز والاستفادة من عروض من الكويت عام 2013 ومن المانيا عام 2019 بتنا نواجه ضيقًا في تأمين العملات الاجنبية لتغطية حاجاتنا لاستيراد المنتجات الطبية، والمحروقات، والمعدات لتجهيز بعض المصانع القائمة او قيد الانشاء، واصبح بلدنا يعتبر من البلدان المارقة بعد قرار حكومة حسان دياب ايقاف دفع فوائد دين اليوروبوند في آذار 2020، وكان هذا القرار من اسوأ قرارات حكومة دياب الذي افتخر هو ووزيرته للعدل التي تصدت للمشاكل المالية التي تجهلها بالفعل. وبعد تصنيف لبنان بين الدول المارقة اصبح امر توافر العملات الاجنبية سواء للاستثمار او لتغطية حاجات الاستيراد الملحّة مسألة مستعصية، وتفشت ممارسات تجارة العملات وفروق سعر الصرف بين يوم وآخر، الامر الذي طاول ثقة المواطنين بعملتهم، وهذه الاوضاع دفعت حكومة دياب ومن بعده حكم الرئيس عون الذي استمر دون مساندة من مجلس وزراء مكتمل، وحاصل على التزامات دعم بمستوى 11.8 مليار دولار بواسطة سعد الحريري منذ نيسان 2018، وهذا الوعد لم يتحقق لان نفسية الرئيس عون كانت بعيدة عن تقبل رئاسة الحريري الذي حظي بأكثرية النواب وتابع مساعيه دون نتيجة، فاصبح لبنان ليس بلدًا مارقًا فقط بل بلدًا عاجزًا عن تأمين حاجات سكانه الى مواد ضرورية لاستمرار الحياة المدنية بكفاية وعناية.

بعد كل ذلك وادعاءات حكومة حسان دياب وتوقف الحياة السياسية بسبب تصريحات وزير الاعلام المستقيل قبل ان يتسلم الوزارة، اصبحت كارثة العجز تصفع اللبنانيين في حياتهم اليومية، وتوقعاتهم المستقبلية. فكيف لنا ان نفكر باستعادة لبنان النمو واستقطاب الاستثمارات، وبالتالي نعدد بعض الامكانات:

اولاً: الهجرة المستمرة لاصحاب القدرات والخبرات الى بلدان الخليج بالذات، والتي تشهد نموًا نتيجة التخطيط واستقطاب نشاطات الاقتصاد المتصلة بكفاءات استعمال المعلوماتية في حياتنا، سواء للتسوق، او المعالجات الصحية، او تطوير البرامج الدراسية. واللبنانيون من المهندسين، والاطباء، والمعلوماتيين الذين تجاوز عدد منتسبيهم الـ 50 الفًا لا بد ان يسهموا في زيادة التحويلات الى لبنان، وبالتالي بدلاً من 7 مليارات دولار توافرت عام 2020 سيرتفع الرقم الى 8-9 مليارات عام 2022.

ثانيًا: المستوردات انخفضت بنسبة النصف، وتوافر الغاز المصري والكهرباء من الاردن سيساهمان في انخفاض العجز المالي بما يساوي او يزيد على المليار دولار سنويًا.

ثالثًا: تراجع تعليقات الكارثة المستديمة، وتحول مجلس النواب في سنته الاخيرة لادراك معطيات النجاح التي منها الابتعاد عن اصدار قانون ضبط التحويلات حفاظًا على الاحتياط، فهكذا قانون يكرس الاقتصاد اللبناني في خانة الاقتصاد السوري، وكلنا يعلم ما اصاب سوريا من اضرار، ويجب ان يبتعد عن المطالبة باسترجاع الاموال المنهوبة، فالتحويلات التي انجزت الى الخارج كانت قانونية ولا تزال، لكن اللاقانون هو امتناع المصارف عن تحويل اموال المودعين، والقانون يسمح بذلك لكن البنوك تتمنع عن التحويل، واذا استمر الوضع كذلك نقترب من النظام السوري اكثر فاكثر. فهل هذا ما يريده اللبنانيون؟

رابعًا: يجب وقف التشكيك بمصرف لبنان وقيادته، واهم سبب يدفع الى هذه التوصية هو الامر الآتي والذي لم يثره اي من المعلقين الذين يرددون المعزوفة نفسها ويعتبرون حاكم مصرف لبنان المسؤول عن انهيار سعر صرف الليرة.

حبذا لو ان بعض المنظرين يتذكرون ان سعر صرف الليرة اللبنانية كان يوم انتخاب الرئيس الشهيد بشير الجميل 3.7 ل.ل للدولار، وما بين 1982 و1992 وفي عهدة الحاكم ادمون نعيم والحاكم ميشال الخوري انخفض سعر صرف العملة مئة ضعف اذ بلغ في ايلول 1992 حوالى 3000 ل.ل للدولار.

المشكلة المالية الدولية اليوم هي حجم ديون البنوك المركزية في اوروبا، والولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية، والهند الخ… والمشكلة هي التي تسمى ديون التريليون، والتريليون ايها السادة يوازي الف مليار، ونحن نبحث عن 10-15 مليار دولار لاستعادة القدرة على التحرك، والاقتصاديون الجدد وحتى من لديهم خبرة، يعتبرون ان دين مصرف لبنان البالغ 80 مليار دولار هو حصيلة سياسات المصرف، والواقع ان هذا الدين مترتب على الدولة اللبنانية التي بالغت في الانفاق وفي تقبل عجز الموازنة سنة بعد سنة رغم تحذيرات رئيس لجنة المال من هذه الوضعية ودعوته الى ضبط العجز.

ان العجز لدى مصرف لبنان، حضرة الاقتصاديين الجدد، هو حصيلة ممارسات الحكم وهذا الحكم بالذات الذي هو مسؤول عن 65% من الدين العام لدعم الكهرباء من دون ان يتبنى حتى تاريخه خطة منطقية لتأمين الكهرباء وضبط العجز.

عجز البنوك المركزية الاوروبية، والاميركية، واليابانية وعجز البنك المركزي في كوريا الجنوبية يبلغ 32 تريليون دولار، ورئيسة البنك المركزي الاوروبي نبهت ولا تزال الى كارثة توسيع عجز الدول المعنية عن القيام بالتزاماتها. ووزيرة المال الاميركية التي كانت رئيسة البنك المركزي الاميركي نبهت اعضاء الكونغرس الى ضرورة رفع مستوى مديونية الولايات المتحدة، والا لن تكون هنالك معاشات للموظفين قبل عيد الميلاد، وحاكم البنك المركزي الالماني الذي استمر 8 سنوات في الحاكمية استقال بسبب مخاطر هذا الدين.

المطلوب من رئيس الجمهورية ومن يستشير من الخبراء الاقتصاديين الاطلاع على هذه المشكلة والادراك ان دين البنك المركزي هو دين على الدولة وقد تراكم من اجراءات زيادة الاجور من دون احتساب وقعها عام 2013، والامر ذاته يجري اليوم وهذا الوعي ربما يبعث لدى الحكم ادراك السبب الحقيقي للعجز الذي نشهده ونعلم انه ليس من صنع رياض سلامة، بل ان العجز في السنوات الـ 12 الاخيرة كان من ممارسات وزارة الطاقة التي كانت في عهدة ممثلي “التيار الوطني الحر” الذين لم يسهموا في توسيع نطاق الانتاج ولا في استعمال الغاز، وادراك السبب الرئيسي لعجز الاقتصاد اللبناني ربما يمهد لنهضة مع اقتراب نهاية عهد التبديد.

الامل في التحسن افضل من السابق لان نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي يعرف لبنان جيدًا منذ سنوات وكذلك وزير المال يوسف خليل الاقتصادي المطلع ووزير التربية، اضافة الى رئيس الوزراء، الذين يوفرون الفريق المناسب للبحث مع بعثة صندوق النقد الدولي.

مروان اسكندر

أيمتى ضاع لبنان؟

 

لبنان النموّ، لبنان تنوّع الكفاءات، لبنان بلد الإنتاج، هذا الوطن المميّز بخصائصه الطبيعية، ارتهن للمصالح الانتخابية الضيّقة منذ أن أصبح دور الدولة اقتصادياً هو الشطر الأكبر من الدخل القومي.

خلال السنوات التراجعية على صعيد الخدمات ومعدلات النمو وحسابات ميزان المدفوعات، أي منذ 2014 حتى 2021، خسر لبنان التميّز على أي صعيد، وبالتالي أصبحنا نفتقد الإنجاز على صعيد الخدمات الرئيسية للمواطنين، ومن هذه توافر الكهرباء المستقر لقاء أكلاف معقولة، تحسّن الطرقات لزيادة اطمئنان المتنقلين لسلامة السير، الحفاظ على البيئة، ممارسة الحكم بسلطات غير متداخلة أي السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية. ومنذ اتفاقات الدوحة، التي نتجت عن سيطرة السلاح على القرارات المصيرية وحتى تاريخه تسارعت التحوّلات التي أسهمت في تكريس القوة غير قوة الدولة على تصرّفات اللبنانيين. والأمر الذي أسهم في تكريس هذه الوضعية إقبال اللبنانيين على الهجرة الى بلدان الخليج، والقارة الافريقية وأوروبا الغربية، وألمانيا، وكندا والولايات المتحدة، حتى هنالك نزر بسيط من اللبنانيين هاجروا الى نيوزيلاندا أرقى الدول في ممارسة السلطة من أصغر رئيسة لبلد حضاري متطوّر.

مقابل كل ذلك تابعنا في لبنان توظيف المطواعين للأحزاب وحتى للدول. فسوريا الأسد (الأب) سيطرت على مجرى السياسة منذ عام 1976 وتكليفها من قبل الولايات المتحدة بالإشراف على الشؤون اللبنانية، وبعد الفوج الاول من ممثلي القيادة السورية وخطأ العراق في مهاجمة الكويت وخيار الأسد (الأب) مناصرة القوات الاميركية لدحر القوات العراقية التي احتلت الكويت وهدّدت القسم الشرقي من المملكة العربية السعودية ومناصرة سوريا لهذا القرار الاميركي، أصبح لبنان ولاية سورية بالفعل وما زالت آثار ومعالم هذا التحول ترسم معالم الحياة السياسية في لبنان.

الهجرة كانت ولا زالت باب تنشّق الحرية ومحاولة اكتساب النجاح، وأصبح عدد اللبنانيين العاملين وعائلاتهم في بلدان الهجرة الحديثة يفوق نسبة 25-30 في المئة من مجمل عدد السكان، واللبنانيون المهاجرون سعياً للارتزاق أصبحوا المرتكز الاول لاكتساب العملات الصعبة، وبلغت تحويلات اللبنانيين 10 مليارات دولار في السنة، ومن التحويلات 24 مليار دولار، من حسابات اللبنانيين في أوروبا عام 2009 حينما كانت الازمة المالية العالمية متوسّعة وكبيرة التأثير على السياسات النقدية والمالية في البلدان المعنية، وأقبلت البلدان المتطورة على تأمين الموارد المالية عبر الاقتراض والاستثمار في استمرارية المؤسسات، وهكذا أنقذت بنوك مثل الكريدي سويس، واتحاد البنوك السويسرية، حتى إن بنك الكريدي سويس واجه عام 2021 خسارة بلغت 10 مليارات دولار من عمل شركتين للمضاربة تعملان انطلاقاً من لندن. للتذكير فقط، هذا المبلغ الذي نسعى للحصول عليه من صندوق النقد الدولي.

رغم مآسينا وخياراتنا السيّئة منذ عام 2013 سواء بالسماح لتردّي خدمات الاتصالات ورفع أكلافها، أو تقبّل العجز في نطاق إنتاج الكهرباء وتوزيعها دون إضافة طاقة ميغاوات واحد لطاقة الإنتاج، وتقبّل تحويلات لمصلحة الكهرباء 1999 وسيطرة التيار الوطني على شؤون الكهرباء حتى تاريخه، وإهمال قيد أي محاسبة منذ عام 2013، تاريخ رُفضت فيه مساهمة كويتية في زيادة طاقة الإنتاج بـ3000 ميغاوات خلال سنتين، منذ ذلك التاريخ وعجز إدارة شؤون الكهرباء والتحكم بأذونات إنشاء مراكز إنتاج بطاقة 10 كيلووات أو أكثر إلا بموافقة السلطات ونحن ندفع جزية الانحدار نحو الإفلاس.

برنامج إصلاح الهدر وتطوير شبكة إنتاج وتوزيع الكهرباء معروف، وقد تقدّم به مهندس كهربائي واقتصادي لبناني هو نزار يونس منذ 2013 ولم يؤخذ بنصائحه، ومن ثم تولّى عبر شركته وبالمشاركة مع شركة مصرية شؤون إصلاح الشبكة الكهربائية من شمال بيروت حتى طرابلس، وحقق وفورات وتجهيزات إلكترونية لقياس استهلاك الكهرباء أسهمت في ضبط الهدر وخفضه من نسبة 50% الى نسبة 25%، وكان بإمكانه مع تحسينات إضافية، خفض العجز الى معدل 15% فقط.

إمكانات تأمين الكهرباء، وبالتالي الاتصالات الإلكترونية الضرورية للشركات العاملة في مجالات التكنولوجيا المتطورة ومن هذه البنوك، أهدرت ولم تخضع للمحاسبة وهي سبب تعريض لبنان للإفلاس بقرار من حكومة حسّان دياب.

رغم ميل الحكم الى تضخيم عدد الموظفين بحيث أصبح يبلغ 320 ألف موظف إضافة الى 120 ألف متقاعد، الأمر الذي يعني تبديد 50% من موارد الميزانية على اللاإنتاج، لم نشهد أي تطور يدفع أي شركة معروفة للعمل في لبنان، وأصبح شبابنا المعطاء من أركان الشركات العالمية في كندا وفرنسا والولايات المتحدة وسويسرا، وحتى في أوكرانيا، والحكم غافل عن موجبات النجاح والانضباط.

الوزارة الجديدة التي لا تنعقد ولا يبدو أن لديها برنامجاً مدروساً، كما لا يبدو أنها ملتزمة الإصلاحات المطلوبة رغم تكرار رئيسها وتأكيده أنها ستقرّ برنامجاً إصلاحياً واحداً، هي اليوم عاجزة عن العمل لولا قدرة عدد من وزرائها على ابتكار ترتيبات تتناسب مع شروط الدول المانحة. وزيران تمكنا من تأمين تقديمات بالغة الأهمية، لوزارة التربية من جهة ولوزارة الصحة من جهة أخرى.

وزير التربية المعروف بأخلاقه وعلمه، استطاع استقطاب عشرات ملايين الدولارات لتأمين زيادة معاشات الاساتذة وأكلاف انتقالهم، ولم يتمكن من ذلك سوى بسبب أخلاقه واندفاعه رغم الصعاب، وهو بالتالي حقق مبادرة ربما بالإمكان تحقيق ما يماثلها في قطاع الكهرباء، السبب الرئيسي للهدر.

الوزير الثاني الذي حقق الحصول على معونات تشتدّ الحاجة إليها هو وزير الصحة، وهو معروف بأياديه البيضاء على اسمه منذ تولّى الإشراف على مستشفى رفيق الحريري الذي أصبح مركز العلاج الأساسي لمرضى الوباء الذي استحكم باللبنانيين، وبسبب استعداده لإيلاء الجهات المتبرّعة بالمعونة وإخضاعه وسائل التحقق لممثلي هذه الجهات، استطاع تأمين 500 ألف لقاح فايزر لمعالجة الوباء وخصّص الأسبوع المنصرم وقبله لما سُمّي يوم ماراتون التلقيح.

إضافة إلى ذلك، استطاع تأمين أدوية للأمراض المزمنة ولعلاج السرطان، وشرّع الأبواب لجميع المحتاجين للقاحات أو الأدوية المزمنة.

بالفعل، وزيرا الصحة والتربية يوفران المثال على إمكانات الإنجاز بسبب ثقافتهما من جهة وانتظام أخلاقهما، وهما دون شك يتكاملان مع نائب رئيس مجلس الوزراء الذي هو اقتصادي متمرّس عمل في لبنان ممثلاً لصندوق النقد الدولي لسنوات وهو يؤدّي عمله بهدوء ومن دون ضجة، وإن كان لنا أمل في الحصول على تسهيلات إضافية (بعد حصولنا على 1.2 مليار دولار من صندوق حقوق السحب الخاصة التابع لصندوق النقد الدولي)، فسوف يكون الفضل في التوعية والالتزام لنائب رئيس مجلس الوزراء.

مروان اسكندر

مصير التدقيق الجنائي بعد عشرة أيام

في نهاية العام الجاري، أي في غضون عشرة ايام، تنتهي مدّة نفاذ قانون تعليق العمل بقانون السرّية المصرفيّة لمدّة سنة بهدف التدقيق في حسابات مصرف لبنان والوزارات والإدارات والمؤسّسات العامّة الأخرى. أين أصبح التدقيق الجنائي، وهل تمكن المراهنة على استكماله، وما هي الحقائق والأوهام المحيطة بهذا الملف؟

لا يختلف اثنان على انّ انطلاقة مشروع التدقيق الجنائي كانت غير طبيعية من حيث الظروف التي واكبته، سواء لجهة الشكل او المضمون، أو حتى اسلوب التعاطي السياسي معه. والأزمة الأخيرة التي برزت، واستدعت اجتماعاً طارئاً في القصر الجمهوري، تعهّد في نتيجته مصرف لبنان بإعطاء شركة Alvarez & Marshal Middle East Limited A&M كل البيانات والمعلومات المطلوبة، عكست واقعاً لم يكن معروفاً بعد، وهو انّ الشركة التي تعهدت تقديم تقرير اولي في غضون ثلاثة اشهر من بدء التدقيق بعد استكمال الحصول على كل المعلومات المطلوبة، لا تزال في مرحلة تجميع الوثائق، في حين انّ مهلة نفاذ صلاحية القانون الرقم 200 /2020، (تعليق السرية المصرفية)، شارفت على الانتهاء.

بصرف النظر عن الثغرات والإعاقات الواردة في مضمون الاتفاقية التي وقّعتها الدولة اللبنانية مع الشركة، ومن ضمنها ما يذكره القانونيون حول نقاط عديدة باتت تمثل شُبهة، في حق من وقّع العقد، من الطرفين (الدولة والشركة)، فإنّ الأهم في هذا الملف، هو ان يصل الى خواتيمه، لكي يعرف اللبنانيون كيف تدرّجت الأزمة وصولاً الى الافلاس والانهيار، وربما ما هو أسوأ إذا طال الوقت، وبقيت الامور في مسارها الحالي، خصوصاً منذ آذار 2020، موعد الاعلان عن التوقّف عن دفع الديون.

في الواقع، لا يمكن اعتبار مضمون العقد والشواذات الموجودة فيه، هي الأسوأ في هذا الموضوع، ولا حتى طريقة تعاطي البعض معه. ولا يكمن الأسوأ، في هدر الاموال العامة (مليونان و740 الف دولار للعقد الثاني + 250 الف دولار نتيجة فسخ العقد الاول) من دون التأكّد من صلاحية العقد، وإمكان الوصول الى نتيجة، الأسوأ يكمن في الهدف من المشروع. إذ يُفترض، ان يكون الهدف الاول، معرفة الاسباب التي تسبّبت بفجوة مالية تقارب الـ70 مليار دولار. ومن يريد ان يعرف اين تبخّر مبلغ بهذا الحجم، لا يبحث في رواتب موظفي مصرف لبنان، بل يتجّه الى العناوين الرئيسية، ويصدر فيها تقريره الأولي بعد ثلاثة أشهر، ومن ثم يُبنى على الشيء مقتضاه، بحيث يتمّ اللجوء الى التدقيق الجنائي المُفصّل، والذي قد يستغرق سنوات، ويُمنح القضاء الاستقلالية الضرورية لكي يحوّل تباعاً، نتائج التدقيق الى محاكمات وأحكام.

المقصود بهذا الكلام، انّ المطلوب من شركة A&M، أو هكذا كان يُفترض ان ينصّ العقد، ان تعمد الى طلب وثائق وملفات تتعلق بالنقاط التالية:

اولاً- عمليات تدخُّل مصرف لبنان لدعم الليرة طوال السنوات العشر الأخيرة.

ثانياً- كل العمليات المالية التي حقّقت ارباحاً للمصرف في الفترة نفسها.

ثالثاً- الكلفة الإجمالية للقروض المدعومة التي تولّاها البنك المركزي وفي مقدّمها القروض السكنية، التعليم، اقتصاد المعرفة…

رابعاً- عمليات السواب التي قام بها المركزي، أو التي فُرضت عليه من قِبل السلطة السياسية، لتخفيف العجز ظاهرياً في المالية العامة.

خامساً- كل عمليات الدعم التي نفّذها مصرف لبنان لمصلحة الدولة ومشتقاتها.

وبنتيجة المعطيات المتعلقة بهذه النقاط الخمس، يمكن اصدار تقرير اولي، قد يعطي اللبنانيين فكرة مبدئية عن حجم الخسائر المتراكمة، واذا ما كانت تتماهى مع الفجوة المُعلن عنها اليوم، للتفاوض مع صندوق النقد الدولي ام لا.

أما البحث في كومة القش عن إبرة، اي البحث عن وجود مزاريب فساد وهدر، استفاد منها افراد او جماعات، من خلال العمليات التي جرت في مصرف لبنان، وإهمال الموضوع الأساسي المتعلق بالفجوة التي أدّت إلى ضياع اموال اللبنانيين، وإلى افلاس البلد، وإلى وصوله الى جهنم، فلا يشبه في شيء ملف البحث عن الفساد للمحاسبة، بل يبدو أقرب الى التعمية على أساس الكارثة، والاتجاه نحو تفاصيل، ولو انّها مهمّة وليس مطلوباً اهمالها، الّا انّها تبقى مجرد ملفات فردية يعالجها القضاء المختص، ولا تشكّل المرتكزات الضرورية للإنقاذ.

ما يريده اللبنانيون اولاً، هو البدء في مسيرة الإنقاذ، أما من يبحث عن الانتقام أو الزكزكة السياسية او المكاسب الانتخابية، فليبحث عن أهدافه خارج اطار اطالة أمد إقامة الناس في جهنم.

أنطوان فرح

قرار السحب بالدولار: الهيركات الصريح والمباشر

بعد أن أدّى قرار رفع سعر صرف السحوبات إلى موجة جديدة من التدهور في سعر صرف الليرة اللبنانيّة، أصدر حاكم مصرف لبنان قراره الأساسي الذي قضى بتسليم المصارف حصّتها الشهريّة من السيولة بالدولار النقدي عوضًا عن الليرة اللبنانيّة، على أن تقوم المصارف بدفع هذه الدولارات للمودعين بحسب سعر المنصّة، بدل الليرات الناتجة عن السحوبات الشهريّة من الودائع. وكمعظم قرارات مصرف لبنان التي تأتي من ضمن عالم أسعار الصرف المتعددة، تمّت صياغة التعميم بعبارات ملتبسة وغامضة. وهذا ما فرض مراجعة الآليّات التطبيقيّة في المصارف لفهم مضمونه وطريقة تنفيذه.

الهدف من هذا القرار المستجد لم يكن سوى خلق موجة إيجابيّة في سوق الصرف الموازية، لإعادة التوازن إلى سعر صرف الليرة اللبنانيّة، وعكس مسار التدهور السريع في قيمة الليرة الذي خلقه قرار رفع سعر صرف السحوبات. فترجمة القرار الجديد من الناحية العمليّة يفترض أن يكون ضخ كميّات من السيولة بالعملة الصعبة في السوق، مقابل الحد من تدفّق الليرات النقديّة إلى الأسواق. وهذا إجراء يفترض أن يدفع السوق إلى ترقّب تحسّن في قيمة الليرة، وبالتالي زيادة الطلب عليها. وبذلك، يراهن حاكم مصرف لبنان على إنهاء حالة الطلب الكثيف على الدولار التي تلت قرار رفع سعر صرف السحوبات، والذي تلقّفته السوق بسلبيّة شديدة من جهة ترقّب حجم السيولة بالليرة، التي سيؤدّي القرار إلى ضخها في السوق، وما سينتج عن هذه الكتلة من ضرر على قيمة الليرة.

الهيركات المباشر
لم يكن من السهل فهم مندرجات تعميم السحوبات بالدولار، خصوصًا أن صياغته جاءت بعبارات تشبه الطلاسم التي يصعب فهم أثرها المباشر على المودع، أو طريقة تطبيقها العمليّة داخل الفروع المصرفيّة. في خلاصة الأمر، وفي حال طلب عميل المصرف سحب مبلغ 1,000$ دولار من حسابه، فسيظل المصرف يحوّل قيمة السحب إلى الليرة وفقًا لسعر 8000 ليرة للدولار الواحد، ما سيُنتج للعميل مبلغ 8,000,000 ليرة لبنانيّة. لكنّ العميل وعوضًا عن استلام الملايين الثمانية بالليرة النقديّة، سيستلم ما يوازيها بالدولار النقدي، وبحسب سعر منصّة صيرفة البالغ نحو 22,400 ليرة للدولار اليوم، ما سيجعل حصيلة العمليّة 357 دولار نقدًا. في النتيجة، سيُقيّد على حساب العميل 1,000 دولار أميركي، مقابل استلام 357 دولار فقط، أي بنسبة هيركات صريحة تبلغ حدود 64.3 في المئة.

في الواقع، يمكن القول إن آليّة تطبيق القرار الجديد يمكنها أن تمثّل تحسّناً محدوداً جدّاً للمودع، لكونها تخفّض قيمة الاقتصاص من قيمة السحوبات إلى نحو 64.3 في المئة، مقارنة بنسبة اقتصاص تصل إلى حدود 70 في المئة في عمليّات السحب المباشر بالليرة على أساس سعر صرف 8000 ليرة للدولار، إذا ما أخذنا في الاعتبار الفارق بين سعر صرف السحوبات وسعر صرف السوق الموازية. لكنّ هذا التحسّن المحدود مرهون بسعر صرف المنصّة المعتمد لتحديد قيمة الدولارات النقديّة التي يتقاضاها المودع. وهذا السعر لا يعتمد على أي آليّة شفّافة لتحديده في مصرف لبنان.

أما الإشكاليّة الأساسيّة في القرار الجديد، فتتمثل في انتقاله إلى الهيركات الصريح، على شكل فارق واضح بين قيمة الدولارات التي يتقاضاها المودع وتلك التي تم تقييدها على حسابه. مع العلم أن آليّات السحب السابقة كانت تنطوي على اقتصاص ضمني وغير مباشر، من خلال الفارق بين سعر الصرف المعتمد للسحوبات وسعر الصرف الفعلي في السوق السوداء، فيما يرفض مصرف لبنان الاعتراف به كسعر صرف واقعي. ولذلك، وبدلاً من التحجج بعدم توفّر الدولارات لدفع قيمة السحوبات بالليرة وبأسعار صرف منخفضة كما كان يجري سابقًا، انتقل مصرف لبنان اليوم إلى دفع الدولارات، إنما بعد الاقتصاص منها علناً بألاعيب أسعار الصرف المتعددة في عمليّة السحب الواحدة.

إشكاليّات التنفيذ
قبل أن يتفاءل المودع بالتحسّن الطفيف في قيمة الاقتصاص من قيمة السحب، بعد تحويل الاقتصاص إلى هيركات صريح، ثمّة إشكاليّات عديدة تتصل بآليّات تنفيذ هذا التعميم. فبحسب بنود التعميم، من المفترض أن يتم العمل بهذه الآليّة من اليوم وحتّى نهاية الشهر الحالي، على أن تتقاضى المصارف ما تبقى من حصّتها الشهريّة من السيولة من مصرف لبنان بالدولار النقدي، بدلاً من الليرات النقديّة، من أجل تنفيذ هذه العمليّات.

لكنّ الإشكاليّة الأولى بحسب العديد من المصادر المصرفيّة تكمن في أن الغالبيّة الساحقة من المصارف اللبنانيّة، استنفدت حصّتها من السيولة لهذا الشهر، بعد أن استفادت منها بالليرات الورقيّة. مع الإشارة إلى أن المصارف تستعمل في العادة القسم الأكبر من هذه الحصّة الشهريّة في بداية الشهر لتغطية سحوبات الرواتب الموطّنة، واستفادة المودعين من سقوف السحب الشهريّة. ولهذا السبب، من الموقّع أن تشكّل هذه الحقيقة الذريعة الأولى لعدم تطبيق مندرجات التعميم، والاستمرار بتأمين السحوبات بالليرات الورقيّة، بالاستفادة من المبالغ التي سحبتها المصارف سابقًا بالعملة المحليّة من حصتها من السيولة من مصرف لبنان.

أما الإشكاليّة الثانية التي تصب في اتجاه عدم استفادة المودع من التعميم، فتكمن في أن غالبيّة المودعين استفادوا كالعادة من سقف سحوباتهم منذ بداية الشهر، وخصوصًا بالنسبة للحسابات التي تستفيد من توطين الراتب بالدولار المصرفي (اللولار). مع العلم أن بعضاً آخر من أصحاب الودائع سارعوا إلى استعمال حصّتهم من السحوبات النقديّة بالليرة بعد أن قام مصرف لبنان بإصدار قرار رفع سعر صرف السحوبات النقديّة من 3900 و8000 ليرة مقابل الدولار، للاستفادة من السحوبات وفق سعر الصرف الأعلى نسبيّاً. ولهذا السبب بالتحديد، من المتوقّع أن تستفيد نسبة قليلة جدًّا من المودعين من القرار الجديد، حتّى لو بادرت المصارف إلى فتح باب الاستفادة منه.

أخيراً، لم تبادر الفروع المصرفيّة، حتّى بعد ظهر يوم الجمعة 17 كانون الأول الجاري، إلى البدء بتطبيق آليّات تنفيذ القرار، بحجّة عدم استلامها أي تعليمات من إدارتها بخصوص كيفيّة تطبيق التعميم. ومع احتساب أيام العطل المتبقية حتّى نهاية الشهر، يتبيّن أن المصارف بالكاد تملك نحو ثمانية أيّام عمل لتنفيذ هذا التعميم، في حين أن غالبيّة الفروع المصرفيّة لا تملك حتّى آليّات للقيام بعمليّات صيرفة متصلة بمنصّة مصرف لبنان، ما يعني أن الفترة لن تكون كافية حتّى لمباشرة العمل بالتعميم.

قنبلة صوتيّة
ببساطة، نحن أمام قنبلة صوتيّة أراد منها حاكم مصرف لبنان وقف تدهور سعر صرف الليرة بأساليب استعراضيّة، من خلال الإيحاء بنيّته ضخ الدولار النقدي في السوق ووقف عمليّة خلق النقد بالليرة. مع العلم أن الحاكم نفسه يعلم أنّه لن يتمكّن من تنفيذ القرار بشكل جدي بسبب محدوديّة الفترة الزمنيّة التي يشملها القرار، وبسبب شح العملة الصعبة الذي لن يسمح له بتمويل هذا النوع من السحوبات لجميع حسابات المودعين. وعلى أي حال، من الواضح أن هذه القنبلة الصوتيّة لم يتجاوز مفعولها بالنسبة إلى سعر صرف السوق الموازية مدّة 24 ساعة فقط، بدلالة عودة سعر صرف الدولار مقابل الليرة للارتفاع بعد ظهر يوم الجمعة، أي في اليوم الذي تلا صدور القرار.

أخيرًا، يبقى من الضروري الإشارة إلى أن أكثر ما يخشاه المودعون اليوم هو استنسابيّة تنفيذ هذا التعميم، وحصر عمليّات بيع دولارات المنصّة بفئات معيّنة من المودعين دون سواهم. أما المسألة التي تدفع المودع للخشية من هذه الاستنسابيّة، فهي آليّات عمل المنصّة المعتمدة طوال الفترة السابقة، التي حصرت عمليّات بيع الدولار بحلقة ضيّقة من التجّار المخظيين، من دون أن تتضح المعايير التي تم على أساسها اختيار المستفيدين من دولارات المنصّة. ولهذا السبب، فمن الطبيعي أن نتوجّس من تحوّل التعميم الأخير إلى باب من أبواب هدر احتياطات مصرف لبنان المتبقية، لتنفيع شريحة صغيرة من النافذين.

علي نور الدين