أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

مشهد جديد: قيود مالية إضافية… و8 حقائق

مع اقتراب العام 2020 من نهايته، يرتسم في الأذهان حالياً سؤال يتعلق بالمشهد المالي والاقتصادي في العام 2021. هل سيكون «جهنم الموعود» أصعب بكثير من الوضع الحالي؟ وما هي التغييرات التي قد يواجهها البلد وناسه في المرحلة المقبلة؟

من خلال المؤشرات المتوفرة حتى الآن، والتي قد تنقلب رأساً على عقب من دون سابق إنذار، يمكن القول انّ المشهد الاقتصادي والمالي سوف يمضي في الهبوط وبوتيرة أسرع وأشدّ تعقيداً في العام 2021. وهناك فرضيتان سيئتان بارزتان حتى الآن: الفرضية الاولى، تقول باستمرار الوضع السياسي على ما هو عليه، أي في ظلّ حكومة تصريف أعمال، الى جانب رئيس مُكلّف عاجز عن التشكيل أو عن الاعتذار. الفرضية الثانية، تقضي بتأليف حكومة محاصصة، لا تختلف في مضمونها عن حكومة تصريف الاعمال القائمة حالياً. وفي ظلّ هذين السيناريوهين، سيشهد الوضع المالي والاقتصادي الاحتمالات والوقائع التالية:

اولاً- سيضطر القطاع المالي، وبإدارة مصرف لبنان، الى وضع قيود اضافية على كل انواع السحب النقدي من المصارف بالليرة. وبالتالي، سيُصار الى تضييق اضافي على المودع. وليس مستبعداً ان ترتفع قيمة المال النقدي بالليرة، كما هي عليه قيمة الدولار النقدي، ولكن وفق نسب مختلفة. اذ انّ شيك الدولار يُباع اليوم بحوالى 33% بالدولار الطازج (fresh)، في حين انّ شيك الليرة في 2021 قد يُباع بين 70 أو 80% من قيمته الاسمية.

ثانياً- ستتراجع أكثر قدرة اللبنانيين على الاستهلاك، بسبب القيود الاضافية على السحب النقدي. وبالتالي، قد يستمر الانكماش في حجم الاقتصاد (GDP) بحيث سيصبح حجم الدين العام بالدولار على الناتج شاسعاً، وتصعُب معالجته بلا كلفة باهظة على حاملي السندات قد تتجاوز الـ85%.

ثالثاً- سيؤدّي الانكماش الاقتصادي الى انكماش في عدد المؤسسات القادرة على الاستمرار. وهذا يعني بطبيعة الحال، المزيد من العاطلين من العمل المحتاجين الى دعم عاجل. وتشير تقديرات الى نسبة قد تصل الى 60% في القطاع الخاص.

رابعاً- بصرف النظر عن الآلية التي سيتمّ اعتمادها لاستمرار الدعم، سيؤدي التراجع الكبير في بيئة الاعمال الى توسّع رقعة المُصنفين في خانة الفقر. وسينضمّ الموظفون في غالبيتهم الى لوائح الفقراء. مع التذكير بأنّ البنك الدولي حدّد مبلغ 93 دولاراً شهرياً، كحدٍ أدنى لمستوى الفقر. أي أنّ كل فرد يقلّ مدخوله الشهري عن هذا الرقم يُصنّف من الفقراء. وعليه، ستكون لائحة الفقراء في لبنان طويلة، وطويلة جداً، وستكون مرتبطة بطبيعة الحال، بتطورات سعر صرف الليرة.

خامساً- رغم القيود التي ستوضع لتخفيف سرعة تضخّم الكتلة النقدية، إلّا أنّ الحاجة الى ضخ كميات اضافية من الليرة في السوق ستكون حتمية، وبالتالي، سيصعب منع استمرار انخفاض قيمة الليرة، بما يعني انّ سعر صرف الدولار في هذا الوضع سيرتفع اكثر، ولن يكون مستوى الـ10 آلاف ليرة للدولار هو السقف الذي قد يتوقّف عنده هذا الارتفاع. وهذا يعني انّ الحدّ الأدنى للرواتب قد يتراجع من 450 دولاراً، كما كان في ظل دولار الـ1500 ليرة، الى 60 أو 50 دولاراً، وربما أقل من ذلك. وهذا يعطي فكرة كم سيبلغ عدد الفقراء في البلد.

سادساً- سنشهد في العام 2021 عملية تطهير للقطاع المصرفي، بحيث سيضطر مصرف لبنان الى التدخّل لمعالجة ملفات مصارف غير قابلة للحياة. وفي المعلومات، انّ عدداً من المصارف تعمل بجهد كبير في الوقت الراهن لتأمين زيادة الرأسمال الذي طلبه المركزي. كما أنّ مفاوضات بيع المصارف لوحداتها العاملة في الخارج قطعت شوطاً كبيراً، وبات بعضها على قاب قوسين أو أدنى من الإنجاز. هذه الصفقات ستؤمّن للمصارف المصنّفة كبيرة، القدرة على الصمود والاستمرار. لكن المشكلة ستظهر بوضوح لدى مصارف أخرى عاجزة عن تلبية شروط البقاء. وهنا، يبرز تخوّف من قدرة المركزي على وضع يده عليها وضمان استمراريتها، ضماناً لحقوق المودعين. وهنا يسأل البعض، اذا ما كان مصرف لبنان قادراً بعد على لعب دور المُنقذ في ظلّ تراجع قدراته المالية الى مستويات مُقلقة. وفي المقابل، اعتاد المركزي تقديم الإغراءات لمصارف أخرى لتستحوذ على مصارف صغيرة تعاني صعوبات، لكنه اليوم عاجز عن تقديم الإغراءات. كما أنّ المصارف الكبيرة عاجزة عن أخذ المبادرات لإنقاذ مصارف صغيرة متعثرة. في كل الاحوال، سنشهد عملية تقليص للكلفة التشغيلية لدى كل المصارف، بما يعني الاستغناء عن عدد كبير من موظفي القطاع المالي.

سابعاً- سيترافق الانكماش المستمر، مع انحسار اضافي في الاستيراد، بحيث انّ مشهد السوق سيصبح مختلفاً عمّا عرفه اللبناني في الماضي. وستزداد مشاكل الاستشفاء والدواء والتعليم تعقيداً.

ثامناً- ستشهد السوق العقارية المزيد من الانهيار، وقد تتهاوى الاسعار بنسب اضافية عمّا شهدته في 2020، قد تصل الى 30% عمّا هي عليه اليوم. هذا التطور سيزيد الضغوطات على محفظة قروض القطاع الخاص لدى المصارف، والتي تقارب الـ50 مليار دولار.

هل هذه المؤشرات مجرد توقعات قد لا تحدث؟
من البديهي انّ بعض هذه المؤشرات أقرب الى الحقائق التي لا بدّ منها. لكن الفرق الذي قد يحصل على المستوى السياسي في حال حصول اعجوبة ما، من شأنه أن يخفّف من وطأة هذه التداعيات، بمعنى انّ تراجع سعر صرف الليرة الى مستوى 10 آلاف ليرة للدولار، يختلف بطبيعة الحال عن تراجعه الى 20 الف ليرة للدولار،على سبيل المثال لا الحصر.

في كل الأحوال، وبصرف النظر عن الاجراءات التي قد تُتخذ لمواجهة الأزمة ومعالجة تداعياتها، فإنّ الفرق لا تصنعه نوعية الإجراءات فحسب، بل توقيتها. كل اجراء في غير توقيته يفقد القسم الاكبر من قيمته وفعاليته.

الوقت هو معيار النجاح أو الفشل. وحتى الآن، أثبتت المنظومة السياسية، الى تمتٌّعها بمزايا الاستهتار والجهل وقلة الضمير، انّها تمتلك أيضاً، وعن جدارة، ميزة هدر الوقت، واتخاذ القرارات في توقيتها الخاطئ.

انكوان فرح.

2021 عودة الى العصر الحجري ما لم…

بتمهل وإنكار ولامبالاة يواجه السياسيون الانهيار الاقتصادي، لا حلول لا خطط لا برنامج عمل حتى الآن، فيما عدّاد الوقت يسير بلبنان بسرعة نحو مزيد من الفقر والجوع. هي مسألة أسابيع قبل ان تتغيّر الصورة مجدداً نحو الاسوأ. فكيف يستعد لبنان لمواجهة تحدّيات العام 2021 التي تنطلق بصفر فائض عن الاحتياطي الالزامي؟

يقول الاقتصادي روي بدارو، انّ ما تبقّى لنا من الاحتياطي هو في حدود 850 مليون دولار، بما يوازي مصروف شهر. أي من المتوقع ان ينتهي الاحتياطي في منتصف الشهر المقبل، او كأبعد تقدير نهاية العام 2020. فكيف تستعد الدولة لمواجهة العام 2021؟ للأسف نحن غير محضّرين بعد لمواجهة العام المقبل لا مالياً ولا فكرياً، لا سيما في ظلّ الترابط العضوي والوثيق بين المشهد السياسي والمشهد الاقتصادي، الذي يأتي نتيجة لسوء تصرف في معالجة الأزمات المتلاحقة.

واعتبر بدارو، انّ «الفشل الحاصل هو فشل جماعي، ولا تتحمّل مسؤوليته جهة واحدة، «كلن يعني كلن « مسؤول، وفي ظلّ الحوكمة الحالية نحن غير قادرين على التقدّم على الساحة الاقتصادية. فالوصفات الاقتصادية واضحة للجميع باستثناء البعض، الذي يتنكر للواقع. للأسف، نحن ندفع ثمن صراعات اجنحة ومصالح كبيرة على حساب الوطن».

وأكّد انّه لا يمكن تغيير المنحى الاقتصادي اذا لم نغيّر المنحى السياسي، «الّا اننا عاجزون عن تغيير المنحى السياسي في ظلّ وجود حزب يستقوي بالسلاح».

ولفت الى انّ «لبنان دخل الى جهنم ويعيش فيه. لكن اذا لم نمسّ بالاحتياطي الالزامي، وأصلاً لا يجوز المسّ به، فنحن نتجّه الى «ما بعد جهنم»، بما يعني انّ جهنم الذي نعيشه اليوم سيكون الجنة مقابل «ما بعد جهنم» الذي ينتظرنا، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا انترنت… اي عودة الى العصر الحجري.

اما المسّ بالاحتياطي الالزامي للهروب مما ينتظرنا، فيعني سرقة اللبنانيين مجدّداً. لذا يجب ان يُقابل بحركة اعتراضية، لأنّ هذه الخطوة تعني إطالة عمر المنظومة السياسية الحالية». مشدّداً على انّ «عدم السماح باستعمال الاحتياطي الالزامي او بيع الذهب او الخصخصة، هو الطريقة الوحيدة لعدم تمديد حياة هذه الطبقة السياسية».

ودعا بدارو الى تغيير شامل وكامل بحكومة جديدة، لا يكون مارس أحد من أعضائها العمل السياسي من قبل، لكنه يملك في الوقت نفسه نفَساً سياسياً سيادياً، أي يلتزم بالسياسة والحياد.

خطة الحكومة

وبالانتقال الى الحديث عن خطة الحكومة، قال بدارو: «انّ اهم ميزات الخطة الانقاذية التي أعدّتها الحكومة انّها لم تغط عيوب الاقتصاد وعوراته، وعلى عكس ما قيل في المجلس النيابي بأنّ الأرقام التي تضمنتها غير دقيقة، نحن نرى انّ الخطة اعتمدت أرقاماً علمية ودقيقة ايّدها صندوق النقد الدولي خلافاً لما يُسوّق». وأوضح انّ «ارقام الحكومة قريبة جداً من ارقام الصندوق، بحيث يمكن ان تصلح كبداية لنقاش جدّي مع صندوق النقد، شرط ان يقودها فريق من الخبراء يملكون الحنكة في طريقة التعاطي مع الفريق المفاوض». وأكّد انّه «ليس بالضرورة ان يوافق الجانب اللبناني على كل ما يطرحه وفد صندوق النقد، انما يجب ان نقدّم البراهين والحجج والمنطق خلال التفاوض. لكن في الوقت نفسه يجب التنبّه الى انّه يجب اقناع العالم الغربي وخصوصاً الجانب الأميركي، والذي يملك ما نسبته 16% من حق التصويت، بأنّ لبنان سيتمكن من الالتزام بتنفيذ الخطة، وانّ كل الأطراف السياسية ستتعاون على إنجاحها».

ورأى بدارو انّ «أهمية خطة الحكومة تكمن في المنطق الذي اتبعته وليس في الارقام التي تضمنتها، لأنّ الزمن تخطّاها وباتت كلفة تطبيق أي خطة اغلى. فلو دفعنا استحقاق «اليوروبوندز» في آذار كان تناقص ديننا مليارين، وما كنا لندعم التهريب الى سوريا بالقيمة نفسها تقريباً. ليبرز هنا مدى الغباء في قرار التخلّف عن الدفع».

واعتبر بدارو انّ مآخذه على خطة الحكومة تكمن في عدم تركيزها على عنصر النمو، «الذي كان يجب ان يكون هاجس الحكومة الأول. فالمداخيل التي خُطّط لها لن تأتي. ونلاحظ كيف انّ المؤسسات الخاصة تموت واحدة تلو الأخرى. في السابق، كانت تجبي الدولة نحو 20% ضرائب عن الناتج القومي، اما اليوم، لا يُتوقع ان تزيد النسبة عن 5 الى 6%، ما يعني انّ العجز تفاقم بسبب الهبوط الحاد في المداخيل وغياب أي نمو. وإذا لم يتغيّر النظام يُتوقع ان يغيب النمو أيضاً في العام 2021، وفي غياب النمو يغيب أي تصحيح مالي ونقدي». ورداً على سؤال، قال: «اذا طُبقت الإصلاحات كلها وفق أفضل نموذج، لا يمكن للبلد ان يقلع قبل 6 سنوات، فكيف اذا لم تُطبق الإصلاحات او طُبقت على الطريقة اللبنانية».

واسف بدارو لأنّ الانهيار الاقتصادي الذي نعيشه يُقابل بمماطلة وجمود سياسي أدّيا الى افقار الشعب وتهجيره، وقال: «توقعت قبل أحداث 4 آب هجرة نحو 500 الف لبناني. اما اليوم أتوقع هجرة فوق المليون لبناني، والاسوأ من هذه الهجرة وبغض النظر عن الخسائر التي مُني بها لبنان واللبنانيون، انّهم قتلوا الامل بالبقاء. وهذا سيرتّب هجرة جماعية ستتفاقم في العام 2021 فور ان تلتقط دول العالم أنفاسها بانتهاء كورونا، وعندها نكون امام مشروع وطن مختلف عن الذي نعيشه اليوم، يقطنه العجائز ومن لا يملك المؤهلات للعمل في الخارج».

ايفا ابي حيدر.

كيف يمكنك أن تُنقذ وديعتك في العام 2021؟

على أبواب عام جديد، يبحث المودِع عن مخرج لوديعته المصرفية ضمن الحلول المتاحة، وقد أحصَينا منها 9 حلول أساسية، بعضها رائِج ويرتكز على خسارة جزء من الوديعة، والبعض الآخر يساعد على التعويض عن هذه الخسارة.
فما هي هذه الحلول وما كلفتها؟

-1 سحب الوديعة بالليرة: وفيها انتظار لِما يمكن للقطاع المصرفي أن يوفّره شهرياً من سحوبات بالليرة بهدف، إمّا استبدالها من عند صرافي السوق السوداء، أو استعمالها للمشتريات اليومية. وهنا تبرز نقطتان يجب الأخذ بهما: الأولى، فقدان الأمل في إمكانية سحب الدولار نقداً من المصارف لأسباب يعرفها الجميع. والثانية، الأمل بأن يُبقي مصرف لبنان على سعر السحب بحسب المنصة ما بين 40% و60% من سعر السوق السوداء. وبالتالي، في حال ارتفاع الدولار في السوق السوداء الى ما بين 13000 و20000 ليرة في 2021، يؤمل أن يقوم مصرف لبنان برفع سعر سحب الدولار الى 7000 أو 8000 ليرة كي لا يغيّر بذلك شيئاً عن الوضع الحالي، إذ تبقى نسبة فقدان الوديعة (Haircut غير مباشر) تدور حول 50%. أما إذا امتنع مصرف لبنان عن رفع سعر السحوبات في حال ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء فمِنَ المتوقّع أن يضرب الجوع في كل مكان، إذ انّ الفارق بين سعر المنصة والسوق السوداء سيكون أكثر مما يمكن للبناني أن يتحمله، وستعود حينها ثورة الجياع الى الشارع.

2- شراء العقار: هذه الطريقة تعتبر آمنة ولكن يجب على من يرغب بالدفع بواسطة شيك مصرفي أن يعرف أنّ الفرَص الأهم كانت موجودة في النصف الأول من العام 2020، حين قام العديد من مالكي العقارات ببيعها مقابل شيكات مصرفية بغية تسديد ديون تراكَمت عليهم بالدولار. معظم هذه الديون قد تم تسديدها، وأضحى البائع يشترط تسديد قسم من ثمن العقار بالدولار نقداً. الحَسنة الأبرز في شراء العقار هي تفادي أية عملية Haircut مباشرة على الودائع. أمّا في ما يختَصّ بما تقدمه بعض الشركات العقارية من إمكانية شراء شقة في الخارج مقابل الدفع في لبنان، فيجب الأخذ بالاعتبار أنّ هذه الشركات ليست جمعيات خيرية، ويجب التنبّه بقوة لـ3 نقاط وهي: طريقة الدفع، نسبة تجاوز السعر لقيمة الشقة في البلد المعني، وأهمية الموقع الجغرافي للشقة.

3- شراء أسهم سوليدير: وهي عملية غير معقدة توفّرها المصارف اللبنانية لصالح زبائنها. يجدر الذكر أنّ سهم سوليدير ارتفع خلال عام من 5 دولارات الى 16 دولاراً، وبالتالي ليس واضحاً لأحد إذا كان هذا السهم قابِلاً لمزيد من الارتفاع أو التقلّب حول سعره الحالي. إنّ الفائدة من شراء هذا السهم هي مماثلة لشراء العقارات مع بعض الفوارق:

أولاً: يمكن شراء الأسهم بالدولار المصرفي من دون الحاجة الى الدولار النقدي.

ثانياً: يمكن تَسييل الاستثمار جزئياً وفي أية لحظة للمبالغ المتوسطة والصغيرة من دون الحاجة الى بيع كامل المحفظة.

ثالثاً: لا يتطلّب رأس مال كبير، إذ يمكن الشراء ببضعة آلاف من الدولارات من الحساب المصرفي.

رابعاً: لا يوجد حاجة الى التسجيل في الدوائر العقارية ولا مصاريف صيانة أو ضرائب.

في المقابل، في حال شراء العقار يكون الشاري مسيطراً كلياً على عقاره، في حين تخضع تقلبات سعر الأسهم بشكل عام الى حسن او سوء ادارة الشركة المعنية.

4- إستبدال الشيكات بالدولار النقدي: رغم أنّ هذه الطريقة للحصول على الدولار محظورة، إلّا أنّ العديد من الذين يَئِسوا من الحلول المطروحة يلجأون إليها. في هذه الحال تكون الخسارة بحوالى ثلثي الوديعة المصرفية وهي تُدمِي الكثير من القلوب، بالاضافة الى حالات النصب والاحتيال التي يتعرّض لها البعض من قبل تجار الدولار المزوّر. ولكن في جميع الأحوال توجد طرق للتخفيف من خسارة الثلثين عبر الآليّات التي سنوردها في الفقرات التالية.

5 – شراء الذهب: من البديهي أن يُصِرّ تاجر الذهب على بيع الليرات الذهبية أو الأونصات بالدولار النقدي كونه ابتاعَها بالدولار النقدي هو ايضاً. ولكن لماذا شراء الذهب؟ لأنّ التوقعات بمتابعة الذهب ارتفاعاته في السنين القادمة قد تعيد جزءاً من الخسارة المحققة أثناء تحويل الوديعة المصرفية الى دولار نقدي. لم يعد معلوماً مقدار الارتفاعات المتبقية للذهب بعدما ارتفع سعره بشكل كبير خلال 2020. ولكن في حال ضاعَف سعره في السنوات القادمة، يكون قد أعاد لِمَن خسر نصف وديعته كامل أمواله، ولمَن خسر الثلثين نصف خسارته.

6- شراء الفضة: وهي أفضل من الذهب من ناحية الارتفاعات المتوقعة، لكنّ شراءها بكميات كبيرة صعب عبر تجّار المعادن الثمينة في لبنان نظراً لكلفة شحنها وتخزينها. وبالتالي، يجب في هذه الحال أن نشتريها بواسطة عقود في الأسواق المالية العالمية عبر المصارف الاستثمارية اللبنانية وبواسطة الدولار النقدي. هذه الطريقة ممكنة لمن تعوّد على الاستثمار في الأسواق العالمية.

7- شراء البتكوين: هذه العملة المشفّرة عادت الى الارتفاع من جديد، ويتوقّع المحللون العالميون ان يتضاعف سعرها أو أكثر خلال العام 2021 بشكل يسمح لِمن مُنِي بالخسارة جرّاء تحويل وديعته المصرفية الى دولار نقدي أن يعوّض خسارته، لا بل قد ينتقل من الخسارة الى الربح، شرط أن يكون مَن اشتراها مُدركاً للتقلبات الهائلة التي عُرِفَت بها وللمخاطر التي ترافقها. كما يجب عليه أن يشتريها طالما انّ سعرها يتقلّب دون العشرين ألف دولار، لأنّ شراءها على أعلى من هذا السعر قد يكون متأخراً. من المهم أن يدرك من يرغب بشراء هذه العملة المشفرة أنّ مصرف لبنان يحظّر التداول بها في لبنان أو اجراء أية تحويلات الى البورصات التي تتعامل بها. والطريقة الأمثل لشرائها هي من خلال تحويل Fresh Dollar عبر المصارف اللبنانية الى شركات مالية (وليس بورصات) في الخارج وشرائها إمّا مباشرة كعملة مشفَّرة، أو عبر صناديق استثمار تمتلك هذه العملات مثل صندوقي GRAYSCALE وBitcoin Tacker One. والجدير بالذكر أنّ بعض الأشخاص يعرضون بيع البتكوين في لبنان مقابل الليرة أو الدولار وذلك مُتاح تقنياً كون هذه العملة عابرة للقارات، لكننا لا نملك أية معلومات عمّا يقوم به هؤلاء الأشخاص من عمليات، قد يكون بعضها صحيحاً والبعض الآخر احتيالياً.

8- شراء ETHEREUM: وهي العملة المشفّرة المفضلة لدينا، والتي تلي البتكوين حجماً. يتوقَّع المحللون لها مستقبلاً باهراً، خاصة انها تُعتَمَد في العقود الذكية Smart Contracts. إنّ آمال الربح عليها في 2021 تفوق تلك المتوقعة على البتكوين ومردودها قد يتجاوز أي استثمار آخر خلال العام القادم، كما انّ طريقة شرائها مماثلة للبتكوين.

9- شراء أسهم الشركات التي تستثمر بالعملات المشفرة: وذلك ممكن بكل سهولة عبر فتح حساب لدى المصارف الاستثمارية في لبنان والاستثمار في أسهم شركات تستثمر احتياطاتها المالية في العملات المشفرة، وهذه ظاهرة بدأت تلاقي رواجاً عالمياً خلال العام 2020. نذكر منها على سبيل المثال شركة MICROSTRATEGY التي تضاعف سعر سهمها خلال شهر تشرين الأول مع ارتفاع سعر البتكوين، إضافة الى شركتي SQUARE و OVERSTOCK اللتين حققتا أداءً هائلاً بالطريقة نفسها.

في الخلاصة، أمّا وقد ضرب من ضرب «وهرَّب من هرَّب»، فلقد عَدّدنا أعلاه بعض الطرق المتاحة لتفادي Haircut مباشر قد يحصل على الودائع، أو للتعويض عن خسائر غير مباشرة أصبحت واقعاً. الخيارات متعددة أما القرارات فتعود لكل مودع بحسب أولوياته.

ملاحظة هامة: تمثّل الآراء الموجودة في هذا المقال تقييماً للسوق والبيئة الاقتصادية في نقطة زمنية محددة، ولا يُقصد بها أن تكون توقعّاً للأحداث المستقبلية أو ضماناً للنتائج المستقبلية. التحليلات التطلعية تخضع لبعض المخاطر والشكوك، وقد تختلف النتائج الفعلية أو الأداء أو الإنجازات مادياً بحسب طريقة الاستثمار وتاريخه. لا يجب أن يُستخدم هذا المقال بأيّ حال من الأحوال كأساس لقرارات الاستثمار، ولا ينبغي أن يُفسَّر مضمونه على أنه نصيحة تلبّي الاحتياجات الاستثمارية الخاصة لأيّ مودع أو مستثمر.

د. فادي خلف.

عن ازمة لبنان المالية: ما قيمة الودائع؟ وهل العملة الرقمية هي الحل؟

لوحظ في السنوات الأخيرة ما قبل الانهيار أنّ مصرف لبنان كان يعمل على التأسيس لعملة رقمية، وإطلاقها في السوق اللبنانية. وقد أفصَح عن هذه العملة، في أكثر من مناسبة، وعن أهميتها في السوق المحلية، باعتبارها المَمر الآمن لانتقال الاقتصاد اللبناني من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الرقمي، ومجاراتها للاقتصادات المتطورة، القائمة على تكنولوجيا المعلومات.

اختلف المشهد اليوم واختلفت الإستراتيجيات وانهار الإقتصاد وانحَنت البلاد. لذا، نسأل أنفسنا في الأولوية: ما هو مصير العملة اللبنانية، والعملات الأجنبية المتداولة في السوق المالية اللبنانية؟ لا شك في أنّ قيمة الليرة اللبنانية تتدهور يوماً بعد يوم، نتيجة خسارة الثقة بالإقتصاد اللبناني والثقة بلبنان.

لكن، يجب أن يعرف الجميع أن قيمة ما كان يُسمّى بالدولار الأميركي الموجود في المصارف، هي بدورها تتدهور بشكل كبير جداً، باعتبار أنّ قيمة هذه الودائع في حد ذاتها لم يعد في الإمكان مقارنتها مع القيمة الحقيقية للدولار الحقيقي. والسبب يعود إلى أنّ المودعين لم يعد في مقدورهم الحصول على هذه العملات الاجنبية، وحتى لو استطاعوا ذلك فإنهم سيحصلون عليها بأسعار مرتفعة جداً، ويخسرون قسماً كبيراً من قيمتها الاساسية.

لذا، ما هي قيمة هذه الودائع بالعملات الأجنبية المجمّدة في المصارف اللبنانية؟ نُسارع إلى القول: إنّ القيمة والمعادلة واضحة جداً، إذ إنّ قيمة الدولار تعني كم نستطيع أن نحصل عليه في السوق المحلية السوداء المسمّاة «بنك نوت».

– (Bank Notes) في حال أراد المودع صَرفه في السوق السوداء (بنك نوت)، وعليه أن يعرف ويقبل بأنّ هذه هي قيمته الحقيقية، علماً أنّ المساعدات الدولية من قبل صندوق النقد الدولي أو مؤتمر «سيدر»، في حال تم ضَخها الى لبنان في يوم من الأيام، فإنها ستُضَخ لمساعدة المشاريع الإنمائية والبنية التحتية، ولم ولن تُضخ في السوق المصرفية او لمصلحة المودعين المغبونين من قبل الدولة التي صرفت مدّخراتهم.

واقع الحال، ما هي قيمة الليرة اللبنانية التي لدينا، باعتبار أنّ طباعة المزيد من العملة الوطنية وضَخّها في السوق المحلية سيُعرّضها إلى المزيد من فقدان قيمتها على نحو أسرع من المتوقع؟ إنّ قيمة الليرة اللبنانية تتدهور على نحو أكثر من السوق الحقيقية. لذا، من أجل أن يدرس صندوق النقد الدولي والبلدان المانحة خطته الاقتصادية للبنان، عليه أن يعلم ما هي القيمة الحقيقية لسعر الصرف في السوق السوداء بالتوازي مع السعر الوهمي. كما أنّ المودعين في المصارف اللبنانية لم يعد في مقدورهم الحصول على العملات الاجنبية المجمّدة فيها، الّا بمبالغ محدّدة وبحسب سعر الصرف الوارد في التعميم 151، وفي الوقت عينه، حتى انهم لا يستطيعون الحصول على العملة الوطنية الورقية إلّا بمبالغ محددة، حيث خَلّفت هذه التدابير سوقاً سوداء جديدة بالشيكات بالعملة الوطنية، وحَسمها بمبالغ تُراوح بين 5% و10%.

في هذا المناخ المظلم والتشاؤمي، كيف يُمكن أن نتحدث عن إطلاق العملة الرقمية أو أن نطمح بالانتقال من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الرقمي، باعتبار أنّ أركان الاقتصاد لم تعد موجودة.

علينا الحذر والتفكير بأنّ العملة الرقمية اللبنانية، المُنتظر إطلاقها، تختلف تماماً عن العملات الرقمية المتداولة في بعض دول العالم مثل «بيتكوين»، التي يُمكن تداولها عالمياً وليس محلياً، إذ إنّ الأخيرة وتوابعها تُعتبر بنظر الحكومات مجرّد سلعة لا عملة، باعتبار أنّ العملة الرقمية ترتبط باقتصاد البلد وتشحن قوتها من قوة الاقتصاد. وعليه، لا بد من السؤال: أيّ اقتصاد سيدعم العملة الرقمية في لبنان؟ وهل الوقت الراهن يسمح لنا بالحديث عن إطلاق العملات الرقمية الوهمية؟

وإذا أردنا الخَوض عشوائياً في هذا المجال، فمَن سيتعامل مع العملات الرقمية؟ ومَن سيحملها؟ ومَن سيُسدد بها الاحتياجات والمتطلبات؟ ومن سيدّخر بها؟ يتخوّف البعض من أنّ هذا المشروع المُبطّن يهدف الى استبدال جزء من دولاراتنا في السوق المحلية المجمّدة بالعملة الرقمية، علماً أنّ المودع لا يستطيع الحصول على ودائعه بالعملات الاجنبية غير الموجودة، وحتى بالعملة الوطنية التي يخفُ ضخّها. فهل الهدف من طرح العملة الرقمية في السوق المحلية اليوم في صلب الانهيار، يعني تحويل ما تبقّى لدى المودعين من ودائعهم بالدولارات، وهي كمية كبيرة، إلى العملة الرقمية، علماً أنّ هذه العملة الوهمية لا يجوز أن يثق بها أحد في هذا الجو من انعدام الثقة؟
نحن اليوم لسنا في وضعٍ يسمح لنا باختراع عملات افتراضية (رقمية وغيرها) لأننا نفتقد للثقة في السوق المحلية، ولا نعلم حقيقة الأمور والأهداف المختبئة. فالسوق الاقتصادية الحقيقية في لبنان تمرّ في فترة من أصعب الفترات في تاريخه، وأن اقتصاد البلد يتحوّل من الاقتصاد الحقيقي والمصرفي الذي كان يتميّز به إلى اقتصاد الكاش (Cash Economy) والعملات الورقية Bank Notes، وهو اقتصاد خطر جداً جداً في بلد مِثل لبنان.
نخشى أن يُصبح اقتصاد «الكاش» مقراً للتهريب وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفتح المجال لترويج المخدّرات، وهو أمر مخيف جداً في بلد صغير مثل لبنان بُني على الفساد وغياب المحاسبة والملاحقة. من هنا يجب القول: إنّ الحديث عن العملات الرقمية في هذا الوقت الصعب جداً يخضع لتجاذبات سلبية أكثر منها إيجابية، ونحن في غِنى عنها اليوم، علماً أنّ العملة الرقمية اللبنانية سيكون استعمالها محلياً حَصراً، والمُرتقَب ألّا يقبل أحد بتداولها والتعامل بها في سوقنا المحلية. فلا العملة الرقمية ولا سواها من الإجراءات ستُشكّل مدخلاً ثابتاً لصَوغ الحلول للأزمة المالية والنقدية، ما لم نتمكّن من استعادة الثقة كركن أساسي وتنفيذ الاصلاحات المَرجوّة منذ سنوات عدة، ورسم خطة اقتصادية واجتماعية متكاملة على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

في المحصّلة، إنّ القرارات العشوائية والمنفردة، ومنها العملة الرقمية، يجب ألّا تُبصر النور في هذا الجو من الانهيار.

د. فؤاد زمكحل.

مالية لبنان: إنتحار مُبكر… شطب 80 % من الودائع منذ اليوم

«أفكار» المستشارين والمُنظّرين التي أنجزت خطة التعافي التي تبنّتها حكومة تصريف الاعمال، لا تزال تجد من يَتماهى مع فلسفتها. وهناك حالياً «أفكار» جديدة يجري التداول بها لا تقل خطورة عن الخطة القديمة، بل تتجاوزها، لأنّ الظروف أصبحت أشد تعقيداً ممّا كانت عليه قبل 7 أشهر.

لا تزال تداعيات خطة التعافي التي اقترحتها حكومة تصريف الاعمال ماثلة في الأذهان بسبب رعونتها في مقاربة أسلوب معالجة الأزمة على حساب المودعين، وتحييد الدولة من أية مسؤولية تفرض عليها المشاركة الحقيقية في الحل.

اليوم، وبعد مرور حوالى 7 أشهر على «خطة التعافي»، تبرز في كواليس المستشارين وغير المستشارين، اقتراحات هي أقرب الى الثرثرة لكنها تثير الرعب، لأنّ مسار التطورات يوحي بأنّ هذه الافكار الشيطانية قد تجد من يتبنّاها بذريعة انها أفضل الشرور.

تستند هذه الافكار الى ما تسمّيه هذه الشريحة فن الممكن، من خلال طرح سيناريوهات وبدائل في حال استمر الوضع في البلد على ما هو عليه، واضطر اللبنانيون الى الانتظار لأشهرٍ طويلة، قد تمتد الى نهاية العهد بعد حوالى سنتين. ويتساءل هؤلاء ما هو الاجراء الافضل الذي يمكن اتخاذه في هذا الوضع؟

يتحدث المنظّرون الجدد انّ البلد سيكون محكوماً بالسيناريوهات التالية:

أولاً – الاستمرار في الانفاق من الاحتياطي الالزامي، وبالوتيرة نفسها تقريباً التي تمّ فيها الانفاق منذ تشرين الاول 2019 حتى اليوم. وهذا يعني انّ الـ17 مليار دولار (اذا كانت موجودة فعلياً) تكفي تقريباً حتى نهاية العهد. وبعد ذلك لكل حادث حديث…

ثانياً – وقف الدعم أو خفضه الى مستويات كبيرة. وهذا يعني الاستعانة بنسبة أقل بالاحتياطي الالزامي، بحيث يصبح في الامكان إصدار تعميم من مصرف لبنان يقضي بخفض نسبة الاحتياطي من 15 الى 7%. وبذلك، يتم تحرير حوالى 8 مليارات دولار يمكن استخدامها. لكنّ هذا الخيار يبقى ناقصاً، لأنّ الاشكالية ستكون في شأن الاموال التي سيجري تحريرها، إذ ينبغي أن تتم إعادتها الى المصارف. وبالتالي، هناك من يقترح في هذه الحالة أن يتم الدفع الى المصارف بواسطة الـ»لولار» (الدولار الدفتري الذي يُدفع حالياً على سعر 3900 ليرة)، وأن تبقى الدولارات الفعلية في تصرّف المركزي.

ثالثاً – الاستعانة بالذهب الموجود في المركزي وليس في الخارج، وكميته الحقيقية غير مُعلنة، لرَهنه أو بيعه في سبيل الاستمرار في الانفاق وتسيير شؤون الدولة.

هذه السيناريوهات متوقعة، اذا تعذّر الانتقال سياسياً الى وضع يسمح بالعودة الى أحضان المجتمع الدولي، ومعاودة التفاوض مع صندوق النقد الدولي على خطة إنقاذ.

إنطلاقاً من هذه السيناريوهات السيئة كلها، تنبري أفكار يقول المروّجون لها إنها تستند الى فلسفة التفكير من خارج الإطار القائم (out of the box).

تقوم النظرية على المبدأ التالي: المحاذير التي تحول دون اعتماد مبدأ الاقتطاع من الودائع لمعالجة الأزمة هي التالية:

اولاً – عدم المَس بقدسية الملكية الخاصة التي يحميها الدستور والقانون.

ثانياً – الحفاظ على سمعة القطاع المصرفي وقدراته للإقلاع بالاقتصاد مجدداً بعد انتهاء مفاعيل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلد.

ثالثاً – الحفاظ على أموال المودعين كاملة، سواء لحماية قدراتهم المعيشية (مدّخرات)، أو للحفاظ على قدراتهم الاستثمارية في المستقبل.

هذه الاعتبارات الثلاثة التي تقطع الطريق مبدئياً على فكرة الاقتطاع من الودائع، فقدت قيمتها في قسم كبير منها، برأي البعض، الذي يعتبر انّ مبدأ قدسية الملكية انتهى لأنّ أصحاب الملكية فقدوا قسماً منها من خلال سحب الدولار على غير سعره الحقيقي، وفقدوا الحق بالتصرّف بها من خلال حجزها من دون قانون «كابيتال كونترول». كذلك سقط مبدأ الحفاظ على سمعة المصارف، لأنّ هذه السمعة انهارت مبدئياً، واذا استمر الوضع كما هو لفترة أطول لن يبقى منها ما يسمح بإعادة بناء الثقة. كذلك سقط المبدأ الثالث لأنّ الاموال غير موجودة اليوم، وإعادة تكوينها أو تكوين قسم منها يبقى ممكناً لوقت محدّد. لكنّ المراهنة على بقاء هذه القدرة قائمة بعد سنتين مثلاً، ومن دون إجراءات معالجة، هو ضرب من خيال.

إنطلاقاً من هذا التشريح، يسري في أوساط المُنظّرين اقتراح يقضي باعتماد الاقتطاع الشامل من الودائع بنسبة 80% منذ اليوم. والسماح لمَن يرغب بعد هذا الاقتطاع بسحب وديعته بالليرة (ربما الرقمية) على سعر المنصة، أو الاحتفاظ بما تبقّى من وديعة، مع وعدٍ بإمكانية الحصول عليها لاحقاً بالعملة الصعبة!

أما بالنسبة الى اليوروبوندز، فيقترح أصحاب هذه النظرية الاتفاق مع حملة السندات الاجانب على نسبة مئوية مقبولة والتسديد من الاحتياطي، لإغلاق هذا الملف.

ويعتبر أصحاب هذه النظرية انّ الاقتطاع المُبكر من الودائع يوفّر فرصة استخدام الاحتياطي المتبقي بطريقة مُجدية أكثر، ويسمح للدولة بأن تصبح ماليتها في حال أفضل. والأهم، كما يقولون، انّ من يعتبر انّ مثل هذا الاقتراح كارثة وفاجعة لأنه يخرب البلد، ويسلب أموال الناس، ويضع الجميع في مواجهة مصير أسود، لا يفقهون ربما أنّ هذا المصير سيصلون إليه بعد فترة، لكنّ التداعيات ستكون أقسى وأخطر من تداعيات إعلان الهيركات منذ اليوم.

لكن ما يفوت أصحاب هذه النظرية انّ الوضع قد ينقلب رأساً على عقب بين ليلة وضحاها، إذ يمتلك لبنان أوراقاً كثيرة رابحة، من ضمنها القوى العاملة في الخارج والقادرة وحدها على تمويل السوق بكمية لا يُستهان بها من العملات الصعبة. كل ما هو مطلوب أن يتغيّر المشهد السياسي، وهذا المشهد قد يتغيّر بكبسة زر، ومن دون سابق إنذار. وبالتالي، لا مبرّر للانتحار المُبكر، ولو أنّ الوضع يدعو فعلاً الى الاحباط واليأس.

انطوان فرح.

ماليات لبنان: المجازفة بورقة الخليج تأشيرة سريعة نحو الثقب الأسود

يبدو التدقيق الجنائي في القاموس السياسي كأنّه العصا السحرية التي ستحلّ المشاكل. لكن التراكمات التي يشهدها البلد حالياً، تُنذر بالوصول الى أمكنة قاتمة، حيث التعتير الحقيقي الذي لم يتعرّف اللبناني عليه بعد.

يطيب لأحد المستثمرين في القطاع السياحي، في معرض وصفه للوضع الحالي، أن يروي قصة ذلك الرجل الذي عجز عن تحصيل دينٍ له في ذمّة رجل آخر، ووافق في النتيجة أن يأخذ كتعويضٍ عن الدين إحدى ساعتين يملكهما المقترض المتعثّر. ولكي يختار أية ساعة هي الأفضل، قصد احد الاخصائيين، وروى له قصته وأعطاه الساعتين ليفحصهما له. فتح الأخصائي الساعة الاولى، فحصها ثم نظر الى الرجل قائلاً: خُذ الساعة الأخرى. ذُهل الرجل وقال: لكنك لم تفحص الساعة الأخرى بعد. أجابه الاخصائي: لا يوجد ما هو اسوأ من الساعة التي فحصتها، لذلك نصحتك بالساعة الأخرى من دون أن أفحصها.

ويخلُص المستثمر الى الاستنتاج، بعد سرد الرواية، أنّ من «يفحصنا» اليوم، سيكتشف انّه لا يمكن ان نصل الى وضع اسوأ، لأنّه لا يوجد ما هو اسوأ…

رغم سوداوية الرواية، فإنّها لا تعبّر عن الواقع، لأنّ ما هو اسوأ موجود فعلاً، وكلما أوغلنا في الاستسلام، كلما تعرّفنا على الاسوأ الذي ينتظرنا، والذي يكمن اليوم في الاستمرار بالنهج القائم المُستند الى فكرة «تسير والرب راعيها».

وفيما تتبارى القوى السياسية في إظهار حماستها للتدقيق الجنائي في كل وزارات ومؤسسات وادارات وصناديق ومجالس الدولة، في معرض التأكيد على براءتها من تهمة الفساد وسرقة المال العام، يمضي الوضع المالي والاقتصادي نحو المزيد من التعقيدات. وسيواجه اللبناني ظروفاً أقسى من الظروف الحالية، وفق الحقائق والمؤشرات التالية:

اولاً- لم ولن تتوصّل المنظومة الحاكمة الى حلّ يعالج مسألة وقف استنزاف ما تبقّى من احتياطي العملات في مصرف لبنان. والمشكلة هنا، انّ البعض يدّعي أنّ الدفاع عن فكرة عدم المسّ بالاحتياطي الالزامي هو دفاع عن كبار المودعين في وجه الفقراء المحتاجين الى الدعم لتأمين لقمة العيش وتحاشي المجاعة. في حين انّ تبذير الاحتياطي سيكون بمثابة الضربة القاضية على الطبقة الوسطى والفقراء، وسيضع حداً لأي أملٍ في المستقبل، بما يعني نقل البلد الى مكان آخر، لا يشبه، ولا علاقة له بلبنان الذي نعرفه. وبالتالي، فإنّ الحرص على الاحتياطي هو من باب الحرص على الاحتفاظ بالذخيرة الضرورية للإقلاع مجدداً، بدلاً من الغوص الى أعماق فارغة يصبح معها الخروج شبه مستحيل، أو يحتاج الى عقود من الزمن، وليس الى سنوات.

ثانياً- يتهاوى القطاع الخاص تباعاً، والمؤسسات تسقط الواحدة تلو الأخرى. وسيستمر هذا المسلسل طالما انّ المنظومة الحاكمة لم تحسم مسألة تشكيل «حكومة مهمّة»، والبدء في تنفيذ خطة إنقاذ بالتعاون مع المجتمع الدولي. هذا السقوط المدوي للمؤسسات يُراكم أمرين: عاطلون جدد من العمل، ينضمون تباعاً الى من سبقهم منذ سنة حتى اليوم. وقروض قائمة ستنضمّ الى لائحة القروض الهالكة. وللتذكير، فإنّ حوالى 30% من محفظة القروض المصرفية تعود الى الافراد (حوالى 19 مليار دولار)، بما يعني انّ سقوط المؤسسات وارتفاع حجم البطالة سيؤدّيان الى ديون اضافية هالكة، والى خسائر متراكمة في المصارف. مع الاشارة الى انّ هذا النوع من القروض (الافراد) يتمّ تسديده بالليرة وفق السعر الرسمي، وقسم كبير من الضمانات يرتبط براتب المقترض ليس إلّا، بما يعني انتفاء امكانية التعويض من خلال الضمانات.

ثالثاً- لطالما كان سوق الخليج المدى الحيوي للاقتصاد اللبناني. وفي الاحصاءات غير الرسمية المتوفرة، انّ بين 15 الى 20% من القوى العاملة اللبنانية تتواجد في الخليج، أو تستفيد منه في أعمالها. هذه النسبة لا توجد في أي دولة عربية أخرى، وهي تعطي لبنان امتيازاً اقتصادياً استثمره بقوة، سواء قبل الحرب في العام 1975، أو خلالها، أو بعد الطائف وبدء مرحلة جديدة في العام 1990. في كل المراحل، كان الخليج بمثابة الحديقة الخلفية للاقتصاد الوطني. ومن دونه، لما عرف لبنان حقبات ازدهار جعلت معدل الدخل الفردي فيه الأعلى بين كل الدول العربية غير النفطية. وهكذا كان لبنان الطفل المُدلّل للدول الخليجية النفطية. هذا الواقع بدأ يتغيّر تباعاً مع السيطرة على القرار اللبناني، وإلحاق البلد عنوةً بالمحور الايراني. وفي التقديرات، انّ حوالى 3 الى 4 مليارات دولار دخلت الى لبنان في خلال العام 2020، من القوى اللبنانية العاملة في الخليج. هذا الرقم يعطي فكرة لماذا لا تزال أسعار الدولار في السوق السوداء «مقبولة»، لأنّه من دون هذا الضخ لكان انهيار سعر صرف الليرة أكبر وأسرع بكثير.

لا شك في أن تجميد، أو التأنّي في منح تأشيرات للبنانيين الى دول الخليج سيكون بمثابة «رصاصة الرحمة»، خصوصاً اذا واكبتها وقائع أدّت الى عودة بعض اللبنانيين العاملين في الخليج حالياً، سواء بفعل الظروف الاقتصادية القائمة هناك بسبب تداعيات كورونا، وتراجُع أسعار النفط، الأمر الذي أدّى الى تقلّص حجم سوق العمل الخليجي عموماً، أو لأسباب سياسية ترتبط بالإجراءات التي تتخذها بعض هذه البلدان لضمان عدم وجود عناصر غير مُطمئنة أمنياً.

بالاضافة الى ذلك، يُشكّل الخليج السوق الأول للصادرات اللبنانية، واذا فقدنا هذا السوق سيتلقّى اقتصادنا المنتج ضربة قاسية أيضاً.

الوقت هو العملة النادرة التي لا نملكها، اذا أهدرناه أكثر، لن ينفعنا لا تدقيق جنائي في مصرف لبنان، ولا تدقيق جنائي في كل ادارات الدولة، لأنّ الثقب الاسود الذي نتّجه نحوه بسرعة سيبتلعنا ولن يلفظنا سوى مجرد عظام.

انطوان فرح

ما الخيارات المُتاحة بعد 9 أشهر على الإفلاس؟

بعد حوالى 9 أشهر على اعلان حكومة تصريف الاعمال اللبنانبة التوقّف عن دفع «ليوروبوند»، أين أصبح الوضع المالي؟ ما هي فرص إنقاذ الودائع؟ ما هو الثمن الذي لا بدّ منه للخروج من النفق، وكم قد تستغرق عملية الخروج؟

مع إقتراب العام 2020 من نهايته، سوف تبدأ الارقام في الظهور تباعاً، والتي على أساسها يمكن إطلاق تقديرات في شأن الوضع المالي، وفرص الإنقاذ المُتاحة انطلاقاً من الحقائق الجديدة.

رغم أنّ الأجهزة الرسمية عاجزة عن اعطاء أرقام دقيقة للقطاعات وفي مجالات كثيرة، إلّا أنّ بعض المعطيات التي فرضت نفسها حتى الآن، تؤكّد أنّ الاقتصاد يعاني نكسة تُعتبر خطيرة في ميزان الدول التي تواجه أزمات تعثّر وإفلاس. ويمكن هنا إيراد مؤشرين خطيرين يمكن البناء عليهما لتقدير خطورة الوضع.

المؤشر الاول، يتعلق بحجم الاقتصاد (GDP) الذي تراجع بنسبة قاربت الـ70% في غضون بضعة أشهر. وانخفض من حوالى 52 مليار دولار، الى حوالى 18 مليار دولار. هذه النسبة تُعتبر قاسية جداً. وعلى سبيل المثال، ومن خلال المقارنة مع اليونان والارجنتين، يتبين انّ الاولى لم تشهد في أزمة الافلاس، هذه النسبة من الانخفاض في حجم اقتصادها. وسجّل الاقتصاد اليوناني التراجع الأكبر بين 2014 و2015، حيث انخفض من 237 مليار دولار الى 196 ملياراً، أي ما نسبته حوالى 18%. في المقابل، سجّل الاقتصاد الارجنتيني أسرع انخفاض له في العام 2001، حيث تراجع بنسبة تقارب الـ70%، (من 268 مليار دولار الى 98 ملياراً) وهي شبيهة بالنسبة التي سجّلها الاقتصاد اللبناني.

وهنا تنبغي الاشارة، الى أنّ الاقتصاد الارجنتيني استعاد زخمه من حيث الحجم بسرعة اكبر من الاقتصاد اليوناني. وفي تفسير هذه الظاهرة، إنّ الارجنتين عمدت الى تجميد سحب الودائع من المصارف في قرار أُطلق عليه مصطلح «كوراليتو» Corralito . وكان ذلك بمثابة تمهيد لتعويم سعر صرف البيزو. وخسر المودعون من خلال هذه العملية نسبة مرتفعة من ودائعهم.

في مقارنة النموذجين اليوناني والارجنتيني، يتبين انّ المودعين دفعوا الثمن في الارجنتين على عكس اليونان. لكن هذا الوضع ساهم لاحقاً في مساعدة الاقتصاد الارجنتيني في النمو بسرعة اكبر. في حين انّ اليونان حافظت على الودائع، مع «هيركات» بسيط واختياري على طريقة الـBail-in. وبطبيعة الحال، لم تلجأ أثينا الى تعويم عملتها، لأنّها تستخدم اليورو المحمي من البنك المركزي الاوروبي. وهذا ما يفسّر لماذا استغرقت اليونان وقتاً أطول لإعادة تكبير حجم اقتصادها، على عكس الارجنتين، التي نما اقتصادها بسرعة. لكن الفرق ايضاً، انّ اليونان نجحت في فترة زمنية قصيرة نسبياً في العودة الى الاسواق العالمية للاقتراض، في حين انّ الارجنتين، ورغم نمو اقتصادها النسبي، ظلت تعاني من عزلة على مستوى الاسواق، وظلت تعاني من هبوط وصعود، بحيث يمكن القول، انّ أزمتها المالية امتدت لثلاثين أو اربعين سنة، ولا تزال.

خلاصة القول، في هذا الموضوع بالنسبة الى لبنان، انّ هبوط حجم الاقتصاد بهذه النسبة الكبيرة يجعل الامل في الإقلاع مجدداً، من دون «هيركات» أشد تعقيداً. وسيكون الخيار، اذا وصلنا الى مرحلة بدء تنفيذ خطةٍ للانقاذ بالتعاون مع صندوق النقد، بين الانتظار لسنوات طويلة، قبل استعادة حجم الاقتصاد الحالي، أو التضحية بقسم من الودائع لإعادة حجم الاقتصاد الى ما هو عليه في غضون 3 أو 4 سنوات.

المؤشر الثاني، يتعلق بوضع المصارف التي ستكون الركيزة التي سيتمّ الاعتماد عليها في تنفيذ أية خطة للتعافي. وهنا يُطرح السؤال حول التعميم الذي أصدره مصرف لبنان، وأعطى فيه المصارف مهلة حتى شباط 2021 لزيادة رساميلها، واستعادة قسم من الاموال التي خرجت من النظام المصرفي منذ العام 2017. واذا اعتبرنا انّ القسم المتعلق باستعادة نسبة من الاموال التي خرجت لن ينجح، كما تفيد المعلومات المتوفرة حتى الآن، فإنّ السؤال سيكون حول جدوى تنفيذ الشق المتعلق بزيادة الرساميل، اذا كان الوضع باقياً على ما هو عليه اليوم؟ وكيف سيتمّ تحفيز المستثمرين على ضخ اموال اضافية في قطاع يتعرّض لأزمة غير مسبوقة؟ وهل يمكن جذب أي قرش اضافي، الى مصارف وصلت اسعار اسهمها (GDR) في بورصة لندن الى مستويات مُرعبة، بحيث هبطت الى ما دون الـ20 سنتاً، (كانت قبل الأزمة فوق الـ6 دولارات)، في مؤشر يؤكّد انّ الوقت الضائع يلتهم الثقة يوماً بعد يوم، وكلما أفرطت الدولة في تبذير الوقت، كلما ساهمت في ضرب القطاع المصرفي وقضت عليه. وهي بذلك تقضي على أي أمل باستعادة الودائع، أو بالاقلاع والخروج من الأزمة في فترة منطقية.

هذا الواقع يعني انّ الثمن الذي سيدفعه اللبنانيون، اذا هبط الوحي وبدأ الانقاذ غداً، سيكون باهظاً. اما اذا لم يهبط الوحي، وهذا هو المرجّح، واستمر الوضع على ما هو عليه لفترة أطول، فهذا يعني انّ الخيارات ستصبح محصورة بين مصيبةٍ ومصيبةٍ أكبر، ولا شيء غير ذلك.

انطوان فرح

لماذا انحسرت الهجمة على شراء الشقق؟

إنحسرت «الهجمة» العقارية بعد ارتفاع قيمة المبيعات 112 في المئة منذ بداية العام الحالي، وذلك نتيجة تصريف معظم مخزون المطورين العقاريين من الشقق السكنية مقابل شيكات مصرفية، في حين يستمرّ تحويل الودائع العالقة في المصارف الى أراضٍ، ولكن بصعوبة أكبر وبأسعار أعلى.

من أصل 11 مؤشراً للقطاع الحقيقي، مؤشر واحد فقط سجّل ارتفاعاً خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2019، هو مؤشر المبيعات العقارية الذي سجّل نمواً بنسبة 112.7%، حيث أصبح منذ اندلاع الأزمة في العام الماضي، الملاذ الآمن الوحيد لأصحاب رؤوس الاموال العالقة في المصارف.

في التفاصيل، ارتفع عدد المبيعات العقارية من 36,952 عملية في الأشهر التسعة الأولى من العام 2019 إلى 55,108 عمليات في الأشهر التسعة الأولى من العام 2020، وفق آخر الإحصاءات الصادرة عن دائرة السجل العقاري. كذلك، ارتفعت قيمة المبيعات العقارية بنسبة 112,7% على أساس سنوي لتبلغ 10,077 ملايين دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، بحيث ارتفع متوسط قيمة الصفقة العقارية من 128,228 دولاراً الى 182,860 دولاراً بين الفترتين.

وقد ظلّت بيروت تستأثر بالحصة الأكبر من إجمالي قيمة المبيعات العقارية (34,1%)، تلتها بعبدا (17,3%)، ثم المتن (17,0%)، فكسروان (12,0%)، فلبنان الجنوبي (8,3%)، فلبنان الشمالي (4,1%)، فالبقاع (3,1%)، فالنبطية (2,8%). يضاف الى ذلك، أنّ معظم المناطق سجّلت زيادة في قيمة المبيعات العقارية، غير أنّ الزيادات الأبرز جاءت كالآتي، كسروان (+168%)، بيروت (+127%) وبعبدا (+112%). في موازاة ذلك، ارتفعت قيمة الرسوم العقارية بنسبة 105,7% لتصل الى 448 مليون دولار. أما عدد المبيعات العقارية للأجانب فقد ارتفع بنسبة 2,4% على أساس سنوي ليبلغ 776 عملية في الأشهر التسعة الأولى من العام 2020.

أفول «الهجمة» العقارية

في هذا الاطار، أوضح الخبير العقاري رجا مكارم لـ»الجمهورية»، انّ وتيرة عمليات البيع العقارية تراجعت بشكل ملحوظ في الآونة الاخيرة، بعد ان هرّب من هرّب ودائعه العالقة في المصارف وحوّلها الى عقارات، من خلال الدفع عبر الشيكات المصرفية. مشيراً الى انّ تراجع وتيرة المبيعات مردّه الى انقضاء مخزون الشقق السكنية المعروضة للبيع من قِبل المطورين العقاريين، حيث تمّ بيع كافة الشقق السكنية الجديدة تقريباً، «وما يتمّ بيعه حالياً يقتصر على الشقق السكنية التابعة لأفراد، والتي يهدف اصحابها الى بيعها مقابل الحصول على السيولة النقدية cash money وليس من خلال الشيكات المصرفية، وهو امر بالغ الصعوبة حالياً».

ولفت مكارم الى انّ «المطور العقاري الذي ما زال يحتفظ بمخزون ضئيل من الشقق السكنية الجديدة، يكون قد سبق وسدّد ديونه المصرفية، ولم يعد في حاجة الى بيع عقاراته مقابل شيكات مصرفية، بل يسعى للحصول على السيولة النقدية». مؤكّداً انّ معظم المطورين العقاريين سدّدوا قروضهم للمصارف.

في المقابل، ما زالت عمليات بيع العقارات (الاراضي) تتمّ عبر الشيكات المصرفية، ولكن ليس بالسهولة المعهودة خلال بدء الأزمة، «لأنّ الشاري يحاول تخفيض الاسعار، في حين انّ البائع يرفض ذلك». وذكر مكارم، انّ الاراضي المعروضة للبيع في بيروت اصبحت نادرة جدّاً «وما هو معروض حالياً للبيع مقابل شيكات مصرفية يقع خارج نطاق العاصمة». لافتاً الى انّ من يسعى لبيع الاراضي حالياً مقابل شيك مصرفي يهدف الى تسديد ديون مصرفية او تغيير استثماراته جغرافياً، أي بيع عقار في منطقة ما وشراء آخر في منطقة أخرى، أو نتيجة تصفية عقارات تابعة لعدّة شركاء.

ووفقاً لتقرير بنك عودة، فإنّ المساحة الإجمالية لرخص البناء الجديدة، والتي تشكّل مؤشّراً الى حركة البناء المستقبلية، استمرّت في الانحسار. فإحصاءات نقابتي المهندسين في بيروت وطرابلس تُبيّن أنّ المساحة الإجمالية لرخص البناء الممنوحة حديثاً بلغت 3,350,129 متراً مربّعاً في الاشهر التسعة الأولى من العام 2020، مقابل 5,079,173 متراً مربّعاً في الأشهر التسعة الأولى من العام 2019، أي بانخفاض نسبته 34% على أساس سنوي (بعد تراجعها بنسبة 27,3% في الفترة ذاتها من العام 2019). ويبيّن التوزّع الجغرافي لهذه الرخص أنّ الانخفاض أصاب معظم المناطق، إلاّ أنّ بيروت والبقاع سجّلتا أعلى نسب من التراجع (-80,8% و-39,5% على التوالي). ولا يزال جبل لبنان يستأثر بحصة الأسد من مجموع مساحات الرخص الممنوحة حديثاً في الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 (33,2%)، يليه لبنان الجنوبي (23,5%)، ثم لبنان الشمالي (19,6%)، فالنبطيّة (12,8%)، فالبقاع (8,9%) وبيروت (2,0%).

وقد اوضح مكارم في هذا السياق، انّ عمليات البناء الجديدة غير واردة حالياً بسبب ارتفاع الاسعار، حيث بات متر البناء يكلّف 3 أضعاف ما كان عليه قبل الأزمة، بالاضافة الى أنّ الدفع محصور فقط بالسيولة النقدية.

وبالنسبة للاسعار، اكّد انّها عادت الى طبيعتها ما قبل الأزمة، حيث انّ اسعار الشقق او الاراضي برسم البيع حالياً هي اسعار مرتفعة بنسبة تتراوح بين 20 الى 30% بالنسبة للشقق السكنية، وبين 10 الى 20% بالنسبة للاراضي.

وختم مكارم مشدّداً على انّ العقار ما زال يُعتبر ملاذاً آمناً محليّاً بالنسبة لاصحاب الودائع المصرفية.

رنى سعرتي

هل تكون الليرة الرقمية هي الحل، اليكم كيف؟

في بادرة قديمة متجدّدة، أعلم حاكم مصرف لبنان جمعية المودعين نيته إطلاق العملة الالكترونية بالليرة اللبنانية خلال العام المقبل. للإضاءة على تأثيرات هذه العملة على الوضع المالي، ولكي لا يخلط البعض بين مبدأ العملة الرقمية المقترحة Digital Currency والعملات المشفَّرة Cryptocurrencies وجب توضيح بعض الأمور المتعلقة بهذه العملات ودورها في السياسات النقدية، قبل الانتقال الى سلبيات وايجابيات إصدار الليرة الرقمية.

العملات الرقمية هي مركزية، تُصدرها عادة المصارف المركزية وتنظّم المعاملات المتعلقة بها (CBDC) Central Bank Digital Currency، كما يمكن أيضاً أن تصدرها بعض الشركات المتخصصة. بينما العملات المشفَّرة هي لا مركزية، ويتمّ تعدينها من قِبل غالبية المجتمع ولا يتمّ الكشف عن هوية مستعمليها، بعكس العملات الرقمية التي تتطلب تعريف المستخدم.

مثال على العملات المشفَّرة:

Bitcoin: وهي العملة الشهيرة التي تُستَعمَل ليس فقط كوسيلة دفع إنما كوسيلة إدخار، لذلك تُسمّى بالذهب الالكتروني. كذلك تستعملها بعض البلدان الخاضعة لعقوبات مالية لاستيراد احتياجاتها. مثلاً تقوم ايران منذ شهر تشرين الأول الماضي بإلزام من يقوم بتعدين عملة «البيتكوين» على أراضيها ببيع هذه العملة مباشرة إلى المصرف المركزي لاستخدامها في تمويل استيرادها.

Ethereum: تُستعمل للعقود الذكية، بمعنى تسديد وتقييم العقود التجارية بين المتعاقدين الكترونياً.

XRP: وهي مصدّرة من قِبل شركة Ripple وتُعنى بتسريع التحويلات بين المصارف وهي تجمع ما بين العملات الرقمية والمشفرة.

وغيرها من العملات، حيث تشير آخر الاحصاءات إلى وجود ما يقارب 6700 عملة مشفّرة أسعارها تتقلّب بحسب العرض والطلب عليها.

مثال على العملات الرقمية:

Tether: وهي مرتبطة بالدولار، تقلّباتها محدودة جداً، تُصدرها جهة خاصة وتدخل ضمن فئة العملات الثابتة Stablecoins

Libra: كان من المفترض أن تصدرها مجموعة شركات Libra Association عبر موقع Facebook في سنة 2020، لكنها تلقى معارضة أميركية كبيرة، كونها سوف تطال 2,5 مليار شخص من مستخدمي الموقع، وفي حال نجاحها ستشكّل خطراً كبيراً على استعمال الدولار كالعملة الأولى عالمياً. ترتبط Libra بالعملات الخمس الأبرز عالمياً، وتتخذ من سويسراً مركزاً لها، لكنها لم تر النور بعد.

Digital Euro: ستكون شكلاً إلكترونياً لعملة البنك المركزي الأوروبي، وستكون في متناول جميع المواطنين والشركات لتسديد مدفوعاتهم اليومية بطريقة سريعة وسهلة وآمنة. من الممكن إطلاقها خلال العام 2021.

Digital Yuan: أو Digital Currency Electronic Payment (DCEP) الصينية. من المرجح أن يطلقها بنك الشعب الصيني كنسخة رقمية عن عملته اليوان في العام 2022.

Petro: العملة الرقمية في فنزويلا التي تمّ ربطها لفترة باحتياطي الذهب في فنزويلا ومن ثم ببرميل النفط الفنزويلي، واخيراً تمّ تركها لقوى العرض والطلب، وقد فشلت فشلاً ذريعاً ولم تحصل على أي اعتراف دولي بها وخصوصاً من أميركا.

الليرة الرقمية

الطريقة المتوقعة لاستعمال الليرة الرقمية هي على الشكل التالي: يمكن للمستهلكين والشركات تحميل المحفظة الرقمية على هواتفهم المحمولة وتعبئتها بالمال من حساباتهم في أي بنك تجاري. ومن ثم يستخدمون تلك الأموال، مثل النقود، لإجراء المدفوعات واستلامها مباشرةً مع أي شخص آخر لديه محفظة رقمية أيضاً.

يمكن لليرة الرقمية ان تواجه صعوبات. منذ الأزمة المالية، تحوّل لبنان الى مجتمع نقدي بشكل متزايد. حتى كبار التجار يفضلون استخدام النقد في تعاملاتهم نظراً للقيود الكبيرة على التعاملات المصرفية والبطاقات الإلكترونية. كيف يمكن إذاً في لبنان إقناع شعب عاد عشرات السنين الى الوراء، الى مبدأ «مخزنك عِبّك»، أن يقتنع بتسليم ما تمكن من سحبه من أموال من القطاع المصرفي الى هذا القطاع من جديد ولو تحت تسمية الليرة الرقمية؟ هو يريدها في خزنته، لا بل تحت وسادته ليلمسها لمس اليد، حيث ينطبق عليه المثل «يلي مكوي من الحليب بينَفِّخْ عاللبن».

هل يوجد حوافز لاستخدامها؟ نعم، اليكم كيف؟

منذ أن أصبح النظام المالي اللبناني نظاماً مغلقاً، أصبح في مقدور المصرف المركزي فرض ما يريد على المواطن. انّ الاستحصال على الليرة الرقمية يتطلب وضع المبلغ نقداً لدى المصرف في المقابل، وهذا ما لن يقوم به المواطن في الوضع الراهن. ولكن، تصوروا مثلاً أن يصدر تعميمٌ عن مصرف لبنان بفرض سحب الدولار بالليرة من المصارف على سعر 3900 ليرة بتطبيقات العملة الرقمية على الهواتف الذكية. أو أن يضع المصرف المركزي تسعيرتين لسحب الدولار من المصارف 3900 ليرة نقداً و 4500 ليرة عبر تطبيقات العملة الرقمية، معلّلاً الفرق بكلفة طباعة الليرة الورقية. تخيّلوا حينها كم ستنشط تجارة الليرة الرقمية مقابل الليرة الورقية.

نجاح التعامل بالليرة الرقمية أمر محتوم طالما دخل اللبنانيون والمصرف المركزي في لعبة العصا والجزرة، في نظام مالي مغلق لا مفرّ منه. «الليرة الرقمية من أمامكم والمصارف من ورائكم». نعم، هذه التجربة يمكن أن تنجح أكثر مما يتصوره كثيرون، وتعاميم مصرف لبنان كفيلة بذلك.

إيجابيات الليرة الرقمية:

– يمكن للمصرف المركزي مراقبة انتقال العملة الرقمية من محفظة الى اخرى، وبالتالي تتبع الموقع الدقيق لكل وحدة من العملة.

– في فترة اعادة هيكلة المصارف، بدلاً من الاعتماد على وسطاء مثل البنوك وغرف المقاصة، يمكن إجراء التحويلات المالية والمدفوعات مباشرة من الدافع إلى المستفيد دون المرور بالمصرف.

– في ظلّ التخوف الأمني من ازدياد سرقات المنازل وفقدان الثقة بالمصارف، تكون العملة الرقمية الوسيلة الآمنة «نسبياً» للاحتفاظ بالنقد، شرط أن تكون مقبولة من عموم التجار مهما صغر حجم أعمالهم.

– يمكن استعمال تطبيقات الليرة الرقمية للاستعاضة عن البطاقة التموينية في حال أقرّت الدولة خطة دعم مالية للبنانيين الذين يعانون من الفقر المدقع (شرط ان يكون ما زال في مقدورهم امتلاك هواتف نقّالة).

– تصغير حجم القطاع المصرفي الذي انتفخ بشكل كبير في السنوات الماضية وإعتماد العلاقة المباشرة بين المتعاملين.

– التخفيف من كلفة طباعة الأوراق النقدية والمتوقع ازديادها بشكل كبير في السنوات القادمة.

– تأمين انتقال سلس الى عملة جديدة في حال انهيار الليرة الى مستويات تتطلب ذلك.

– تسهيل التعامل بين المواطنين الذين يضطرون حالياً الى حمل رزم من الليرات للقيام بمدفوعات عادية.

– تجنّب طبع فئات كبيرة من النقد قد تصل الى الفئة المليون وأكثر في السنوات القادمة.

– دخول الهاتف الخلوي مع تطبيقاته الى كل بيت في لبنان يمكن أن يحقق الخرق الذي لم تتمكن بطاقات الدفع الإلكترونية من تحقيقه في عشرات السنين، حيث أنّ استعمال هذه البطاقات ما زال محدوداً في لبنان، رغم تشجيع المصارف لزبائنها للاستحصال عليها.

سلبيات الليرة الرقمية:

– نظرًا إلى أنّ الليرة الرقمية مركزية، بعكس العملات المشفَّرة، فإنّ المتحكمين بإصدار العملة الرقمية يمكنهم إضافة الأموال أو إزالتها من حساب أي شخص بكبسة زر. فيما تمنع العملات المشفّرة مثل Bitcoin هذا الخطر ما لم يوافق أكثر من 50% من ملايين المستخدمين على ذلك.

– تسمح الليرة الرقمية لمصرف لبنان بطبع عملة جديدة بسهولة لامتناهية، مما يعني زيادة الخطر التضخمي.

الخلاصة:

الليرة الرقمية تساعد بشكل كبير في يوميات التعامل، ولكن طبعاً لن يكون دورها حل كافة مشكلات الأزمة المالية أو النقدية.

فادي خلف. امين عام اتحاد البورصات العربية.

ما مصير الودائع بعد شباط 2021؟

رسمَ حاكم مصرف لبنان في حديثه الأخير خريطة طريق للمصارف للأشهر الاربعة المقبلة، على أن يتحدّد في نهايتها مصير المصارف اللبنانية. فهل من خطر على الودائع؟ وهل يستطيع المركزي تنفيذ تهديداته اذا ما تبيّن انّ عدد المصارف العاجزة عن تلبية الشروط لا يُستهان به؟

دعا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في تصريحه أمام جمعية المودِعين اللبنانيين، المصارف الى تطبيق تعاميم المصرف المركزي بدقة، فطالَبهم بإعادة تكوين التزاماتهم، وزيادة رساميلهم بنسبة 20 %، وإعادة الاموال المحوّلة بنسبة 15 الى 30 %، واعادة تكوين نسبة 3 % في حساباتهم لدى المصارف المراسلة، على أن يستحوذ مصرف لبنان على المصارف التي تفشل في تطبيق هذه الخطوات.

لا شك في انّ التزام هذه البنود ليس بالمهمة السهلة في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يمر به لبنان، فمَن أخرجَ أمواله من المصارف لن يعيدها البتة، ولن يُقدم أي مستثمر على الاستثمار مجدداً في القطاع بعدما اهتَزّت سمعته. يبقى انّ الشرط الاصعب هو تأمين 3 % في حساباتهم لدى البنوك المراسلة. وفي انتظار الغربلة المتوقعة للقطاع، والتي ستتضِح معالمها في شهر شباط المقبل، لعلّ ما يهمّ المواطن اليوم هو مصير الودائع.

في السياق، أوضح الرئيس الاسبق للجنة الرقابة على المصارف ​سمير حمود:​ «عندما يصرّح المصرف المركزي انه في حال لم تتمكن المصارف من التزام الإجراءات المطلوبة منها حتى شهر شباط المقبل فإنه سيَضع يده على المصارف التي تفشل، إنما يهدف بذلك الى وضع يده على أسهم أصحاب المصارف حماية للودائع، وهو بذلك يحلّ مكان جمعية المساهمين في اختيار مجلس الإدارة وفي وضع يده على الأسهم بصورة مباشرة او غير مباشرة ولو بشكل دائم او مؤقت، وذلك بغرض حماية الودائع. وطمأنَ حمود الى أن لا خوف من قدرة المركزي على حماية الودائع لأنّ الالتزامات اليوم، ولو كانت بالدولار، إنما هي بالدولار المحلي أي بالليرة اللبنانية، والتزام المصرف المركزي بتأمين بالليرة اللبنانية لا يشكّل له أي عبء.

وأكّد حمود انّ المصارف اللبنانية ملتزمة بالمؤونات المطلوبة منها وفقاً للمعايير المحاسبية الدولية. وبالتالي، اذا رغب المساهمون إرادياً او لاإرادياً بعدم زيادة رساميلهم واموالهم الخاصة ورفضوا تحويل اموال المودعين الى أسهم، في هذه الحال ولدى وَضع اليد على أسهم اي بنك او على ملكيته تكون موجوداته في المصرف المركزي وموجوداته التي سبق ان سلّفها مُغطّاة بالالتزامات المتوجبة عليه بالودائع. وعليه، فإنّ موجودات كل المصارف، باستثناء عدد قليل لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، تغطي المطلوبات، لكنّ هذا الواقع لم يعد كافياً اليوم.

واعتبر حمود انّ وضع يد المركزي على مصرف متعثّر بات أسهل اليوم، إذ انه في السابق، أي قبل الأزمة المالية، في حالة التعثّر كان المودع يهرّب دولاراته الى الخارج، أمّا اليوم فهو ينقل أمواله من مصرف الى آخر، أي تبقى وديعته في المصارف اللبنانية ولا يتغير عليه شيء سوى ملكية المصرف. وأوضح انه طالما انّ الرسملة بالليرة اللبنانية فإنه من السهل على المصرف المركزي ان يؤمّنها لتغطية حاجات المودعين.

ورداً على سؤال، أوضح حمود انه حتى تتمكّن المصارف من تغطية الأموال المطلوبة منها وفقاً للمعايير المحاسبية، عليها زيادة أموالها الخاصة، والمصرف الذي لا يتمكن من زيادة رأسماله لن يسمح له المركزي بالاستمرار. وبالتالي، سيضطر الى وضع يده عليه وتغطية الأموال الخاصة المطلوبة بهدف استمرارية عمله. وفي حال طاوَلَ التعثر ثلاثة أو أربعة مصارف، يمكن للمصرف المركزي عندها ان يدمجها بعد ان يستحوذ عليها. ففي ظل الأوضاع الراهنة لن يُقدم أي مصرف على خطوة مماثلة من تلقاء نفسه إذ إنه لا مصلحة لأيّ بنك اليوم ان يندمج مع مصرف آخر، لأنّ هذه الخطوة ستزيد التزاماته بالودائع تجاه المودعين، بما يعني انه سيزيد الضغط عليه لناحية تلبية الطلب على سحب الودائع، لا سيما الودائع بالدولار. إنطلاقاً من ذلك، اعتبر حمود انه من الضروري ان يستمر المركزي في الخطة التي وضعها للمصارف، وان يتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة منها، مع العلم انّ المصارف لن تكون راضية عن الشروط التي وضعها المركزي. لذا، توقّع حمود ان يفتح المصرف المركزي في المرحلة المقبلة باباً يسمح خلاله باسترجاع الأسهم لِمَن يريد.

مصير الودائع

وعن مصير الودائع في حال وضع المركزي يده على أي مصرف، قال: انّ قول المصرف المركزي انه سيستحوذ على المصرف الذي لا يلتزم بالشروط التي يضعها يجب ان يُطمئن المودع، فلو كان في نيّة المركزي ان يضرّ بالمودعين كان اتجه نحو القانون 2 / 67 أي الإفلاس، بحيث تتعاطى محكمة الإفلاس مع المصرف المتعثّر، وفي هذه الحال تصبح أموال المودعين معرّضة للهلاك، إنما ما يحاول المركزي فعله اليوم هو الابتعاد قدر الإمكان عن قانون الافلاس، وتحويل ملف المصارف المتعثرة نحو الهيئة المصرفية العليا، أي الدفع باتجاه الدمج او التصفية الذاتية، بحيث يستحوذ مصرف لبنان على الموجودات ويصفّيها.

ايفا ابي حيدر.

تحويل الدولارات العالقة في المصارف الى عملة رقمية؟

فيما تبقى تفاصيل مشروع العملة الرقمية التي يعتزم مصرف لبنان اطلاقها في العام المقبل مجهولة، فإنّ الترجيحات تشير الى انّ المشروع يهدف الى التخلّص من الدولارات الوهمية العالقة في المصارف، عبر تحويلها الى عملة رقمية جديدة، وهي وسيلة اخرى لخفض حجم الودائع بالدولار، على غرار الشيكات المصرفية لشراء العقارات والسحب على سعر صرف الـ3900، وغيرها وغيرها من التدابير التي ساهمت في تقليص حجم الفجوة المالية في النظام المصرفي.

بعد ان حوّلت الأزمة المالية في لبنان، الاقتصاد الى ما يُعرف بالـ Cash Economy نتيجة شحّ السيولة النقدية بالدولار واحتجاز اموال المودعين في المصارف، كشف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة امس الاول، انّه في صدد إعداد آلية لفرض نظام مالي جديد SYSTEM CASHLESS، ليس لاستخدام الدولارات الوهمية «اللولار» أو الليرات اللبنانية العالقة في المصارف، بل يعتمد على مشروع جديد يتمّ التحضير له، لإطلاق عملة لبنانية رقمية خلال العام 2021 «من ضمن آلية تنظيمية جديدة لإعادة الثقة بالمصارف وتحريك سوق النقد محلياً وخارجياً، حيث تشير تقديرات البنك المركزي الى وجود 10 مليارات دولار مخزّنة داخل البيوت.

منذ العام 2018 يسعى مصرف لبنان الى اطلاق العملة الرقمية الخاصة، به بعد ان شهدت سوق العملات الرقمية إقبالاً كبيراً في دول العالم، مشترطاً في السابق، ان يكون استعمالها محلياً، فقط بهدف تسهيل أساليب الدفع وتفعيل التكنولوجيا المالية وتوفير الكلفة على المستهلك وخفض تكلفة طباعة النقد ونقله، وخلق أنواع جديدة من الأعمال والنشاط التجاري.

اما اليوم، ونتيجة الأزمات المتعددة لانهيار سعر صرف الليرة وتحوّل اموال المودعين الى دولارات وهمية غير قابلة للاستعمال، فإنّ الغاية من اطلاق عملة لبنانية رقمية تبدّلت، وأصبح طرح عملة جديدة ثالثة للتداول في السوق اللبنانية أحد الحلول المطروحة، لمساعدة البلاد في الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة، على غرار ما قامت به فنزويلا في 2018.

آملة ان تحلّ عملتها الرقمية مكان الدولار في التعاملات التجارية الداخلية والخارجية، لكنها سرعان ما فشلت بعد ان حظّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام نفسه على الأميركيين، تداول العملة الرقمية الفنزويلية «بترو» معتبراً أنّها غير قانونية.

وبما انّ الدول التي تتصدّر قائمة التداول بالعملات الرقمية هي دول مأزومة مالياً واقتصادياً، هل سينجح لبنان في اطلاق عملته الرقمية، وهل سيستفيد الاقتصاد اللبناني منها؟

في هذا الاطار، اوضح الخبير في الاسواق المالية محمود دغيم لـ»الجمهورية»، انّ هناك علامات استفهام عدّة تُطرح حول مشروع العملة الرقمية التي ينوي مصرف لبنان طرحها منذ العام 2018، من دون اعطاء أي معلومات او تفاصيل عنها، وبالتالي هناك سيناريوهات مختلفة حول الآلية التي سيتمّ اعتمادها في حال كان اطلاق هذا المشروع جدّياً، منها:

– تحويل الدولارات الوهمية العالقة في المصارف الى عملة رقمية، وإنشاء محافظ الكترونية مع المصارف ووسائل دفع عبر الهواتف الذكية او البطاقات الائتمانية.

– تحويل الودائع بالليرة الى عملة رقمية.

– اطلاق عملة لبنانية جديدة مدعومة بالدولارات الوهمية العالقة في المصارف، أي انّه يمكن استخدام «اللولار» لشراء العملة الرقمية. وبذلك تكون العملة الرقمية وسيلة اخرى للتخلّص من الدولارات الوهمية في القطاع المصرفي وخفض حجم الودائع، وبالتالي تقليص حجم الفجوة المالية بالدولار في النظام المصرفي.

اما الهدف من طرح العملة الرقمية اليوم في ظلّ الأزمة القائمة فهو وفقاً لدغيم:

– تحويل الاقتصاد النقدي الى اقتصاد غير نقدي، وهو الامر المتناقض مع تعاميم مصرف لبنان الاخيرة، والتي ألزمت المستوردين تأمين السيولة النقدية من اجل الاستيراد، وبالتالي حصرت التعاملات التجارية بالسيولة النقدية وفعّلت الاقتصاد النقدي.

– تفعيل وسائل الدفع الالكتروني وخفض الطلب على السيولة النقدية، لتقليص الضغط على العملة المحلية في السوق السوداء.

– اشراك الاشخاص الذين لا يملكون حسابات مصرفية في النظام المصرفي من اجل الحدّ من التداول بالسيولة النقدية.

– تقليص كلفة طباعة العملة المحلية والحدّ منها، حيث انّ ارتفاع نسب التضخم قد يدفع الى الحاجة لطبع فئات أكبر من العملة المحلية (فئة مليون ليرة على سبيل المثال).

– التعويل على استرجاع الدولارات المخزّنة في المصارف للاستثمار بالعملة الرقمية الجديدة.

في المقابل، شدّد دغيم على انّ العملة الرقمية في حال تمّ اطلاقها وبغض النظر عن الآلية التي سيتمّ اعتمادها، سيكون استخدامها محلياً فقط ولن تكون مطلقاً وسيلة للدفع خارج لبنان او لإتمام عمليات تجارية مع الخارج من اجل الاستيراد او غيره.

من جهته، أكّد الباحث في الشؤون المصرفية في جامعة دبلن محمد فاعور، انّ اطلاق عملة رقمية لبنانية لن يكون حلّا للأزمة المالية والمصرفية القائمة، ولن يعيد الثقة بالقطاع المصرفي، مشدّداً عبر «الجمهورية»، على انّ النهوض الاقتصادي هو العامل الاساس الوحيد لاستعادة الثقة بالعملة المحلية، «وأي عملة جديدة صادرة عن اقتصاد بحالة مذرية ستكون انعكاساً للوضع الاقتصادي، ولن يختلف وضعها عن وضع الليرة المحلية حالياً».

واستغرب فاعور مسعى مصرف لبنان لتحويل الاقتصاد الى cashless economy في ظلّ انعدام الثقة بالقطاع المالي والمصرفي، وفي الوقت الذي اتخذ فيه البنك المركزي تدابير عدة أدّت الى تحويل الاقتصاد الى اقتصاد نقدي.

رنى سعرتي.