أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

أزمة لبنان المالية: خطة دياب في مرمى النيران الصديقة

سوف تفرض الخطة الانقاذية نفسها على التطورات في الايام المقبلة، وستتعرّض للتشريح بالطول والعرض، وسيُقال فيها الكثير مدحاً وذماً، لكن أخطر ما قد يحصل هو ان ينتهي الأمر الى إسقاطها من دون إيجاد البديل.

تقع الخطة الانقاذية في مسودتها الانكليزية في 34 صفحة، وهي من حيث الشكل صيغت بأسلوب احترافي، لا يختلف كثيراً عن الخطط التي تضعها حكومات الدول التي تعرّضت لحالات إفلاس وتوقُّف عن الدفع، وسَعت الى التفاوض لإعادة هيكلة ديونها. وفي مثل هذه الاوضاع، تصبح الخطط الانقاذية بمثابة أوراق اعتماد تقدّمها الحكومات الى الدائنين لإقناعهم بالتفاوض والقبول بشروط جديدة للدين. وبقدر ما تكون هذه الخطط واقعية ومُقنعة، بقدر ما تكون المفاوضات أسهل وأسرع في التوصّل الى اتفاقات.

بصرف النظر عن الملاحظات الايجابية والسلبية التي يمكن إيرادها حول نقاط كثيرة في مضمون الخطة المقترحة، تجدر الاشارة الى انّ الحكومة تقارب مسألة الاستعانة بصندوق النقد الدولي بذهنية منفتحة تعكس قناعتها بأهمية هذا التعاون، لا سيما لجهة عامل الثقة الذي يؤمّنه هذا التعاون لإنجاح أي خطة انقاذية، بالاضافة الى اعتراف الحكومة بأنّ وجود صندوق النقد ضمانة كبيرة لنجاح مفاوضات اعادة هيكلة وجدولة الدين العام. ومع ذلك، تستخدم الخطة الانقاذية في الصفحة السابعة لغة المواربة لإبراز أهمية الشراكة مع صندوق النقد، من خلال الاختباء وراء من تسمّيهم الخبراء والمستثمرين او ممثلي دول مجموعة الدعم، الذين يدعون جميعاً الى طلب المساعدة من الصندوق. في كل الاحوال، تُعتبر هذه المقاربة، رغم المواربة، بمثابة خطوة مهمة نحو التعاون مع صندوق النقد.

لكن، وبصرف النظر عن الملاحظات المتعلقة بمضمون الخطة، لجهة واقعيتها في تقديم رسم بياني لتطوّر الارقام في السنوات الممتدة بين 2021 و2024، وعدالتها في توزيع الاضرار على المؤسسات، مصرف لبنان، القطاع المصرفي، المستثمرين والمواطنين، قدرتها على تنفيذ الشق المتعلق بالوعود الاصلاحية، هناك نقطتان بارزتان تستقطبان الانتباه:

النقطة الاولى تتعلق بالمقاربة المعتمدة في التعاطي مع القطاع المصرفي (ص 16)، تحت عنوان «إعادة هيكلة القطاع المالي» اذ تستبعد الورقة الاصلاحية اية عملية إنقاذ (bail-out) مستندة في تقييمها الى ما يجري في العالم منذ 2008 لجهة استبعاد خيار إنقاذ أي نظام مالي يُصاب بالانهيار من أموال دافعي الضرائب (المكلفين). وتبرّر الورقة هذا الموقف بأنه لا يمكن تأمين دعم مالي خارجي لتعويض خسائر تَسبّب بها انهيار قطاع مالي داخلي في اي دولة. ولا يمكن لأي حكومة أن تأخذ على عاتقها مسؤولية تحميل الاجيال المقبلة تسديد خسائر ضخمة من الماضي، مع الاشارة الى انّ خيار الـbail-out غير مُتاح أيضاً، بسبب ضخامة الخسائر المتراكمة في القطاع المالي.

هذا التوصيف المستند الى تجارب عالمية مُستغرب بعض الشيء، لأنّ التشبيه هنا غير منطقي. وما يُحكى عن تجربة الأزمة الاقتصادية والمالية في العام 2008، لا علاقة له بالتجربة اللبنانية الفريدة، اذ إنّ المصارف التي اهتزّت في خلال تلك الأزمة، وفي مقدمها المصارف الأميركية، كانت تعاني خللاً ناتجاً عن خروج على المعايير، وتجاوزاً لأصول المخاطرة في التعاطي مع السوق، وتحديداً في موضوع الرهونات العقارية المرتبطة بقروض الزبائن، وطريقة التوسّع في «تركيب» الاوراق والمحافظ والمنتجات.

لكن في الحالة اللبنانية الفريدة، ما تشكو منه الحكومة وتعتبره انهياراً للقطاع المالي، هو نفسه ما يشكو منه القطاع المالي نفسه، ويعتبره انهياراً للمالية العامة. وفي هذا السياق، تبدو المعادلة عجيبة غريبة، إذ تلوم الحكومة المصارف على سوء التصرّف من خلال إقراض الاموال الى الدولة، أو حتى الى مصرف لبنان الذي بدوره أقرضَ المال الى الدولة. وتعتبر الحكومة التي تمثّل الدولة انها لم تكن زبوناً موثوقاً ينبغي إقراضه! وعليه، لدينا دولة ابتلعت حوالى 100 مليار دولار من اموال الناس في المصارف ومصرف لبنان، وهي عاجزة عن دفع ديونها، وهذا هو لب الأزمة، وكل ما عدا ذلك توصيفات تضليلية لا تقدّم ولا تؤخّر.

في الموازاة، تبقى مسألة إقرار هذه الخطة وواقعية الاعتقاد انها ستمرّ في المجلس النيابي، ومن ثم في صندوق النقد. في الواقع، المجلس النيابي رفض ان يناقش قانون الكابيتال كونترول، لأنه لا يريد أن يعطي الانطباع لدى الرأي العام انه يقف وراء تجميد ودائعهم في المصارف، رغم معرفته انّ الكابيتال كونترول قائم ويُطبّق، وأحياناً بعشوائية. فهل نتوقّع من هذا المجلس أن يقر خطة اقتصادية فيها بنود ضرائبية جديدة، وفيها مبدأ تحميل المودعين، ولو الكبار منهم مسؤولية تحمّل خسائر مالية باهظة، وفيها بنود إصلاحية تقضي بخفض عدد المتعاقدين في الدولة 5 %، وتجميد التوظيف والرواتب لـ5 سنوات، ورفع سعر الدولار الرسمي تدريجاً الى حوالى 3 آلاف دولار، مع إبقاء خانة السعر الموازي مفتوحاً على كل الاحتمالات، ورفع سعر صفيحة البنزين 2000 ليرة عمّا هو عليه حالياً وتثبيته على 25 الف ليرة، وإضافة ألف ليرة على صفيحة المازوت، ورفع الـTVA على السلع الفاخرة (من دون تحديدها) من 11 الى 15 في المئة؟

اذا اعتبرنا انّ الخطة اجتازت المجلس النيابي بعد تهذيبها وتشذيبها على طريقة السياسيين لإرضاء الرأي العام بأسلوب شعبوي كما هي العادة، فهل يمكن لخطة تعرّضت لهذا النوع من التعديل أن تمر في صندوق النقد، وتحظى بموافقته ورعايته؟

قبل الوصول الى المجلس النيابي، هناك من يسأل: هل انّ مسودة هذه الخطة تعكس إجماعاً حكومياً مبدئياً عليها، أم انها خطة رئيس الحكومة حسّان دياب وفريق عمله، وهي ستخضع لمشرحة مجلس الوزراء. وبالتالي، قبل الوصول الى ساحة النجمة، ستتعرّض للنيران الصديقة في داخل الحكومة نفسها، وقد لا تنجح في اجتياز معمودية النار؟

ما هو أكيد انّ رحلة مسودة الخطة الاصلاحية، وبصرف النظر عن شوائبها من حيث المضمون، لا تزال طويلة، وهناك قلق مُبرّر من أن ينتهي بها الأمر مثل قانون الكابيتال كونترول، مجرد مشروع في البال.

انطوان فرح.

أزمة لبنان المالية: 63 مصرفاً ليس أمامها إلا الدمج أو التصفية الذاتية

في أواخر العام الماضي، طلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من المصارف زيادة رأسمالها بنسبة عشرة بالمئة ففعلت. وبموجب التعميم ذاته كان يفترض أن تزيد المصارف عشرة بالمئة ثانية قبل حزيران المقبل، لكن الحاكم وفق بعض المصادر جمّد مفعول التعميم بعدما تبيّن أن المصارف لن تستطيع تلبية طلب الحاكم، لعجزها عن تأمين مستثمرين جدد لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.

مشكلة المصــارف لا تقتصــر على عدم قدرتها على استقــطاب مستــثمرين جـــدد، بعدما دخلـت منذ السابع عشر من تشرين الأول الفائت مرحلة جديدة من تاريخها. القطاع المصرفي الذي كان مصدراً لـ”ثقة الخارج في لبنان”، وتغنى طويلاً بقدراته على جلب الودائع والاستثمارات، صار متهماً من قبل الكثيرين. ساءت علاقته بالمودعين بعدما حجر على أموالهم وصار يقنّن مصروف يومهم من حسابهم بوسائل وصلت إلى حد الإهانة. يكفي استطلاع آراء العشرات كي نعرف كيف تحول موقف المواطنين من المصارف، وصار أي فرد منهم يفضل اللجوء الى أساليب أجداده القديمة للإدخار على أن يؤمن على أمواله في مصرف. ولم يكن مصرف لبنان أسلم وضعاً وقد صارت مصداقيته على المحك.

إزاء هذا الواقع، يواجه القطاع المصرفي معضلتين عليه معالجتهما، تتعلق الأولى بإعادة الهيكلة الشاملة التي بات الحديث عنها جدياً وضرورياً، والثانية إعادة ترميم ثقة المواطنين بالمصارف بعد كلّ الذي حصل.

أظهرت الوقائع في الآونة الاخيرة وجود نحو 63 مصرفاً (بينها 3 مصارف لا تعمل) يملك معظمها نحو عشرين متمولاً. وبيّنت الأزمة عجز المصارف عن الاستمرار، وحاجتهـــا إلى الدمج بنـاء على قانون. هـذه المصارف لم تعد قادرة على جلب مستثمرين جدد فصار الاندماج المصرفي إجراء لا بد منه. ومن هنا يتوقع أن تلجأ بعض المصارف غير القادرة على الاستمرار ضمن المستويات المطلوبة من الرسملة، إلى القيام بتصفية ذاتية أوالتوجه نحو خيار الدمج مع مصارف أخرى. غير ذلك لا ملامح واضحة بعد لخطة إعادة هيكلة المصارف وإعادة هيكلة مصرف لبنان التي تحدثت عنها خطة الحكومة أخيراً، علماً أن إعادة الهيكلة باتت ضرورة ملحة ولكنها محاطة بجملة من الأسئلة: من سيكون قيماً على ورشة إعادة هيكلة المصارف ومصرف لبنان التي اوصلتنا الى الخسائر الفادحة التي منينا بها؟ بالاضافة الى السياسات المالية والنقدية عبر سنوات ومن يعوض على الناس حقوقهم البديهية والتي نصت عليها مقدمة الدستور؟ يسأل وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش.

الهيكلة لا تكفي

أي نقاش بالموضوع يفرض ان يذكر الوزير بطيش بالمستحقات المترتبة على الدولة، بدءاً من أرقام الدين العام الذي بلغ 92 مليار دولار لغاية 31 كانون الأول 2019، تضاف إليه الإلتزامات المترتبة على الدولة، غير المدفوعة، لصالح الضمان الاجتماعي (ما يعادل حوالى 2,2 مليار دولار)، ولصالح مؤسسة ضمان الودائع ولصالح المتعهدين والمستشفيات، وغيرها والمقدّرة كلها بنحو 5 مليارات دولار. كما تضاف خدمة الدين العام للفصل الأول من العام 2020 بما فيها الكوبونات (فوائد نصف سنويّة) على محفظة اليوروبوندز. استناداً الى كل ذلك، يقدّر بطيش “إجمالي الدين العام حاليّاً بحدود 150 مليار دولار، بما فيها فجوة مصرف لبنان التي لم يكن احد في وارد الحديث عنها سابقاً، والتي أشرت اليها قبل عام”.

من يتحمّل مسؤولية كل تلك الخسائر؟ ومن استفاد من كل هذا الواقع غير بعض السياسيين والمصارف وكبار المودعين ومنهم مودعون غير مقيمين؟ ومن يتحمل تلك الخسائر الناجمة عن العجز المتراكم في الميزان التجاري، نتيجة النموذج القائم منذ التسعينات وعجز الكهرباء والهندسات المالية، التي طمست الحقائق والفوائد العالية التي دفعت بالدولار لا سيما لغير المقيمين، الذين قبضوها عملياً من ودائع الناس وحولوها الى الخارج.

لا تُحسد الحكومة على وضعها، “تبذل جهدها في مواجهة أزمة إقتصادية مالية نقدية مصرفية، نتج عنها ازمة اجتماعية وكلها على مستوى الخطـــــورة ذاتهــا لوبــــاء الكورونا”. أرقـام بالجملة ورواتب ومخصصــات خيالية يسردها بطيش، لينتهي منها الى وجوب إعادة النظر بالواقع الحالي من أساسه لكل من المصارف ومصرف لبنان.

ينتقد وجود أربعة نواب لحاكم مصرف لبنان بينما لحاكم مصرف فرنسا المركزي نائبان، يتقاضى كل منهما راتباً سنوياً يبلغ نصف الراتب الحالي لنائب حاكم مصرف لبنان! ويتساءل عن الاعداد المرتفعة لكبار المسؤولين في مصرف لبنان وفي هيئة الاسواق المالية؟

ويكشف بطيش أن راتب نائب حاكم مصرف لبنان 33 مليون ليرة شهرياً مضروبة بـ16 شهراً مع بدل سفر يبلغ 2000 دولار يومياً، بينما يتقاضى الحاكم 3000 دولار يومياً عن بدل سفر!

لا يوافق بطيش قول حاكم مصرف لبنان في ما يتعلق بوجود إحتياط “لأن هذا الاحتياط غير موجود في مصرف لبنان، وهو سلبي لانه جرى التصرف بحدود الخمسين مليار دولار من ايداعات المصارف لديه، والتي هي جزء من ودائع الناس في المصارف وقد تبخر”.

ويوضح ان “ودائع الناس في المصارف بالدولار كانت تقارب 118 ملياراً حتى نهاية العام الماضي، يضاف اليها ما يعادل 40 مليار دولار بالليرة اللبنانية (على اساس 1500 ليرة سعر صرف الدولار). وصرح وزير المال والحاكم انه لم يعد هناك الا 22 مليار دولار، فأين ذهب الاحتياط إذاً وقد اصبح سلبياً، وأين أموال الناس؟ من شروط إعادة الهيكلة ان يكون هناك هبوط آمن ورؤية مستقبلية واضحة، ينفذها رجالات دولة بعيداً من المناكفات السياسية، وفي إطار قانون النقد والتسليف”. وفي حال حصل ذلك بعيداً من المناكفات السياسية، هل من مفاعيل لإعادة الهيكلة؟

تنظير ولا خطط

يستذكر خبير مصرفي التجربة الأميركية التي حصلت العام 1930، حين أعادت الولايات المتحدة هيكلة مصارفها، لكن بناء على إجراءات سليمة وسياسة نقدية للسلطات المعنية لم تؤثر سلباً على المودعين. “لكن الحاصل اليوم أن مسألة اعادة الهيكلة خاضعة للتنظير، فيما الكل ينتظر البرنامج الاصلاحي الكامل المتكامل للحكومة”.

برأيه، لا يستند الحديث عن إعادة الهيكلة إلى دراسة علمية، هي أفكار ومواقف سياسية “بدليل المذكرة التي أرسلها وزير المال غازي وزني الى الحاكم يسأله فيها عن موضوع تخفيض الرواتب”. ويقول المعنيون بشؤون مصرف لبنان إن الحاكم ليست لدية صلاحية البت في مثل هذا الطلب، وإذا تم تطبيقه فستكون له تبعات على رواتب سائر الموظفين نظراً لسلسلة النسب التي تخضع لها الرواتب في الفرق بين راتب وآخر.

“التنظير” يصف به الخبير أيضاً الكلام عن رفض وجود أربعة نواب للحاكم، مبدياً خشيته من ان يكون الهدف من إثارة الموضوع تقليص صلاحيات الحاكم، “كما ان بقاء الحاكم من دون نواب يجعل صلاحيته منقوصة ويفقده القدرة على اتخاذ القرارات”.

لكن بطيش “الضنين بالمصارف” يرفض ما يحصل اليوم، مبدياً حرصه على إعادة هيكلة المصارف وتحديثها لتكون في خدمة إقتصاد الريع، وتعود الى لعب دور في تطوير اقتصاد الانتاج وليس خادماً لاقتصاد الريع. يقول: “ما يهمني ان تلعب الدولة دورها في إطار نظام اقتصادي حر قائم على المنافسة الحقيقية، ولا تسيطر عليه الاحتكارات من اي نوع كانت”.​

غادة حلاوي

مسودة خطة حكومية لأزمة لبنان تتوقع حاجة إلى 10-15 مليار دولار ومساهمة من المودعين

أظهرت مسودة خطة حكومية اطلعت عليها رويترز أن لبنان يحتاج تمويلا خارجيا من عشرة مليارات إلى 15 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة لمساعدته على اجتياز أزمته المالية.

ومسودة الخطة التي يعكف مجلس الوزراء على مناقشتها مؤرخة في السادس من أبريل نيسان، وهي أكثر الخطط شمولا فيما يتعلق بمواجهة الأزمة حتى الآن. والخطة موصوفة في المسودة بأنها ”أساس جيد“ لمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

والخطة، التي قال مصدر إن مستشار لبنان المالي لازارد هو الذي وضع مسودتها، لا تذكر صراحة أن البلاد ستلجأ إلى صندوق النقد الدولي، وهي تحرك يتطلب دعما سياسيا واسعا. لكنها تشير إلى مستثمرين يتوقعون أن تسعي بيروت إلى دعم من صندوق النقد وهو ما سيتيح مزيدا من التمويل.

وبينما ترصد خسائر في الاقتصاد بقيمة 83.2 مليار دولار، أشارت الخطة إلى أن ”صفقة إنقاذ كاملة للقطاع المالي ليست خيارا“.

وتتضمن تفاصيل إعادة هيكلة للمصرف المركزي والبنوك التجارية لتشمل ”مساهمة استثنائية عابرة من كبار المودعين“ وتحدد الخطوط العريضة لصندوق خاص لتعويض خسائر المودعين الناجمة عن إعادة الهيكلة.

وقالت ”كما ذكر رئيس الوزراء، ستتأكد الخطة من أن أصول تسعين بالمئة من المودعين محفوظة“.

وقال رئيس البرلمان نبيه بري لمحافظ البنك المركزي رياض سلامة يوم الثلاثاء إن ودائع الناس في البنوك ”من المقدسات“ ويجب عدم المساس بها.

ومنذ بداية الأزمة، تخلف لبنان لأول مرة عن سداد ديونه الضخمة بالعملة الأجنبية، وبدأ في مارس آذار خطوات نحو إعادة هيكلة الديون.

وفاقمت إجراءات العزل العام بسبب فيروس كورونا المشكلات الاقتصادية التي تشمل تصاعد التضخم وهبوط قيمة العملة وقيود على رؤوس الأموال تحظر على المودعين سحب مدخراتهم بالعملة الصعبة.

* نزول في سعر الصرف

تشير الخطة إلى تراجع سعر الصرف إلى 2607 ليرة للدولار في 2021، وإلى 2979 في 2024. وسعر الربط الرسمي للدولار محدد عند 1507.5 ليرة منذ 1997. وفقدت العملة اللبنانية أكثر من أربعين بالمئة من قيمتها منذ أكتوبر تشرين الأول.

وقالت الخطة إن الدين العام سيتقلص إلى تسعين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027 مقارنة مع أكثر من 170 بالمئة في نهاية 2019.

وتفترض الخطة أن يستفيد لبنان بشكل فوري من دعم مالي خارجي وأن يطبق الإصلاحات بنجاح.

والخسائر البالغة 83.2 مليار دولار ناجمة عن انخفاض قيمة الأصول التي في حيازة المصرف المركزي وانخفاض قيمة محفظة القروض المصرفية وإعادة هيكلة الدين الحكومي.

وتقول إن السلطات ستضع تفاصيل إستراتيجية شاملة لإعادة هيكلة الميزانيات العمومية للبنوك.

وتقول أيضا إن إعادة هيكلة على مراحل لميزانيات البنوك التجارية العمومية ستتضمن عملية إنقاذ كاملة من المساهمين الحاليين تتمثل في شطب رؤوس أموال بقيمة 20.8 مليار دولار، في حين تجري تغطية الباقي البالغ 62.4 مليار دولار من خلال ”مساهمة استثنائية عابرة من كبار المودعين“.

”قيم المساهمة بالضبط ستتحدد بمساعدة مستشارين خارجيين وفي سياق حوار واسع وحسن النية مع البنوك التجارية.“

وتقول الوثيقة إن صندوقا خاصا سيعوض خسائر المودعين من المبالغ القادمة من برنامج سيرصد ويستعيد أصولا مكتسبة بشكل غير مشروع.

وتقدر الخطة خسائر المصرف المركزي المضمنة بنحو 40 مليار دولار، وذلك نتيجة ”سنوات من العمليات المالية الخاسرة“ بهدف جمع احتياطيات من النقد الأجنبي للحفاظ على الربط وتغطية فجوة تمويلية في ميزات المدفوعات.

كم سيبلغ سعر صرف الليرة اللبنانبة نهاية 2020؟

 

طغت تداعيات “كورونا” على ما عداها، على طريقة مصيبة تغطي مصيبة أخرى، لكن المشكلة انّها لا تلغيها، بل تفاقمها وتحضّرها للانفجار الكبير لاحقاً. ومن شبه المؤكّد، انّ المآسي الاجتماعية والمالية والاقتصادية التي ستتظهّر بعد انحسار أزمة “كورونا” ستكون أشد قساوة، وضحاياها اكثر بكثير من ضحايا الوباء الخبيث.

مرّت الحكومة حتى الآن في مجموعة محطات لا توحي بالثقة، إذ نجحت القوى السياسية التي جاءت بها، في تهشيم صورتها، وسحب ورقة الاستقلالية منها، وتحويلها الى مجرد أداة تنفيذية. هذا الواقع يدفع ثمنه البلد، لأنّ الخروج من الكارثة الاقتصادية والمالية يحتاج الى حكومة قادرة على اتخاذ القرارات الاحترافية، بلا تأثيرات سياسية من أصحاب المصالح الخاصة.

في محاكاة تستند الى الوقائع والارقام المتوفرة حتى اليوم، يتبيّن انّ العام 2020 سينتهي على النتائج التالية:

اولاً- تراجع الاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان من 22 مليار دولار الى 12 ملياراً، بما يعني انّ الاحتياطي الإلزامي للودائع سيصبح سلبياً بما يوازي 4 أو 4,5 مليارات دولار.

ثانياً- سيتراجع الاحتياطي الإلزامي للمصارف لدى المركزي من 18 مليار دولار كما هو اليوم، الى حوالى 16 أو 16,5 مليار دولار، بسبب تراجع حجم الودائع من 150 مليار دولار الى ما بين 135 و140 مليار دولار، بسبب استمرار النزف في السحوبات والتحويلات، واستمرار سياسة تحويل الودائع الى عقارات، مقابل شطب ديون لأصحاب العقارات في المصارف.

ثالثاً – تقلُّص حجم الناتج المحلي (GDP) من 52 مليار دولار الى 38 أو 40 مليار دولار.

رابعاً – سوف تتكدّس فوائد الدين الداخلي (السندات بالليرة) بما مجموعه حوالى 3,5 مليارات دولار، سوف تُضاف الى المتوجبات المالية على الدولة اللبنانية. بالإضافة الى الفوائد على “اليوروبوند”. صحيح انّ الحكومة جمّدت دفعها، بما يعني تجميد الفوائد ايضاً، لكن ذلك لن يمنع المقرضين من المطالبة عبر القضاء أو عبر التفاوض، بإضافة حوالى 2,5 مليار دولار كفوائد على هذه الديون خلال فترة التجميد.

خامساً- حجم اموال المصارف اللبنانية من العملات الاجنبية، والمتواجدة في القسم الاكبر منها في المصارف المراسلة، سينخفض الى مستويات مقلقة، وسيرتفع عدد المصارف التي لن يبقى لديها اي دولار في الخارج، في حين ستحتفظ المصارف الأفضل حالاً بحفنة يسيرة من الدولارات.

سادساً- مقابل شطب بعض الديون في المصارف من خلال تحويل الودائع الى عقارات، أو اغلاق حسابات صغيرة، أو إغراء المقترضين المليئين بإغلاق قروضهم من خلال إغراءات تقوم بها المصارف حالياً، سيرتفع حجم الديون المتعثرة بنسب كبيرة. ورغم انّه لا يمكن منذ الآن التكهّن برقم محدّد، لأنّ الامر يرتبط بالمدة التي سيستغرقها انحسار وباء “كورونا”، إلّا انّ المؤشرات الحالية سلبية جداً، وقد لا تقلّ نسبة الديون الهالكة عن 40 أو 50 في المئة. بما يعني انّ المصارف ستكون مضطرة الى حجز مؤونات تتراوح بين 20 و25 مليار دولار من رساميلها، أي انّ مجموع رساميل المصارف (حوالى 20 مليار دولار) التي يعتبر البعض انّها ينبغي ان تُستخدم لتغطية الخسائر عندما نصل الى مرحلة الـHaircut ، ستتلاشى لتغطية ديون القطاع الخاص الهالكة. وهنا تجدر الملاحظة انّ المصارف، وعلى خلاف عادتها، لم تُصدر حتى الآن نتائجها المالية للعام 2019. كما انّ هذه النتائج، ستكون كارثية في نهاية العام 2020.

سابعاً – نسبة المؤسسات التي ستضطر الى الإقفال والتصفية، أو الى طرد قسم كبير من موظفيها، سترتفع الى مستويات قياسية. وستصبح ارقام العاطلين من العمل مُرعبة، بحيث انّ استمرار استقرار الامن الاجتماعي في مثل هذا الوضع شبه مستحيل. وستكون المأساة أعمق من اي وقت مضى، لأنّ المحيط الخليجي العربي، والذي كان دائماً سوق العمل الرديف لسوق العمل الضيّق في لبنان، سيكون غير قادر على استيعاب لبنانيين جدد من طالبي العمل، بسبب الوضع الاقتصادي الذي سيلي أزمة “كورونا”، هذا من دون احتساب احتمال اضطرار لبنانيين الى ترك عملهم في الخليج بسبب الأزمة، وتراجع قدرة اللبنانيين على ضخ أموال لعائلاتهم في لبنان، بسبب تراجع مداخيلهم.

ثامناً- تراجع القدرة الشرائية للبنانيين بنِسب كبيرة يصعب التكهُن بحجمها بدقة، لأنّها مرتبطة بمصير سعر صرف الليرة، وهذا بدوره مرتبط بالنهج الذي سيُعتمد في التعاطي مع الودائع المجمّدة في المصارف. اذا أدّى الضغط الى تشجيع سحب الارصدة بالليرة، فهذا يعني انّ الكتلة النقدية الوطنية ستتضخّم. وبقدر ما سيتمّ التساهل في سياسة من هذا النوع، بقدر ما سيتراجع سعر صرف الليرة. وهذا الامر مُقلق للغاية، لأنّ لا سقف للتراجع، وكل التقديرات المتشائمة قد تصبح أقل من الواقع، لأنّ الأداة القياسية قد تصبح بالكيلو وليس بالرقم، ولا يُستبعد ان يدخل سعر الصرف حلقة الخمسة أرقام بدلاً من أربعة، وهذا يعني تعميم الفقر بمفهومه الحَرْفي على أكثر من 85 % من الشعب اللبناني.

هذه المحاكاة تعطي فكرة عامة عن الاتجاه الذي تسلكه الأزمة المالية والاقتصادية في البلد… مأساة بهذا الحجم تحتاج حكومة قادرة على اتخاذ القرارات الاحترافية الصعبة في الوقت المناسب. حتى الآن، القرارات لا تبدو احترافية، بدليل ما جرى في مواضيع صندوق النقد، “الكابيتال كونترول” والتعيينات المالية، والأهم اعلان الإفلاس الفوضوي في 7 آذار الماضي، بدلاً من الذهاب الى الإفلاس المنظّم، من خلال توجيه رسالة الى المقرضين قبل 3 اسابيع من اعلان تجميد الدفع، الامر الذي كان أكسب الحكومة ورقة قوة في المفاوضات المتوقعة. وحتى الآن، من غير المفهوم لماذا اختارت الحكومة الإفلاس الفوضوي بدلاً من الإفلاس المُنظّم، رغم انّها لم تكن لتخسر أي شيء فيما لو اتجهت نحو الإفلاس المنظّم، بما يعني انّها اختارت مجاناً الفوضى التي تُضعف موقفها بدلاً من القانون الذي يقوّي موقفها التفاوضي!

وفي الشق المتعلّق باتخاذ القرارات في الوقت المناسب (Timing)، لا تبدو الحكومة موفقة أيضاً، بدليل انّها منحت نفسها فترة سماح حتى نهاية 2020 للبدء في تنفيذ خطة إنقاذية، لم يظهر منها حتى الآن سوى وعود بالإنجاز في الشهرين المقبلين.

 

(أنطوان فرح)

أزمة لبنان المالية: هل نضطر الى بيع إحتياطي الذهب؟

قبل كارثة كورونا، كان هناك نقاش في محاولة لاستشراف ما سيجري في حال لم تنجح المفاوضات مع الدائنين في الخارج، بعد إعلان لبنان تعليق دفع قروض اليوروبوندز، تمحورت النقاشات حول مصير احتياطي الذهب، على اعتبار أنه الثروة التي يملكها البلد، والتي يمكن التعويل عليها في مرحلة الخروج من الافلاس.

قبل الوصول الى مرحلة تجميد دفع الديون وبعدها، دارت نقاشات حول الحصانة التي تتمتّع بها احتياطات البنك المركزي وموجوداته، وبرز رأي قانوني يؤكد انّ الذهب في أمان، لأنه لا يجوز قانوناً المَس بالذهب الذي يعتبر من ضمن ممتلكات مصرف لبنان. في المقابل، برز رأي قانوني آخر، يُبدي تخوّفاً من أن تعمد المحاكم الاميركية الى الاجتهاد لجهة إثبات وجود ترابط بنيوي بين الدولة والبنك المركزي، وأن يُصار الى مصادرة الذهب لدفع حقوق المُقرضين.

الى جانب النقاشات القانونية، ظهرت نقاشات من نوع آخر، في شأن وجود الذهب خارج لبنان، بما يُعتبر برأي المعترضين نقطة ضعف تمسّ السيادة اللبنانية أولاً، على اعتبار انّ هذه الثروة ينبغي أن تبقى في لبنان، لأنّ مكان وجودها برأي هؤلاء مفصلي في تقرير مصيرها. بمعنى انّ لبنان يستطيع أن يحتفظ بالذهب، وأن يمتنع عن تنفيذ أي قرار صادر عن محكمة اميركية بمصادرة الذهب، في حين انه عاجز عن ذلك، عندما يكون الذهب موجوداً في الولايات المتحدة نفسها!

من حق اللبنانيين أن يقلقوا على مصير الذهب، الذي يصل حجمه إلى 286,8 طناً (نحو 10 ملايين و116 الفاً و572 أونصة) بقيمة إجمالية تبلغ اليوم حوالى 16 مليار دولار. والمفارقة أنّ لبنان الذي أغلق أبوابه المالية وبات في مرحلة إنفاق ما لديه من احتياطي بالدولار في مصرف لبنان، سيضطرّ الى إنفاق ما تبقّى من ودائع على صورة احتياطي في مصرف لبنان (حوالى 18 مليار دولار)، خصوصاً في ظل الضغط الاضافي الذي تسبّب به فيروس كورونا. وبالتالي، قد يكون الذهب كل ما سيتبقّى من موجودات بعد انقشاع غبار المفاوضات والدعاوى القضائية وبدء خطة الانقاذ، في حال بدأت.

لكنّ الواقعية تفترض الاعتراف بأنّ الابقاء على الذهب مُجمّداً لا ينقذ الاقتصاد والودائع، وبيعه واستخدام أمواله لا يحلّ المشكلة. وتكرار الاخطاء، من خلال التصويب على مكامن لا علاقة لها بالخلل الذي يتسبّب بالأزمات، لن يجدي.

في هذا السياق، لا بد من مراجعة التجربة الفنزويلية قبل التجربة اليونانية لاستخراج الدروس والعبَر، خصوصاً لمَن يعتقد انه بمجرد تحويل الاقتصاد من ريعي الى منتج، تنتهي الأزمة.

في العام 2009 كان معدّل الدخل الفردي في فنزويلا 13 الف دولار، وكان تصنيفها في هذا الاطار في المرتبة 85 عالمياً، وهي مرتبة اكثر من جيدة، وتعني انّ مستوى عيش المواطن الفنزويلي كان مرتفعاً. وشكّلت الصناعة حوالى 17 % من الدخل القومي (GDP) وهي نسبة جيدة ايضاً قياساً بدولة نفطية، بما يعني انّ الدولة كانت تمتلك قطاعاً صناعياً منتجاً ولم يكن اقتصادها مجرد اقتصاد ريعي.

في المجال النقدي، كوّنت فنزويلا احتياطياً كبيراً من الذهب، بحيث شَكّل 60 % من الاحتياطي العام في مصرفها المركزي. وأصبح حجم احتياطي الذهب لديها يساوي ثمانية أضعاف معدل امتلاك دول اميركا اللاتينية من الذهب. وقد تمّ تخزين هذا الذهب في لندن.

في العام 2011، اعتبر الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز انّ وجود الذهب خارج بلاده هو انتقاص من سيادتها، وانّ فرض السيادة الفنزويلية على ذهبها، يفترض إعادته من الخارج. وفي 25 تشرين الثاني 2011 وصلت طلائع السبائك الذهبية الى كاراكاس، وسط بهجة واحتفالات ارتدَت الطابع الوطني، لدى قسم كبير من المواطنين الفنزويليين الذين اعتبروا انّ ثروتهم الذهبية كانت في خطر، وأصبحت اليوم آمنة في الوطن. في ذلك التاريخ، كان ذهب فنزويلا يساوي حوالى 11 مليار دولار.

في العام 2013 اصبحت البلاد بلا أي تغطية ذهبية. إذ لم يستغرق الحكومة الفنزويلية وقتاً طويلاً لكي تنفق ايرادات الذهب الذي جرى تسييله لدعم الاحتياطات وتمويل الانفاق.

قبل هذه الفترة، عرفت فنزويلا حقبة ذهبية مع بدء تصديرها النفط، وكانت دولة طليعية وعضواً مؤسّساً لمنظمة «أوبك». ويبلغ الاحتياطي النفطي المؤكد لديها حالياً، 79,7 مليار برميل. ويبلغ احتياطي الغاز حوالى 4838 مليار متر مكعب.

ولا بد من التذكير أنّ أزمة فنزويلا المالية الاولى في العصر الحديث حصلت في العام 1980 وامتدت في التسعينات، وصولاً الى اليوم حيث تبدو الأزمة أقرب الى كارثة حقيقية في مستويات الفقر العام، وعجز الدولة عن الوقوف مجدداً على رجليها، رغم الثروة النفطية والغازية والثروات الطبيعية التي يتمتّع بها هذا البلد الذي كان في يوم من الأيام مقصداً للأميركيين من الدول اللاتينية، وحتى لعدد كبير من الأوروبيين الذين قدموا إليه للعمل، بسبب فرص العمل المهمة، ومعدّل الدخل المرتفع.

نقطة أخيرة تستحق الذكر، تتعلق بقرار فرض قيود على الاموال والرساميل (Capitals control) اعتمده شافيز في العام 2003 لمنع هروب الرساميل، الأمر الذي أدّى الى ظهور سوق سوداء للدولار رديفة للسوق الرسمي، حيث أصبح يتم تداول الدولار بـ6 أضعاف سعره الرسمي…

الحكومة اللبنانية ضَلّت الطريق، والطريقة التي تتمّ فيها مقاربة ملف التعيينات المالية، كذلك الطريقة التي اعتمدت لإسقاط مشروع الكابيتال كونترول، تعني عملياً سقوط الآمال المُعلّقة على الحكومة للانقاذ. هذا الواقع يقود الى الاستنتاج بأننا سننفق الـ22 مليار المتبقية في مصرف لبنان، ومن ثمّ سنقول للناس إنه لم يبق معنا ما نسدّ به رمق الجوع، وتحت بند «الضرورات تبيح المحظورات»، نستدعي الذهب (اذا لم يكن مُجمّداً بقرار قضائي خارجي) ونُنفقه، بعد إسقاط قانون منع بيعه. عندها، نكون قد انتهينا من محاولات فاشلة للتشبّه بالتجربة اليونانية، وانضَممنا رسمياً، ومع مرتبة شرف، الى التجربة الفنزويلية التي لم تتنه فصولاً بعد.​

انطوان فرح.

أزمة لبنان المالية: دعاوى بالجملة إذا أقرّ الكابيتال كونترول

طرح مشروع قانون الكابيتال كونترول على طاولة مجلس الوزراء غداً، والذي يتوقع أن يعطي صلاحيات استثنائية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ويشرّع إجراءات المصارف من حيث القيود التي تفرضها على السحوبات مع الابقاء على حرية الاستنساب في سحوبات العملة الأجنبية.

علمت «الجمهورية» من مصادر مطّلعة انّ مشروع قانون الكابيتال كونترول الذي سُرّب الى الاعلام الاسبوع الماضي ليس النسخة النهائية لمشروع القانون الذي سيحضر على طاولة مجلس الوزراء الخميس، وأنّ وزير المالية غازي وزني يعمل على إدخال تعديلات عليه بما يلائم أيضاً مصلحة المودع، كما عمد الى شطب بعض البنود الواردة في المشروع لأنها غير منطقية، منها على سبيل المثال ما ورد في الفقرة الخامسة من البند الثاني المتعلّق بالتحويلات الى الخارج، والتي تنص على «ان لا يكون للمودع طالب التحويل حساباً مصرفياً خارج لبنان» إذ لا يمكن تطبيق هذا البند.

وفي قراءة قانونية لمشروع القانون، يُعدّد المتخصّص في الشؤون المصرفية المالية مروان صقر لـ«الجمهورية» بعض الملاحظات او الثغرات التي وردت في مسودة مشروع القانون.

يقول صقر: لا يمكن أن يكون قانون «الكابيتول كونترول» فعّالاً وان يطبّق بشكل كامل إلّا في حال تمّ توحيد سعر صرف الدولار، وإلّا فإنّ هجمة المودعين على السحوبات النقدية من المصارف ستظل قائمة لأنّ المودع سيواصل سحب أمواله لشراء الدولار، رغم انه بذلك يخسر ما بين 30 الى 40 في المئة من قيمة سحوباته.

وعمّا تردد عن توجّه لدفع الدولار على 2000 ليرة، إستبعد صقر قانونية هذه الخطوة مؤكداً انّ اي توجّه مُماثل يحتاج الى مشروع قانون، كما لا يحق للمصارف الاقدام على مثل هذه الخطوة من دون موافقة المودع.

كذلك، توقف صقر عند خرق المساواة بين المودعين ويتعلق الأمر بتحديد سقف للسحوبات، إذ لا يمكن الجزم بأنّ احتياجات المواطنين واحدة، فهذا السقف قد يكفي البعض ولا يكفي البعض الآخر الذي ربما يحتاج الى مبالغ أكبر.

وانتقد صقر استمرار الاستنسابية بالتعاطي مع المودعين من قبل المصارف، وقد تجلّت بحالتين: الأولى تتعلق بالسحوبات النقدية بالدولار، فالقانون لم ينظّم السحوبات وتَركها لاستنسابية كل مصرف وفق ما يراه مناسباً. والثانية تتعلق بموضوع استخدام بطاقات الائتمان في الخارج، هنا ايضاً ترك تحديد السقوف لاستنسابية المصارف، مما لا يمنع أن يتصرّف المصرف وفق ما يراه مناسباً وقد تختلف الاستنسابية في المصرف نفسه بين زبون وآخر.

وتوقف صقر عند بعض الملاحظات على القانون التي سبق وأرسلها خطيّاً الى وزارة المالية، ومنها ما يتعلق بعلاقة القانون مع المعاهدات الدولية. فقال: ذكرت المادة 2 من مشروع القانون الذي أعدّته وزارة المالية «مع الاحتفاظ بما تنصّ عليه أحكام الاتفاقيات الدولية». ربما اعتقد مَن صَاغ القانون انه بذِكر هذه الجملة يحلّ مشكلة وهذا خطأ. فالاتفاقيات الدولية نوعان: الاولى اتفاقية وقّعها لبنان مع صندوق النقد الدولي وتنصّ على عدم إمكانية البلدان موقّعي الاتفاقية من وضع قيود على التحويلات الى الخارج الّا في حال تعرّضت إحدى الدول الى أزمة حادّة في ميزان مدفوعاتها، في هذه الحال يمكن ان يسمح لها بوضع قيود على التحويلات الخارجية على ان تكون مؤقته وبعد موافقة صندوق النقد الدولي. والسؤال البديهي المطروح: هل انّ وزارة المالية وأثناء إعدادها للقانون أخذت موافقة صندوق النقد الدولي؟ لأنه في حال لم تأخذ الموافقة فيمكن للصندوق معاقبة لبنان.

ثانياً: الاتفاقيات الثنائية التي وقّعها لبنان مع نحو 54 دولة، والتي ينصّ بعضها على أنّ لبنان يضمن للمستثمر الاجنبي التابع الى إحدى هذه الدول حرية تحويل أمواله الى الخارج من دون أي قيود. وهنا يبرز تناقض في هذا الموضوع، إذ في حال أخذ لبنان موافقة صندوق النقد على قانون الكابيتال كونترول، عليه أن يعالج موضوع الاتفاقية الخاصة مع بقية الدول المتعلقة بالمستثمرين التابعين لهذه البلدان، خصوصاً انّ الاتفاقيات الخاصة تعلو على الاتفاقية العامة. وبالتالي، سيتمكّن المستثمر الاجنبي من تحويل أمواله هذه بموجب الاتفاقيات، بما سيخلق مجدداً عدم مساواة بين المستثمرين الاجانب والمواطنين اللبنانيين. كما يمكن لأيّ مستثمر أجنبي آخر من غير الدول الموقّعة على اتفاق ثنائي مع لبنان الاستفادة من هذه الاتفاقية تحت بند «الدولة الأكثر رعاية». وهنا تساءَل صقر عمّا اذا كانت درست الحكومة المخاطر القانونية المُمكن أن تنتج عن هذا القانون، والتي يمكن للمستثمر الاجنبي أن يتوجّه فيها الى التحكيم الدولي ويطالب بتعويضات كبيرة.

ونَبّه صقر الى دعاوى المستثمرين الاجانب التي يمكن ان ترفع ضد لبنان، وهي أخطر بكثير من دعاوى اللبنانيين التي أقاموها في وجه المصارف اللبنانية والتي وضع مشروع القانون للحدّ منها. فهل تَعي الدولة سَيل الدعاوى الذي سينهال عليها من الخارج؟​

ايفا ابو حيدر.