أرشيف التصنيف: المقالات العامة

3 سيناريوهات لنظام تحول الطاقة خلال 30 عاماً

يعدّ تقرير شركة «بي بي» السنوي من المصادر العالمية السنوية المهمة في أبحاث الطاقة، وذلك من خلال طرح كبار الاقتصاديين في الشركة التطورات الأساسية في قطاع الطاقة. عالج «تقرير (بي بي) لاستشراف الطاقة لعام 2023» 3 سيناريوهات لدراسة الآثار المترتبة على التحول في نظام الطاقة العالمي خلال العقود الثلاثة المقبلة. يكمن الهدف من الدراسة خلال السنوات الثلاثين المقبلة في تفهم آثار الاستراتيجيات المتبناة حالياً على مدى السرعة والطرق التي من الممكن أن يسلكها قطاع الطاقة في مرحلة تحوله هذه.
تتميز الفترة الحالية بمحورية النقاش حول أهمية تقليص الكربون والتوصل إلى تصفير الانبعاثات بحلول منتصف القرن. ويعلق الخبير الاقتصادي في شركة «بي بي»، سبنسر ديل، على هذه المرحلة قائلاً: «تلفت أحداث السنة الماضية أنظارنا إلى أهمية الأخذ في الحسبان أيضاً عوامل الأمن وفاتورة الطاقة للمستهلك. فمن الضروري لأي مرحلة من مراحل الطاقة أن تأخذ دائماً في الحسبان 3 عوامل أساسية لنظام الطاقة: أمن الإمدادات، وفاتورة الطاقة للمستهلك، والتخفيض الكربوني».
كان واضحاً خلال عام 2022 العلاقة العضوية والصعبة ما بين العوامل الأساسية الثلاثة أعلاه لنظام الطاقة هذا؛ فقد أدت حرب أوكرانيا إلى التركيز على أمن الطاقة نتيجة الحظر على البترول الروسي، مما أدى إلى مبادرة بعض الدول نحو الإسراع في التحول إلى الطاقات المستدامة من جهة؛ ودفع البعض الآخر إلى الاعتماد المتزايد على مصادر طاقة محلية معظمها من الوقود الأحفوري والقليل منها من مصادر أخرى.
لكن، وفي الوقت نفسه، دلت المتغيرات الطاقوية محدودة الحجم نسبياً؛ بسبب حرب أوكرانيا، بالنسبة إلى حجم قطاع الطاقة العالمي، على تأثيرها على نظام الطاقة العالمي من جهة؛ وعلى الآثار المترتبة على هذه التغييرات من التكاليف الاقتصادية والاجتماعية، مما أثار الانتباه إلى أهمية تقليص الاعتماد على الوقود الهيدروكربوني بطريقة منتظمة ومعتدلة، بحيث يتوجب الأخذ في الحسبان، ومن الضروري، عدّ الوقود الهيدروكربوني جزءاً من إمدادات الطاقة.
من الملاحظ في الوقت نفسه، أنه رغم ازدياد طموحات الحكومات إلى التخفيض الكربوني، فإن الانبعاثات الكربونية قد ارتفعت معدلاتها منذ «اتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ 2015» باستثناء إغلاقات الجائحة سنة 2020. وكما هو معروف؛ فإنه كلما طالت فترة استمرار الانحباس الحراري، زادت التكاليف الاجتماعية والاقتصادية.
لقد ازدادت المحاولات في بعض الدول لدعم مرحلة تحول الطاقة هذه، فقد جرت الموافقة في الولايات المتحدة على قانون تخفيض التضخم. لكن؛ من المهم الانتباه إلى أن تحدي تحول الطاقة هذا يتطلب إنجازات أكثر، مثلاً؛ تشريع القوانين والأنظمة لتشجيع تحول الطاقات ذات الانبعاثات الكربونية وإعادة تأهيل بناها التحتية.
لقد هيمنت الآثار المترتبة على الحرب الأوكرانية على ضرورة الاستمرار في الاهتمام المشترك بالعوامل الثلاثة للمحافظة على نظام طاقة مستقر وناجح: الأمن الطاقوي، وفواتير معتدلة للمستهلك، وتخفيض الكربون.
إن التحول في النظام الطاقوي يغير معه أنواع الطلب على الطاقة… فالتخفيض الكربوني يؤدي إلى زيادة التحول إلى الطاقات المستدامة. لكن هذا سيتطلب بدوره أيضاً زيادة استعمال الهيدروجين منخفض الانبعاثات، وأيضاً استعمال الطاقات الحيوية بطريقة معتدلة، وكذلك تطوير صناعة واقتصاد الكربون.
فرغم تغير وسائل النقل البري مستقبلاً؛ نظراً إلى الاعتماد الأوسع على المركبات الكهربائية، فإنه يُتوقع أن يستمر أن يلعب النفط دوراً مهماً خلال السنوات الـ15 إلى الـ20 المقبلة. وكذلك؛ اعتماداً على سرعة تحول الطاقة، أن يلعب أيضاً الغاز دوراً مهماً في دول الاقتصادات النامية مع توسع الصناعات فيها، ناهيك بالطلب على الغاز (الوقود منخفض الانبعاثات) في الدول الصناعية.
يعدّ تقرير «بي بي» صرخة أخرى للتحذير من انفلات وتخبط النظام الطاقوي في مرحلة التحول الحالية. والتحذير الواضح في التقرير ضرورة ديناميكية، للارتباط العضوي لكل من: ضمان أمن الطاقة في نزاعات العالم متعدد الأقطاب، والمحافظة على فواتير معقولة للمستهلك بدلاً من تحميله زيادات سعرية عالية وسريعة كما يحدث فعلاً، وتخفيض الانبعاثات الكربونية في ظل تبني سلة طاقة واسعة تشمل الطاقات منخفضة الانبعاثات إلى جانب الطاقات المستدامة.

وليد خدوري

التكنولوجيا والاستسلام لعالم جديد

وادي السيليكون كما نعرفه وبشركاته التي تتبنى ثقافة الشفافية الوظيفية وتمنح موظفيها صلاحيات كبيرة وتسلسلات هرمية وامتيازات ضخمة، في طريقه إلى التلاشي بسرعة ومن غير المرجح أن يعود.
منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، بشرت شركات التكنولوجيا بنهج يركز على جعل العمال سعداء بالمزايا التي كانت تهدف إلى دمج العمل والحياة في سلاسة. وصممت هذه الشركات برامج غير محدودة للرفاهية، والعطلات، وطرحت مبادرات أعطت الأولوية للموظفين ومنحتهم مزايا قياسية. فمع حزمة الرواتب المرتفعة والأسهم، كانت الامتيازات المقدمة وسيلة ليس لكسب صراع المواهب في السوق فحسب، بل أيضاً للسيطرة على السوق. فالنمو السريع ونجاح شركات «وادي السيليكون»، الذي يرجع بعض الفضل فيه إلى الممارسات الفريدة لموظفيها، أعادا تشكيل ثقافة مكان العمل لهذا الجيل.
لكن الزمن تغير، وصناعة التكنولوجيا تواجه اقتصاداً كلياً غير متكافئ وسوق أسهم متعثرة تضع ضغوطاً على شركات التكنولوجيا العامة وتخلق بيئة أقل من مثالية للطرح للاكتتاب العام بالنسبة لشركات القطاع الخاص. ويعمل الرؤساء التنفيذيون للتكنولوجيا الآن على تحسين الربحية أكثر من النمو بأي ثمن، وأحياناً على حساب القيم التنظيمية الراسخة.
هذا التحول بات بالغ الوضوح خلال الطفرة الأخيرة لتسريح العمال في قطاع التكنولوجيا. وقد أثير الكثير من الجدل العام حول الاستبعاد التخريبي لنصف موظفي «تويتر» البالغ عددهم 7500 موظف، وهي خطوة جرت تحت قيادة مالكها الجديد، إيلون ماسك. كان التسريح عشوائياً، وكان من المؤلم مشاهدة ذلك. كان على الموظفين الذين بقوا تحمل أعباء عمل أكبر يصعب على فرق أقل عدداً القيام بها. ولكن في حين أن الغرباء قد ينظرون إلى عمليات التسريح هذه على أنها اندفاعية، فقد بدت وكأنها تهيئ البيئة لشركات التكنولوجيا الأخرى لتتبعها. ففي عام 2022، قامت شركات التكنولوجيا بتسريح أكثر من 150.000 شخص، وفي الأسابيع القليلة الأولى من عام 2023، أعلنت شركة «مايكروسوفت» الاستغناء عن 10 آلاف موظف. واستغنت «أمازون» عن ثمانية آلاف موظف فوق العدد الذي أعلنته في السابق.
وفقاً لوسائل إعلام كثيرة، تجري شركتا «ميتا» و«أمازون» تقييماً لموظفيها، وهو نهج مثير للجدل في تقييم المواهب. ففي عام 1980، ومن خلال شركة «جنرال إلكتريك» التي نشرت هذه الثقافة (على الرغم من أن الشركة تخلت عن ذلك لاحقاً)، جعلت العملية، المديرين يقيمون موظفيهم مقارنة بنظرائهم. وبشكل عام، يصنف 20 في المائة فقط من العمالة بأنهم من المواهب المميزين، فيما يصنف 10 إلى 15 في المائة بأنهم أصحاب أداء متدنٍّ. وعلى الرغم من وجود فوائد، فإن هذه الممارسة قد تخلق بيئة عمل تنافسية (تسودها الضغائن) تؤثر سلباً على جهود تحسين الموظفين. فمع تسريح العمال الوشيك، عادة ما يكون الأشخاص أصحاب التصنيف الأدنى هم أول من يرحل.
تسريح العمال جزء من عصر جديد من هيمنة المديرين، فكرة أن الإدارة هي المهيمنة وأنه يتعين عليها انتزاع السيطرة من الموظفين. فبعد عقدين من القتال من أجل المواهب، يستغل الرؤساء التنفيذيون هذه الفترة للتكيف مع سنوات من التساهل الإداري الذي تركهم مع جيل من العاملين أصحاب الصلاحيات.
في عام 2012، ولتحفيز الابتكار والمشاركة، بدأت شركة «ينكدين» برنامج حاضنة أعمال، الذي كان الميزة التي شجعت الموظفين على التوصل إلى أفكار معتمدة يمكنهم العمل عليها بدوام كامل لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر سخية حتى وفقاً لمعايير «وادي السيليكون». وأقيم الكثير من الفعاليات المهمة بغرض عرض ثقافة الشركة، وكان الموظفون يحضرون حفلات خلال العطلات يعرضون خلالها تجارب «إنستغرام» الجديدة المقبلة. ويكفي أن نعلم أن بعض سائقي شركة «أوبر» الذين حضروا لقاءات شركتهم الرسمية في عام 2015 قد حضروا عرضاً خاصاً للمطربة الأميركية بيونسيه.
يميل المديرون في مختلف القطاعات إلى ممارسة سلطتهم المكتشفة حديثاً، وذلك بإغلاق صفحة ترتيبات العمل والحوافز المتعلقة بالوباء. كان ريد هاستينغز، المؤسس المشارك لشركة «نيتفليكس» والمدير التنفيذي المشارك، قد صرح قرب بداية الوباء بأنه «لم يرَ أي إيجابيات» في العمل من المنزل، ويبدو أن الشركة لا تسمح إلا ببعض الأعمال عن بعد. وبحسب ما ورد من معلومات، فقد أخبرت شركة «تيك توك» موظفيها أنها قلصت عضوية الصالات الرياضية وسداد فواتير «واي فاي» وبدلات وجبة الغداء اليومية البالغة قيمتها 45 دولاراً للعمال الذين لا يعملون من خلال مقار الشركة، وذلك في محاولة لإعادة الانضباط إلى الشركة.
لكن لا يرى جميع الموظفين التقنيين هذه التحولات كإشارات. فقد تحدثت مؤخراً مع مديرة تسويق المنتجات بشركة «ميتا» التي تعرضت للتسريح، وكنت أتوقع أن تكون قلقة بشأن فرص عملها المستقبلي. لكن مع أجر ثلاثة أشهر حصلت عليها قبل تسريحها، واحتفاظها بمدخرات معقولة، كانت لا تزال متفائلة. ومع ما يقرب من 79 في المائة من مهندسي البرمجيات و76 في المائة من المسوقين الذين جرى تسريحهم في قطاع التكنولوجيا ونجاحهم في العثور على وظائف في غضون ثلاثة أشهر، فقد كانت على حق في أن تتفاءل.
ومع ذلك، فإن بعض الأشياء تبدو صحيحة الآن وتجعل التحول في ثقافة موظفي التكنولوجيا ليس مجرد لحظة وقتية ولكنها إعادة تعريف لكيفية إدارة شركات التكنولوجيا.
خسرت شركتا «ميتا» و«سيلزفورس» مجتمعتين أكثر من 700 مليار دولار من قيمهما السوقية العام الماضي. وتتعامل كلتا الشركتين الآن مع مستثمرين ناشطين اتخذوا مواقف بارزة في تعاملهم مع أسهمهم. ودعا النشطاء الشركات إلى خفض التكاليف، والحد من الاستثمارات غير الاستراتيجية، ولا سيما في حالة «ميتا»، وتقليص عمالتها بدرجة كبيرة. فالمديرون الآن باتت لديهم قدرة أقل في الإفراط في التعيينات أو الاستثمار في مبادرات الموظفين غير المرتبطين مباشرة بتنفيذ أعمالهم.
بالنسبة للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا ومديريها التنفيذيين، كانت السنوات العشر الماضية أشبه بـ«سباق الثيران» (مصطلح اقتصادي يعني السوق الصاعدة، على أنها فترة زمنية يشتري فيها غالبية المستثمرين، ويفوق الطلب العرض، وتكون ثقة السوق مرتفعة، والأسعار آخذة في الارتفاع). كانت أسعار الفائدة منخفضة، وبدا تمويل المشروعات بلا حدود وارتفعت التقييمات بشكل كبير. ومع كون المال متاحاً، مضى المديرون التنفيذيون قدماً بأن تابعوا الإيرادات، وزادوا من قواعد العملاء والاستثمار في عدد لا يحصى من الأشخاص (التوظيف) والمشروعات.
ومع ذلك، مع ارتفاع أسعار الفائدة الأخير منذ أواخر عام 2007 واستمرار عدم اليقين في حالة السوق، يفكر المستثمرون في المزيد من الاستثمارات في الشركات ذات القواعد القوية والتدفقات النقدية. وبالنسبة للمديرين المؤسسين، هذا يعني أنه سيكون من الصعب جمع التمويل، وسيكون لدى المستثمرين توقعات أكبر للعائد على أموالهم. وبالنسبة لشركات التكنولوجيا الكبيرة والشركات الناشئة على حد سواء، لم يعد النقد متاحاً مجاناً، ويجب أن تؤتي استثمارات الموظفين ثمارها.
نحن بصدد حقبة من ضغوط المستثمرين الخارجيين، وارتفاع عقبات التمويل وتقلبات السوق بشكل عام. وهذه البيئة تتطلب من الإدارة إجراء تغييرات هيكلية في طريقة تجربة ثقافة مكان العمل مع العمل ورأس المال على حد سواء.
تُستخدم قوة التكنولوجيا حالياً مع كل صوت انتخابي، وسيتعين عليها الآن الاستسلام لعالم جديد – عالم بتوقعات عالية واستثمارات منضبطة. إن عدم التفكير في رياح التغيير سيعرض وظائف الكثير من العمال أصحاب الصلاحيات للخطر.

التحدي المتزايد للدولار!

منتصف الأسبوع الماضي مرّ إعلان برازيلي – أرجنتيني بشأن التفكير في عملة موحدة جديدة للتجارة والمعاملات البينية، من دون أن يثير كثير اهتمام على الرغم من مغزاه الرمزي المهم بالنسبة للتحديات المستقبلية التي قد تواجه الدولار الأميركي، في ظل مشاكل العلاقات الدولية الراهنة والأزمات الاقتصادية المستفحلة.
الرئيسان الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز، والبرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا أعلنا في مؤتمر صحافي مشترك التزامهما بالعمل لتحقيق التكامل في أميركا اللاتينية، وإنشاء عملة مشتركة لأميركا الجنوبية يمكن استخدامها في المعاملات المالية والعمليات التجارية؛ بهدف «خفض تكاليف التشغيل وضعفنا الخارجي»، وذلك في إشارة واضحة إلى أن الهدف من الخطوة هو تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي، الذي باتت كثير من الدول ترى أنه يجعلها عرضة للضغوط وتقلبات السياسات والاقتصاد الأميركي.
صحيح أن البرازيل والأرجنتين أكبر اقتصادين في أميركا الجنوبية، لكن هناك أصواتاً عدة تشكك في الخطوة وما إذا كانت ستقود بالفعل إلى انفصال عن الدولار الأميركي، أو إلى وحدة نقدية على غرار الاتحاد الأوروبي؛ وذلك بسبب التقلبات السياسية في المنطقة، والتباينات بين الأنظمة.
الخطوة بشكلها الراهن قد لا تعدو أن تكون مجرد إعلان نيات؛ لعدم وجود برنامج واضح، وخطوات محددة، ومدى زمني لتطبيقها. كما أن البلدين لا يعتزمان التخلي عن عُملتيهما الوطنيتين (الريال البرازيلي والبيسو الأرجنتيني)، بحيث إن العملة الجديدة المقترحة لن تكون للتداول العام، بقدر ما هي للتعاملات التجارية والمالية البينية بينهما. وحسب ما جاء في المؤتمر الصحافي للرئيسين البرازيلي والأرجنتيني، فإنه تم تكليف وزيرَي المالية إعداد مقترح بشأن المعاملات التجارية والمالية بين البلدين التي يمكن أن تتم بعملة مشتركة؛ ما يؤكد أن الخطوة لا تزال في مراحلها الأولية، وأمامها وقت قد يطول قبل أن ترى النور، هذا إذا تواصلت وبلغت مرحلة التنفيذ الفعلي.
الرئيس الأرجنتيني فرنانديز كان أكثر وضوحاً عندما اعترف بأنه ليس من الواضح بعد كيف يمكن للعملة الموحدة المقترحة أن تعمل في المنطقة، لكنه أكد أنه ونظيره البرازيلي اتفقا على أن الاعتماد على العملات الأجنبية في التجارة بينهما أمر ضار.
تجارب الماضي في أميركا الجنوبية لا تبدو مشجعة قياساً على تجربة «السوق المشتركة الجنوبية (ميركوسور بالأحرف الأولى الإسبانية) التي أنشأتها البرازيل والأرجنتين وباراغواي وأوروغواي قبل 32 عاماً، وانضمت إليها فنزويلا وبوليفيا لاحقاً، لكنها لم تحقق حتى اليوم هدفها في بلوغ وحدة اقتصادية أو تجارية كاملة، كما لم تتوسع وتضم بقية دول القارة الجنوبية.
الخطوة الجديدة لتبني عملة موحدة، التي أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، أول من أمس، انضمامه إليها، قد تكون مجرد إعلان سياسي للتعبير عن الغضب من أميركا وسياساتها. فتصريحات الرؤساء الثلاثة (فرنانديز ولولا دا سيلفا ومادورو) التي ترافقت معها، حوت إشارات واضحة إلى الاستياء من واشنطن، ومن الضغوط التي تمارسها عليهم في قضايا مختلفة، ومن تداعيات السياسات الأميركية اقتصادياً وسياسياً على دولهم وقارتهم. فالعديد من دول أميركا الجنوبية التي عانت من اضطرابات وتوترات في علاقاتها مع واشنطن في فترات مختلفة، تذكر أيضاً أن ارتفاع سعر الفائدة بشكل كبير في الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الماضي، تسبب في أزمة ديون كارثية في أميركا اللاتينية أربكت الاقتصاد العالمي.
بغض النظر عما سيحدث بشأن الخطوة البرازيلية – الأرجنتينية – الفنزويلية الجديدة، فإنها تسلط الأضواء مجدداً على موضوع الدول التي تفكر في كيفية التحرر من قبضة الدولار الاقتصادية والسياسية، وهي ليست بالضرورة كلها دول معادية لأميركا، بل قد تكون حليفة، لكنها تريد استقلالاً يحمي مصالحها. دول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال تتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وتصنّف على أنها حليفة، لكن ذلك لم يمنعها من إنشاء تكتلها الاقتصادي ووحدتها النقدية وعملتها الموحدة (اليورو). وهناك دول أخرى عديدة بدأت تعمل على تنويع سلة عملاتها واستثماراتها الخارجية، وتقليص أصولها المالية المحفوظة بالدولار بسبب القلق من التذبذب في أسعاره، والمشاكل المزمنة في الاقتصاد الأميركي، وحجم الديون المتراكمة فيه، إضافة إلى المخاوف من تداعيات حرب أوكرانيا، والتوتر المتزايد في العلاقات الأميركية – الصينية.
لكن إنهاء هيمنة الدولار لن يكون أمراً سهلاً، ولا شك أن أميركا ستقاتل بمنتهى الشراسة للدفاع عن هذه الهيمنة التي تمثل جزءاً مهماً من قوتها الاقتصادية والاستراتيجية. فالدولار هو عملة الاحتياط النقدي الأولى، فنحو 59 في المائة من احتياطيات العملات الأجنبية في العالم محفوظة به، كما أنه يمثل العملة الأساسية لنحو 40 في المائة من التجارة الدولية، وهو بذلك يعطي لأميركا قوة هائلة ومؤثرة في الاقتصاد الدولي. وأي تذبذب في سعره ارتفاعاً أو هبوطاً يؤثر على العالم، وينعكس على أسعار الكثير من السلع، وعلى خدمة الديون بالنسبة للدول المقترضة من المؤسسات النقدية الدولية، مثلما رأينا في الأشهر القليلة الماضية عندما رفع بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة بشكل متتابع لكبح جماح التضخم؛ الأمر الذي أربك الاقتصاد العالمي وانعكس سلباً على أكثرية الدول التي واجهت انخفاضاً في عملتها المحلية، وارتفاعاً في فاتورة وارداتها وفي عبء خدمة ديونها.
الحقيقة، أن الدولار يواجه تساؤلات وتحديات متزايدة، وبدأ النقاش يرتفع بشكل ملحوظ حول تأثيرات هيمنته على الاقتصاد الدولي. وأذكر في هذا المجال خطاباً قوياً ألقاه المحافظ السابق لبنك إنجلترا، مارك كارني، عام 2019، دعا فيه علناً إلى إنهاء سطوة الدولار على النظام المالي العالمي، قائلاً، إن هذه السطوة أصبحت عائقاً أمام «انتعاش اقتصادي عالمي مستدام». واقترح استبدال الدولار واستخدام عملة رقمية عالمية تتبناها البنوك المركزية في دول مختلفة «لتثبيط التأثير المهيمن للدولار الأميركي على التجارة العالمية».
هناك بالفعل من يرى أن العملات الرقمية ستمثل تهديداً جدياً لمكانة الدولار الأميركي، لا سيما في ظل التطورات التقنية التي سهلت التعاملات الرقمية. فاليوم هناك أكثر من مائة دولة تستكشف التحول للعملات الرقمية، من بينها دول عربية، بينما هناك عشر دول، أهمها الصين أطلقت بالفعل عملاتها الرقمية.
والحديث هنا عن العملات الرقمية الرسمية التي تصدرها البنوك المركزية وليس العملات المشفرة مثل بيتكوين، التي شهدت صعوداً مذهلاً خلال العقد الأخير، لكنها تلقت ضربة قوية منذ نهاية العام الماضي بعد الانهيار السريع لإحدى أكبر منصات تداولها وهي «إف تي إكس» وحدوث خسائر بمليارات الدولارات لشركات وأفراد في مختلف أرجاء العالم، حتى بدأ البعض يتحدث عن بداية نهاية هذه العملات غير الرسمية.
كثير من التوقعات تشير إلى أن الدولار الأميركي سيواجه خلال السنوات القليلة المقبلة تحديات متزايدة، لا سيما مع احتدام الصراع الدولي، وتوجه عدد من الدول مثل روسيا والصين والهند للقيام بمعاملاتها التجارية المشتركة بالروبل واليوان والروبية، وسعي بكين لتبني اليوان الرقمي في معاملاتها التجارية على نطاق أوسع مع الدول الأخرى، إضافة إلى تفكير دول مثل البرازيل والأرجنتين في إصدار عملة مشتركة للتجارة والمعاملات المالية بينهما.
أميركا بالتأكيد لن تقف متفرجة إزاء التهديدات لمكانتها، وربما لهذا السبب نرى احتدام الصراع الدولي، وتزايد المخاوف من حروب كبرى.

عثمان ميرغني

انهيار سوق الكريبتو ونهاية التفكير السحري الذي أصاب الرأسمالية

أثناء إلقائي محاضرة بصفتي أستاذاً زائراً في إحدى الأكاديميات العسكرية عندما كان سعر عملة البيتكوين الرقمية المشفرة الواحدة قد اقترب من 60 ألف دولار، سُئِلت، كما يحدث مع أساتذة الاقتصاد في كثير من الأحيان، عن رأيي في هذه العملات المشفرة، وبدلاً من التعبير عن تشكيكي المعتاد في هذا الأمر، قمت بإجراء استطلاع رأي للطلاب، فوجدت أن أكثر من نصف الحاضرين يتداولون في العملات المشفرة، وغالباً ما يجري تمويل هذا التداول عن طريق القروض.
لقد صُدِمت بالنتيجة، فكيف يمكن لهذه الفئة من الشباب أن يقضوا وقتهم ويهدروا طاقتهم بهذه الطريقة؟! كما أن هؤلاء الطلاب لم يكونوا وحدهم، حيث تبدو الرغبة في التداول في العملات المشفرة أكثر وضوحاً بين الجيل زد وجيل الألفية، إذ أصبحت تلك المجموعات مستثمرة في هذه العملات خلال السنوات الخمس عشرة الماضية بمعدلات غير مسبوقة وبتوقعات متفائلة جداً.
وقد توصلت إلى أن العملات المشفرة ليست عبارة عن أصول غريبة فحسب، ولكنها مظهر من مظاهر التفكير السحري الذي أصاب جزءاً من الجيل الذي نشأ في أعقاب الكساد الكبير، والرأسمالية الأميركية على نطاق أوسع.
ويتمثل هذا التفكير السحري في افتراض أن الظروف المفضلة ستستمر إلى الأبد دون اعتبار للتاريخ، وفي تقليل النظر للقيود، والتركيز الحصري على النتائج الإيجابية.
ولكن من أين أتت هذه الأيديولوجية؟ لقد وفّرت الفترة الاستثنائية التي شهدت معدلات فائدة منخفضة وسيولة مالية زائدة التربةَ الخصبة لازدهار هذه الأحلام الخيالية، كما سمحت التكنولوجيا المنتشرة باعتقاد أن الشركات الحديثة أو رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا، يمكنهم أن يغيروا كل شيء، وقد أدى الشعور بالغضب بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008 إلى تقبُّل الحلول الاقتصادية الجذرية، فضلاً عن أن خيبة الأمل من السياسات التقليدية أدت إلى نزوح الطموحات الاجتماعية إلى عالم التجارة، وأدى انتشار وباء كورونا إلى دفع كل هذه الأسباب للأمام، بينما كنا نجلس أمام الشاشات الذكية ونشعر بالملل، وما غذَّى ذلك كان الأموال التي كانت تبدو مجانية.
ولكن مع تداول البيتكوين الآن بحوالي 17 ألف دولار أميركي، ووسط انخفاض تقييمات الأسهم وتسريح العمال في قطاع التكنولوجيا، بدأت هذه الأفكار التراجع، ويبدو أن تفكك هذا التفكير السحري سيهيمن على هذا العقد بطرق مؤلمة ولكنها تصالحية في نهاية المطاف، إلا أن هذا الوضع سيكون أكثر إيلاماً للجيل الذي اعتاد تصديق هذه الأوهام.
وكان المروِّجون للعملات المشفرة قد تعهّدوا باستبدال الحكومات عن طريق استبدال العملات التقليدية، وبرفض النظام المصرفي والمالي التقليدي من خلال التمويل اللامركزي، وقالوا إنهم يمكن أن يرفضوا القبضة الخانقة المزعومة لعمالقة الإنترنت على التجارة من خلال ما يسمى بـ«Web 3.0»، وأصرّوا على أنه يمكننا رفض المسار التقليدي نحو نجاح التعليم والادخار والاستثمار من خلال التداول في «dogecoin» وهي عملة رقمية مشفرة كان يُقصد بها الدعابة، ولكن قيمتها السوقية وصلت إلى ذروتها بأكثر من 80 مليار دولار.
وتشترك هذه الوعود الوهمية والسخيفة في شعور مشترك مناهض للمؤسسات الراسخة تغذِّيها تقنية لم يفهمها معظمنا مطلقاً، فمَن الذي يحتاج إلى الحكومات أو البنوك أو الإنترنت التقليدي عندما يمكننا العمل بشكل يتجاوز الحدود؟
وقد أظهرت الأسواق المالية السائدة هذه الاتجاهات نفسها، حيث ساد التفكير السحري لدى طبقة المستثمرين الأوسع، وخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة وانعدامها تضخمت قيمة الأصول المضاربة ذات الاحتمالات المنخفضة للنجاح، وقدَّم الباعة الذين يروِّجون للعملات الرقمية المشفرة، التي حوّلت أصول المضاربة إلى طرق جديدة لجذب الجمهور دون الخضوع لعمليات التدقيق التقليدية، وعوداً أكبر مع استبعاد مخاطر أكبر، وهي السمة المميزة للجهل الموجود في التفكير السحري، وظل الكثير من المستثمرين لفترات طويلة يقومون بعمليات شراء تشبه تذاكر اليانصيب، وفاز الكثير منهم بالفعل.
ولم يكن من الممكن أن ينجو الاقتصاد الحقيقي من هذه العدوى، فقد ازدهرت الشركات من خلال توسيع نطاقها وطموحها لإشباع رغبتها في التفكير السحري، حيث جرى تصوير «WeWork» وهي شركة عادية توفر مساحات عمل مرنة، على أنها مشروع روحي يعيد تشكيل الحالة البشرية، مما رفع تقييمها بشكل كبير، كما أعادت شركتا «فيسبوك» و«جوجل» تصور نفسيهما على أنهما قوة تكنولوجية، وأعادتا تسمية علامتهما التجارية بـ«ميتا» و«ألفا»، حيث سعى كل منهما للحصول على إمكانات واسعة يمكنها من خلالها استعراض فكرة الميتافيرس، ولكنها في الواقع كانت أعمالاً إعلانية مبتذَلة (وإن كانت فعَّالة جداً)، إلا أن هذه الشركات باتت تكافح الآن مع عدد من أفكارها الخيالية.
وعلى نطاق واسع، أصبح الكثير من الشركات يتبنى مهامّ اجتماعية أوسع استجابة لرغبة المستثمرين والموظفين الشباب في استخدام رأسمالهم وتوظيفه كأدوات للتغيير الاجتماعي؛ وذلك لأن أحد المظاهر الأخرى للتفكير السحري هو اعتقاد أن أفضل الآمال لإحراز تقدم في أكبر تحدياتنا، التي تتمثل في تغير المناخ والظلم العنصري وعدم المساواة الاقتصادية، هي الشركات والاستثمارات الفردية، وليس الحشد السياسي والاهتمام بمجتمعاتنا.
وأعترف بأن هذا الفكر يعكس تجربتي الخاصة، فعلى مدار العقد الماضي، كان كوني أستاذاً للاقتصاد يعني أنه يجري سؤالي عن العملات المشفرة أو عن طرق التقييم الجديدة للشركات، وقد كان يبدو الابتسام في وجهي وتجاهلي عندما كنت أعبّر عن أفكاري التقليدية، فقد قيل لي إن كل مشكلة تجارية يمكن حلها بطرق جديدة وفعَّالة بشكل جذري من خلال تطبيق الذكاء الاصطناعي على كميات متزايدة من البيانات.
فقد تعلم الكثير من الخريجين، الذين نشأوا في هذه الفترة من التخبط المالي وطموح الشركات المتزايد، ملاحقة هذه الأشياء البراقة برأسمالهم البشري والمالي، بدلاً من الاستثمار في مسارات مستدامة، وهي العادة التي بات يَصعب غرسها في الأجيال اللاحقة.
وصحيح أنه يجب الإشادة بتبنِّي الحداثة والطموح في مواجهة المشكلات الضخمة، ولكن التنوع الشديد للسمات التي رأيناها كثيراً في السنوات الأخيرة يؤدي إلى نتائج عكسية، إلا أن أساسيات العمل لم تتغير بسبب هذه التقنيات الجديدة أو أسعار الفائدة المنخفضة، ولا يزال الطريق إلى الازدهار يتمثل في حل المشكلات بطرق جديدة تقدم قيمة مستدامة للموظفين ومقدمي رأس المال والعملاء.
ولكن المبالغة في تقديم الوعود للجيل الجديد بسبب نطاق التغيير الذي أحدثته التكنولوجيا وإمكانيات الأعمال والتمويل لن تؤدي إلا إلى شعوره بالسخط حين تتعثر هذه الوعود، وكل هؤلاء المستثمرين ومالكي العملات المشفرة الجدد سيضمرون ضغينة ضد الرأسمالية، بدلاً من إدراك العالم المنحرف الذي وُلدوا فيه.
وفي الوقت الذي تنهار فيه العملات المشفرة، فإن نهاية هذا التفكير السحري باتت تقع على عاتقنا، وهذه أخبار جيدة، وصحيح أن أصحاب المصالح سيقاومون هذا الاتجاه من خلال الاستمرار في نشر رواياتهم الخاصة، ولكن ارتفاع الأسعار والعودة إلى دورات الأعمال الروتينية سيستمران في إحداث الصحوة التي بدأت في عام 2022.
ولكن ماذا بعد؟ نأمل أن يتبع ذلك تنشيط للبراغماتية؛ فوجود أصول مضاربة من دون أية وظيفة اقتصادية هو أمر بلا قيمة، كما يجب تحسين المؤسسات القائمة، على الرغم من عيوبها، بدلاً من الاستغناء عنها.
وصحيح أن الشركات تُعدّ ذات قيمة اجتماعية لأنها تحل المشكلات وتولِّد الثروات، ولكن ينبغي عدم الوثوق بها باعتبارها المسؤولة عن التقدم، بل يجب تحقيق توازن من قِبل الدولة، فالمقايضات ستظل موجودة في كل مكان، ولن يكون هناك مفر منها، ولكن المضي قدماً وسط هذه المقايضات، بدلاً من تجاهلها، هو الحل لبدء حياة جيدة.

ميهير أ. ديساي *

أستاذ في كليتي «إدارة الأعمال» و«الحقوق» بجامعة هارفارد.

الذكاء الصناعي… هل يخذل البشرية؟

من مفارقات الحياة الكبرى أن صناع الشيء هم أول من يكتوي بناره. الشركات العملاقة في مجال الذكاء الصناعي آخذة في تسريح عمالها في حدود 10 في المائة أو أعلى قليلاً. الأرقام المعلنة من شركات مثل «أمازون» و«غوغل» و«مايكروسوفت» وغيرها، تشير إلى أزمة كبرى في مجالات عمل تلك الشركات، وهي التي تصنع الكثير من تطبيقات الذكاء الصناعي بدرجاته المختلفة، والتي كثيراً ما بشّرت بأن نشر تلك التطبيقات في مجالات الحياة المختلفة سيؤدي إلى تغيير نمط الحياة البشرية من جانب، وتحسين أوضاعها من جانب آخر، عبر تيسير إنجاز الأعمال القائمة أساساً على التعامل مع البيانات المفرطة، ويصعب على البشر أن يتعاملوا معها بسرعة وكفاءة، بينما تطبيقات الذكاء الصناعي تفعل ذلك في أسرع وقت وبكفاءة عالية. والأهم من ذلك كله هو أن بعض تلك التطبيقات يمكنها أن تتنبأ أو تتوقع في ظروف معينة بسيناريوهات أو تطورات محددة، تمثّل تنبيهاً لأصحابها لاتخاذ خطوات استباقية منعاً للخسارة أو احتوائها.
شركات التكنولوجيا الكبرى تمتلك مثل هذه التطبيقات الذكية القادرة على التوقع بناءً على تحليل إحصائي معقَّد لكمٍّ هائل من البيانات المتراكمة عبر سنوات طويلة، فلماذا لم تتوقع تلك التطبيقات حدوث أزمة قد تسبب لها خسائر بشكل أو بآخر؟ يمتد هذا التساؤل إلى أن تلك الأزمات ليست مرتبطة بقدرات الشركة وحسب، بل أيضاً بقدرات المنافسين القادرين على ابتكار برامج ذكية تفوق ما لدى الشركات العملاقة، والأمران معاً يفسران إلى حد ما قرارات تسريح نسبة لا بأس بها من العاملين المخضرمين من المبرمجين والمخترعين والمنظمين والإداريين في تلك الشركات العملاقة.
كل البيانات الصادرة عن تلك الشركات العملاقة تؤكد أن تراجع الاقتصاد هو السبب الرئيسي، وتلك إجابة منطقية إلى حدٍّ ما، ولكنها ليست إجابة كاملة الأركان، والسبب في اعتقادي أن ثمة خللاً كبيراً بات يصيب تلك الشركات من حيث اعتمادها على تطبيقات ذكية من صنعها، قدم لها تطمينات مستقبلية بأن عملها سيظل في صعود أياً كانت البيئة الكلية التي تعمل فيها تلك الشركات، ومن ثم أخذت في التوسع وفي الإسراع بإبداع برامج وتطبيقات أكثر ذكاءً تقترب من مستوى التعلم الذاتي الأولي، في حين أن البيئة الكلّية من مجتمع وقيم وأنماط حياة مختلفة ومتناقضة أحياناً، ومنافسات قاسية مع الفاعلين الآخرين، تبدو ليست مؤهلة لكل تلك التطبيقات الذكية التي يتم العمل عليها بهدف نشرها وجعلها نمط حياة جديداً للبشرية كلها، وليس فقط لمجتمعات الدول الصناعية.
يُذكر هنا أن مستوى التعلم الذاتي لبعض البرامج وتطبيقات الذكاء الصناعي قائمة أساساً على فكرتين رئيسيتين؛ الأولى أن الآلة من خلال خوارزمية معقدة ومتشابكة ومعادلات إحصائية تتوالد ذاتياً، يمكنها أن تكتسب معارف جديدة توجه عملها دون تدخُّل بشري، وهو ما يدخل في نطاق الآلات المستقلة، وأبرز استخداماتها المستقبلية يُخطط لها أن تكون عسكرية بالأساس كالروبوت المقاتل، وهناك نماذج أولية منه لدى الصين وروسيا والولايات المتحدة. أما الثانية فهي الآلات والتطبيقات التي تعتمد معادلاتها الخوارزمية أساساً على كمِّ البيانات التي تتوفر لها، سواء من خلال ما تجمعه وفقاً للتصميم الأساسي الذي أنشأ عملها، أو من خلال قاعدة بيانات خاصة تمتد لمسافة زمنية معينة ولا تتجاوز تلك المدة الزمنية، ويتم توفيرها مسبقاً بتدخل بشري. وكلا النوعين يقوم بما تُعرف بالتغذية الارتجاعية الذاتية، وهو ما يوفر مساحات من الاستجابة تختلف وفقاً لطبيعة البيانات التي تعتمد عليها. وبالتالي فإن حجم البيانات وطريقة الوصول إليها والمدى الزمني يجعل النتائج مختلفة. ففي أحد التطبيقات الذكية التي يمكنها تحرير النصوص بدقة ويُدعى «أبوت»، وهو امتداد لتطبيق «شات جي بي 2»، والذي أظهر قدرة على تقديم إجابات منطقية لمدى واسع جداً من الأسئلة البشرية، اعتمد على قاعدة بيانات تقف عند عام 2021، ولم يستطع أن يجيب عن أسئلة حدثت بعد هذا التاريخ. مما يؤكد أن التطبيق الذكي، حتى وإن تعلم ذاتياً، فهو رهْنٌ بما يتاح له من بيانات يتعامل معها بقدر من الحرفية الإحصائية التي تمكّنه من استنساخ إجابات سبق أن توصل إليها البشر في حياتهم الطبيعية.
النوع الأول الذاتي يثير بدوره مشكلات أخلاقية وفكرية وفلسفية كبرى، من قبيل: هل يعاقَب الروبوت المقاتل إن أتى بفعل مُجرَّم وفق القوانين والمعاهدات الدولية التي تنظم الحرب مثلاً؟ وما هذا العقاب لآلة صماء؟ وهل يخضع مبرمجو هذه الآلة للعقاب؟ وما حجمه؟ وقِسْ على ذلك الكثير من الجدل بين العلماء في غيبة عن الرأي العام إلا فيما ندر.
القاعدة الرئيسية هنا تتعلق بحجم البيانات، ومَن يجمعها، وكيف يصل إليها، وقواعد تنظيمها، ومَن يستغلها، ولماذا؟ البيانات هي بذور المعلومات المتناهية الصغر، وعبر تراكمها تتحول إلى غنيمة كبرى، ووفقاً لعالم ذكاء صناعي صيني، فهي نفط العالم الجديد؛ تُمكِّن مالكها من تحقيق السبق في القيادة والهيمنة مع منافسيه. ومن جانب آخر فإن تلك البيانات عند معالجتها بتطبيقات الذكاء الصناعي ليس بالضرورة أن تنتج النتائج نفسها، فحجم التحيز والشفافية والشمول والهدف الضمني الذي صيغت على أساسه الخوارزمية الذكية في التطبيق المعنيّ، تلعب الدور الأكبر في تحديد النتائج المرجوّة. ولعل التطبيق الأكثر حضوراً في هذا المجال المتعلق بالتعرف على الوجوه، الذي طوّرته شركات صينية للتحكم في انتشار وباء «كوفيد» مطلع 2020 واستهدف أساساً مراقبة الجموع في كل تحركاتهم، ووفّر ذلك كماً هائلاً من البيانات للحكومة الصينية عن كل مواطن صيني تقريباً. مما يدعم الشمولية بمعناها الواسع. إيران من جانبها، بدأت تطبيق هذا البرنامج للتعرف على المحتجين والوصول إليهم واعتقالهم، مما يدعم بقاء النظام وشموليته من جانب، ويسرع إجراءات الاعتقال للمحتجين من جانب آخر، ومن ثم يُنهي أي تمرد على المدى القريب. لكنه لا يفيد في إصلاح النظام على المدى المتوسط.
بهذا المعنى يمكننا أن نفهم القلق الذي يجب أن يعتري البشر كلهم، ويدفعهم إلى البحث الجماعي لصياغة اتفاقية أو معاهدة دولية لحماية البشرية من التحيزات المقصودة في تطبيقات وبرامج الذكاء الصناعي. وبالقطع فإن الدور الأكبر الذي ستلعبه الدول الصناعية الكبرى في صياغة مثل هذه المعاهدة سيكون مشفوعاً بمصالحها ومصالح شركاتها العملاقة المدنية والعسكرية بالدرجة الأولى. أما الدول والمجتمعات الأضعف في صناعة الذكاء الصناعي فسيقلّ، إن لم ينعدم، دورها تماماً. وهنا تبدو معضلة الأطراف الأخرى، لأن أي معاهدة دولية لمجالات لا تختبرها الغالبية العظمى من الدول والمجتمعات لن تكون ذات معنى، ومن ثم ستقل فاعلية هذه الوثيقة الدولية إن تم التوصل إليها، وغالباً ستكون مجالاً لابتزاز تلك الدول لاحقاً من قِبَل الدول المحتكرة للذكاء الصناعي.

 

د. حسن أبو طالب

عن مستجدات اقتصاد العالم وفخ الوسط

ربما قضيت الأيام الأخيرة من السنة الماضية، والأيام الأولى من العام الحالي، متابعاً بتعجب ما تناقلته وسائل الإعلام عن أوضاع الاقتصاد العالمي، وكيف أنه يتعرض لأزمات شتى متعددة ومستمرة، لم تترك مصدراً لها أو بعداً إلا شملته. وشرع المحللون يصنفون حدتها وأوجه تأثيرها على حياة الناس وأسباب معيشتهم. ثم ها هي صحف اقتصادية واسعة الانتشار، مثل «فايننشيال تايمز» اللندنية، تزف فجأة أخباراً وتقارير عن أجواء للتفاؤل، انتقلت عدواها بين جنبات منتجع دافوس السويسري؛ حيث عقد الأسبوع الماضي المنتدى الاقتصادي العالمي. وانتشرت روح الأمزجة المبتهجة؛ خصوصاً مع ارتفاع البورصات المالية العالمية بنحو 4 في المائة منذ بداية العام.
دعم هذا التوجه المتفائل نسبياً قرار الصين -كثاني أكبر كيان اقتصادي عالمي- بإنهاء سياسة «صفر- كورونا» وإعادة فتح البلاد للحياة العادية، ومعاودة النشاط الاقتصادي إنتاجاً واستهلاكاً. واحتفى البعض أيضاً بانخفاض أسعار الغاز الطبيعي بنحو 80 في المائة، بما سيخفف العبء عن ثالث أكبر تجمع اقتصادي تمثله أوروبا التي عانت أزمة طاقة حادة وتقلباً في أسعارها. وكان السبب الأخير للانطباعات الإيجابية هو أثر قانون تخفيض التضخم للولايات المتحدة الأميركية واستثماراته الموعودة والمدعومة بسخاء لتنفيذ برامج التحول الأخضر؛ خصوصاً في مجالات الطاقة والبنية الأساسية. مثل هذه المؤشرات عن الاقتصادات الثلاثة الأكبر عالمياً ستدفع المؤسسات المالية الدولية إلى تحديث لمؤشرات الاقتصاد العالمي، لتتوقع اقتصاداً عالمياً يتحاشى في مجمله فوهات الركود، ويسيطر على التضخم.
ويجب ألا نتعجب من سرعة تغير التوقعات وتوجهاتها، فقد تطرقت في مقال سابق نشرته هذه الصحيفة الغراء في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إلى أن «ظروف اللايقين التي يعيشها العالم تجعل احتمال حدوث التوقعات المعلنة من أنواع التخرص، وإن صدقت بعض هذه التوقعات فهي من المصادفات غير المحسوبة. ولمن لديه شك، فليراجع توقعات المؤسسات الدولية على مدار السنوات الثلاث الماضية، منذ اندلاع جائحة (كورونا) عن نمو الاقتصاد العالمي، ومعدلات التضخم، وأسعار السلع الرئيسية، كالنفط ومواد الطعام والمعادن النفيسة، وأسعار صرف العملات الرئيسية، وليحدد مدى اقترابها من الواقع المعيش».
على الرغم من ذلك، ليس لدي من شك في أن الاقتصاد الأميركي سيخرج في النهاية من أزمة التضخم الراهنة بإجراءات السياسة النقدية المتبعة، وقد يضطر البنك الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة بمقدار يتراوح بين 25 و75 نقطة أساس، أي بأقل من نقطة مئوية حتى نهاية العام، ثم سيأخذ فترة لمراجعة حقيقة ما يحدث في سوق العمل بين مؤشرات تظهر متانته، ومؤشرات أخرى متعارضة تتعلق بتسريح أعداد كبيرة من العاملين في بعض الشركات الكبرى من السوق، كما سيتابع مؤشرات نمو الاقتصاد ليدفع به بعيداً عن تهديدات الركود، وسيتحقق من مدى صمود المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وقطاع العقارات، وسلامة القطاع المالي من التعرض لمخاطر زيادة القروض المتعثرة.
أما الصين، فبعد ثلاثة أعوام من الإغلاق بسبب «كوفيد» ستكون لسرعة عودتها للحياة الطبيعية آثار حميدة، برفع معدلات النمو والتشغيل بعد فترة قد يتطلبها التكيف مع الواقع الجديد، من حذر وتحفظ على مدار الشهور الأولى من هذا العام، ولكن إذا تركت الأمور تسير في أعنتها على النحو المتوقع فسيرتفع معدل نمو الاقتصاد الصيني بتأثير إيجابي على متوسط نمو الاقتصاد العالمي. ولكن هذه الزيادة في نمو الاقتصاد الصيني ستصحبها زيادة في الطلب على الطاقة والسلع الرئيسية والخامات وأسعار النقل والسفر، بما يستوجب حساب الأثر الصافي، وفقاً لمدى استجابة قطاعات الإنتاج والعرض والتوزيع، بافتراض سلامة سلاسل الإمداد من أي مربكات طبيعية، أو مفتعلة، من جراء تبني سياسات حمائية مقيدة من جانب بعض شركاء الصين التجاريين.
ربما تبدد زيادات أسعار الطاقة -بسبب معاودة الاقتصاد الصيني مسيرة نموه- مظاهر الابتهاج المبكر باحتمالات انخفاض معدلات التضخم في أوروبا؛ خصوصاً مع أجواء الحرب الدائرة في أوكرانيا، بما سيحفز استمرار البنك المركزي الأوروبي في السياسات التقييدية؛ بل سعيه للضغط على السياسات المالية العامة، حتى لا تتبنى سياسات توسعية تقوض جهوده في مكافحة التضخم. وربما ستتكرر الحالة الأوروبية مجدداً بالتأخر في التعافي؛ ليس فقط لمشكلات الطاقة والحرب، ولكن لما تعانيه القارة العجوز من تحديات ديموغرافية، بزيادة نسبة الشيخوخة، وتراجع معدل نمو السكان، وتراجع الإنتاجية، وانخفاض نسب الإنفاق على الابتكار والبحث والتطوير باستثناءات محدودة.
ما يعنينا هو الأثر الصافي لهذه التغيرات، والتدافع بين الاقتصادات العالمية الكبرى، على البلدان النامية. فقد أفصحت سجلات الأزمات العالمية الأخيرة عن أن الدول النامية؛ خصوصاً ذات الدخل المتوسط منها، هي عادة الخاسر الأكبر فيها إلا قليلاً، كما أن الأشد اضطراباً وعرضة لمخاطر هذه الأزمات داخل هذه الدول متوسطة الدخل هي أسر الطبقة الوسطى. فالشرائح الغنية لديها ما يحميها من هذه الأزمات؛ بل قد تستفيد منها وفقاً لمصادر ثرواتها ودخولها، أما الشرائح الأقل دخلاً فأصبحت لها منظومة متعارف عليها لشبكات الحماية الاجتماعية والدعم العيني والنقدي، بتكاليف محددة في موازنة الدولة، والتي يمكن أن تحمي هذه الشرائح شريطة تفعيلها المبكر بكفاءة، قبل زيادة تأثير احتدام الأزمات عليهم.
وما أقصده بفخ الوسط يشمل الدول متوسطة الدخل، والتي تشكل ثلث اقتصاد العالم، وتضم 75 في المائة من سكانه، ويعيش فيها أكثر من 60 في المائة من فقراء العالم. وتنتمي إلى هذه المجموعة أغلب البلدان العربية، وأعداد متنامية من البلدان الأفريقية تشكل الثقل السكاني للقارة السمراء. وقد أشرت من قبل إلى أن الدول متوسطة الدخل لا تتمتع بمزايا الدول المتقدمة في الاقتراض الرخيص بعملاتها المحلية من الأسواق الدولية بلا مخاطر في سعر الصرف وتقلباته. كما أن دول فخ الوسط لا تستفيد من مزايا الاقتراض الرخيص الميسر من المؤسسات التنموية الدولية، كالذي تستفيد منه الدول الأفقر والأقل دخلاً. فقد حُرمت الدول متوسطة الدخل من جل التمويل الميسر بافتراض مضلل وفضفاض بأن لديها قدرات لتدبير احتياجاتها التمويلية، من خلال مواردها المحلية واستثمارات القطاع الخاص، والنفاذ إلى الأسواق المالية الدولية. فسبل التيسير لحياة الفقراء ومتوسطي الدخل مطلوبة بما يتجاوز اعتبارات التصنيف العقيمة للدول، وفقاً لشرائح دخول تختزل واقع التنمية في متوسطات مضللة، لا تأخذ في الاعتبار التفاوت الحاد في توزيع الدخل، أو مدى الهشاشة عند التعرض للصدمات.
إذن لدينا معضلتان يلخصهما فخ الوسط: مرة إذا وقعت فيه الدول متوسطة الدخل، ومرة أخرى إذا تناولنا أوضاع الطبقة الوسطى بهذه البلدان في الاعتبار. وأضيف إلى ذلك ما قد نلاحظه أيضاً من تحديات تتعرض لها المشروعات المتوسطة، فالشركات الكبرى لها الحظوة في التمويل بمعاملات تفضيلية من البنوك والأسواق المالية، والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر تتوفر لها حزم مساندة بدعم محلي أو خارجي، أما المشروعات المتوسطة في كثير من البلدان النامية فلا سند لها أو معين في أجواء الأزمات، فلا هي طالت حظوة الشركات الكبرى، ولا هي أصابها إغداق الداعمين للمشروعات الصغرى. ولهذا ينتشر تعبير الوسط المنسي لوصف حال من وقع تصنيفه في خانات الوسط؛ سواء كانت دولة أو شركة أو أسرة منتمية للطبقة الوسطى.
ويستلزم الأمر مراجعة لسبل تيسير التمويل في وقت الأزمات. ففيما يتعلق بالبلدان النامية تجب إعادة النظر فيما تحصل عليه من المؤسسات المالية الدولية، وشروط اقتراضها المغالية، بتيسير هذه الشروط؛ سواء من حيث التكلفة أو فترة السماح أو مدة التمويل. وقد اقترحت على سبيل المثال ألا تزيد تكلفة تمويل العمل المناخي على 1 في المائة، بفترة سماح لا تقل عن عشر سنوات، وفترة سداد لا تقل عن عشرين سنة، ويمول هذا الدعم من تعهدات المائة مليار دولار الموعودة من البلدان المتقدمة التي لم تصل بكاملها أبداً للبلدان النامية. وبالنسبة للشركات المتوسطة فتجب مساندة الواعدة منها ذات المكون التكنولوجي الرائد، وصاحبة الإسهام الملموس في التشغيل والابتكار والتصدير. أما أسر الطبقة الوسطى فينظر لها على أنها سند الاستقرار المجتمعي، المحافظة على قيمه، وبين شرائحها يحدث الحراك الاجتماعي المطلوب للتقدم.
وفي عهد صعود الاقتصاد الياباني بعد الحرب العالمية الثانية، كان إذا سئل الشباب عن أي مركز اجتماعي يرغبون فيه مستقبلاً، تأتي الإجابة تلقائية برغبتهم في أن يكونوا مثل سائر الناس. ففي المجتمعات التي تشكل الطبقة الوسطى غالبية مكونات هرمها السكاني والاقتصادي، يكون طموح الفرد وتوقعه أن يكون مثل عموم الناس دون نقصان.

د. محمود محيي الدين

استراتيجية الصين

طوال ثلاثة عقود، كانت الصين هي وجهة الاستثمارات العالمية، مدعومة بعوامل أعطتها جاذبية اقتصادية، سواء كانت هذه العوامل مرتبطة بالإنتاج كانخفاض تكلفة اليد العاملة، أو بالسوق كالطلب المحلي الذي ازداد مع نمو الصين وزيادة الطبقة المتوسطة فيها. انتقلت، خلال هذه العقود، مساهمة الصين في الاقتصاد العالمي من أقل من 4.5 % إلى أكثر من 18.5 %، وأصبحت الصين مصنعاً للعالم، يعتمد عليه، وتتركز فيه مصالحه الاقتصادية. وبحلول عام 2008، استشرفت الولايات المتحدة واليابان خطورة الارتكاز على الصين بهذا الشكل، لذلك فقد اتخذوا خطوات لتقليل الاعتماد على الصين وتنويع الاستثمارات لتقليل المخاطر، وهي الاستراتيجية التي عُرفت لاحقاً بـ(الصين + 1)، وتعني تنويع الاستثمارات خارج الصين، مع الإبقاء على الاستثمارات في الصين، واتبع هذه الاستراتيجية العديد من الدول والشركات متعددة الجنسيات.
دوافع استراتيجية (الصين + 1) عدة، منها دوافع استراتيجية، فعلى سبيل المثال لا تريد العديد من الشركات تعريض استثماراتها للخطر بتركيزها في الصين. وقد اتضح هذا الخطر في العديد من الحالات، أولاها إبان حقبة الرئيس الأميركي السابق الذي استهدف الصين بشكل صريح وواضح، وتعرضت حينها الشركات الصينية لرسوم جمركية إضافية، حينها بدأت بعض الشركات نقل عملياتها إلى دول آسيوية أخرى، بما في ذلك بعض الشركات الصينية. ثانية هذه الحالات تمثلت في فترة ما بعد الجائحة، حيث استمرت الصين في تطبيق سياسات الحجْر الصحي، مما أثر على المصانع ودفع بعض الشركات لنقل عملياتها إلى خارج الصين. أما الثالثة فهي التخوف من العوامل الجيوسياسية، لا سيما مع زيادة التوترات بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان.
إضافة إلى الدوافع الاستراتيجية، فإن العديد من الدوافع الاقتصادية شجعت الشركات على اتباع استراتيجية (الصين + 1)، منها ارتفاع التكاليف في الصين. وتكاليف اليد العاملة في الصين – بعكس ما يظن البعض – مرتفعة نسبياً، مقارنة بالدول المحيطة بها، هذا الارتفاع يعود إلى أسباب؛ منها ارتفاع معدل الأعمار في الصين والذي سبّب شحاً في اليد العاملة، ولا يبدو أن هذه المشكلة ستُحل قريباً، لا سيما مع اتباع حكومة الصين سياسة الطفل الواحد لفترة زمنية طويلة أدت إلى انخفاض القوى العاملة مع الوقت. أحد الدوافع الاقتصادية أيضاً هو التباين في سياسة الحكومة الصينية تجاه الأعمال الأجنبية، والتي وصفها البعض بالسياسة الانتقائية، خاصة مع محاولات الصين نقل الصناعات الصينية إلى قيمة أعلى وتسهيل التنافسية الدولية للشركات المحلية. كذلك فإن التغيرات الاجتماعية في الصين – ومنها زيادة الطبقة المتوسطة والثرية – سببت تغيراً في سلوك المستهلك الصيني، وهو ما زاد مستوى الخطر للشركات الأجنبية التي تستهدف السوق المحلية.
وفي جانب آخر فإن العديد من الدول الآسيوية يتحين الفرص لسحب هذه الاستثمارات الأجنبية من الصين إليها، إحدى أكثر هذه الدول تشوقاً لجذب هذه الاستثمارات هي الهند، والتي أصدرت تقارير عدة منذ عام 2013 وحتى الآن عن استراتيجية (الصين + 1) ومدى استفادة الهند منها، لا سيما مع ميزاتها التنافسية مثل اليد العاملة الماهرة المجيدة للغة الإنجليزية. وقد اتجه العديد من الشركات إلى الهند؛ منها شركة «أبل»، حيث يصنع 5 % من جهاز الآيفون حالياً في الهند، وتستهدف الشركة أن تزيد هذه النسبة إلى 25 % بحلول 2025. كما أن العديد من الدول الأخرى جذب بالفعل استثمارات إليها، فإندونيسيا جذبت إليها بعض شركات تقنية المعلومات والاتصالات وسلاسل توريد الطاقة النظيفة، وتايلند صبّت تركيزها على صناعات السيارات، وفيتنام ازدهرت في الصناعات منخفضة التقنية مدعومة بانخفاض تكلفة اليد العاملة والقرب الجغرافي من الصين، وبنغلاديش استثمرت في صناعات الملبوسات.
إن بوصلة الاستثمار العالمي بدأت تحيد عن الصين، ذلك أن العديد من الشركات حول العالم يحاول تجنب الاعتماد المفرط عليها، سواء كسوق أو بلد منتِج لجميع الأسباب المذكورة، وقد أشار استبيان إلى أن واحداً من كل ثلاثة قادة لسلاسل التوريد يهمّ بمغادرة السوق الصينية بحلول 2023. إلا أن هذا التنويع لن يكون سهلاً، فتكاليف الانتقال إلى بلدان أخرى مرتفعة، ففيها تكاليف التعلم على الأسواق الجديدة ونقل العمليات ورفع مهارات الموظفين، واستيعاب التقنيات، إضافة إلى عوامل أخرى متعلقة باختلاف الأنظمة وحماية الملكية الفكرية. ولا يبدو أن مكانة الصين سوف تتغير على المديين القصير والمتوسط بأية حال من الأحوال، فالصين لا تزال تملك ميزات تعطيها التفوق على جاراتها الآسيويات، مثل البنية التحتية المتطورة، واللوجستيات المتقدمة، واليد العاملة عالية المهارة، والطلب المحلي المتزايد، إلا أن مستقبل الصين على المدى الطويل قد لا يكون مضموناً كما كان في السابق.

د. عبد الله الردادي

الركود التضخمي.. ما لا يتمناه أحد لأي اقتصاد

الركود التضخمي عبارة عن فترة اقتصادية تتسم بارتفاع ملحوظ في التضخم (أي نمو أسعار السلع والخدمات) وكذلك معدل بطالة مرتفع مصحوباً بنمو اقتصادي متباطيء.

يصف محللون هذا السيناريو بأنه الأسوأ، لأن صانعي السياسات النقدية يجدون أنفسهم في موقف يصعب التعامل فيه مع هذا المزيج (ركود وتضخم في نفس الوقت)، لأن محاولة التعامل مع أحدهما ربما تؤدي إلى تفاقم الآخر.

ومنذ سبعينيات القرن الماضي، حدث تضخم مصحوب بركود وبشكل متكرر في اقتصادات العالم المتقدم، وفي منتصف عام 2022، كان الكثيرون يقولون إن الولايات المتحدة قد تواجه ركوداً تضخمياً لفترة قصيرة.

وزعم محللو مجلة فوربس في يونيو حزيران الماضي بأن تعرض الاقتصاد الأميركي لفترة قصيرة من الركود التضخمي أمر مرجح لأن صانعي السياسة الاقتصادية سيعالجون البطالة أولاً، تاركين التضخم ليتم التعامل معه لاحقاً.

بداية التعرف على المصطلح

تم استخدام مصطلح الركود التضخمي لأول مرة من قبل السياسي البريطاني إيان ماكلويد في خطاب ألقاه أمام مجلس العموم في عام 1965 حيث ارتبط وقتها بفترة قاسية من الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

وتم إحياء المصطلح في الولايات المتحدة خلال أزمة النفط في السبعينيات، والتي تسببت في انكماش الناتج المحلي الإجمالي على مدار خمسة أرباع سنوية متتالية، كما تضاعف التضخم في عام 1973 بأميركا وبلغ رقماً مزدوجاً في عام 1974.

كان يعتقد سابقاً أن الركود التضخمي أمر مستحيل الحدوث حيث استبعدت النظريات الاقتصادية التي هيمنت على الأوساط الأكاديمية في معظم فترات القرن العشرين وقوع ركود مصحوب بالتضخم في نماذجها.

على وجه الخصوص، النظرية الاقتصادية لمنحنى فيليبس، التي صورت سياسة الاقتصاد الكلي على أنها مقايضة بين البطالة والتضخم.

ونتيجة للكساد العظيم، أصبح الاقتصاديون منشغلين بمخاطر الانكماش وجادلوا بأن معظم السياسات المصممة لخفض التضخم تميل إلى زيادة البطالة، في حين أن السياسات المصممة لخفض البطالة ترفع التضخم.

لكن أظهر ظهور الركود التضخمي في جميع أنحاء العالم المتقدم في وقت لاحق من القرن العشرين أن هذا لم يكن هو الحال.

يُعد التضخم المصحوب بالركود مثالاً واقعياً على الكيفية التي يمكن بها لتجربة العالم الحقيقي أن تتجاوز آفاق وحدود النظريات الاقتصادية والوصفات السياسية المنطقية على نطاق واسع.

منذ ذلك الوقت، أثبت التضخم أنه مستمر حتى خلال فترات تباطؤ النمو الاقتصادي أو الانكماش. في الخمسين عاماً الماضية، شهد كل ركود معلن في الولايات المتحدة ارتفاعًا مستمرًا على أساس سنوي في مستويات أسعار المستهلك، أي أن كل ركود صاحبه تضخم.

الاستثناء الوحيد والجزئي لهذا هو الأزمة المالية لعام 2008 – وحتى في ذلك الوقت كان انخفاض الأسعار محصورًا في أسعار الطاقة والنقل بينما استمرت أسعار المستهلكين الإجمالية (باستثناء الطاقة) في الارتفاع.

إذاً ما الذي يسبب الركود التضخمي؟

لا يوجد إجماع حقيقي بين الاقتصاديين حول أسباب الركود التضخمي. لقد طرحوا عدة حجج لشرح كيفية حدوثه، على الرغم من أنه كان يعتبر في يوم من الأيام مستحيلاً.

أولاً: البعض ألقى اللوم على صدمات أسعار النفط.

إحدى النظريات تنص على أن التضخم المصحوب بالركود يحدث عندما تؤدي الزيادة المفاجئة في تكلفة النفط إلى تقليل القدرة الإنتاجية للاقتصاد.

وخير مثال على ذلك أزمة النفط في السبعينيات حيث أنه في أكتوبر تشرين الأول عام 1973، فرضت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) حظراً على الدول الغربية. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار العالمية للنفط بشكل كبير، وبالتالي زيادة تكاليف السلع والمساهمة في ارتفاع معدلات البطالة.

بسبب ارتفاع تكاليف النقل، أصبح إنتاج السلع والخدمات وإيصالها إلى المستهلكين أكثر تكلفة وارتفعت الأسعار حتى مع تسريح الناس من وظائفهم.

يشير منتقدو هذه النظرية إلى أن صدمات أسعار النفط المفاجئة مثل تلك التي حدثت في السبعينيات لم تحدث فيما يتعلق بأي من فترات التضخم والركود المتزامنة التي حدثت منذ الحظر المشار إليه.

ثانياً: البعض ألقى اللوم على السياسات الاقتصادية السيئة

نظرية أخرى هي أن التقاء الركود والتضخم هو نتيجة لسياسة اقتصادية سيئة الصنع. يُشار إلى التنظيم المشدد والصارم للأسواق والسلع والعمالة في بيئة تضخمية على أنه السبب المحتمل للركود التضخمي.

وخير مثال على ذلك ما ذكره البعض بالتلميح إلى سياسات الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، والتي ربما أدت إلى ركود عام 1970 – وهو مقدمة محتملة لفترات أخرى من الركود التضخمي.

في ذلك الوقت، وضع نيكسون تعريفات جمركية على الواردات وجمد الأجور والأسعار لمدة 90 يومًا في محاولة لمنع الأسعار من الارتفاع ، لكن بمجرد تخفيف الضوابط، أدى التزايد السريع للأسعار إلى فوضى اقتصادية.

يعد هذا تفسيرًا مخصصًا للركود التضخمي في السبعينيات والذي لا يفسر الفترات اللاحقة التي أظهرت ارتفاعًا متزامنًا في الأسعار والبطالة.

ثالثاً: إلقاء اللوم على فقدان معيار الذهب

تشير نظريات أخرى إلى العوامل النقدية التي قد تلعب أيضاً دوراً في الركود التضخمي. فقد أزال نيكسون آخر الآثار غير المباشرة لمعيار الذهب، مما أدى إلى انهيار نظام بريتون وودز الذي كان يتحكم في أسعار صرف العملات.

أزال هذا القرار معظم القيود العملية على التوسع النقدي وتخفيض قيمة العملة. مهما كان التفسير، فقد رأينا استمرار التضخم خلال فترات الركود الاقتصادي في حقبة السبعينيات.

حتى قبل السبعينيات، انتقد بعض الاقتصاديين فكرة العلاقة المستقرة بين التضخم والبطالة. وهم يجادلون بأن المستهلكين والمنتجين يعدلون سلوكهم الاقتصادي مع ارتفاع مستويات الأسعار إما كرد فعل على – أو توقعًا – لتغيرات السياسة النقدية.

ونتيجة لذلك ، ترتفع الأسعار استجابة للسياسة النقدية التوسعية دون أي انخفاض مقابل في البطالة، بينما ترتفع أو تنخفض معدلات البطالة على أساس الصدمات الاقتصادية الحقيقية للاقتصاد.

وهذا يعني أن محاولات تحفيز الاقتصاد خلال فترات الركود يمكن أن تؤدي ببساطة إلى تضخم الأسعار دون تعزيز النمو الاقتصادي الحقيقي.

يفهم مما سبق أن الركود التضخمي ربما يكون نتاج صدمة اقتصادية غير متوقعة مثل صدمة المعروض من السلع، وهذا ما حدث من تعطل إمدادات النفط أو نقص في السلع الأساسية خلال جائحة كوفيد-19 مع نقص تدفق أشباه الموصلات مما أدى إلى إبطاء إنتاج كل شيء من أجهزة الحواسب إلى السيارات والأجهزة.

يمكن أن تؤثر مثل هذه الصدمة على جميع العوامل التي تشكل الركود التضخمي، ألا وهي التضخم والتوظيف والنمو الاقتصادي.

لماذا يعتبر الركود التضخمي سيناريو بالغ السوء؟

الركود التضخمي هو مزيج من ثلاث سلبيات: تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع الأسعار.

هذا مزيج لا يفترض أن يحدث في منطق الاقتصاد. لا ينبغي أن ترتفع الأسعار عندما يكون لدى الناس أموال أقل لإنفاقها.

ففي حالة الركود، تتجه البنوك المركزية إلى خفض الفائدة وتقديم حوافز لإنعاش وتحفيز النمو الاقتصادي، بينما في حالة التضخم، تلجا البنوك المركزية لرفع الفائدة وتشديد سياستها النقدية، لكن ماذا لو حدث ركود وتضخم في نفس الوقت؟

ما هو علاج الركود التضخمي؟

لا يوجد علاج نهائي للركود التضخمي. الإجماع بين الاقتصاديين هو أنه يجب زيادة الإنتاجية إلى النقطة التي ستؤدي فيها إلى نمو أعلى دون تضخم إضافي. وهذا من شأنه أن يسمح بعد ذلك بتشديد السياسة النقدية لكبح جماح عنصر التضخم في الركود التضخمي.

يعني ذلك أن البنوك المركزية تلجأ في أوقات الركود التضخمي إلى التركيز على معالجة أمر بعينه دون الآخر، أي مثلا معالجة الركود، ثم التصدي لاحقاً للتضخم، أو العكس.

إن قول ذلك أسهل من فعله، لذا فإن مفتاح منع الركود التضخمي (أو الركود المصحوب بارتفاع الأسعار) هو أن يكون صناع السياسة الاقتصادية والنقدية استباقيين للغاية في تجنبه.

اقتصاد الظل

يعرف اقتصاد الظل بأنه مجموعة الأنشطة الاقتصادية التي تمارس دون اطلاع الحكومة ومعرفتها بحجم وقيم هذه الأنشطة، وعادة ما تمارس هذه الأنشطة خارج إطار الضرائب الحكومية. ويُطلق على اقتصاد الظل عدد من المسميات الأخرى مثل الاقتصاد الأسود، والاقتصاد البديل، والاقتصاد الموازي، وغيرها من المسميات التي ترمز إلى وجود اقتصاد مشابه للاقتصاد الرسمي ولكن خارج الإطار الحكومي وسيطرته. وفيما قد يذهب البعض بأذهانهم إلى الأنشطة الإجرامية مثل الاتجار بالمخدرات والبشر كأبرز الأمثلة على اقتصاد الظل، فإن الجرائم لا تشكل الجزء الأكبر من اقتصاد الظل، بل هي الأنشطة الطبيعية والمعتادة التي تمارس من الشركات والأفراد دون إفصاح رسمي.
ولتوضيح هذه الأنشطة، هناك العديد من الأمثلة، فقائد سيارة الأجرة الذي يأخذ أجره نقداً، والعمالة المؤقتة سواء كانوا للمنشآت أو الحدائق أو العمالة المنزلية، الذين عادة ما يأخذون أجورهم نقداً، والمطاعم والمقاهي التي لا تصدر فواتير بيع رسمية. والعامل المشترك بين غالبية هذه الأنشطة هو التعامل النقدي بعيداً عن الدفع عن طريق البنوك والمصارف، ولذلك فإن كثرة استخدام النقد في الاقتصاد قد يعد أحد أهم المؤشرات لحجم اقتصاد الظل.
وحجم اقتصاد الظل لا يمكن الاستهانة به البتة، ففي الدول المتقدمة التي يفترض أن تكون ذات أنظمة محكمة يصعب التحايل عليها، يتراوح حجم اقتصاد الظل ما بين 10 و25 في المائة من الناتج القومي، وعلى سبيل المثال، يبلغ حجم هذا الاقتصاد في إيطاليا نحو 23 في المائة من الناتج القومي، وتنخفض هذه النسبة إلى 13 في المائة في فرنسا و10 في المائة في بريطانيا، وهي مبالغ ضخمة مقارنة باقتصادات هذه الدول. أما في الدول النامية، فقد تزيد نسبة اقتصاد الظل على 50 في المائة، وفي بعض الدول الأفريقية قد تزيد هذه النسبة على 70 في المائة. ويجدر التوضيح أن تقدير حجم اقتصاد الظل صعب للغاية، فهو بحسب تعريفه خارج عن الإطار الحكومي، ولذلك فهو يخضع للعديد من التقديرات ويحسب بالعديد من الطرق التي غالباً ما تنتج بيانات وأرقاماً مختلفة.
ولكن لماذا تحرص الحكومات على محاربة اقتصاد الظل؟ أو على الأقل تقليل حجمه؟ هناك عدد من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الحكومات إلى ذلك. منها، وعلى الجانب الاقتصادي، فإن الشركات والأفراد الذين لا يمتثلون للأنظمة الضريبية يواجهون تكلفة أقل من الممتثلين بالضرائب، ولذلك فإن أسعار خدماتهم ومنتجاتهم عادة ما تكون أقل من أولئك الممتثلين بالنظام الضريبي. هذا الأمر يخل بنزاهة المنافسة في الاقتصاد ويسبب الخسائر للشركات والأفراد الممتثلين بالنظام. أما من الناحية الاجتماعية، فإن الأفراد الذين يعملون في هذا الاقتصاد الذي عادة ما يتلقون أجورهم بالنقد، هم أكثر عرضة للخطر الوظيفي من غيرهم، فهم غير مسجلين في أنظمة تقاعد أو معاشات تضمن لهم كرم العيش عند التوقف عن العمل لأي سبب، وهم عادة خارج حسبة الحكومات عند التعرض للأزمات كما كان الوضع أثناء الجائحة.
ولاقتصاد الظل محفزاته التي تجعل الشركات والأفراد يمارسون أنشطتهم من خلاله، منها زيادة الضرائب، التي تجعل بعض الأعمال التجارية غير ذات جدوى في ظل الضرائب المرتفعة. كما أن صعوبة الإفصاح عن الدخل والتسجيل في الأنظمة الضريبية يعد أحد أكبر المسببات. إضافة إلى ذلك، فإن صعوبة الالتزام ببعض الأنظمة وتعقيد الحصول على التراخيص الحكومية تجعل بعض الشركات والأفراد يسلكون الطريق الأسهل هو عدم الإفصاح بشكل كامل عن هذه الأنشطة.
ومن المهم جداً للحكومات الاطلاع على هذه المحفزات، لأن الحل يكمن في معالجتها، وفي حين أن العديد من الحكومات تسلك طرق الغرامات والمخالفات للحد من هذه الممارسات، فإن العديد من التجارب أثبتت ضعف هذه الأدوات مقارنة بغيرها التي تفصل في كل ممارسة بحسب محفزاتها ومسبباتها. كما أن اتباع الحلول الناجحة والمطبقة في الدول الأخرى قد لا يأتي بنتائج مشابهة، فعلى سبيل المثال قد يكون السبب في دولة ما هو كثرة المهاجرين غير الشرعيين الذين لا يمكن لهم كسب قوتهم بشكل رسمي، وقد يكون السبب في دولة أخرى هو عدم قناعة العامة بالأنظمة الضريبية، وفي دولة ثالثة قد يكون السبب هو عدم فهم الشركات والأفراد للمنهجية الحكومية في الإفصاح عن الدخل.
إن معاناة الحكومات في مكافحة اقتصاد الظل مستمرة منذ عشرات السنين، وهي على وشك أن تزداد فيما هو قادم لسببين رئيسين، أولهما العلاقة الطردية بين الركود الاقتصادي وأنشطة اقتصاد الظل، التي تحتم على العاطلين كسب قوتهم بطرق غير رسمية. والثاني هو زيادة الأدوات التي تساعد الناس في كسب قوتهم بشكل غير رسمي مثل أدوات الاقتصاد التشاركي، التي سهلت للناس عرض خدماتهم أو سلعهم عن طريق المنصات والتطبيقات بعيداً عن مراقبة الحكومة. وذلك يعني أن اقتصاد الظل ورغم كل ما يحيط قيمته من غموض، على وشك أن يزداد حجماً في السنوات القادمة.

د. عبد الله الردادي

اليوان في أسواق النفط

ساهمت زيارة الرئيس الصيني شي جينييغ إلى السعودية الشهر الماضي واجتماعاته في الرياض مع قادة ثلاث قمم: «السعودية، وأقطار مجلس التعاون الخليجي، والأقطار العربية»؛ حيث وقعت اتفاقات ثنائية شملت الطاقة، والبنى التحتية، والتمويل، والتعليم والتكنولوجيا. واتفقت السعودية والصين على تحويل علاقاتهما الثنائية إلى «شراكة تعاونية شاملة»، على خطى الإمارات وإيران ومصر والجزائر. وقررتا عقد اجتماعات بين قادة الدولتين مرة كل سنتين، مما يفتح المجال لتوطيد العلاقات مستقبلاً. كما أعربت السعودية عن اهتمامها الكبير بالانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، و«مواءمتها» مع خطط «رؤية السعودية 2030».
نشرت صحيفة «الفايننشال تايمز» الأسبوع الماضي مقالاً حول دفع ثمن النفط بالدولار وعلاقته بمنطقة الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن الصورة في سنة 2023 باتت مختلفة، «حيث إن نظام طاقة عالمي جديد ما بين الصين والشرق الأوسط بدأ يأخذ شكلاً جديداً»، وأخذ يعرف نظام الطاقة الجديد بما يسمى «ولادة البترويوان»، بمعنى أن الصين تريد إعادة صياغة سوق الطاقة العالمي كجزء من محاولة أوسع لتقليص دور الدولار في مجموعة «بريك» (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين)… ودول أخرى تأثرت بتسييس الدولار كجزء من احتياطاتهم المالية جراء غزو روسيا لأوكرانيا. يعني هذا عملياً أنه ستكون هناك زيادة في استعمال العملة الصينية في التجارة العالمية للنفط. فقد أعلن الرئيس الصيني أن بلاده لن تزيد فقط استيرادها من النفط، بل ستعمل أيضاً لزيادة «جميع أنواع التعاون في مجالات الطاقة». وهذا قد يعني، مثلاً، الاستكشاف والإنتاج المشترك في مناطق جديدة، كبحر جنوب الصين، بالإضافة إلى الاستثمار المشترك في مصافي التكرير والمصانع الكيميائية والبلاستيكية.
وبالفعل، نجد أن بعض هذه الاستثمارات المشتركة في قطاعات التكرير والبتروكيماويات قد أصبحت قائمة بالفعل بالذات مع الشركات السعودية الكبرى، بالإضافة إلى شركات بترولية خليجية أخرى. وتأمل الصين أن استثماراتها في هذه المشاريع سيتم تسديدها بالعملة الصينية «ريمينبي»، الذي سيتم التعامل بها في بورصة شنغهاي للبترول والغاز الطبيعي، بحلول عام 2025.
ستترك هذه السياسة بصماتها على تجارة الطاقة العالمية، إذ إن روسيا وإيران وفنزويلا تشكل بمجموعها نحو 40 في المائة من احتياطي مجموعة «أوبك بلس»، كما أنها جميعاً تُصدّر النفط للصين بحسومات. هذا، بينما يشكل احتياطي دول مجلس التعاون الخليجي 40 في المائة أيضاً للاحتياطي النفطي لمجموعة «أوبك بلس»، فيما تشكل الدول الأخرى الـ20 في المائة من الاحتياطي المتبقي، وهو يكمن في دول ذات علاقات جيدة مع روسيا والصين.
إن التنافس بين الدول الكبرى حول النفط ليس بالشيء الجديد، فقد ترافقت الصراعات الجيوسياسية تاريخ الصناعة النفطية طوال القرن العشرين. لكن الجديد في الأمر الآن، هو محاولات بعض الدول الكبرى تهميش الصناعة النفطية بحجة مكافحة تغير المناخ من جهة واستعمال «سلاح» النفط في حرب أوكرانيا بقرارات الحظر والمقاطعة ووضع سقف سعري لأسعار الصادرات النفطية الروسية من جهة أخرى.
من ثم، نحن في مرحلة جديدة من تاريخ الصناعة النفطية: التشريعات لتهميش الصناعة من ناحية، ومحاولة الضغط على الدول النفطية لاتخاذ مواقف جيواستراتيجية في النزاع الكوني للدول الكبرى، دون الأخذ بنظر الاعتبار المصالح الأمنية والاستراتيجية للدول النفطية، أكان ذلك في ردع محاولات تهديد المصالح الأمنية لهذه الدول، أو الضغط عليها لكي لا تتخذ قرارات اقتصادية – نفطية تعكس مصالحها وتساعد على تطوير صناعاتها البترولية وأسواقها الدولية.
لذا، بدأت الدول النفطية تتخذ مواقف متوازنة ما بين النزاعات القائمة، التي لا علاقة مباشرة لها بها، كما التي لا توفر نهجاً واضحاً للتعامل مع مصالحها الأمنية والاقتصادية.
وفي ضوء التجارب الحالية، من المتوقع استمرار سياسة التوازن ما بين الدول الكبرى في المستقبل المنظور. وبما أن الصين من أكبر الدول المستهلكة والمستوردة للطاقة في الوقت الحاضر، فمن الضروري أخذ هذه المعطيات بنظر الاعتبار عند رسم سياسات الدول المصدرة للنفط، ومن أهم هذه المعطيات أننا في «عالم متعدد الأقطاب».
وبالفعل، لقد تطورت علاقات الصين مع الدول النفطية العربية منذ عقود، بحيث أصبحت أغلبية الصادرات النفطية الخليجية منذ عقد التسعينات تتجه إلى شرق آسيا، وبالذات الصين، كما أن هناك شركات صينية عاملة في جميع الدول النفطية العربية. وتشير دراسة لمركز كارنيغي للشرق الأوسط إلى أنه قد توسعت تجارة الصين للسلع والخدمات والتكنولوجيا والدفاع مع الدول العربية. وتعتبر السعودية في صلب هذه التوجهات، حيث فاقت قيمة التجارة ما بين الصين والسعودية 80 مليار دولار في عام 2021، وبلغت قيمة الاستيرادات الصينية من النفط السعودي في عام 2021 نحو 44 مليار دولار، ما يمثل حوالي 77 في المائة من إجمالي واردات الصين من السلع السعودية.

وليد خدوري

نصائح للاستثمار في عام 2023

اتّسم اقتصاد العالم في عام 2022 بتضخّمٍ غير مسبوق أثّر كثيراً على ال#استثمارات والإنتاج ومعها طبعاً القدرة الشرائية في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وارتفعت الأسعار بفعل ارتفاع أسعار الطاقة بشكل أساسي. ولبدء العام الجديد، عرضت “بلومبيرغ” مع استراتيجيي “وول ستريت” رسم مشهد الاستثمار في المستقبل، ووجدت أنّ من الصعب العثور على توقعات متفائلة، ما يهدّد مجدّداً المستثمرين الذين عانوا من الانهيار الكبير في عام 2022.

بحسب ما نقلت “بلومبيرغ”، تقدّر شركة Ned Davis Research Inc احتمالات حدوث انكماش عالمي حاد بنسبة 65 في المئة، وتقول “باركليز كابيتال” إنّ عام #2023 سينخفض كواحد من الأسوأ للاقتصاد العالمي منذ أربعة عقود، وقد تكون واحدة من أكثر فترات الركود المتوقعة على الإطلاق. وقد أجبر التضخم في عام 2022 البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة، إذ يتوقّع البعض حدوث ركود حيث إنّ رفع أسعار الفائدة يؤدي إلى إبطاء إنفاق المستهلكين، بينما يعتقد البعض الآخر أن “الهبوط الناعم” لا يزال ممكناً.

في ظل هذا المشهد غير المتفائل، نسأل كيف يمكن الاستثمار في عام 2023؟

هناك الكثير من عدم اليقين في الوقت الحالي، هناك شيء واحد يمكن التحكم فيه: استراتيجيات الاستثمار الخاصة بك، إذ يرى أحد المستشارين الماليين في حديث لـ”بلومبيرغ”، أنّ أسهم التكنولوجيا ستلقى انتعاشاً بعد عام 2022، وفقاً لكولين مويناهان، المستشار المالي لشركة Twenty Fifty Capital، الذي يوصي بزيادة مدّخرات المستثمِر الآن، إن لم يفعل ذلك بعد. واعتبر أنّ “صناديق الطوارئ تساعد على تهدئة ردود الفعل العاطفية على تراجع الاستثمار، وبالتالي تساعد على تجنب إغراء البيع خلال فترة الانكماش الاقتصادي”.

3 أسباب تجعلك تستثمر في 2023

وفي هذا السياق، قدّمت شركة الاستشارات المالية والاستثمارية The Motley Fool الأميركية دوافع إيجابية للاستثمار في عام 2023، فقد يكون العام عاماً رائعاً لبدء الاستثمار، إليكم السبب.

تراجع أسواق البورصة
عندما تكون معظم الأشياء رخيصة، يرغب المستهلكون في شراء المزيد منها، ولكن مع الأسهم، يميل انخفاض الأسعار إلى تخويف المشترين، فعندما يكون هناك سلعة رخيصة، يمكنك شراء المزيد منها بنفس السعر، ما يجعل 2023 وقتاً رائعاً لبدء الاستثمار. وعلى الرغم من عدم وجود ضمان لاسترداد هذه الأسهم في عام 2023، إلّا أنّه يجري تداولها جميعها عند قيم منخفضة تاريخياً، ما يدفع المستثمرين للاستثمار.

– ارتفاع أسعار الفائدة

تشكّل أسعار الأسهم وأسعار الفائدة علاقة عكسية، أي إنّها تميل إلى التحرك في اتجاهات معاكسة، إذ كان الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة في عام 2022 سبباً رئيسياً في انخفاض الأسهم العام الماضي. وبشكل أساسي، يكون المستثمرون على استعداد لدفع المزيد مقابل الأسهم في بيئة ذات معدل فائدة منخفض، لأنّ عوائد السندات أقل، أمّا في بيئة ذات معدل أعلى لعوائد السندات، فيميل المستثمرون إلى نقل الأموال من الأسهم إلى سندات. ومع ذلك، اعتباراً من عام 2023، أصبح معدل الأموال الفيديرالية مرتفعاً الآن، في أعلى معدل له منذ عام 2007.

– لا يمكنك توقيت السوق
قد تكون الخشية من انخفاض أكبر للأسهم أكثر، أمراً صحيحاً، بحيث يتوقع معظم الاقتصاديين حدوث ركود في عام 2023. لكن من الصعب التنبؤ بقاع السوق نظراً لأن سوق الأسهم يميل إلى الانتعاش قبل الاقتصاد. وفيما من المستحيل تحديد توقيت السوق على أساس ثابت، إذا انتظرت وقتاً طويلاً لشراء الأسهم، فقد يفوتك أيضاً التعافي الاقتصادي، والذي قد يكون خطأ أكبر بكثير من شراء الأسهم في وقت مبكر جداً قبل أن يصل السوق إلى القاع.

كيف تستثمر في عام 2023؟

نشرت “ذا تيليغراف” مقالاً أجابت فيه عن سؤال مقالنا الأساسي، وقدّمت النصائح الآتية:

– استثمر بشكل دفاعي

تكاليف الاقتراض المرتفعة والتضخم المرتفع، سيجعلان العديد من الشركات عرضة للخطر في عام 2023. لكن بعض الشركات ستجد صعوبة خاصة في نقل التكاليف المتزايدة إلى المستهلكين، مثل العلامات التجارية للأزياء السريعة. وسيجد آخرون أنه حتى في حالة الركود العميق، تستمر منتجاتهم في البيع، لذلك، فكّر في منتجات النظافة والأدوية والطاقة. فهذه قطاعات أثبتت تاريخياً قدرتها على الصمود في الفترات الأكثر صعوبة، مثل الرعاية الصحية والسلع الاستهلاكية الأساسية، والعناصر اليومية التي يستمر الناس في شرائها في فترات الركود.

– اشترِ بسعر رخيص
يمكن أن يكون الركود هو أفضل وقت لجذب الاستثمارات بينما تكون الشركات مقوَّمة بأقل من قيمتها. ويقول مارك بريسكيت من Morningstar Investment Management، وهي شركة لإدارة الاستثمار، إنّه “على المدى الطويل، السعر الذي تدفعه مقابل الأصل، هو المحدِّد الرئيسي للعائدات التي تتلقاها. فمع الوقت، سوف تتفوّق الأصول الرخيصة على الأصول الباهظة الثمن”. وتقول راشيل وينتر، من شركة الاستشارات Killik & Co، إنّ المستثمرين الذين يبحثون عن تقييمات رخيصة لاستثمارهم، يجب أن يتطلعوا إلى الشركات البريطانية الأصغر التي بيعت بكثافة بسبب مخاوف من حدوث ركود.

– ابحث عن الدخل
خلال أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة، يمكن للشركات التي تدفع أرباحاً، أن توفّر مصدراً مرحّباً به للدخل السلبي (passive income)، ولا سيما بالنسبة لأولئك المتقاعدين الذين توقفوا عن العمل وهم قادرون على تحمّل تقلبات أقل من المستثمرين الأصغر سناً.

– امنح السندات فرصة

كان العام الماضي من أسوأ الأعوام بالنسبة للسندات المسجَّلة. فبينما قفزت الأسهم البريطانية بمنحى إيجابي مع ارتفاعها بنسبة 2 في المئة، خسرت السندات العالمية 17 في المئة و21 في المئة. لكن في عام 2023، ستستفيد السندات إذا بدأت أسعار الفائدة بالانخفاض، كما يتوقع العديد من المحللين، إذ تقدّم السندات عوائد أعلى بكثير مما كانت عليه في السنوات السابقة. فشراء بعض السندات قد يكون منطقياً بالنسبة لمحفظة العام المقبل، خاصة بالنسبة للمستثمِر الأكثر حذراً.

– توقّع طريقاً وعرة

لا تزال الحرب في أوكرانيا تعصف بسلاسل التوريد العالمية بينما يحيط عدم اليقين الهائل بالتضخم وأسعار الفائدة العالمية، لذلك، يجب أن يكون المستثمرون مستعدين لتقلبات السوق. إذن، النصيحة الأساسية للمستثمرين في عام 2023 هي عدم الذعر والاستمرار في الاستثمار. وبحسب ما قال بريسكيت: “يمكن أن تكون الانخفاضات الحادة في الأسواق مخيفة والإغراء هو “القيام بشيء ما وبيع استثماراتك”.

اتجاهات الاستثمار في 2023

في مقال لها، قدّمت “فوربس” اتجاهات للاستثمار في 2023، يمكن أن تساعد المستثمرين في تحليل فرص ومخاطر الاستثمار هذا العام.

– التضخم مستمرّ في الولايات المتحدة
مع التضخم الاقتصادي لعام 2022، أصبح لدى المستثمرين تكاليف أعلى وأموال أقل قيمة للاستثمار في المستقبل. والسؤال الكبير هو هل سينخفض التضخم نحو المعدل المستهدَف للاحتياطي الفيديرالي البالغ 2 في المئة؟ ويرى العديد من الخبراء أن “هذا غير مرجَّح”.

– النظر في الاستثمارات البديلة
عند الحديث عن التنويع الأوسع نطاقاً، يجب أن تتضمّن محفظة المستثمِر لعام 2023 تخصيصاً متزايداً للاستثمارات البديلة. فمع ارتباطها المنخفض بفئات الأصول التقليدية مثل الأسهم والسندات، يمكن للبدائل أن تخفف من حدة التقلبات الناجمة عن التضخم والركود والعائدات، أكثر من الأسهم الموزَّعة وحدها.

سندات الادخار لا تزال جاذبة
إن كان هناك جانب إيجابي للتضخم، فهو الشعبية المكتشَفة حديثاً لسندات الادخار، وتحديداً سندات الادخار من السلسلة الأولى. ففي نيسان 2022، قفز معدل السندات إلى مستوى تاريخي مرتفع بلغ 9.62 في المئة، مقارنة بانخفاض مؤشر “ستاندرد أند بورز” بنسبة 15 في المئة منذ بداية العام حتى تاريخه.

– احترس من عمليات التسريح
فيما شهدت الشركات التكنولوجية موجات تقليص للقوى العاملة، شهدت الصناعات الأخرى خسائرها الخاصة. وخفضت الشركات الناشئة في مجال العقارات مثل Better وRedfin وOpendoor أعداد الموظفين حيث أدى ارتفاع الأسعار وأسعار المنازل إلى هبوط طلبات الرهن العقاري وإغلاق المبيعات وإيرادات الشركات.

– هل يمكن الوثوق بالعملات المشفرة؟
من السهل جداً التأكيد أن عام 2023 هو عام أفضل للعملات المشفرة لأنه لا يمكن أن يكون أسوأ من عام 2022. فقد تراجعت عدة عملات مستقرة في عام 2022 ممّا أدى إلى انهيار العملات الرقمية في منتصف العام، قاضياً على مئات المليارات من القيمة. مع الانتقال إلى عام 2023، يجب البحث عن شركات العملات المشفرة لجذب المستثمرين بالاحتياطيات النقدية بدلاً من العملات المعدنية العصرية.

– الاهتمام بمصادر الطاقة المتجدّدة
تتيح فاتورة البنية التحتية البالغة 1.2 تريليون دولار لعام 2021 وقانون خفض التضخم لعام 2022 تريليونات من الاستثمارات الفيديرالية لمشاريع الطاقة المتجددة. وبعدما أعاق توقّف سلسلة التوريد تطوّر الطاقة النظيفة من السيارات الكهربائية (EVs) إلى الألواح الشمسية على مدار العامين الماضيين، فقد يكون عام 2023 عاماً جيداً جداً لمصادر الطاقة المتجددة. فمع ترابط تخزين البطاريات واعتماد المركبات الكهربائية، تتوقع BDO Global سنة لافتة لأنظمة تخزين الطاقة المتجددة. فهناك منافسة متزايدة في سوق السيارات الكهربائية من الشركات الجديدة مثل Rivian وLucid وFord وChevy.

– للروبوتات الهجينة فرصة

نظراً لأنّ المستهلكين يطالبون بمزيد من القيمة مقابل أموالهم خلال أوقات التضخم، فإنّ استشارة الخبراء المنخفضة التكلفة، مثل الروبوتات الهجينة، تصيب الهدف. وقد يكون المستشارون الآليون المختلطون (الذين يقدّمون الاستشارة القائمة على الخوارزميات) بالإضافة إلى المستشارين التقليديين، محطّ اهتمام من المستثمرين في عام 2023.

هل انتهى عصر «المال المجاني»؟

اختلفت هموم بداية العام الماضي عن نهايته، فعندما بدأ العام كانت التطلعات إلى كيفية انتعاش الاقتصاد بعد الخروج من الجائحة، ومدى تأثيرات متحورات الفيروس على الاقتصاد… وفيما قد يبدو الأمر كأنه قبل وقت طويل، فإنه بالكاد أكمل عاماً واحداً؛ فمتحور «أوميكرون»، الذي نسيه كثيرون، كان يناقش في مستهل العام الماضي، ولكن كثرة أحداث العام غيّبته عن الأذهان. أحداث شملت حرباً في أوروبا، وارتفاعاً في أسعار الطاقة، وتضخماً لا مثيل له منذ 40 عاماً، وتخوفاً من ركود مستقبلي، وزعزعة في سلاسل التوريد العالمية… وغيرها من الصدمات التي أثرت بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي، ودعت البنوك المركزية إلى اتباع سياسات نقدية مشددة ومتسارعة لهدف رئيسي؛ هو مقاومة التضخم، ليدرك العالم أن زمن «المال المجاني» ذي «الفائدة الصفرية» قد انتهى.
و«المال المجاني» مصطلح يرمز إلى انخفاض أسعار الفائدة، الذي جعل القروض منخفضة التكلفة لدرجة جعلتها شبه مجّانية. وخلال العقد الماضي انخفضت نسبة الفائدة حول العالم لتقترب من «الصفر»، وهو ما ساهم في نمو الاقتصاد العالمي، ولم يظن العالم وقتها أن أسعار الفائدة قد تعود للارتفاع كما هي الحال الآن؛ بل إن بعض المؤسسات المالية أدرجت بالفعل في تقاريرها توقعات أن الفائدة ستبقى بالقرب من «الصفر» بشكل كامل لما في ذلك من منافع اقتصادية جليّة. ولكن أحداث العام الماضي غيرت الكثير، مما جعل «بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي» يرفع سعر الفائدة بشكل متسارع لم يسبق له مثيل منذ الثمانينات الميلادية، فرفعه بأكثر من 4 نقاط مئوية ليصل إلى أعلى مستوى منذ نهاية 2007 إبان الأزمة المالية. وتبعته في ذلك بنوك مركزية عدة، فرفع «بنك إنجلترا» الفائدة بأكثر من 3 نقاط لأعلى مستوى منذ نهاية 2008، وكذلك «البنك الأوروبي» بنحو 2.5 نقطة مئوية.
ارتفاع الفائدة أثر على جوانب كثيرة؛ من العقار إلى الأسهم، وحتى العملات المشفرة، فالعقار تأثر لأنه يعتمد بشكل رئيسي على الاستدانة، فانخفاض مستوى الخطر وفر له فائدة منخفضة مقارنة ببقية الاستثمارات، ولذلك فقد استندت الاستثمارات العقارية على الديون بشكل مستمر، ولكن مع ارتفاع أسعار الفائدة؛ فإن نمو هذا القطاع في خطر فعلي. وليست الاستثمارات الآمنة وحدها التي تأثرت، فالدراسات تشير إلى أن الاستثمارات ذات الخطر المرتفع تنخفض كثيراً عند ارتفاع أسعار الفائدة، ولعل أبرز مثال على ذلك ما حدث لأسعار العملات المشفرة، حيث وصلت إلى نحو 16 ألف دولار، بعد أن تعدت 65 ألف دولار نهاية العام الماضي. كذلك؛ فقد شهد ذلك العام تقلباً في أسواق الأسهم، وهو أمر مرتبط أيضاً بزيادة أسعار الفائدة، حيث انخفضت أسعار الأسهم عن ذروتها بشكل كبير، ولا مثال في ذلك يعلو على أسعار الشركات التقنية الأميركية.
وما يحير في هذا الأمر أن الشركات، وفي أكثر من مناسبة، أوضحت أنها استفادت من درس الأزمة المالية، وأنها كوّنت احتياطيات مالية تقيها التقلبات الاقتصادية، والحكومات كذلك فرضت أنظمة تختبر بها قدرة الشركات على تحمل الضغوطات الاقتصادية، حتى لا تتكرر تلك الأزمة. ولكن في الوقت نفسه، فقد ارتفعت الديون بشكل كبير مقارنة بحقبة الأزمة المالية، ففي نهاية عام 2007 وصلت الديون العالمية (بما في ذلك ديون الحكومات والشركات والأفراد) إلى 195 في المائة من الناتج القومي العالمي، وهو رقم كان يعدّ ضخماً في ذلك الوقت، ولكنه، وفي نهاية عام 2020، وصل إلى 256 في المائة من الناتج القومي، وهو ما يشير إلى أن العالم لم يستفد من الأزمة المالية كما يجب!
وعلى الرغم من بعض المصاعب التي قد يجلبها رفع أسعار الفائدة، فإنه سيقلل من السلوك غير الصحي بالاستدانة لمشروعات غير ذات نفع، فبعض الحكومات استدانت خلال العقد الماضي لمشروعات عامة ذات أهداف سياسية ودون عوائد مادية أو اجتماعية، وحدث ذلك من دول ذات اقتصادات متقدمة لخدمة أجندات سياسية معلنة. والشركات استدانت بكثافة لإعادة جدولة قروضها ولرفع احتياطاتها النقدية ودون استثمارات حقيقية. أما الأفراد؛ فإن ارتفاع أسعار «الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) » هو أكبر شاهد على أن انخفاض أسعار الفائدة قد يحفز على الدخول في استثمارات خطرة غير ذات قيمة مضافة.
إن رفع أسعار الفائدة – وفق البنوك المركزية – قد يستمر لهذا العام لتصل إلى نحو 5 في المائة، لتنخفض بعدها إلى 2.5 في المائة على المدى الطويل. هذا ما تقوله البنوك المركزية الآن؛ ولكنه ليس صحيحاً في كل حال، بل هو ما تفرضه الوقائع الحالية لهذا الزمن. وقد تدور الدائرة الاقتصادية لتعود الفائدة في المستقبل إلى مستويات قريبة من «الصفر»، وما نشهده اليوم من توقعات بانتهاء زمن «المال المجاني»، كتبته صحيفة الـ«إيكونيميست» في مقال نشر عام 2004، ولكن الفائدة استمرت في الانخفاض حينها، لترتفع بعدها بشكل حاد أثناء الأزمة، وتعود بعدها لانخفاض، قبل أن ترتفع العام الماضي، وكل ذلك في أقل من 20 سنة!

د.عبدالله الردادي

28 كتاباً ينصح بها أثرياء العالم لذكاء أعلى في عالم الأعمال والقيادة

يقول العديد من المديرين التنفيذيين في الشركات التكنولوجية الضخمة إنّهم تعلموا بعضاً من أهمّ دروس الأعمال من ال#كتب. وقد أوصى إيلون ماسك وجيف بيزوس وبيل غيتس بالعديد من السِير الذاتية إلى روايات الخيال العلمي وغيرها، على مر السنين. وقد نشرت Business Insider 28 كتاباً يعتبر المديرون التنفيذيون أنّها علمتهم الكثير عن الأعمال والقيادة والعالم.
كتب بيزوس المفيدة في إنشاء منتجات وخدمات مثل Kindle و Amazon Web Services، هي التالية:
– The Remains of the Day
تحكي رواية كازو إيشيغورو هذه عن خادم إنكليزي في زمن الحرب في إنكلترا بدأ في التشكيك في ولائه مدى الحياة لصاحب العمل أثناء إجازته. وقال بيزوس عن الكتاب “قبل قراءته، لم أكن أعتقد أن الرواية الكاملة ممكنة”.
– Built to Last: Successful Habits of Visionary Companies
يعتمد هذا الكتاب على ست سنوات من البحث من كلية الدراسات العليا للأعمال بجامعة ستانفورد والتي تبحث في ما يميز الشركات الاستثنائية عن منافسيها. وقال بيزوس إنّه “كتاب الأعمال المفضل”.
– The Black Swan: The Impact of the Highly Improbable
أشاع نسيم نيكولاس طالب مصطلح “البجعة السوداء” في هذا الكتاب وأكّد أنّ مثل هذه الأحداث هي غير محتملة للغاية، وغير متوقعة، وليست ذات تأثير.
– Sam Walton: Made in America
في سيرته الذاتية، يتذكر مؤسِّس “وول مارت” الملياردير سام والتون حياته المهنية في بناء أحد أكبر تجارة تجزئة في العالم.
– Creation: Life and How to Make It
يناقش ستيف غراند في هذا الكتاب الحياة الاصطناعية من خلال مخلوقات لعبة كمبيوتر عام 1996.
– The Innovator’s Dilemma
يتحدّث كلايتون كريستنسن في هذا الكتاب عن نجاحات وإخفاقات الشركات المختلفة في الابتكار.
– The Goal: A Process of Ongoing Improvement
في هذه الرواية، درس إلياهو غولدرات وجيف كوكس نظرية القيود من منظور إداري.
– Lean Thinking: Banish Waste and Create Wealth in Your Corporation
 ينقل هذا الكتاب دروساً حول تحسين الكفاءة استناداً إلى دراسات الحالة للشركات الصغيرة عبر مختلف الصناعات.
تتضمّن كتب إيلون ماسك التي يجب قراءتها، عدداً من روايات الخيال العلمي والذكاء الاصطناعي، وهي التالية:
– What We Owe the Future
يُعدّ هذا الكتاب أحد أحدث اختيارات ماسك، ويتناول موضوع المدى الطويل الذي يعرّفه المؤلف بأنّه “وجهة النظر التي تؤثر بشكل إيجابي على المستقبل على المدى الطويل، وهي أولوية أخلاقية رئيسية في عصرنا”. ويقول المسك إن الكتاب “تطابق وثيق” لفلسفته.
– Zero to One: Notes on Startups, or How to Build the Future
 يشارك بيتير ثيل في هذا الكتاب الدروس التي تعلمها من تأسيس شركات مثل PayPal و Palantir. وقال ماسك عن الكتاب، “لقد بنى ثيل العديد من الشركات الرائدة”.
– The Hitchhiker’s Guide to the Galaxy
قرأ ماسك “دليل المسافر إلى المجرة” عندما كان مراهقا وقال إن المركبة الفضائية الموجودة فيه هي مركبته الفضائية المفضلة للخيال العلمي.
– Benjamin Franklin: An American Life
لا تخلو قائمة قراءة ماسك من السير الذاتية، بما في ذلك كتاب والتر إيزاكسون عن بنجامين فرانكلين.
– Einstein: His Life and Universe
استمتع ماسك أيضاً بسيرة آيزاكسون عن ألبرت أينشتاين.
– Superintelligence: Paths, Dangers, Strategies
أوصى ماسك بالعديد من الكتب حول الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك هذا الكتاب الذي يتناول أسئلة حول مستقبل الحياة الذكية في عالم قد تصبح فيه الآلات أكثر ذكاءً من البشر.
– Our Final Invention: Artificial Intelligence and the End of the Human Era
في ما يتعلق بموضوع الذكاء الاصطناعي، قال ماسك في تغريدة عام 2014 إن هذا الكتاب الذي يدرس مخاطره وإمكانياته، “يستحق القراءة” أيضاً.
– The Lord of the Rings
من المعروف أنّ بيل غيتس يقدّم توصيات بشأن الكتب في كثير من الأحيان، وهذه أهمّ الكتب المفضلة لديه:
– How the World Really Works
في قائمة القراءة الصيفية لعام 2022، سلط غيتس الضوء على هذا العمل الذي قام به فاتسلاف سميل حيث يستكشف القوى الأساسية الكامنة وراء عالم اليوم، بما في ذلك مسائل مثل إنتاج الطاقة والعولمة. وقال غيتس عن الكتاب: “إذا كنت تريد تعليماً موجزاً وشاملاً في التفكير العددي حول العديد من القوى الأساسية التي تشكل حياة الإنسان، فهذا هو الكتاب الذي يجب قراءته”.
– The Power
تضمّنت قائمة قراءة غيتس هذه الرواية الخيالية التخيلية، حيث تستكشف الكاتبة نعومي ألدرمان الأدوار بين الجنسين وعدم المساواة بين الجنسين من خلال التركيز على عالم تكتسب فيه الشابات فجأة القدرة على إطلاق صدمات كهربائية مميتة من أيديهن، ليصبحن أكثر قوة، بالمعنى الحرفي والمجازي، أكثر من الرجال. وقال غيتس عن الكتاب: “لقد اكتسبت إحساساً أقوى وأكثر عمقاً بالإساءة والظلم الذي تتعرض له العديد من النساء اليوم”.
– Why We’re Polarized
– Tap Dancing to Work: Warren Buffett on Practically Everything, 1966-2012
من الكتب المفضلة لغيتس، وقد كتبه أحد أقرب أصدقائه، الرئيس التنفيذي لشركة Berkshire Hathaway ، وارن بافيت.
– Business Adventures: Twelve Classic Tales from the World of Wall Street
بحسب غيتس، إن هذا هو “أفضل كتاب أعمال قرأته على الإطلاق”. وهو كتاب يجمع 12 مقالة نُشرت في The New Yorker عن لحظات النجاح والفشل في شركات مثل “جنرال إلكتريك” و”زيروكس”.
يبحث هذا الكتاب في أنماط التفكير والميول التي تشوه تصورات الناس عن العالم. وأطلق عليه غيتس “أحد أكثر الكتب التعليمية التي قرأتها على الإطلاق”.
– Origin Story: A Big History of Everything
يتناول ديفيد كريستيان، في هذا الكتاب تاريخ عالمنا، من الانفجار العظيم إلى العولمة الجماعية.
– Range: Why Generalists Triumph in a Specialized World
يستكشف الكتاب الفكرة القائلة بأنه على الرغم من أن العمل الحديث يعطي الأولوية للتخصص، فإن كونك اختصاصياً هو في الواقع الطريق الأفضل للعمل. وقال غيتس إن أفكار الكاتب هنا “تساعد حتى في تفسير بعض نجاح مايكروسوفت، لأننا وظفنا أشخاصاً لديهم اتساع حقيقي في مجالهم وعبر المجالات”.
– The Sixth Extinction: An Unnatural History
تسرد إليزابيث كولبرت تاريخ الانقراضات الجماعية على كوكب الأرض في هذا الكتاب، بما في ذلك الانقراض السادس، الذي يحذر بعض العلماء من أنه قد بدأ بالفعل.
– The Myth of the Strong Leader: Political Leadership in the Modern Age
يتناول كتاب أرشي براون هذا القيادة السياسية طوال القرن العشرين.
– What If?: Serious Scientific Answers to Absurd Hypothetical Questions
يقترح راندال مونرو، مبتكِر موقع الويب الهزلي xkcd ، في هذا الكتاب، إجابات مضحكة وغنية بالمعلومات على الأسئلة الافتراضية الأكثر شيوعاً.

الإجابة عن سؤال ماسك: نعم

في الأسبوع الماضي، سأل إيلون ماسك متابعيه على «تويتر» عما إذا كانوا يفضلون أن يحتفظ بمنصبه رئيساً تنفيذياً للمنصة، أم يرجحون تخليه عن هذا المنصب.
وعندما تناول عدد كبير من وسائل الإعلام العالمية هذا الاستطلاع بالعرض والتحليل، ظهر ما يشبه الإجماع بينها على استخدام وصف «مفاجئ» للخطوة التي أقدم عليها الملياردير الشهير، وهو أمر استدعى الدهشة بالضرورة؛ لأن الجميع تقريباً بات يعرف أن ما يفعله ماسك عادة ليس سوى تفجير المفاجآت.
يكسب ماسك الأموال، ويدير الشركات الكبرى، ويحقق الاختراقات العلمية، وينجز الابتكارات، ويفاجئ الجمهور بالتصرفات غير المتوقعة، وتلك العادات الخمس هي ديدنه ونسق حياته وأسلوبه الخاص الذي لم يعُد مفاجئاً لأحد.
وعندما انتهى الوقت الذي خصصه ماسك لتلقي استجابات الجمهور حيال هذا السؤال، كان 57 في المائة من المصوّتين قد أخبروه بأنهم يفضلون تنحيه عن القيادة التنفيذية للمنصة، في مقابل 43 في المائة فقط رأوا أن ينصحوه بالاستمرار في هذا العمل، وهؤلاء بالذات لا أعرف علامَ بنوا موقفهم هذا، أو ماذا كان يدور بخلدهم حينما قرروا تفضيل تثبيته في موقعه على رأس «تويتر» المُهم والمؤثر والفعال.
منذ أعلن ماسك نيته شراء «تويتر» تفجرت مفاجآت عديدة، ودار صخب عنيف، وطُرحت دعاوى متضاربة، وحينما أعلن تراجعه عن نيته تفجرت التساؤلات واندلعت النزاعات، ومعها كثير من الأكاذيب أيضاً. وفور عودته إلى تنفيذ قراره الأول وتفعيل عملية الشراء، سرت الشائعات وتضاربت التوقعات، وبموازاة قراراته التنفيذية المفاجئة والصادمة والطائشة أحياناً، تسمر الناس لمتابعة ما يجري مشدوهين ومرتبكين، والآن يطرح استطلاعه المثير ليحافظ على الحالة ذاتها: الصدمة، وعدم اليقين، والاستمرار في الاهتمام والمتابعة.
لكن السؤال الذي اختار ماسك أن يكون موضوعاً لاستطلاعه المثير بخصوص بقائه من عدمه رئيساً تنفيذياً لـ«تويتر»، يبقى مع ذلك سؤالاً موضوعياً ينطوي على أهمية كبيرة لعالم تلك المنصات، وللحالة الإعلامية العالمية، ولمستقبل المعلومات والحقيقة والسلم والأمن الدوليين.
لن نجد في ذلك أي نوع من المبالغة، خصوصاً عندما تُعاد صياغة هذا السؤال لتشمل قواعد ومحددات إرساء عملية القيادة وتنظيمها في منصات «التواصل الاجتماعي» الكبيرة والصغيرة ومتفاوتة الأهمية والتأثير. وعندما سيكون السؤال عن إمكانية الجمع بين ملكية وسائل «التواصل الاجتماعي» وإدارتها التنفيذية، فإنني سأصوت بكل تأكيد مع ضرورة الفصل بين الموقعين، وهكذا سيفعل كثيرون عندما يُظهرون الاهتمام بحوكمة هذه الشبكات ومحاولة كبح نزعاتها المُسيئة والضارة.
لقد خاضت وسائل الإعلام «التقليدية»، التي حظيت بأهمية قصوى في عصر المعلومات المُنصرم، نضالات كبيرة لكي تُرسي قواعد لحوكمتها وتنظيم أدائها والحد من انفلاتاتها. وعلى رأس تلك القواعد ما اجتهدت دوماً لإدراكه في مسألة الفصل بين الملكية والإدارة، أو على الأقل بناء تراث من المعايير والأكواد وأطر السياسات والإجراءات، التي لا تجعل من أي وسيلة مطيّة خاضعة مباشرة لرغبات المالك أو نزعاته الحادة.
ورغم أن تلك النضالات لم تفضِ إلى نجاح صريح، ولم تنجُ من محاولات إجهاضها والالتفاف عليها في عديد الحالات، فإنها مع ذلك أثمرت قيماً ومعايير وأساليب عمل ما زالت صالحة للمجادلة وتوجيه أصابع الاتهام لمنتهكيها، وما زالت أيضاً قادرة على أن تُرسي مبدأ يُطلب الامتثال له والتزامه واحترامه.
ثمة ضرورة حيوية لإخضاع تلك الشبكات المؤثرة، التي ترِث الإعلام «التقليدي» بنهم وشغف شديدين، للحوكمة، على أن يكون تطوير نظام للضبط الذاتي الشفاف والخاضع للمساءلة جزءاً من برنامج عملها المستقبلي. ومن عناصر تلك الحوكمة المبتغاة لعالم شبكات «التواصل الاجتماعي» أن تعلن سياساتها لحماية الفئات الأضعف، وتقنن استخدام الأطفال والمراهقين لأدواتها، بما يضمن سلامتهم النفسية والجسدية.
سيكون من المُهم أيضاً أن تعلن تلك الشركات التزامها بتوفير مجالس للثقة والأمان وتحري الاستخدامات المُسيئة، وأن تجتهد في إثبات أنها لا تتسامح مع الممارسات الحادة من أجل تعزيز الرواج والتفاعل لتعظيم الأرباح. وفي مقدمة ما يجب أن تتعهد به تلك الشركات، في هذا الصدد، ضرورة الكف عن سياسات الاحتكار، وفي هذا المبحث بالذات، يجب أن تقوم الحكومات والمنظمات الدولية بما يلزم لضمان ألا تحتكر خمس شركات فقط عالم الحقيقة أو الأخبار أو الألفة والتسرية. لكن هذه المطالبات الضرورية لن تكون قابلة للتفعيل من دون الفصل بين ملكية تلك المنصات وإدارتها، وهنا يجدر أن تكون إجابة ماسك عن سؤاله مفادها أنه من الضروري أن يتنحى مالك منصة «التواصل الاجتماعي» عن الإدارة، سواء كان هذا المالك ماسك أو أياً من نظرائه ومنافسيه.

د. ياسر عبد العزيز