أرشيف التصنيف: المقالات العامة

الانفراج بين أزمة جيدة وأزمة تعيسة

مع توالي الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية تتردَّد على مسامعك مقولة متكررة منسوبة لحكمة من الصين تعني في لغتها «أن الأزمة نعمة ونقمة في آن واحد»، فتتعجب، ما بال أقوام لا يصيبهم من الأزمات إلا نقماتها، وأين تذهب هذه النعم؟ وقد تتذكر أن حكم وأمثال الأزمات ليست قاصرة على أهل الشرق؛ فمن المنسوب لونستون تشرشل الزعيم البريطاني، الذي لم تخل مسيرة حياته السياسية من أزمات وكوارث، وانتصارات أيضاً، أنه قال «إياك أن تضيع أزمة جيدة». وأصول الحكمة التشرشلية، شائعة الاستخدام في يومنا هذا، ترجع لأستاذ مدرسة انتهاز الفرص، السياسي الإيطالي الأشهر نيكولو ميكافيلي صاحب كتاب «الأمير» الصادر في عام 1532، حيث أوضح ما قد تجود به الأزمات الجيدة من فرص. وتجد عموم الناس أمام الأزمات في قلق وارتياب، وترى الساسة وصناع القرار حيال الأزمات بين منكر ومؤكد، ومستسلم ومصارع، ومدمر ومنقذ.
في أواخر الثمانينات من العقد الماضي تابعت حديثاً طريفاً كان طرفاه أستاذين من جيل الرواد الأكاديميين في الاقتصاد والعلوم السياسية، الأول هو أستاذ التخطيط الدكتور عبد الفتاح قنديل، والآخر هو الدكتور إبراهيم صقر، أستاذ العلاقات الدولية. وكان الاستماع إليهما، رحمهما الله، ممتعاً ومفيداً. وكان محور حوارهما هو طبعة جديدة من كتاب شهير صدر في أواخر الأربعينات للكاتب والروائي الأميركي تشارلز هاريسون تحت عنوان «شكراً لله لإصابتي بأزمة قلبية». وطفقا يعددان الدروس والخبرات التي جاءت في الكتاب التي كان ينشد بها الكاتب إعلام قرائه بنظام حياة أكثر انضباطاً في مراعاة الإرشادات الصحية والغذائية، وبدا لي من سياق الحديث أن أحد الأستاذين قد بدأ يشكو من علة بالقلب وأن الأزمة نذير وتوجيه لبداية طريق جديدة. ثم انتقل الحديث من الخاص إلى العام، بحكم تخصصهما، عن ضرورة الانتفاع المبكر من شرور الأزمات في صياغة السياسات العامة في إطار أن «رُبَّ ضارة نافعة». وتمر السنوات منذئذ بأزماتها الضارة والنافعة لا يفرق بين نتائجها إلا القدرة المبكرة على التعامل مع الأزمات بحسم وفاعلية.
ولم نعدم خلال العامين الماضيين من أزمات شتى سببتها جائحة كورونا وتوابعها الاقتصادية والا%D

المخالب الشيوعية للصين

استدعت الحكومة الصينية 34 شركة تقنية مالكة لمتاجر إلكترونية الأسبوع الماضي، وحذرت الحكومة الصينية هذه الشركات من اتباع الأساليب الاحتكارية، معطية إياها مهلة شهراً لتعديل أنظمتها دون عواقب قانونية. ويبدو هذا الأمر في مظهره طبيعياً، فكثير من دول العالم اليوم تحارب الاحتكار بشكل عام، واحتكار الشركات التقنية على وجه التحديد، وهو الأمر الحاصل في الولايات المتحدة ضد شركتي «فيسبوك» و«أمازون»… لكن ما الذي جعل الوضع في الصين مختلفاً؟
في بداية هذا الشهر، أعلنت الصين عن غرامة على موقع «علي بابا» بلغت 2.8 مليار دولار، وهو مبلغ تاريخي بلا شك، كانت الغرامة عقوبة على الممارسات الاحتكارية للموقع الإلكتروني الذي تشكل مبيعاته 10 في المائة من مجموع مبيعات قطاع التجزئة في الصين. واتهمت شركة «علي بابا» بإجبارها البائعين على حصر مبيعاتهم في موقعها، وذلك إما بإعطاء الحوافز المالية، أو بالعقوبات بالحرمان من استخدام منصتها الإلكترونية. ومنذ أن أعلنت التحقيقات في ديسمبر (كانون الأول) الماضي وحتى تاريخ إعلان الغرامة، هبطت أسهم «علي بابا» بأكثر من 13 في المائة. وبعد إعلان الغرامة التاريخية، ارتفعت أسهم الشركة 6.5 في المائة! ارتفعت ولم تنخفض، وهو دليل ارتياح السوق لهذه الغرامة وانتهاء التحقيقات، ودليل أيضاً على مخاوف السوق من أن الحكومة الصينية كان يمكنها فعل المزيد بالشركة. والأهم من ذلك كله، هو أن رد فعل السوق كان ارتياحاً لتجاوز الحكومة الصينية العداء الواضح بينها وبين «جاك ما»؛ مالك ومؤسس الشركة، أو على الأقل أن الحكومة الصينية لن تصب غضبها على «جاك ما» بعقاب شركة «علي بابا».
«جاك ما» لم يظهر بشكل علني منذ أن انتقد الحكومة الصينية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي؛ أي قبل بدء التحقيقات، ومنذ ذلك الوقت فقد أوقفت الحكومة الصينية الاكتتاب ذا الـ37 مليار دولار لـ«مجموعة آنت» المملوكة للملياردير الصيني، والتي ظهرت الشكوك حينها أنه رد فعل انتقامي للحكومة الصينية على تصريحات «جاك ما». إلا إن الحكومة الصينية استمرت في التحقيقات وإعادة صياغة القوانين المنظمة للشركات التقنية المالية، وهو ما جعل إيقاف الاكتتاب يبدو أمراً طبيعياً حتى صدور التنظيميات الجديدة، باستثناء أن الإيقاف جاء في اللحظات الأخيرة قبل الاكتتاب.
كل هذه الإجراءات الصينية قد تحمل محملاً طبيعياً كأي دولة تعيد صياغة أنظمة السوق؛ بما فيه حفظ للجميع، ولكن ما خلف ذلك، هو خوف تخفيه الحكومة الصينية من التأثير والنفوذ المتزايد للشركات التقنية الصينية. وليكن المثال «جاك ما»، الذي حاولت الحكومة الصينية تحجيمه بشكل كبير في الأشهر الأخيرة. وترى الحكومة الصينية جاك يحاول التأثير على الرأي العام والمجتمع الصيني من خلال إقراضه مجموعات إعلامية تخدم أجندته، وطالبه الحزب الحاكم (بحسب «وول ستريت جورنال» الأميركية) ببيع جميع شركاته الإعلامية. وحين ترك الملياردير الصيني منصبه الرسمي في «علي بابا» عام 2019، كان هدفه الرئيسي هو التعليم؛ ولذلك فقد ركز على جامعته «هوبان» التي أنشأها في عام 2015، وهي من أصعب الجامعات التي يمكن الحصول على قبول فيها، حتى شُبهت بجامعة «هارفارد»؛ فلكي يقبل الطالب في هذه الجامعة، يجب أن يسبق له تأسيس شركته الخاصة، التي لا يقل عدد موظفيها عن 30 موظفاً، وأن يكون دافعاً لضرائب الشركات لثلاث سنوات على الأقل محققاً عوائد تصل إلى نصف مليون دولار. هذه الجامعة بدت كأنها هي ما يريد «جاك ما» العمل عليه بقية حياته، فماذا فعلت الحكومة الصينية تجاهها؟ منعت القبول فيها للطلاب الجدد ابتداء من العام المقبل، وذلك لكيلا يستطيع جاك التأثير على الجيل المقبل من روّاد الأعمال.
إن الإجراءات الحكومية الصينية ضد شركات التقنية في آخر 6 أشهر، لا يمكن النظر إليها على أنها إجراءات بريئة بشكل مطلق. فمن الواضح أن الحكومة لا تريد أن تنسى هذه الشركات أن الصين دولة شيوعية، وأن هذه الشركات، أو هؤلاء الأثرياء، مهما كبرت ثرواتهم، أو زاد نفوذهم، أو توسعت قاعدة عملائهم، يجب أن يعرفوا أنه «لا صوت يعلو صوت الحكومة»، وأن الكلمة الأخيرة لها. واستدعاء 34 رئيساً تنفيذياً دفعة واحدة، فيه رسالة لهذه الشركات، مفادها بأن «السعيد من اتعظ بغيره»، ولا يوجد أحد من هؤلاء الرؤساء تزيد ثروته أو نفوذه على «جاك ما»، ومع ذلك فقد حدث له ما حدث.

د. عبد الله الردادي

مستجدات دور الدولة وضرائبها وعملتها

استوجبت الأزمات الصحية والاقتصادية والمالية المتزامنة تدخلاً غير مسبوق للدولة. اتخذ هذا التدخل حزماً من الإنفاق للعام لمواجهة هذه الأزمات والتعافي منها. وفي حين يتصف إنفاق المواجهة طبيعة مؤقتة تنتهي بنهاية الأزمة الصحية بالسيطرة على انتشار الوباء، إلا أن التعافي يتطلب استثماراً عاماً مستثمراً لتنشيط الأسواق وحفز القطاع الخاص. كما تمتد استثمارات التعافي لمساندة قطاعات التعليم والرعاية الصحية، وتطوير البنية الأساسية والتكنولوجية على النحو الذي نراه الآن في الولايات المتحدة التي أنفقت 1.9 تريليون دولار وهي بصدد إنفاق 3 تريليونات أخرى في هذه المجالات بما يتجاوز 20 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي في عام واحد. ويتجاوز الإنفاق في دول الاتحاد الأوروبي متوسط 10 في المائة من ناتجها وكذلك تفعل باقي الدول ذات القدرة الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
استعانت هذه الدول في إنفاقها المالي بإمكانية تعبئتها لتمويل منخفض التكلفة بدعم من سياسات نقدية لبنوكها المركزية وجودة في تصنيفها الائتماني تجعل الأسواق المالية تمنحها ما تحتاج بتكاليف زهيدة. أما الدول النامية فلا تملك ترفاً مالياً أو سخاءً نقدياً فتجدها مقيدة في إنفاقها. وهي إن تجاوزت حدودها هددها التضخم المحلي ولوحت لها مؤسسة التصنيف الائتماني بعواقب الأمور وما يترتب عليها من تكاليف وأعباء في التمويل الخارجي. وبعد سنوات من التقارب الاقتصادي بين الدول المتقدمة والدول النامية تجد إشارات واضحة للتباين والتفاوت لصالح الدول الأغنى التي ستشهد تعافياً أسرع من الجائحة ونمواً اقتصادياً أعلى دون أن تتعرض لأزمة مديونية؛ كتلك التي تحدق بأشباحها وتداعياتها على الدول النامية، خاصةً بعدما تسارعت معدلات نمو تراكم مديونياتها من قبل صدمة الجائحة فيما عرف بالموجة الرابعة للديون.
ستترك الأزمات الراهنة صناع القرار أمام تساؤلات هامة:
– ما هو شكل التعافي؟ فمن الأرجح أن يأخذ التعافي شكل حرف K، بما يعكس التفاوت بين الدول والقطاعات في معدلات نموها وبما يكرس عدم العدالة وينذر بتوترات اجتماعية وسياسية تهدد الاستقرار الاقتصادي.
– ما هو مستقبل العمل؟ لقد كان الحديث قبل الجائحة مشغولاً بآثار الثورة الصناعية الرابعة والرقمنة ومستحدثات تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها على البطالة. وقد أثرت إجراءات الإغلاق الكلي والجزئي للنشاط الاقتصادي لتحجيم الوباء على سوق العمل فأضافت ما يربو على 250 مليون متعطل في السوق الرسمية وأضعاف هذا الرقم في السوق غير الرسمية. وهنا يأتي دور الاستثمارات العامة للدولة في تحفيز النشاط الاقتصادي وكذلك دور سياسات الدولة في ضبط قواعد إعادة فتح المشروعات والقطاعات الاقتصادية للعمل، ومدى تفعيل نماذج التشغيل الهجين بالتفاعل الكفء بين نظم العمل التقليدية ومن خلال الوسائل الافتراضية وعبر شبكات الإنترنت.
– ما هي احتمالات عودة التضخم؟ فبعد عقدين من السيطرة على التضخم، هناك جدل محتدم حول الآثار التضخمية لحزم الإنفاق العام خاصةً في الولايات المتحدة، التي بلغ متوسط معدل التضخم فيها 1.2 في المائة في العام الماضي 2020، ولكن هذا المعدل في شهر مارس الماضي قد بلغ 2.6 في المائة. وهناك رأي يقوده لاري سمرز وزير الخزانة الأميركية الأسبق بأن حزم الإنفاق العام الأخيرة تتجاوز حجم المطلوب لتجسير الفجوات التي سببتها الجائحة وأن هذا الإنفاق سيكون تضخمياً. في حين يترقب بنك الاحتياطي الفيدرالي آثار هذا الإنفاق مفرقاً بين ما يمكن أن يكون تضخماً مؤقتاً انتقالياً أو ذا طبيعة متواصلة تستوجب التدخل. وإن كان الأمر يتطلب في كل الأحوال عدم إغفال عامل التوقعات التي تشكل سلوك المستهلكين والمدخرين والمستثمرين خاصةً في ظروف اللايقين التي تسود الأسواق.
– ما هي مسارات سعر الفائدة؟ رغم التراجع النسبي للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي فما زال الدولار يهيمن على أسواق الصرف ويشكل أكثر من 60 في المائة من احتياطي البنوك المركزية و85 في المائة من التداول في سوق العملات الدولية. ومن ثم فإن تغيرات أسعار الفائدة على الدولار ستستمر في تأثيراتها المعتادة على أسعار الفائدة للعملات الرئيسية وكذلك أسعار الصرف والتدفقات المالية خاصةً قصيرة الأجل.
وفي ظل تزايد دور الدولة يلزم حسن توجيه إنفاقها العام، فكلما كان هذا الإنفاق في «مهمة موجهة» وفقاً للاقتصادية الإيطالية – الأميركية ماريانا مازوكاتو أصبح الأثر تكافلياً ومسانداً لنمو اقتصادي أكثر شمولاً وأعلى في قيمته المضافة طويلة المدى. وقد يكون هذا الإنفاق مكثفاً للبحث والتطوير في مجالات الأبحاث الطبية والتكنولوجية أو في جهود السيطرة على الانبعاثات الضارة بالمناخ. أما إذا كان الإنفاق العام مزاحماً للقطاع الخاص مقيداً لحركة السوق مشوهاً للمنافسة فسيتجاوز ضرره نفعه، ولو بعد حين.
ويتطلب توسع الدولة في إنفاقها العام مراجعة لهيكل إيراداتها خاصةً من الضرائب. فنجد، على سبيل المثال، الإدارة الأميركية الجديدة وهي تتوسع في الإنفاق العام تراجع معدلات الضرائب على أرباح الشركات فتزيدها من 21 في المائة إلى 28 في المائة، وتتخذ إجراءات لتفعيل تحصيل الضرائب، وتقترح حداً أدنى للضرائب على الشركات دولية النشاط لا يقل عن 21 في المائة عبر الحدود بما يستلزمه ذلك من اتفاقات وتنسيق دولي، كما تنظر في تغييرات في الضرائب على الأرباح الرأسمالية، بما قد يحقق في مجمله زيادة في الإيرادات الضريبية تغطي جانباً من الإنفاق المستجد وتسهم في إعادة توزيع الدخول.
من ناحية أخرى تجد تغييراً مهماً في شكل العملات لن تستقيم إدارة السياسة الاقتصادية إلا بإدراك تبعاتها على الاقتصاد والاستقرار النقدي. فقد تنامى الإقبال على الأصول المشفرة وفقاً لخوارزميات مركبة مثل البيتكوين، ولكن لا يمكن اعتبارها من العملات بحال فهي شديدة التقلب لا يمكن الاعتماد عليها كمخزن للقيمة أو وسيط مقبول ذي قوة إبراء واسع النطاق. ولكنها أتت حاملة مزايا تفهم تطور المجتمعات والتقدم في تطبيقات الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات. كما أنها تستفيد من خصائص اللامركزية بين أطراف المعاملات دون وسيط أو تكلفة معاملات، بتأمين نظام «سلسلة الكتل» وقاعدة بياناته الموزعة دون تحكم من مركز واحد. وقد حاولت ابتكارات من نوع العملات المستقرة التي تستخدم تكنولوجيا الأصول المشفرة ولكنها تحاول الحفاظ على استقرارها وتحجيم تقلباتها بربطها بأصول حقيقية ذات قيمة مادية مثل النفط والذهب أو عملات دولية مثل الدولار واليورو، ومن أمثلة هذه العملات المستقرة «ليبرا» التي طورتها شركة فيسبوك مع شركاء لها وواجهت صعوبة في الحصول على الموافقات اللازمة وما زالت تحاول الحصول على الموافقات المطلوبة من خلال الشكل المعدل لها المعروف بوحدة «دايم» استناداً إلى قوة منصتها التي تضم 2.5 مليار مشترك حول العالم بدعوى تعزيز الشمول المالي. ويستلزم تفعيل العملات المستقرة موافقة صريحة من البنوك المركزية التي سترتبط بها هذه العملات وهو ما زال يواجه صعوبات.
المجال الأكثر احتمالاً للتطور هو «العملات الرقمية للبنوك المركزية»، ومن خلالها ستكون للبنوك المركزية صيغة إلكترونية لعملاتها التي يمكن أن يستخدمها عموم الناس مباشرة دون وسيط مصرفي لإجراء المدفوعات وتسوية المعاملات من خلال محفظة أو تطبيق إلكتروني وبهذا تكون قد استفادت البنوك المركزية من المستجدات التكنولوجية التي تتميز بها الأصول المشفرة والعملات المستقرة مع قوة الإبراء والسند السيادي الذي تتمتع به البنوك المركزية. فلم تكن البنوك المركزية لتفرط في احتكار ريع الإصدار النقدي لعملتها، أو تزيد من تعقيدات إدارتها للسياسة النقدية، ولكن الإجراءات القانونية والتطوير المؤسسي اللازم لتفعيل العملات الرقمية للبنوك المركزية يستغرق زمناً قدره البنك المركزي السويدي، المتقدم في هذا المجال، بخمس سنوات، هذا وإن قامت بالفعل البهاما بإصدارها الأول تحت مسمى «ساند دولار» ولكنه لاقتصاد صغير الحجم والتأثير. ووفقاً لمسح قام به بنك التسويات الدولية فهناك 60 في المائة من البنوك المركزية بصدد إصدار عملاتها الرقمية و14 في المائة منها في مرحلة الاختبارات التجريبية ويترقب المتعاملون ما قد يسفر عن إحراز اليوان الصيني سبقاً في هذا المضمار؛ وعندئذ ستتغير قواعد اللعبة في السوق النقدية الدولية وليس فقط في أدوار اللاعبين الرئيسيين.

د. محمود محيي الدين

2040… عالم أشد تنافسية

عادة ما أبدت وكالات الاستخبارات الأميركية قدرتها على التنبؤ بالكوارث على امتداد الأعوام العشرين الماضية. وبهذه الطريقة، كانت تجد هذه الوكالات سبيلاً للهروب من اللوم عن هذه الكوارث. وفي 8 أبريل (نيسان)، صدر تقرير عن مجلس الاستخبارات الوطني بعنوان «2040… عالم أشد تنافسية»، شدد على المخاطر الناجمة عن صعود الصين، ويحذر من مخاطر تواجه الاستقرار العالمي جراء التغييرات المناخية، وكذلك انتشار التكنولوجيا.
ويعتمد التقرير على معلومات من وكالات استخباراتية، بجانب معلومات عامة، ويتفحص سيناريوهات مستقبلية للعام 2040.
جدير بالذكر أن مجلس الاستخبارات الوطني يصدر تقريراً كل 4 سنوات، ومن المهم هنا أن نتذكر أن التقرير الصادر عن المجلس عام 2004 توقع حدوث جائحة عالمية تضر بالاقتصاد العالمي. ومن الممكن الاطلاع على التقرير الجديد بسهولة عبر الإنترنت.
من ناحية أخرى، وفيما يخص التقرير، يبدو من السهل استيعاب محتوياته المتعلقة بقضايا الأمن الدولي التقليدية. ومثلما الحال مع كل تقرير آخر يصدر في واشنطن في الوقت الحالي، يسلط التقرير الضوء على المنافسة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب والصين على الجانب الآخر.
إلا أنه تبعاً لما يذكره هذا التقرير الجديد، فإنه لا تكفي دراسة القوة العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة والصين، من أجل إدراك حجم قوتهما المستقبلية، ذلك أن القدرة على تطوير تكنولوجيات وشبكات جديدة ومراكز تبادل، بما في ذلك تبادل الأموال والمعلومات، وكذلك القدرة على السيطرة على المعلومات ستكون جميعها حيوية في تحديد قوة الدول المتنافسة.
على سبيل المثال، هل ستسيطر الصين على شبكات الجيل الخامس ذات الأهمية الكبيرة، وتتمكن من وقف إرسال المعلومات إلى الدول المنافسة أو الشركات التابعة لها؟
من جهته، يتوقع التقرير ألا تأتي المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على نمط مشابه لما كانت عليه المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أثناء «الحرب الباردة» في القرن الماضي. اليوم، يملك عدد أكبر من الدول قوة ونفوذاً، مثل الهند وروسيا والاتحاد الأوروبي واليابان، إضافة إلى أنه ستكون هناك دول إقليمية قادرة على إحداث خلل بالاستقرار العالمي مثل إيران وكوريا الشمالية.
علاوة على ذلك، فإن هناك قدراً أكبر الآن من التجارة الحرة بين البلاد المختلفة، الأمر الذي يعزز الاستقرار. ومع ذلك، تسببت جائحة فيروس «كورونا» المستجد في إحداث خلل في التجارة والسفر، وسيكون هناك مزيد من الأوبئة مستقبلاً.
ويحذر التقرير أيضاً من ظهور تكنولوجيات عسكرية جديدة، في ظل غياب قوانين دولية تحظر استخدامها. جدير بالذكر في هذا الصدد أنه في أعقاب الحرب العالمية الأولى، اتفقت الدول العظمى على حظر استخدام الأسلحة الكيميائية، من خلال إبرام معاهدة دولية بهذا المعنى عام 1925 وأخرى عام 1993.
وتبعاً لما أفاده التقرير، هناك أهداف اقتصادية جديدة وأخرى تتعلق بالبنية التحتية اليوم، لكن في ظل غياب قوانين وقواعد دولية جديدة حاكمة. وستزداد صعوبة ردع هجمات من عينة الهجمات السيبرية ضد منشآت بنية تحتية اقتصادية أو صحية أو هجمات ضد أقمار صناعية، مع احتدام المنافسة بين الدول.
ويتفحص الجزء الأكبر من التقرير التغييرات الطارئة على البيئات والتكنولوجيا والتوقعات طويلة الأمد التي تثير القلق. وطبقاً للتقرير، فإن ارتفاع درجات الحرارة حول العالم سيؤثر على جميع الدول بدرجة أكبر. كما سترتفع مستويات مياه البحار، وستعاني المناطق التي تعاني قلة الأمطار حول العالم من جفاف أكبر.
وسيتسبب نقص الماء والطعام في حدوث مزيد من الهجرات عبر الحدود. ويمكننا أن نرى هذا الأمر في أميركا الوسطى؛ حيث ترحل الأسر من مناطق زراعية، مخلفة وراءها مزارع خربة في محاولة لدخول الولايات المتحدة.
في الوقت ذاته، يشير التقرير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة سيساعد الزراعة في عدد قليل من الدول مثل كندا. ويتوقع التقرير أن تتحمل دول نامية المعاناة الكبرى من وراء التغييرات المناخية والمنافسة على المياه، الأمر الذي سيخلق مخاطر اشتعال صراعات، مثلما نشهد في سد النهضة الإثيوبي، وربما يشتعل مزيد من الصراعات، ويقع مزيد من القلاقل خلال الأعوام العشرين المقبلة.
ويشرح التقرير كيف أن التكنولوجيا تمثل حلاً ومشكلة في الوقت ذاته فيما يخص التحديات الاقتصادية والمناخية. وتشجع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الناس على الانضمام لمجموعات تتشارك في نفس التفكير. وعليه، أصبح هناك حوار أقل بين وجهات النظر المختلفة ومزيد من الاستقطاب السياسي والتطرف، مثلما نرى في الولايات المتحدة وأوروبا. ومع الاستقطاب تتراجع الثقة في الحكومات.
إلى جانب ذلك، فإنّ دولاً على غرار الولايات المتحدة، إلى أوروبا، إلى الصين، إلى اليابان، بحاجة إلى مزيد من الموارد لرعاية مزيد ومزيد من المواطنين من كبار السن. وربما تؤدي المخاطر الناجمة عن التغييرات المناخية أمام الاقتصادات ودخول الأسر، إلى الاستقطاب السياسي والتطرف، حتى اشتعال صراعات عنيفة داخل الدول، وفيما بينها، تبعاً لما ذكره التقرير.
في الوقت ذاته، فإن تكنولوجيات جديدة مثل الذكاء الصناعي والتكنولوجيا الحيوية يمكن أن تزيد الإنتاجية الاقتصادية التي باستطاعتها توفير الموارد اللازمة للرعاية الصحية والنقل والزراعة والتعليم.
وأفاد التقرير أن المجتمعات والدول الناجحة ستتمكن من بناء إجماع اجتماعي حول إجراءات إدارة التكنولوجيا والتعامل مع التغييرات المناخية. وتكشف الجدالات الدائرة اليوم داخل الولايات المتحدة حول اللقاحات وجوازات السفر المرتبطة بالتطعيم، نمط التحديات التي يتوقع التقرير أن تصبح أكثر شيوعاً.
كما أن تزايد الابتكار التكنولوجي لإدارة التغييرات المناخية وجهود مواجهة الأوبئة سيعتمد على قدرة الولايات المتحدة والصين على إيجاد سبل للتعايش، بل التعاون، حسبما بيَّن التقرير.

روبرت فورد.

«بتكوين» تحل محل الذهب

كيف نشرح معنى «بتكوين»؟ كما ذكرت قبل أسبوعين، من الصعب استبعاد العملة الرقمية من الحسبان باعتبارها فقاعة استثمار كلاسيكية؛ لأنها – على العكس من أي معتقد تاريخي آخر شهد مكاسب كبيرة مماثلة في السعر – شكلت سلسلة من الفقاعات التي انفجرت ثم تضخمت مجدداً.
ليس من المفترض أن تقوم الفقاعات بذلك؛ إذ إنَّ الفقاعة الكبيرة الضخمة لا يمكن أن تنكمش في هدوء، بل تنفجر ولا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه أبداً.
لدى «بتكوين» العديد من أعراض هوس المضاربات، يحركها في ذلك الإثارة المطلقة التي تلهم المؤمنين بها، لكن من الصعب تحديد القيمة التي يجب أن تكون عليها الأصول الرقمية. شأن الذهب، فإنَّ القيمة الحقيقية تقع في عين الناظر. فهي ليس لها قيمة جوهرية، وفي حين ينطبق الأمر نفسه على الأوراق النقدية، فإنَّ الحكومة لا تقف وراء ذلك.
تصارع الكثير من الأشخاص مع المشكلة نفسها، وربما تكون قيمة «بتكوين» نابعة من عدم وجودها. ولفهم أفضل لذلك؛ فقط تأمل العلاقة الفردية بين الذهب وسندات الخزانة، فالدراسة والتحليل دائماً ما يثبت تغلب سندات الخزانة على الذهب عندما لا يشعر الناس بالقلق الشديد بشأن التضخم، في حين يفوز الذهب عندما تكون هناك مخاوف من التضخم، باستثناء في الوقت الحالي، حيث تراجع كلاهما.
ما الذي يدفع سعر الذهب إذن؟ جاءت دراسة تحليلية أجراها دافال جوشي، الباحث بمعهد «بي سي إيه إنك» بفكرة مختلفة مفادها أن العلاقة بين الذهب والفضة ظلت ثابتة لثلاثة قرون، واستمرت مستقرة حتى تآكلت الثقة في المعيار الذهبي ثم انهارت بعد الحرب العالمية الأولى. خلال عقود معيار الذهب الناعم لـ«اتفاقية بريتون وودز» بعد الحرب، عادت النسبة إلى مستواها القديم، لتعود إلى التحليق عالياً عقب انهيار اتفاقية «بريتون وودز» قبل 50 عاماً.
يؤكد جوشي أن هذا يدل على أن الطلب على الذهب والفضة مدفوع بالنظرة إلى تفوق الأصول «في مواجهة العملة». ولذلك؛ إذا شعر الناس بالقلق بشأن القوة الشرائية طويلة الأجل للعملات التي تصدرها الحكومة، فإنَّهم سيكونون مستعدين لدفع المزيد مقابل الذهب، في ظلّ دوره المتصور كمخزن للقيمة. كيف إذن نفسر الانخفاض المفاجئ. حجة جوشي هي أن عملة «بتكوين» ارتفعت كبديل للأصول. لقد حاز ذلك الانتشار بسبب الأفكار التحررية المناهضة للحكومة التي رافقت العملة الرقمية منذ إنشائها. فزيادة حجم «بتكوين» لتصبح معروفة بشكل أفضل وسهولة الحصول عليها الآن يجعلها منافساً أكثر قابلية للتطبيق مقارنة بالمعدن البراق.
لم يجرِ تحويل كل الأموال التي تترك الذهب إلى عملة «بتكوين»، بل بعضها فقط. ويبدو أن المؤسسات تتخذ قراراً بتخصيص بعض الأموال لعملة «بتكوين» كتحوط ضد الانهيار النقدي. (السندات الصينية هي وجهة مهمة أخرى). وظهرت قوة «بتكوين» في الأشهر القليلة الماضية على الرغم من التراجع الواضح في عمليات البحث على «غوغل» عن المصطلح.
يتماشى أداء «بتكوين» خلال العام الماضي بشكل مباشر مع التحركات في عوائد السندات. فعندما ترتفع العائدات، ترتفع كذلك «بتكوين»؛ مما يعني أن العملة الرقمية تستفيد مباشرة من «تجارة الانكماش»، أو الاعتقاد بأن التضخم قادم.
يُظهر تحليل أكثر علمية أجرته شركة الأبحاث البريطانية «كوانت إنسايت المحدودة»، أن الحساسية الرئيسية لعملة «بتكوين» تكمن في معدلات التضخم. الشيء نفسه ينطبق على الذهب، والاختلاف في الوقت الحالي هو أن «بتكوين» يرتبط ارتباطاً إيجابياً بنقطة التعادل (النقطة التي لا يتحقق فيها مكسب أو خسارة)، ويكسب عندما ترتفع المخاوف بشأن التضخم، في حين أن الذهب يرتبط بها ارتباطاً سلبياً.
وبحسب تشارلز موريس، الخبير بشركة «باي تري»، فإن «بتكوين» تتحرك مثل سهم النمو، على عكس الذهب. ويبدو أن «بتكوين» لديها كل شيء؛ فهي واحدة من الأصول القليلة التي يبدو أنها تستفيد من ارتفاع عائد السندات – وعلى عكس الأسهم والسندات الدفاعية، يعتبر كل من «بتكوين» والذهب حساسين للتضخم، لكن الذهب يكون أسعد حظاً عندما يواجه العالم دوامة هبوط. في المقابل، تفضل «بتكوين» اقتصاداً أقوى عندما يرتفع العائد، وهو المكان الذي نحن فيه اليوم.
لذلك؛ يبدو أن الدافع الحالي لعملة «بتكوين» هو محاولة للحماية من انخفاض قيمة العملة عن طريق تحول مُقاس من الذهب، والذي يُعتبر الأصل الأضعف ضد العملات الورقية في الوقت الحالي.
إذا كان هذا هو ما يحفز الناس على شراء «بتكوين»، مع عودة المخاوف من الانحدار والتضخم الذي يحدث عقب الانهيارات، يبقى السؤال حول كيفية تقييمها بالضبط. ينظر جوشي إلى مزايا الأصول المواجهة للأوراق المالية باعتبارها مرتبطة بقدرتها على تجنب الخسائر الفادحة. ويمكن أن يكون للذهب أيضاً عمليات سحب كبيرة، ولكن لا شيء مثل الخسائر الكبيرة التي تلحقها عملة بتكوين» بشكل دوري بحامليها قبل الارتفاع مرة أخرى. ونظراً لأن انخفاضات عملة «بتكوين» غالباً ما تكون أكبر بثلاث مرات؛ فإنه يمكن معادلة المخاطرة عن طريق الاحتفاظ بثلاثة أضعاف الذهب مثل «بتكوين».

هل «بتكوين» بديل حقيقي مباشر للذهب؟ إنه عرض صعب التعامل معه. فأنا مثلاً الآن أكتب هذا المقال وفي إصبعي خاتم صغير جداً من الذهب. أنا واثق من أنني لن أستبدل خاتم زواجي بواحد مصنوع من «بتكوين». فالذهب على الأقل له استخدام جوهري كمادة خام للمجوهرات المرغوبة بشدة.
لقد صُممت «بتكوين» ببراعة بحيث يجري تقليل المعروض من العملات الجديدة بمرور الوقت، وبالتالي، فإن انخفاض الأسعار سيقلل من الحافز لإنفاق الأموال على زيادة العرض. ويمكن للتأثيرات الشبكية أيضاً أن تجعل العملة أكثر فائدة – فكلما تم تطوير المزيد من التطبيقات، زادت سهولة استخدامها، وأصبحت عملة قابلة للتطبيق.
في الوقت الحالي، تلبي عملة «بتكوين» طلباً على مجموعة واسعة من البدائل للعملات الورقية في وقت يشكك فيه الكثيرون بشدة في السياسة النقدية، في حين تقدم وعداً بذلك النمو المثير الذي حققته الأسهم التقنية. من المفهوم أنه سيكون هناك طلب كبير على مثل هذه الأصول. ورغم قوة الطلب، فإنه أيضاً مدعوم من تلك القوى العالمية الأخرى في الأسواق التي تخشى عليه من الضياع. ومع ذلك، إذا لم يحدث الانكماش فقد يكون من الأفضل أيضاً الاستعداد لارتفاع آخر في «بتكوين».

جون اوثرز.

البتكوين… هل يكون مستقبلها زاهراً؟

ما شكل الأموال في المستقبل؟ يعتقد ولدي البالغ من العمر 9 سنوات أنها سوف تكون العملة «روبوكس». وبالنسبة لأمثالنا العالقين في متحف البشرية المعروف باسم مرحلة البلوغ والنضج، فإن «روبوكس» هي العملة التي يستخدمها اللاعبون في ألعاب «روبلوكس» الكومبيوترية. فإن منحت توماس ولدي حفنة من الدولارات لاستمالته للقيام ببعض الأعمال المنزلية الخفيفة، فإنه يمتعض على الفور ويبدو غير مهتم أو عابئ. لكن إن عرضت عليه بعضاً من عملة «روبوكس»، فهناك قصة مختلفة تماماً.
يبلغ سعر الصرف الحالي نحو 80 مقابل الدولار. ومن ثم، فإن أردت تشجيع ولدي على غسل الصحون مثلاً، فإنني أحتاج إلى الدخول على الإنترنت وشراء 2000 «روبوكس» مقابل 25 دولاراً. ويجري ذلك عن طريق إدخال بيانات بطاقتي الائتمانية على أحد مواقع الإنترنت، وهو وسيلة من وسائل التعريض الذاتي التي لا تشكل لي مشكلة على الإطلاق. ومع ذلك، فإن توماس يقوم بغسل الصحون فعلاً، ثم يقوم بإنفاق بقية عملات «روبوكس» الخاصة به على الإنترنت في أمور مهمة بالنسبة إلى الصبي الصغير تماماً.
تعدّ عملة «روبوكس» شكلاً واحداً من أشكال عدة للأموال الحديثة الموجودة في عالم ألعاب الفيديو على شبكة الإنترنت الموازي لعالمنا الحقيقي المعاصر. فإن كان أطفالك يعرفون لعبة «فورتنايت»، فربما تحتم عليك في وقت من الأوقات أن تشتري لهم عملة «فيندربكس» حتى يواصلوا اللعب. وأموال ألعاب الفيديو، بدورها، مجموعة فرعية من وسائل السداد الإلكترونية التي لا حصر لها والمنتشرة حالياً على شبكة الإنترنت.
أصاب مؤلفو روايات الخيال العلمي في فهم كثير من الأمور بشكلها الصحيح حول المستقبل؛ من الأوبئة، إلى السيارات الطائرة، إلى الذكاء الصناعي. غير أنه لا أحد على الإطلاق قد أدرك إمكانات مستقبل الأموال بصورة صحيحة. ففي كتاب ويليام غيبسون «نيورومانسر» لعام 1984، استمر التعامل في المستقبل بالأموال الورقية المعروفة، غير أن استخداماتها اقتصرت على المعاملات غير المشروعة في نهاية المطاف. وفي فيلم «سنو كاش» من إنتاج نيل ستيفنسون لعام 1992، تسبب التضخم الاقتصادي المفرط في تدمير الدولار الأميركي، لدرجة أنه في كومبتون بولاية كاليفورنيا، يسير الناس في الشوارع وهم يدفعون عربات اليد التي تتراكم فوقها الملايين من أوراق البنكنوت التي جمعوها من مجاري العواصف.
تُعرف فئة التريليون دولار باسم «إد ميز»، وفئة الكوادريليون باسم «غيبر»، في حين أننا نحن أبناء جيل الطفرة السكانية ما زلنا نقتات على تصريحات المدعي العام الأميركي الأسبق والرئيس الذي تولى الرئاسة في ثمانينات القرن الماضي. وفي عقود المستقبل البائس المقبلة، تقوم السلع السهلة المتاحة مثل الرصاصات أو أغطية الزجاجات مقام الأموال المؤقتة، تماماً كما كانت السجائر في ألمانيا المحتلة في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة.
إن كان هناك مؤلف آخر للخيال العلمي قد أحسن التنبؤ بمستقبل الأموال في العقود المقبلة، فربما قد فاتني ذلك. ومما يؤسف له، أن الافتقار لمثل هذه التوقعات بات يؤثر حالياً على صناع السياسات في الولايات المتحدة؛ الأمر الذي يجعل الهيمنة المالية في العالم أكثر عُرضة لتحديات جسيمة محتملة؛ بل ومقبلة. فلا يقتصر الأمر على مجرد إقلال السلطات النقدية الأميركية من أهمية تلك التهديدات على هيمنة وتفوق الدولار الأميركي من خلال مزيج العملات الرقمية المشفرة والمدفوعات الإلكترونية التي تتزعمها الصين على مستوى العالم راهناً. كما أنهم يتعاملون في الصين مع المبتكرات المالية القائمة على قواعد البيانات المتسلسلة، والتي توفر أفضل البدائل المالية المتاحة لليوان الإلكتروني الصيني، بأنها مثل أدوات جمع العملات في محفلهم الخاص!
ولنبدأ بطرح تصورات مستقبل الأموال الذي لم يتوقعه أحد من قبل.
ففي عام 2008، أطلق المدعو ساتوشي ناكاموتو عملته الرقمية الغامضة «بتكوين» من خلال دراسة بحثية مجهولة المصدر ولا علاقة لها بالخيال العلمي من قريب أو بعيد. تلك العملة التي تسمح بإرسال المدفوعات عبر شبكة الإنترنت مباشرة من طرف واحد إلى طرف آخر، من دون المرور عبر أي مؤسسة مالية رسمية كانت. وفي جوهر الأمر؛ فإن «بتكوين» دفتر أستاذ محاسبي تتقاسمه شبكة من الكومبيوترات المتقدمة من دون قائد واضح. ولسداد المدفوعات عن طريق «بتكوين»، فإنك تبعث برسالة موقعة من طرفك تخول نقل الملكية إلى المفاتح العامة للمتسلم. ثم يجري جمع المعاملات معاً وإضافتها إلى دفتر الأستاذ في صورة كتل، وتوجد لكل عقدة في الشبكة الكومبيوترية نسخة كاملة من قواعد البيانات المتسلسلة في جميع الأوقات. ويمكن للعقدة الواحدة إضافة كتلة جديدة إلى التسلسل (مع الحصول على مكافأة «بتكوين» في المقابل) وذلك عن طريق حل التشفير المحدد بواسطة بروتوكول «بتكوين» نفسه، الذي يستهلك مقداراً من الطاقة للمعالجة وفك التشفير.
وتحصل العقد التي نجحت في حل التشفير على مكافأة من رسوم المعاملات، وكذلك بمزيد من عملات «بتكوين». ويطرأ تخفيض على هذه المكافأة إلى النصف مرة كل 4 سنوات، حتى يبلغ إجمالي عدد عملات بتكوين 21 مليون عملة، وبعد ذلك لن يتم إنشاء عملات جديدة. وكما قلت في مقال سابق، كانت هناك أسباب وجيهة وراء ترك «بتكوين» المضاربة على الذهب، في الوقت الذي كان فيه فيروس «كورونا» المستجد يعيث فساداً بالأرض وسكانها منذ العام الماضي. ومنذ أكثر من عام أو نحوه، عندما جرى بيع نحو أغلب الأصول المالية مع التراجع الملحوظ في شدة الوباء، انخفض سعر الدولار الأميركي مقابل «بتكوين» إلى 3858 دولاراً، وأنا أقول إن السعر الحقيقي هو 58746 دولاراً.
والسبب الحقيقي وراء نجاح «بتكوين» هو استقلاليتها وسيادتها الذاتية، وأنه ما من أحد يملك السيطرة عليها، وليس هناك حيتان يملكون الأموال الضخمة منها، ولا حتى المعدنون يستطيعون الخروج بالمبالغ المفرطة من وراء التداول فيها. كذلك؛ لأنها تحافظ على ندرتها النسبية (إذ إن رقم 21 مليوناً منها هو المبلغ النهائي). وفوق كل شيء، فإنها عملة رقمية مشفرة وذكية. ومع كل يوم يستمر ذلك النظام الرقمي في العمل، فإنه لا يتعرض للقرصنة أو الاختراق، ولا يتعطل أو ينهار. وتشير التوقعات إلى أنها وجدت لتبقى وتستمر، لا سيما مع الضغوط الناشئة على المتداولين والمعدنين الذين يتحدون أنفسهم وسواهم من خلال المحاولات المحمومة لامتلاك مزيد من تلك العملات.
خلال العام الماضي، ابتاعت مجموعة من الشركات التكنولوجية العملاقة، من شاكلة «سكوير»، و«باي بال»، و«تيسلا»، كومة من عملات «بتكوين». وظهر كثير من المستثمرين الكبار، من أمثال بول تيودور جونز، وستان دروكنميللر، وبيل ميللر، بوصفهم أبرز المستثمرين في «بتكوين». ربما الأهم من ذلك، أن الناس بدأوا يتعاملون مع «بتكوين» على أنها جزء شرعي من النظام المالي العام. وبدأت شركة «بي إن واي ميلون» المصرفية الاستثمارية التعامل مع «بتكوين»، وكذلك شركة «ماستر كارد» العالمية. وصارت هناك عقود آجلة، وخيارات متنوعة، للتعامل مع «بتكوين» بصورة جيدة. وكان هذا النوع من التبني والاعتماد هو الذي أدى إلى رفع سعر «بتكوين»؛ تلك العملية الكبيرة والمعقدة التي تستلزم كثيراً من العمل.

نيال فيرغسون

 

جودة الاستثمارات الأجنبية

في عالم اليوم، يتنافس كثير من الدول في جذب الاستثمارات الأجنبية إليها، مقدمة الإعفاءات الضريبية واليد العاملة الماهرة والأنظمة القانونية الضامنة والبيئة الاجتماعية المناسبة… وغيرها من عوامل الجذب التي تشجع الشركات الأجنبية على ممارسة أنشطتها في تلك الدول. ولا يشك في الاستثمار الأجنبي بما يجلبه من منافع اقتصادية للدول، تتمثل في توفير الوظائف للسكان المحليين، وزيادة التنافسية في القطاع الخاص، ونقل الخبرات من الشركات الأجنبية، إضافة إلى ما يشكله من أهمية في تكامل الاقتصاد العالمي وفتح الآفاق للاستثمار خارج الحدود. إلا إن الاستثمارات الأجنبية ليست نافعة بشكل مطلق؛ بل إن بعض الاستثمارات الأجنبية تجلب الضرر للدول أكثر من النفع، ولذلك يحرص كثير من الدول على جودة الاستثمارات الأجنبية الواردة إليها، وتحدد شروطاً لهذه الاستثمارات بما فيه مصلحة للطرفين.
ويمكن تقسيم جودة الاستثمارات الأجنبية بحسب أهداف التنمية المستدامة إلى خمسة أقسام:
القسم الأول يُعنى بالإنتاجية والابتكار، ويعني ذلك أن تزيد الاستثمارات الأجنبية من الإنتاجية في البلد وأن تحسن من أنشطتها الابتكارية بما تجلبه له من خبرات ومعارف ونقل للتقنيات. ويرتبط القسم الثاني بما هو متعارف عليه من توفير للوظائف ذات الجودة العالية والأمن الوظيفي المرتفع. كما تشترط أهداف التنمية المستدامة أن ترفع الاستثمارات الأجنبية من مهارات اليد العاملة فيها، لا أن تجلب اليد العاملة الماهرة من الخارج دون نقل لهذه المهارات للمواطنين. أما القسم الرابع؛ فيعنى بالمساواة الاجتماعية والعرقية. وينظر القسم الأخير في المحافظة على البيئة من خلال استخدام الطاقة النظيفة أو غيرها من الممارسات البيئية الصحيحة.
وتعد هذه الأقسام الخمسة مجرد أمثلة على الأهداف التي تنظر فيها الدول عند جلب الاستثمارات الأجنبية، فقد يحدد بعض الدول القطاعات التي ترغب في جذب استثمارات أجنبية فيها، وقد تحد أو تمنع قطاعات محددة، مثل بعض الصناعات أو الموارد الطبيعية أو البنية التحتية… أو غيرها، لأسباب منها أسباب أمنية، أو المحافظة على القطاعات الاستراتيجية من سيطرة الشركات الأجنبية، أو حماية القطاع الخاص المحلي، أو تحفيز المنشآت الصغيرة. وقد تشترط اشتراطات معقدة تحفظ لها حقوقها في بعض القطاعات شديدة الجاذبية، مثل الموارد الطبيعية؛ كأن تشترط حصة من الموارد لزيادة الآثار الاقتصادية أو الاجتماعية.
وتختلف الدول في اشتراطاتها على الاستثمارات الأجنبية الواردة، وتعدّ أبرز المعايير المشترطة حجم الوظائف الموفرة، وقيمة وحجم الاستثمار الأجنبي الوارد وما يضيفه للناتج القومي، ومعدل الرواتب للوظائف الموفرة للمواطنين، وما إذا كان فرع الشركة مقراً إقليمياً أم عالمياً. كما يعطي كثير من الدول الأفضلية للاستثمارات الأجنبية التي تساهم في زيادة الصادرات وذلك لإعطاء القيمة المضافة اقتصادياً. وتعطي أخرى أفضلية للشركات التي تركز على أنشطة البحث والتطوير والتي تجلب معها منافع اقتصادية واجتماعية علاوة على استدامة استثمارات هذه الشركات التي تركز على الاستثمارات طويلة المدى مثل البحث والتطوير.
وتعطي الدول أفضلية في بعض القطاعات بحسب توجهها الاستراتيجي، فعلى سبيل المثال، تعطي تشيلي أولوية في الاستثمارات الأجنبية لقطاعات الأغذية والبنية التحتية والسياحة، وتفضل نيجيريا الاستثمارات الأجنبية في قطاعات الاتصالات والكهرباء والمواصلات، وتميّز المجر الاستثمارات في قطاعات صناعة السيارات والإلكترونيات، أما فيتنام فتحاول جذب الاستثمارات في قطاع التقنيات الزراعية.
إن المنفعة الموجودة في الاستثمارات الأجنبية تعود على الطرفين (الشركات الأجنبية والحكومات)، ويمكن للحكومات استخدام الاستثمارات الأجنبية أداة استراتيجية وفعالة لتحقيق مستهدفاتها المستقبلية، سواء أكانت هذه المستهدفات بتطوير قطاعات محددة، أم بالارتقاء بالتنافسية المحلية، أم حتى لبناء شراكات سياسية مثمرة. أما انجذاب الشركات الأجنبية لدولة ما، فهو أمر مرهون وبشكل مباشر بمعرفة عوامل جذب الشركات الأجنبية والتميز في هذه العوامل، وإذا ما تمكنت الدول من تجاوز هذه النقطة بنجاح، فسيكون قدوم الشركات الأجنبية لها مسألة وقت، ويمكن حينها للدول استخدام هذه الاستثمارات لتحقيق أجندتها الوطنية.

د. عبدالله الردادي.

التخطيط للتعامل مع وباء أزلي

على امتداد العام الماضي، ساد افتراض ـ جرى التعبير عنه بعض الأحيان صراحة، وفي أغلب الأحوال ضمناً ـ وشكل هذا أساس تفكيرنا جميعاً إزاء الجائحة: مفاده بأنه عند نقطة ما، ستتلاشى الجائحة، وحينها «سنعود إلى حياتنا الطبيعية».
الحقيقة أن هذا الأساس خاطئ بدرجة تكاد تكون مؤكدة، ذلك أن فيروس «سارس ـ كوف ـ 2»، بما يتسم به من مراوغة، ربما يصبح عدونا الأزلي، تماماً مثل الإنفلونزا لكن على نحو أسوأ. وحتى إذا تلاشى هذا الفيروس نهاية المطاف، فإن حياتنا وروتين أعمالنا بحلول ذلك الوقت ستكون قد تبدلت على نحو يتعذر التراجع عنه. وعليه، فإن «العودة للوراء» لن تكون خياراً ممكناً حينها، وإنما سيكون السبيل الوحيد المضي قدماً ـ لكن نحو ماذا تحديداً؟
في الواقع، تتلاشى غالبية الأوبئة بمجرد أن يحقق السكان مناعة القطيع، ولا يجد العامل الممرض أمامه سوى القليل للغاية من الأجساد كمضيف له من أجل تكاثره الذاتي. وتتحقق مناعة القطيع هذه من خلال مزيج من المناعة الطبيعية داخل الأشخاص الذين تعافوا من العدوى واللقاح فيما يخص باقي السكان.
إلا أنه في حالة «سارس ـ كوف ـ 2»، توحي التطورات الأخيرة أننا ربما لا نصل لمناعة القطيع أبداً، بل وحتى الولايات المتحدة التي تقود غالبية الدول الأخرى بمجال اللقاحات، وشهدت موجات تفش ضخمة للوباء بالفعل، ربما لا تصل لهذه النقطة. ويعد هذا الأمر النتيجة الأساسية التي خلص إليها تحليل عقده كريستوفر موراي من جامعة واشنطن، وبيتر بيوت من مدرسة لندن للحفاظ على الصحة وطب المناطق الحارة.
ويكمن السبب الرئيسي وراء ذلك في الظهور المستمر لسلالات جديدة تتصرف وكأنها فيروسات جديدة تماماً. وكشفت تجربة سريرية جرت في جنوب أفريقيا أن الأشخاص في مجموعة «البلاسيبو»، أو الدواء الوهمي، ممن سبقت لهم الإصابة بإحدى سلالات فيروس كورونا المستجد لم تكن لديهم أي مناعة، في مواجهة السلالة الجديدة المتحورة وأصيبوا بالعدوى من جديد.
ووردت تقارير مشابهة من أجزاء من البرازيل التي شهدت موجات هائلة من تفشي الوباء، وبالتالي عانت من تجدد الجائحة وقتاً بعد آخر.
وعليه، يصبح اللقاح السبيل الوحيد أمامنا للمضي قدماً نحو إنجاز مناعة قطيع دائمة. ويقتضي الإنصاف الإقرار بأن بعض اللقاحات الموجودة اليوم أبدت فاعلية إلى حد ما في مواجهة بعض السلالات الجديدة. ومع هذا، فإنه بمرور الوقت ستصبح اللقاحات بلا حول ولا قوة في مواجهة الطفرات الجديدة المقبلة.
بطبيعة الحال، تعمل الجهات المنتجة للقاحات بالفعل بدأب على إنتاج لقاحات جديدة. بصورة خاصة، يمكن تحديث اللقاحات المعتمدة على التكنولوجيا الثورية المتمثلة في تلقيح الحامض النووي الريبوزي المرسال التي سبق وأن وصفتها، على نحو أسرع عن أي لقاح آخر في التاريخ. ومع ذلك، تبقى هناك حاجة لإنتاج المصل وشحنه وتوزيعه وحقن الأفراد به.
ولا يمكننا إنجاز هذه العملية بسرعة كافية، ولا أن تغطي الكوكب بسرعة كافية. ومع أن البعض منا ربما يفلح في الفوز بجولة إقليمية أو جولتين في مواجهة الفيروس، من خلال توزيع اللقاح على سكان منطقة بعينها ـ مثلما فعلت إسرائيل، على سبيل المثال، فإن التطور لا يأبه بالمكان الذي يعمل فيه، ويعمد الفيروس إلى التكاثر في أي مكان يجد فيه أجساداً دافئة لم تحصل على اللقاح بها خلايا تمكنه من إعادة إنتاج الحامض النووي الريبوزي الخاص به. ومع خلق الفيروس لنسخ من نفسه، يقع من وقت لآخر في أخطاء تشفيرية. وتتحول بعض هذه الأخطاء إلى فرص للتحول إلى مزيد من الطفرات.
وتظهر مثل هذه الطفرات في كل مكان، وثمة قدر كبير من الانتقال للفيروس جارٍ من حولنا. واكتسبت سلالة بريطانية وأخرى جنوب أفريقية وواحدة برازيلية على الأقل سمعة واسعة سيئة بطبيعة الحال، لكنني اطلعت على تقارير حول ظهور سلالات أخرى في كاليفورنيا وأوريغون وغيرهما. وإذا تفحصنا عينات من عدد أكبر من المناطق، من المحتمل أن نعثر على المزيد من السلالات.
وعليه، ينبغي لنا افتراض أن الفيروس يتحور بسرعة كبيرة بالفعل، داخل الكثير من الدول الفقيرة التي لم تتلق حتى يومنا هذا أي جرعات لقاحات على الإطلاق، حتى وإن مكنتها البنى الهرمية السكانية التي يغلب عليها الشباب لديها في إبقاء معدلات الوفيات قيد السيطرة، الأمر الذي يغطي بدوره على حدة موجات تفشي الجائحة على المستويات المحلية.
الشهر الماضي، حرص أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، على تذكير العالم بأن 75 في المائة من جميع جرعات اللقاحات جرى توزيعها داخل 10 دول فقط، بينما لم تحصل 130 دولة ولو على جرعة واحدة.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن مسألة تطور عامل ممرض في حد ذاتها ليست بالأمر المثير للدهشة أو القلق، ذلك أنه من بين الأنماط المعتادة تطور الفيروسات بمرور الوقت على نحو يجعلها أشد عدوى، لكن أقل ضراوة. وعلى أي حال، فإن عدم الإجهاز على الكائن المضيف بفاعلية يحمل في طياته ميزة في إطار الانتخاب الطبيعي. وإذا اتخذ «سارس ـ كوف ـ 2» هذا المسار، فإنه ربما يتحول نهاية الأمر إلى مجرد إنفلونزا عادية أخرى.
بيد أن هذا ليس ما يجري على أرض الواقع خلال الفترة الأخيرة، ذلك أن السلالات التي اكتشفناها أصبحت أشد عدوى، لكن قدرتها على الفتك لم تتضاءل. ومن المنظور الوبائي، تعد هذه أخباراً سيئة.
ولننظر الآن في مسارين بديلين لتطور الفيروس. في واحد منهما، يصبح الفيروس أقل فتكاً، لكن أكثر قدرة على الانتقال من شخص لآخر، الأمر الذي سيسبب مزيداً من حالات الإصابة والوفاة، لكن سيصبح النمو طولياً. في المسار الآخر البديل، لن يصبح الفيروس المتحور أقل أو أكثر ضراوة، لكنه يصبح أشد عدوى. وسيتسبب في زيادات في أعداد المصابين والوفيات على نحو متسارع، وليس طولياً.
ويشرح آدم كوشارسكي، من مدرسة لندن للحفاظ على الصحة وطب المناطق الحارة، الجانب الحسابي وراء هذا الأمر. إذا كان هذا المسار التطوري لـ«سارس ـ كوف ـ 2»، فإن هذا يعني أننا في طريقنا على ما يبدو لمواجهة دورات لا نهاية لها من موجات التفشي والانحسار، وفرض قيود اجتماعية وتخفيفها وفرض عمليات إغلاق ورفعها. وداخل الدول الغنية على الأقل، من المحتمل أن نحصل على اللقاح مرتين سنوياً، في مواجهة أحدث الطفرات السائدة، لكننا لن نحصل أبداً على اللقاح بدرجة كافية من السرعة أو الشمولية تعين على الوصول لمناعة القطيع.
وما أود تأكيده هنا أنني لا أدعو إلى الانهزامية. الحقيقة أنه في الإطار التاريخي الكبير، يظل فيروس «كوفيد ـ 19» بمثابة جائحة معتدلة نسبياً. جدير بالذكر هنا أن الجدري قتل تسعة من بين كل 10 من أبناء الهنود الحمر، بعدما نقله الإسبان إلى الأميركتين في القرن الـ16. كما فتك «الموت الأسود» بقرابة نصف سكان حوض البحر المتوسط، عندما ضرب أوروبا للمرة الأولى في القرن السادس.
عالمياً، قتل فيروس كورونا المستجد أقل عن أربعة من كل 10 آلاف شخص حتى الآن. وبالاعتماد على العلم والتكنولوجيا، نبدو مسلحين اليوم على نحو لم يحظ به أسلافنا من قبل قط.
ومع ذلك، يجب علينا التحلي بالواقعية، فالصلابة تستدعي أن نضم هذا السيناريو الجديد إلى خططنا. أما النبأ السار هنا فهو أن مستوى استجابتنا في تحسن مستمر. على سبيل المثال، في كل موجة إغلاق، نتسبب في أضرار أقل بالاقتصاد عن الموجة السابقة. وربما ننجح في تحقيق إنجازات علمية كبرى تجعل حياتنا أفضل نهاية الأمر. ورغم أن عالمنا الجديد ليس بائساً، فإنه لن يشبه على الإطلاق عالمنا القديم.

اندرياس كلوث.

صراع عالمي حول الغنائم

أعادت جائحة فيروس «كورونا المستجد»، والحوافز المالية الاستثنائية المرافقة، كتابة دور البنوك المركزية. والآن بعد الزخم الذي بدا يتلقاه التعافي الاقتصادي حول العالم، فهناك صراع عالمي يدور حول الغنائم، وكم من الصلاحيات التي يتعين على السلطات النقدية أن تتخلى عنها.
تفرض خطوط الصراع تمييزاً قليلاً بين مختلف المناطق، وما إذا كان الاقتصاد ناشئاً أو نامياً، وما إذا كان لدولة غنية أو فقيرة. ففي نيوزيلندا، رائدة بلدان العالم في استهداف التضخم، أصدر وزير المالية قراراً يقضي بأن بنك الاحتياطي النيوزيلندي لا بد أن يزداد اهتمامه بشأن تكاليف الإسكان. ولقد حصل زعماء أسعار الفائدة في البرازيل أخيراً على الاستقلالية القانونية الكاملة – وما كان ذلك مجانياً بحال. وفي إندونيسيا، يواصل الساسة التعدي على استقلالية أكثر البنوك المركزية نفوذاً وتأثيراً في جنوب شرقي آسيا.
لقد وضعوا مشروع قانون برلماني يسعى إلى الحصول على دعم بنك إندونيسيا المركزي للميزانيات الحكومية في أوقات الطوارئ المالية. ويتجاوز ذلك موافقة البنك على شراء 574.4 تريليون روبية (40 مليار دولار أميركي) من سندات الدولة في العام الماضي، تلك الخطوة التي وُصفت في ذلك الوقت بأنها إحدى النواتج المنفردة لجائحة «كورونا المستجد». وفي واقع الأمر، فإن الفكرة القائلة بأن هذه الخطوة كانت مجردة استجابة لحالة الطوارئ الصحية بالغة القسوة تعني أن إندونيسيا قد دفعت ثمناً ضئيلاً للغاية لعملية تسييل الديون، تلك العملية التي كانت تعتبر في يوم من الأيام من قبيل البدع المصرفية. ومن خلال محاولة الربط بين تعهدات أخرى مماثلة مع الفوضى المالية العارمة بدلاً من ربطها بالأمراض الفتاكة الشائعة، فإن المشرعين يسعون بصورة فعالة إلى جعل ما كان ذات يوم أمراً استثنائياً يُلجأ إليه في حالة الطوارئ إلى أداة من الأدوات الاقتصادية الاعتيادية.
ورغم أن طبيعة هذا التوغل فريدة من نوعها في جاكرتا، فإن إعادة صياغة الاقتصاد النقدي أصبحت ظاهرة عالمية. لقد انتهت التخفيضات الهائلة في أسعار الفائدة، والتي ميزت التراجع المشهود لفيروس كورونا في أغلب البلدان. وتستعد التجارة العالمية للانتعاش الكبير خلال العام الحالي، ويشعر المستثمرون بالانزعاج إزاء العودة المحتملة للتضخم. وهذا من شأنه أن يجعل المزيد من المغامرات في السياسات غير التقليدية أمراً في غاية الصعوبة؛ نظراً للتسارع المتوقع في النمو العالمي هذا العام.
إن نجاح الممارسين يجعلهم عرضة للمخاطر. ما هو الثمن الذي سوف يدفعه صناع السياسات في مقابل الطريقة التي تتداخل بها التدابير النقدية في كل جانب من جوانب الحياة الاقتصادية تقريباً؟ وهل تصبح بعض خطوات مكافحة الأزمات، التي اتخذت خلال أحلك ساعات الوباء، هي الأكثر استدامة؟ لقد رأت النخبة السياسية ما تستطيع البنوك المركزية أن تفعله في تلك الأوقات. ومن الصعب أن نلومها على محاولة فرض المزيد من الضغوط على زعماء أسعار الفائدة.
تشكل التنازلات والتسويات من ويلينغتون وبرازيليا إشارة على ما قد يحدث. فلقد أصدرت الحكومة تعليمات إلى بنك الاحتياطي في نيوزيلندا، أول سلطة تتبنى هدف التضخم في ثمانينات القرن العشرين، بدراسة أسعار المساكن في القرارات. ولقد قاوم البنك المركزي الفكرة في بداية الأمر، غير أن قرار وزير المالية جرانت روبرتسون قد ساد في نهاية المطاف. وواقع الأمر، أن الخطة العقارية ذات طبيعة سياسية إلى حد مثير للإزعاج، والقليل من الأمور أكثر أهمية بالنسبة للناخبين من القدرة على تحمل تكاليف المسكن، سيما مع ارتفاع أسعار المساكن في نيوزيلندا إلى عنان السماء.
وفي البرازيل، كان إحدى النواتج الثانوية لجائحة فيروس كورونا يتمثل في إضفاء الطابع الرسمي على استقلال البنك المركزي. وفي داخل البنك، ظل المسؤولون حريصين لفترة طويلة على التصديق على استقلالية الحكم الذاتي للبنك، رغم أن الفصل بحكم الأمر الواقع عن النزوات السياسية كان ممارساً لفترة من الوقت.
ليست هناك حاجة إلى أن ينزعج مقاتلو التضخم بشدة. لطالما كان لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي هدف يتمثل في تحقيق أقصى قدر من التوظيف، إلى جانب استقرار الأسعار. ويعتبر دعم الوظائف من بين الأهداف التي يتم السعي إلى تحقيقها في جاكرتا. ويتعين على المدافعين عن بنك إندونيسيا المركزي العناية الفائقة باختياراتهم. ولا يجب أن يخافوا من الحساسيات ذات الصلة بسوق العمل، فلقد جرى كسب المعارك الكبيرة ضد التضخم. وسوف تظل البطالة الممتدة من تراث جائحة فيروس كورونا لفترة من الزمن، بصرف النظر عن حجم المكاسب التي حققها الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، وهذه من الحقائق الاقتصادية والسياسية المعروفة.
تعد هذه التغيرات، إلى حد ما، ردة فعل ضد التركيز المفرط على السيطرة على الأسعار. وفي حالة إندونيسيا والبرازيل، فإنها تعكس إعادة تنظيم المؤسسات على غرار ما يفضله صندوق النقد الدولي. فقد أعيدت صياغة الحوكمة في إندونيسيا، على سبيل المثال، بعد الانهيار المالي في عام 1998، ولقد امتدت آثار إعادة ترتيب الحياة العامة إلى تحديد سعر النقود.
بدأت المشاجرات حول غنائم انخفاض معدلات التضخم ومحاولات التأقلم المفرطة تتكشف الآن. ومن الصعب للغاية أن تنأى بنفسك عن حالة التساهل الشديدة، لا سيما عندما تتطفل بنفسها على الساحة المالية. وتبرر الظروف الراهنة الإبداع والابتكار. غير أن هذا لا يجعل من السهل العودة إلى صورة من صور الحياة الطبيعية، بصرف النظر تماماً عما يعنيه ذلك.

دانيال موس

كفاءة توزيع اللقاح وتنشيط الاستثمار

تناول تقرير «الآفاق الاقتصادية العالمية 2021» التطورات الاقتصادية الدولية؛ إذ أشار إلى أنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 4 في المائة عام 2021، بافتراض أن التوزيع الأولي للقاحات وباء «كوفيد19» سيصبح واسع الانتشار خلال عام 2021؛ إذ يؤكد البنك الدولي أن التعافي سيكون ضعيفاً على الأرجح؛ ما لم يتحرك صانعو السياسات بقوة لكبح جماح الجائحة وتطبيق إصلاحات لتعزيز الاستثمار والتجارة بوصف ذلك محركاً للنمو والفرص كما كانت من قبل ولفترة طويلة والمتغيرات الاقتصادية الكلية الأخرى.
ورغم أن الاقتصاد العالمي ينمو مجدداً في 2021، فإن الجائحة تسببت في خسائر فادحة من الوفيات والإصابات، ودفعت بالملايين نحو الفقر، وتقلص النشاط الاقتصادي والدخل لفترة طويلة. وتتمثل قمة الأولويات على صعيد السياسات في الأمد القريب، في السيطرة على انتشار الفيروس وضمان سرعة وعدالة توزيع اللقاحات على نطاق واسع. ومن أجل دعم التعافي الاقتصادي، ستحتاج الدول أيضاً إلى تنشيط الاستثمار الذي يهدف إلى نمو أقل اعتماداً على سياسة الدين الحكومي؛ إذ يواجه صانعو السياسات تحديات في الصحة العامة؛ وفي المقدمة عدم الكفاءة والعدالة في توزيع اللقاحات، وإدارة الدين، وسياسات الموازنة، وأنشطة البنوك المركزية والإصلاحات الهيكلية، في الوقت الذي يسعون فيه لضمان أن يكتسب هذا التعافي العالمي؛ الذي ما زال ضعيفاً، قوة دفع ويرسي الأساس لنمو قوي. ومن أجل التغلب على تأثيرات الجائحة ومكافحة العوامل التي تؤثر على مناخ الاستثمار، هناك ضرورة ملحة لتحسين بيئة الأعمال، وزيادة مرونة أسواق العمل والمنتجات، وتعزيز الشفافية والحوكمة.
وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن انهيار النشاط الاقتصادي العالمي في 2020 كان أقل شدة مما كان متوقعاً، وذلك لأسباب؛ على رأسها الانكماش الأقل حدة في الاقتصادات المتقدمة والتعافي الأكثر قوة في الصين. في المقابل، فإن تراجع النشاط في معظم اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية كان أكثر تأثيراً مما كان متوقعاً؛ إذ هناك حاجة لمعالجة الهشاشة المالية في كثير من تلك الدول، ويبين التقرير أن التوقعات ما زالت تتسم بارتفاع حالة عدم اليقين، وأن اختلاف نتائج النمو يظل محتملاً؛ إذ يشير سيناريو سوء الأوضاع، الذي ينطوي على استمرار ارتفاع الإصابات والتأخر في توزيع اللقاحات، إلى احتمال تقييد النمو العالمي عند 1.6 في المائة خلال 2021. في الوقت ذاته، يشير سيناريو تحسُن الأوضاع، الذي ينطوي على النجاح في السيطرة على الجائحة وتسارع عملية توزيع اللقاحات، إلى أن النمو العالمي قد تتسارع وتيرته بمعدل يصل إلى 5 في المائة، وفقاً للبنك الدولي.
وفي الاقتصادات المتقدمة، تعثر الانتعاش في الربع الثالث من عام 2020 عقب ارتفاع الإصابات، مما يشير إلى بطء التعافي ومواجهة كثير من التحديات. ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 3.5 في المائة خلال 2021، بعد انكماشه بمعدل 3.6 في المائة خلال 2020. وفي منطقة اليورو 3.6 في المائة، بعد انخفاضه بمقدار 7.4 في المائة خلال 2020. ومن المتوقع أن ينمو النشاط في اليابان، التي شهدت انكماشاً بنسبة 5.3 في المائة خلال عام 2020، بمعدل 2.5 في المائة خلال 2021. وتوقع البنك الدولي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية، بمعدل 5 في المائة خلال 2021، بعد انكماشه 2.6 في المائة عام 2020. بينما يتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني 7.9 في المائة بعد تسجيل معدل نمو يصل إلى اثنين في المائة. وباستثناء الصين، من المتوقع أن تنمو اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية بنسبة 3.4 في المائة خلال 2021، بعد انكماشها بنسبة 5 في المائة خلال 2020.
ويستعرض تقرير «الآفاق الاقتصادية العالمية» الكيفية التي فاقمت بها الجائحة المخاطر المحيطة بتراكم الديون؛ والكيفية التي قد تكبح بها النمو على المدى الطويل في ظل غياب جهود الإصلاح المنسقة، وما المخاطر المرتبطة باستخدام برامج شراء الأصول بوصفها أداة للسياسة النقدية في اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية. لقد زادت الجائحة على نحو كبير من مخاطر الديون في اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية؛ وستؤدي آفاق النمو الضعيف إلى زيادة أعباء الديون وتآكل قدرة المقترضين على خدمة أعباء الديون. ويحتاج المجتمع الدولي للتحرك سريعاً، وأن يضمن ألا ينتهي تراكم الديون بسلسلة من أزمات الدين. ولعله من المتوقع أن تخلف الجائحة آثاراً معاكسة مستمرة على النشاط العالمي، وتؤدي إلى تفاقم التباطؤ في النمو العالمي مستقبلاً بسبب نقص الاستثمار، وانخفاض التوظيف، وتراجع القوى العاملة في كثير من الاقتصادات المتقدمة، ما لم ينفذ صانعو السياسات إصلاحات شاملة تحسن المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي المنصف والمستدام.
ويحتاج صانعو السياسات إلى مواصلة الحفاظ على التعافي، والتحول تدريجياً من دعم الدخل إلى سياسات تعزيز النمو. وفي الأمد الأطول، في اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية، ستساهم السياسات الهادفة إلى تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، والبنية التحتية الرقمية، والقدرة على الصمود في وجه تغير المناخ، وممارسات الشركات والحوكمة، في تخفيف الضرر الاقتصادي الناجم عن الجائحة، والحد من الفقر وتعزيز الرخاء المشترك. وفي حال الضعف في مراكز المالية العامة وارتفاع الدين، فإن الإصلاحات المؤسسية التي تستهدف تحفيز النمو الذاتي تكتسب أهمية خاصة. وتستخدم البنوك المركزية في بعض اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية برامج شراء الأصول استجابة لضغوط الأسواق المالية، وبعد توجيه تلك البرامج إلى معالجة إخفاقات الأسواق، بدا أنها تسهم في تحقيق استقرار الأسواق المالية خلال المراحل الأولى من الأزمة. لكن في الاقتصادات التي تستمر فيها عمليات شراء الأصول في التوسع ويتبين أنها تمول عجز الموازنة، فإن تلك البرامج تؤدي إلى الحد من استقلالية البنك المركزي، وتهدد بإضعاف العملة، مما يؤدي لإزالة الدعائم التي قامت عليها توقعات التضخم.
وفي إطار موقف البنك الدولي في النظر للتطورات في الأجزاء الأخرى بالعالم، فإنه، في شرق آسيا والمحيط الهادي، من المتوقع أن يتسارع معدل النمو في المنطقة إلى 7.4 في المائة خلال 2021، وفي أوروبا وآسيا الوسطى ينمو بنسبة 3.3 في المائة، وفي أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، ينمو بنسبة 3.7 في المائة، بينما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ينمو النشاط الاقتصادي بنسبة 2.1 في المائة في العام الحالي. وفي جنوب آسيا، ينمو النشاط الاقتصادي بنسبة 3.3 في المائة. وأخيراً أفريقيا جنوب الصحراء، يتجه النشاط الاقتصادي إلى الارتفاع بنسبة 2.7 في المائة.
وفي الختام؛ لا بد من الانتباه إلى أنه سيواجه بعض الاقتصادات الناشئة ومعظم الدول منخفضة الدخل، خطر تدني معدلات النمو ما لم تصاحبها إصلاحات حقيقية مع توفر اللقاحات والكفاءة في عدالة توزيعها.

د. ثامر محمود العاني

* مدير إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية
– أستاذ الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد سابقاً