منذ أن بدأت الثورة الصناعية، أصبحت كل الدول، التي لم يحالفها الحظ في امتلاك احتياطيات نفطية ضخمة، ثرية من خلال طريقة واحدة هي الاستفادة من التصنيع، حيث أصبحت دول مثل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية جميعها من الشركات المصنّعة العالمية قبل وقت طويل من بدء اقتصاداتها في التحول نحو تقديم الخدمات. وفي الآونة الأخيرة، قام عدد جديد من البلدان التي تعد إلى حد كبير متقدمة، بما في ذلك ماليزيا وبولندا والصين ورومانيا وتايلند والمكسيك، أيضاً بتعزيز قدراتها التصنيعية.
وقد جادل خبراء اقتصاديون مثل هاهون تشانغ وداني رودريك، وكتَّاب مثل جو ستادويل، بأن الترويج للصادرات الصناعية هو أمر حاسم لهذا النوع من التنمية، وفي ورقة بحثية في 2008، تحدث رودريك عن الكثير من الحالات التجريبية والنظرية التي تصب في صالح السياسات الصناعية، وقال، في الورقة، إن «التنمية تتعلق بشكل أساسي بالتغيير الهيكلي نحو إنتاج منتجات عالية القيمة قابلة للتصدير، والتي يميل معظمها إلى أن يكون سلعاً مصنَّعة»، كما أن المنافسة في أسواق التصدير تُجبر منتجي البلاد على زيادة الإنتاجية، وتمكّنهم من اعتماد تكنولوجيات أجنبية متقدمة.
ويحاول عدد من الدول الفقيرة وضع هذه الفكرة في حيز التنفيذ، وهناك مثالان بارزان هما فيتنام وبنغلاديش اللتان شهدتا نمواً هائلاً في السنوات الأخيرة، حيث يبدو وضعهما الصناعي مناسباً تماماً للبلدان الموجودة في الدرجة الأولى من سلم التصنيع، وأهم صادرات فيتنام هي الإلكترونيات والملابس، في حين أن أهم الصادرات في بنغلاديش هي الملابس والمنسوجات.
ولكن ما يثير القلق هو أن رودريك ظل يجادل منذ عدة سنوات بأن فرص التنمية الناجحة المدفوعة بالتصنيع قد انتهت. وفي ورقة في 2016 بعنوان «هل انتهى عصر معجزات النمو؟»، قال رودريك إن دولاً مثل الصين وماليزيا ستكون آخر من استخدم التصنيع للقفز من الفقر إلى الثراء.
ولاحظ رودريك أنه في الوقت الذي تحول فيه معظم البلدان في نهاية المطاف من التصنيع إلى تقديم الخدمات بعد أن أصبحت دولاً غنية، فإنه في العقود الأخيرة، كان هذا التحول يحدث في وقت أبكر بكثير، حيث إن العديد من البلدان الآن قد بدأت في التحول بالفعل بعيداً عن التصنيع قبل أن تصبح دولاً صناعية بشكل كامل.
ويبدو أن هناك أبحاثاً أخرى قد وثّقت ظواهر مماثلة، فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أعدها الاقتصاديون دوغلاس غولين، وريمي جداب، وديتريش فولراث، في 2015، أن التحضر في كثير من البلدان النامية يعني انتقال الفقراء من العمل في المزارع للعمل في الخدمات المحلية لا في المصانع.
وبالنسبة إلى دول مثل فيتنام وبنغلاديش، فهذه تعد أخباراً سيئة، ففي حال كان رودريك على حق، فإنه قد يتبخر التفوق البارز في مجال التصنيع الموجود لديهما في الوقت الحالي، كما أنهما ستجدان نفسيهما على خطى بلدان مثل إندونيسيا ونيجيريا والبرازيل، والتي تتراجع فيها نسبة التصنيع من الناتج المحلي الإجمالي.
ولكن ما سبب هذا التراجع في الصناعة؟ هناك تفسير واحد واضح وهو الأتمتة (أي استخدام الكومبيوتر والأجهزة المبنية على المعالجات والبرمجيات في مختلف القطاعات)، فإذا حلّت الروبوتات محل الطرف الأخير من سلسلة التوريد، فإن العمال الفقراء وغير المهرة الذين عادةً ما يشغّلون الصناعات البسيطة، مثل صناعة الملابس والألعاب وتجميع الإلكترونيات، لم يعد لديهم ميزة نسبية في التصنيع، ولذا فإن البلدان الفقيرة قد باتت تهتم بتصدير الموارد الطبيعية والخدمات المنخفضة القيمة مثل مراكز خدمة العملاء، تاركةً للبلدان المتقدمة التي لديها الأدوات والآلات والروبوتات عملية تصنيع المنتجات.
ولكن هناك أسباب وجيهة للتشكيك في حقيقة حدوث ذلك، فالصلة بين الأتمتة والعمالة تبدو ضعيفة، حيث وجدت بعض الدراسات أنه صحيح أن الروبوتات الصناعية يمكنها أن تحل محل العمال البشر، ولكن ترى دراسات أخرى أن هذه الروبوتات تزيد من فرص العمل أيضاً، بما في ذلك بين العمال من ذوي المهارات المنخفضة.
والأهم من ذلك، فإنه بالنظر إلى توقيت تراجع الصناعة فإننا ندرك أن فكرة رجوع هذا التراجع في بعض البلدان إلى التكنولوجيا هو أمر خاطئ، وذلك لأنه قد حدث الكثير من حالات تراجع التصنيع المبكرة، والتي سجّلها رودريك، بما في ذلك في نيجيريا والبرازيل، في الثمانينات والتسعينات، ولكن في نفس الوقت بالضبط، كانت الصين تزيد من قدراتها التصنيعية في الصناعات الكثيفة العمالة، كما كانت تبدأ معجزة النمو الخاصة بها، ولذلك فإنه يبدو من المرجح أن هناك أسباباً أخرى في البلدان التي انخفض فيها التصنيع.
وقد يكون لدى كثير من هذه البلدان ببساطة تصنيع مختلّ وظيفياً أو غير مكتمل، ففي أفريقيا، على سبيل المثال، استخدم عدد من البلدان سياسة الاعتماد على الواردات، حيث قامت بالاعتماد على التجارة ومحاولة تصنيع سلعها الخاصة فقط، وغالباً ما تستخدم المصانع غير الفعالة المملوكة للدولة في ذلك، وقد استخدمت البرازيل نهجاً مماثلاً، ولكنّ هذا يختلف تماماً عن نوع السياسة الصناعية التي تركز على الصادرات، والتي تدعم الإنتاجية، والتي يوصي بها رودريك أو تشانغ أو ستودويل، فعندما تخلت البلدان الفقيرة عن العوامل الدافعة للتصنيع، فإنها قد فتحت حدودها أمام الواردات، مما أهلك الصناعة المحلية غير الفعالة.
وبالإضافة إلى الأخطاء السياسية، فإنه ربما تكون الصناعة في الصين قد لعبت دوراً في ذلك، حيث إنه ربما تسببت هذه الصناعة الضخمة في هذا البلد الضخم في تحول الشركات متعددة الجنسيات بعيداً عن المنافسين الأبطأ مثل إندونيسيا، مما أدى إلى خنق صناعاتها الناشئة، حيث وجد رودريك أنه في المتوسط، لم تشهد دول شرق آسيا تجربة تراجع التصنيع بشكل مبكر مثل نظيراتها في مناطق أخرى من العالم.
وقد تكون النظرية الاقتصادية التي ابتكرها ماسيسا فوغيتا وأنتوني فينابلز، هي المفتاح لفهم سبب حدوث ذلك، حيث توقعا أنه مع تطور الاقتصاد العالمي، فإن المناطق المختلفة تتجه إلى التصنيع، واحدة تلو الأخرى، وإذا كان هذا صحيحاً، فإنه لن يكون لدى الدول الأخرى أي خيار سوى الانتظار حتى تنتهي الصين من معجزة النمو الخاصة بها قبل بدء معجزتها الخاصة.
واليوم بفضل الارتفاع السريع في تكاليف الصناعات الصينية، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ورغبة الشركات المتعددة الجنسيات في التنويع في مواجهة تهديدات مثل فيروس «كورونا»، فإنه قد حان الوقت لبلدان مثل فيتنام وبنغلاديش لتبني الكثير من الصناعات كثيفة العمالة، وحتى البلدان التي تم تراجع التصنيع فيها، مثل إندونيسيا، فقد تحصل الآن على فرصة ثانية، فحتى اليوم يجب على الدول الفقيرة ألا تتخلى عن حلمها في التنمية القائمة على التصنيع.
أرشيف التصنيف: المقالات العامة
هل مَن يسمع الخوارزمي والكندي؟
واجه انتشار وباء كورونا قادة الدول الكبرى بامتحان كان بعيداً عن الاذهان. آلاف القتلى من فيروس بالكاد يمكن رؤيته في ايطاليا، واسبانيا، وفي الصين حيث ظهر الوباء وإن حققت اجراءات الاحتياط ضبط انتشاره بسرعة كان منها انشاء مستشفى خاص بطاقة 1200 سرير واجهزة تنفس خلال اسبوعين.
اليوم تعتبر مجلة “الايكونوميست” ان وباء كورونا يشكل اكبر قضية انسانية، وفي الوقت عينه سيدفع البلدان الصناعية الى جبه مشاكل اقتصادية ومالية كبرى لن يكون من السهل تجاوزها، وعلى صعيد التقلبات الجيوسياسية والاقتصادية تبدو الصين مرشحة لاحتلال الموقع الاقتصادي والتقني الأهم عالمياً مع حلول العام 2030، والولايات المتحدة التي بدأت تعاني من مشاكل اقتصادية ومن قيادة ترامب المتأرجحة ومحاولته تخفيف اجراءات الحماية كي لا ينخفض الدخل القومي الاميركي بنسبة 5-8 في المئة اذا استمر الوباء فترة ثلاثة اشهر، وحينئذٍ لن يكون انتصار ترامب الجمهوري على بايدن الديموقراطي سهلاً، وقد تنكفىء الولايات المتحدة عن مواجهة الدول الصناعية والنفطية بمطالب فوقية.
وبحسب “الايكونوميست” ان الخسائر الاقتصادية فرضت على الحكومات المعنية تخصيص مبالغ ضخمة لانقاذ المصارف والكثير من المؤسسات الصناعية، وان الكونغرس أقر تأمين تريليونَي دولار لأهداف التغلب على الازمة المالية والاقتصادية. وكانت فرنسا من اوائل الدول المتقدمة التي خصصت 330 مليار أورو او ما يعادل 360 مليار دولار لمواجهة اعانة الموظفين على حيازة معاشاتهم او النسبة الاهم منها، مع تفشي البطالة، كما اقرت السوق الاوروبية برامج دعم للعمال والمؤسسات والمصارف بقيمة 880 مليار أورو اي ما يزيد على 960 مليار دولار.
اضافة الى الخطوات المقررة، ترى “الايكونوميست” ان معالجة الازمة ستفرض توافر قروض ميسرة وتسهيلات لشركات رئيسية متعثرة في العالم الصناعي تقترب من 18.6 تريليون دولار، وهذا مبلغ يتجاوز ما خصصته البلدان المعنية لمواجهة الازمة المالية التي تفجرت عام 2008 وأدت الى تخصيص 5.5 تريليونات دولار في الولايات المتحدة لانقاذ المصارف وشركات التأمين وشركات تصنيع السيارات والطائرات. وبلغت تسهيلات المصرف المركزي الاوروبي 5.6 تريليونات دولار. وكانت اليونان حصلت على 330 مليار أورو معظمها من المصرف المركزي الاوروبي للتغلب على ازمتها المالية والاقتصادية، وقد بدأت بالفعل في السنتين المنصرمتين الخروج من ازمة المديونية وتفشي البطالة. وكان لموسم السياحة عام 2019 تأثير ايجابي كبير. المصارف السويسرية الرئيسية، احتاجت الى الانقاذ وكذلك مصارف ايطالية كثيرة وشركات استثمارية ترسّخت في لندن من الولايات المتحدة، والمانيا، وفرنسا وحتى الدول العربية حيث كان ولا يزال للكويت صندوق الاجيال المقبلة المؤسَّس من الستينات، وقرض لانقاذ “بنك بركليز” بلغت قيمته 12 مليار جنيه استرليني.
استناداً الى تقديرات “الايكونوميست” فان القطاع الوحيد الذي سينجو من الضمور بل سيحقق نجاحاً ملحوظاً هو شركات التحكم بالذكاء الاصطناعي. فهذه الشركات باتت لديها برامج لتأمين الخدمات المنزلية وخدمات التسوق واستكشاف الامراض الرئيسية، وكل ذلك حصيلة التحكم التقني بالذكاء الاصطناعي.
طبعاً نحن لا نطمح الى تكريس الذكاء الاصطناعي لمواجهة ازمتنا. فالعقل السياسي اللبناني لم يتفق على خطة انقاذ سوى اعتماد وسائل السطو المقونن على مدخرات اللبنانيين وكأن هذه المدخرات تحققت من نهب الثروات في لبنان، والواقع ان ثروات الناهبين اصبحت في الخارج وليس من السهل استعادتها حتى من البلدان التي عانت عام 2008 مصاعب مالية واقتصادية مثل سويسرا وانكلترا. وسويسرا استعادت ثقة العالم بسياساتها ونظامها المصرفي ووضوح قوانينها بحيث صارت تحتوي على ثلث الثروة النقدية والذهبية العالمية.
تقدير “الايكونوميست” ان استمرار ازمة الوباء شهرين او ثلاثة سيؤدي الى انتقاص الدخل القومي في البلدان الصناعية بأكثر من 20 في المئة والى ضخ 18-20 تريليون دولار في العمليات الانقاذية للعمالة والخدمات العامة والصناعات الاساسية كصناعات الادوية، والطائرات، والسيارات والعناية بشؤون البيئة.
بالطبع السياسيون اللبنانيون بعيدون عن تلمّس فرص النجاح التكنولوجي عبر الانخراط في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقد صدر كتاب حول تطورات الذكاء الاصطناعي وضعته اختصاصية اميركية شابة اسمها Amy Webb وهي متمرسة في علوم برامج الذكاء الاصطناعي، وقد اعطت الكتاب الواقع في 320 صفحة تسمية تعبّر عن محتواه، اي العمالقة التسعة The Big Nine. وبحسب تحليل المؤلفة هنالك تسع شركات مندمجة في برامج تطوير الذكاء الاصطناعي للانتقال من البرامج الاولية التي تمحورت على تطوير ادوات التحليل الرقمي التكنولوجي الذي يطاول عشرات آلاف المعطيات للوصول الى آلات التحليل التي يمكنها ان تتجاوز البرامج الموضوعة من الاختصاصيين، والتي ترتكز على التحليل الذاتي، اي الانتقال من الذكاء الاصطناعي الاولي، الى الذكاء الاصطناعي الواسع واخيراً الى الذكاء الاصطناعي العلمي، وهي تعتبر ان المرحلة الاخيرة، اي تطوير ادوات التفكير الذاتي ووضع البرامج المتقدمة، سيستغرق 70 سنة على الاقل.
كي لا يتفاجأ القارىء بتصورات المؤلفة فهي تعتبر ان بداية الذكاء الاصطناعي كانت في الستينات مع تطوير القدرات الرقمية والتحليلية للمنتجات الالكترونية. وكان ذلك عبر جمع 60 من علماء الادمغة الالكترونية في جامعة Dartmouth في الولايات المتحدة، وبعد تحقيق خطوات في تطوير ما يسمى الـ Algorithm توقف التطوير.
العودة الى محاولة توسيع قدرات ادوات الذكاء الاصطناعي بدأت من جديد بعد فوز جهاز مصنّع من شركة IBM بمسابقة مع بطل العالم في لعبة الشطرنج عام 1996، وكانت هنالك محاولات سابقة للتغلب على اصول لعبة مشابهة ألّفها الصينيون منذ 3000 سنة، وهذه الرياضة الفكرية كانت تستدعي التركيز على مختلف اوجهها لسنوات، ولم يتم التغلب على اختصاصي اللعبة الصينية المسماة Go إلا في اواخر التسعينات حين استطاع جهاز متطور للذكاء الاصطناعي يشمل مرونة التفكير بعدد من الحلول في الوقت ذاته واختيار الحل التلقائي، ومذذاك اصبح هناك شركات صينية ثلاث تنافس الشركات الاميركية. والشركات الاميركية المنصبة جهودها على تطوير الذكاء الاصطناعي هي: IBM, Microsoft, Google, Apple, Amazon, Facebook. في المقابل الشركات الصينية الثلاث هي Tencent, Baidu, AliBaba. وجدير بالذكر ان شركة AliBaba الصينية هي التي ساهمت في اطلاق شركة Google ولا زالت تحتفظ بـ22 في المئة من اسهمها، وهي الشركة المساهمة الاساسية.
يمكننا الخوض بمعلومات كثيرة نطلع عليها في الكتاب، ونكتفي هنا بالاشارة الى بعض استخلاصات الكتاب وعدد من معلوماته الرئيسية.
بحسب المؤلفة ان فريق الشركات الصينية سيربح معركة التنافس وسيحتل المركز الاول بين الشركات التسع عام 2030 وذلك لان الحكومة الصينية توفر الدعم المعنوي والمالي، واقرت برنامجا لاستقبال العلماء الصينيين من مختلف بلدان العالم وخصوصا من الولايات المتحدة، وهم يوفرون معاشا سنويا لكل عالم على مستوى 150 الف دولار، والسكن وتوفير العمل لزوجته إن كان متأهلاً، وميزانية لابحاث كل عالم تراوح ما بين 440 الف دولار و800 الف دولار. وقد اعلن الرئيس الصيني في خطاب عام 2017 ان الصين تخطط لاحتلال الموقع الرقم 1 في جميع مجالات عمل الذكاء الاصطناعي، وربما يهم اللبنانيين معرفة الامر التالي الا وهو كيفية استعادة الاهتمام بالذكاء الاصطناعي عبر نشاط ثلاثة افراد احدهم استاذ لعلوم الكومبيوتر في جامعة تورونتو، والثاني خبير في علوم الذكاء الاصطناعي يعمل لدى شركة IBM، والثالث شاب من اصل سوري اسمه مصطفى سليمان، والده كان سائق تاكسي في لندن ووالدته تعمل في النظام الصحي البريطاني.
وُلد مصطفى سليمان عام 1984. درس في Mansfield College في اوكسفورد وترك الكلية قبل التخرج ومن ثم تشارك مع الخبيرين المذكورين في تأسيسس شركة اسمها Deep Mind تعمل في برامج الذكاء الاصطناعي، وقد توصلت الى انجاز اتفاق خدماتي موسع مع نظام التغطية الصحية في بريطانيا، ولفت هذا العقد شركة Alpha Bet الصينية التي ابتاعت الشركة بـ 400 مليون جنيه استرليني.
قبل الانتهاء من هذا السرد نلخص ما تتوقعه مؤلفة الكتاب من مراجعتها للبرامج الاميركية والصينية في مجالات الذكاء الاصطناعي.
تقول المؤلفة ان مسيرة تطوير الذكاء الاصطناعي تتماشى مع مساعي الصين الحثيثة لاحتلال موقع الصدارة في هذا المضمار عالميا. تحاول الصين تجاوز مشاكل العلاقات التجارية والحصول على مركز الصدارة في النجاح الاقتصادي بتجاوز الاميركيين، وتطوير قدرات التصنيع واحتلال موقع رئيسي في الخريطة الجيوسياسية في العالم سواء بالنجاح الكبير او القوة العسكرية، او اعطاء مثال اجتماعي وتكريس الجهود لانجاح مساعي الحفاظ على البيئة عالميا.
نقرأ كل هذا في مجلة “الايكونوميست” وفي كتاب Amy Webb ولا نحرك مساعي التواصل والتفاهم مع الصينيين في مجالات تسيير المرافىء، بناء المصافي، امدادات الكهرباء، جعل بيروت المركز المالي لتجارة الصين مع المنطقة وبناء حقل كبير مع مصرف لبنان لانتاج الكهرباء من الالواح الزجاجية في البقاع.
هل مَن يقرأ…هل مَن يسمع؟!
مروان اسكندر
الشرق الأوسط ورؤوس الأموال الأجنبية
تحتل دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مساحة شاسعة في قلب العالم، بعدد سكان يفوق ٤٠٠ مليون نسمة بمعدل أعمار منخفض نسبيا يتحدثون لغات عدة ويملكون ثقافات متعددة وتحتوي بلدانهم من الإرث التاريخي العريق ما قد يوازي ما تملكه بقية دول العالم. ويضاف إلى ذلك كله كم هائل من الموارد الطبيعية من النفط والمعادن والأراضي الزراعية والأنهار الجارية. ولكن مع كل هذه المؤهلات الاقتصادية، لا تبدو الأرقام عاكسة لها.
فاقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تشكل نسبة كبيرة من حجم الاقتصاد العالمي، فمن حجم الناتج الإجمالي العالمي الذي يتجاوز ٨٦ تريليون دولار، لا يشكل اقتصاد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر من ٣.٦ تريليون دولار، أي ما يزيد بقليل على ٤ في المائة. ولعل البيئة التجارية وسهولة أداء الأعمال أحد أكبر الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة. والمتأمل في مؤشر سهولة الأعمال الصادر مؤخرا يرى أن خمس دول فقط من دول الشرق الأوسط تحتل مركزا من المراكز السبعين الأولى، وذلك ضمن ١٩٠ دولة.
وقد يقول قائل إن حالة المنطقة هي السبب في هذه التصنيفات وذلك مع التقلبات السياسية الحاصلة فيها بما فيها من حروب مأساوية. والواقع أن هذا الرأي صحيح إلى حد ما، ولكنه ليس السبب الأهم في انخفاض التصنيف لدول الشرق الأوسط بحسب المؤشرات المتبعة فيه. فالمطلع على التصنيفات يجد مؤشرات يغلب على أكثرها الطابع التشريعي، بما في ذلك من سهولة استخراج تصاريح البناء والرخص التجارية وسرعة وصول التيار الكهربائي للمنشآت، إضافة إلى أنظمة وعوامل تجارية أخرى مثل نظام الإفلاس وسهولة الحصول على تمويل وتوفر اليد العاملة الماهرة وغيرها. وغالبية هذه المؤشرات لا ترتبط مباشرة بالتقلبات الحاصلة في المنطقة، بل هي أساسيات تشريعية، لا يستطيع المستثمرون دخول الأسواق دون معرفة تامة بتفاصيلها.
وبسبب غياب هذه المعرفة، يلاحظ انخفاض نسبة الاستثمارات الغربية في دول الشرق الأوسط، حتى مع الأهمية الاستراتيجية لهذه الدول. فضمن استثمارات الشركات الأميركية المدرجة في سوق الأسهم، تشكل العوائد من دول الشرق الأوسط أقل من ٢.٤ في المائة، وتزيد هذه النسبة للشركات الأوروبية لتصل إلى ٥ في المائة، بينما تنخفض للشركات اليابانية إلى ١.٨ في المائة، وجميع هذه النسب تبدو متواضعة إذا ما قورنت بأهمية الشرق الأوسط. ومن ناحية مبيعات الشركات العالمية في السوق الشرق أوسطية، تبدو الأرقام موازية للضعف السابقة، فمبيعات السيارات في هذه الدول لا تزيد على ٢.٣ مليون سيارة مقارنة بـ٨٦ مليون سيارة في عام ٢٠١٨. أما القطاع المالي ورغم كونه قطاعا واعدا في الشرق الأوسط، إلا أن استثماراته الأجنبية ليست بما هو مأمول، فنشاطات المصارف الأميركية أقل من ٠.٥ في المائة من حجم أصولها. بل وحتى بعض الأسماء المعروفة في دول المنطقة مثل بنك (إتش إس بي سي)، لا تزيد استثماراتها على ٦٠ مليار دولار، من أصل موجوداتها التي تربو على ٢.٧ تريليون دولار. وينطبق هذا الأمر على عديد القطاعات، باستثناء قطاع الطاقة الذي تنتعش الاستثمارات الغربية فيه، فربع إنتاج شركة (توتال) الفرنسية يأتي من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، وشركة (إكسون موبيل) استثمرت مؤخرا ما يقارب ٦.٥ مليار دولار في الإمارات، طامحة إلى أن يصل إنتاجها اليومي من الإمارات وحدها إلى مليون برميل يوميا بحلول ٢٠٢٤. وكذلك هو الأمر لكبرى شركات النفط مثل أرامكو السعودية وغيرها من الشركات.
إن غياب الوضوح في التشريعات التجارية والأعمال أثر وبشكل كبير على دخول الاستثمارات الأجنبية في دول الشرق الأوسط، وإن كان التجار المحليون لا يمانعون هذا الغياب بمعرفتهم بالقوانين المحلية، إلا أن رؤوس الأموال الأجنبية تمانع انعدام الشفافية لدرجة تجعلها تحجم عن دخول الأسواق. وقد تدخل هذه الشركات في حال كان العائد مرتفعا مثل ما هو الحال في الصين مع ضخامة السوق الصيني الذي أغرى الشركات الأجنبية بالدخول لأسواقها حتى مع صعوبة الأنظمة الصينية، وهذا ما دعاها كذلك للدخول في الاستثمارات في قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط، أما في حال أرادت هذه الدول دخول الشركات الأجنبية في القطاعات الأخرى، ودون وسيط محلي يتحمل عنها الخطر، فالحل في تطوير التشريعات وتسهيلها على رؤوس الأموال، حتى تتمكن هذه الشركات من الدخول للأسواق، حاملة معها المنافع الاقتصادية مثل توفير الوظائف وغيرها، والمنافع السياسية مثل إيجاد مصالح تجارية للدول في المنطقة الشرق أوسطية.
د. عبدالله الردادي.
التغييرات في سوق النفط بسبب {كورونا}
حتى في أقصى تخيلاتي، لم أكن أتوقع أن أستمع إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب وهو يقول يوم الاثنين إنه يريد أن يرى أسعاراً أعلى للنفط، لأن السعر الحالي متدنٍ جداً!
هذا ليس إلا أحد التغييرات التي يشهدها سوق النفط اليوم، وهناك مزيد منها. لكن قبل الحديث عنها، أريد أن أوضح حقيقة، وهي أن الولايات المتحدة تاريخياً كانت تدافع عن أسعار نفط لا تضر بالمنتجين هناك، إلا أن الصورة الذهنية السائدة تاريخياً هي أن دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) هي فقط من يدفع العالم للحصول على أسعار أعلى.
وفي حرب أسعار الثمانينات، تدخلت الولايات المتحدة حينها، وبذلت جهوداً لرفع أسعار النفط، لكن الإعلام يتجاهل ما تفعله الولايات المتحدة لحماية مصالح منتجيها، وفي الوقت ذاته لا يتهاونون عندما تبذل باقي الدول المنتجة في العالم جهداً لحماية مصالحها وشركاتها. وأنا سعيد أن العالم كله اليوم بدأ يفهم ماذا تعني أسعار نفط منخفضة. إن أسعار النفط المنخفضة التي قد يفرح بها المستهلكون اليوم، سوف تترجم إلى أسعار نفط أعلى في المستقبل، إذا توقفت الاستثمارات في الحفر والتنقيب والإنتاج. ولتشجيع الاستثمار في القطاع، يجب الحفاظ على استقرار السوق وضمان أسعار تشجع على الاستثمار.
وهذا يقودنا للحديث عن أول التغييرات، إذ إن الولايات المتحدة، التي تغير دورها الآن بسبب كورونا، وأصبحت تلعب دور دول «أوبك» في التنسيق العالمي مع المنتجين، والدفاع عن أسعار أعلى وعادلة تساعد على استمرار الإنتاج. ويوم الاثنين أجرى الرئيس الأميركي اتصالاً أراه تاريخياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للحديث عن وضع الأسعار، واتفق الطرفان على أن أسعار النفط الحالية ليست في مصلحة البلدين، واتفقا على أن يُجري وزراء الطاقة في البلدين مشاورات حول السوق العالمية، بحسب ما ذكره المتحدث الرسمي للكرملين بالأمس.
التغير الثاني المهم، أن دول «أوبك» ذاتها بدأت تتحول إلى دور الولايات المتحدة من حيث التقيد بمبادئ السوق الحرة، وها هي السعودية وغيرها تنافس على حصص سوقية بطريقة عادلة، من خلال إعطاء تخفيضات واضحة على أسعار نفطها. لقد دعا كثير من الدول سابقاً أن تتبنى «أوبك» هذه السياسة، وأن تحرر سوق النفط، وينتهي دورها في الحفاظ على استقرار السوق، ويبدو أن القدر استجاب لمطالبهم، وانعكست الآية. وأتمنى أن يكون الجميع قد بدأ الآن في فهم أهمية دور «أوبك» للحفاظ على استقرار السوق، إذ لا تمتلك دولة أو مجموعة منتجين في العالم القدرة على إعادة الاستقرار للسوق، مثل ما تفعله «أوبك»، ولهذا من يقول بموت «أوبك» لا يفهم عمق دورها.
ولا أتصور أن هناك دولاً تقدر التنافس مع «أوبك» إذا تحول الجميع لاقتصاد السوق الحرة. ونحن نرى جدية السعودية في اتخاذ قرار الدفاع عن حصتها السوقية، بل تعظيمها كذلك، في ظل الانخفاض الكبير للطلب على النفط، الذي من المتوقع أن يصل إلى 20 مليون برميل يومياً خلال أسابيع قليلة، مع توقف حركة النقل عالمياً، إذا يستهلك قطاع النقل نحو 60 في المائة من الاستهلاك العالمي من النفط.
وسيتغير توزيع الحصص في السوق، ما يشهد الآن على جدية الأمر بالنسبة للسعودية، إذ إن بيانات الناقلات والشحن البحري تظهر أن المملكة صدّرت نحو 7 ملايين برميل يومياً خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر مارس (آذار)، وارتفع الرقم إلى 9 ملايين برميل يومياً في الأسبوع الأخير من مارس. وهناك الآن نحو 16 ناقلة عملاقة في رأس تنورة وينبع جاهزة لتحميل 32 مليون برميل، إضافة إلى 4 ناقلات عملاقة متجهة إلى الولايات المتحدة. وملأت السعودية صهاريج التخزين في سيدي كرير في مصر بنحو 1.3 مليون برميل لتجهيزها لسوق أوروبا. وعلى الأرجح، سوف تقدم «أرامكو السعودية» تخفيضات إضافية الأسبوع المقبل على النفط الذي ستبيعه في شهر مايو (أيار)، بحسب توقعات السوق.
هذا يقود للتغيير الثالث، وهو أن المخزونات النفطية بعد كورونا سوف ترتفع إلى مستويات أعلى من المستويات السابقة في 2016. والتي عانت «أوبك» وحلفاؤها في «أوبك+» لتقليصها على مدى 3 سنوات من الخفض الشاق والمؤلم. ولا يوجد مكان اليوم لتخزين النفط، حيث تبلغ الطاقة التخزينية العالمية 1.6 مليار برميل، وستشهد السوق ضخّ 1.8 مليار خلال النصف الأول. ولو أراد المنتجون الوصول إلى اتفاق جديد بعد كورونا، فإن الخفض الذي سيتم تقديمه أعلى بكثير من التخفيضات السابقة، وأشد صعوبة من حيث الالتزام، وسيتطلب هذا مشاركة لمجموعة دول أوسع من قبل.
وأخيراً، هل وعى كل المنتجون، بما فيهم روسيا، الذين عارضوا قرار «أوبك» والسعودية بطلب تخفيض إضافي قدره 1.5 مليون برميل يومياً، كل هذا؟ سيحتاج المنتجون إلى بذل جهد أكبر بعد كورونا لإعادة الاستقرار للسوق، في انتظار ميلاد نظام عالمي جديد للنفط، أم ستعود الأمور إلى سابق عهدها، ويُلقي الجميع الحمل على «أوبك» وحدها.
وائل مهدي
خطأ حسابات موسكو والرياض يجعل من انهيار النفط اختبار صعب لتحالف أوبك+
يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه توسط في صفقة بين السعودية وروسيا تتضمن تخفيضات كاسحة على إنتاج النفط. الرياض دعت إلى محادثات طارئة، وموسكو تقول إنها لم تعدد تخطط لزيادة الإنتاج في معركة على الحصة السوقية.
لكن يبقى السؤال: حتى إذا توصل أكبر ثلاثة منتجين في العالم إلى اتفاق غير مسبوق لكبح إنتاج النفط، هل يمكن لأي صفقة أن تحجب ما يكفي منه في الوقت الذي قضى فيه فيروس كورونا على ثلث الطلب العالمي على الخام؟
غير أن شيئا واحدا أضحى واضحا: بعد أن أخذت أسعار النفط في الأشهر الثلاثة الأخيرة بعض أشد انحناءاتها في التاريخ، فإن التحرك في مواجهة ذلك سيكون اختبارا صعبا، إن لم يكن مستحيلا، لتحالف أوبك+، التجمع غير الرسمي الذي دعم أسعار الخام لثلاث سنوات إلى أن انهار اتفاقه في مارس آذار.
يقول مصدر في أوبك أحيط علما بسياسة النفط السعودية إن حجم التراجع في الطلب قد يتطلب تحركا يتجاوز المدى الذي يمكن لمجموعة أوبك+ أن تمضي إليه منفردة. وقال ”هذا وضع استثنائي يتطلب إجراءات استثنائية.“
تراجع الطلب على النفط بما يصل إلى 30 مليون برميل يوميا، بما يقارب إنتاج السعودية وروسيا والولايات المتحدة معا.
يتجاوز التراجع أيضا إجمالي إنتاج جميع أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول، التي ظلت لعقود اللاعب الأكثر نفوذا في سوق النفط.
وكتب مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية هذا الأسبوع ”حجم الاضطراب الحالي يفوق قدرة أوبك على إعادة توازن الأسواق بمفردها.“
وتابع ”هناك حاجة ملحة إلى تعاون دولي أكبر،“ متوقعا أن تعاني الولايات المتحدة والمنتجون الآخرون من ذوي التكلفة المرتفعة.
لم تطلب السعودية ولا روسيا بشكل مباشر من الولايات المتحدة – التي أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم بفضل ثروة النفط الصخري التي ساعدها دعم أوبك+ للأسعار – المشاركة في أي تخفيضات للإنتاج، وهو ما تحظره قوانين مكافحة الاحتكار الأمريكية.
لكن، في الواقع، قد تكون مشاركة أمريكية ما ضرورية في أي اتفاق إذا كان من المأمول له أن يحدث أثرا على مستوى العوامل الأساسية للسوق.
خطأ في الحسابات
يقول كيريل دميترييف، أحد كبار مفاوضي النفط الروس ورئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، في تصريحات لرويترز ”إذا زاد عدد أعضاء أوبك+ وانضمت دول أخرى، ثمة إمكانية لاتفاق مشترك من أجل موازنة أسواق النفط.“
لكن طريقة الاستجابة تجدد سجالا مريرا اندلع أوائل مارس آذار في فيينا، حيث شبت الخصومة بين موسكو والرياض وانهار اتفاق أوبك+ لتقييد المعروض على نحو مفاجئ.
فقد دعت السعودية إلى تخفيضات إضافية عميقة، قائلة إنها لم تعد مستعدة لتحمل العبء الأكبر للتخفيضات وإنها ترغب أن يتحمل الآخرون – مشيرة بوضوح إلى روسيا – حصة أكثر تناسبا.
وردت موسكو بأن تعميق التخفيضات لن يكون منطقيا لحين اتضاح المدى الكامل لتداييات فيروس كورونا، في ضوء أن إجراءات مكافحة الفيروس تكاد توقف النشاط الاقتصادي في أنحاء العالم، لينحدر بشدة الطلب على وقود الطائرات والبنزين والديزل.
وبدلا من إيجاد طريقة لتجاوز خلافاتهما، أخطأ كلاهما في قراءة مدى عزم الأخر التمسك بموقفه. وحتى في ظل العواقب السلبية على الأوضاع المالية للبلدين، غادرا الاجتماع متعهدين بفتح الصنابير واقتناص الحصص السوقية مما أسفر في النهاية عن انهيار أسعار النفط.
وقال مصدر نفطي روسي محنك ”أخطأت روسيا حساب رد الفعل السعودي.. لم تعتقد موسكو قط أن السعوديين قد يهددون بزيادة الإنتاج لهذه الدرجة الكبيرة. ظننا أنهم سيواصلون فحسب العمل بالتخفيضات القائمة.“
أما السعودية فأخطأت تقدير مدى انهيار الطلب على النفط والذي دفع أسعار الخام إلى أدنى مستوياتها فيما يقرب من 20 عاما.
أدركت الرياض سريعا أنه، في سوق مترعة بالخام، حتى المشترون الذين يمكن التعويل عليهم لا يرغبون في المزيد وأن تخفيضات الأسعار الكبيرة لن تغير هذا الوضع. فقد نأت شركات النفط الرئيسية وكبرى الدول المستهلكة عن شراء الشحنات الإضافية.
ادعاء النصر
قد يكون أمام كلا الطرفين الآن فرصة لإعادة النظر – وربما سبيل لادعاء أن كلا منهما كان على صواب. ففي حالة التوصل إلى اتفاق، تستطيع الرياض أن تقول إن ضخ مزيد من الخام أجبر روسيا على العودة إلى الطاولة. وبوسع موسكو، إذا انضم آخرون، أن تقول إن أثر الفيروس تجاوز ما يمكن لمجموعة أوبك+ أن تتعامل معه بمفردها.
أحدث ترامب، الذي قال إن موسكو والرياض ”جن جنونهما“ بضخ المزيد بعد انهيار اتفاقهما بشأن المعروض، صدمة في السوق يوم الخميس بقوله إنه توسط في صفقة بين السعودية وروسيا.
وكتب ترامب على تويتر ”أتوقع وآمل أن يخفضان الإنتاج حوالي عشرة ملايين برميل، وربما أكثر بكثير وهو، إذا حدث، سيكون شيئا عظيما لصناعة النفط والغاز!“ ذاكرا رقما للتخفيضات يعادل عشرة بالمئة من المعروض العالمي.
ومن المقرر أن يجتمع ترامب بالمدراء التنفيذيين لشركات النفط الأمريكية يوم الجمعة، غير أن مسؤولا رفيعا بالإدارة قال إنه لن يطلب من المنتجين المحليين المشاركة في التخفيضات.
لكن حتى إذا لم يشارك المنتجون الأمريكيون طوعا، فقد يجدون أنفسهم مجبرين إلى ذلك. ففي ظل التدني الحالي للأسعار، قد يضطرون إلى إغلاق جانب كبير من الإنتاج النفطي عالي التكلفة — أو طلب المال من الحكومة تجنبا للإفلاس.
وسيكون أي اتفاق رسمي للتعاون مع أوبك معقدا بسبب قوانين مكافحة الاحتكار. لكن بعض منتجي النفط الصخري الأمريكيين في تكساس طلبوا من الهيئة المنظمة لقطاع الطاقة هناك فرض تخفيضات للمرة الأولى في 50 عاما – وقال أحد ثلاثة مفوضين بالهيئة التنظيمية الأمريكية إنه قد يكون من المنطقي إجراء ذلك.
وأجرى المفوض، رايان سيتون، اتصالا هاتفيا بالأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركندو الشهر الماضي.
وقال ترامب عقب حديث مع بوتين ”يوجد الكثير من النفط وهو في بعض الحالات أقل قيمة من الماء على الأرجح… لم نر قط شيئا كهذا.“
وبحث المسؤولون الأمريكيون عددا من الأفكار بشأن الطريقة التي يمكن للولايات المتحدة أن تساهم بها في إدارة أسواق النفط العالمية.
لكن في بادرة تجاه موسكو، عرضت الولايات المتحدة هذا الأسبوع الشروع في رفع العقوبات المفروضة على فنزويلا إذا اتفقت المعارضة وأعضاء بالحكومة على تشكيل حكومة انتقالية، في تحول عن سياسة تصفها موسكو بغير العادلة.
وقال المصدر في أوبك إن من غير الواضح ما الذي يمكن أن تقترحه واشنطن على الرياض لتخفيف الأزمة.
ومن غير الواضح أيضا إن كان بوسع المنتجين التحرك بالسرعة الكافية لإحداث تغيير سريع في مثل هذه الأوقات المضطربة.
العالم بين «كورونا» وإنقاذ الاقتصاد
ربما تشهد الأسابيع القليلة المقبلة ارتفاعاً في معدلات الإصابة بفيروس «كورونا» الذي يصيب الرئتين، ثم يبدأ في التراجع إثر جهود الاحتواء المبذولة والأجواء المناخية الأكثر دفئاً في نصف الكرة الشمالي. بيد أنه من غير المحتمل حدوث ذلك، مما يعني أنه بالإضافة إلى المخاوف الإنسانية، ينبغي على المستثمرين التفكير في تأثير المرض على محافظهم الاستثمارية.
ولقد تسببت المخاوف من الإصابة بالعدوى في إلغاء كثير من الفعاليات حول العالم، مع تعطل سلاسل التوريد المختلفة. ومن شأن ذلك أن يرجع بتأثير كبير على أرباح الربع الأول من العام الحالي وعلى الاقتصاد العالمي حتى مع نجاح احتواء الفيروس قريباً.
وتعتبر الآثار طويلة الأجل للفيروس متعارضة في بعض النواحي مع الآثار قصيرة الأجل. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن معدل انتقال الفيروس أعلى بكثير مما كان معتقداً في البداية، وأن عدداً أكبر بكثير من الأشخاص قد أصيبوا فعلاً بالعدوى مما هو متوقع. وهذا من الأنباء السيئة على جهود الاحتواء، ويزيد من المخاوف على المدى القصير.
وهناك ثلاثة سيناريوهات معتبرة عند هذه النقطة. أولاً، إمكانية احتواء الفيروس ثم القضاء عليه باعتباره تهديداً للصحة العامة، تماماً كما كان الحال مع وباء سارس في عام 2003، وفي هذه الحالة، ليس هناك من سبب يدعو إلى توقع التأثيرات طويلة الأجل على الاستثمارات.
السيناريو الثاني يفيد بأن يحول الفيروس إلى وباء متوطن. وهذا السيناريو لا يدعو إلى الفزع بحال. فهناك أربع سلالات من فيروس كورونا بالفعل، وهي تسبب في مجموعها نسبة 25 في المائة من الإصابة بنزلات البرد. ووجود فيروس خامس منها لن يُحدث فارقاً كبيراً. بل في واقع الأمر، يؤدي استحداث فيروس جديد إلى ظهور آثار معقدة على الصحة العامة؛ نظراً لإمكانية تغيير أنماط الإصابة بجميع الأمراض الشائعة الأخرى. لذلك، وفي حين أن هذا قد يكون من الأنباء السيئة، مع محاولات احتواء كوفيد – 19 الجارية، فإنه قد يعني ارتفاعاً في عدد الإصابات وربما اشتداد نزلات البرد على الناس. وعلى النقيض من ذلك يقف التحسين المستمر في المعارف الطبية المعنية بالحد من حدوث المرض وشدة الإصابة به.
أما السيناريو الثالث، وهو الأسوأ، فيتعلق بتحول الفيروس إلى وباء عالمي واسع النطاق، وربما يكون سيئاً أو هو أسوأ من وباء الإنفلونزا لعام 1918.
ولا ينبغي علينا النظر فقط في إمكانية حدوث وباء كورونا عالمياً، حيث إن هناك العديد من الأمراض الأخرى المرشحة لأن تتحول إلى أوبئة عالمية هي الأخرى (الإنفلونزا، والفيروسات الخيطية، وحمى لاسا، وحمى الوادي المتصدع، وحمى القرم كونغو، هي من بين الأمراض المعروفة، فضلاً عن ظهور أمراض أخرى مجهولة). بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الكوارث الأخرى المحتملة أيضاً: القراد أو غيرها من الحشرات، والأمراض مثل داء الكلب المنتشر بين الحيوانات، ودمار المحاصيل الزراعية، والبراكين، والزلازل، والتغيرات المناخية، وآثار الكويكبات، وما إلى ذلك. وقبل تغيير استراتيجية الأجل الطويل، ينبغي على المستثمرين السؤال عما إذا كانت المعلومات الواردة بشأن فيروس كورونا قد غيرت بصورة كبيرة من احتمال وقوع حادثة الوفاة الجماعية على مدى العقود القليلة المقبلة.
ولإلحاق بعض الأرقام بالأمر، اتخذت نموذجاً جرى تطويره في عام 2017، ونشرته منظمة الصحة العالمية من أجل الآثار الصحية والاقتصادية للأوبئة المحتملة. ويتعلق هذا النموذج بمخاطر فيروس كورونا ومرض الإنفلونزا. لا يظهر من النموذج شيوع أي أوبئة خلال 84 عاماً من أصل 100 عام، ويتوقع وصول الوفيات العالمية الناجمة عن كورونا والإنفلونزا إلى 200 ألف حالة وفاة، مع انخفاض الدخل العالمي الإجمالي بنسبة 0.2 نقطة مئوية.
أما بالنسبة لما يتعلق بالأسواق، فما زلنا في مرحلة السيناريو الأول، إمكانية احتواء الفيروس. وفي هذه الحالة، يمكننا التوقع لإجمالي الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا ومرض الإنفلونزا في عام 2020 أن يدور حول المتوسط.
الكورونا يغيّر وجه العالم
للكورونا تأثيرات كبرى تغيّر وجه العالم. لن ينعكس التأثير على المواضيع الصحية فقط بل سيمتد الى كافة الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كشفت الكورونا عجز الأنظمة الصحية العالمية التي كانت دون شك مقصرة وغير جاهزة لتحديات جدية حتى أقل من الكورونا. تبين التقصير والفساد في الانفاق الهائل على الصحة الذي لم يصمد لأسابيع قليلة. ليس فقط أهدرت ضرائب المواطنين وأموالهم من قبل الحكومات والجمعيات والمنظمات، بل نوعية الخدمات المقدمة ليست بمستوى طموحات المواطنين وآمالهم. أنفقت المجتمعات على الحاجات الصحية التي ربما لا يحتاج اليها المواطن بل تحتاج لها الشركات المستثمرة التي جنت الملايين بل المليارات من الأرباح. لا بد من مراجعة ما أنفق على الصحة لأن النتيجة ليست بمستوى الطموحات والحاجات. ما هو الحل الذي تقدمه الحكومات والمنظمات اليوم للمواطن؟ الحجر أو العزل ليس فقط لحمايته وانما لحماية المستشفيات والمستوصفات التي لا تستطيع استيعاب أعداد كبيرة من المرضى وبالتالي وجب حمايتها. فعلا، التقصير يفوق الوصف بل يدعو الى الخجل.
البؤس يولد الكراهية وهذا ما يحصل عالمياً، اذ نتج عنه وصول قيادات سياسية تعبر عن هذه الكراهية ليس فقط في أميركا بل في أوروبا والبرازيل وغيرها. ماذا يقصد الرئيس ترامب عندما يصف الكورونا بـ«الفيروس الصيني»؟ يسعى الى شد عصب المؤيدين له قبل الانتخابات أي عموما الرجال البيض الذين ما زالوا يشعرون بالحرمان والغضب من السياسات السابقة التي عززت بقية الأعراق كما الجنس الآخر. لم تكن المشكلة في الآخرين لو استطاع الاقتصاد توفير فرص العمل للجميع، لكن الضحية كان الرجل الأبيض في رأيه فانتفض. تشير الدراسات الى أن العمر المرتقب للرجل الأبيض في الولايات المتحدة ينحدر منذ أواخر التسعينات بسبب اليأس مما دفعه الى معاقبة الطبقة السياسية عبر ايجاد «ترامب» وارساله الى البيت الأبيض. في الاحصائيات أعطى الرجل الأبيض ترامب 67 مقابل 28 لهيلاري كلينتون.
الخطر الأكبر على استمرارية الأنظمة الديموقراطية يأتي اليوم عجباً في الدول الغربية ومنها. قال أرسطو «أن المجتمعات المؤلفة من أقلية أغنياء كبار وأكثرية فقراء لا يمكن أن تكون حرة. فهي مجتمعات مؤلفة من أسياد وأزلام وبالتالي لن تكون مستقرة». قال كارل بولانيي «أن انتصار المجموعات المتطرفة انتخابيا يعود الى رفض الأحزاب الديموقراطية تنفيذ الاصلاحات المرتكزة على التخطيط والرقابة والمحاسبة. يتابع أن ترك أنظمة السوق تعمل دون رقيب أو حسيب يؤدي الى قتل حرية الأسواق وشفافيتها». أتت الكورونا لتثبت للعالم أجمع أن ما بنته الحكومات كل الحكومات لم يكن كافيا بل هشا، وهذا ما تثبته اليوم التحديات الخطيرة التي نعيشها.
هنالك تغيرات كبرى في مجتمعات اليوم تؤثر كثيرا على السياسات الاقتصادية منها ما يحصل بشأن الكورونا. شباب اليوم أي الذين أعمارهم بين 24 و39 يرغبون في التقاعد باكرا وبالتالي يرغبون في الادخار وليس الاستهلاك تحضيرا للتقاعد. يؤثر هذا الواقع على نسب النمو التي هي أقل من الماضي حيث كان الاستهلاك سيد الموقف. هذا يعني أن تخفيض الفوائد كما يحصل من قبل المصارف المركزية لن يشجعهم على الاستهلاك لأنهم لا يريدونه. لذا السياسات النقدية غير فاعلة اليوم كما كانت في الماضي والمطلوب تحرك السياسات المالية كما فهمته ادارة الرئيس ترامب الذي سيرسل مباشرة أموالا الى الافراد الأميركيين. الفوائد في أميركا تقارب الصفر ولا تأثير لها يذكر، لذا سيقدم المصرف المركزي على شراء سندات الخزينة من الأسواق وضخ النقد. كذلك سيفعل المصرف المركزي الأوروبي للأسباب نفسها. السياسات المالية في أوروبا ما زالت وطنية وبالتالي تحركها المصالح الداخلية وليس الاقليمية.
ما هي التأثيرات المباشرة للكورونا عالميا، اذ أثبتت التطورات الأخيرة مدى ترابط العالم بعضه ببعض. يدخل العالم في فترة ركود قاسية ستدوم طويلا خاصة وأن أسلحة المعالجة المناسبة غير متوافرة. سقوط الأسواق المالية بالسرعة التي نشهدها يؤشر الى عمق المشكلة وصعوبة المعالجة. نحن نعيش في قرية صغيرة تعاني نفس المشاكل ومقصرة بالمواضيع نفسها:
أولا: تبين للعالم أن الأنظمة الصحية غير جاهزة لمواجهة المخاطر وبالتالي نتج عنه خوف كبير من قبل المواطن على صحته ومستقبله. الخوف يوتر الأعصاب ويدفع الانسان الى التصرف بعنف ويفقده ثقته بدولته ومستقبله. ما شهدناه في ايطاليا خاصة هو عدم قدرة المصاب على رؤية عائلته قبل الموت خوفا من نقله الفيروس لهم. هذا في غاية الظلم والأسى والحزن.
ثانيا: تبين للعالم أهمية الصين في الاقتصاد العالمي. اصابة الصين من الكورونا أضعف نموها وطلبها على السلع والخدمات. أهم الاصابات كانت السوق النفطية حيث انحدر سعر البرميل الى حدود منخفضة جدا. هذا مفيد للمستهلك والمنتج عموما لكنه مسيء الى الدول النفطية وفي مقدمها دول الأوبيك وروسيا حيث النزاع على أشده بينهما. من غير المتوقع أن يتعزز الاستهلاك كما الانتاج بسبب الخوف أي العامل النفسي. لذا تسقط الأسواق خوفا وليس بسبب العوامل العادية التي تؤثر على الاستهلاك أو الاستثمار.
ثالثا: تبين للعالم عدم جهوزيته لمواجهة أزمات جدية. الحكومات غير جاهزة بمالياتها واداراتها لمعالجة الكارثة الصحية. الشركات العملاقة عموما غير جاهزة بسبب الديون الكبيرة الباهظة التي تحملها والتي تحتاج الى سنوات جديدة للمعالجة. التعليم غير جاهز للانتقال الى التنفيذ عبر شبكات الاتصالات والانترنت. الطلاب في المنازل يهدرون الوقت والأهل غير مجهزين عموما للتدريس. لذا القلق الكبير على المستقبل.
رابعا: أكبر الخاسرين من الكورونا هي السياحة والطيران والفنادق والمطاعم وغيرها والتي تعاني جميعها من الاقفال وربما تضطر لخسارة عمالها وموظفيها. ستسعى الماليات العامة للمساعدة، لكن موازنات الدول هي مهترئة وبالتالي من يساعد من ومن ينصح من؟
خامسا: هل هنالك جوانب ايجابية للكورونا بالرغم من سوء التناسب مع السلبيات. من الايجابيات تخفيف حجم التلوث الذي كانت تصدره الطائرات والسيارات والمصانع وغيرها. انحدار الحركة الاقتصادية عموما سيؤثر ايجابا على نظافة البيئة ويساعد الانسان على تحسين نوعية الحياة المستقبلية.
سادسا: هنالك شركات عدة استفادت من انحدار الحركة لتنظف أو تصحح نفسها من الداخل. فقامت بترشيد الإنفاق كتخفيف نفقات السفر وتحسين الانتاجية عبر الإنفاق أكثر على الاتصالات والالكترونيات والذكاء الاصطناعي وتقنيات المعلومات وغيرها، وبالتالي تحضر نفسها للمنافسة القادمة بعد الكورونا. ظروف اليوم الصعبة تساعد الأذكياء على التحضير الجدي والصامت للمنافسة الكبيرة الآتية بعد المصيبة.
سابعا: هنالك قطاعات لا بد وأن تستفيد مما يحصل اليوم فتنتج ما يحتاج اليه الانسان. هذا هو حال شركة «أمازون» التي ستوظف مئة ألف شخص يقومون بتوصيل السلع الى المنازل لصعوبة انتقال المواطن بسبب الكورونا. مَن يخسر وظيفته اليوم في قطاع السياحة مثلا ربما يجد فرصة عمل له في أمازون وهذا مفيد جدا.
تبقى الصحة أهم شيء في حياة الانسان، ومن دونها لا معنى للمزايا الاخرى التي تبقى دون جدوى أو حتى مضرة في بعض الأحيان. يتبين للعالم اليوم ان صحته غير مضمونة وبالتالي كل ما قام ببنائه في العقود الماضية غير كاف أو ناقص أو هش وبالتالي وجب اعادة البناء. هذا الشعور المنطقي مؤذ ويحطم معنويات الانسان لكن في نفس الوقت يعطيه أملاً بمستقبل أفضل للأجيال القادمة التي نأمل أنها ستؤسس بشكل أفضل.
د. لويس حبيقة.
هل آن للسعودية ترك سوق النفط كي يتدمر؟ الاسعار الى 10 او 20 دولار؟
وسط انهيار أسعار النفط إلى مستويات لم تشهدها السوق منذ عقدين من الزمن، كل الأسئلة التي أسمعها مؤخراً تدور حول نقطتين: إلى متى ستستمر السعودية في إغراق السوق بالنفط؟ وهل نشهد قاعاً للأسعار عند 20 دولاراً أم أن هناك قاعاً آخر عند 10 دولارات؟
لقد دخلت السوق في مرحلة تدمير (قد تكون خلّاقة) منذ بدء الهبوط الحر للأسعار نتيجة قرار السعودية رفع إمداداتها من النفط فوق الطاقة الإنتاجية القصوى لشركة «أرامكو السعودية» البالغة 12 مليون برميل يومياً وتقديم تخفيضات عالية للزبائن في أعقاب قرار روسيا الانسحاب من اتفاقية خفض الإنتاج بين منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك) وبين المنتجين خارجها (تحالف «أوبك+»)، وهو ما يعني فعلياً أن المملكة دخلت في حرب أسعار مع باقي المنتجين للحفاظ على حصتها السوقية. وهذه هي حرب الأسعار الثالثة في تاريخ «أوبك»، والتي ستحتفل بمرور 60 عاماً على تأسيسها أواخر 2020.
لقد بدأت روسيا الحرب التي ستخلّف ضحايا لا عدَّ لهم عندما قال وزير طاقتها بعد الاجتماع: «بدايةً من 1 أبريل (نيسان)، الكل ينتج كما يريد»، وذلك بدلاً من موافقة السعودية و«أوبك» على تخفيض إضافي قدره 1.5 مليون برميل يومياً لموازنة السوق. وبالتالي تخلّت روسيا عن السعودية لأهداف لا يمكن تفسيرها إلا بمحاولة القضاء على النفط الصخري الأميركي.
وقبل أن أسرد تحليلي الشخصي حول تداعيات هذه الحرب، أود مشاركتكم مقتطفات من كلمة ألقاها وزير البترول السعودي السابق الشيخ أحمد زكي يماني، في عام 1994 في وياتهول في لندن، تحدث فيها عن أول حرب أسعار شهدتها «أوبك» في عام 1985.
لقد سرد يماني قصة الحرب كاملة ولا أراها تختلف في تفاصيلها أبداً عن اليوم. كان هناك اتفاق لخفض الإنتاج لمواجهة زيادة في الإنتاج من خارج «أوبك» وتدهور الأسعار، وكان الالتزام بهذا الاتفاق ضعيفاً من كثير من الدول وتحملت المملكة العبء بمفردها، في الوقت الذي زاد فيه الآخرون حصصهم السوقية فانهارت الأسعار وفقدت المملكة حصتها والدخل المرتفع. وما أشبه اليوم بالبارحة، حيث كان الطلب منخفضاً في العالم غير الشيوعي (في ذلك الحين كانت السوق النفطية تنقسم إلى الدول غير الشيوعية والدول الشيوعية)، إذ بدأ في التناقص بنحو مليون برميل يومياً بين عام 1980 و1982 مقارنةً بنمو بلغ 1.7 مليون برميل يومياً بين 1976 و1979، وزيادةً في السوء، تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.7% بين 1974 إلى 1984 مقارنةً بالسنوات العشر التي سبقتها.
لقد نبّه يماني في كلمته إلى أن «أوبك» لم تتعلم من حرب الأسعار الأولى، إذ لا تملك استراتيجية طويلة المدى ولا تستطيع الجري وراء حصة سوقية أكبر أو أسعار أعلى في نفس الوقت، وأن المنظمة ليست متجانسة، حيث هناك منتجون صغار هدفهم أسعار أعلى، ومنتجون كبار هدفهم كميات أعلى. وكانت السوق النفطية هرماً مقلوباً، أسعار الطاقة عالمياً تعتمد على النفط، والنفط يعتمد على «أوبك»، و«أوبك» تعتمد على المملكة؛ فانهار ذلك الهرم.
أما حرب الأسعار الثانية في عام 2014 فشهدت الوضع نفسه تقريباً، حيث أدت الأسعار العالية التي حافظت عليها «أوبك» بين 2011 و2014 إلى تضخم الإنتاج من خارج «أوبك» مع تباطؤ الطلب في 2014 نتيجة الارتفاع المزمن للأسعار، ولم يكن بإمكان المملكة الحفاظ على الأسعار العالية لفترة طويلة دون تخفيض حقيقي من كل «أوبك»، ولكن كعادة «أوبك»، العبء يتحمله كبار المنتجين. في الوقت ذاته لم يهتم منتجو النفط الصخري بما يجري في السوق وجهود «أوبك»، فتركت المملكة الأسعار لتهبط حتى بلغت مستوى في الثلاثينات في مطلع 2016 هبوطاً من مستوى الثمانينات في ديسمبر (كانون الأول) 2014، فهرولت روسيا وغيرها إلى «أوبك» ونشأ تحالف «أوبك+».
واليوم أمام السعودية خيارات موجعة. فالطلب على النفط قد لا ينمو في العقد الجاري كثيراً وقد يصل إلى الذروة خلال 10 سنوات. في الوقت ذاته الإنتاج من خارج «أوبك» يتفاقم، ولا أحد يريد التعاون مع السعودية التي تحملت معظم التخفيض في آخر اتفاق في ديسمبر 2019 والبالغ 2.1 مليون برميل يومياً. وبعد سنوات معدودة قد يسعى العراق لزيادة إنتاجه وليبيا كذلك، وقد تعود فنزويلا وغيرها، وقد نصل إلى 2025 والمعروض العالمي في زيادة بعد استمرار الدول خارج «أوبك» في الإنتاج بكامل طاقتها القصوى، لذا غيّرت السعودية استراتيجيتها واتجهت إلى الحصة السوقية وزيادة طاقة «أرامكو» الإنتاجية مليون برميل إضافية.
إن فيروس «كورونا» جاء لتصحيح أوضاع كثيرة خاطئة في العالم، من بينها حال المنتجين العالميين. وأظهرت السعودية لكل العالم خلال أسبوع أنها لا تزال بإمكانها التأثير في السعر أكثر من أي دولة. ويبدو أنها ستجبر العالم على الاستماع إليها، حيث نقلت «وول ستريت جورنال» يوم 19 مارس (آذار)، أن هيئة تكساس للخطوط الحديدية (الجهة المنظمة لإنتاج النفط في أكبر ولاية أميركية منتجة له والتي كانت مصدر الإلهام خلف فكرة منظمة «أوبك») تفكر في فرض قيود للإنتاج؛ وهو أمر لم تلجأ إليه منذ مطلع السبعينات. ونتيجة لهذا، قد تكون هذه هي الحرب الأخيرة ونرى ميلاد نظام نفطي جديد، لكن مَن الذي سيقوده؟
إن النفط لا يلقى دعماً من الحكومات الغربية ولم تعد هناك منظمات تلعب دوراً في التقريب بين المنتجين والمستهلكين. هناك منتدى الطاقة الدولي في الرياض والذي لعب دوراً في عام 2008 لجمع كبار المنتجين والمستهلكين عندما وصلت الأسعار إلى فوق 100 دولار. ووقّعت أكثر من 100 دولة ميثاقه الجديد في فبراير (شباط) 2011 ولكنه ضعف منذ ذلك الحين بسبب عزوف الدول عن دعمه. أما السؤالان أعلاه، فالحرب في تصوري لن تستمر طويلاً إذا ما ضغطت السعودية على الأسعار بهذا الشكل المرعب حتى يونيو (حزيران)، وهرولت شركات النفط الصخري للحوار مع «أوبك» أو تنسيق إنتاجها محلياً، أما وصول الأسعار إلى 10 دولارات أو بقاؤها عند 20 دولاراً فهو سيناريو مؤقت وغير مستدام إذا ما تعافى العالم من «كورونا» وخرج الكثير من المنتجين.
وائل مهدي
نسي الأميركيون غاية الاقتصاد إلى أن ظهرت الجائحة
نحن نعيش واحدة من تلك اللحظات التي يجدر بنا فيها طرح هذا السؤال، وهو: ما غاية الاقتصاد؟
لا يوجد الاقتصاد من أجل منفعة المشاركين في سوق الأوراق المالية ولا زيادة أموال الشركات. منذ حقبة الثمانينات على الأقل جعلت الولايات المتحدة الثروة الاقتصادية معادلاً لسوق متصاعدة، وأرباح شركات متزايدة باستمرار؛ إنها مكونات ضرورية لاقتصاد سليم وقوي، لكنها في النهاية لا تمثل سوى وسيلة لا غاية؛ فالغاية هي رفاهة المواطنين. يوجد الاقتصاد ليتيح للعمال وأسرهم أن يصبحوا في وضع أكثر رخاءً، وهذا ما ظل غائباً عن بال الكثير من الأميركيين قبل هذه اللحظة.
يفسد فيروس «كورونا» الاقتصاد الأميركي، مثلما يفعل باقتصاد باقي أنحاء العالم، فقد تم إلغاء كل فعالية تحتاج إلى جمهور، سواء كان مسرحاً، أو حدثاً رياضياً، أو مؤتمرات، بل وشمل ذلك المؤتمرات الجماهيرية السياسية أيضاً. مجال السفن السياحية يتداعى، وتتراوح خسائر شركات الطيران بين 63 مليار دولار و113 ملياراً على مستوى العالم، بحسب تقديرات اتحاد النقل الجوي الدولي. كذلك، أرسلت مئات الجامعات الطلبة إلى المنازل؛ مما يمثل ضربة قوية للمتاجر والمطاعم المحيطة بها، والتي تعتمد في عملها واستمرارها على حركة الطلبة. تم إصدار أوامر بإغلاق المقاهي والمطاعم في الكثير من المدن الكبرى، وهناك عدد لا يحصى من الأمثلة الأخرى الدالة على تباطؤ النشاط الاقتصادي بشكل كبير أو توقفه تماماً.
مع ذلك يبدو أن فيروس «كورونا» قد أيقظ المجتمع ونبّهه إلى ما يهم حقاً. صحيح أن الكثير من عناوين الصحف الرئيسية تتحدث عن انهيار السوق بشكل مفزع، لكني لا أسمع عن هوس الناس بالأمر مثلما حدث بعد فقاعة الإنترنت، أو انهيار مصرف «ليمان براذرز» عام 2008. للمرة الأولى تصبح لـ«قيمة حامل السهم» أهمية ثانوية، بل وما فاجأني بشكل كبير هو عدم استجابة الشركات لهذا الانهيار والكساد بالطريقة المعتادة خلال الأوقات العصيبة، أي القيام بتسريح العاملين، حيث يبدو أنهم قد أدركوا أن أهم شيء يمكنهم فعله لمساعدة البلاد في تجاوز الأزمة هو الإبقاء على تدفق المال إلى جيوب العاملين لديهم حتى إذا لم يكن بمقدورهم القيام بالكثير.
لذا؛ استمرت شركات الطيران، التي تأثرت بشدة، في دفع أجور موظفيها والعاملين لديها وإن علّقت عملية التوظيف. وتعهدت شركة «مايكروسوفت»، وشركات تكنولوجية كبرى أخرى، بالاستمرار في الدفع للبائعين الذين يوظفون عمالاً ينظفون مكاتبهم ويزودون الكافتيريات بما يلزمها من مواد. كذلك تواصل شركة «والت ديزني» دفع رواتب العاملين لديها في المتنزه. وذكرت صحيفة «يو إس إيه توداي» يوم الجمعة، أن الشركات الأميركية قد استغنت عن 893 وظيفة بسبب فيروس «كورونا»، ويعد هذا رقماً صغيراً بشكل ملحوظ.
كذلك، يتجه الرؤساء التنفيذيون نحو «التفكير في الحرص على الخروج من هذه الأزمة مع الحفاظ على سمعة طيبة»، بحسب ما صرح للويد بلانكفين، الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة «غولدمان ساكس غروب إنكوربوريشن» لصحيفة «وول ستريت جورنال». وأضاف قائلاً «يريد المرء أن يتم النظر إليه كشخص يفعل الصواب». وذكر بلانكفين أنه ربما لا تجد الشركات، التي يهدد الفيروس بقاءها واستمرارها، خياراً سوى اللجوء إلى تسريح العاملين لديها، لكن ذلك لا يمثل مشكلة بالنسبة إلى أكثر الشركات الكبرى في الولايات المتحدة، حيث حققت أرباحاً هائلة خلال العقد الماضي؛ لذا لن تجد مشكلة في الإنفاق من تلك الأرباح أو الاعتماد على بعض القروض مثلما فعلت شركة «بوينغ» مؤخراً من أجل الإبقاء على موظفيها.
إليكم فكرة: ماذا لو ألغت لجنة الأوراق المالية والبورصة موسم العائدات الربع سنوية لشهر أبريل (نيسان)؟ سوف تكون الأرقام غير طبيعية إلى درجة تجعلها بلا معنى تماماً.
كل ما سبق كان من الأنباء السارة، فيما يلي بعض الأنباء السيئة؛ أولها هو وجود عدد هائل من العمال ذوي الأجور المتدنية والعاملين بدوام جزئي في البلاد، ويذكر دانييل ألبرت، الشريك المؤسس لمؤسسة «ويستوود كابيتال»، وكاتب العمود لدى موقع «بيزنس إنسايدر»، أن عددهم يفوق 31.5 مليون فرد؛ مما يجعلهم يمثلون 30 في المائة من القوى العاملة. وكتب ألبرت مؤخراً «من المنطقي أن يتم تسريح هذا العدد الكبير من العاملين طالما استمر الحجر الصحي للعملاء المحتملين، أو لم يتمكن العاملون أنفسهم من العمل في حالة المرض». حتى إذا لم يتم تسريحهم من العمل، من المؤكد أنه سوف يتم تقليص عدد ساعات عملهم مما يخفض أجرهم المتدني بالفعل، ويهدد وضعهم المعيشي المتدهور بشكل أكبر. ويخلص ألبرت إلى أن «انخفاض جودة أكثر الوظائف، التي ظهرت في الولايات المتحدة خلال السنوات اللاحقة للكساد، تصرخ مطالبة بتدخل حكومي أكبر».
يقودنا هذا إلى نبأ سيئ آخر، وهو أنه حتى إذا اتخذت الكثير من الشركات الكبرى خطوات ومواقف إيجابية، لم تفعل المؤسسات، التي تمتلك أكبر قدر من الموارد، والحكومة الفيدرالية، ذلك؛ فقد تحدث الرئيس دونالد ترمب عن خطط إنقاذ لمجال السفن السياحية، وشركات الطيران وقطاع الفنادق، وغير ذلك من مجالات، لكن عندما صاغ أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين مشروع قانون يهدف إلى مساعدة المواطنين، أدانه ترمب قائلاً إنه مليء بـ«المزايا التي لم يتمكنوا من الحصول عليها طوال 25 عاماً».
رغم أن نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، كانت قادرة على جعل البيت الأبيض يوقع على مشروع قانون يرضي الطرفين، أدرجت طلباً مذهلاً قدمه الجمهوريون، وهو طلب بإلزام الشركات، التي لديها 500 عامل أو أقل، أي تلك الشركات التي ليس لها تأثير وثقل سياسي كبير، بمنح العاملين لديها إجازات مرضية مدفوعة الأجر، في حين يتم إعفاء الشركات الأميركية الكبرى كافة، التي توظف 54 في المائة من العاملين بشكل إجمالي، لكن لديها ثقلاً سياسياً، وهذه سياسة حكومية مريعة، لكنها ليست مستغربة بالنظر إلى موقف الإدارة القاسي تجاه مواطنيها.
وقد تبلور واتضح هذا الموقف من خلال لحظة شهدها كثيرون مؤخراً، وهي لحظة كيتي بورتر يوم الأربعاء الماضي، عبر موقع «تويتر». كيتي هي عضو ديمقراطي جديد عن مقاطعة أورانج بولاية كاليفورنيا، وأستاذة قانون سابقة، سرعان ما حصلت على سمعة بأنها مستجوبة قاسية للشهود التابعين للإدارة الأميركية، فقد سألت روبرت كادليك، مساعد وزير الصحة والخدمات الإنسانية، عن تكلفة اختبار فيروس «كورونا»، وكانت تعلم الإجابة على نحو أفضل منه، حيث تبلغ تكلفته 1.33 دولار حداً أدنى.
كما ذكرت من قبل، تتمثل الاستجابة الفاشلة للحكومة تجاه الأزمة المالية في اهتمامها باحتياجات الشركات أكثر من احتياجات الناس، حيث تكمن مأساة هذه الأزمة الاقتصادية، على الأقل حتى هذه اللحظة، في أن الشركات تعلمت ذلك الدرس على ما يبدو، في حين لم تفعل إدارة ترمب، ومن غير المرجح أن تفعل ذلك قريباً.
جو نوسيرا
تدابير السلطات المالية لتحصين اقتصاد العالم بمواجهة كورونا
تضخ الحكومات والمصارف المركزية مبالغ هائلة في الأسواق وتعتمد إجراءات طارئة في محاولة لمواجهة آثار فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد العالمي. إليكم التفاصيل!
لقد أدى الوباء، الذي قلب حياة العالم رأسا على عقب، إلى انهيار في الأسواق المالية ليواجه النمو الاقتصادي أكبر أزمة له منذ العام 2008.
وقد رصدت وكالة “فرانس برس” استجابة القوى الاقتصادية الكبرى في وقت انتقل فيه مركز الفيروس من الصين ليصيب سائر دول العالم مع فرض إجراءات عزل شاملة وتوقف شركات كبيرة وصغيرة عن العمل.
أوروبا
باتت أوروبا بؤرة وباء كوفيد-19، وقد سعت الحكومات فيها إلى فتح قنوات الإنفاق، فيما اتخذت إجراءات بإقفال حدودها.
وأعلن المصرف المركزي الأوروبي، الأربعاء، خطة بقيمة 750 مليار يورو (820 مليار دولار)، لشراء سندات حكومية وأسهم شركات، ليضخ بذلك المال للمساعدة على احتواء الأضرار الاقتصادية الناجمة عن انتشار الفيروس.
واتخذ المصرف المركزي الأوروبي إجراءات فرضتها الأزمة لتشجيع المصارف على إقراض الشركات، لكنه أثار بلبلة، الأسبوع الماضي، عندما أبقى على فوائده كما هي.
وخفض بنك إنكلترا، الخميس، نسبة الفائدة الرئيسية من 0.25% إلى 0.1%، وهو أدنى مستوى لها، بعد ثمانية أيام على تخفيض أول، وهو ينوي شراء 200 مليار جنيه إسترليني (235 مليار دولار)، من ديون الحكومة والشركات.
وامس، الجمعة، أعلن بنك إنكلترا المركزي إلغاء اختبار التحمل للبنوك الكبرى هذا العام، وقال إنه قد يكون من الصعب تطبيق قواعد رأسمالية عالمية جديدة في موعدها نظرا لأن التركيز الآن منصب على دعم إقراض العملاء المتضررين من وباء كورونا.
وجاء قرار إلغاء اختبار التحمل لأكبر ثمانية بنوك في البلاد في أعقاب قرار من الاتحاد الأوروبي بإلغاء فحصه المزمع لمتانة البنوك الكبرى، والتي تشمل أيضا مصارف بريطانية كبرى، مثل “باركليز” و”إتش.إس.بي.سي”.
وكشفت برلين عن قروض مدعومة من الحكومة بقيمة 550 مليار يورو وعلقت الموجبات القانونية للشركات التي تعاني من أزمة سيولة.
وقد خصصت بريطانيا قروضا مدعومة من الحكومة بقيمة 330 مليار جنيه لمساندة الشركات، في حين ستضمن فرنسا قروضا بقيمة 300 مليار يورو للشركات مع إعلانها أيضا عن حزمة مساعدة منفصلة بقيمة 45 مليار يورو لمساعدة الشركات والموظفين.
وفي إيطاليا، أكثر الدول تضررا من الوباء، وعدت الحكومة “بضخ كمية كبيرة من السيولة” في النظام المالي لتوفير 340 مليار يورو.
وتخطط إسبانيا لضمان قروض بقيمة مائة مليار يورو للشركات.
وأعلن مصرف سويسرا المركزي، الخميس، أنه سيتدخل بشكل أكبر لضمان استقرار العملة المحلية، في حين تدرس النروج التدخل مع تراجع كبير في سعر صرف الكرونة
وتستعين روسيا باحتياطيها من العملات الأجنبية دعما للروبل، وهي تعوض على منتجي النفط مباشرة عندما يتراجع سعر البرميل إلى ما دون 25 دولارا، كما فعلت الأربعاء.
أميركا الشمالية
عرض زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش ماكونل، الخميس، خطة مساعدة طارئة بقيمة تريليون دولار لمحاربة العواقب الاقتصادية في الولايات المتحدة.
وتتجاوز هذه الخطة بكثير المساعدات التي خصصت خلال أزمة 2008 المالية، ويرجح أن تشمل مساعدات نقدية مباشرة للعائلات المعوزة.
وتضاف هذه الخطة إلى 100 مليار دولار مخصصة للإجازات المرضية ومخصصات التوقف عن العمل لفترة طويلة. وقد وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هذا القانون الأخير، الأربعاء.
ويعرض الجمهوريون في مجلس الشيوخ اليوم الجمعة، على الأعضاء الديموقراطيين حزمة مساعدات أعلنوا عنها تبلغ قيمتها حوالى 1000 مليار دولار لإنقاذ الاقتصاد الأميركي المتضرر بانتشار فيروس كورونا المستجد.
وأكد زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أن إقرار النص أمر ملح، بينما صُرف نحو 70 ألف شخص من عملهم في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بحسب الأرقام الأخيرة للطلبات الأسبوعية للحصول على مخصصات البطالة.
ويبدو أن الولايات المتحدة تدرس خطة لإنقاذ شركات الطيران الأميركية بعدما قال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إنها تواجه أزمة أسوأ من تلك التي واجهتها بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
وقد خفض الاحتياطي الفدرالي الأميركي نسب الفائدة إلى الصفر تقريبا. وكشف أيضا عن تسهيلات قروض لمساعدة الأسر والشركات على الاستمرار. وأمر ترامب بتعليق إجراءات الإخلاء للمتخلفين عن السداد وحبس الرهونات بوضع اليد على الممتلكات العقارية لمدة ستة أسابيع في إطار جهود الحكومة لتخفيف الأعباء.
والخميس، كشف الاحتياطي الفدرالي عن إجراءات لمساعدة الصناديق المشتركة، وهي أداة استثمارية تحظى بالإقبال وتلقت طلبات سحب هائلة مع مواجهة الأسر والشركات الصغيرة صعوبات نقدية.
من جهتها، أعلنت كندا، الأربعاء، خطة مساعدة بقيمة 27 مليار دولار كندي (19 مليار دولار أميركي)، فضلا عن مساعدة إضافية على شكل إرجاء سداد ضرائب، ولجأت كذلك إلى خفض أسعار الفائدة.
صندوق النقد و”العشرون”
خصص صندوق النقد الدولي 50 مليار دولار للدول الفقيرة، ودعا إلى “استجابة عالمية” مماثلة لتلك التي حصلت في العام 2008.
ودعت السعودية، التي ترأس مجموعة العشرين، إلى قمة استثنائية لقادة دول المجموعة، الأسبوع المقبل، عبر تقنية الفيديو كونفرنس، كما يحصل مع كل الاجتماعات الدولية راهنا.
وفي السياق أيضا، قال التلفزيون الرسمي إن السعودية أعلنت، اليوم الجمعة، عن تدابير بقيمة تتجاوز 120 مليار ريال (31.93 مليار دولار)، للحد من تأثير تفشي فيروس كورونا على الاقتصاد، حسبما نقلت رويترز.
وذكر التلفزيون نقلا عن وزير المالية محمد الجدعان، أن الحزمة تشمل 50 مليار دولار على صورة دعم للبنوك والمؤسسات المالية والشركات الصغيرة والمتوسطة. كما تتضمن أيضا مبادرات أخرى لدعم الاقتصاد بقيمة تتجاوز 70 مليار ريال.
آسيا – المحيط الهادئ
خفضت الصين، حيث انطلق الوباء، معدلات الفائدة وتعهدت بسلسلة من الإجراءات، منها تخفيض ضريبي وتحويلات مالية من بكين إلى أكثر المناطق تضررا.
وخصصت نيوزيلندا 7.3 مليارات دولار لتحفيز الإنفاق. من جهتها، كشفت أستراليا، الأسبوع الماضي، عن خطة إنفاق بقيمة 11 مليار دولار توازي حوالى 1% من إجمالي الناتج المحلي، للمساعدة على تجنب أول انكماش اقتصادي قد تسجله منذ 29 عاما. وعمد المصرف المركزي، الخميس، إلى خفض نسب الفائدة إلى أدنى مستوى لها في البلاد.
وقد تواجه اليابان ضربة مالية كبيرة جدا في حال إرجاء دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو خلال الصيف. وهي خصصت برنامج قروض للشركات بقيمة 15 مليار دولار
وكشفت كوريا الجنوبية عن برنامج دعم غير مسبوق للشركات الصغيرة بقيمة 50 تريليون وون (39 مليار دولار).
أما حكومة هونغ كونغ، فهي تقدم مبلغا نقديا إلى كل مقيم دائم على أراضيها مع تسجيلها انكماشا سببه احتجاجات مستمرة منذ أشهر زاد من وطأتها انتشار فيروس كورونا المستجد.
الاقتصاد الأوروبي ومكافحة الفيروس
انتقل مركز الإصابة بمرض «كوفيد – 19»، الذي يسببه فيروس كورونا، من آسيا إلى أوروبا كالإعصار، جالباً معه ارتفاعاً في عدد المصابين والموتى والضرر الاقتصادي. بعد مرور عدة أسابيع تتسم بالتشوش، بدا فيها قادة الدول الأوروبية غير قادرين على الوصول إلى استجابة مشتركة للكارثة، التي ضربت قطاع الصحة وثقة المستهلك والأسواق المالية في آنٍ واحد، فإن الأسبوع الحالي يمثل نقطة تحول.
اتخذت إسبانيا وفرنسا خطوات قاسية، مثلما حدث في جارتهما المنكوبة إيطاليا، التي كانت قد قطعت شوطاً بالفعل في فرض حظر منزلي على مواطنيها. كما تخطط ألمانيا لإغلاق حدودها بشكل جزئي، ومنعت النمسا التجمعات التي تحوي أكثر من 5 أشخاص. يفسر هذا الإكراه الحتمي الخاص بالصحة العامة الحاجة إلى خنق اقتصاد دول منطقة اليورو وحرمان المواطنين من أبسط الحريات، لكن الخطر الحقيقي لهذا الركود الشامل يتمثل في تهديد يلوح في الأفق أمام الحكومات، وهو الحاجة إلى محفز اقتصادي لتخفيف وطأة الضربة التي تلقاها الاقتصاد.
وأدَّت زيادة عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في أوروبا إلى فرض مزيد من السياسات. فطبقاً لبيانات جمعتها مؤسسة بلومبرغ، فإن دولاً مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا تضم أكبر عدد من الحالات المؤكدة للإصابة بكورونا خارج الصين، حيث وصلت إلى 5423 و7753 و24747 حالة على الترتيب. كما زادت سرعة الإصابة والانتشار بالمرض أيضاً، فقاد زادت الإصابة به في فرنسا 5 أضعاف في أسبوع واحد، بينما تضاعف عدد الوفيات في إسبانيا بين ليلة وضحاها. وبعد الامتناع في البداية عن فرض سياسات قسرية تتجاوز إغلاق المدارس، فقد سارعت حكومة فرنسا برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون بشكل كبير يوم السبت إلى إعلان الإغلاق الفوري لأي أماكن عمل غير أساسية، رغم أن فرنسا قد عقدت بشكل مثير للحيرة أول دورة من الانتخابات المحلية كما كان مقرراً لها. لم يعد مرض «كوفيد – 19» متعلقاً بالدول الأكثر إصابة به، مثل الصين أو إيطاليا، بل انتقل قلب إعصار كورونا إلى أوروبا.
ربما كان فرض الإقامة المنزلية على الناس يبدو مخالفاً لمنطقة اعتادت دعم الانتقال الحر وفتح الحدود أمام المسافرين. لكن الأمل في أن هذه الإجراءات ستقلل من انتشار المرض وتخفض معدل الإصابة به، ربما يدفع قطاع الخدمات الصحية إلى نقطة الانهيار. وهذا أمرٌ منطقي الحدوث. ما يبدو أقل معقولية هو إغلاق الحدود؛ حيث إنه في الوقت الذي يبدو فيه أمراً مناسباً لبعض الناخبين، هو في النهاية لا معنى له عندما ندرك أن منطقة شنغن الأوروبية التي لا يتطلب الانتقال بين دولها أي تأشيرات لمساحة، تغطي 4 ملايين كيلومتر مربع تقريباً، وتشمل 400 مليون شخص، وكثيراً من نقاط العبور البرية والبحرية والجوية. وخاصة عند النظر إلى أنه منذ وصول فيروس كورونا المستجد إلى أراضيها، عبرت أعداد كبيرة من الناس الحدود الداخلية بين دول أوروبا، وقد جلب بعضهم على الأقل العدوى معه. لكن مع ذلك وبشكل عام، هناك بعض المنطق وراء ما يُتَخَذ من إجراءات.
السؤال هو هل أوروبا قادرة كذلك على اتخاذ ما يتطلبه الأمر لتعويض التبعات الاقتصادية الناتجة عن وضع عشرات الملايين من البشر قيد العزل؟ ما بدأ هذا العام كضربة للسياحة وسلاسل التوريد متعددة الجنسيات، تمتد عبر الصين، من المرجح أن يؤثر الآن على كل الصناعات. ويقدر أن تؤثر إجراءات العزل التي اتخذتها إيطاليا على قطاعي السياحة والمواصلات بنسبة 90 في المائة، وتجارة التجزئة بنسبة 50 في المائة، وإنتاج المصانع بنسبة 10 في المائة، طبقاً لما قاله الاقتصادي الحكومي السابق لورينزو كودونيو. كما يتوقع الاتحاد الأوروبي انكماش الناتج الإجمالي المحلي للتكتل بنسبة واحد في المائة في العام الحالي. إن استبدال انتشار فيروس كورونا بركود اقتصادي ووضع مزيد من القيود على الخدمات العامة يبدو أمراً مؤلماً.
لكن الأمر المشجع هو وجود زخم دافع لخطط الإنفاق في حالات الطوارئ، فطبقاً لجريدة «ليزيكو» الفرنسية، فإن الحكومة تتوقع إنفاق ما يفوق 30 مليار يورو (33.4 مليار دولار) لتغطية البطالة الجزئية والضرائب والضمانات الحكومية لقروض المشروعات الصغيرة. ويأتي هذا بعد تعهد ألمانيا بدعم المشروعات، من خلال بنك الائتمان لإعادة الإعمار «كي إف دبليو»، الذي تملكه الحكومة، وخطة إيطاليا لصرف 25 مليار يورو. وتعهدت المفوضية الأوروبية بتوفير مليار يورو ضمانات للقروض من خلال بنك الاستثمار الأوروبي.
ربما ينتهي الأمر بظهور التهديد الأكبر للاستجابة الفعالة للأزمة من الولايات المتحدة، وليس من بروكسل؛ حيث لا يوجد كثير من الأمل في أن تقرب محادثة هاتفية جماعية بين رؤساء الدول الصناعية السبع (جي 7) التي كان من المقرر حدوثها الاثنين بين دول أوروبا والرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي اتهمها بنشر الفيروس، والذي قال إن بلاده تحكم السيطرة عليه بشكل «كبير».
وباقتباس كلمات العالم الفرنسي لويس باستير (بشكل غير موفق) فإن الكلمة الأخيرة ستكون للفيروس. فإذا فشل منحنى الإصابات في الانخفاض كما هو مأمول بمرور الوقت، فمن الصعب تخيل أن إنفاق مزيد من المال سيهدئ الناخبين المعزولين في المنازل أو الأسواق المتذبذبة. لكن في الوقت الحالي، هناك بصيص من الضوء وسط الظلام. فخيار أوروبا بتجميد اقتصادها لعلاجه، وحدوث ركود، أمرٌ محتمل، لكن الالتزام المتزايد للحكومات بتوجيه ميزانياتها لعلاج الأزمة لتخفيف الضربة التي وجّهها كورونا هو تطور مرحب به.
وحتى ينتشر هذا في دول العالم بشكل أكبر وأكثر تنسيقاً، فإن أي احتفال بالتغلب على الفيروس سيكون سابقاً لأوانه.
بريطانيا تكشف عن حزمة 400 مليار دولار لدعم الشركات المتضررة من كورونا
محافظو بنوك الخليج المركزية: النظام المالي لدينا قادر على مواجهة التحديات
معجزة الصين
هناك قول ينسب لنابليون : «دعوا الصين تنام فإنها إن استيقظت سوف تهز العالم»، وذكر فريد زكريا في كتابه «العالم بعد أميركا» قولا لـ(دينغ زياوبينغ) في عام 1978 وكان رئيساً جديداً للحزب: «ليس مهما إن كانت قطة سوداء أم بيضاء، ما دام أنها قادرة على الإمساك بالفئران فإنها قطة جيدة»، وكان في قوله إشارة قوية إلى البعد عن الآيديولوجيا والتركيز على الوقائع، فقد ركزت الصين في السابق كثيرا على نشر ثقافتها في الدول المحيطة، وتاريخها مليء بالحروب والكراهية والاحتلال بينها وبين دول مجاورة مثل كوريا واليابان وفيتنام وغيرها. ولعل خطابه ذلك كان نقطة تحول في التاريخ الحديث للصين.
فمن ينظر إلى الصين اليوم يكاد لا يصدق أنها ذات الدولة عام 1979، فمنذ ذلك الوقت وحتى الآن زاد متوسط النمو السنوي للصين عن 9 في المائة، وهو معدل غير مسبوق في التاريخ المكتوب، حتى أن الناتج الإجمالي في عام 2019 زاد على 14 تريليون دولار، بعد أن كان 178 مليار دولار فقط في نهاية السبعينات، أي أن الناتج الإجمالي للصين تضاعف 76 مرة، بينما تضاعف حجم الاقتصاد العالمي بين هذين العامين تسع مرات فقط! وخلال هذه الفترة استطاعت الحكومة الصينية انتشال أكثر من 400 مليون شخص من تحت خط الفقر، وتضاعف دخل الفرد في الصين 16 مرة، من ألف دولار في بداية التسعينات إلى 16 ألف دولار (وهو ذات المتوسط العالمي حاليا)، بينما تضاعف متوسط دخل الفرد على مستوى العالم 3 مرات فقط! كما ارتفع معدل الأعمار في الصين من 66 عام 1979 إلى 76، وزادت جودة التعليم وسنواته كذلك في الصين، واستحدثت الحكومة برامج ضخمة للابتعاث، ففي عام 2018، بلغ عدد الطلبة الصينيين خارج الصين أكثر من 660 ألف طالب، حتى مع علم الحكومة الصينية أن نسبة من هؤلاء الطلاب لا ينوون العودة للصين، إلا أنها استمرت في زيادة عدد الطلاب سنة تلو سنة بمعدل زيادة سنوية بلغ 9 في المائة. والصين استطاعت أن تحول نقطة ضعفها (وهي كثرة السكان) إلى نقطة قوة، فالمواطن الصيني ليس عبئا على العالم اليوم كما كان بالسابق، بل يمثل قوة اقتصادية من ناحيتي الإنتاج والطلب، والسوق الصينية نفسها تؤثر على كبريات الشركات العالمية، كل ذلك بفضل ارتفاع مستوى الدخل للمواطن الصيني.
والأثر الذي أحدثته الصين داخل حدودها، ما لبث أن وصل إلى جميع دول العالم، فالصين تصدر في اليوم الواحد الآن أكثر من مجموع ما صدرته طوال عام 1978! وكبريات الشركات العالمية لا تستطيع الاستغناء عن المنتجات الصينية. فشركة (وول مارت) الأميركية صاحبة المركز الأول في قائمة (فورتشن 500) بعوائد سنوية تربو على 500 مليار دولار تستورد ربع منتجاتها من الصين، وشركة (أبل) الثالثة في ذات القائمة تملك 12 مصنعا في الصين بعدد موظفين يفوق 250 ألف موظف. والكثير من الدول الآسيوية المحيطة بالصين تتغذى على قوة الطلب الصيني وارتكاز سلاسل التوريد العالمية عليها.
لم يأبه العالم يوما لما يحدث بالصين مثل ما يهتم الآن، ومصدر هذا الاهتمام أناني بحت، فمصلحة الصين هي مصلحة العالم في الوقت الحالي، وشلل الصين أدى فعليا إلى شلل عالمي. ولم تفعل الصين ذلك بالآيديولوجيا، بل فعلته بقوتها الاقتصادية التي جعلت كل دول العالم تعتمد على المنتجات الصينية. وكأن الصين أدركت أن الاقتصاد هو القوة الأكثر تأثيرا في العالم، فلم تكتسب الصين أهميتها اليوم من قوتها العسكرية – مع عدم إنكار هذه القوة – بل اكتسبتها من مواءمة مصالح الدول معها، وهي لم تزل على نفس المسار حتى هذا اليوم، فاستثماراتها في الدول الأفريقية في تزايد غير منقطع وملأت بذلك الفراغ الذي أحدثته دول الاستعمار، وهي ماضية كذلك في توحيد مصالحها مع مصالح بقية دول العالم، فطريق الحرير الجديد – حتى مع خدمته الواضحة للصين – إلا أن الكثير من الدول تسابقت على الانضمام للصين في هذا المشروع الذي ينشط مناطق اقتصادية في دول عدة. واتضح جليا أثر استمرار الصين في هذه السياسة على مدى العقود الماضية، فالكثير من الدول تأثرت سلبا بالحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، بل حتى الولايات المتحدة نفسها تضررت بشكل كبير – مع بقية دول العالم – من فيروس كورونا المستجد الذي تفشى في الصين، والذي أوضح بشكل لا يمكن الشك فيه، أن ما يؤلم الصين يؤلم العالم بأكمله.
د. عبدالله الردادي.