أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

الودائع أحرجت الجميع وأسقطت الاتفاق والخطة

هناك مجموعة من الأهداف للزيارة التي قام بها وفد صندوق النقد الدولي الى بيروت الاسبوع الماضي، والتي انتهت ببيان تعدّدت القراءات في تفسير مضمونه، لكن الهدف الرئيسي للزيارة تمثّل في حسم البند المتعلّق بالخسائر والودائع، للبناء عليه في التعاطي مع الدولة اللبنانية في المستقبل.

منذ توقيع الاتفاق الأولي على مستوى الموظفين في نيسان الماضي، وتعهّد الدولة بكل أركانها، بما فيها الرئاسات الثلاث، بتنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه للوصول الى اتفاقية تمويل لخطة انقاذ مع الصندوق، برزت مسألة جوهرية تتعلق بتوزيع الخسائر، وملف الودائع، على انها نقطة مبهمة، تعمّدت «الدولة» ان تكون كذلك، لأنها لم تجرؤ على مكاشفة المواطنين بموافقتها على شطب القسم الاكبر من الودائع، بذريعة ان نجاح خطة التعافي صعب، اذا كانت هناك التزامات مالية كبيرة، مطلوب من الخزينة تسديدها.

المشكلة في هذا الملف، لا تقتصر على خطورة موافقة السلطة على مبدأ الشطب، بل تتمدّد الى مسألة محاولات التذاكي على المواطنين، وعلى صندوق النقد. وهكذا كانت الدولة تقول للناس ان اموالهم مؤمّنة، وانّ الودائع مقدسة، وان لا صحة لما يُقال في شأن شطب الودائع في الخطة التي وضعتها الحكومة. وفي المقابل، كان المسؤولون في الحكومة يخاطبون صندوق النقد بلغة التطمين الى انهم أقرّوا الخطة كما تم الاتفاق عليها، اي ضمان 100 الف دولار لكل المودعين، وشطب ما تبقى بوسائل متعددة.

هذه الازدواجية ومحاولات التذاكي، وبصَرف النظر عن انّ ضمان الـ100 الف دولار، من دون ان تَفي الدولة ومصرفها المركزي، بجزء من ديونها على الاقل، كانت مجرد وهم وتدجيل، إلّا أن الطامة الكبرى تكمن في استمرار التلاعب، وكأن ملفاً بهذا الحجم، يمكن أن يُنجز بكذبة من هنا، وتمويهٍ من هناك.

في هذه الاثناء، كان المسؤولون عن الملف اللبناني في صندوق النقد يتابعون عن كثب ما يجري على خطين: الخط الاول يتعلق بتنفيذ الدولة الاجراءات التي تعهدت بها، كممرات الزامية للوصول الى توقيع الاتفاق النهائي مع الصندوق، وقد تبيّن ان تنفيذ هذه الاجراءات لم يصل الى نسبة 20% مما هو مطلوب، وظل الكابيتال كونترول والانتظام المالي واعادة هيكلة المصارف مجرد مشاريع عالقة بين الحكومة والمجلس النيابي. والخط الثاني يتعلق بخطة التعافي، والتي تحولت الى لغز، بحيث انها كادت ان تضيع بين الحكومة والمجلس. السلطة التنفيذية تدّعي انها انجزت وارسلت الخطة الى المجلس للمناقشة، والسلطة التشريعية تدّعي انها لم تتلق اية خطة للنقاش.

هذا الغموض غير البناء، كان متعمّداً، ذلك ان أي طرف لا يريد ان يعترف بوجود خطة كاملة، لأنه سيضطر في هذه الحالة الى الاعتراف بقرار شطب الودائع. وهكذا تم اللجوء الى مناورات هزيلة ومكشوفة، كأن يقال مثلا انّ الخطة تنصّ على فك الارتباط (الالتزامات المالية) بين مصرف لبنان والمصارف التجارية. أو ان تتعهد الدولة بتمويل مصرفها المركزي بما يوازي مليارين ونصف مليار دولار، وهي تعلم ان المطلوبات على المركزي حيال المصارف يقارب الـ80 مليار دولار، وتعرف ان «ديونها» حيال المركزي تناهز الـ70 مليار دولار.

هذا التكاذب الذي اعتقدت الدولة انه قد يمر، ويُقنع المودعين وصندوق النقد في آن، يكشف حجم الغباء والاستخفاف في عقول بعض المسؤولين.

في هذه الاثناء، كان صندوق النقد يراقب هذا التمويه المتعمّد، وينتظر ما سيؤول اليه الوضع. لكن، وبعدما اقترب الموضوع من الحسم، وصار لزاماً على الحكومة وعلى النواب ان يتخذوا قرارات واضحة حيال مسألة الودائع، وقعَ المحظور. وعندما لاحظ المسؤولون في الصندوق وصول الامور الى مأزق، قرروا ان يزورا لبنان للاطلاع على حقيقة الموقف القائم.

وهكذا تبلّغ وفد الصندوق، بما لا يحتمل اي لبس، ان النواب لن يوافقوا على اقرار اية خطة تتضمّن شطباً للودائع. وهذا الوضوح ليس سيئا، لكنه جاء متأخرا، وبعدما أضاع البلد حوالى فترة طويلة أمضاها في التفاوض مع الصندوق.

ماذا سيجري في المرحلة المقبلة، بعدما عاد وفد الصندوق بخلاصة ان مسألة شطب الودائع لن تمر؟

النتائج مرتبطة بسلوك الدولة اللبنانية، التي لا تستطيع ان تقول لا، من دون ان توجِد البديل. وبالتالي، صار مطلوبا تغيير منهجية مقاربة فلسفة خطة التعافي، واعادة التفاوض مع صندوق النقد حول بند الودائع. ولكن المفاوضات لن تنجح اذا استمرت كما كانت في السابق، بل ينبغي تقديم براهين تُثبت ان الدولة سوف تغيّر في منهجية التعافي، أي على الدولة ان تُثبت انها ستقلب معادلات النمو، من خلال إشراك القطاع الخاص بقوة في ادارة مقدرات الدولة، بكل تفرعاتها، وبأن خطط تقليص نسب التهرّب الضريبي والتهريب، وتوسيع مروحة المكلفين، ستنتقل الى التنفيذ، وان الحسابات التي يجريها صندوق النقد لاحتمالات نمو الاقتصاد، والقائمة على حسابات كلاسيكية تفترض ان الامور ستستمر كما كانت في السابق، ينبغي تغييرها، لأن الاستدارة نحو تغيير النهج، والانتقال الى اقتصاد الشراكة بين العام والخاص، سيؤديان الى نسَب نمو كبيرة، تسمح للدولة بتسديد قسم من ديونها، من دون ان يعيق قدراتها على القيام بواجباتها حيال ضمان استمرار النمو والتعافي على مستوى الدولة.

والسؤال، هل ستأخذ الدولة قرار تغيير النهج في خطة التعافي؟ ومتى ستبدأ مرحلة المفاوضات الجديدة؟ ومن سيتولاها من الجانب اللبناني؟

أنطوان فرح

هل ينتهي «زمن» الهيركات مع بلومبرغ؟

مثل أي موضوع يُطرح في لبنان، حَظي التعاون مع بلومبرغ بقدرٍ كبير من التغطية الاعلامية، واصبحت كلمة بلومبرغ مرادفة للتساؤلات والقلق، وموضع نقاشات وخلافات، بين مؤيّد ورافض. فهل يستحق هذا الموضوع ويحتمل هذا القدر من الاهتمام؟

بداية، لا بد من التذكير بأن لا علاقة لبلومبرغ بما يجري من نقاشات في لبنان، بمعنى ان الموضوع في حقيقته يرتبط بقرار انهاء مرحلة، والبدء في مرحلة جديدة، تحتاج الى منصة تداول لتنظيم السوق. وبالتالي، سواء كانت هذه المنصة بلومبرغ، أو رويترز أو حتى بورصة بيروت، فإنّ النتيجة واحدة، ولا علاقة للمنصات بها، بل ان النتائج التي قد تتمخّض عن هذه النقلة، سوف تتقرر في ضوء المسار الذي ستسلكه التطورات الاقتصادية والسياسية. وما ستقوم به الدولة، وما لن تقوم به، سيظهر في السوق المالي، عبر «شاشة» بلومبرغ.

هناك مجموعة نقاط يمكن تسجيلها مع بداية المرحلة الجديدة، بعضها مطمئن، وبعضها الآخر يثير القلق. في الايجابيات البديهية، ما يلي:
اولاً – تقليص حجم الاقتصاد النقدي، وهو مطلب خارجي، ركّزت عليه واشنطن في الفترة الأخيرة، وتبلّغه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وحاكم المركزي بالانابة وسيم منصوري.
ثانياً – تساهم في خفض عمليات تبييض الاموال، في حال وجدت.
ثالثاً – تعيد السوق المالي اللبناني الى اتّباع المعايير العالمية المعتمدة، اي انها تسمح بمعرفة السعر الحقيقي لليرة بناء على العرض والطلب، وبناء على معطيات الاقتصاد.
رابعاً – تسمح بتتبّع حركة الاموال، وتخفيف المضاربات المشبوهة، المرتبطة بأهداف ربحية او بأهداف سياسية، وما شابه.

في النتيجة انها بداية عملية تحرير وتوحيد لسعر الصرف، والخضوع لمعايير السوق والاقتصاد في تحديد سعر الليرة. وهنا، لا بد من الاشارة الى معلومات تفيد بأنّ بدء عمل بلومبرغ سوف يترافق مع قرار بتوحيد سعر الصرف، وهذا يعني ان السعر الرسمي للدولار (15 الف ليرة) قد يتغير، وكذلك سعر سحب اللولار من المصارف (ايضاً 15 الف ليرة). وهذا يعني ان الهيركات على الودائع الدولارية الذي تنظّمه تعاميم لمصرف لبنان حالياً قد ينتهي. لكن من البديهي انه سيتم في هذه الحالة تحديد سقف جديد للسحب، أقل بكثير من السقف الشهري الحالي (1600 دولار). وهناك من يقول انّ السقف الجديد سيكون بما يوازي بالليرة، 200 دولار شهرياً. وبما ان السحب وفق التعميم 158 بات بدوره، يتم من دون هيركات، فهذا يعني ان كل انواع الهيركات لقاء السحب من الودائع، قد تنتهي مع البدء في تنفيذ الاجراءات المواكبة لبدء عمل بلومبرغ في السوق اللبناني.

وفي النقاط التي تثير تساؤلات، يمكن ايراد التالي:
اولاً – هل ستكون داتا المعلومات بين يدي الجهة اللبنانية التي ستشرف على حركة السوق المحلي، ام انها ستكون متاحة للجهات الاجنبية المشرفة على عمل المنصة؟
ثانياً – في حال صحّ ما يُقال عن وجود عمليات تبييض في السوق، فهل ان تقليص حجم التبييض بعد دخول بلومبرغ، سيتسبّب بضغط اضافي على الليرة، انطلاقا من انخفاض كمية الدولارات المعروضة؟
ثالثاً – كيف سيترجم السوق عجز مصرف لبنان عن التدخل، كما تفعل في العادة البنوك المركزية في العالم. على اعتبار ان تحرير سعر الصرف وجعله خاضعا لمعايير السوق (floating) لا يعني انتفاء دور البنك المركزي، الذي غالباً ما يتدخل لدوزنة السوق، ومنع الصدمات الكبيرة، ضمن هوامش مُحدّدة. هذا الدور قد لا يستطيع مصرف لبنان القيام به، بما سيجعل المواطن تحت رحمة السوق فقط. وهذا يعني انّ استمرار تقصير الدولة في القيام بواجباتها الاصلاحية سيدفع ثمنه اللبناني فوراً في سوق الصرف، من خلال تراجع في قدراته الشرائية، وزيادة التضخم.
يبقى السؤال الاهم والأبسط الذي يطرحه المواطن اليوم: هل سيؤدي دخول بلومبرغ الى السوق الى تراجع الدولار او ارتفاعه؟ وهل صحيح ما يُقال ان الدولار سيرتفع بسرعة الى اسعار قياسية وشبه خيالية؟

صحيح انه لا توجد اجابة واضحة، على طريقة ابيض او اسود، لكن ينبغي أن نشير الى ان السوق في الشهرين الماضيين كانت حُرّة تقريباً، بمعنى ان سعر الدولار شبه المستقر لم يكن اصطناعياً. وحتى الدولارات التي أمّنها المركزي للدولة، لم تكن نتاج ضَخ دولارات من الاحتياطي، بل تمّ جمعها من السوق. واذا استثنَينا عامل موسم السياحة الذي ساهم في ضخ دولارات اضافية، وعامل الدولارات التي ضخها المركزي حتى نهاية تموز، نستطيع ان نقول ان سعر الليرة بدأ يتظَهّر على حقيقته قبل بدء مرحلة بلومبرغ. وبالتالي، لا يفترض ان نتوقع مفاجآت كبيرة بعد بدء عمل المنصة. وبالتالي، وفي حال طال الوقت قبل بدء عمل بلومبرغ، لمدة 3 أو 4 اشهر فإنّ سعر الليرة الحقيقي سيتبيّن في السوق، في حال واصل المركزي سياسته الحالية. وبالتالي، عندما تبدأ بلومبرغ، لن يكون هناك تغيير في حركة السوق، ولا في سعر الدولار. لكن الخوف ان سياسة الدولة لم تتغير. وعندما تتغير السياسة النقدية، ولا تتغير السياسة المالية والاقتصادية، فهذا يعني ان مسيرة الانهيار ستستمر. وبالتالي، إنّ مسيرة انهيار العملة الوطنية تحصيلٌ حاصل، سواء كانت بلومبرغ موجودة او غير موجودة.

أنطوان فرح

 

من العجز على الورق إلى العجز في حياتنا اليومية

منذ نحو ثلاثة عقود، نسمع ونقرأ عن موضوع العجز، في قيودنا وسجلّاتنا، وموازنتنا، وأرقامنا، لكن هذا الأخير كان عنواناً للكابوس، وحبراً على ورق، من دون أي تأثير على حياتنا اليومية لأنّ هذا العجز المستدام كان يُسدد ويعالج بديون داخلية وخارجية، كانت بنحو نصف مليار بعد خروجنا من الحرب، ووصلت إلى الـ 100 مليار حين تسلّم ملوك الحرب الإقتصاد والمال العام.

إعتاد المواطنون أن يسمعوا عن هذا الموضوع الشائك من دون أن يشكل خطراً أو تغيّراً على معيشتهم. أما اليوم فقد تغيّرت المعادلة ووصل العجز إلى الكارثة الحقيقية، لأنه لا يوجد وسائل لتمويله، وسيبدأ النقص في كل الحاجات يدق الأبواب.

للتذكير لم يكن لدينا أي توازن مالي بين المدخول والمصروف، منذ أكثر من 30 عاماً، لكن اعتادت الدولة والسياسيون على صرف أضعاف قدراتهم، إلى جانب الإستفادات الخاصة والفساد المستشري والمشاريع الوهمية، والأرباح الفادحة، وتقاسم الحصص والمكاسب في ظل صرف مليارات الدولارات من خارج الموازنات طوال ثلاثة عقود. هذه السياسة الدراماتيكية أوصلت البلاد إلى دين عام تخطّى الـ 100 مليار، لكن الكارثة الكبرى تفوق الأرقام، وهي أن أصبحت العادة البسيطة هي صرف عشوائي من دون خطط ولا استراتيجيات، لأن الخسائر والعجز كانا فقط في السجلات، وكانا يُدفعان في الحقيقة من جيوب الناس والودائع من دون حسيب ولا رقيب ومن دون أن يُدرك أحد ما يحصل في الدهاليز عن هذه الجريمة المالية والنقدية.

للتذكير أيضاً، كان هذا العجز يُموّل بواسطة سندات دين داخلية بالليرة اللبنانية، وبسندات دين خارجية (اليوروبوندز) والتي كانت جميعها تؤمّن فوائد مرتفعة وجذّابة، فكلما كانت تزداد المخاطر كلما كانت تزداد الفوائد، وتُجذب الأموال لصرفها عشوائياً، حتى فهمنا أن معنى الدين في الدولة كان بالحقيقة السرقة والفساد.

كما كان العجز يُموّل عبر المؤتمرات الإستثمارية الدولية، والتي كانت تنظّم من أجل لبنان، مثل مؤتمر باريس 1 و2 و3، روما، ستوكهولم، بروكسل ولندن التي كانت تعوّل عليها من جديد هذه الدولة الفاشلة لتسدد العجز، وكانت أيضاً تشجع استمرار الفساد والسرقة من دون أي إصلاح ومراقبة وملاحقة. إضافة إلى ذلك، لن ننسى أنه كان هناك بعض الأعوام الذهبية من النمو والإستثمارات مثل العام 2009 حيث وصل النمو إلى 8 %. فكان العجز يمتصّ من الدورة الإقتصادية والإستثمارات الخارجية ومن العجلة التجارية.

أما اليوم، وفي ظل أكبر أزمة مالية واقتصادية ونقدية في تاريخ العالم، وإنهيار القطاع المصرفي، وتدمير الثقة، إن مصادر التمويل المذكورة لم تكن صالحة:

لا تستطيع الدولة إصدار أي سندات لانعدام الثقة الداخلية والدولية، وبعد التعثُّر المالي الذي هو إفلاس مبطن، وتصنيفنا الإئتماني الدولي إلى رتبة RD-RESTRICTED DEFAULT.
إضافة إلى ذلك، أوضح حاكم المركزي بالإنابة انّ هناك توقيفاً نهائياً لاقتراض الدولة. أما عن البلدان المانحة، فليس وارداً تمويل سنت واحد لما يُسمّونها عصابة الفساد والفشل، فالحل الوحيد الدولي هو عبر صندوق النقد الدولي IMF، وشروطه الصارمة وتفاوضه المعقد، وإذا نجحنا فتمويله لن يتجاوز الـ 3 مليارات حداً أقصى في السنوات الثلاث المقبلة.

أما الدولة اللبنانية، فلا تطبع دولارات لسوء الحظ، لكن تطبع بكثرة ليرتنا الوطنية، التي انهارت وخسرت قيمتها، فإذا لجأت الدولة إلى زيادة الكتلة النقدية، لشراء العملة الخضراء، فهنا ستصبح عملتنا أقل من حبر على ورق، أما إذا لجأت الدولة إلى تمويل عجزها بواسطة الضرائب فهنا الكارثة الأكبر، لأن الضرائب في لبنان، حسب معرفتنا وخبرتنا، لا تُجبى، بل تخفف مداخيل الدولة، وتُفاقم التهريب، والتبييض والترويج، وستقتل ما تبقى من النمو والإستثمار. وإذا كان مشروع الضرائب جدياً، فلماذا الأيادي السود تمنع الجباية الإلكترونية للضرائب، وتتابع إقفال الدوائر العقارية، والمعاينة الميكانيكية وغيرها، والتي يُمكن أن تضخ بعض الأوكسيجين لهذه الدولة الفاشلة.

في المحصّلة، إن الحقيقة المؤلمة تتمثّل في انّ العجز الذي كان فقط في قيودنا الرسمية، أصبح اليوم في حياتنا اليومية، ولا يوجد أي سبل لتسديده، وتمويل أقل الحاجات الإنسانية للتعايش والصمود. فبعد 30 عاماً من النهب والفساد، وبعد ثلاثة أعوام من إدارة أكبر أزمة دولية، وصل السكين الحاد إلى الرقبة، ونتّجه نحو عدم قدرة الدولة على تمويل ليتر واحد من الفيول، وساعة كهرباء، وحبّة دواء، وكتاب للتعليم ودولار للإتصالات. ولا شك في أن مسلسل التدمير الذاتي واستراتيجيته يتكاملان لذل الشعب اللبناني على نحو أكثر، وفصلنا نهائياً عن العالم المتحضّر.

د. فؤاد زمكحل

مصير الدولار في لبنان بعد إطلاق منصّة «بلومبرغ»

 

بعد حديث حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري عن توجّه المصرف المركزي لتوفير منصّة تبادل جديدة عبر «بلومبرغ»، لتسهيل التداول وقلب الليرات إلى دولار، أسئلة كثيرة تُطرح عن دور المنصّة ومن سيكون المستفيد منها، هل ستكون لتمويل احتياطات الدولة من الدولار فقط ام ستكون مفتوحة للجميع؟ ولعلّ الأبرز مصير سعر الصرف في المرحلة المقبلة، وهل من متغيّرات مرتقبة في سعر دولار المصارف؟

للوهلة الاولى يعطي الحديث عن إنشاء منصّة تداول دولية «بلومبرغ» انطباعاً ايجابياً عن المرحلة المقبلة، لاسيما اذا كانت معطوفة على التصريحات المتلاحقة لحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، وتأكيداته المتكرّرة بأنّ لا رجوع عن قرار عدم تمويل الدولة اللبنانية بالليرة أو بالدولار، وأنّه لم يعد بالإمكان الاستمرار في السياسات السابقة، الى جانب طمأنة منصوري الى أنّ إعادة الأموال للمودعين ليست مستحيلة، ولا ينبغي أن ينتظر المودعون لفترة أكثر.

هل يمكن التعويل على كلام منصوري لفتح نافذة جديدة على الشق المالي، لا سيما في ظلّ التحذيرات المتكّررة من خطورة التأخّر في إقرار القوانين الإصلاحية، وخطورة الاستمرار في الاقتصاد النقدي الذي يعرّض لبنان لمخاطر عزله عن النظام المالي الدولي؟ ومتى بدأ التداول عبر منصّة «بلومبرغ»، اي سعر صرف سيعتمد السعر الرسمي أي 15 الفاً أم السعر الذي توقفت عنده منصّة صيرفة 85 الفاً؟ وفي حال توحيد سعر الصرف، ما سيكون مصير سعر دولار المصارف، هل يبقى عند 15 الفاً أم سيرتقي لسعر السوق الحقيقي؟ واساساً، ما هو سعر الصرف الحقيقي الذي سيكشف عنه التداول عبر «بلومبرغ»، هل يتجاوز الـ 100 الف أم سيتراجع الى ما دون سعر صيرفة؟ وهل سيعتمد سعر التداول في الموازنة وتسعير الانترنت والكهرباء؟…

في السياق، يقول رئيس قسم البحوث والتحاليل الاقتصادية في بنك بيبلوس نسيب غبريل لـ«الجمهورية»، انّ هدف المنّصة الجديدة هو إضفاء نوع من الشفافية على العرض والطلب، الى جانب تحديد سعر الدولار الحقيقي في السوق اللبناني من دون اي دعم وتدخّل من مصرف لبنان.

أضاف: «انّ «بلومبرغ» هو اسم عالمي. لذا انّ الارتباط فيها اساسي»، موضحاً أنّ «آلية عمل المنصّة ستصدر عن مصرف لبنان وليس عن «بلومبرغ» التي ستكون المضيف الحاضنة للمنصّة».

وشرح انّ مصرف لبنان سيعطي الإذن للمصارف والمؤسسات المالية كما الصيارفة المرخّصين للتدخّل بشكل مباشر على هذه المنصّة طلباً للدولار باسم زبائنهم، مرفقاً بمعلومات كافية عنهم. وأشار الى اّن أكثر طرف يطلب الدولار هم كبار المستوردين الذين سيأتون بالدولار النقدي بغرض الاستيراد. وأشار الى انّ طلب الدولار سيكون وفق سعره في السوق السوداء وليس وفق سعر مدعوم. لذا ما من حافز يشجّع بقية الأفراد للتداول عبر هذه المنّصة على عكس منصّة صيرفة التي جذبت كل الافراد للتداول عبرها، مستفيدين من فارق الدولار بينها وبين سعر السوق السوداء.

ورداً على سؤال، أكّد غبريل انّه لا يمكن معرفة سعر الدولار الحقيقي في السوق قبل البدء بعملية التداول، لأنّ هذه المّرة سيكون سعر الدولار مبنياً على العرض والطلب الذي يمثل فعلاً الطلب بالاقتصاد اللبناني وليس الطلب على الدولار بغية تحقيق ارباح او المضاربة.

تابع: «يجب ان يستبق التداول عبر «بلومبرغ» تعاون السلطات التنفيذية والتشريعية لتطبيق الاصلاحات للخروج من الأزمة. لكن، وبما انّ الجو اليوم غير مؤاتٍ لتمرير القوانين الاصلاحية التي ينتظر إقرارها انتخاب رئيس للجمهورية، لذا يبدو انّ منصة التداول ستنطلق قبل ذلك».

وعمّا اذا كان التداول عبر «بلومبرغ» هو ممر لتوحيد سعر الصرف أكان سعر الصرف الرسمي او سعر دولار المصارف او دولار الموازنة وغيرها، قال: «انّ توحيد سعر الصرف هو أحد الإجراءات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، وعندما رفع المصرف المركزي سعر الصرف من 1500 ليرة الى 15 الفاً أصدر التعاميم اللازمة لتوحيد بعض الاسعار، مثل اسعار السحوبات من المصارف والاسعار الواردة في التعميمين 151 و 158 على 15 الفاً، لكنه لا يزال من المبكر الحديث عن توحيد سعر الصرف، رغم انّه هدف منشود على المدى الطويل. لذا، تبقى انّ اول خطوة مطلوبة اليوم هي اطلاق المنصّة ولننتظر لنرَ الاجراءات التي يمكن اتخاذها لمواكبة هذه الخطوة، وصولاً الى توحيد سعر الصرف، اذا كان الهدف السير بالبرنامج الاصلاحي».

ايفا ابي حيدر

الضرائب التخريبية V/S الضرائب الإنمائية

 

نذكّر ونكرّر ونشدّد على أن مشروع الموازنة المقترح من مجلس النواب يضمّ إصلاحات وهمية في العناوين، ومبني على ضرائب حيال شعب منهوب، وإقتصاد مهترئ. ينبغي التركيز على هدف الضرائب في البلدان المتمدّنة، مقارنة بين الضرائب التخريبية والتدميرية والضرائب الإنمائية والإنتاجية.

تأتي الضريبة عادة، من ضمن رؤية واستراتيجية، إقتصادية ومالية ونقدية، وتهدف مبدئياً إلى تمويل الكلفة التشغيلية، ودفع رواتب وأجور القطاع العام، والمتعاقدين في الدولة، وخصوصاً لتأمين إستثمارات بنّاءة تهدف إلى النمو وخلق فرص الوظائف.

إن أساس السياسة الضريبية تهدف إلى تأمين إحتياجات المواطنين، في الصحة والتعليم والأمن وتأمين البنى التحتية، وتحسين نسبة عيشهم، وتوفير حاجاتهم. بمعنى آخر إن الضريبة هي استثمار مع مردود لهذا التمويل. فإذا أعطى المواطنون بيد، يسترجعون أضعافاً من الخدمة والإنماء والفرص من جهة أخرى.

إذا نظرنا في مبدأ الضرائب في لبنان، نرى بوضوح أننا مرة أخرى نسير عكس القطار، فإذا كان هدف الدولة تمويل الكلفة التشغيلية، نتساءل عن أي كلفة تشغيلية عندما نلاحظ أن معظم إدارات الدولة مقفلة ومتوقفة عن العمل. أما إذا ركّزنا على رواتب وأجور القطاع العام فلا نستطيع أن ننسى أو نتناسى أن هناك قسماً كبيراً من موظفي القطاع العام يجهلون مكان عملهم، ويتقاضون رواتب من مصادر عدة، من دون أن ننسى أن جزءاً كبيراً من التوظيف عادة يكون سياسياً، حزبياً وطائفياً وليس إنمائياً.

من جهة أخرى ندرك تماماً أن قسماً من موظفي الدولة، لا يعيشون من رواتبهم، لكن يتّكلون أساساً على الرشاوى التي يتقاضونها أضعافاً مضاعفة بالدولار الفريش. أما إذا ركّزنا على البنى التحتية، فهناك أموال هائلة صُرفت، هُدرت وسُرقت على مشاريع وهمية، وعلى بنى تحتية متهالكة ومهترئة. أما الإستثمارات فإذا حصلت، فإنّ عمودها الفقري الفساد وتوزيع المشاريع لأهداف خاصة بعيداً عن الإنماء. أما فرص العمل فهدفها إذا خُلقت، يكون عادة إنتخابياً وليس إنتاجياً.

من جهة ثالثة، إذا ركزنا على مَن يدفع الضرائب ولمن: مَن يلاحق بالضرائب هو شعب منهوب، ومذلول ومنكوب، ومسروق من الذي يُطالبه ذاته. فهذا المواطن يُلاحق بضرائب عشوائية من دون أي مردود، ومن دون أي خدمة بالحد الأدنى، أكانت أساسية أو إنسانية: فلا طبابة، ولا تعليم، ولا كهرباء، وطرقات، ولا مياه، ولا إتصالات ولا بنى تحتية، وحتى يمكن أن نصل إلى لا أمن. أما الذين يطالبون بالضرائب فهم المسؤولون المباشرون عن أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية ومالية ونقدية في تاريخ العالم، وهم المسؤولون عن أكبر عملية نهب في الكرة الأرضية، وها هم اليوم يلجأون إلى ضرائب إضافية لتمويل فشلهم وتمويل عجزهم ولا سيما تمويل خساراتهم.

فها هي البدعة الجديدة، بأن الضرائب ستُستعمل لتمويل الخسائر وتسديد العجز. نذكّر ونشدد على أن الخسارة وقعت، من سوء إدارتهم ومن فسادهم ومن سرقتهم، وإستُعملت لتمويل أهدافهم السياسية وحملاتهم الإنتخابية وبناء قصورهم. أما العجز فوقع من وراء سوء إدارتهم أيضاً، وإن أساساً أي عجز لن يُسدّد بالضرائب لكن بالإنماء والإستثمار وإستقطاب المستثمرين والرياديين والمبتكرين، وليس تهريبهم وطعنهم يوماً بعد يوم.

أخيراً إنه من المعروف في لبنان أنّ أقل من 50% من الشعب اللبناني يسدّد الضرائب، وأقل من 50% يُجبى من الدولة. وأي رفع للضرائب يعني زيادة التهريب والتبييض والترويج وتحفيز الإقتصاد الأسود، وطعن الإقتصاد الأبيض. بمعنى آخر إنّ زيادة الضرائب عشوائياً، تضرب النمو الحقيقي، وتزيد النمو التخريبي، ولا تزيد مداخيل الدولة لا بل تُنقصها.

في المحصّلة، إننا في لبنان بعيدون عن مبدأ الضرائب الإنتاجية والإستثمارية لا بل إننا ملوك الضرائب التخريبية والتدميرية، متّبعين الحفر في الخندق العميق ذاته من جهة القعر وليس من جهة النور.

 

د. فؤاد زمكحل

الدولار في تشرين… قصة مختلفة

لا يمكن الحكم على الوضع المالي والاقتصادي من خلال ما هو سائد اليوم. في هذه الحقبة، هناك استقرار نقدي، ونشاط اقتصادي ملحوظ في اكثر من قطاع، بما قد يُرسل اشارات مُضلّلة حول حقيقة الوضع. وما ينتظر البلد في المرحلة المقبلة، قد يكون مغايراً لما هو قائم اليوم.

شكّل كلام حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري، الحدث الأبرز في الايام القليلة الماضية. فهل ينبغي ان يطمئن اللبنانيون حيال ما سمعوه من منصوري، ام العكس صحيح؟

ما قاله منصوري يمكن ان يُقسّم الى عنوانين عريضين:

أولاً – مصرف لبنان سيقوم بما ينصّ عليه القانون، ولن يتمّ المسّ بما تبقى من اموال المودعين في الاحتياطي الالزامي، ولن يتمّ إقراض أو تمويل الدولة من هذه الاموال تحت اي ظرف من الظروف.

ثانياً – ان الوضع على المدى المتوسط ليس مطمئناً، خصوصا في ما يتعلق بسعر صرف الليرة التي قد لا تبقى مستقرة في المرحلة المقبلة.

انطلاقاً من هذين العنوانين، يمكن تشريح موقف منصوري. من جهة، ينبغي ان يطمئن الناس الى ان النهج السابق الذي كان متّبعاً في مصرف لبنان قد توقف، وبالتالي، لن يتمّ تعميق الفجوة المالية وانفاق ما تبقى من حقوق الناس في المركزي. ومن جهة ثانية، من حق اللبنانيين ان يشعروا بالقلق، لأن كل الضغط الذي وضعه منصوري ونواب الحاكم على السلطة السياسية بشقيها التنفيذي والتشريعي، للبدء في اتخاذ الاجراءات المطلوبة للسير في اتجاه بدء خطة التعافي، والخروج من النفق، لم يتم تنفيذ أي منها حتى الآن. ولا توحي المؤشرات بأن ذلك سيحصل في الايام القليلة المقبلة.

واذا كان منصوري قلقاً حيال تمدُّد الاقتصاد النقدي (cash economy)، والتداعيات التي قد يؤدي اليها لاحقاً، يبدو رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اكثر قلقاً من منصوري حيال هذا الموضوع. وينقل زوار ميقاتي عنه، انه يتحدث بشكل مستمر عن مخاطر استمرار هذا الوضع. ويكشف ميقاتي ان لبنان استورد حتى الان بنحو 16 مليار دولار، نصفها تقريبا بالدفع النقدي. اي ان المستورد يودع في المصرف المبلغ المطلوب نقداً، لفتح اعتماد وتسديد فاتورة الاستيراد.

ويتساءل ميقاتي امام زواره، ألا يعرف من لا يزال يعرقل إقرار القوانين انّ الغرب يراقب ما يجري على مستوى الاقتصاد النقدي بريبة. ورغم ان الدول الغربية المعنية لم تبادر الى اتخاذ اي اجراء في حق لبنان حتى الان، هل نستطيع ان نعرف متى تقرر هذه الدول شدّ الحبل، ومعاقبتنا؟ ألا يشكّل اجراء من هذا النوع كارثة اضافية في حق اللبنانيين؟ ألا يتحمّل من يعرقل الاجراءات المطلوبة للتخفيف من حجم الاقتصاد النقدي، والاتجاه نحو تطبيع الوضع المالي، مسؤولية ما قد يحصل على هذا الصعيد؟

وينقل زوار ميقاتي عنه أيضاً، انه غير مرتاح للتعديلات التي تمّ إدخالها على مشروع قانون الكابيتال كونترول الذي أرسلته الحكومة الى المجلس النيابي، اذ شملت هذه التعديلات المسّ بالفريش دولار. وهذه نقطة خطيرة، كما يراها ميقاتي، وستحرم البلد من تدفّق الدولارات الفريش، اذ كيف سيُدخل اي مستثمر او مواطن دولارات الى القطاع المصرفي، اذا كان يعلم انه لن يسمح له بإخراجها. وما سيحصل في هذه الحالة، تشجيع بقاء الدولارات خارج المصارف، بما يعني توسيع سوق الاقتصاد النقدي بدلاً من تقليصه، وبالتالي زيادة المخاطر على البلد.

هذا القلق الذي يشعر به ميقاتي تقابله مخاوف مبرّرة حيال ما قد يحصل في الاشهر القليلة المقبلة. واذا اعتبرنا ان مصرف لبنان سيثبت على سياسته الحالية، واذا ما اعتبرنا ان السلطة لن تغيّر نهجها، ولن تكون هناك اجراءات اصلاحية في المرحلة المقبلة، كيف سيكون المشهد في هذه الحالة؟

من الواضح انّ وفرة الدولارات في هذه الحقبة، والناتجة عن ضخ الدولارات منذ منتصف آذار الماضي من قبل مصرف لبنان، لا سيما في شهر تموز حين تمّ ضخ كميات اضافية في السوق يقول البعض انها وصلت الى حوالى 400 مليون دولار، والناتجة كذلك عن الموسم السياحي الذي ساهم في زيادة المعروض من العملة الخضراء في السوق، كل ذلك سهّل ثبات سعر الصرف بعد تجميد العمل بـ»صيرفة». كما سمح لمصرف لبنان بجمع كمية من الدولارات لتأمين الاولويات التي تحدث عنها منصوري، (رواتب موظفي القطاع العام ومستلزمات الجيش والقوى الامنية). ولكن الوضع سيكون مختلفاً بدءاً من تشرين الاول المقبل، حين سيكون السوق قد هضم الفائض الدولاري، وتوقف التدفق من السياحة، وكذلك قد لا يتم ضخ اي دولار عبر «صيرفة»، على اعتبار ان شرط الضخ عبر هذه المنصة هو عدم تعرّض المركزي لخسائر. وفي هذه الحالة، من المرجّح ان يضطرب سوق الصرف، ونعود الى نهج الارتفاع غير المضبوط في سعر العملة الخضراء. وما لا يعرفه الجميع حتى الان، انّ حقوق السحب الخاصة (SDR) التي كشف بيان المركزي قبل 10 أيام انها تدنّت الى 125 مليون دولار، من مليار و138 مليون دولار، عادت وتراجعت اليوم الى 78 مليون دولار بعدما استخدمت الدولة من هذه الحقوق مبلغ 47 مليون دولار في 21 آب الجاري. وبالتالي، قد لا يكون مستبعداً أن تلجأ «الدولة» الى تكبير الكتلة النقدية بالليرة لدفع مستحقات، او تسديد عجز، بما سيزيد المخاطر على سعر الصرف، وقد يعرّض الليرة الى نكسة تفوق في تداعياتها، ما حصل حتى الآن.

أنطوان فرح

لهذه الأسباب… قانون الكابيتال كونترول “يفتقد” الى ما يُراد منه

لقد قامت الحكومة اللبنانية بإعداد قانون لوضع ضوابط على التحويلات والسحوبات (قانون الكابيتال كونترول)، ولكن يبدو أنّ هذا القانون يشوبه عدّة ثغرات. صدرت مسودة القانون في 7/4/2022 بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الأزمة، مما ينفي الحاجة له بعد ان حولت رؤوس أموال ضخمة الى الخارج قبل هذا التاريخ.

أظهرت دراسات عديدة أنّ قوانين ضبط تدفّق رؤوس الأموال إلى الخارج وإلى الداخل هي غير فعّالة، وأبدت أنها لا تعود بالفائدة على الاقتصاد. ومن الضروري إيضاح أن القيود والقوانين ليست هي الإجراء الصحيح خلال الأزمات ولن تكون البديل عن سياسات الإصلاح. ومن أهمّ الاثار السلبية للقيود على خروج رؤوس الأموال هو توقف دخول رؤوس الأموال حيث تكون الدول بأمسّ الحاجة اليها خاصة خلال الازمات، وبالتالي يكون الأثر الكلي سلبياً على الاقتصاد.

الجدير بالذكر ان القانون المعدّ من قبل الحكومة لم يُحدّد الهدف منه، ولماذا تمّ إعداده بعد تأخر طويل. فالقانون لا يعيد السيولة للاقتصاد كما افُترض في الاسباب الموجبة للقانون، بل سيكون أثره مغايراً لتوفّر السيولة كونه يحد من السحب من الودائع حتى لإجراء التبادل التجاري الداخلي. كما ان القيود المفترضة لا تؤدي الى توقف تدهور سعر الصرف كما يزعم القانون. انّ الانضباط المالي وكذلك النقدي هما العاملان الاساسيان في وقف تدهور سعر العملة الوطنية. فالضوابط المقترحة لا تمنع الحكومة من الاستمرار في الاسراف في الانفاق الذي ينتج عنه المزيد من العجز المالي وضَخ السيولة.

إن القانون المطروح لا يضع القيود على رؤوس الأموال فقط، بل على جميع المعاملات لميزان المدفوعات، خاصة معاملات الحساب الجاري ولا بد من أن يكون أثرها سلبياً لأنها تُعيق التجارة الخارجية وهي عصب الاقتصاد اللبناني.

فيما يخص إنشاء لجنة خاصة (المادة الثالثة من القانون) يُحدّد آلية عملها مجلس الوزراء، فنحن اليوم بدون حكومة، وحكومة تصريف الأعمال لا يحقّ لها إصدار النصوص اللازمة التطبيقية لتضع القانون موضع التنفيذ. يجب أن تكون اللجنة الخاصة مستقلة عن الحكومة التي ساهمت في تفاقم الأزمة.

أما المادة الرابعة من القانون فهي تُميّز بين الأموال «الجديدة» والأموال «القديمة» التي أودعت قبل 17 تشرين الثاني 2019. الّا انّ هذا التمييز غير شرعي ويُخالف المادة ١٥ من الدستور التي تُحافظ على جميع الأملاك المالية والحقيقية بغضّ النظر عن تاريخ الملكية. كما حددت المادة الرابعة من القانون أوّليات السحوبات والاستيراد، فكيف تقرّر اللجنة ما هي هذه الأولويات؟ لبنان يستورد ما يقارب ٥ آلاف سلعة، فهل تعلم اللجنة ما هي كامل حاجة السوق اللبناني؟ بالطبع لا، وأن هذا التحديد سيكون إستنسابياً.

تشير المادة الخامسة الى انّ سعر الصرف سيعتمد على منصة صيرفة فقط، فهل هذا يعني أن سعر الصرف أصبح مثبّتاً على أساس صيرفة وتخلّينا عن السعر الحر الذي هو ركيزة اساسية للاقتصاد؟ إن هذا الإجراء سيسمح لإنشاء سوق سوداء (موازية) حقيقية للصرف. فما سيكون مصير سعر الصرف في السوق الموازي، ومصير هدف توحيد هو تحريره اللذين يعتبران من أهم الإصلاحات لتعافي الاقتصاد وانهاء خدعة التمييز بين الدولار الجديد والقديم؟ كما تمنع هذه المادة عمليات الصرف من عملة وطنية إلى عملة أجنبية إلّا ضمن شروط يحددها القانون. فهل هذا يعني توقّف السوق الموازي وسيمنع المواطن من شراء الدولار أو العملات الأجنبية الأخرى؟ اضافة الى صعوبة تطبيق هذا القانون، فإنه لن يرد الثقة بالليرة اللبنانية.

تسمح المادة السادسة بسحب مبلغ $ 1000 أميركي شهرياً بالعملة الاجنبية او العملة الوطنية من رصيد كل وديعة، مع العلم انّ عائلات عديدة تحتاج مبالغ أكبر لتغطية نفقاتها الشهرية. ولم يُحدد سعر الصرف لهذه المقايضة. ان تطبيق هذا القيد سوف يؤدي إلى ركود اقتصادي عميق. امّا المَبالغ مِن سَحب ألف دولار شهرياً

فستصبح دولارات جديدة ويحقّ لصاحبها أن يحوّلها إلى الخارج، وهذا يتعارض مع أهداف هذا القانون. اضافة الى انه لا تتوفّر هذه المبالغ للمصارف.

اما وفق المادة السابعة فهي تفرض ان تتمّ المدفوعات بين المقيمين وغير المقيمين بالليرة اللبنانية، فهذا يعني أنّ السياحة وغيرها من الخدمات لغير المقيمين يجب أن تُدفع بالليرة فقط، فيتوجّب على غير المقيم أن يشتري الليرة أولاً. هكذا إجراء سيكون له أثر سلبي على التبادل بالسلع والخدمات مع الخارج والاستثمار المباشر ايضا، كونه يقيد استعمال بطاقات الائتمان والمدفوعات المباشرة.

تشترط المادة الثامنة المتعلقة بإعادة الاموال المتأتية من الصادرات «ان يقوم المصدر بإعادة الجزء المتعلق بمبلغ التحويل والمموّل بالعملة الاجنبية مضافاً اليه مبلغ 5 % من حاصل أعمال التصدير الى المصرف المعني في لبنان»، فهذا يعني انّ على المصدر ان يتخلى عن إيراداته من عائدات صادراته بالعملة الأجنبية ما يؤدي الى اعاقة التصدير.

كما تحمي المادة الثانية عشرة المصارف من الملاحقات القضائية، وهذا بحد ذاته يوجّه ضربة إضافية للقضاء الذي يعتريه الشلل الكامل، ويصبح هذا القانون فوق القضاء فلا بد ان يكون عاملا اضافيا في فقدان الثقة بالدولة.

الخلاصة: إنّ هذا القانون تشوبه ثغرات عديدة وهو في واقع الأمر غير ضروري ولا يُعيد الثقة للمصارف اللبنانية ولن يقمع خروج رؤوس الأموال وإنّما بالعكس يعطي المزيد من الحوافز لخروج رؤوس الأموال. انّ الاصلاح لا ينجح بأسلوب القمع وإنما بالسياسات الصحيحة التي تُرغب المواطن اللبناني والأجنبي بالاستثمار في لبنان.

 

الدكتور منير راشد

موازنة 2023 التخريبية والإصلاحات الوهمية؟

لا شك في أنّ موازنة 2023، وهي قيد الدرس في الوقت الراهن، تُبرز بعض الإصلاحات الوهميّة في عناوينها، لكن لسوء الحظ مرّة أخرى، نقول إنها موازنة تخريبية في الداخل، بل وتتابع المسلسل التخريبي المالي والنقدي والإقتصادي والإجتماعي، وهو الوضع القائم في البلاد منذ زمن بعيد. فماذا تتضمّن هذه الموازنة؟

جاءت موازنة 2023 بعد مرور تسعة أشهر على السنة الجارية، وبتنا قريبين من نهايتها، وهذا يعني أنها موازنة شكلية، ورفع عتب تجاه صندوق النقد الدولي، وكأن الأخير يسكن في كوكب آخر بعيد عن الأرض ولا يعلم ماذا يدور في كواليسنا. علماً أن لدى الصندوق مكتباً إقليمياً في لبنان، منذ مدة بعيدة، بحيث يُلاحق الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية في لبنان بدقة وتجرُّد.

كما أن هذه الموازنة المطروحة، هي موازنة ضريبية بامتياز، والسؤال الذي يطرح نفسه: هذه الضرائب المفروضة على مَن؟ هل هي ضرائب على اقتصاد مهترئ؟ أو على شعب منهوب ومنكوب ومذلول؟ ثم مَن يفرض الضرائب؟ أليست هي السلطة المسؤولة المباشرة وغير المباشرة عن أكبر عملية نهب في تاريخ العالم؟

وإذا أخذنا في الإعتبار الضرائب المفروضة في موازنة 2022، وبملاحظة دقيقة لجباية هذه الضرائب، نجد أنها أقل من 15% إلى 30%. لذا، فإنّ رفع نسب الضرائب عادة يكون شكلياً، لكن في النهاية إن الجباية تكون على نحو أقل من 50 إلى 60% وفق المطلوب.

كما أن الضرائب المباشرة وغير المباشرة، المذكورة في المسوّدة، لا تُطبّق، وإذا طُبّقت لا تأخذ بالإعتبار الوضع الراهن في لبنان. وحتى لو طُبّقت، فإننا نعلم بحسب خبرتنا والتاريخ يشهد، بأنه كلّما زادت الضرائب، كلّما نقص مردود الدولة، لأنه في مقابل زيادة الضرائب، يرتفع منسوب التهريب، وتمويل الإرهاب، وتبييض الأموال، ولا تعود هذه كلّها إلى مداخيل الدولة.

إذاً، ما نلاحظه اليوم هو موازنة شكلية، وهميّة، لن تُطبّق، وإذا طُبقت فإنها ستُطبّق على الإقتصاد الأبيض، ومَن يختار الحوكمة الرشيدة والشفافية.

كذلك، تجدر الإشارة إلى أن موازنة 2023 ترتكز على سعر منصّة صيرفة. علماً أنه في الـ 839 صفحة التي تضمّنتها الموازنة، لم يُذكر فيها كلمة «صيرفة». لذا، فإن هذه الموازنة مبنيّة على منصّة وهميّة، وهي معرّضة للتوقف عن العمل تدريجاً.

وإذا ما قارنّا ما بين موازنتي 2022 و2023، فإن واضعي الموازنة يوهمون القارئ لها بأن المداخيل زادت بنسبة 4.8 أضعاف، أي بالأحرى 5 أضعاف، لكن نظرياً، تُفيد الحقيقة بأن الموازنة الحالية لن تجد أحداً يُطبّقها، وإذا طُبّقت فإنها تُطبّق بالطريقة السوداوية وغير الشفّافة.

وعليه، يُعطى لوزير المال من خلال هذه الموازنة، الصلاحية الكاملة، على صعيد تغيير الشطور والتنازلات، إذا لزم الأمر. وهذا أمر مهم، بأن صلاحية معيّنة تُسحب من مجلس الوزراء وتُحوّل إلى وزير المال، وهذا يحصل للمرة الأولى، ما يدلّ على تغيير في القوانين والأعراف، والتي تُخالف مبدأ الشفافية والحوكمة في لبنان.

في المحصّلة، مرّة أخرى، نجد أنفنسنا أننا لم نتعلّم شيئاً من خلال المنصّات التنفيذية والدستورية، بعيداً عن الإستراتيجية والرؤية الواضحة، كأن شيئاً لم يحصل في لبنان، وكأننا نسينا أن أموال المودعين قد نُهبت، وأننا نُواجه أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية في تاريخ العالم، فيما أداء المسؤولين لا يزال مستمراً على هذا النحو الرديء والسيئ. علماً أنّ الحكومة الحالية تطلب الإستدانة من «المركزي» من دون أي جدولة لإعادة الهيكلة لاقتصادنا المهترئ، وغيرها من الإصلاحات الضرورية. إنها موازنة الهروب إلى الأمام لحفظ ماء الوجه حيال صندوق النقد الدولي، الذي من غير الممكن أن يقع في أفخاخها، فيما لا نزال نحفر في النفق العميق عينه، من دون أي إصلاحات تُذكر.

 

د. فؤاد زمكحل

عندما يكشف منصوري الــمستور: 800 مليون دولار كانت مُخبّأة

 

ركزّت معظم ردود الفعل على البيان التوضيحي الذي أصدره مصرف لبنان حول الموجودات والمطلوبات، على مسألة الشفافية غير المألوفة سابقاً، وعلى المبلغ المتبقّي من الاحتياطي الالزامي. لكن هناك نقاطاً أخرى ينبغي التوقف عندها، من ضمنها تصحيح العلاقة بين «الدولة» ومصرفها المركزي.

عندما يَسأل زوّار احد نواب حاكم مصرف لبنان، عن سر اختفاء الـ600 مليون دولار من الاحتياطي الالزامي ومن ثم ظهور المبلغ بشكل مفاجئ في النصف الثاني من شهر تموز، يبتسم ويرد على السؤال بسؤال: 600 مليون دولار فقط؟ اعتقد انّ المبلغ اكبر بقليل من ذلك.

ورغم ان نائب الحاكم يتحفّظ عن الشرح بوضوح عن القطبة المخفية في هذا الموضوع، الا أنه يؤكد انّ إخفاء المبلغ كان مقصودا، وكان الامر معروفاً من قبل نواب الحاكم، أو من قبل بعضهم على الاقل، وانهم لفتوا سلامة في حينه الى هذه الثغرة، لكنه تجاهل الامر.

وبعد صدور البيان التوضيحي المفصّل عن الحاكم بالانابة وسيم منصوري في شأن الوضع المالي الحالي في مصرف لبنان، اتّضَح ان كلام نائب الحاكم دقيق لجهة حجم المبلغ الذي كان ضائعا، ومن ثم ظهر فجأة في اليوم الاخير من ولاية سلامة. والـ600 مليون دولار التي ذكرها بيان تموز، زاد عليها بيان منصوري في آب حوالى 200 مليون دولار، ليصبح اجمالي المبلغ الذي كان غير مَرئي في البيانات المالية لمصرف لبنان حوالى 800 مليون دولار. وبما ان الادارة الجديدة للمصرف لم تنفق اي دولار اضافي بعد تسلّمها مهام الحاكمية، فهذا يعني انّ الـ200 مليون الاضافية هي ايضا من موروثات العهد السابق.

واذا أخذنا في الاعتبار ما قاله نائب الحاكم لزواره في شأن معرفته المسبقة بوجود الثغرة، فهذا يرجّح نظرية ان هذه الاموال (800 مليون دولار) كانت قد أُنفقت، لكنها أُخفيت في القيود من خلال الاعمال المحاسبية. وبالتالي، يصبح من المرجّح ان قسماً كبيراً منها استُخدم لتغطية الخسائر التي كان يتكبدها مصرف لبنان من خلال منصة صيرفة، للادعاء بأن تثبيت سعر صرف الدولار لم يكن مكلفاً، وهذا الامر تبين اليوم انه ادعاء كاذب. واذا احتسبنا الارقام منذ نيسان، بعدما باشَر مصرف لبنان قرار تثبيت الدولار عبر صيرفة، يتبين ان خسائر المركزي في 4 اشهر بلغت حوالى مليار دولار سُحبت من اموال المودعين في المصرف.

ويردّد المصدر نفسه (نائب الحاكم) ان الادارة الجديدة للمركزي وضعت صخرة بينها وبين السلطة السياسية. وهو يقصد بالطبع القرار المُتخذ بعدم تمويل الدولة من الاحتياطي الالزامي، سوى ضمن الشروط التي وضعتها الحاكمية بالانابة بقرار يحظى بإجماع نواب الحاكم. لكن هذه الصخرة لا تكفي للاطمئنان، لأن المطلوب في هذه الحقبة تعاون كل الجهات لحلحلة الأزمات الطارئة بانتظار الوصول الى الحل الشامل، والذي يتماهى مع عمق أزمة نظامية (systemic crisis) مثل التي يعيشها البلد منذ حوالى 4 سنوات.

وعلى سبيل المثال، واذا افترضنا ان حاكمية المركزي بالانابة، حافظت على هذه الصخرة بينها وبين السلطة، ومن ثم عمدت السلطة، ومثل هذا الامر وارد بقوة، الى مواصلة الانفاق عبر ضخّ المزيد من الليرات، سواء لتسديد المطلوبات بواسطة الليرة، أو لشراء دولارات من السوق، ماذا ستكون النتيجة؟

تتصرف الادارة الجديدة للمركزي حيال هذا الاحتمال على اساس ان لا علاقة لها، واذا انهارت الليرة دراماتيكياً بسبب تكبير الكتلة النقدية بالليرة بقرار من السلطة السياسية، فهي تتحمّل المسؤولية.

لكن المشكلة ليست في تحديد المسؤوليات فقط، بل في النتائج التي سيتحملها الاقتصاد والبلد والمواطن. وبالتالي، ليس المطلوب ان تعود الادارة الجديدة عن قرار وقف تمويل الدولة من اموال المودعين المتبقية في المركزي، بل انّ الوضع الاستثنائي القائم يحتّم المزيد من التعاون بين الدولة ومصرفها المركزي. واذا كان مصرف لبنان، هو مصرف القطاع العام، وهو المصرف المسؤول عن تأمين العملة الاجنبية للدولة، عندما تتأمّن التغطية بالعملة الوطنية، فمن باب الاولى ان تتم «المصالحة» بين «الدولة» ومصرفها المركزي، لتمرير هذه الحقبة الحَرجة في تاريخ البلد. العلاقة كما كانت بالامس غير سليمة، لأن الدولة تصرفت وكأن صندوق مصرف لبنان وصندوقها المالي واحد، وتستطيع ان تغرف من هذا الصندوق قدر ما تشاء. ولكن المفارقة ان الدولة ومصرفها المركزي، وعند اول مفترق، تبادلا الاتهامات، وصارت الحكومة تدّعي (ورقة سمير ضاهر) انّ المركزي هو من أنفق القسم الاكبر من الاموال التي تحولت الى خسائر، في حين ان المركزي يرد بأن الدولة هي من انفق القسم الاكبر (تصريحات وارقام سلامة). وفي النتيجة، يتفق الفريقان على انهما الجهة التي انفقت الاموال. وبالتالي، المطلوب اليوم ان تتصالح الدولة مع مصرفها، وان يتم التعاون وفق قانون النقد والتسليف، ووفق متطلبات المرحلة الاستثنائية، على اجراءات تساعد في ادارة الأزمة، بانتظار البدء في الحل الشامل، الذي أدّى تأخيره الى الكارثة المالية التي يعانيها البلد اليوم.

 

أنطوان فرح

التدقيق الجنائي أكد المؤكد لا اكثر ولا أقل

يحتاج مضمون تقرير التدقيق الجنائي المكوّن من 332 صفحة، الى قراءة هادئة ومحترفة لتحليل المعلومات والمعطيات الواردة فيه، لكنّ العناوين العريضة واضحة من حيث المبدأ، وتُفيد بأنّ رياض سلامة ارتكب مخالفات، وبعض السياسيين استفادوا من أموال الصندوق الأسود، وبأنّ «الدولة» كانت المستفيد الاكبر، وهي مَن هدر المليارات.

تلهّى البعض في تفاصيل رقمية وردت في مضمون تقرير التدقيق الجنائي الذي أجرته شركة «مارسال/ألفاريز»، لإطلاق المواقف والتحليلات، وصولاً الى استنتاج مفاده انّ حاكم مصرف لبنان السابق يقف وراء الهدر وسرقة الاموال، بما أدّى الى الانهيار، وفقدان المودعين لأموالهم. في المقابل، استفادت جماهير الاحزاب من التقرير للتصويب في اتجاه خصومها. بدأ «العوني» يَتباهى بأنّ سياسته أدّت الى كشف الحقائق التي تُظهر ان سلامة هَدرَ مال المودعين. وراح «القواتي» يصوّب سهامه في اتجاه العوني من زاوية ان الكهرباء، التي كانت في عهدة التيار الوطني الحر، استهلكت لوحدها حوالى 24 مليار دولار في 6 سنوات. وبدأ خصوم تيار المستقبل يغمزون من قناة ورود اسم النائب بهية الحريري في لائحة المستفيدين من اموال المركزي، كذلك اشتعلت جبهات الشتائم والاتهامات على خلفية ورود عناوين المهرجانات التي استفادت من دعم مالي من المركزي، وهي مهرجانات مرتبطة بأسماء زوجات سياسيين.

كل هذه «الحروب» الصغيرة لا تضع الاصبع على الجرح، لأن مثل هذه «المخالفات» التي سمحت بتسرّب اموال لدعم مهرجانات او مؤسسات او حتى اشخاص، ليست بيت القصيد، وهي حتماً ليست السبب الذي أدّى الى الانهيار والافلاس وهدر اموال الناس.

في الواقع، يمكن الاستنتاج، ومن خلال العناوين العريضة للتقرير، الحقائق التالية:

اولاً – تأكيد ما أكده تقرير صندوق النقد الدولي بنسخته الانكليزية الموسّعة، والذي اشار الى انه حتى العام 2017، لم تكن هناك فجوة مالية، وكانت اموال المودعين مؤمّنة بالكامل تقريبا، في القطاع المالي اللبناني. (مصرف لبنان والمصارف). في حين ان تقرير التدقيق الجنائي اشار الى فائض بالعملات في مصرف لبنان حتى العام 2015 بلغ في حينه حوالى 7,2 مليارات دولار. وهذا يعني ان فجوة الـ73 مليار دولار نشأت في السنوات الاخيرة، لا سيما ان التدقيق الجنائي يحدّد الخسائر التي تراكمت حتى اوائل العام 2020 فقط، وقد اشار الى انها وصلت الى 50,7 مليار دولار.

ثانياً – ان ادارة مصرف لبنان كانت أحادية (solo) ومحصورة برياض سلامة، وان الرجل ارتكب مخالفات ليس أخطرها تقديم الدعم او القروض المدعومة لجمعيات او مؤسسات او مهرجانات، بل ما يتعلق بالاستفادة الشخصية المحتملة، من خلال شركة «فوري»، وهذا الملف موضع تحقيقات في لبنان واوروبا، ولم تصدر الأحكام النهائية في هذه القضية حتى اللحظة.

ثالثاً – انّ «الدولة» بمفهومها الواسع هي المسؤولة عن الانهيار، وهي المستفيد الاول من اموال المودعين، كما انها الهادِر الاكبر والاساسي لهذه الاموال. سواء من خلال قطاع الكهرباء، او من خلال سياسة الدعم، او من خلال اقتناص الاموال من مصرف لبنان عبر «إلزامه» بالاكتتاب في سندات اليوروبوندز، او حتى من خلال تثبيت سعر صرف الليرة، واستعمال اموال المودعين من اجل هذا التثبيت.

رابعاً – الهندسات المالية كانت لها حصة كبيرة في اسباب الانهيار المالي، ولكن المفارقة ان هذا الامر كان معروفاً وواضحاً، وكانت «الدولة» تعرف في حينه ان سلامة يشتري لها الوقت بسعر باهظ، ولم يرف لها جفن، بل تابعت في سياسة تبذير هذه الاموال، من خلال سلسلة الرتب والرواتب، الانفاق الاضافي الذي غطّاه مصرف لبنان من امواله (اموال المودعين). وكان معروفاً اكثر ان الهندسات المالية طريقة ابتدَعها سلامة لجذب كل اموال المصارف المودعة في الخارج الى خزائنه، وهذا ما حصل فعلاً. والمشكلة هنا ايضا، ان اسعار الفوائد التي دفعها سلامة لم تكن وحدها الحافز الذي دفعَ المصارف الى سحب الدولارات من المصارف المراسلة وايداعها مصرف لبنان، بل ان المعضلة كانت في ان اي مصرف لا يشارك في هذه العمليات المالية، لا يستطيع دفع فوائد مرتفعة لمودعيه، كما بقية المصارف المشاركة في الهندسات. وبالتالي، كان سيصبح بعد فترة خارج السوق، وقد يتعرّض للافلاس.

التدقيق الجنائي اكد المؤكد، لا اكثر ولا أقل، وهو ان الدولة هي صاحبة «الفضل» الاول والاساسي في إفلاس البلد، وهناك من استفاد من هذه الفوضى، للحصول على حصة ولو زهيدة نسبياً من هذه الكعكة السائبة.

أنطوان فرح

أهمية صناديق الثروة السيادية لاقتصاد الدولة

تعدّ صناديق الثروة السيادية هياكل استثمارية تهدف إلى تنويع مصادر دخل الدولة وتحقيق الاستدامة المالية على المدى الطويل. من خلال تخزين جزء من إيرادات النفط في هذه الصناديق، يمكن للدولة تحقيق توازن بين استهلاك الثروة والاستثمار الذكي لضمان الازدهار المُستدام. وبالإضافة إلى ذلك، تمثل هذه الصناديق وسيلة للحفاظ على مستقبل الأجيال القادمة من خلال توجيه الاستثمارات نحو مشاريع تنموية مستدامة.

من المهم أيضاً أن نسلّط الضوء على الجانب الاقتصادي لهذه الصناديق. فعندما تكون الدولة معرّضة لمشكلات الفساد والرشوة، يمكن أن يساهم تأسيس صندوق الثروة السيادي في تقليل تلك المخاطر. حيث تعمل هذه الصناديق كجهة مستقلة تدير الأموال بشفافية ومسؤولية، مما يقلل من فرص التلاعب والفساد في إدارة الموارد الوطنية.

علاوة على ذلك، تساهم صناديق الثروة السيادية في تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي. فعندما تتم إدارة الثروة بشكل جيد واستثمارها في مشاريع تنموية، يمكن أن يحقق الاقتصاد نمواً مستداماً وتحسيناً في جودة الحياة للمواطنين. وهذا بدوره يقلّل من التوترات الاجتماعية ويعزّز من استقرار البلاد.

ويمكن أن نتعلم من التجارب الماضية وندرك أهمية تأسيس صندوق الثروة السيادي كوسيلة للحد من الفساد والرشوة وتحقيق التنمية المستدامة. على الرغم من التحديات التي يمكن أن تواجهها الدولة في تطبيق هذا النموذج، إلا أن الاستفادة من الخبرات والممارسات الناجحة ستكون خطوة هامة نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.

وفي سبيل تحقيق الاستفادة القصوى من الثروات النفطية والغازية، أسّست النرويج صندوق الثروة السيادي في عام 1990، والمعروف باسم «صندوق الثروة السيادي النرويجي» أو الصندوق السيادي للتحفيز. يهدف الصندوق إلى توجيه جزء من إيرادات النرويج من مبيعات النفط والغاز إلى استثمارات طويلة الأجل، وذلك لضمان استدامة الثروة وتحقيق الازدهار المُستدام.

ما يُميّز تجربة النرويج في إدارة صندوقها السيادي، الشفافية والمسؤولية في إدارة الأموال. فالصندوق يعتمد على معايير محددة لاستثمار الأموال في مشاريع تستفيد منها الأجيال الحالية والمستقبلية. تتميز استثمارات الصندوق بالتنوع والتوزيع الجغرافي لتقليل مخاطر الاستثمار وزيادة العائدات.

واحدة من الدروس المستفادة من تجربة النرويج هي أهمية فصل صندوق الثروة السيادي عن السياسة الحكومية. تتم إدارة الصندوق بشكل مستقل عن الحكومة، مما يضمن استمراريته وعدم تأثره بتغيّرات الأوضاع السياسية. هذا يحمي الأموال من الاستخدام السياسي والتلاعب، ويحافظ على استدامة الاستثمارات.

يُعَدّ تأثير صندوق الثروة السيادي النرويجي على الاقتصاد ملموسًا، حيث يُساهم في دعم النمو الاقتصادي المستدام وتحقيق التوازن المالي. وبفضل توجيه الاستثمارات نحو قطاعات متعددة مثل الأسهم، والسندات، والعقارات، يُحقق الصندوق عوائد مالية مستدامة تُسهِم في تعزيز الثروة الوطنية.

وتُظهِر تجربة النرويج مدى أهمية صناديق الثروة السيادية في تحقيق التنمية المستدامة ومواجهة تحديات الفساد والرشوة. من خلال تأسيس صندوق مستقل وشفاف، يمكن للدول الاستفادة من الثروات الوطنية بطريقة تضمن استمرارية الاستثمارات وتحقيق الرفاهية للأجيال الحالية والمستقبلية. تجربة النرويج تعكس النموذج الناجح الذي يمكن للدول الأخرى أن تستلهم منه لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وبناء اقتصاد قوي ومستقر.

ولا شك في أن اكتشاف النفط والغاز في لبنان يعتبر حدثًا تاريخيًا يمكن أن يحمل الكثير من الفرص والتحولات للاقتصاد اللبناني. تفتح هذه المصادر أمام لبنان أفاقًا جديدة لتحقيق التنمية والاستقرار، ولكن مع ذلك هناك تحديات كبيرة تتطلب تخطيطًا دقيقًا وإدارة شفافة.

الفرَص

تنويع مصادر الدخل: يمكن للنفط والغاز أن يكونا مصدرَي دخل جديدين يخففان الاعتماد على القطاعات الأخرى مثل السياحة والخدمات. هذا التنويع يساعد في تقليل تأثير الصدمات الاقتصادية المحتملة.

زيادة الإيرادات الحكومية: ستُسهِم مبيعات النفط والغاز في زيادة الإيرادات الحكومية، ما قد يُسهِم في تحسين الخدمات العامة وتقديم فرص عمل جديدة للمواطنين.

جذب الاستثمارات: يمكن أن تجذب الاكتشافات النفطية الاستثمارات الأجنبية إلى لبنان، ما يؤدي إلى نمو اقتصادي وتطوير قطاعات مختلفة.

تحسين البنية التحتية: من الممكن أن تسهم الإيرادات من النفط في تحسين البنية التحتية للبنان، ما يسهم في تعزيز قدرته على جذب المزيد من الاستثمارات.

التحديات

التحديات البيئية: يجب أن يتم استخراج النفط والغاز بطرق صديقة للبيئة ومستدامة لتجنّب التأثيرات البيئية السلبية.

إدارة الثروة: يجب وضع استراتيجية واضحة لإدارة الثروة النفطية بشكل فعّال وشفّاف لضمان أن تعود الفوائد للمواطنين وتستثمر في تنمية مستدامة.

الفساد والرشوة: يجب أن يتم التعامل مع تحديات الفساد والرشوة بشكل جاد ومستمر لضمان أن الإيرادات لا تنهمر في جيوب القلة على حساب المجتمع بأكمله.

التنسيق الحكومي: يجب أن يتم التنسيق الجيد بين الجهات الحكومية المختلفة لضمان تطبيق استراتيجية موحدة وفعّالة للاستفادة من الثروة النفطية.

باختصار، يمكن أن تكون اكتشافات النفط والغاز فرصة حقيقية لتحقيق التنمية والازدهار في لبنان، ولكن يجب أن يتم التعامل معها بحذر وتخطيط جيد لضمان استفادة المجتمع بأكمله من هذه الثروة الوطنية. وقد تكون تجربة الدول الأخرى في هذا المجال، مثل النرويج، بمثابة دروس قيّمة للبنان لتحقيق أقصى استفادة من الفرص المتاحة.

بروفسور غريتا صعب

التحويلات المالية وأهميتها في كل المراحل

تؤدي التحويلات المالية دورًا حيويًا في الاقتصادات العالمية. ويشير مصطلح «التحويلات المالية» إلى الأموال التي يرسلها الأفراد المغتربون أو العاملون في الخارج إلى بلدانهم الأصلية. ويعتبر لبنان واحداً من البلدان التي تعتمد بشكل كبير على هذه التحويلات، وذلك بسبب العديد من العوامل التي تؤثر في اقتصاده، ومنها الصراعات الداخلية والأزمة المالية التي يعانيها البلد.

تُعتبر التحويلات المالية مصدراً مهماً للعملة الأجنبية في الاقتصاد اللبناني. فعندما يقوم اللبنانيون المغتربون بإرسال الأموال إلى أهلهم في لبنان، فإنّها تعزّز مخزون العملة الأجنبية في المصارف المحلية. وبدورها، تؤدي زيادة مخزون العملة الأجنبية إلى تحسين قيمة العملة المحلية وتعزيز سعر صرفها مقابل العملات الأجنبية، وهنا يأتي دور البنوك المركزية في ضبط سعر الصرف لضمان استقرار الاقتصاد.

وتعزّز التحويلات المالية أيضاً الاستهلاك والإنفاق في الاقتصاد اللبناني، حيث يعتبر استقبال العملة الصعبة نتيجة لتلك التحويلات دعماً مالياً للأسَر والأفراد في لبنان، ويساهم ذلك في زيادة القوة الشرائية للمستهلكين المحليين. وبالتالي، يتزايد الطلب على السلع والخدمات المحلية، ما يؤدي إلى تحسين الأعمال التجارية المحلية وتعزيز النمو الاقتصادي.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساهم التحويلات المالية في تعزيز الاستثمار في الاقتصاد اللبناني. فعندما يستقبل البنك المحلي العملة الصعبة من التحويلات، تُتاح له إمكانية توجيه هذه الأموال نحو الاستثمارات المحلية. ويمكن استخدام هذه الأموال لدعم الشركات المحلية وتوسيع نطاق أعمالها، وبناء مشاريع البنية التحتية، وتطوير قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة. ومن خلال زيادة الاستثمارات، يتمّ تعزيز فرص العمل وتحسين الأوضاع المالية للأفراد والأسر.

الجدير بالذكر أن التحويلات المالية تساعد أيضاً في تخفيف الأعباء المالية على الأسَر والأفراد في لبنان، إذ يعتمد الكثيرون منها على هذه التحويلات كمصدر رئيسي للدخل. وبفضل هذه الأموال، يمكن للأسر تلبية احتياجاتها الأساسية مثل المعيشة والتعليم والرعاية الصحية، ما يُخفّف الضغط المالي عن الحكومة ويقلل من حاجتها لتوفير المزيد من الخدمات الاجتماعية.

وعلى الرغم من أن التحويلات المالية تعتبر موردا هاما للاقتصاد اللبناني، إلا أنه يجب أن ندرك أنها ليست الحل الوحيد لمشاكل الاقتصاد. يجب على الحكومة اللبنانية أن تبني سياسات اقتصادية شاملة وإصلاحات هيكلية لمعالجة التحديات الهيكلية التي يواجهها البلد، مثل الفساد والبطالة وعجز الموازنة. إن تعزيز المناخ الاستثماري وتشجيع الابتكار وتنمية القطاعات الاقتصادية المختلفة يلعبان أيضاً دوراً هاماً في تحسين الوضع الاقتصادي في لبنان.

باختصار، توضح أهمية تدفّق التحويلات المالية على سعر الصرف وكيف يمكن أن تساهم في تعزيز الاقتصاد اللبناني. إن استقبال الأموال من التحويلات يحسّن مخزون العملة الأجنبية، ويدعم الاستهلاك والإنفاق المحلي، ويعزز الاستثمارات ويخفف الأعباء المالية. ومع تبنّي سياسات اقتصادية شاملة، يمكن أن تؤدي هذه التحويلات دورا مهما في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة في لبنان.

وعليه، كيف يمكن أن يحسّن تدفّق العملة إلى لبنان مستوى المعيشة؟

إن العملة القوية والتدفق السليم لها إلى أي اقتصاد هما مفتاحان لتحسين مستوى المعيشة. وبالنسبة للبنان، الذي يعاني أزمة اقتصادية ومالية خانقة، فإنّ تدفق العملة إلى البلاد يمكن أن يكون عاملاً حاسماً لتحقيق التنمية وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين. ولكن، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟

أولاً، يؤدي تدفق العملة القوية إلى تحسين القدرة الشرائية للأفراد في لبنان. عندما تكون لدى المواطنين القدرة على شراء السلع والخدمات التي يحتاجونها، يرتفع مستوى راحتهم وحياتهم اليومية. وهذا يعني توفر الغذاء والإسكان والرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الاحتياجات الأساسية التي تؤثر بشكل كبير في جودة الحياة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدّي تدفّق العملة الى تحسين البنية التحتية في لبنان. ويمكن استخدام الأموال المستلمة لتمويل مشاريع البنية التحتية مثل بناء الطرق والجسور وتطوير شبكات النقل والمياه والكهرباء. هذه المشاريع تعزز البنية التحتية وتُسهم في تحسين الحياة اليومية للمواطنين، فضلاً عن دعم قطاع البناء وخلق فرص عمل جديدة.

من الناحية الاقتصادية، يمكن أن يعزّز تدفق العملة الواردة، استثمارات لبنان. فعندما يكون هناك استقرار في الاقتصاد وتدفق العملة، يصبح لبنان وجهة جذابة للمستثمرين المحليين والأجانب. ويمكن أن تترجم هذه الاستثمارات بتوسيع الشركات المحلية، وخلق فرص عمل جديدة، وتحفيز الابتكار وتطوير الصناعات المحلية. كل هذا يُسهِم في تحسين الاقتصاد وزيادة فرص العمل وتعزيز المستوى المعيشي.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تدفق العملة إلى تحسين قدرة البنوك والمؤسسات المالية على تقديم الخدمات المالية للمواطنين. إذا كانت البنوك مزوّدة بمخزون قوي من العملة الأجنبية، فإنها يمكن أن تعزّز قدرتها على توفير القروض والتمويل للأفراد والشركات. كما يعزّز ذلك النشاط الاقتصادي ويفتح آفاقًا جديدة للأعمال والاستثمارات والابتكار.

في الختام، يتّضِح أن تدفق العملة إلى لبنان يمكن أن يحسّن مستوى المعيشة بطرق عديدة. ويساهم في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وتعزيز البنية التحتية، ودعم الاستثمارات، وتحسين الخدمات المالية. ولتحقيق هذه الفوائد، يجب أن يعمل القطاع الحكومي والقطاع الخاص على توفير بيئة استثمارية مستدامة وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد. إن العمل المشترك والتزام جميع الأطراف سيساهمان في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة في لبنان.

 

بروفسور غريتا صعب