أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

لبنان “يسجل” أعلى نسبة للتضخم… وعملته “الأسوأ عالمياً”

تكفّلت الفواتير المضاعفة للهواتف المحمولة والمستحقة عن شهر مارس (آذار) الماضي، بتحديث واقعي ومؤلم للأعباء الثقيلة التي طرأت على أكلاف الخدمات العامة على المستهلكين في لبنان، بنتيجة قرارات احتساب أغلبها وفق سعر الدولار المعتمد على منصة «صيرفة»، مما سيضاعف تأثيرها في الارتفاعات القياسية المشهودة لأرقام موجات الغلاء المتتالية بوتيرة متسارعة في لبنان.

وشهدت تكلفة الاتصالات التي تعكس نسبة تثقيل تبلغ 4.5 في المائة من المؤشر العام للغلاء، ارتفاعات حادة خلال الأشهر الماضية بعد قرار احتسابها على سعر الدولار المعتمد على منصة «صيرفة». وبلغت نسبة الارتفاع التراكمية على أساس سنوي نحو 380 في المائة حتى نهاية شهر فبراير (شباط) الماضي. علماً بأن السعر المرجعي للدولار على المنصة ارتفع مجدداً من 70 ألف ليرة إلى نحو 90 ألف ليرة.

ويبلغ الحد الأدنى الساري حالياً لتكلفة الاتصالات في لبنان نحو 7 دولارات شهرياً، حيث يرتفع المتوسط العادي مع ضرورات إضافة تكلفة الاشتراك بالباقة الأدنى للإنترنت إلى نحو 15 دولاراً. وهو ما يعني أن الفواتير الجديدة لن تقل عن نحو 1.3 مليون ليرة. فيما تفرض ضرورات التواصل وجود خطين هاتفيين على الأقل لدى كل أسرة، أي بتكلفة شهرية تتعدّى 2.5 مليون ليرة.

وبالمثل، بدأ ورود فواتير الإمداد بالكهرباء العامة، ورغم اقتصارها على ما بين 4 و6 ساعات يومياً، انطلاقاً من حد أدنى سيقارب المليوني ليرة شهرياً، مقابل رسوم الاشتراك والتأهيل المحتسبة بنحو 12 دولاراً بالحدود الأدنى، ويضاف إليها احتساب 10 سنتات أميركية لكل كيلوواط من الاستهلاك لأوّل 100 كيلو، و27 سنتاً للاستهلاك الإضافي. وهو ما يعني أن الفاتورة الأدنى ستكون نحو 22 دولاراً وفق سعر «صيرفة».

وريثما تصدر الإحصاءات الموثقة لتطور مؤشر الغلاء للشهر الماضي، ومعها حصيلة الفصل الأول من العام الحالي، يمكن بسهولة استنباط الفوارق الطارئة على فواتير الاتصالات والكهرباء وسائر الرسوم الحكومية، ربطاً بتطور سعر صرف الليرة على المنصة التي يديرها البنك المركزي، الذي سجل انهيارات دراماتيكية متتالية ترجمها ارتفاع سعر الدولار المعروض من 38 ألف ليرة إلى 87 ألف ليرة حالياً، أي بارتفاع بلغ 49 ألف ليرة ونسبته نحو 129 في المائة.

وتظهر استطلاعات ميدانية، ارتفاعات مذهلة في التكلفة الشهرية للمعيشة في لبنان، وبما يتراوح بين 40 و70 مليون ليرة، بالحد الأدنى للأسرة المكونة من 4 أفراد، فيما لا تتعدى متوسطات المداخيل الواقعية والمدعومة بالزيادات أو المنح الطارئة والمساعدات الاجتماعية مجموع 20 إلى 25 مليون ليرة شهرياً للعاملين في القطاعين العام والخاص. مع التنويه بأن نحو 20 إلى 30 في المائة من إجمالي العاملين يتقاضون رواتبهم جزئياً أو كلياً بالدولار الأميركي، مما يمنحهم قوة توازن متكافئة مع تفاقم الأكلاف المعيشية.

وتثبت هذه الفجوات صدقية التقارير الدولية بأنّ 80 في المائة من سكّان لبنان يعيشون تحت خطّ الفقر وأنّ 70 في المائة من الأشخاص يواجهون صعوبات في التأقلم مع النفقات المتزايدة. كذلك أنّ ذوي الدخل المحدود هم الأكثر تأثّراً بالأزمة، في حين أنّ شبكة الأمان الاجتماعي تعاني من قصور في التمويل.

ومن شأن الأرقام المحدثة، أن تعزز تموضع لبنان في المرتبة الأولى لمؤشر التضخم في العالم، وبالمثل صدارة الليرة لقائمة «أسوأ» العملات على مستوى الأداء السلبي حول العالم، فيما ستنتج بالتوازي ارتقاء المؤشر التراكمي للغلاء إلى ما يتعدى ثلاثة آلاف في المائة بحصيلة سنوات الأزمات المتفاقمة.

وبالأسبقية، فقد سجّل لبنان أعلى نسبة تضخّم اسميّة في أسعار السلّة الغذائيّة حول العالم بالقياس السنوي المقارن حتى نهاية الشهر الأول من العام الحالي، محققاً رقم 139 في المائة نسبة تغيّر سنويّة في مؤشّر تضخّم أسعار الغذاء، ومتفوقاً بذلك على زيمبابوي التي سجلت نسبة 138 في المائة، لتتبعهما الأرجنتين بنسبة 103 في المائة، وإيران بنسبة 73 في المائة.

أمّا فيما خصّ نسبة التضخّم الحقيقيّ، التي تعكس، بحسب التقرير التحليلي الأحدث الصادر عن البنك الدولي، نسبة التضخّم الاسميّة في أسعار الغذاء ناقصا منها نسبة التضخّم الإجماليّة، فقد بلغت نسبة التغيّر السنويّة في أسعار الغذاء في زيمبابوي 45 في المائة في فترة المقارنة، تبعتها مصر ورواندا بنسبة متساوية بلغت 30 في المائة، وإيران بنسبة 20 في المائة، في حين بلغت هذه النسبة 15 في المائة في لبنان، وهي سابع أعلى نسبة في العالم.​

علي زين الدين

الدولرة الكاملة من الحلول المطروحة للنقاش

الدولرة بمفهومها العالمي هي عندما تبدأ الدولة بالاعتراف بالدولار الأميركي أو أي عملة أخرى، كوسيلة للتبادل أو المناقصة القانونية، إلى جانب أو بدل عملتها الوطنية. ويتمّ اعتماد الدولرة عادة، عندما تصبح العملة المحليّة غير مستقرّة وتفقد فائدتها كوسيلة للتبادل في معاملات السوق.

منذ نهاية نظام «بريتون وودز» لأسعار الصرف الثابتة منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، أصبحت المعضلة التي تواجه الدول تكمن في إيجاد ترتيبات عمليّة لتبادل العملات أكثر تحدّياً وصعوبة.

وأصبحت الخيارات أكثر تنوّعاً، لاسيّما وأنّ التجارة العالميّة وأسواق رأس المال بدت أكثر تكاملاً. لذلك ظهرت مشاكل جديدة لمسألة أفضل نظام للتبادل، من أجل تعزيز أهداف التنمية لكلّ البلد. وقد تكون أحدث هذه الحلول هي الدولرة الكاملة، والتي بموجبها تتخلّى الدولة رسمياً عن عملتها الخاصّة، وتتبنّى عملة أكثر إستقراراً لبلد آخر -الدولار الأميركي هو الأكثر شيوعاً- كعملة قانونيّة لها. هذا ومن منظور أي بلد يعمل بالعملة الصعبة، قد تبدو الدولرة الكاملة أكثر جذرية مما هي عليه وتعني الدولرة الكاملة.

مستوى أعلى من الثقة

إتخاذ الخطوة التالية من الدولرة غير الرسمية والمحدودة إلى الاستخدام الرسمي الكامل للعملة الأجنبية – الدولار الأميركي- في جميع المعاملات.

وعامل الجذب الرئيسي للدولرة الكاملة هو القضاء على مخاطر حدوث انخفاض مفاجئ وحاد في سعر الصرف في البلاد، وتخفيض علاوة المخاطر المرتبطة بالاقتراض الدولي، ويمكّن الاقتصادات الدولارية من أن تتمتّع بمستوى أعلى من الثقة بين المستثمرين الدوليين وفروق أسعار فائدة أقل على الاقتراض الدولي وانخفاض التكاليف الماليّة والمزيد من النمو والإستثمار.

والسؤال الذي يطرح نفسه! هل يمكن لهذه المزايا أن تعوّض تكاليف تخلّي بلد عن عملته؟ الإجابات معقّدة، وفي النهاية تتحوّل إلى الظروف الخاصّة بكل بلد. لكن وعلى ما يبدو، المزيد والمزيد من البلدان تدرس، وبجديّة، الدولرة الكاملة، كونها تتعامل مع التغيّرات في الاقتصاد العالمي، لاسيّما على مدى السنوات العشرين الماضية.

وخلال ثمانينات القرن الماضي، عصفت بالعديد من الدول مشكلة التضخّم، الأمر الذي أثار الجدل حول أنظمة الصرف ودور ربط أسعار الصرف بعملة أو مجموعة عملات أجنبية، لاسيّما تلك الخاصّة بالشركاء التجاريين لهذه الدول. (ألدول الإفريقيّة والتي جعلت عملاتها مرتبطة بالفرنك الفرنسي). وعلى هذه الخلفية ومع ازدياد مشاكل الدول الاقتصاديّة، إقترح في العام 1999 الرئيس الأرجنتيني كارلوس منعم، أن تتبنّى الأرجنتين الدولار الأميركي كحلّ نهائي لتاريخها الطويل من الصعوبات مع السياسة النقدية وسياسة أسعار الصرف. وفي كانون الثاني من العام 2000 إعتمدت الإكوادور، في سياق أزمة اقتصاديّة وسياسيّة عميقة، الدولار الأميركي كعملة قانونيّة لها.

وهنا تختلف الآراء، ولكن وعلى ما يبدو، يتّفق الاقتصاديّون البارزون على القول، بأنّ جميع البلدان النامية يجب أن تستخدم الدولرة. وقد تمّ حثّ بعض الدول الصناعيّة على النظر في ذلك، والأمثلة هنا كثيرة، لاسيّما تخلّي الدول الأوروبيّة عن عملاتها الوطنيّة واستعمال اليورو، واقتراح البعض على كندا أن تتبنّى الدولار الأميركي مع تطوّر إتفاقيّة التجارة الحرّة لأميركا الشماليّة (NAFTA)، بينما بنما هي الدولة الوحيدة التي استخدمت الدولار الأميركي كعملة قانونيّة، لاسيّما وأنّ لها روابط تاريخيّة وسياسيّة واقتصادّية وثيقة جداً بالولايات المتّحدة. أمّا تقييم هذه العمليات وخيارات أسعار الصرف، فيجب أن تكون على فترات طويلة، وذلك لأنّ الدولرة شبه الكاملة وفوائدها لا يمكن جنيها إلّا على المدى الطويل.

«لا يوجد غذاء مجّاني»

وقد أصبحت الدولرة الكاملة واحدة من أكثر البدائل السياسية إثارة للجدل، لاسيّما في ظلّ انهيار مالي ونسب تضخّم مرتفعة وعدم يقين اقتصادي. وعلى سبيل المثال، إقترح الخبير الإقتصادي ستيف هانكي الدولرة الكاملة، باعتبارها واحدة من الأمور الضروريّة للمساعدة في حلّ أزمة الأرجنتين. ولكن، هل فوائد الدولرة الكاملة أكبر من تكاليفها. إنّ قرار الدولرة الكاملة من عدمه يعيد إلى الأذهان عبارة «لا يوجد غذاء مجّاني»، لاسيّما وأنّ الفوائد تأتي بكلفة. علماً أنّ فوائدها المتدنية كما سبق وذكرنا، هي تراجع معدّلات التضخّم والقضاء على مخاطر إنخفاض قيمة العملة المحليّة وتعزيز ملحوظ لصدقية السياسة الإقتصاديّة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل لبنان بحاجة لمثل هذه السياسة، كونها الأنسب لمشاكلنا الاقتصاديّة والنقديّة الحاليّة، أم أنّه يبقى الأفضل التعافي مع الدولار الأميركي بهذا الشكل الجزئي، والذي لا يخدم كثيراً الإقتصاد إلّا من ناحية تصويب مسار التضخّم؟

كلّها أمور يجب التطلّع اليها في ظلّ أوضاع معيشيّة واقتصاديّة ونقديّة باتت لا تُطاق ولا تُحتمل. ونحن في الوضع هذا أمام العديد من الاحتمالات تكون فيها الدولرة الكاملة منفذاً للخلاص ولإعادة الثقة وتطوير سياسات اقتصاديّة أكثار كفاءة.

بروفسور غريتا صعب

إستقرار الليرة نسبياً بانتظار دولارات عطلات نيسان… والصيف

400 ألف وافد سيضخّون الكثير من الدولارات في خلال شهر

 

ارتفع متوسط التداول على منصة صيرفة في 3 أسابع من متوسط يومي يبلغ 23 مليون دولار الى 39 مليوناً ثم الى ما بين 85 و95 مليوناً كما الحال هذه الأيام. وهذا ما يفسر هبوط سعر صرف الدولار من ذروة بلغها عند 143 الف ليرة الى 110 آلاف ثم الى نحو 98 الفاً كما أمس. وهناك تعويل على قدوم 400 الف وافد خلال فترة العطلات لضخ المزيد من الدولارات التي يمكن ان يجمع منها مصرف لبنان كميات يضخها على منصة صيرفة، على أمل الوصول في هذه المعادلة الى فصل الصيف ايضاً والذي يتدفق معه الوافدون الى لبنان بأعداد تزيد على 1.5 مليون وافد.

 

قراءة تاريخية

 

بيد أنه تاريخياً، ومنذ إطلاق عمل منصة صيرفة في ايار2021، ومصرف لبنان يحاول جاهداً من خلال هدر الدولارات، مواكبة سعر صرف السوق السوداء وجعل سعر صرف صيرفة السعر الرسمي الوحيد المتداول به في السوق. إلا ان محاولاته منذ عامين ما زالت تبوء بالفشل رغم ان احتياطيه الصافي بالعملات الاجنبية وفقاً لما تظهره ميزانيته انخفض من 16 مليار دولار في ايار 2021 الى حوالى 9 مليارات دولار في اواخر آذار 2023، وبالتالي فان 7 مليارات دولار قد أُنفقت، بجزء كبير منها لتمويل صيرفة وجزء لتمويل بعض نفقات الدولة، ولكن من دون جدوى مالية او اقتصادية في الحالتين.

 

ترقيعات لم تنجحرنى سعرتي

 

لم تنجح سياسات الترقيع تلك، تارة عبر رفع سعر صيرفة بين ليلة وضحاها بقرار منفرد من قبل الحاكم، وطوراً عبر دعوة الجماهير لشراء الدولارات عبر المنصة وبسقوف غير محدودة، في استقرار سعر الصرف عند أي مستوى بلغه، ولا تزال الليرة تنهار بشكل متواصل رغم ان محاولة البنك المركزي الاخيرة مع نهاية كلّ شهر، نجحت في رفع سعر صرف الليرة مقابل الدولار من سقف قياسي عند 143 الفاً وصولا الى 98 الف ليرة، بعد ضخه حوالى 423 مليون دولار خلال آخر 5 ايام عمل للمنصة. ورغم ان سعر صرف صيرفة اصبح 88 الف ليرة، قرر البنك المركزي تسديد رواتب القطاع العام على سعر صرف 60 الف ليرة هذا الشهر، مراكماً خسائر اضافية عليه. علما ان هذين التبديد والتبذير في ما تبقى من احتياطي البنك المركزي من العملات الاجنبية او طباعة العملة وزيادة التضخم، لا يحظيان بموافقة كل اعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان وفقاً لما اكدته مصادر معنيّة. حيث ان قرارات الإنفاق على سياسات الترقيع لتثبيت سعر الصرف وغيرها هي قرارات منفردة تقريباً يتخذها حاكم البنك المركزي، مع الاشارة الى ضرورة التنبّه الى ان التعاميم والقرارات ذات الصلة لا تحمل توقيعات المجلس المركزي لمصرف لبنان، مع ذريعة ان للحاكم صلاحية خاصة في هذا الشأن وفقاً لقراءة خاصة لقانون النقد والتسليف.

 

باستطاعته التحكم لبعض الوقت أيضاً

 

في هذا الاطار، عزا عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال ارتفاع سعر صرف الدولار فوق 140 الف ليرة اواخر الشهر الماضي الى تدخل مصرف لبنان والمصارف لشراء الدولارات المعروضة في السوق بالاضافة الى الدولارات المخزنة، عبر رفع السعر والتحفيز على بيعها. ورأى ان حجم الدولارات التي اشتراها البنك المركزي في الآونة الاخيرة يخوّله التحكم بسعر الصرف لفترة أطول من المرات السابقة، في وقت يشهد فيه السوق التجاري طلباً ضعيفاً على الدولار للاستيراد، نتيجة تراجع الاستهلاك ورفع الرسوم الجمركية بالاضافة الى تراجع القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام بسبب تراجع قيمة رواتبهم بالدولار. (مصادر اخرى اشارت الى ان تراجع الاستيراد متعلق ايضاً بما تم تخزينه قبل رفع الدولار الجمركي).

 

كما اعتبر رمّال ان تقليص الفارق بين سعر صرف صيرفة وسعر السوق السوداء حدّ أيضا من عمليات المضاربة في السوق، وبالتالي تراجع الطلب على الدولار.

 

سيعود الدولار إلى الإرتفاع

 

وشدد على ان مصرف لبنان قادر لغاية اليوم على التحكّم في سعر الصرف، ولكنها فترة موقتة الى حين نفاد السيولة بالعملات الاجنبية التي كوّنها، حيث سيعاود سعر صرف الدولار الارتفاع طالما لا توجد مؤشرات سياسية او مالية او اقتصادية ايجابية. مشيراً الى ان البنك المركزي لا يستخدم احتياطيه للتدخل عبر صيرفة، والدليل على ذلك ان النقص بالدولار الذي تظهره ميزانية مصرف لبنان الاخيرة بين موجوداته ومطلوباته، زهيد ما بين 50 و60 مليون دولار، مما يدلّ على انه لا يستخدم احتياطيه لتمويل صيرفة وتسديد الرواتب والاجور بل لتمويل نفقات الدولة الاساسية، في حين ان عملية تمويل القطاع العام تتم من خلال السوق السوداء.

 

السيولة 17 مليار دولار

 

من جهته، شرح المصرفي محمد فحيلي ان تحسّن سعر صرف الليرة ليس له بالضرورة انعكاس ايجابي على معدل التضخم المتزايد، مشدداً على ان الارتكاز على حركة الدولار كمؤشر لتحسّن الاوضاع الاقتصادية هو مفهوم خاطئ.

 

واشار الى ان لبنان يتلقى 7 مليارات دولار سنوياً من التحويلات المالية من المغتربين وحوالى 3 مليارات من التحويلات المباشرة غير الرسمية، مما يعني ان التحويلات المالية من لبنان الاغتراب تشكل 50 في المئة من حجم الناتج القومي بالاضافة الى 3 مليارات دولار متأتية من الصادرات وما يقارب 4 الى 6 مليارات دولار مخزنة في البيوت يتم استخدامها لدى ارتفاع سعر صرف الدولار. موضحاً ان هناك سيولة بالعملة الاجنبية بحوالى 17 مليار دولار في لبنان، تشكل مدماكاً اساسياً وحاجزاً اساسياً بوجه اي ارتفاع جنوني في سعر صرف الدولار على غرار الارتفاع الذي بلغه عند 140 الف ليرة، وهي بمثابة ضوابط اقتصادية لسعر الصرف الدولار مقابل الليرة.

 

صيرفة سعر مركب

 

ورأى ان اي ارتفاع جنوني وغير طبيعي في سعر الصرف هو تفوّق لعامل اللاثقة على العوامل الاقتصادية، “إلا ان سعر الصرف عاود بلوغ مستوياته الطبيعية هذه الايام متأرجحاً بين 90 و 100 الف ليرة”.

 

ولفت فحيلي الى ان سعر صرف صيرفة ليس سعراً ناتجاً عن حجم العرض والطلب بل انه سعر مركب يحدده مصرف لبنان ويبيع على اساسه الدولار ولا يشتريه. علما ان البنك المركزي يشتري الدولار من السوق الموازي ويعتمد على احتياطيه من العملات الاجنبية من توظيفاته في الخارج وغيرها للتدخل في صيرفة. وقال انه عند موعد تسديد رواتب واجور القطاع العام، يعرض مصرف لبنان الدولارات في السوق، ويعاود بعد ذلك شراءها لاعادة تكوين كتلة نقدية توازي قيمة الرواتب والاجور بالدولار.

 

حاجات القطاعين العام والخاص

 

واوضح فحيلي ان الاجراء الاستثنائي الذي أضيف على عمل صيرفة (التعميم 161) أتاح تدخل مصرف لبنان في السوق من خلال المنصة بهدف تمكين موظفي القطاع العام من الانخراط بالدورة الاقتصادية بشكل فعال، بعد ان تمكن القطاع الخاص من التأقلم مع المتغيرات الاقتصادية ودولرة ايراداته ونفقاته في حين عانى القطاع العام من الاستبعاد الاقتصادي. لذلك، استُخدمت صيرفة لدعم استهلاك القطاع العام من خلال تسديد رواتب الموظفين وفقاً لسعر صرف دولار مدعوم على ان يتم بيع تلك الدولارات في السوق السوداء والاستفادة من فروقات السعر. واعتبر ان تدخلات مصرف لبنان الاستثنائية عبر صيرفة، ليست لضبط سعر صرف الدولار، بل بانتظار ان تضع الدولة حدّا للافراط في الانفاق واصدار موازنة متوازنة تخفف من عبء تمويل نفقاتها الملقاة على عاتقه من خلال طباعة العملة. واضاف: وبما ان تمويل نفقات الدولة عبر طباعة العملة يزيد من الضغوطات التضخمية، يسعى مصرف لبنان الى تسديد رواتب القطاع العام بالدولار للحدّ من تلك الضغوطات. إلا ان المشكلة الحالية تتمثل بان دولار صيرفة المدعوم هو دولار “سياسي” لان فروقات سعر الصرف بين السوق السوداء وصيرفة، يسجّل ديناً على الخزينة اللبنانية.

رنى سعرتي

ما هو الرقم المناسب لدولار رواتب القطاع العام؟

ما جرى في موضوع دفع رواتب موظفي القطاع العام على سعر 60 ألف ليرة للدولار، عبر منصة «صيرفة»، هو نوع من أنواع ربط الرواتب بالدولار وتثبيتها. فكيف سينعكس هذا الواقع على الوضع العام؟ وما هي إيجابيته وسلبياته؟

لا شك في انّ الاقتصاد الوطني يحتاج الى القطاع العام لكي يستمر بالحد الأدنى القائم حالياً، لا سيما أننا في دولة مركزية ترتبط كل المعاملات التي يحتاجها القطاع الخاص والافراد بمؤسسات القطاع العام. وبالتالي، إن المعادلة بسيطة: من دون قطاع عام سيسقط القطاع الخاص، ولو بعد حين، وسينتقل الوضع الى مشهد أشدّ تعقيداً.

هذا الواقع يعني انّ حماية موظفي القطاع العام، وتأمين القدرة على صمودهم واستمراريتهم للابقاء على المرفق العام شغّالاً، من المسلمات التي لا نقاش فيها. بالاضافة طبعاً، الى القسم المتعلق بالقوى العسكرية والامنية، حيث تصبح الحاجة الى ضمان الحد الأدنى للعناصر والضباط والمؤسسات العسكرية والامنية واجب الوجوب.

وبالتالي، فإن ربط رواتب القطاع العام بتسعيرة ثابتة للدولار، هو إجراء مطلوب في هذه المرحلة، طالما اننا لا نزال بعيدين من الحل الشامل الذي سيعالج اساس الأزمة وينفي الحاجة الى كل الاجراءات الاستثنائية، وبعضها شاذ، التي يتمّ اتخاذها مؤقتاً.

لكن مثل هذا الاجراء يحتاج الى عناية خاصة لئلّا يتحوّل الى عبء اضافي على البلد، من خلال دراسة هادئة للكلفة اولاً، ولكيفية تأمين الاموال. اذ انّ ما قيل قبَيل صدور قرار الدفع على سعر 60 الف ليرة للدولار، هو انّ وزارة المال ستتحمّل الفرق من خلال الدولارات التي تدخل الى الخزينة من ايرادات دولارية. (الموظفون لم يوافقوا على الرقم بعد، ويطالبون بدولار على سعر 45 الف ليرة). هذه الايرادات الدولارية ضئيلة طبعاً، والدولة تحتاج كل دولار منها لتسيير الضروريات القصوى. وبالتالي، لا بد من احتساب هذه الايرادات الدولارية بعناية، وضمان عدم تكبير فجوة العجز في الموازنة، لأنّ ذلك سيزيد الضغط على الاقتصاد الوطني المهترئ اصلاً، وسيتسبّب بتكبير فجوة الديون التي لا يبدو حتى الان انّ الحكومة تخطّط لتسديدها يوماً ما. وبالتالي، سيدفع المجتمع مجدداً ثمن هذا الانحدار.

في حسبة مبدئية لا ترتكز على ارقام دقيقة بسبب غياب الارقام في البلد، بما فيها ارقام اعداد موظفي القطاع العام، واستناداً الى بند الرواتب، يتبيّن انّ مجموع ما تدفعه الدولة من رواتب حالياً يصل الى 36 الف مليار ليرة. وهذا يساوي حوالى 350 مليون دولار وفق السعر الحقيقي للعملة الخضراء في السوق الحرة. هذا الرقم زهيد جدا قياسا بحجم الرواتب قبل الانهيار. وهو يساوي حوالى 490 مليون دولار اذا احتسبناه على «صيرفة» الـ60 الف ليرة. في المقابل، فإنّ حجم الايرادات المقدّرة في موازنة 2022 تبلغ 39 الف مليار ليرة، أي حوالى 380 مليون دولار. وتصل النفقات المقدرة الى حوالى 47 الف مليار ليرة، اي حوالى 460 مليون دولار. واذا أخذنا في الاعتبار ان الانفاق في موازنة 22 كان محتسباً وفق الرواتب السابقة، اي قبل زيادة اساس الراتب ثلاثة اضعاف، وزيادة بدل النقل والتوابع، فهذا يعني ان الانفاق في العام 2023 سيصل الى 60 الف مليار من دون احتساب الزيادات التي ستطرأ جرّاء الخطأ في تقدير الواردات وكذلك في تقدير الانفاق.

هذه الارقام، تقود الى حقيقة واحدة، وهي انّ استمرار الامور كما هي اليوم سترفع نسبة العجز في الموازنة الى مستويات قياسية لم تشهدها الموازنات قبل الانهيار، وهي موازنات كانت تدفع خلالها الدولة فوائد على الدين العام بما يُقارب الـ5 مليارات دولار، اي ما يوازي 10 موازنات من الحجم الحالي!

في الاستنتاج، لا بد من ربط رواتب القطاع العام بسعر ثابت للدولار للحفاظ على حد أدنى يضمن استمرارية العمل في القطاع، ولكن لا بد من إجراءات مواكبة تضمن ألا يتحول هذا الاجراء الى فجوة تتم ترجمتها من خلال الاستعانة مجدداً بالدولارات الاحتياطية العائدة الى المودعين، والتي لا تزال موجودة في مصرف لبنان. وبالمناسبة، هذه الدولارات، والتي تعتبر ملكية خاصة للمودعين، تصرّفت بها الحكومات منذ الانهيار وكأنها ملكٌ عام، وهي بذلك أمّمت اموال الناس وأنفقتها بلا حسيب او رقيب، بحيث فقد المودعون حوالى 20 مليار دولار من الاموال العائدة لهم، والمودعة قسراً في بنك الدولة المركزي.

تثبيت دولار رواتب القطاع العام سيرتّب خسائر لا تقل عن 20 الف مليار ليرة، وعلى الحكومة ان تتخذ اجراءات مواكبة تؤمّن مثل هذا المبلغ، لا ان تَستسهِل مدّ يدها مجدداً على اموال الناس، وبقوة الأمر الواقع. وهذا هو المطلوب اليوم لضمان الحد الادنى من حقوق الموظفين، والمحافظة على الحد الأدنى من حقوق المودعين.

أنطوان فرح

إنحلال الدول وتوقيتها… النموذج اللبناني

يقع لبنان في قبضة أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث، لا سيّما أنّها متجذّرة في عقود من الفساد وسوء الادارة من قِبل الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية. هذا وما زالت الطبقة السياسية تقاوم تنفيذ الاصلاحات كما يطالب بها المجتمع الدولي.

منذ بدء الانهيار الاقتصادي، يعيش ثلاثة أرباع سكان لبنان، بما في ذلك مليون لاجئ سوري، في فقر مع تضخّم آخذ بالارتفاع. وأخيراً، حدّد البنك المركزي سعر الصرف الرسمي عند 15000 ليرة للدولار، بينما سعر السوق السوداء يُستخدم الآن في جميع المعاملات تقريباً. ومع التعاميم المتتالية لمصرف لبنان، والتي أقل ما يُقال عنها إنّها تخالف الأعراف الاقتصادية والمالية، وتضرب بعرض الحائط كل الأسس الاقتصادية والمالية، في أكبر عملية رشوة يتعرّض لها شعب بكامله، ألا وهي الصيرفة. أي انّها سياسة ملتوية لإلهاء النّاس عن الأساس ودفعهم إلى المغامرة من أجل مبلغ من المال سيدفعونه حتماً في المحلات التجارية، وهذا ما يُعرف بالاقتصاد بـ «Money Illusion».

حسب البنك الدولي، يعيش لبنان واحدة من أسوأ ثلاث أزمات منذ منتصف القرن التاسع عشر (البنك الدولي- 1 حزيران 2021). والسؤال يبقى، ما مدى سوء الوضع، وكيف تتعامل معه الطغمة الحاكمة، والتي على ما يبدو فقدت شروط ومقوّمات الحسّ الوطني منذ زمن بعيد؟

 

وذكر البنك الدولي، أنّ الناتج المحلّي الاجمالي إنخفض إلى ما يقدّر بنحو 20.5 مليار دولار في العام 2021 من حوالى 55 مليار دولار في 2018، وهو نوع الانكماش المرتبط عادة بالحروب. وفقدت الليرة اللبنانية حوالى % 95 بالمائة من قيمتها، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار وهدم القوة الشرائية في بلد معتمد في إجماله على الاستيراد.

وقالت وكالة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، إنّ معدّلات الفقر قفزت بشكل كبير بين السكان، مع تصنيف 80% من السكان على أنّهم فقراء. هذا بالإضافة إلى الخسائر التي عانى منها النظام المالي، حيث تُقدّر الخسائر الاجمالية بحوالى 70 مليار دولار، وقد يرتفع هذا الرقم إذا لم تتمّ معالجة الأمور بشكل جدّي وجذري.

 

يبقى الأهم، أنّ مصرف لبنان يتلاعب بالدولار ويحاول إعادة هيكلة أمواله، علماً أنّ كل هذا يتمّ ضمن خطة تلاعب اسمها «صيرفة»، وإغلاق المصارف أبوابها وتوقف الخدمات العامة. وتتحدّث المؤسسات الدولية عن أنّ لبنان أصبح «دولة فاشلة»، كما انّ حالة الأمن الغذائي مقلقة مع انخفاض قيمة العملة وارتفاع تكاليف المعيشة التي تمنع الأسر من الحصول على ما يكفي من الغذاء والاحتياجات الأساسية اليومية.

يقول عبدالله الوردات، ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير القطري في لبنان: «أصبح عدد الأشخاص الذين يعتمدون الآن على المساعدة في لبنان أكثر من أي وقت مضى». ولبنان اليوم يعتمد معظم شعبه على المساعدات العائلية الخارجية، والتي بلغت في السنوات الأخيرة مبالغ جديرة بالذكر.

 

كلّ الذي ذكرناه غيض من فيض. ويبقى الأهم السؤال الذي يجب أن نطرحه: لماذا كل الدول تتعاون مع صندوق النقد الدولي إلّا لبنان؟ وهل شروطه مستعصية علينا، أم أنّها لا تناسب بعض فئات تعيش على التهريب والسرقة والفساد؟ وهل أنّ ضبط الحدود البريّة والبحريّة أمر غريب في أي دولة؟ أو انّ تطهير الادارة من فائضها ليس بالوارد لجماعات عاشت على هذه الاستنسابية، ضاربة بعرض الحائط مؤسّسات نفتخر بها، لا سيما أنّها تعطي فكرة واضحة عن بلدٍ بات محلولاً، وتضرب بعرض الحائط كل ما سعى رجالات لبنان لبنيانه، لا سيما المجلس التأديبي ومجلس الخدمة المدنية وغيرها من المؤسّسات التي أصبحت بحكم المنسيّة؟ وهل نحن على خصام مع المجتمع الدولي والمؤسّسات الدولية، ونرفض معونتها الّا بشروطنا؟ وما هي هذه الشروط سوى الإبقاء على الفساد والسرقة والتهريب، لطبقة حكمت البلد منذ سنين ولا تزال؟

يبقى القول، إنّ التزامنا مع صندوق النقد الدولي يبقى المخرج الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم، ويضع لبنان على سكة الخلاص، الّا إذا كان المسؤولون فيه يطبّقون أجندة عمل أجنبية تسعى بلبنان إلى الخراب والزوال. ويبقى السؤال: هل نحن ندق أبواب التقسيم والكانتونات المذهبية، وهذا وللأسف ليس بالغريب في ظلّ ما يحدث من تجاذبات تأخذ منحى طائفياً، وتجيّش عامل الفرقة والتفاوت في التفكير بين مختلف فئات المجتمع اللبناني؟

 

أما الوقت والتوقيت فهو عالمي، والجدل والاستنسابية لا ينفعان في مثل هذه الحالة.

 

بروفسور غريتا صعب

أكبر عملة بالليرة أقل من أصغر عملة بالدولار

 

نعيش اليوم تاريخاً أسود من تاريخ لبنان، سيُسجّل في الكتب الداخلية وأيضاً في كل كتب تاريخ الإقتصاد العالمي، ويُعرف بأكبر عملية نهب وتدمير ذاتي، وأكبر أزمة إقتصادية، مالية ونقدية ستُحفر في التاريخ الدولي. وقد أصبحت أكبر عملة ورقية لبنانية (ورقة المئة ألف ليرة) تُوازي أقل من أصغر عملة ورقية بالدولار الأميركي. وتتواصل هذه الخطة من التدمير الشامل والمعتمد يوماً بعد يوم.

لقد خسرت العملة الوطنية حتى اليوم أكثر من 98% من قيمتها، وانهار سعر الصرف من 1500 ألف ليرة إلى 120 الفاً، أي 80 مرة أكثر، في ظل غياب أي خطط لأي نيّة للإصلاح، لا بل ثمة نيات لمتابعة التدمير الذاتي والشامل.

نذكّر بحزن وأسف، أنّه خلال سنوات الحرب الأهلية، كان الدولار الأميركي يُوازي 3 ليرات لبنانية ثم تدهور وانهار حتى وصل إلى 3300 ليرة للدولار، يعني 1100 مرة أكثر.

أما اليوم، بعد نحو 40 عاماً، ها هو التاريخ يعيد نفسه، حيث بلغ تدهور الليرة نحو 80 مرة حتى اليوم، وليس له أي آفاق ولا حدود، ويُمكن أن يصل إلى زيادة أصفار وعشرات ومئات الآلاف في خلال أيام قصيرة.

فالتدهور النقدي مستمر، من دون خطط واستراتيجيات ونيات لوقف النزف، والخسائر التي يتكبّدها الشعب الكادح والاقتصاد الأبيض.

في وجه هذه الخسائر الفادحة والضخمة، من قِبل الرياديين والمبتكرين والمستثمرين، هناك أرباح فادحة من قِبل المروّجين والمهرّبين والمبيّضين، الذين لهم مصلحة مباشرة ومستمرة جراء هذا الانهيار والتهديم.

لوكان هناك نية حقيقية لوقف الإنهيار، كان أولاً قد بدأوا وأجبروا الاقتصاد على متابعة سوق صرف موحّدة ورسمية، وليست منصّات هاتفية غامضة، لا نعرف مَن يديرها وبأي طريقة تعمل؟

لو كان هناك نية حقيقية جدّية، لكانت الأولوية لإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية والنمو والاستقرار للقطاعين العام والخاص. شئنا أم أبينا، مهما كان التمويل والمساعدات والمؤتمرات من دون إعادة النمو والدورة الاقتصادية، ولا سيما الثقة، لا يُمكن إعادة سنت واحد للمودعين.

لا يمكن أن نحلم بإعادة نمو وثقة، من دون إعادة تمكين وعمل مؤسسات الدولة، والمؤسسات الخاصة والمالية، لتمويل النمو والاقتصاد الجديدين.

عندما اختلفت دول المنطقة، اختلفنا في لبنان، بعد أكثر، ورفعنا سقف الخلاف، والتشنجات، أما حين اتفقوا فكان تغييبنا سيّد الموقف، واستمررنا بالخلافات والتجاذبات الداخلية عينها، من دون أي حدود وحتى أي أهداف إلاّ الأهداف التخريبية، الذاتية والتدميرية.

مرة أخرى يُبرهن العالم لنا، أننا لم نعد من أولويات وحتى أجندات الدول، والحقيقة المرّة، التي لا نريد مواجهتها، وتصديقها، هي أنّ التدهور المالي والنقدي والإقتصادي سيستمر أكثر فأكثر، وسيزيد سعر الصرف ليس بالعشرات لكن بالمئات، ولا سقف لهذا التدهور المعتمد الراهن.

إنّ هذا البرنامج والحلقات وهذه المسرحية التدميرية مستمرة، بهدف واضح هو تدمير ما تبقّى من الاقتصاد الأبيض، وهدر ما تبقّى من أموال المودعين البخسة، ودعم الاقتصاد الأسود، والسوق السوداء المظلمة، والتبادل التجاري العشوائي والتدميري، وجذب كل الأيادي السود العالمية إلى منصتنا، وإلى أرضنا اليابسة.

لا شك في أنّ اقتصادنا يلين وشعبنا ينزف، لكن نذكر بفخر، أنّ إرادتنا لم ولن تُهدم، والرياديين والمبتكرين والمستثمرين لم ولن يستسلموا، وستبقى شعلتنا مضيئة ولا تنطفئ، ومرونتنا وصمودنا في قلب معركتنا المصيرية.

د. فؤاد زمكحل

من أين الدولارات للدولرة الشاملة في لبنان؟ المشروع بدأ منذ الثمانينات!

منذ انكشاف حجم الانهيار المالي- النقدي- المصرفي أواخر عام 2019 بعد تراكم احتقان متمادٍ منذ انقلاب المؤشرات الاقتصادية، لاسيما منها ميزان المدفوعات عام 2011، حتى أصبحت فجأة الإشكاليات الاقتصادية، ولاسيما النقدية، مادة سجال واسع النطاق وتجاذب إعلامي ونقاش مفتوح، بينما جوهر البحث يحتاج حداً أدنى من مرتكزات علمية دقيقة، لا يمكن فلشها بشكل شعبوي مهما حاولنا تبسيطها. اليوم، وبعد سقوط نظام سعر الصرف المرن في لبنان، واستحالة اعتماد نظام سعر صرف عائم في ظلّ معدّل دولرة جزئية جداً جداً مرتفع، الاتجاه الواقعي هو نحو نظام الربط الصارم لسعر الصرف المتمثّل بالدولرة الشاملة الرسمية أو رديفها «مجلس النقد»، إستناداً الى جميع النظريات العلمية النقدية المعروفة في كل الأدبيات الاقتصادية والتجارب الدولية المماثلة.. السؤال المركزي، لم يعد إذا كان يمكن الذهاب نحو هذا الخيار أو غيره. إنما كيف وبأي شروط وآلية يمكن تسهيل عملية الانتقال وضمان استدامتها؟ طبعاً الآلية التطبيقية العلمية لها أسسها وأركانها التي تحتاج تخصّصاً معروفاً، إنما من حق الرأي العام الاجابة عن السؤال البديهي الذي يرفعه الجميع: من أين الدولارات للدولرة الشاملة؟

قبل حرب 1975-1990 في لبنان، في نهاية عام 1974، لم تكن تتجاوز الودائع بالعملات الأجنبية (823 مليون دولار أميركي) 18% من إجمالي الكتلة النقدية في البلاد، وكانت أقل بكثير من الأصول الخارجية للعملات الأجنبية للنظام المصرفي (2.11 مليار دولار). وهذا يعني أنّ معظم العملات الأجنبية التي كانت تدخل لبنان كانت تحوّلت إلى ليرة لبنانية، ما أدّى إلى ارتفاع قيمة العملة الوطنية.

منذ اندلاع الحرب عام 1975، تراجعت التحويلات من الدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية تدريجيًا، وانعكست في النهاية مع اندلاع عملية الدولرة الجزئية غير الرسمية الناتجة من الاختيار الحرّ للقطاع الخاص، في أعقاب التدهور الحاد في شراء الطاقة للعملة الوطنية، خلال الأزمة النقدية في الثمانينات، لا سيما مع التضخم الجامح في عام 1987 الذي تلاه انخفاض حاد في قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، والذي بلغ ذروته في عام 1992. وجاءت الزيادة في الودائع بالعملات بعد ارتفاع فائض ميزان المدفوعات تقريبًا، في نهاية عام 1992، 63% من إجمالي المعروض النقدي. خلال هذه الفترة، بدأ الدولار الأميركي يحتل مكان الليرة اللبنانية بوظائفها الثلاث: وحدة التسعير والحساب، وسيط التداول والدفع في التبادل التجاري، والادخار. ارتفع سعر الصرف، الذي كان قبل الحرب 3 ليرات لبنانية/ دولار أميركي، إلى أكثر من 2850 ليرة لبنانية / دولار أميركي في نهاية عام 1992.

منذ عام 1993، تخلّى لبنان عن نظام سعر الصرف العائم ليتبنّى نظام ربط انزلاقي من 1993 إلى 1997، يسمح بتخفيض سعر الصرف تدريجيًا حتى تطبيق نظام الربط المرن لعملة واحدة، يربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي بسعر الصرف بهامش 1501-1514 ومعدّل متوسط 1507.5 منذ عام 1997.

في الوقت نفسه، منذ عام 1993، بدأت تتنامى الفجوة بين نمو الودائع بالعملات الأجنبية والأصول الخارجية للنظام المصرفي، وأخذت تتسع تدريجياً. وفي محاولة لاستعادة الثقة بالليرة اللبنانية، إنتهج مصرف لبنان سياسة ترسيخ قيمتها، ولكن كان لها تأثير سلبي يتمثل في تعميم استخدام الدولار في المدفوعات الداخلية، خصوصاً بعد إنشاء غرفة المقاصة للشيكات بالدولار الأميركي بدءًا من عام 1994. وبعدها تطوّرت الدولرة باتجاه أجهزة الصرّاف الآلي التي أخذت تمتلئ بالدولار الأميركي، خلافًا لما هي حال جميع البلدان التي لا تملأ أجهزة الصراف الآلي سوى بالعملة الوطنية التي يمكن للمصرف المركزي للبلاد طباعتها، خشية من تعميم التداول الورقي بالعملة الأجنبية واستخدامها لتبييض الأموال والمضاربة على العملة الوطنية في السوق السوداء…. ثم تضمن العملة الوظيفة الثالثة لأي عملة، وهي أن تكون أداة صرف. وقد تمّ تأكيد هذا الاتجاه مع تثبيت سعر الصرف عند 1507.5 ليرات لبنانية بدءًا من نهاية عام 1997. وبالتالي، فإنّ المدفوعات بالدولار لا تتمّ فقط عن طريق بطاقات الدفع أو الشيكات المسحوبة على الودائع، ولكن أيضًا عن طريق الأوراق النقدية. بالإضافة إلى السماح بعمليات التحويل التلقائي من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي. وأدّى استخدام العملة كأداة دفع إلى تطوير منح قروض مصرفية للقطاع الخاص بالدولار الأميركي للسوق الداخلية، ومنحها حتى لمن مدخولهم بالليرة اللبنانية، بما في ذلك من مخاطر تقلّب سعر الصرف وعدم إمكانية السداد كما حصل بعد 2019، حتى تمّ السماح لهم بالتسديد بالليرة اللبنانية وعلى سعر الصرف الرسمي. وهذه خيارات تؤدي في جميع مصادرها إلى خلق المزيد من النقد عن طريق «مضاعف الائتمان» .. حيث يتبيّن صوريًا أنّ الودائع تتزايد بالدولار، وهي معظمها مجرّد تحويل ودائع من الليرة إلى الدولار من دون غطاء دخول دولار فعلي وتحديداً من تراكم عجوزات ميزان المدفوعات منذ عام 2011. وكذلك عمدت الدولة اللبنانية إلى دولرة متنامية للدين العام، بما في ذلك من مخاطر صعوبة التسديد، وتوّجهتها من خلال «الهندسات المالية» التي كان من أهدافها تخفيض وهمي لخدمة الدين العام، لأن الفوائد على الأوروبوند أقل من الفوائد على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية (بفعل فرق عامل المخاطرة بين العملتين) فضلًا عن محاولة تسويق الأوروبوند في الأسواق المالية الدولية (الأمر غير الممكن بالنسبة لسندات الخزينة بالليرة اللبنانية).

تمّ الحفاظ على هذا الوضع طالما كان ميزان المدفوعات فائضًا، أي حتى عام 2011 الذي بدأ فيه ميزان المدفوعات في تسجيل تراكم للعجز (باستثناء عامي 2016 و 2017 بسبب «الممولين الهندسيين»، والذي جعل من الممكن جذب رأس المال بالدولار الأميركي من الخارج لاستثمارها في سندات اليورو وشهادات الإيداع بالدولار الأميركي لدى مصرف لبنان). منذ عام 2011، اتسعت الفجوة بطريقة بارزة، مثل «تأثير القمع» بين الودائع بالدولار الأميركي التي كانت تتزايد بوتيرة متسارعة، والأصول الخارجية للنظام المصرفي التي بدأت في الانخفاض، مما قلّل تدريجيًا من القدرة على تلبية جميع طلبات سحب ودائع العملاء بالعملة الأجنبية في عام 2019 ، مما سلّط الضوء على انهيار نظام 2019، مع العلم أنّ مصرف لبنان لا يستطيع طباعة الدولارات لتزويد المصارف، واحتياطياته من العملات الأجنبية بدأت في النضوب (بسبب التدخّل المستمر على العملات الأجنبية) في سوق الصرف للحفاظ على تثبيت سعر الصرف، ومشاركته في تمويل الدولة سواء عن طريق سندات الأوروبوند أو التمويل المستمر لشراء الوقود للكهرباء أو لضمان الدولارات للواردات المختلفة بسعر الصرف الرسمي، فضلًا عن سياسة الدعم ومن ثم منصة صيرفة»..

باختصار، كل الأمكنة التي تمّ فيها توظيف الودائع بالدولار الأميركي (الدولة والمصرف المركزي والقطاع الخاص) تخلّفت عن إعادتها بالدولار الفعلي النقدي الى المصارف، فهي إما أعلنت العجز عن السداد (الدولرة) أو سدّدتها بالليرة اللبنانية أو بشكل تدريجي أقل من قيمتها وفق سعر السوق..

بعد تجاوز عتبة 80% من الدولرة الجزئية في لبنان، لم يعد المقدار الضروري من احتياطيات العملات الأجنبية مرتفعًا للتحول المحتمل إلى نظام الربط الصارم عبر الدولرة الشاملة، لأنّه يحتاج فقط تغطية القاعدة النقدية بالدولار الأميركي (وليس كل الكتلة النقدية): أي النقد المتداول خارج النظام المصرفي، بالإضافة إلى الاحتياطيات الإلزامية بشكل أساسي على الجزء من الودائع التي سيتمّ سدادها «بالدولار الأميركي الجديد» بالإضافة إلى الحدّ الأدنى من الودائع التي سيتمّ تحويلها إلى الليرة اللبنانية (لأنّه سيتعيّن تقسيمها على سعر السوق بعد شهر من التعويم الحرّ، لتحويلها مرة أخرى إلى «دولارات جديدة»). فليس من الضروري تكوين احتياطيات إلزامية على جزء من الودائع التي سيتمّ تحويلها إلى أسهم وسندات. إذا اعتبرنا مثلًا أنّ مجموع الأوراق النقدية المتداولة هي 75 تريليون ليرة لبنانية أو بسعر صرف 100.000 كاليفورنيا يتطلّب: 0.75 مليون دولار أميركي) التغطية اللازمة للودائع بالدولار الأميركي حتى 100،000 دولار أميركي وفقًا لخطة الحكومة اللبنانية: 19 مليار دولار والتي تتطلب احتياطيات مطلوبة (14%) بقيمة 2.66 مليار دولار (بمعدل مرجعي 100،000 يبقى 2.66 مليون دولار أميركي).

الودائع المتبقية بالدولار الأميركي: 101394 – 19 = 82394 مليار دولار (والتي لن يتمّ إرجاعها جديدة ولا تتطلب تغطية كاملة في الاحتياطيات الجديدة .. يجب تحويلها إلى ليرة لبنانية ثم تقسيمها على سعر الصرف في السوق. افترض أنّ التحويل إلى ليرة لبنانية بسعر 15000 ثم أقسم على 100000 للتحويل إلى دولار أميركي جديد، للاحتفاظ باحتياطي 14% (بمعدل 100000: 14% * 82494 * 15000/100000 = 1.732 مليون دولار أميركي). الودائع بالليرة اللبنانية: 47535 مليار ليرة تُقسّم على 100،000: 0.475 مليون دولار.

بذلك يكون المبلغ المطلوب من الاحتياطيات بالدولار الأميركي لتغطية القاعدة النقدية بسعر السوق البالغ 100000 دولار أميركي / ليرة لبنانية، ستتمّ تغطية القاعدة النقدية فقط بـ :: 0.75 + 2.66 + 1.732 + 0.475 = 5.617 مليار دولار.

وبحسب الميزانية العمومية لمصرف لبنان في آذار 2023 ، تبلغ الاحتياطيات المتبقية في مصرف لبنان بالدولار الأميركي 9.5 مليار دولار، إضافة إلى 5.03 مليارات دولار من سندات اليورو التي أعلنت الدولة اللبنانية عن عدم سدادها. فيما بلغ احتياطي الذهب حوالى 16.65 مليار دولار. وسيحدّد هذا المبلغ من الدولارات الحجم الفعّال الجديد للاقتصاد، وسيُلزم الدولة باعتماد صرامة في الميزانية لتجنّب حدوث عجز وإلزام البنك المركزي بتكوين أموال لتغطيتها.

الانتقال إلى الدولرة الشاملة هو أعلى مستوى للإصلاح النقدي الذي يجب أن ترافقه مجموعة من الإصلاحات المالية والمصرفية والاقتصادية والإدارية اللازمة … والصدمة الإيجابية الناتجة من هذا الانتقال ستعيد الثقة في الاقتصاد اللبناني وبعودة الاستقرار في الحسابات بعملة دولية ثابتة، وتشجيع الاستثمار والنشاط الاقتصادي والسياحي وسرعة تداول الدولارات المجمّدة اليوم من قِبل الأفراد والشركات خوفاً من الغد.

إنّ القرار الرئيسي بوضع حدّ لازدواجية النقد التي تسبّب اليوم كل الفوضى في الأسواق، وأبشع أنواع قلّة العدالة بين أفراد المجتمع الواحد والتفاوتات الاجتماعية الناتجة من دولرة كل الفواتير حتى منها احتساب كلفة خدمات الدولة، فيما لا يزال جزء كبير من المواطنين يتقاضى مدخوله فقط بالليرة اللبنانية..

طباعة الليرة المستمرة، لم تعد اليوم سوى مصدر فقر لحامليها ومصدر ثروة للمضاربين عليها والمتسببين بتدهور قيمتها…

د. سهام رزق الله

ماذا كشفت ميزانية المركزي الأخيرة؟

تظهر أرقام ميزانية مصرف لبنان الاخيرة تراجعاً كبيراً للنقد بالتداول، أي السيولة بالليرة اللبنانية من 83 تريليون ليرة الى 68 تريليون ليرة، لتمثّل فقط ثلث حاجة السوق من متوسط السيولة. في المقابل وبدلاً من ان يتراجع الدولار، فإنه ما زال يحقق مستويات قياسية. فما الاسباب؟ وما كانت تداعيات قرار المركزي الاخير بشراء الليرة من السوق؟

تعكس ميزانية مصرف لبنان نصف الشهرية للفترة الممتدة بين 28 شباط 2023 و15 آذار، والتي صدرت مؤخراً، نتائج تداعيات قرار المصرف المركزي الصادر في الاول من آذار بالتدخل في السوق بائعاً للدولار وشارياً لليرة وفق سعر منصة صيرفة 70 الفاً.

وفي السياق، يشرح الخبير الاقتصادي بيار الخوري انّ الميزانية نصف الشهرية للمصرف المركزي كشفت عن ارتفاع طفيف في الاصول من 442 مليار ليرة الى 443 مليار ليرة، عازياً ذلك الى تقليص المصرف المركزي خلال هذه الفترة النقد بالتداول من 83 تريليون ليرة اي ما يساوي تقريباً حوالى مليار دولار وفقاً لسعر الصرف في السوق السوداء الى 68 تريليون ليرة بما يوازي حوالى 680 مليون دولار وفقاً لسعر السوق السوداء، متراجعة بذلك حوالى 15 الف مليار ليرة اي نحو 200 مليون دولار وفقاً لسعر صيرفة التي اشترى الدولار على اساسه.

تابع: كان يتوقع ان يؤدي تقلّص السيولة بالعملة اللبنانية من السوق الى تراجع في سعر الدولار في السوق السوداء، لكن ما حصل هو العكس تماماً حتى تخطى الدولار الواحد المئة الف ليرة رغم ان المركزي ضخّ خلال الفترة الممتدة من الاول من آذار الى 15 منه نحو 200 مليون دولار في السوق. فلماذا لم يتراجع الدولار؟

ويشرح الخوري ان النقطة الابرز التي يجب التوقف عندها في ارقام ميزانية المركزي هي حركة «النقد بالتداول» لأنه في اقتصاد يعتمد على الكاش، ويغيب اي دور للمصارف فيه، تشكل كل السيولة الموجودة اليوم بالليرة في السوق حجم «النقد بالتداول»، وبدل ان ترتفع مع ارتفاع الدولار ومع الحاجة المتزايدة لليرة بنتيجة الارتفاع اليومي والمتواصل لاسعار السلع، وارتفاع الضرائب والرسوم والدولار الجمركي الى 45 الفاً مؤخّراً تقلّصت، عازياً ذلك الى تدخّل المركزي الاخير شارياً لليرة، بحيث ما عاد حجم الكتلة النقدية او السيولة المتوفرة في السوق يكفي لتلبية الاكلاف المرتفعة المطلوب تسديدها نقداً.

وتابع الخوري: انّ كل السيولة الموجودة اليوم في السوق لا تعادل قيمتها الحقيقية الـ 650 مليون دولار وفقاً لدولار السوق السوداء. في المقابل ومع بداية الأزمة في اواخر العام 2019 كان حجم الكتلة النقدية في السوق حوالى 9000 مليار اي 6 مليارات دولار، وبينما كان يتوقع ان يتقلص حجم السيولة كنتيجة طبيعية لتقلص حجم الاقتصاد الى حوالي الملياري دولار كي تكفي حاجة الناس نلاحظ انها تراجعت الى 650 مليون دولار، اي بما يوازي ثلث الكمية التي كان يجب ان تكون في السوق لتكفي حاجة اللبنانين وتحريك شريان الاقتصاد.

وعن الاسباب، يشرح الخوري ان المركزي ما عاد قادراً على ضخ دولارات لتكبير حجم النقد بالتداول تخوّفاً من انهيار أكبر واسرع بالليرة. والواضح ان المصرف المركزي في مأزق اليوم، اذ انه في السابق كان كلما زاد التضخم عمدَ الى ضخ ليرة لبنانية في السوق، وكانت ترتفع السيولة لتوازي نسبة التضخم، لكن ما حصل مؤخراً ان التضخم استمر بالارتفاع مسجّلاً زيادات شهرية مخيفة، ورغم ذلك عَمد المركزي في تدبيره الاخير الى امتصاص مزيد من السيولة بالليرة لأنه يعلم انّ ثمن ضَخ سيولة بالسوق هذه المرة سيكون باهظاً جداً. الا انّ هذا التدبير أدخلَ الاقتصاد بمأزق، فمن جهة ضَخ السيولة سيسرّع أكثر بانهيار الليرة أما سحبها من السوق فيكربج الاقتصاد. وبالتالي، نحن امام طريق مسدود، والمركزي مُجبر على ضخ مزيد من السيولة في السوق لأن مستوى الاسعار ما عاد يتوافق مع حجم النقد بالتداول الذي هو أصغر رقم اليوم من ضمن بقية البنود الكبرى الواردة في جدول ميزانية المركزي.

ورداً على سؤال، أوضح الخوري ان المواطن لم يشعر بضيقة السيولة لأنه بات يدفع اغلبية مصاريفه بالدولار مباشرة ما يرفع من حجم الدولرة بالاقتصاد، لافتاً الى انّ تدبير المركزي دفع باللبناني الى إخراج دولاراته للدفع، وهذا جزء من مسار الدولرة الشاملة.

وتابع: انّ استمرار قبول الدفع بالليرة اللبنانية في مرافق الدولة يؤكد انّ هذه العملة ورغم انهيارها لا تزال عملة اساسية بالتداول. وهذا الأمر يجعلنا ايضا امام خطرين: الاول: دولرة تسويات المدفوعات كنتيجة طبيعية لتقلص حجم الكتلة النقدية. والثاني: انّ اي تكبير للكتلة النقدية يجعلنا امام انهيار اكبر واسرع لليرة.

اما كيف يرتفع الدولار في السوق السوداء في مقابل تقلّص الكتلة النقدية في السوق؟ يؤكد الخوري انّ هذا اكبر دليل على ان سعر الدولار هو في جزء منه لعبة سياسية للمسيطرين على السوق الذين يستعملون السوق كورقة ضغط سياسية.

إسترجاع الودائع… وهم وكذب أو حقيقة وواقع؟

يكون استرجاع الودائع كاذباً ووهماً عندما يُجرّ الشعب بوحول السياسة، وتتبارى بعض المجموعات السياسية والحزبية لتحريك الشارع لأهداف شخصية، ومن دون أي نية حقيقية لحماية الشعب الكادح والمذلول. فالهدف الواضح جرّ البلاد إلى الفوضى الشاملة والإنهيار الكامل لضرب ما تبقّى من الأمن وطمر جرائمهم.

يكون استرجاع الودائع وهماً وكاذباً عندما تكون الإستراتيجية الأساسية المتبعة، سياسة التجميد والشلل والمقاطعة، والتدمير الذاتي لكل مؤسسات الدولة، لطعن العدالة وما تبقى من الحقوق والحقيقة.

يكون استرجاع الودائع وهمياً وكاذباً عندما يتحوّل هذا المشروع إلى خطة إفلاسية وتصفية عوضاً من أن تكون إصلاحية ولإعادة الهيكلية. فإذا نُفذت هذه الخطة لن يصل للمودعين أي قرش من ودائعهم حتى على المدى الطويل.

يكون استرجاع الودائع وهمياً وكاذباً عندما تنشأ بسحر ساحر يوماً بعد يوم، شركات وهمية، وسوق موازية أو السوق السوداء الموازية، ليستفيد منها مَن سرق ودائع المودعين، أو مَن يدّعي أنهم يُخلّصون الودائع بأثمان بخسة، وهم المسؤولون وسارقو الودائع الأساسي، فيُبنى اقتصاد أسود ليُدمّر ما تبقى من الإقتصاد الأبيض، كي يُهرّب المستثمر والريادي والمبتكر، ويُستقطب المروّج والمهرّب والمبيّض.

يكون استرجاع الودائع حقيقياً وواقعياً، عندما نبدأ تحديد قيمة الودائع في تاريخ معين، بعد شطب بعض الفوائد الفادحة وبعض التحويلات غير المنطقية، فحسب مرصد صندوق النقد الدولي إن الودائع الرسمية والمفترضة تُراوح بين 70 و75 مليار دولار. فنقطة الإنطلاق تبدأ عندما تعترف الدولة بمسؤوليتها وتلتزم استرجاع جزء منها، على المدى القصير، المتوسط والبعيد، حينئذ تُجبر المصارف على تحديد نسبة مسؤوليتها وتلتزم دورها باسترجاع جزء من هذه الودائع المتراكمة على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

يكون استرجاع الودائع حقيقياً وواقعياً عندما تبدأ فعلياً جدولة هذه الديون وتنفيذ الإسترجاع بطريقة دقيقة وشفافة.

يكون استرجاع الودائع حقيقياً وواقعياً عندما تُحدد المسؤوليات ويوضع جدول الإسترجاع على المدى القصير، المتوسط والبعيد. وحينئذ يُعاد تنشيط مؤسسات الدولة، والقطاع المصرفي ليكون منتجاً وقادراً على تحقيق الأرباح كي يستطيع تنفيذ إعادة الجدولة.

يكون استرجاع الودائع واقعياً وحقيقياً، عندما تبدأ الدولة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتعطي جزءاً من الملكية للمودعين المغدورين والمطعونين.

يكون استرجاع الودائع حقيقياً وواقعياً عندما نُعيد الدورة الإقتصادية وبناء النمو وجذب الإستثمار، فنعيد بناء الثقة الداخلية والخارجية، ونبرهن نية حقيقية لإعادة الهيكلية وإعادة الجدولة بطريقة منتظمة ومستمرة.

في المحصّلة، إن الوعود التي نشهدها اليوم ليس فيها شيء من الحقيقة والواقعية، لكنها وعود وهمية وكاذبة وتكملة لكابوس النهب الجماعي والتدمير الذاتي المُستدام. لا عتب على الذين يقدمون وعوداً وهمية وشعارات كاذبة على الشاشات والمنصات، لكن العتب على الذين يصدقونهم ويصفقون مرة أخرى لجلاّديهم الذين ينهبونهم أكثر وأكثر.

د. فؤاد زمكحل

قصة استيلاء الدولة على الودائع خلال 12 عاماً

بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء الانهيار المالي والاقتصادي، بات هناك قناعة مكوّنة من شقين: أولاً، انّ الاطراف الثلاثة المسؤولة عن الأزمة هي الدولة، مصرف لبنان والمصارف. وثانياً، انه اذا لم تشارك الدولة في تسديد ديونها، أو جزء منها، فإنّ مصير الودائع لن يكون واعداً.

في توزيع المسؤوليات، لا يزال هناك خلاف على التراتبية بين الاطراف الثلاثة، بمعنى ان البعض يعتبر ان المصارف مسؤولة أولاً، ومن ثم مصرف لبنان واخيراً الدولة. في حين يعكس آخرون هذه التراتبية، ويضع الدولة على رأس قائمة المسؤولية وبعدها المركزي ومن ثم المصارف. وفي موضوع تسديد الدولة لديونها، هناك وجهات نظر متضاربة، اذ يعتبر البعض انّ المسؤول ليس مَن اقترض وأنفَق، بل مَن وافق على الاقراض.

في النتيجة، تبدو المواجهة اليوم أبعد من مسألة تتعلق بالتشريعات ووحدة المعايير في القضاء، لتصل الى عمق الأزمة، أي الى الخاتمة التي ستنتهي إليها هذه الأزمة. وفي هذا السياق، تبرز نية السلطة في التنصّل من اية مسؤولية، بذريعة عدم القدرة على تنفيذ أية خطة إنقاذية، اذا لم يتم شطب ديونها، والبدء على بياض.

من هنا، ستكون المواجهة قاسية بين السلطة والمصارف، في حين انّ بعض جمعيات المودعين، ولأسباب غير مُقنعة، لا تتدخل في هذه المعركة الحاسمة، مع انّ نتيجتها ستقرّر مصير أموال المودعين. وما يؤكد على قساوة المواجهة، مضمون الدعوى التي تقدمت بها جمعية المصارف اللبنانية الى مجلس شورى الدولة لِوقف تنفيذ البند 3 من قرار مجلس الوزراء تاريخ 20/05/2022. والقرار المُستهدف بالدعوى يتناول ما أطلقت عليه الحكومة في جلستها الاخيرة قبل ان تتحول الى حكومة تصريف اعمال، تسمية «خطة الحكومة للتعافي المالي والاقتصادي»، وضَمّنتها وثيقة بعنوان «استراتيجية النهوض بالقطاع المالي» قضت في البند الثالث منها بـ»إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف اللبنانية لخفض العجز في رأس مال المصرف المركزي».

وفي قراءة مضمون الشكوى التي تقدمت بها المصارف، هناك اتهام واضح للسلطة بمصادرة اموال المودعين ومحاولة تملّكها بالقوة، من خلال إصدار قرارات وزارية، كما هي حال القرار الصادر في 20 ايار 2022. وتصف المصارف في احد بنود الادّعاء، ما جرى على الشكل التالي: «بعد قيام الدولة اللبنانية بمصادرة ودائع المصارف لدى مصرف لبنان والتصرّف بها وتَملّكها ما بين 2010 و2021 من دون الإعلان عن ذلك في حينه، وبالتالي فإنّ القرار المَشكو منه لا يتعلق بعمل مستقبلي تنوي الحكومة القيام به، بمعنى أن القرار لا يعبّر عن رغبة الدولة اللبنانية في المستقبل ‏بالاستدانة من مصرف لبنان بما يوازي الودائع الخاصة لديه وتملّكها نهائياً، بل انّ القرار المشكو منه هو قرار استلحاقي أتى لإعلان a posteriori وبمفعول رجعي أن تملّك الودائع الذي نفذته الدولة اللبنانية وانتهت من تنفيذه من دون أن تسميه في حينه كذلك، أصبح بموجب القرار تملكاً نهائياً».

وتستعين المصارف بكلام حاكم مصرف لبنان، والذي كشف فيه «انّ الدولة استدانت من مصرف لبنان ما بين العام 2010 والعام 2021 مبلغ 62 مليار دولار، وأنّ هذا المبلغ مساوٍ لديون مصرف لبنان تجاه المصارف اللبنانية من جهة، وموجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية من جهة أخرى. وبالتالي، مساوٍ لأموال المودعين لدى المصارف اللبنانية».

وهكذا تكون الدولة قد قررت، وبمفعول رجعي، الاستيلاء على اموال المودعين، بقرار يكرّس استيلائها ومصادرتها لأموالهم. وبذلك تحاول الدولة جَعل المودعين يحلّون مكانها في دفع الخسائر، «عبر تحويل المبالغ التي استدانتها الدولة وأنفقتها من ودائع المودعين من دين إلى ملكية نهائية».

هذه باختصار الروحية التي بَنت عليها المصارف مضمون الدعوى ضد الدولة اللبنانية. وهي تُظهر، بما لا يقبل الشك، في انّ المواجهة المثلّثة الأضلع، بين الدولة ومصرفها المركزي، والمصارف والمودعين ستكون مُحتدمة في المرحلة المقبلة. خصوصاً ان المشكلة ستبرز ايضاً على مستوى تحديد المسؤولية في موافقة المركزي على إقراض الدولة، وهل ان بنود قانون النقد والتسليف تغطي هذا الامر؟

يبقى انّ هذه الاشكالية ترتبط بديون أخذتها الدولة ولا تريد تسديدها، وتبيَّن انها اموال المودعين. ولكن السؤال الآخر المطروح، كيف سيتم التعاطي مع 20 الى 24 مليار دولار تمّ إنفاقها من اموال المودعين ايضاً، منذ اندلاع الأزمة، من خلال ما عُرف بسياسة الدعم؟ هل يمكن اعتبار هذه الاموال بمثابة ديون ام مجرد قرار بمصادرة اموال الناس، بذريعة انّ الضرورات تبيح المحظورات؟

التعقيدات كثيرة ومتشعّبة، لكن المعالجات العقلانية، وبصرف النظر عمّا يقوله القانون، تبدأ بمقاربة واقعية تسمح بالوصول الى نتائج مقبولة لكل الاطراف المعنية بالأزمة، وكل ما عَدا ذلك أشبَه بفقاقيع لملء الوقت الضائع، وزيادة الانهيار عمقاً وضرراً.

انطوان فرح

الليرة تنهار… شطب أصفار أم ورقة المليون؟

إستغرقت رحلة انهيار الليرة وصولاً إلى دولار الـ 100 الف حوالى 3 سنوات ونصف من التخبّط في إدارة الأزمة المالية، إنهارت خلالها الليرة 98.5%، أي 60 مرة أكثر مما كانت عليه عشية 17 تشرين الاول 2019، يومها كان حجم احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة نحو 32 مليار دولار، وحجم الودائع في المصارف نحو 110 مليارات دولار. مبالغ كانت كافية لبناء دولة واقتصاد من الصفر، لولا الطريقة الملتوية التي أُديرت بها الأزمة.

لا يمكن اعتبار وصول الدولار إلى 100 الف ليرة هو الانهيار في عينه، وتناسي انّ مشوار الانهيار بدأ منذ 3 سنوات ونصف، عندما ارتفع من 1500 ليرة للدولار إلى أكثر من 100 الف ليرة اليوم. فوضع الدولار اليوم لا يختلف ابداً عن الاتجاه العام، لا بل هو تطور طبيعي لمسار الامور ومتوقع، خصوصاً بعدما تكشّف فقدان مصرف لبنان قدرته على السيطرة على دولار السوق السوداء، وذلك منذ تدخّله ما قبل الأخير في السوق، اي نهاية العام 2022 شارياً لليرة. وللتذكير، فقد ضخّ في حينه أكثر من مليار دولار من دون ان يتمكن من تهدئة السوق.

كذلك سجّل تدخّل مصرف لبنان الاخير في منصة صيرفة فشلاً ذريعاً، نتج منه التحاق المنصة بشكل يومي بالسوق السوداء، بدليل ارتفاع دولار صيرفة من 70 الفاً الى 78 الفاً ليرة، وذلك في غضون ايام، اي بتناغم واضح مع السوق السوداء، ما يعني انّ هذه السوق الرديفة هي التي باتت تقود وليس مصرف لبنان الذي لم يعد اللاعب رقم واحد في السوق.

وبناءً عليه، من المتوقع ان تصبح نسبة التدهور اليومي في سعر الصرف أكبر. على سبيل المثال، بارتفاع الدولار من 40 الفاً إلى 48 الفاً، تكون نسبة الزيادة 20%، في حين انّ انعكاس النسبة ذاتها على دولار الـ 100 الف سترفعه إلى 120 الفاً، لذا الاحتساب اليوم يجب ان يتركّز على نسبة الزيادة وليس على الارقام. هذا الامر يستدعي من مالكي الدولار الراغبين التصريف على قدر الحاجة، حتى لو اضطروا إلى ذلك بشكل يومي او مرات عدة في اليوم، وذلك حفاظاً على قيمة ما يملكون، ولعدم التخوّف من انخفاصه قليلاً، لأنّ في ذلك لعبة سوق يهدف من خلالها المضاربون إلى شراء الدولار بسعر اقل لبيعه بسعر أعلى لتحقيق أرباح أكبر.

وقت شطب الأصفار؟

في ظلّ استمرار التدهور وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة إلى 100 الف ليرة، وهي أكبر عملة لبنانية مطبوعة، هل حان الوقت لشطب الاصفار من العملة او ربما طبع ورقة المليون ليرة؟

في السياق، يؤكّد الخبير الاقتصادي باسم البواب لـ»الجمهورية»، انّ مسار الانهيار سيُستكمل في الفترة المقبلة، طالما لم يتمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولم تُشكّل حكومة ولم يتمّ الاتفاق على مشروع اصلاحي مع صندوق النقد. وإلى ذلك الحين، فمن الواضح انّ الدولار سيواصل ارتفاعه، وقد يصل قريباً إلى 150 الفاً وربما إلى 200 الف او 300 الف، قبل ان ننتقل إلى مرحلة انتقالية يبدأ معها الحل الشامل.

وقال البواب: «بعد مستوى الانهيار الذي وصلنا اليه بات لزاماً على المسؤولين اتخاذ إجراء تجاه العملة، إما طبع عملة بقيمة أكبر، وإما الغاء الأصفار من العملة، وهو الحل الأمثل، لأنّ الارقام باتت كبيرة جداً، بحيث يصعب استيعابها»، لافتاً إلى انّ كلا الحلين يحتاجان إلى مجلس نواب لإقرارهما، الامر الغير وارد راهناً.

وأوضح، انّ طبع عملة المليون سيخفّف من حمل الاوراق النقدية، لافتاً إلى أنّ كلفة طباعة العملات التي هي ما دون الدولار أي ما دون الـ100الف، باتت اكبر من قيمتها، مثل طباعة ورقة الـ1000 او الـ5 آلاف، حتى كلفة طباعة الـ100 الف تتجاوز الدولار ما بين طباعة وشحن. لذا لا مصلحة للمركزي حتى من طباعة الـ 100 الف. مشيراً إلى انّه في غالبية الدولة كل عملة تساوي قيمتها أقل من دولار تكون على شكل coin. واشار البواب الى انّه من إحدى مساوئ طباعة عملة جديدة بقيمة أكبر انّه يؤكّد انّ مسار الانهيار متواصل على عكس إلغاء الأصفار.

وقال: «انّ إلغاء الأصفار لن يؤثر لا سلباً ولا ايجاباً على نسبة التضخم، ولا على الوضع الاقتصادي، ولن يوقف الانهيار، انما يسهّل قراءة الاسعار فقط لا غير، ويسهّل تقبّلها نفسياً، ويعني انّ مرحلة انتهت ومساراً جديداً بدأ». لافتاً إلى انّه كلما كبرت العملة كلما زادت الرواتب وزادت الاسعار وكلما باتت الليرة منبوذة وغير مقبولة من أحد.

واقترح البواب ان يتمّ إلغاء صفرين من العملة في المرحلة الاولى، فيصبح الدولار بـ1000 ليرة، وإذا ما وصل الدولار الى 150 الفاً مع الغاء صفرين، يعود الدولار إلى 1500 ليرة، كما كان الوضع منذ ما قبل الأزمة. بهذه الطريقة يعود كل شيء كما كان في العام 2019، وتعود الاسعار كما كانت عليه وستتراجع الرواتب والاسعار كما كانت في السابق.

وأوضح رداً على سؤال، انّه لا يمكن تصغير العملة اللبنانية إلى ليرة، فهذا يدل إلى انّ العملة قوية جداً حتى أقوى من الدولار، وتصبح غالية الثمن، اي لا تسعّر بالرخيص. لافتاً الى انّ العملات تسعّر عادة بين الصفر والـ 100 ليرة، وقلّة هي العملات التي تُسعّر بالآلاف. والأفضل اليوم إعادة العملة الى اقرب مستوى كانت عليه قبل الأزمة.

ايفا ابي حيدر

أربعة أطراف تتوزّع مسؤولية ضياع الودائع: الدولة، مصرف لبنان، المصارف والقضاء

تتوزّع مسؤولية تبديد الودائع بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف. ولكن للقضاء ايضاً حصته في المسؤولية، «لأنه أباحَ للمدينين المقترضين من المصارف بالعملة الصعبة أن يسدّدوا ديونهم بالعملة الوطنية على سعر صرفها الأساسي (1507 ل. ل./د.أ.)». الأمر الذي أوقَعَ تلك المصارف في خسائر ارتدّت شحّاً في سيولتها بتلك العملة الصعبة تجاه المودعين لديها.

المسؤولون عن تبدّد ودائع المودعين بالعملة الصعبة المودعة في المصارف، هم كالتالي:
الأول: الدولة اللبنانية، لأنها استباحت لنفسها اقتراض أموال المودعين بالعملات الأجنبية وهي تعلم أن لا مداخيل لها بتلك العملات من مواردها الطبيعية، وهي ليست بدولة مُنتجة بل مُنفقة ومُبذّرة وفاسدة. وقد استخدمت هذه الأموال المستدانة في مهارب رئيسة ثلاثة:

-1 الكلفة التشغيلية لمؤسسة كهرباء لبنان ولمؤسسات الدولة عامةً وصناديقها الثلاثة وما رافَقها من سمسرات وفساد وغشّ وتجاوزات في عقود الصيانة والتلزيم والتعهدات وغيرها.
-2 سياسة الدعم العشوائي واللامحدود للسلع الإستهلاكية والمحروقات.
-3 سياسة تثبيت سعر صرف العملة الوطنية، دونما الأخذ في الاعتبار معدلات التضخّم السنوية، مما فاقمَ من كلفة عملية التثبيت. 

الثاني: مصرف لبنان، لأنه مَوّل الدولة اللبنانية بالعملة الصعبة ليس فقط من احتياطاته الخاصة كشخص معنوي، بل خصوصاً من ودائع المودعين المودعة من المصارف لديه. وذلك بدون أية سقوف وبدون أية ضمانات لردّ تلك المديونية. مع علمه بأنه ليس للدولة اللبنانية أية موارد طبيعية لردّها، كما أسلفنا، وأن طبيعة مديونيتها ولو السياديّة لا تشكّل بذاتها ضمانةً لعملية الردود تلك.
كما ان تَلطّيه وراء قوانين الإقتراض التي كان يقرّها المجلس النيابي ويجيز بموجبها للحكومة بواسطة وزير المالية الإقتراض (من مصرف لبنان وسواه) لتسديد عجوزات الموازنة السنوية على مدى عقود، لا يُبرّر له، وفق أحكام قانون النقد والتسليف، وَضع يده، عنوةً او حتى رضاءً، على ودائع المودعين في المصارف، المودعة لديه، ليستجرّ منها السيولة التي تموّل تلك القروض.
بل كان يتعيّن عليه أن يرفض تمويل تلك القروض من ودائع المودعين حتى تُحمل الدولة على الإقتراض بمقدار احتياجاتها من خارج تلك الودائع

الثالث: المصارف، لأنها عمدت الى توظيف ودائع المودعين بالعملة الصعبة المودعة لديها، إمّا لدى مصرف لبنان وامّا لدى الدولة اللبنانية ممثّلةً بوزير المالية، خلافاً لأحكام قانون النقد والتسليف، بدون أية سقوف وبدون أية ضمانة فعلية للردود، مُستسهلةً لنفسها هذه التوظيفات كونها كانت تدرّ عليها فوائد بالمليارات الدولاريّة تستوفيها سيولةً نقدية من صناديقها وتوزّعها على مساهميها وكبار إداريّيها، أرباحاً صافية، فيقوموا بإخراجها الى خارج البلاد.
وما يُضاعف مسؤولية تلك المصارف حتى القول بخطئها الجسيم وتواطئها على مصير ودائع المودعين لديها، بالتنسيق والتفاهم مع أركان الدولة ومصرف لبنان، هو أنها كانت تعلم تمام العلم أنّ تلك القروض تحمل أقصى درجات المخاطر حول المؤونات المتوافرة لها وحول إمكانية إيفائها. لأنّ الدولة ومصرف لبنان هما في حالة عجز تراكميّة وتصاعديّة منذ عقود ومن دون أي أفق للمعالجة. وإن قولها، انّ ديونها لهما هي سياديّة ومبرّرة من هذه الزاوية، فإنه لا يستقيم إطلاقاً لعِلم تلك المصارف تمام المعرفة بأنّ الدولة اللبنانية ومصرف لبنان قد امتهَنا على مدى عقود الإقتراض من المؤسسات الدولية من دون أن يتمكّنا يوماً من الإيفاء بالتزاماتهما تجاهها (باريس 1 و2 و3).

الرابع: القضاء، لأنه أباح للمدينين المقترضين من المصارف بالعملة الصعبة أن يسدّدوا ديونهم بالعملة الوطنية على سعر صرفها الأساسي (1507 ل.ل./ د.أ.). الأمر الذي أوقعَ تلك المصارف في خسائر ارتدّت شحّاً في سيولتها بتلك العملة الصعبة تجاه المودعين لديها. ذلك أن الأموال التي تقوم المصارف بإقراضها هي تلك التي يكون قد تمّ إيداعها لديها. وإنه إذا كانت تتحمّل هي الخسائر بين عمليتيْ الإيداع والإقتراض، غير أن تلك الخسائر تتحوّل بحدّ ذاتها الى شحٍّ في سيولتها تجاه مودعيها وتعثّرٍ في الإيفاء بالتزاماتها تجاههم.

في حين أن هذا المنحى الإجتهادي يكتنز أخطاءً جسيمة في علم القانون، لا سيما مخالفة لإحكام قانون الموجبات والعقود وقانون النقد والتسليف وقانون التجارة وشرعة المتعاقدين، كذلك لمرتكزات الإجتهاد السابق. وهو يجافي قواعد الإنصاف، إذ يُثري المدين السيئ النية بصورة غير مشروعة على حساب الدائن الذي يُلحق به غبناً فاحشاً، كما ويضرب مرتكزات الإقتصاد الوطني ويعيق إعادة التوظيفات المالية في البلاد. 

الخامس: أما المودعون، فلم يتلمّسوا بعد الإستراتيجية المتكاملة الواجب اتّباعها حتى يعزّزوا حظوظ ردّ ودائعهم إليهم. فحصروا مواجهتهم بالمصارف وبالإدعاء عليها، الخاوية من النتائج المثمرة الفعلية. لأنّ سيولتها النقدية المتبقية والقيم المالية الناتجة عن تصفية أصولها، والتي قد تستغرق سنوات طويلة بل عقود لإنجازها، من خلال المؤسسة الوطنية لضمان الودائع (كما هو حاصل نسبةً الى عدد من المصارف التي وُضعت قيد التصفية منذ سنة 1990 والتي لم تنجز تصفيتها بعد)، لن توازي، في أحسن حال، أكثر من خمسة بالمئة (5%) من قيمة ودائعهم لديها.
وقد أغفلوا مداعاة مصرف لبنان أمام القضاء العدلي لإبطال تعاميم مصرف لبنان، التي تناولت أحجام وسقوف وكيفية احتساب سحوباتهم النقدية من ودائعهم (لا سيما التعاميم رقم 151 و158 و161)، وتناولت أيضاً كيفية تسديد القروض المصرفية المدينة، لمخالفتها، على حدٍّ سواء، قانون النقد والتسليف وقانون التجارة وشرعة المتعاقدين وقواعد الإنتظام العام المالي.

 

كما أغفلوا، حتى تاريخه، التصدّي لمشاريع القوانين التي أعدّها المجلس النيابي والتي ترمي الى تصفير ودائعهم، كما الى تنصّل الدولة من مديونيتها العامة وتبرّوئها منها ورفضها المشاركة في أي صندوق سياديّ لإيفائها.

حتى بات يصحّ القول انّ حقوق المودعين لن تكون مصانة أو محمية أو مؤهّلة للردود والإيفاء، حتى بالحدّ المقبول، إلاّ إذا وسّع المودعون رقعة تحرّكهم ومداعاتهم لتشمل مصرف لبنان والدولة اللبنانية، على حدٍّ سواء، حتى يضمنوا يإيرادات أصولهما ردّ ودائعهم المشروعة، وفق برنامج زمني يوازن بين احتياجاتهم وتدفق تلك الإيرادات.

فرانسوا ضاهر