متابعة قراءة مديرة صندوق النقد: احتياطيات حقوق السحب الخاصة الجديدة لن تحل مشكلات لبنان الهيكلية
أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية
تشكيل الحكومة «نقطة» في «بحر» الإصلاح المالي والاقتصادي المطلوب
لم يعد موضوع استعادة ثقة الاسواق المالية والمستثمرين الاجانب هماً، كما كان في السابق، على تأليف الحكومات الجديدة في لبنان. ولم يعد الاستقرار السياسي، كما كان في السابق، عاملاً رئيساً لحلّ الازمات المالية والاقتصادية واستقطاب الدولارات الى القطاع المصرفي اللبناني. الازمة الحالية أكبر وأعمق من ذلك، ومسار الاصلاح، في حال انطلاقه، طويل ومعقّد وموجع
هي حكومة انتخابات نيابية أم حكومة إنقاذ اقتصادي ومالي؟ هل ان نجاح الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي في تأليف حكومة جديدة، يعني وضع البلاد على مسار الاصلاح والنهوض من الازمة؟ هل مجرّد تأليف الحكومة كفيل باستعادة الثقة وبفرض نوع من الاستقرار في سعر الصرف الى حين بدء الاصلاحات المنشودة؟ أم انه مع انتهاء الموسم السياحي وتوقف ضخ دولارات المغتربين سيسجّلّ الدولار مستويات قياسية جديدة امام الليرة؟ هل ان تشكيل الحكومة سيعالج الازمات الآنية وسيؤمن العملة الصعبة لاستيراد المازوت والادوية والمستلزمات الطبية؟
آمال كثيرة وكبيرة معقودة على أي شخص يفلح في توفير الاستقرار السياسي المطلوب للبدء بمسار اصلاح طويل على كافة الاصعدة، علماً ان توجيه البلاد نحو سكة الإنقاذ، في حال حصوله، لا يعني حلّ الازمات بين ليلة وضحاها، وعودة الوضع الى ما كان عليه قبل ثورة تشرين، لأنّ المعالجة الجدّية قد تستغرق أعواماً وستتطلب تنفيذ اجراءات اصلاحية موجعة بحق ادارات الدولة والقطاع الخاص والمواطنين. فهل ان الحكومة الجديدة ستوفر العناصر الاساسية المطلوبة لعميلة الإنقاذ؟
في هذا الاطار، اوضح الخبير الاقتصادي د. بيار الخوري ان تشكيل الحكومة لا علاقة له بحلّ الازمة المالية والاقتصادية، بل له علاقة فقط بإدارة المستوى الحالي الذي بلغته الازمة في البلاد. مؤكداً لـ»الجمهورية» ان تأليف الحكومة يطرح احتمال البدء بمسار طويل لمعالجة الازمة وليس حتمية المعالجة.
ولفت الى ان «شروط ومعايير حلّ الازمة مرتبطة بمستوى «القاع» الذي سنبلغه حين تبدأ عملية الإنقاذ، وهو الامر الذي نجهله لغاية الآن، ولكن بغضّ النظر عن تلك المعايير، هناك عناصر رئيسية لا يمكن تجاوزها تسبق الحلّ المنشود، وهي:
– لا حلّ للازمة الاقتصادية من دون حوكمة سليمة للقطاع العام، حتّى في حال خصخصة ثروات البلاد.
– وضع استراتيجية اقتصادية شاملة ومتكاملة ترتكز على أفضليات الاقتصاد اللبناني، وهي: السوق المالي، القطاع التربوي، القطاع الصحي، القطاع السياحي، التكنولوجيا وريادة الاعمال. مع الاشارة الى ان تحديد هوية وشكل الاقتصاد الذي نريده، هو أولوية يجب بناء استراتيجية الحكومة على اساسها.
– بيئة سليمة ومناسبة للاعمال، اي اعادة هيكلة القطاع المصرفي، التوصل الى اتفاق مع الدائنين الدوليين لتسديد مستحقات لبنان المتأخرة، سياسة مستقرّة وغير ثابتة لسعر الصرف، التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج إنقاذ.
وشدد خوري على انه لا يمكن تعميم الحلول المتّبعة في دول أخرى على لبنان، لأنّ الظروف هي التي تحكم شروط الحلّ، لافتاً الى توقيع اتفاق حول برنامج إنقاذ صندوق النقد الدولي ليس الشرط الوحيد لاستعادة ثقة المستثمرين ولعودة الاستثمارات الخارجية المباشرة، مشيراً الى انّ تجربة الارجنتين خير دليل على ذلك حيث فشل برنامجها مع صندوق النقد الدولي، ولم تفلح السلطة الحاكمة في اقناع المستثمرين والاسواق الخارجية في حكمها الرشيد. في المقابل، نجح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي واستطاع جذب المستثمرين الاجانب.
بالاضافة الى ذلك، اوضح الخوري ان تأليف حكومة وتأمين الاستقرار السياسي لم يعودا كفيلين كما في السابق، قبل 2019، باستعادة الثقة، لان الثقة تُفقد في مرّة واحدة وليس بعد تجارب عديدة، وبالتالي استعادتها اليوم ليس بالامر السهل.
واشار الى ان تأليف الحكومة لا يعني استقرار سعر الصرف ولا يعني توفر المازوت والادوية، لأنّ الاصلاح والشرط المطلوب دوليا اليوم هو تحرير سعر الصرف، مما سيستوجب تأمين دولارات اضافية من قبل المستوردين الذين يتقاضون كلفة السلع المستوردة بالليرة اللبنانية من السوق، وبالتالي فإنّ تحرير سعر الصرف لن يزيد عرض الدولارات في السوق بل يخفف الضغط على مصرف لبنان ويحدّ من الاستنزاف الحاصل في احتياطه من العملات الاجنبية. وقال ان تحرير سعر الصرف رغم انه لا يعالج أزمة الدولار والتضخم، هو أفضل من مواصلة سياسة الدعم الفاشلة.
وردّا على سؤال، أوضح الخوري ان مسار الاصلاح، في حال انطلق، طويل جدّاً، «ووفق تقديرات البنك الدولي سيستغرق بين 12 و19 عاما لاستعادة مستوى الدخل الذي كان قائماً في العام 2019».
رنى سعرتي
وسط فلتان الدولرة الجزئية: لبنان بين مطرقة «الليرنة» وسندان «الدولرة الشاملة»
أسباب انهيار الاقتصاد اللبناني… من منظور دولي
هذه هي وجهة نظر المراقبين والمحللين الماليين الدوليين الذين يعتبرون أنه أصبح واضحاً اليوم أنّ المؤسسات والسياسيين اللبنانيين غير قادرين على تصميم وتنفيذ برنامج إنقاذ اقتصادي لإخراج البلاد من الأزمات الاقتصادية والمالية التي تواجهها. عاجلاً أم آجلاً، لن يكون أمام لبنان خيار سوى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذ. وأي خبير اقتصادي أو سياسي في لبنان ما زال يؤمن بعكس ذلك، عليه أن يطّلع عن تجارب البلدان التي واجهت أزمات اقتصادية خطيرة منذ خمسينات القرن الماضي وكيف تمكنت من الخروج منها.
يشدد أحد المسؤولين الماليين الدوليين، انه على الطبقة السياسية في لبنان التوقف عن إلقاء اللوم على القوى الخارجية أو على تخلّف الحكومة عن سداد السندات الدولية (يوروبوندز) في ربيع 2020، في التسبب بالأزمات الحالية. مؤكداً انّ الأزمات التي يواجهها لبنان محلية الصنع وزُرعت بذورها في أوائل التسعينات عندما تدخل السياسيون في إدارة السياسات النقدية وسياسات سعر الصرف، منتهكين قانون النقد والتسليف الذي يمنح مصرف لبنان الاستقلالية بهذا الخصوص، “مما شكل انحرافاً واضحاً عن الدور الذي لعبه مصرف لبنان منذ أن بدأ عمله في العام 1964، حيث عمل تاريخياً، كبنك مركزي مستقل ولم يكن للسياسيين أي تأثير على أدائه في إدارة سياسات سعر الصرف والسياسات النقدية. وبالتالي، لا يَسع لأحد إلا الاستنتاج أن إدارة مصرف لبنان نسّقت سياسات أسعار الصرف وأسعار الفائدة مع بعض السياسيين”.
وقال: هذا ما يفسر أسعار الفائدة البالغة 40 في المئة والتي تم تسديدها على سندات الخزينة الصادرة عن مصرف لبنان في العام 1995 في وقت كان سعر صرف الليرة اللبنانية يشهد ارتفاعاً. سائلاً: “من اشترى السندات التي أصدرها مصرف لبنان في ذلك الوقت؟ لماذا لم يتم استخدام نظام المزاد للسماح للسوق بتحديد مستوى سعر الفائدة؟ من قرر كيفية توزيع السندات الصادرة بين البنوك؟
واشار المسؤول الدولي الى انه لم يُسجّل تاريخياً لأي بلد في العالم، باستثناء لبنان، دفع فائدة بنسبة 40 في المئة على سندات دين بعملة في طور الارتفاع، “وهذا يعني أنّ ديون لبنان كانت تتضاعف كل عامين عندما كانت أسعار الفائدة حوالى 40 بالمئة. وهذه كانت بداية عدم استدامة الدين العام اللبناني. بالاضافة الى ذلك، فإنّ سياسة تثبيت سعر الصرف كانت خاطئة. فقد حصل السياسيون والاشخاص المرتبطون بهم على ضمانة “مبطّنة” من مصرف لبنان بعدم تخفيض قيمة الليرة اللبنانية، مما سمح لهم من الاستفادة من أسعار فائدة عالية من دون المخاطرة بتقلب سعر الصرف”.
اضاف: “مع مرور الوقت، وحتى عندما انخفضت أسعار الفائدة إلى نطاق 10-15 في المئة، انضمّت المصارف والأفراد إلى هذا المخطط واندفع السياسيون إلى إنشاء بنوكهم الخاصة للاستفادة منه، وأصبحوا حُماة النظام المصرفي الذي جعلهم أغنياء على حساب النموذج الاقتصادي غير المستدام.
وعَزا المسؤول الدولي استمرار هذا المخطط أو ما يُسمى بـ Ponzi scheme لأكثر من 20 عاماً، لسببين رئيسيين:
– أولاً، لأنه لا توجد في لبنان أسواق متطورة لرأس المال لمعاقبة السياسات الاقتصادية السيئة وغير المستدامة. لو تم تطوير مثل هذه الأسواق، كانت ستضطر إلى تصحيح السوق منذ وقت طويل، وكانت الدولة ستكون في مكان أفضل بكثير لو حدث التصحيح قبل 10 أو 15 عاماً. “هذه هي الطريقة التي يجب أن يعمل بها اقتصاد السوق الحر، مع العلم أنّ لبنان هو البلد الوحيد الذي يترأس فيه محافظ البنك المركزي، هيئة الاسواق المالية”.
– ثانياً، استمر السياسيون والمسؤولون الحكوميون (وزراء المالية، وحاكم مصرف لبنان ومعظم نواب الحاكم منذ العام 1992، ورؤساء الوزراء) في طمأنة المغتربين اللبنانيين بأن النظام المصرفي سليم، وأن قيمة الليرة اللبنانية لن تنخفض، ما ضمن استمرارية تدفّق رؤوس الأموال إلى المصارف اللبنانية.
بالاضافة الى ذلك، اشار المسؤول الدولي الى ان تثبيت سعر الصرف واستخدام سياسة أسعار الفوائد للدفاع عن سعر الصرف الثابت من دون وجود سياسات اقتصادية كلية داعمة، قد دمّر تنافسية الاقتصاد اللبناني. ونتيجة لذلك، أصبح سعر صرف الليرة اللبنانية مبالغاً في تقديره بشكل كبير مما أدى إلى تدمير قدرة لبنان على التصدير وجعل البلد يعتمد بشكل كبير على الواردات. وللتعويض عن تأثير سياسات الصرف وأسعار الفائدة الخاطئة على الاقتصاد الحقيقي، نفّذ مصرف لبنان خطط تمويل مختلفة لقروض الإسكان، والشركات الصغيرة والمتوسطة، ووسائل الإعلام، وشركات تكنولوجيا المعلومات… “كل هذه الهندسات أضافت المزيد من التشوهات والفساد إلى نظام اقتصادي فاسد ومشوه بالاساس. ولا يمكن لعاقل الادّعاء أنّ لبنان كان يتمتع باقتصاد السوق الحر عندما كان مصرفه المركزي يتصرف ويعمل كبنك تنمية وتتأثر سياساته بالسياسيين”.
واشار الى انّ قلّة من صانعي السياسة في لبنان تعلم انه عندما كان العالم يتّبع المعيار الذهبي (gold standards) الذي انتهى في العام 1971، كان هناك دولتان فقط خارج هذا المعيار واعتمدتا نظام سعر الصرف العائم، وهما لبنان وكندا. وخلال الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً، ورغم كل المآسي والبؤس الذي واجه البلاد، نجا النظام المصرفي ولم تُسجل أي خسائر في الودائع. قبل العام 1992، كان مصرف لبنان يعمل كمصرف مركزي، وكان لبنان يتمتع باقتصاد سوق حر حقيقي وبنظام سعر الصرف العائم، واستطاعت البلاد امتصاص الصدمات الاقتصادية العديدة التي واجهتها.
ونظراً لتلك الممارسات، يأمل المسؤول الدولي أن يعي معظم اللبنانيين أنّ التدمير التدريجي للاقتصاد بدأ في العام 1992 عندما تم تكليف أمراء الحرب بإدارة البلاد والسياسات الاقتصادية. “عندما كانت الدول في جميع أنحاء العالم منشغلة ببناء مؤسسات اقتصادية قوية واقتصادات قوية وتحسين مستويات معيشة سكانها، كان السياسيون اللبنانيون منشغلين ببناء إمبراطورياتهم داخل القطاع العام وتوظيف مؤيديهم في المؤسسات الحكومية. لسوء الحظ، سمحت سياسات مصرف لبنان لاستدامة السياسات الخاطئة التي أصبحت بدورها ركيزة مهمة للحفاظ على النظام الفاسد. إن وجود بنك مركزي مستقل يُدار من خلال فريق اقتصادي قوي على علم بالمعايير الأساسية لاستدامة الاقتصاد الكلي، كان ليتوقف عن تمويل الحكومة ويصرّ على تعويم سعر الصرف منذ فترة طويلة.
تابع: هناك حقائق لا يمكن إنكارها. على عكس تصريحات مصرف لبنان، هذه هي المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يُفلس فيها بنك مركزي. مصرف لبنان يحتاج إلى إعادة هيكلة كبرى. كذلك الامر بالنسبة للنظام المصرفي بأكمله الذي يحتاج إلى إعادة هيكلة سينتج عنها عملية اقتطاع جدّية من الودائع. لا يمكن تقدير نسبة الاقتطاع haircut إلّا بعد إجراء تحليلات مفصّلة لميزانيات البنوك وإعادة جدولة الديون الحكومية. في نهاية هذه العملية، سيكون لدى لبنان عدد أقل بكثير من البنوك.
واكد المسؤول الدولي انه حان الوقت لصانعي السياسات في لبنان أن يستيقظوا ويفهموا أنّ هناك خيارين للبلاد لمعالجة أزماته الاقتصادية والمالية: التعديلات الاقتصادية المنظمة أو غير المنظمة. “وما يحدث حالياً هو تعديل غير منظم يؤدي إلى مزيد من البؤس والمصاعب للسكان والمزيد من الدمار للاقتصاد. لغاية الآن، كان هذا هو الخيار في لبنان.
امّا البديل، فهو برنامج إنقاذ منظّم يدعمه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين سيعملان على استقرار الاقتصاد في اطار خارطة طريق متناسقة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي مع مرور الوقت.
في ظل برنامج إنقاذ صندوق النقد الدولي (تخفيض قيمة العملة، تخفيض قيمة الودائع، التضخم، الانكماش الاقتصادي…) كان الاصلاح والانقاذ ليكون أقل صعوبة بكثير مما تشهده البلاد منذ تشرين الاول 2019.
وختم: انّ الشرط المسبق للتفاوض على أي برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي هو وجود حكومة متخصصة ومستقلة، يكون ولاء وزرائها للبنان فقط وليس لحزب سياسي أو أمير حرب.
رنى سعرتي
لبنان في مرحلة الانحلال الاقتصادي
يشكو اللبنانيون من تردّي ظروف الحياة الطبيعية في لبنان، والامور الظاهرة للعيان تتلخص بالمظاهر الآتية:
– ارتفاع أعداد طالبي الهجرة وغالبيتهم من خريجي الجامعات.
– انحسار حجم المعاملات التجارية والاستثمارية في شكل واضح. فأعمال مقاصة الشيكات كل يوم اربعاء، لدى مصرف لبنان الذي أمّن هذه الخدمة منذ زمن، تقلصت بنسبة 80%.
– معدلات التضخم، ويجب النظر اليها من زوايا مختلفة. فتضخم المواد الغذائية هو الاعلى، والتضخم وفقدان المواد المطلوبة ظاهر في انخفاض توافر الادوية وارتفاع اسعار الموجود منها.
– انحسار الرغبة في الاستثمار بلبنان، ومعطياته سواء من قِبل غير اللبنانيين او اللبنانيين الوافدين والحاملين مبالغ من النقد الاجنبي، والذين لا ثقة لهم بالبنوك التي جمدت حسابات المودعين وحمّلتهم خلال عام خسارة 30% من القيمة الاسمية للودائع، وليس هنالك من برنامج لضمان الحصول على 50% من الودائع المترصدة خلال 5 اعوام.
– ارتفاع نسبة مؤسسات التصنيف الدولية التي اعتبرت منذ القرار الشجاع (!) بعدم دفع فوائد اليوروبوند في آذار من العام المنصرم لبنان بين الدول المتخلفة عن تسديد ديونها.
– لم يُصر الى وضع خطة مالية اقتصادية منذ الاحساس ببداية الازمة عام 2016، وكل ما توافر تقديرات لخسائر الدولة، والمودعين، والمصارف ومصرف لبنان، ولم يتوافر حساب دقيق حتى تاريخه، والنطق بالمحاسبة الاجرامية خيالي ولن يؤدي الى نتيجة مادام بعيدا عن تفحّص نفقات وزارة الطاقة وميزانياتها وممارساتها منذ عشر سنين واكثر.
جميع الدراسات التي اجريت حول الكهرباء وتوافر الطاقة من مشتقات النفط المستورد بعد تكريرها في لبنان لا تزال مطمورة في أدراج المسؤولين عن الكارثة المالية، وقد وصف رئيس لجنة المال والموازنة هذا التصرف بالكارثي.
– قدرة اصحاب الودائع على الاستمرار تتقلص يوما بعد يوم بسبب الغلاء من جهة وقرارات المصارف بالنسبة الى تأمين الاموال…ولا نتحدث عن مشروع الـ 400 دولار شهريًا نقدًا وما يعادل 400 دولار بالعملة اللبنانية بسعر 12000 ل.ل. للدولار ومبلغ مماثل لمشتريات اصحاب البطاقات المصرفية الخاصة بهذا الموضوع – وبعض المصارف لجأ الى وسائل غير قانونية تطلب من المودع المستفيد من هذا التسهيل تجميد اي اصول تتبقى له حتى فترة طويلة، كما تطلب من المودع منذ لحظة توقيعه على المعاملة اعفاء المصرف من اي مسؤولية افلاسية في المستقبل، ولا شك في ان تصرفات المصارف، التي اشتملت على خفض المستحقات الشهرية لاصحاب الودائع بالعملات ممن يحتاجون الى معاملات الـ 400 دولار، وهذا الخفض غير قانوني، كما ان اقرار خفوضات ملحوظة في الاساس هو ممارسة غير قانونية، وبالتالي فان معظم المصارف تقامر بودائع المودعين ولا تكرس جهدا لانجاح خطوات البنك المركزي، وجمعية المصارف برئيسها الحالي الذي جُدّد له (لماذا؟) لا احد يعرف، لن تقدم اي مشروع لانقاذ الوضع واستعادة الثقة بالقطاع المصرفي، وربما اكبر حاجز في وجه لبنان لاستعادة جاذبيته للمودعين والمدخرين يتمثل في عجز جمعية المصارف عن تقديم مشروع عقلاني عملاني، والامين العام للجمعية نبه الى خطورة اهمال مهمة كهذه منذ سنوات.
اذا لم يكن هنالك خطة انقاذية تحصر الخسارة بما تحقق حتى تاريخه او تاريخ انتهاء السنة، لن يستعيد لبنان صحته الاقتصادية والمالية بسرعة حتى لو تمتع بحكومة من اصحاب الاختصاص والصيت الحسن، لان حكومة كهذه ستكون مضطرة، إبعادًا للشبهات، الى تكليف وزراء ومديرين مهمات اقتصادية ومالية كبيرة بعد كل ما حدث، بما في ذلك ادعاء حكومة حسان دياب انها توصلت الى حل 97% من المشاكل العالقة.
ان النيات الدولية بالمساعدة، حيث استطاع الرئيس الفرنسي اقناع الرئيس الاميركي بمساندتها، وعلى الارجح ولي العهد السعودي، اضافة الى الرئيس المصري، تحتاج الى جهاز اداري يتّبع وسائل عمل نقية وواضحة للمواطنين وتكريس لأهم القضايا، ومنها تأمين مقدار من الثقة باستعادة المودعين بقية ودائعهم باسعار صرف معقولة تتجاوز ما تمارسه المصارف التي مقابل كل الف دولار توفر 3.9 ملايين ليرة تستطيع استبدال وديعة الالف بـ 12 مليون ليرة لبنانية من مصرف لبنان، الامر الذي يفاقم ارتفاع الاسعار.
إن حاجتنا ملحّة لاستعادة الثقة وليس هنالك ثقة بطاقم الوزراء الذين يُفترض فيهم تسيير الامور وهم معتكفون الا عند الحاح رئيس الجمهورية على تنفيذ مقررات مجلس الدفاع الاعلى التي هي في معظمها غير دستورية وغير قابلة للتنفيذ.
ومادام لدينا وزراء من مثل وزيرة الدفاع نائبة رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الخارجية بالوكالة تستقبل سفيرة فرنسا مع عدد من السفراء وتسمع كلاما غير ديبلوماسي لفشل حكومة حسان دياب واتهام عدد كبير من السياسيين بالاستفادة المالية غير المشروعة…طالما ان وزيرة كهذه تعبّر في مؤتمر صحافي عن شكرها لفرنسا لاهتمامها بالطقم الحاكم، وكل ما سمعته كان انتقادًا قاسيًا، وطالما ان الاستماع الى النصيحة غير وارد لدى نسبة كبيرة من الوزراء…فأين هو الامل بخطة اصلاحية؟
تأليف اي حكومة جديدة من عدد من اصحاب الخبرة والسمعة الحسنة يمهد ربما لاقرار خطوات تصحيحية في وقت قريب، ويمكن القول ان اي حكومة جديدة يمكنها الاعتماد على توصيات مفيدة في المجال المالي من قِبل وزير المال غازي وزني الذي مارس وظيفته بكفاءة وتجرد، ومن الوزيرة المميزة منال عبد الصمد التي تقدمت بمشروع جيد لتنظيم الإعلام، وهي في الوقت عينه استطاعت ان تنتزع قرارا من زملائها وزراء الاعلام العرب باعطاء بيروت دورًا اساسيًا في هذا المجال، ويجب التنويه هنا ايضًا بان الوزيرة عبد الصمد هي خبيرة في قضايا الضريبة المضافة ولديها اطلاع على 160 ألف شركة ناشطة منذ تولّيها مسؤولية الاشراف على تطبيق الضريبة المضافة…وعسى ان تكون لدينا وزارة اختصاصيين والاستناد الى خبرة وزيرين مقتدرَين ومنزَّهين.
مروان اسكندر
دولارات المغتربين…نعمة أم نقمة؟
بينما يرنو اقتصاد لبنان الى كلّ دولار يأتيه من أينما كان، يشكّل الوافدون اليه اليوم من الخارج، سواء المغتربين او السياح العرب كالعراقيين والسوريين، مصدراً رئيسياً للسيولة النقدية الاجنبية التي تحتاجها البلاد، للحفاظ أقلّه على وتيرة الانهيار نفسها، وليس تسارعها بشكل لا يمكن مجاراته، خصوصاً انّ ثورة جياع بدأت تلوح في الأفق، في حال لم يتمّ تدارك الوضع المعيشي والانهيار الصاروخي في سعر صرف العملة المحلية.
رغم انّه لغاية اليوم، وفي «عزّ» الموسم السياحي، لم تفلح دولارات المغتربين في دعم سعر صرف الليرة، التي ما زالت تسجّل يومياً تراجعاً قياسياً مقابل الدولار، لتلامس حدود الـ20 الف ليرة، إلّا انّ تلك الدولارات تساهم في تلبية جزء من الطلب على العملة الصعبة، من أجل مواصلة استيراد المواد الاساسية الحيوية، ولو بنسب ضئيلة لا تكفي الاستهلاك المحلي، إن كان من محروقات أو أدوية او قمح وغيره.
في هذا الاطار، اوضح الخبير الاقتصادي مايك عازار، انّ الامور لا تسير دائمًا بشكل حدسي عندما يمرّ بلد ما بأزمة مالية، اي انّه ليس بالضرورة ان يولّد على سبيل المثال، توافد السياح تداعيات إيجابية على ميزان المدفوعات، او ان يؤدي الى ضخ المزيد من الدولارات، وبالتالي الى استقرار سعر صرف الليرة او ارتفاعه.
واشار عازار الى»الجمهورية»، أنّ السياحة لن تكون مفيدة للبنان في خضم الأزمة المالية التي يعاني منها، حتى لو توافد السياح او المغتربون إلى لبنان، لأنّ معظم هؤلاء لديه ودائع محتجزة في المصارف وسينفق منها على سعر الصرف المحدّد للسحوبات النقدية بالليرة على الـ3900، وبالتالي لن يضخ المغتربون العملة الاجنبية في السوق، بل سيزيدون من ضخ السيولة النقدية بالليرة، من دون أي تعويض عن ذلك بالدولار.
اما السياح غير اللبنانيين الذين يسعون للاستفادة من انخفاض الأسعار بالدولار، سيتعيّن عليهم جلب السيولة النقدية بالدولار وصرفها في السوق السوداء، وهذا الامر دونه عقبة كبيرة، بسبب تعذّر استخدام بطاقات الإئتمان الخاصة بهم كوسيلة للدفع أو أجهزة الصراف الآلي لسحب الدولارات.
وشدّد عازار على انّ أسعار الاستهلاك لن تبقى بهذا المستوى المنخفض (بالدولار) لفترة طويلة، «بمجرد رفع الدعم وتعديل الرواتب، سترتفع الأسعار. وبما اننا بلد يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، فإنّ الاسعار سترتفع بشكل كبير على الرغم من أنّها تبقى أقل مما كانت عليه قبل الأزمة، ولكن ليس بالمستويات المنخفضة التي يعوّل عليها كثيرون في القطاع السياحي.
وحذّر من انّ دولارات السياح والمغتربين التي يتمّ صرفها في السوق السوداء قد يكون مصيرها التخزين في المنازل، لأنّ الطلب على الدولار في السوق السوداء كبير، نتيجة محاولة اصحاب الودائع المحتجزة بالدولار او بالليرة، إخراجها عبر بيع الشيكات المصرفية مقابل سيولة نقدية.
كما شرح عازار، انّ دولارات الوافدين قد تكون نقمة على اقتصاد لبنان، لأنّ ازدهار السياحة واستهلاك السياح الشخصي سيؤدّيان الى ارتفاع الطلب على الاستيراد وبالتالي، على الدولار. وفي النتيجة، سيتمّ استخدام الدولارات الوافدة للاستيراد بنسبة اكبر، وستبقى خارج الاقتصاد اللبناني لأنّه سيُعاد تصديرها او ستُخزّن في المنازل.
وقال انّ دولارات الوافدين الى لبنان قد تؤدّي في الواقع إلى تفاقم أزمة سعر الصرف، لافتاً الى انّ استهلاك السياح لأي سلعة مدعومة يشكّل خسارة للاقتصاد وليس مكسباً. شارحاً على سبيل المثال، انّ الدولة تشتري المحروقات مقابل مبلغ معيّن من الدولارات، وتبيعه للسياح بقيمة أقلّ من المبلغ الذي دفعته.
وسأل عازار: «ما الذي سيحفّز السياح على زيارة لبنان بأعداد كبيرة؟ السائح يتابع الاخبار ويرى ما يحدث: انفجار دمّر بيروت، جزء كبير من الفنادق والحانات والمطاعم مقفل، ارتفاع في نسب السرقات والجرائم، عدم استقرار سياسي، معاناة يومية على كافة الاصعدة نتيجة عدم توفر البنزين وانقطاع التيار الكهربائي والمياه، بالاضافة الى الرفوف الفارغة في الصيدليات والسوبرماركت».
أضاف: «انتفت معظم الأسباب التي تدفع الأشخاص الى زيارة لبنان (خصوصاً الميسورين الذين يُعدّ إنفاقهم كبيراً) وقد فقد لبنان قدرته التنافسية. فالامر لا يتعلّق فقط بـ»رخص الاسعار» .
وختم: «كأي شيء آخر في لبنان، لا توجد خطة استراتيجية حقيقية للسياحة. ولا يبحث صنّاع القرار بشكل واقعي أو استراتيجي في الواقع الحالي لقطاع السياحة او غيره من القطاعات الاقتصادية. هناك تحدّيات كبيرة يجب معالجتها، والتفكير السطحي لا يمكن ان يساهم في ذلك. فقد شجعت دول أخرى السياحة المحلية للحفاظ على هذا القطاع خلال أزمة «كورونا»، وقد استثمرت في البنية التحتية من اجل دعم السياحة، وهي في طور التحضير لمرحلة ما بعد COVID. في المقابل، يتخبّط لبنان في أزماته المالية والمعيشية والسياسية والأمنية».
لبنان سقط عمليا… والوصاية المالية الدولية تأخذ طريقها
الجميع أصبح على بينة أن القوى السياسية فقدت السيطرة على لبنان من خلال المؤسسات الدستورية. فالإقتصاد الذي يحتاج إلى قوانين لضبطه أصبح رهينة كارتيلات تتحكم فيه من دون أي تطبيق للقوانين وهو نتاج غياب السلطة التنفيذية – أي الحكومة – ولكن أيضًا نتيجة تفشّي الفساد.
لبنان رسميًا لم يعد قادرا على تأمين المواد الغذائية ولا السلع الأساسية (محروقات وأدوية…) لشعبه. فمصرف لبنان – المؤسسة الأخيرة في الدولة التي تمتلك المال – أعلن عن أخر 400 مليون دولار أميركي لدعم الأدوية والطحين بوتيرة 50 مليون دولار شهريا للأدوية و15 مليون دولار للطحين، أضف إلى ذلك إعتمادات المحروقات التي يتمّ تمويلها من خلال القرض من أموال المودعين بقيمة 200 مليون دولار أميركي والذي أقرّه رئيس الحكومة حسان دياب بإقتراح من وزير المال غازي وزني.
رفع الدعم أصبح واقعًا بالنسبة للسلع والبضائع وبالتالي وكنتيجة لذلك أصبح التجّار هم المُتحكّمون الفعليون بالإقتصاد من خلال قدرتهم على الإستيراد بواسطة حساباتهم بالدولار في الخارج وبيعها بالسعر الذي يريدونه. من هذا المُنطلق، سترتفع الأسعار عمليًا بثلاثة إلى خمسة أضعاف (بأقلّ تقدير) في المرحلة المُقبلة مع بقاء الأزمة على البنزين والمازوت نتيجة الإحتكار والتهريب.
الدعم على الخدمات ما زال قائمًا على الإنترنت، والتلفون، والتأمين، وبقاء هذا الدعم هو مسألة وقت قبل أن يتمّ رفعه نظرًا إلى تراجع القدرات المالية لمصرف لبنان. أما فيما يخص القروض المصرفية بالدولار الأميركي، فهي تُراكم خسائر على مصرف لبنان نظرًا إلى أن الودائع بالدولار تُسدّ على 3900 ليرة لبنانية (تعميم 151) و12 ألف ليرة لبنانية (تعميم 158) في حين أن القروض للأفراد، أصحاب الدخل بالليرة اللبنانية، تتمّ على 1500 ليرة لبنانية. إلى متى سيستمر هذا الأمر؟ لا أحد يعلم ولكن وقف هذا الدعم يعني تعثر أكثر من 70% (تقديراتنا) من القروض بالدولار الأميركي وهي قروض آتية من ودائع المودعين! وهذا الأمر إن حصل، سيؤدّي إلى مشاكل قانونية جمّة نظرًا إلى أن القروض هي مُقابل ضمانات.
في هذا الوقت طوابير الإنتظار على محطات الوقود تطول وتطول حتى أنها أصبحت تُعيق السير بشكل جدّي، والظاهر أن لا نهاية للأزمة إلا بوقف التهريب أو رفع الأسعار إلى أكثر من 200 ألف ليرة للصفيحة الواحدة! أيضًا الأدوية والمستلزمات الطبية أصبحت مفقودة بسبب الإحتكار والتهريب الذي يُمارسه تجار الأدوية بالتواطؤ مع المهربين. في هذا الإطار، قال أحد أصحاب الصيدليات أن «بائعًا مُتجوّلا يقوم ببيع الأدوية للصيدليات بالدولار الأميركي ونقدًا»، وهذا إن دلّ على شيء يدل على مدى فظاعة العصابات التي تفشّت في كل القطاعات ليصحّ القول «أحقر الناس من ازدهرت أحوالهم يوم جاعت أوطانهم».
المجتمع الدولي أصبح صريحًا جدًا مع السلطات اللبنانية حيث أصبح يتهمها علنًا بالتقاعس عن القيام بواجباتها تجاه الشعب اللبناني. وأخر هذه التصريحات، الردّ القاسي الذي وجهته السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والذي كلفها قطع البث وهي تتحدث! السفيرة الأميركية من جهتها أكدت على ما قالته السفيرة الفرنسية من أن المُجتمع الدولي قدّم مئات ملايين الدولارات إلى الشعب اللبناني مباشرة وأن السلطات اللبنانية تتقاعس عن القيام بواجباتها تجاه شعبها. والمُلفت في الأمر أكثر اللهجة الحاسمة التي إستخدمتها السفيرة الفرنسية والتي إن دلّت على شيء تدلّ عن مدى الإمتعاض الدولي من أداء السياسيين في لبنان. وشدّدت غريو على أن الأزمة الحالية هي نتاج الإدارة السيئة للدولة اللبنانية وليست نتاج الحصار الدولي على لبنان.
على صعيد المساعدات وتماشيًا مع طرح الرئيس الفرنسي ماكرون وصل إلى لبنان منسق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير بيار دوكان لتنسيق المساعدات الدولية للبنان والتي كان قد صرّح عنها ماكرون عبر قوله إن فرنسا تعمل مع شركاء دوليين لإيجاد آلية لتأمين إستمرار الخدمات للشعب اللبناني في ظل الأزمة الحالية. وبالتحديد سيقوم دوكان بإثارة ثلاث نقاط: تحذير المسؤولين اللبنانيين من خطورة إستمرار الوضع على ما هو عليه، إظهار الفوائد من تشكيل حكومة والمضي في إصلاحات إقتصادية، والبحث في آلية الدعم التي سيُقدّمها المُجتمع الدولي – أو بالأحرى إخطار المسؤولين اللبنانيين بهذه الآلية نظرًا إلى أن السلطة لن تكون جزءًا منها.
من ناحية أخرى تُغادر اليوم السفيرة الأميركية برفقة السفيرة الفرنسية إلى المملكة العربية السعودية بهدف عقد إجتماعات مع مسؤولين سعوديين كتكّمِلة للاجتماع الثلاثي الاميركي – الفرنسي – السعودي الذي عُقد في إيطاليا الأسبوع الماضي بشأن الوضع في لبنان. ومن المتوقّع بحسب بعض المصادر أن يتمّ بحث موضوع الملف الحكومي مع عبارة السفيرتين الشهيرة «ضرورة تشكيل الحكومة»، ولكن أيضًا موضوع المساعدات إلى الشعب اللبناني.
فشل القوى السياسية بتشكيل حكومة، دفع المجتمع الدولي من باب «تقاعس السلطات اللبنانية عن تأدية واجباتها تجاه شعبها» إلى أخذ المبادرة فيما يخص المساعدات إلى الشعب اللبناني مباشرة من دون المرور بالمؤسسات الرسمية بإستثناء الجيش اللبناني الذي يحظى بالثقة الدوّلية. هذه المبادرة التي بدأت من باب إيصال المساعدات الغذائية والعينية وحتى المالية مباشرة إلى الشعب، ستتمدّد لتصل إلى الشق المالي المتعلّق بالدولة اللبنانية حيث ينصّ أحد السيناريوهات على أن يتمّ تجميد الأصول المالية اللبنانية التابعة للدولة اللبنانية ووضعها تحت وصاية قد تكون على الأرجح أميركية – فرنسية – عربية ولا يتمّ إستخدامها إلا لدعم الشعب اللبناني مباشرة. في نفس الوقت، يقوم المجتمع الدولي بفرض عقوبات على عدد كبير من السياسيين من الصفين الأول والثاني مع تجميد كامل لحساباتهم الموجودة في الخارج. هذا السيناريو بحسب أحد المراجع القانونية هو سيناريو مُحتمل نظرًا إلى أن هناك خرقا لشرعة حقوق الإنسان (عبر تجويع الشعب) وبالتالي هناك أسباب موجبة تسمح للمجتمع الدولي بالقيام بمثل هذه الخطوة.
على كل الأحوال يبقى الواقع الأليم على الأرض وهو الواقع الذي يعيشه المواطن اللبناني والذي من دون مُساعدات خارجية، سيشهد مأساة غذائية ستكون من الأسوأ عالميًا.
سحب الليرات من السوق… ما مصير الناس؟
لا يختلف اثنان في هذه الحقبة على انّ السياسة النقدية المعتمدة تقضي بامتصاص أقدر قدر ممكن من السيولة بالليرة من السوق، تمهيداً لتخفيف التداعيات السلبية المتوقعة من بدء تنفيذ التعميم 158، والذي سيؤدّي الى ضخ حوالى 26 الف مليار ليرة يُفترض ان يحصل عليها اكثر من مليون مودع سيتسجلون في المصارف للإفادة من مندرجات تعميم بدء إعادة الودائع.
ما يحصل اليوم انّ مصرف لبنان يشتري الليرات من الناس بكلفة مرتفعة من اجل اعادة ضخها لفئة يُفترض أن تتمكّن من استعادة الودائع. وتتم هذه العملية، كما بات معروفاً، إمّا من خلال منصة «صيرفة» حيث يدفع مصرف لبنان مقابل الليرات التي يعيد جمعها سعراً يفوق سعرها الحقيقي في السوق الحرة بحوالى 48 %، وإمّا من خلال تغيير سعر دعم المحروقات من 1500 الى 3900، مع إلغاء نسبة الـ15 % التي كان يدفعها التجار بالدولار الطازج. وهذا يعني انّ المركزي سيضطر هنا ايضاً الى دفع دولارات اضافية للاستمرار في فتح اعتمادات شراء المحروقات. ولكنه يكسب في عملية تغيير سعر الدعم سيولة بالليرة يحتاج سحبها من السوق، تبلغ حوالى 500 مليار ليرة شهرياً، أي حوالى 6 آلاف مليار في السنة. واذا أضفنا الى هذا المبلغ ما يوازيه تقريباً جرّاء عمليات بيع الدولار عبر منصة صيرفة، فهذا يعني انّ مصرف لبنان قادر على امتصاص حوالى 12 الف مليار ليرة في السنة.
في المقابل، لا يستطيع مصرف لبنان ان يحتفظ بكامل السيولة المسحوبة من السوق عبر المنصة ودعم المحروقات، اذ سيضطر الى استخدام نسبة من هذه السيولة في تمويل عمليات اخرى، بالاضافة الى تمويل مندرجات التعميم 158.
وفي التقديرات انّ مصرف لبنان سيستفيد من الفارق بين العام 2021 والعام 2020، بمعنى انّ مستوى السيولة المسحوبة من السوق ستزيد بحوالى 9 آلاف مليار. واذا اعتبرنا انّ المركزي سيضطر الى زيادة نسبة ضَخ الليرة لتغطية الانفاق الاضافي في مصاريف الدولة بالليرة، فإنّ التقديرات تشير الى بقاء ما بين 6 الى 7 آلاف مليار ليرة للاستخدام في التعميم. هذا المبلغ قد لا يكون كافياً لتغطية مندرجات التعميم، لكنه يشكّل الجزء الاكبر من المبلغ المطلوب، على اعتبار انّ الـ26 تريليون المطلوبة لا يفترض تأمينها بالكامل، بل هناك حاجة ربما الى حوالى 30 الى 35 في المئة منها، لأنّ قسماً من الاموال التي تضخ تعود الى المركزي من خلال الانفاق. وهذا يدفع الى الاعتقاد انّ كتلة السيولة بالليرة، رغم تنفيذ التعميم 158، لن تزيد سوى بنسبة ضئيلة، بحيث لا تؤدي الى انهيار كامل وسريع لسعر صرف الليرة.
لكنّ هذه الخطة تنطوي على تأثيرات جانبية (side effects) لا تقل ضراوة وأذى بالنسبة الى الناس، عن ارتفاع سعر صرف الدولار. فهي اولاً تؤدي الى تقليص القدرات الشرائية للمواطنين بسبب سقوفات السحب الجديدة التي اضطرت المصارف الى فرضها بسبب ندرة الليرة النقدية. وهذا الانخفاض في القدرات الانفاقية سيؤدّي بدوره الى تقليص اضافي في حجم الاعمال وفي حجم الاقتصاد، الذي سجل انكماشاً دراماتيكياً في العام 2020، من النادر ان نجد له مثيلاً في تجارب دول أخرى انهارت مالياً واقتصادياً، كما هي الحال في الوضع اللبناني. وبالتالي، فإنّ الانكماش الاضافي يعني إقفال المزيد من المؤسسات، وفقدان عدد اضافي من الوظائف أي زيادة عدد العاطلين عن العمل الى مستويات قياسية جديدة. كما انّ سياسة امتصاص السيولة بهذه السرعة، ستؤدي الى أزمة دفع رواتب في المؤسسات العاجزة عن تأمين الرواتب نقداً لإيداعها المصرف لتوزيعها على الموظفين. وهذا يعني تعريض المؤسسات لخسائر اضافية، بحيث ان المؤسسة قد تضطر الى بيع شيكات في السوق، للحصول على النقد مع حسومات طبعاً، قد تزيد نسبتها عن 20 % أو أكثر في الايام المقبلة بسبب ازدياد الحاجة. والحل البديل هو إعطاء الموظفين شيكات غير قابلة للتسييل ما يضطرّ هؤلاء الى بيعها في السوق وخسارة نسبة الـ20 % من رواتبهم.
هكذا تبدو الدوامة سوداء وفق كل المقاييس. وفي المقابل، فإنّ عدم امتصاص السيولة، كما يفعل المركزي حالياً، قد يؤدي الى تسريع انهيار الليرة الى مستويات قياسية توصِل الى فقدان المواطن نسبة مرتفعة جدا من قدراته الشرائية، بحيث ترتفع نسبة الفقراء الذين لا يستطيعون تأمين الغذاء الكافي. وفي تقرير اليونيسف الأخير انّ 77 % من العائلات اللبنانية باتت غير قادرة على تأمين الغذاء الكافي لأفراد الاسرة.
في الحالتين، أي مع امتصاص السيولة بالليرة أو بدونها، الكارثة رهيبة في حق الناس. لكن السؤال لماذا لا تُعتمد الحالة الثالثة، أي إلغاء بند الدفع بالليرة، والابقاء على بند الدفع بالدولار من دون تغيير القيمة الشهرية طبعاً، لأن لا المصارف، ولا ما تبقى من احتياطي وطني، ينبغي هَدره في وقت مُبكر قبل الوصول الى مرحلة الانقاذ، والتي ستتضمّن حتماً مسألة توزيع الخسائر على الجميع بالعدل والمساواة.
انطوان فرح
لبنان يُصدِّر الأغنام والأرُز..هكذا تبدّدت أمــوال الدعم
بعد رفع الدعم عن السلة الغذائية التي استمر العمل بها حوالى العام، والتي تأمّن عبرها استيراد بعض السلع وفق سعر 3900 ليرة للدولار، لم يبق شيء من هذه السلة اليوم، فبعض السلع مفقود والبعض الآخر ارتفعت أسعاره أضعافاً مضاعفة ليتبيّن انّ كل الوعود بضبط المضاربة والتهريب للمواد المدعومة فشلت، فهل سيكتشف اللبناني يوماً اين وكيف صرفت أموال الدعم ومن استفاد منها؟
لا يختلف اثنان على انّ سياسة الدعم التي اتّبعت في لبنان، ومن ضمنها السلة الغذائية، هي أسوأ قرار اتخذ خلال فترة الأزمة المالية، إذ رغم تكشّف نتائجها باكراً في كونها ساهمت في دعم التجار على حساب المستهلكين وفي كون 70 الى 80 % منها صبّت لمصلحة المهرّبين الى سوريا وغيرها من الدول الافريقية والأوروبية، استمر العمل بها قرابة العام، بكلفة تقديرية بلغت حوالى 6.2 مليارات دولار، بلغت حصة السلة الغذائية منها ما بين 70 الى 80 مليون دولار شهرياً من دون ان تصل الى معظم اللبنانيين، ناهيك عن بيع مصرف لبنان خلال العام 2020 عملات اجنبية لملفات استيراد ادوية ومستلزمات طبية ومواد اولية للصناعة الدوائية بقيمة 1173 مليون دولار مقارنة مع 1432 مليون دولار منذ مطلع العام 2021 ولغاية أيار 2021 متجاوزاً قيمة ما صُرف خلال اكثر من عام كامل، والنتيجة الدواء مفقود. وكما في الادوية كذلك في المحروقات، فقد بلغت الكمية المسلّمة من البنزين خلال اربعة اشهر من العام الماضي 440 الف طن بينما بلغت الكميات خلال الفترة ذاتها من العام الحالي 570 الف طن والبنزين مقطوع.
هذا غيض من فيض فضائح المدعوم التي لا بد ان تتكشّف يوماً. في هذه الاثناء اظهرت داتا الجمارك اللبنانية للعام 2020 ارتفاعاً في قيمة واردات بعض السلع التي كانت مدعومة من مصرف لبنان في حين فقدت من الاسواق، او زاد سعرها 5 أضعاف على الاقل، في المقابل سجلت بعض السلع تراجعاً طفيفاً في قيمة وارداتها.
فضائح المدعوم
في السياق، أعدّ الباحث في الشؤون الإحصائية عباس طفيلي جداول شملت كل السلع التي وفّر لها مصرف لبنان الدعم خلال العام 2020 من محروقات وطحين وقمح وأدوية الى جانب السلة الغذائية التي أعدّتها وزارة الاقتصاد.
يقسّم طفيلي الدعم الى قسمين، قسم قدّم له مصرف لبنان دعماً بنسبة 85 % وفق سعر صرف 1500 ليرة للدولار مثل الطحين والقمح والمحروقات والادوية والمستلزمات الطبية، والقسم الثاني طال السلة الغذائية التي أعدّتها وزارة الاقتصاد والتي كانت مغطّاة بالكامل وفق تسعيرة 3900 ليرة للدولار.
وفي السياق، يقول طفيلي لـ”الجمهورية”: صحيح ان غالبية مكونات هذه السلة تراجع استيراده قليلاً مقارنة مع السنوات الماضية، لكن في المقابل، هناك بعض السلع التي زاد استيرادها، منها على سبيل المثال اللحوم والمتمثّلة في الجدول بالحيوانات الحية، فيتبيّن انّ لبنان استورد في العام 2019 لحوماً بما قيمته 317 مليون دولار مقارنة مع 336 مليون دولار في العام 2020، ما يطرح السؤال التالي: بما ان اللحوم مدعومة 100 % في السلة الغذائية وفق سعر 3900 ليرة لماذا ارتفعت اسعارها العام الماضي لتقارب الـ100 الف ليرة احياناً؟ ولماذا انقطعت من الاسواق في احيان اخرى ما دام التجار استوردوا كميات اكبر من حاجة السوق، مع العلم انّ ارتفاع سعر اللحوم ساهم بتقليل الطلب عليها بسبب تعذر شرائها عند بعض العائلات.
في المقابل، كشف طفيلي عن إعادة تصدير أغنام الى قطر وحدها بما قيمته 33 مليون دولار، فهل يعقل في بلد يعاني أزمة أمن غذائي ويحتاج فيه الى كل دولار قدّمه مصرف لبنان تصدّر فيه الماشية بهذه الكميات؟ وحتى لو قيل انّ المصدّرين هم سوريو الجنسية، نتساءل لماذا تصدير الاغنام بشهادة منشأ لبنانية؟ لماذا لم يتم تصديرها ترانزيت؟
الامر سيّان بالنسبة الى اصناف الحبوب، إذ يظهر الجدول ارتفاعا في كميات الحبوب المستوردة، فاستيراد الفاصوليا زاد من 5.14 ملايين دولار في العام 2019 الى 8.13 ملايين دولار في العام 2020، السكر من 72.14 مليون دولار الى 95.83 مليون دولار والعدس من 7.82 الى 14.33 مليون دولار، والفول من 4.99 الى 5.02 ملايين دولار والحمص من 10.33 الى 13.62 مليون دولار.
اما الأرُز فرواية ثانية، إذ عدا عن ارتفاع الكمية المستوردة من 61.49 مليون دولار عام 2019 الى 76.02 مليون دولار في العام 2020، يتبين انّ لبنان صدّر أرُزاً بنحو 14 مليون دولار، 11 مليوناً منها تم تصديرها رسمياً الى سوريا، بما يؤكد عملية التهريب. لكن، هل التاجر الذي صدّر هذه الكميات الى سوريا عاد وأدخل الدولارات المدعومة الى السوق اللبناني؟ صحيح ان جدول الصادرات يُظهر اين اختفت الكمية الاضافية في واردات الارز لكن كيف يمكن تفسير انه رغم ارتفاع واردات الحبوب او غيرها من السلع فُقدت من الاسواق اللبنانية، فهذا يعني امّا ان التاجر الذي أدخل الحبوب المدعومة باع جزءاً منها بطريقة غير مدعومة، أو أعاد تصديرها او قام بتهريبها الى سوريا.
وماذا يمكن القول عن الزيت، إذ بعدما شهدت السوبرماركات مشاجرات متنقلة لشراء الزيت المدعوم، وهو من أولى السلع المدعومة التي فقدت من الأسواق، تظهر الأرقام ارتفاعاً في واردات هذا المنتج من 41.70 مليون دولار عام 2019 الى 55,24 مليون دولار في 2020.
ولاحظ طفيلي ان كل السلع التي أدرجت ضمن السلة الغذائية المدعومة، وردت ضمن صادرات لبنان إنما بكميات متفاوتة، متسائلاً على سبيل المثال لماذا حافظت كمية الصادرات من الفوط الصحية والحفاضات على حجمها في حين تراجع استيرادها بشكل لافت من الخارج، وعانت السوق من النقص في الإنتاج المحلي ومن ارتفاع جنوني في أسعار هذه السلع مع العلم انّ البعض منها كان مدعوماً؟
اما بالنسبة الى حليب الاطفال، فقد استورد لبنان عام 2020 بما قيمته 62.75 مليون دولار حليب اطفال مقارنة مع 78.51 مليون دولار عام 2019، صحيح ان الاستيراد تراجع لكن السؤال بما ان هذا الصنف مدعوم بالكامل من مصرف لبنان لماذا ارتفع سعره اضعافاً.
ورداً على سؤال، أوضح طفيلي انه قبل السير بالسلة الغذائية المدعومة، أي قبل شهر تموز، كان سعر الدولار مقابل الليرة يتراوح ما بين 4000 و5000 ليرة في حين أتت السلة لتحتسب الدولار بـ3900 ليرة، بما يؤكد ان الأسعار أصلاً لم تكن مرتفعة ورغم الدعم الكامل لها زاد سعرها 5 الى 7 اضعاف.
وبالانتقال الى موضوع المحروقات، يؤكد طفيلي انّ وارداتنا من هذه السلعة لا يمكن مقارنتها بما استوردناه في العام 2019 حيث كانت كمية الاستيراد في تلك السنة استثنائية. لذا، ولدى مقارنتها بالاعوام التي تسبق 2019 يمكن القول انّ قيمة المستوردات أتت منطقية، خصوصاً ان أسعار النفط تراجعت عالمياً بشكل ملحوظ تزامناً مع تراجع استهلاك المحروقات بسبب الاقفال العام نتيجة جائحة كورونا.
في المقابل، كشف طفيلي انّ لبنان حقق منذ حزيران 2019 لغاية اليوم أرقاماً قياسية في صادرات الذهب الى سويسرا والتي تجاوزت المليار و700 مليون دولار، وأكد انّ أموال تصدير الذهب لم تدخل الى لبنان مجدداً بما يؤكد انه شكّل وسيلة لتهريب الأموال الى الخارج. والملفت بحسب طفيلي انّ الذهب المصدّر ليس ذهباً مشغولاً إنما اتى على شكل سبائك وذلك نتيجة تراجع قدرة اللبنانيين الشرائية وفقرهم، فاضطروا مرغمين الى بيع مقتنياتهم من الذهب فأقدم الصاغة على تذويبه وتصديره كسبائك.
كيف تم التصرّف بالسلع المدعومة؟
خَلص طفيلي الى ان كل سلعة مدعومة تم استيرادها كان مصيرها الآتي:
– التاجر الذي استوردها عاد وصدّرها للحصول على fresh money، والسؤال المطروح هل أعاد هذا التاجر أموال التصدير الى لبنان ام أبقاها في الخارج واستعمل التصدير كوسيلة لتهريب أمواله؟
– أبقى التاجر هذه البضائع في المستودعات ليعود ويبيعها فور رفع الدعم مُحقِّقاً بذلك أرباحاً إضافية.
– عرض قسماً من هذه السلع في الأسواق، مستبعداً ان يكون التجار قد طرحوا كل الكميات المستوردة المدعومة للبيع لأنها في غالبيتها فقدت او ارتفع سعرها بشكل لافت. وقد رأينا كيف كان يعمد بعض التجار الى تغيير غلاف البضاعة المدعومة كي لا ينكشف التلاعب.
ايفا ابي حيدر
كيف نخرج من الأزمة المالية والركود الاقتصادي؟
ثلاثة إجراءات ضرورية للخروج من الأزمة المالية والركود الاقتصادي 1. تحرير سعر الصرف بالكامل وتطبيقه على جميع المعاملات المالية والسلعية والخدماتية في الداخل ومع الخارج للقطاعين العام والخاص. 2. العمل على تحقيق توازن مالي لمعاملات الدولة حالاً، واستهداف تحقيقه في غضون سنة واحدة من الآن. 3. إعادة جدولة التزامات القطاعين العام والخاص بالليرة والدولار، وكذلك أصول وخصوم الجهاز المصرفي بأكمله.
وللتوضيح:
إنّ التحرير الكامل لسعر صرف الليرة مقابل الدولار سيسهم في تحقيق التوازن الداخلي والخارجي، من خلال رفع القدرة التنافسية للإنتاج المحلي وزيادة الطلب عليه وكبح الطلب على السلع والخدمات المستوردة. فقد بدأت بوادر هذا الاتجاه في الاقتصاد حالياً، فانخفضت معظم المستوردات (باستثناء السلع المدعومة، وبدأت تتعافى بعض القطاعات التي اكتسبت قدرة تنافسية على إثر انخفاض سعر الصرف في السوق الموازي، على الرغم من التردّد في اخذ اية اصلاحات. ومن المهم الأخذ في الاعتبار، انّ تحرير سعر الصرف سينهي الدعم غير المباشر لنسبة كبيرة من السلع المستوردة واهمها المحروقات، التي تستحوذ على 5 مليارات دولار من الدعم سنوياً، لتسعيرها على أساس السعر الرسمي البالغ 1500 ليرة للدولار مقابل 15000 ليرة في السوق الموازي الحر. كما انّ تعدّد أسعار الصرف مع القيود المرفقة على السحب أدّيا الى فقدان الثقة في الأسواق المالية، وفي خلق تفاوت بين الدولار النقدي والدولار المصرفي، حيث أصبحت قيمة الأخير نحو ربع الدولار النقدي. كما انّ القرار الذي خَوّل دفع الديون والعقود بسعر الصرف الرسمي، خلق فجوة كبيرة بين الاستحقاقات والالتزامات، وشوّه الأسواق المالية وادّى الى استمرار تسجيل خسارات مصطنعة في المصارف. فلا بدّ من الالتزام بالاستحقاقات المالية حسب سعر الصرف المحرّر، وتبرير مراجعة العقود.
للدعم المباشر وغير المباشر من خلال تعدّد سعر صرف الليرة آفات عدّة ومن أهمها التالي:
يؤدي هذا الدعم الى: تردّي الوضع المالي، تهويد القطاع المصرفي، وضع قيود غير مبرّرة وغير شرعية على الودائع وعلى التدفقات المالية وهدر ودائع المواطن، انخفاض في النمو وارتفاع في البطالة ونزوح للطاقات البشرية، تردٍ في وضع ميزان المدفوعات مع خسارة الاحتياطات لمصرف لبنان وتدهور سعر الصرف، تحفيز تهريب السلع المدعومة الى الخارج، منح ارباح استثنائية للتجار والمهرّبين، دعم الفئة الغنية على حساب الفئة الفقيرة ويُفقر الفئتين معاً، نقص في السلع المدعومة لتهريبها وتخزينها، خلق سوق سوداء لها، تثبيط القطاعات الإنتاجية عن انتاج السلع البديلة للواردات المدعومة، ويخلق تشوهات في توزيع موارد الاقتصاد. كما يساهم في تقويض الثقة بالدولة في معظم مرافقها وقدرتها على ممارسة الحوكمة الصالحة، وفي الوقت نفسه يعطي سلطة غير دستورية للسلطة. وقد ينتج من كل ما تقدّم إذلال للمواطن وعوارض اجتماعية سلبية عديدة نتيجة البطالة وازدياد الفقر.
أما التوازن المالي، فهو من الضروريات في هذه المرحلة، وسيسهم في تحقيقه التحسن التلقائي للإيرادات الاسمية (وخصوصاً الجمارك وضرائب الدخل، وايرادات القيمة المضافة) على إثر تطبيق سعر صرف حرّ وموحّد على جميع المعاملات. اذ انّ قيمة القواعد الضريبية الأساسية، كالدخل والواردات والاستهلاك ستُضاعف. فيما النفقات تتبع القرار السياسي المالي، باستثناء تكلفة خدمة الدين بالعملة الاجنبية (بعد انهاء توقف خدمته) ودعم شركة كهرباء لبنان بالوقود المستورد، وكليهما يُعالجان من خلال اعادة جدولة الدين وإنهاء الدعم السخي للكهرباء. وتحتل النفقات على الأجور والرواتب المرتبة الاولى في الإنفاق الجاري، ولا بدّ من إعادة النظر في تكلفتها، مع اعتبار القدرة الشرائية للموظف وتوخّي الحذر في الإسراف في تعديلها. وتليه خدمة الدين العام المحلي، وتتأثر تكلفته بتقلّبات أسعار الفائدة والتي يتوقع ان تنخفض وتستقر، بفعل استهداف تحقيق التوازن المالي واعادة الجدولة للدين.
وأجرينا محاكاة بالاستناد الى سعر الصرف الحرّ السائد حالياً في السوق الموازي. وأثبت انّ التوصل الى توازن مالي من الممكن بعد تحرير سعر الصرف خلال فترة وجيزة. إنّ تحقيق توازن كامل في المالية العامة سيعود على الاقتصاد بفوائد عدة، مع توقف الدولة عن منافسة القطاع الخاص في التمويل، وسيؤثر ايجاباً في تشجيع الاستثمار الخاص في جميع القطاعات، ويساهم في استقرار سعر الصرف نفسه. انّ معظم الدول التي عانت من أزمات مالية كان سببها الرئيسي العجوزات المالية المرتفعة وسياسات الصرف الخاطئة للعملة، وكان خفض العجز المالي من اهم الإصلاحات المتبعة.
وفي شق جدولة الدين العام، فهي حاجة ماسة لإعطاء الوقت اللازم لتعافي الاقتصاد ومالية الدولة. ومن الممكن معالجته بالعملات الأجنبية والمحلية مع القطاع الخاص المحلي (المصارف، مؤسسات القطاع العام، الشركات الخاصة، والافراد) من خلال الاتفاق على برنامج إعادة جدولة، بما فيها خدمة الدين. وسيسهم تحقيق التوازن المالي في خفض الفوائد ودعم الحل. وفي هذا الصدد، من المفضّل إجراء اختزال كلي لدين الدولة بالليرة لدى مصرف لبنان، او اعتباره ديناً استثنائياً دون اجل محدّد، وجزءاً من الأصول الأخرى. من الممكن اعادة جدولة الدين الخارجي مع المؤسسات المالية الدولية الخاصة (والذي لا يتعدّى استحقاقها 10 % من مجمل الدين العام)، من خلال طلب تشكيل لجنة موحّدة من قِبلهم للتفاوض مع الحكومة.
اضافة الى ذلك، لا بدّ من اعادة جدولة أصول وخصوم المصارف للقطاع الخاص، بمبادرة من جمعية المصارف، حسب صيغة تستند إلى الاستحقاقات التي كانت سارية حين بدء الأزمة. ومن المتوقع ان تجد المصارف الحلول المناسبة لحل أزمة القروض المتعثرة. إنّ التأكيد على صيانة الودائع سيعطي الثقة للمودعين ويسهم في التحول الى استعمال المعاملات الرقمية (بطاقات إئتمان وتحويلات الكترونية) والصكوك، بدلاً من المعاملات النقدية، مما يساهم في حلّ ازمة السيولة. انّ التَخوّف من الاستيلاء على الودائع، والذي طُرح جدّياً في الخطة السابقة، زعزع الثقة بالمصارف وأسهم في الإقبال على سحب الودائع منها.
والجدير ذكره، انّ القطاعات المحلية والخارجية تنتظر ان تبدأ الحكومة بإعادة جدولة ديونها وتقديم خطة تستند الى المصالح المشتركة، بدلاً من التوقف الغوغائي عن الدفع.
النتائج:
إنّ هذه الإجراءات الثلاثة كفيلة بأن توجّه الاقتصاد نحو التعافي لتحقيق نمو اقتصادي وتوازن في المعاملات مع الخارج. وهي أولويات قبل الانهماك في تفاصيل الإصلاحات الهيكلية، كالضمان الاجتماعي ومؤسسات القطاع العام، مع العلم أنّه لا بدّ من معالجة الكهرباء حالاً للجم الخسارات فيها، واهميتها للاقتصاد ودورها في تحقيق التوازن المالي.
يجب ان يرتكز الجهد أولاً على انعاش الاقتصاد وليس على ادارة الخسارات (ومنها خسارات وهمية) كما اتُبّع في الخطة السابقة. وتستهدف أولاً الاصلاحات ذات الأثر المباشر والآني، ومن أهمها تحرير سعر الصرف وتوحيده لجميع المعاملات. وسيُخوّل هذا الاجراء، تعديل الاجور في القطاع الخاص تلقائياً، استجابة الى قوى سوق العمل ومرونته. فكلما ارتفع الفارق بين أسعار المبيع وأسعار التكلفة فلا بدّ للأجور من ان تتعدل.
ومن المتوقع بعد اخذ هذه الإجراءات الثلاثة، ان يستقر سعر الصرف على مستوى من التنافسية الداعمة للاستقرار الاقتصادي، وتحقيق معدلات نمو ايجابية مع انخفاض في البطالة. فمن الأفضل للسياسات ان تخلق فرص عمل تنتج سلعاً، بدلاً من ان توفّر سلعاً بأسعار بخسة مصطنعة وغير قادرة على الاستمرارية. اما انتظار المؤسسات المالية الدولية لكي تقدّم حلاً فسيعمّق الأزمة المالية.
د. منير راشد
900 مليون دولار تهبط من السماء
يمكن القول انّ 900 مليون دولار سوف تهبط على لبنان من حيث لا يتوقع، إذ يتجه صندوق النقد الدولي الى إقرار حقوق السحب الخاصة للدول الاعضاء لدعم الاحتياطات العالمية، خصوصاً في ظل جائحة كورونا. لكنّ التساؤلات تتمحور حول سبل استخدام هذا المبلغ في حال وصل الى لبنان، ومن سيقرّر مصير تلك الأموال؟
تبلّغ وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني أمس أنّ المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي ناقش اقتراح تخصيص حقوق السحب الخاصة للدول الاعضاء (SDR) البالغة 650 مليار دولار، ليُحال بعدها الى مجلس المحافظين الذي يدرسه بدوره في شهر تموز.
وفي حال إقراره تتم عملية التخصيص نحو نهاية شهر آب المقبل. والمتوقع أن تكون حصة لبنان زهاء 900 مليون دولار، يستطيع الاستفادة منها بعد الإقرار، وفق ما أعلن المكتب الإعلامي لوزني.
وقد أكدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، في تصريح امس، انّ التخصيص القادم لحقوق السحب الخاصة «مهمّ» لأنه سيوفّر زيادة في الاحتياطات المالية التي تشتد الحاجة إليها في الأسواق الناشئة والبلدان النامية، وخاصة البلدان ذات الدخل المنخفض والتي استنفدت احتياطاتها بشدة، وذلك استجابة لوباء كورونا، مشيرة الى انّ تعزيز احتياطات تلك البلدان قد يجعلها في وضع أفضل يمكّنها من تخصيص حيّز مالي لمكافحة الوباء وتطعيم شعوبها ودعم الفئات الضعيفة من السكان، وفقاً لجورجيفا.
وبما انّ تجربة لبنان مع الدعم المالي الخارجي الذي يحصل عليه غير مشجّعة ولا تصبّ دائماً وبشكل كامل في مصلحة الفئات المستهدفة او الاهداف المرصودة، وهي في حالة الـ900 مليون دولار المنتظرة أواخر آب، مكافحة الوباء وتطعيم المواطنين ودعم الفئات الضعيفة من السكان، فإنّ الدولة لا يمكنها تجيير تلك الاموال لمصرف لبنان لدعيم احتياطاته المستنزفة على غرار قرض البنك الدولي البالغة قيمته 246 مليون دولار لدعم الأسَر الفقيرة والمتضررين من الأزمة الاقتصادية، والذي قررت السلطة التشريعية والتنفيذية في لبنان توزيعه بالليرة اللبنانية وعلى سعر صرف حَدّده البنك المركزي لا يمتّ بصلة الى أي سعر صرف معتمد في السوق اليوم.
وبالتالي، عَلت الاصوات المحذّرة من كيفية استخدام حصة لبنان من حقوق السحب الخاصة للدول الاعضاء (SDR) التي سيوزّعها صندوق النقد الدولي في نهاية شهر آب المقبل والبالغة 900 مليون دولار، حيث اعتبر البعض انّ على المجتمع الدولي منع لبنان من الاستخدام الحرّ لهذه المخصصات الإضافية، على ان تتم مراقبة استخدامها للتأكد من انها تستهدف فئات المجتمع التي تحتاجها بشدّة، أي لبناء شبكة الأمان الاجتماعي، وليس لدعم سياسات الدولة المالية والاقتصادية الخاطئة التي لم ولن تؤدي سوى الى إفلاس البلاد، وإفقار السكان وتجويعهم أكثر فأكثر.
كما شدّد المراقبون على انّ المخصصات المالية المنتظرة لا يجوز ان تُستخدم لخدمة الزعماء والسياسيين ولتمويل الانتخابات بشكل ضمنيّ من خلال بناء شبكة أمان اجتماعي مفصّلة على قياس الناخبين، أي تخصيص التقديمات المالية من خلال البطاقات التموينية او التمويلية لمناصري أحزاب السلطة الحاكمة.
ما هي حقوق السحب الخاصة وكيف تُستخدم؟
هي الأصول الاحتياطية لصندوق النقد الدولي، والتي يمكن استبدالها بالدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين واليوان الصيني أو الرنمينبي. يتطلّب تخصيص حقوق السحب الخاصة موافقة أعضاء صندوق النقد الدولي الذين يمتلكون 85% من إجمالي الأصوات. ولأن الولايات المتحدة تمتلك 16.5% من الأصوات، فإنّ وجهة نظر واشنطن حاسمة.
يُصدر صندوق النقد الدولي حقوق السحب الخاصة للبنوك المركزية في البلدان الأعضاء كاحتياطي يمكن استبداله بسهولة بالعملة الصعبة مع بنك مركزي آخر. وتجري معظم البنوك المركزية عملية التبادل طواعية، ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك فإنّ صندوق النقد الدولي لديه سلطة إصدار مرسوم في شأن من يجب أن يقبل حقوق السحب الخاصة.
ويتم تحديد قيمة حقوق السحب الخاصة يومياً إستناداً إلى سلّة من 5 عملات دولية رئيسية: الدولار الأميركي (42%) واليورو (31%) واليوان الصيني (11%) والين الياباني (8%) والجنيه البريطاني (8%) والعملة المحلية.
ونظراً لأنّ حقوق السحب الخاصة يتم تخصيصها على أساس نسبي مرتبط بالكوتا المحدّدة لكلّ بلد عضو في صندوق النقد الدولي، فإنّ التوزيع يميل بشكل أكبر نحو البلدان الأكبر والأغنى التي يمكن القول إنها الأقل حاجة إليها. ستتلقّى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وحدها حوالى نصف السيولة الجديدة.
وقدّر المحللون أنّ تخصيص حقوق السحب الخاصة للدول الاعضاء (SDR) والبالغة 650 مليار دولار، سيوفّر حوالى 21 مليار دولار من الاحتياطات المضافة إلى البلدان المنخفضة الدخل. وقد يكون الرقم أكبر بكثير إذا قامت الدول الغنية، التي ستحصل على حوالى 400 مليار دولار من المخصصات، بإقراض أو التبرّع ببعض حقوق السحب الخاصة الجديدة الخاصة بها.
وبحسب المحللين أيضاً، فإنّ تلك المخصصات ستضاعف احتياطات الدول من العملات الأجنبية لزامبيا على سبيل المثال، وتزيد احتياطات زيمبابوي بأكثر من 6 أضعاف. في حين انها سترفع احتياطات الأرجنتين وتركيا وسريلانكا وجنوب إفريقيا وباكستان ونيجيريا بنسبة بين 10% و20%.
أمّا لبنان الذي لا يعرف أحد الحجم الفعلي والحقيقي لاحتياطه المتبقّي من العملات الاجنبية، والذي يتم استنزافه بشكل يومي على سياسة الدعم الفاشلة، فإنّ تقدير نسبة الزيادة على احتياطه او تداعيات تلك الزيادة غير مجدٍ، لأنّ الطبقة الحاكمة أثبتت انها تنوي استنفاد كامل احتياطي البنك المركزي حتّى آخر دولار لخدمة مصالحها السياسية والشخصية.
رنى سعرتي
السيولة بالليرة تتبخّر… والهيركات الاختياري 92%
توحي المؤشرات القائمة بأنّ عملية شدّ الحبال ستتمحور في المرحلة القصيرة المقبلة حول السيولة بالليرة. ورغم الشكوى من التخمة في كمية النقد الوطني في السوق، إلّا انّ ذلك لن يمنع بروز أزمة فقدان الليرة النقدية بسبب الإجراءات المتعلقة بتنفيذ التعميم 158.
منذ بدأت المنصّة المركزية عملها، تُطرح علامات استفهام حول الوظيفة التي تؤدّيها، خصوصاً بعدما تبيّن انّها لن تحلّ مكان السوق الحرة، وستكتفي ببيع الدولار على سعر 12 الف ليرة. وزادت التساؤلات والشكوك، بعدما اتضح ايضاً، انّها عاجزة عن تأمين الشفافية التي كان يؤمل ان توفّرها لمصرف لبنان لكي يطّلع على حجم السوق، وعلى احتمال وجود مضاربات مشبوهة. وأخيراً، أُضيفت اشكالية جديدة، بعدما ارتفع سعر صرف الدولار في السوق الحرة ووصل الى عتبة الـ18 الف ليرة، وقد يبلغ محطة الـ20 ألفاً في فترة وجيزة. هذا يعني انّ الفارق بين سعر المنصّة اليوم والسعر الحقيقي وصل الى حوالى 50%. وبالتالي، من يشتري الدولار من المنصّة ويستورد بضائع للاستهلاك يحقق ارباحاً اضافية غير شرعية نسبتها 50%، بالاضافة الى نسبة الارباح الشرعية. فكيف يكون مسموحاً الاستمرار في عمل المنصّة وفق هذا النمط، وما هي الوظيفة التي تؤدّيها هذه المنصّة؟
الجواب، انّ مصرف لبنان يستعمل المنصّة، لسحب اكبر كمية ممكنة من النقد الوطني من السوق، بهدف التخفيف من حجم الكتلة بالليرة، بحيث لا يضطر الى طباعة كامل الكمية التي يحتاجُها تنفيذ التعميم 158، وهي حوالى 26 تريليون ليرة. لكن المفارقة هنا، انّ المركزي يدفع مبالغ طائلة بالدولار من احتياطي العملات لديه من اجل استعادة ليرةٍ طبعها وضخّها في السوق سابقاً. والطريقة المُستخدمة لإعادة سحب قسم من الليرات تنطوي على ظلامة، لأنّ مستوردين كباراً يستفيدون منها من دون وجه حق.
وفي السياق نفسه، يندرج اقتراح المركزي دعم المحروقات على تسعيرة 3900 للدولار، وهو اجراء يزيد من حجم الإنفاق من احتياطي العملات وليس العكس. اذ انّ الكميات ستبقى على حالها، مع فارق انّ المركزي سيدفع 100% الفاتورة بالدولار، في حين كان يدفع 85% منها بالدولار وفق الطريقة السابقة في الدعم. كذلك لا تخفّف هذه الطريقة من حجم التهريب، وهي بالكاد خفّضت نسبة ارباح المُهرّب بسبب ارتفاع سعر الدولار الى 18 الف ليرة، بحيث انّ كلفة صفيحة البنزين على المهرّب لا تزال في حدودالـ4 دولار، مقابل 3,75 دولارات كان يدفعها يوم كان سعر الدولار 12 الف ليرة. وبالتالي، الهدف الوحيد من اتباع هذه الطريقة هو سحب مزيد من الكتلة النقدية بالليرة. وهنا ايضاً يبدو الاسلوب ظالماً في حق المواطن، على اعتبار انّه يرفع سعر المحروقات بنسبة 35%، من دون ان يوفّر في عملية الإنفاق من الاحتياطي الالزامي.
هذه الإجراءات تُنذر بأزمة سيولة بالليرة سوف يواجهها القطاع المالي. وقد باشرت مصارف، وفي موازاة شراء الدولار من السوق الحرة، شراء السيولة بالليرة أيضاً. وهذا ما يفسّر خفض سقوف السحب من الودائع الدولارية على 3900 الى 1000 دولار فقط في الشهر. وهذا المبلغ مجحف ايضاً في حق المودعين، لأنّه لا يكفي العائلات شهرياً، وبالتالي سيكون المواطن امام خيارين: إما سحب المزيد من الاموال على تسعيرة 1500 ليرة للدولار، ويكون بذلك يُخضع نفسه لاقتطاع اختياري (optional haircut) نسبته على التسعيرة الحالية للدولار حوالى 92%، أو سيلجأ الى استخدام دولاراته البيضاء التي خبأها في منزله ليومه الاسود. وفي الحالتين، سيكون المودع مظلوماً.
في موازاة هذا الوضع، يساهم البدء في تنفيذ التعميم 158 في اعادة الروح الى مودعين صغار، لاسيما هؤلاء الذين لا تتجاوز مدخراتهم اليوم الـ10 آلاف دولار، سيستردون منها في غضون سنة حوالى 6 آلاف دولار (هيركات بنسبة 40%)، اذا استمر منحى سوق الصرف كما هو اليوم، وحوالى 7500 دولار (هيركات بنسبة 35%)، اذا اعتبرنا حصول معجزة أوقفت انهيار سعر صرف الليرة وأبقتها على سعرها الحالي.
لكن الاسئلة التي ستُطرح لاحقاً، ومع انتهاء مهلة السنة، ومرور الاستحقاق الانتخابي اذا حصل في موعده، ما مصير بقية الودائع، وما مصير القطاع المالي برمته، وما مصير البلد وناسه؟
انطوان فرح
مصرف لبنان المركزي يبدأ تقديم الائتمان لواردات الوقود بسعر أضعف من المعروض
من يخطّط لتحويل الليرة الى «بيرا»؟
بعد أزمة شح الدولار، ورغم الفائض القاتل في كميّات النقد الوطني التي تم طبعها ونشرها في السوق، الامر الذي أضعف قيمة الليرة وجعل الدولار يترفّع عليها بنسَب خطيرة، مع ذلك، تدلّ المؤشرات الى ان المواطن سيعاني في الايام المقبلة شحاً في الليرة النقدية، وقد يضطر الى القبول بهيركات على ليرته للحصول عليها كعملة ورقية!
عثرة جديدة توضع في طريق التعميم 158 الذي من المتوقع ان يبدأ العمل فيه اعتباراً من مطلع الشهر المقبل اي في 1 تموز، والذي يقضي بأن تعطي المصارف 400 دولار للمودعين شهرياً، بعد انقطاع دام أكثر من عام. لكن، وقبيل بدء تنفيذ هذا التعميم أبلغت بعض المصارف زبائنها من الشركات الخاصة انه اعتباراً من نهاية الجاري سيتوجّب عليها تأمين رواتب موظفيها نقداً بعدما أبلغها مصرف لبنان انه لن يزودها بالاوراق النقدية بالليرة لتغطية تحويلات رواتب القطاع الخاص، على ان تقوم المصارف بتوزيع هذه الاموال على حسابات الموظفين، ليدخل لبنان في أزمة جديدة تتمثّل بمزيد من الانهيار في سعر الصرف، وهذا ما شهدناه في الايام الماضية من خلال ارتفاع الدولار من 13 الفاً الى عتبة 16 الفاً.
في هذا السياق، اعتبرت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» انّ هذه القرارات تهدف الى عرقلة تنفيذ التعميم 158 بهدف الحؤول دون استفادة احد منه. فالطلب من الشركات تأمين الاموال نقداً ليدفعها المصرف الى الموظفين سيؤدي الى رفض قاطع من قبل الشركات والمؤسسات لقبول الدفع بواسطة البطاقات الائتمانية اي credit card مثل السوبرماركت والمطاعم والمتاجر… وهنا لا بد من التذكير بأنّ التعميم 158 يقول بدفع 400 دولار شهرياً نقداً اي banknotes و400 دولار بالليرة اللبنانية شهرياً على اساس السعر المحدد على المنصة الالكترونية لعمليات الصرافة «صيرفة» (اي 12000 ليرة) يدفع منها 50 % لصاحب الحساب نقدا (banknote) و50 % بواسطة البطاقات المصرفية. وبالتالي، من ينوي الاستفادة من التعميم بات لزاماً عليه التفكير بالموضوع مليّاً. فمتى أصبحت البطاقات المصرفية مرفوضة يعني انّ مليونين و400 الف ليرة (وهي عبارة عن الـ 200 دولار التي ستحوّل الى البطاقة المصرفية على سعر 12000 سعر الصيرفة) ستبقى عالقة في المصارف، ولن يتمكن المودع من التصرف بها. أما المشكلة الاكبر فتتمثّل بأنه في حال احتاج المودع الذي قرر الاستفادة من التعميم 158 الى مزيد من الاموال، فإنه سيضطر الى السحب من وديعته بالدولار وفق سعر صرف 1500 ليرة وليس 3900 ليرة وفق ما يشترطه التعميم 158، بما سيزيد من خسارة المودع، أضف الى ذلك انه حتى سعر منصة الـ 12000 ليرة ما عاد يعكس الواقع بعدما وصل سعر الصرف في السوق الموازي الى عتبة الـ16 الفاً حالياً، مع التوقعات بأن يصل الى 20 الفاً مع اقتراب موعد دفع هذه الدولارات والمتوقعة اعتباراً من منتصف تموز، على اعتبار انّ النصف الاول من تموز سيكون لتسجيل طلبات المودعين الذين يرغبون بالاستفادة من التعميم 158، كما لا بد من التذكير بأنّ هذا التعميم سيسري لفترة عام فقط يستفيد منه المودع بمبلغ 4800 دولار نقداً.
امّا عن الخيارات المتاحة اليوم امام ارباب العمل لتأمين الرواتب للموظفين، فترى المصادر انه اذا طلبت المصارف من ربّ العمل تأمين الاموال نقداً فلن يعود مضطراً الى إرسالها الى المصرف لأنه سيدفعها مباشرة الى موظفيه امّا بالدولار او بعد تصريف الدولار. أمّا اذا كانت اموال رب العمل بالليرة اللبنانية عالقة في المصارف فسيضطر الى بيع الشيك المصرفي في السوق السوداء والقبول بالـ haircut للدفع للموظفين. وفي الحالتين، ما عاد رب العمل في حاجة الى المصرف اذا كان عليه تأمين النقدي لموظفيه، في خطوة ستخرج بعض الشركات من التعامل مع المصارف.
أضافت المصادر: انّ هذا التدبير سيخلق سوقاً موازية بين الليرة اللبنانية النقدية والليرة البنكية كما هو حاصل بالنسبة الى الدولار، ويصبح لدينا لولار وبيرا (الليرة في البنك) وإذا كانت نسبة عمولة تصريف شيك بالليرة اللبنانية تصل الى 8 % راهناً فإنها سترتفع قريباً الى ما بين 15 و20 % بسبب ارتفاع الطلب على الليرة. واكدت المصادر انّ الهدف اليوم ليس تجفيف السوق من الليرة، خصوصاً انّ المركزي أعدّ 26 تريليون ليرة لتأمين مقتضيات التعميم 158 إنما هو يحاول تخفيض حجم استهلاك الأسَر.
تابعت المصادر: لقد ترافق الاستعداد لتطبيق التعميم 158 بخفض المصارف لسقوف السحوبات المسموحة للمودع شهرياً بشكل ملحوظ، مشيرة الى انّ الهدف الاساسي من هذه الخطوة سحب الدولارات المخبّأة في المنازل، بدليل انّ غالبية التجار وأصحاب المطاعم والفنادق باتوا يقبلون الدفع بالدولار وفق تسعيرة السوق الموازي. ورأت المصادر اننا مقبلون على مرحلة سينتفي فيها الطلب على الليرة ليتركّز التعامل بالدولار.
ورأت المصادر انّ من الحلول المطلوبة اليوم ان يقبل مصرف لبنان بقبض الاموال من التجار الذين يستخدمون منصة صيرفة بواسطة البطاقات الائتمانية ولا يشترط الدفع نقداً على غرار ما هو حاصل اليوم، لا سيما من يتعاطون في الشأنَين الطبي والاستشفائي والدوائي وتجار المواد الغذائية، ففي هذه الحالة سيقبل المودع بهذه البطاقة لأنها تصبح ذات فائدة يمكن استعمالها في السوبرماركت او الصيدلية او المستشفى…
ايفا ابي حيدر