أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

هل تلجأ الدولة الى بيع احتياطي الذهب؟

لم يعد موضوع رهن او بيع جزء من احتياطي الذهب، الذي يملكه لبنان، من المحرّمات كما كان في السابق، خصوصاً بعد ان طرح الاقتراح نائب حاكم مصرف لبنان السابق محمد البعاصيري، متسائلاً «لمَ لا نلجأ إلى رهن هذا الاحتياطي الذي يقارب حجمه 10 ملايين أونصة، أي ما يساوي نحو 18 مليار دولار، للتعويض عن المتضرّرين من انفجار مرفأ بيروت؟».

لا يأتي طرح موضوع رهن الذهب من قِبل شخصية مصرفية مالية من عدم، بل يوحي بأنّ المسّ باحتياطي الذهي بات أمراً مطروحاً، ومن الخيارات التي يمكن البحث فيها، كبدائل عن رفع الدعم، مع نفاد احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية، وفي حال تمّ التمسّك فعلاً بعدم المسّ بالاحتياطي الالزامي للمصارف.

عادة، تلجأ المصارف المركزية حول العالم الى تكوين جزء من احتياطاتها النقدية بالذهب، باعتباره الملاذ الآمن للعملة المحلية، حيث يمكن اللجوء الى تسييله عند الحاجة، من اجل دعم عملاتها المحلية، ولأنّ المعدن الأصفر الأقل تذبذباً، في ظل تزايد المخاطر العالمية.

وفيما لم يمسّ لبنان بأي كمية من الذهب خلال كافة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي مرّ بها على مدى السنوات السابقة، في مؤشر الى أنّ الوضع لم يكن يستدعي تسييل تلك الأصول، فهل انّ الأزمة الحالية قد تدفع الدولة الى اللجوء لاحتياطي الذهب للجم الانهيار في ظلّ انسداد الأفق؟

في هذا الاطار، اعتبر الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، انّ طرح موضوع رهن او بيع الذهب، هو حديث سابق لأوانه ويزيد الطين بلّة، في ظلّ عدم وجود رؤية واضحة لمستقبل البلاد، وفي أجواء سياسية ضبابية، ووضع غير سليم للمالية العامة، ومديونية غير متّفق عليها لغاية اليوم، وميزانية غير صحيحة للبنك المركزي والقطاع المصرفي، وودائع محتجزة في المصارف.

وشدّد حمود لـ«الجمهورية»، على انّه لا يجوز أبداً البحث في موضوع بيع او رهن الذهب، قبل وضوح الصورة والتوافق على سياسة مالية وآلية صحيحة لمعالجة الأزمة، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتحديد حجم الخسائر، واعلام المودعين حول مصير ودائعهم.

أضاف: «كلّ ما عدا ذلك، سيعني استخدام آخر ما لدينا من احتياطيات لهدرها، على غرار الاحتياطات بالعملة الاجنبية، التي تمّ استنزافها لدعم المحروقات وغيرها. وكما نفدت السيولة بالعملة الاجنبية سينفد الذهب».

ورأى حمود، انّه يجب تحديد رؤية صحيحة بعقلانية سياسية وبتوافق بين لغة السياسيين ولغة حاكم مصرف لبنان، لإعادة هيكلة مصرف لبنان والقطاع المصرفي، والاتفاق على كيفية معالجة وضع الودائع، ووقف تزايد عجز المالية العامة، للتوصل الى استدامة الدين العام. معتبراً انّ الحديث عن الذهب اليوم في ظلّ غياب تلك الرؤية سيُترجم بأنّ السلطة تريد ان تستولي أيضاً على الذهب.

واكّد حمود انّه سيأتي اليوم المناسب للبحث في استخدام احتياطي الذهب، «إلّا انّه اليوم موضوع لاحق وغير سابق»، موضحاً انه يفضّل الانهيار التام والانفجار الاجتماعي، في حال نفاد السيولة ورفع الدعم، على المسّ بآخر ما تبقى لنا من احتياطيات «لأنّ استخدامه في الظروف الحالية سيؤخّر الانفجار ولن يمنعه».

وشرح، انّ احتياطي الذهب يُعتبر اليوم من ضمن أدوات الحلّ، ولا يجوز التفريط به قبل وضع سياسة مالية ورؤية واضحة للخروج من الأزمة، بالاضافة الى التوافق مع صندوق النقد الدولي. عندئذ يمكن البحث في رهن او بيع الذهب، من اجل دعم اعادة هيكلة الدين العام وتصحيح وضع المالية العامة.

وشدّد حمود، على انّ المطلوب اليوم هو الهدوء السياسي وتشكيل حكومة عقلانية، لمعالجة الوضع المالي، بالتوافق مع البنك المركزي وجمعية المصارف، على ان تعيد الوضع الى ما كان عليه قبل حكومة حسان دياب، التي فجّرت الأزمة وتخلّفت عن السداد، وسعت الى القضاء على البنك المركزي والقطاع المصرفي، من اجل حلّ الأزمة.

رنى سعرتي

الى أين يتجه الدولار مقابل الليرة في الايام المقبلة؟

أن يرتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، أمرٌ متوقع ما أن يرفع المصرف المركزي الدعم عن المحروقات والقمح والأدوية، الّا انّ بَدء تحرّك الدولار منذ نحو أسبوعين في منحى تصاعدي يُنذر بالأسوأ، خصوصاً انّ الدعم لا يزال سارياً، فماذا تخبّئ لنا الاسابيع المقبلة مع رفع الدعم؟ وهل من سقوف لسعر الدولار؟

كشفت دراسة أعدّها المتخصّص في عمليات الصيرفة والاستثمار عمر تامو، بالاستناد الى الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان، عن ضَخ المركزي منذ بداية العام حتى مطلع شهر تشرين الاول الحالي مبلغ 13 ألف و180 مليار و140 مليون ليرة، بما يشكّل زيادة لكتلة النقد بالليرة بنسبة 125 %. وبلغ حجم الاموال المتداولة خارج مصرف لبنان (أي التي طبعها المركزي) حتى مطلع شهر تشرين الاول 2020 نحو 23 ألفاً و700 مليار ليرة، في حين كانت الكتلة النقدية المتداولة بالليرة مطلع العام 2019 نحو 5860 مليار ليرة أي بزيادة نحو 300 %، وهذا ما يفسّر كيف انّ طباعة الليرة وضَخّها بالسوق يؤثران سلباً على سعر الصرف.

في السياق، شرح تامو لـ”الجمهورية” انّ المركزي يطبع الليرات ويضخّها في السوق، في حين انّ الكتلة النقدية بالدولار لا تزال هي نفسها ولم يقابلها دخول دولارات جديدة الى لبنان يُعادل الطلب المتزايد على هذه العملة الصعبة، وهذا ما يفسّر التدهور المستمر في سعر صرف الليرة اللبنانية. فالليرة التي يطبعها المركزي لا يوجد في مقابلها أي عملة اجنبية أو ذَهَب يحميها ويحافظ على قيمتها.

تابع: انّ ضَخ الليرة بهذه الكميات في بلد يعتمد بشكل اساسي على الاستيراد يؤثر سلباً على قيمتها، بحيث كلما زادت كميتها في السوق كلما قَلّت قيمتها. فالمشهد مُشابه لسلة مليئة بالليرات اللبنانية باتت تتوازن اليوم مع سلعة غذائية واحدة، في حين كانت تتوازن في الماضي مع سلة استهلاكية كاملة.

وأوضح تامو انّ هناك سببين رئيسيين وراء ازدياد الكتلة النقدية في السوق، هما:

– تحوّل اقتصادنا الى cash economy والحاجة الدائمة الى التعامل بالنقدي، عازياً ذلك الى عدة اسباب أبرزها: تراجع الثقة بالمصارف اللبنانية، والتي دفعت المودعين الى سحب أموالهم من المصارف نقداً خوفاً من فقدانها، بعض تعاميم مصرف لبنان منها الذي أجاز سحب الدولار على سعر 3900 ليرة، بما يعني انه بدل ان تساوي الـ100 دولار 150 ألفاً باتت تساوي 390,000 ألف ليرة، اي هناك حاجة لطباعة المزيد من الاوراق النقدية لتغطية هذا الفارق لتمويل السحوبات.

– إحتساب الدولار اثناء السحوبات النقدية بـ3900 ليرة، في حين يحتسب 1500 ليرة عند الدفع بالبطاقة الائتمانية ما يشكّل خسارة للمودِع. وبالتالي، حتى لو كان المودع يفضّل استعمال البطاقة، فإنه باتَ مُجبراً على استبدالها بالنقدي. كذلك، كان التجار يدفعون في السابق ثمن البضاعة بِغَرض الاستيراد بواسطة البطاقة المصرفية، امّا اليوم فهم مُجبرون على الحصول على الاموال نقداً من المصارف لأخذها الى الصراف وشراء الدولار.

إرتفاع الدولار قبل الدعم؟

وعن تفسيره لارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة في السوق الموازي في الفترة الاخيرة، من حوالى 7200 ليرة الى 8600 ليرة، في حين كان من المتوقع ان يبدأ الدولار مَنحاه التصاعدي بعد رفع المصرف المركزي الدعم؟ يقول تامو: انّ الثقة بالعملة تؤدي دورا اساسيا في سعر الصرف. فاللبنانيون عقدوا آمالاً على قُرب تشكيل الحكومة بدعم أجنبي ومساعدات خارجية بالعملة الاجنبية وتحسّن الوضع الاقتصادي، لكنّ تعثّر التشكيل رغم التدخلات الاجنبية كان له أثر سلبي على سِعر الصرف، يُضاف الى ذلك كل ما يتم تداوله عن توجّه المصرف المركزي الى رفع الدعم على السلع الاساسية، فتدهور سعر الصرف لن ينتظر الى اليوم الذي سيرفع فيه الدعم. وفي هذا الجو السلبي الكلّ بدأ يحتاط من الأسوأ، فالمواطنون لن ينتظروا رفع الدعم لشراء الدولار، وهذا حقّهم، فهم يرون الدولار ملاذاً او خلاصاً في المرحلة السيئة المقبلة، لا سيما انّ كل الاشارات مصرفياً ومالياً واقتصادياً وسياسياً سلبية، الى جانب استمرار ضَخ الليرة في السوق.

مساران: الانهيار أو التحسن

في التوقعات للمرحلة المقبلة هناك مساران: الاول سيئ يُسرّع الانهيار، والثاني ايجابي قد يجمّد الوضع قبل ان يحسّنه، فما العوامل التي قد تؤدي دوراً محرّكاً في أحد هذين الاتجاهين؟

يقول تامو: لا شك انّ رفع الدعم من دون اي خطة إنقاذية سيسرّع من الانهيار لأنه سيدفع بكل التجّار للتوجّه نحو السوق الموازي لشراء الدولار ما سيزيد الطلب عليه بشكل مخيف، وعندها سيزداد الضغط على قيمة العملة اللبنانية، حيث لا سقف لارتفاع الدولار.

في المقابل، إنّ تحسّن سعر الليرة مقابل الدولار يتطلب أوّلاً تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن يكون على رأس اولوياتها الاصلاح وتحريك العجلة الاقتصادية. هذه الخطوة تحسّن نفسية اللبناني وتجمّد ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة، وإذا استكمل هذا المنحى الايجابي بموافقة صندوق النقد الدولي على خطة إنقاذية يضخ على أثرها دولارات جديدة في السوق، الى جانب السير بإصلاحات سيدر التي من المتوقع ايضاً ان تضخّ عملات اجنبية في السوق واستثمارات مع ما ستوفّره من فرَص عمل… كل هذه العوامل الايجابية ستؤدي الى تحسن سعر الصرف. لكن الى اي حد يمكن ان يتحسن فيه سعر الصرف؟ يقول تامو: انّ خطة لازار حددت سعر الصرف بـ 3500 ليرة على ان يرتقع الى 4000 ليرة لاحقاً، لكن حتى الآن لا يمكن معرفة قيمة العملة لأننا لا نعلم بعد حجم الخسائر الاقتصادية ولا حجم خسائر مصرف لبنان والمصارف، مع التأكيد انّ هذه الخسائر زادت بعد انفجار مرفأ بيروت وبعد تداعيات جائحة كورونا، كما من غير المعلوم بعد أيّ نوع صرف سيعتمد، أي هل سيتم تثبيت العملة او تركها ضمن هامش متحرّك.
ايفا ابي حيدر.

المشهد المالي يتغيّر… وأرقام خطة التعافي صارت من الماضي

بعدما أضاعت الطبقة السياسية فرصة تجنيب البلاد المزيد من الانهيار من خلال إفشال المبادرة الفرنسية بنسختها الأولى، ماذا سيكون تأثير هذا الفشل على الاقتصاد المترنّح؟ وهل لا تزال فرص الإنقاذ متوفرة؟

أما وقد وضع ملف التشكيل الحكومي في الثلاجة، ووقفت الطبقة السياسية موقف المتفرج حيال الأزمة المالية الحادة التي يمر بها لبنان مع يقينها الكامل بأنّ لبنان يسير نحو جهنم حيث الانهيار الكبير، ها هي لا تزال بعيدة كل البعد عن المعالجات المطلوبة. فهل تملك ترف الوقت لبقائها في حال المراوحة هذه؟ وما الثمن الذي سندفعه نتيجة تأخر وصول الدعم المالي؟

يقول الوزير السابق عادل افيوني: مرّة أخرى تضيّع الاحزاب الحاكمة فرصة مصيريّة لتجنّب مزيد من الانهيار، وتغلّب المصالح السياسية الضيّقة على الاولوية الوطنية وعلى حاجات البلد والشعب الاساسية.

منذ سنة والبلد ينزف مالياً واقتصادياً ونقدياً ومعيشياً، وأولويتنا كانت ولا تزال الحصول على دعم مادي خارجي سريع لوقف النزيف وتأمين المواد الاساسية وتوفير شبكة حماية اجتماعية ووقف تدهور العملة. وأكد انّ «هذا الدعم المادي الخارجي مطلوب أمس قبل اليوم، والمرجع الوحيد القادر على تأمينه هو صندوق النقد. والمبادرة الفرنسية وضعت خارطة طريق واضحة للوصول الى هذا الدعم سريعاً، وكان علينا تلقفها في أسرع وقت. لكن للأسف ضربت المصالح السياسية والحسابات الحزبية بهذه الفرصة عرض الحائط، وعُدنا اليوم الى نقطة الصفر مجدداً.

وردا على سؤال لـ«الجمهورية» قال أفيوني: في غياب الدعم المادي الخارجي السريع وبرنامج صندوق النقد سيستمر النزيف في الاحتياطي والشح في العملات، ونتيجة ذلك سنشهد ارتفاعاً في الطلب على الدولار ومزيداً من التدهور في العملة وتضخّماً قاتلاً وأزمة معيشية خطيرة.

أضاف: لقد شهد الوضع الاقتصادي والمالي مزيداً من التدهور منذ إعداد الحكومة السابقة خطة الإنقاذ المالي في نيسان، وانخفض الاحتياطي في البنك المركزي بمعدل سريع وتفاقم حجم الخسائر في القطاع المالي. وبالتالي، انّ حاجاتنا الى الدعم التي قدّرتها الخطة بـ10 مليارات دولار ازدادت منذ وضع هذه الخطة في نيسان. أضف الى ذلك، كارثة انفجار بيروت التي أدّت الى خسائر جسيمة اضافية تقدر بـ5 مليارات دولار على الاقل، وهذه بدورها تشكّل حاجات اضافية للدعم الخارجي.

الدعم الخارجي… ومعادلة جديدة

قدّر أفيوني حاجة لبنان الى الدعم الخارجي في السنوات الخمس القادمة بأنها تفوق الـ30 مليار دولار. ويمكن تقسيمها بين دعم الوضع المالي والنقدي وتحفيز الاقتصاد وتأمين شبكة أمان اجتماعية وتعويض خسائر كارثة بيروت… ولا شك انّ جزءاً كبيراً من هذه الاموال يجب تأمينه سريعاً وفي السنة الاولى.

وقال: انّ المعادلة واضحة برأيي: لا خلاص بدون دعم مالي خارجي، ولا دعم مالياً خارجياً بدون اتفاق مع صندوق النقد، ولا اتفاق مع صندوق النقد بدون خطة مالية واصلاحية واضحة، ولا خطة مالية وإصلاحية واضحة بدون حكومة من الكفاءات والاختصاصيين تضع الخطة وتنفذها.

هذا كان أملنا من المبادرة الفرنسية ولكنها أجهضت للأسف، والثمن يدفعه الشعب اللبناني انهياراً مالياً ونقدياً واقتصادياً ومعيشياً موجعاً لا حدود له، والمواطن لم يعد يحتمل هذا الوجع بينما الاحزاب الحاكمة غارقة في المحاصصة.

ماذا عن مصير الخطة الاقتصادية؟

يقول افيوني: انّ الاحداث التي مر بها لبنان منذ نيسان الى اليوم تستدعي تحديث الخطة الاقتصادية لأنّ الوضع استمر بالتدهور منذ إعدادها، والخسائر المالية تفاقمت بسبب انخفاض قيمة العملة وانخفاض الاحتياطي وكارثة انفجار مرفأ بيروت. وبناء عليه، عدّد افيوني أبرز التعديلات التي يجب إدخالها على الخطة الانقاذية، ومنها:

– انّ الحاجة الى الدعم المالي الخارجي في السنوات الخمس المقبلة باتت تتعدى اليوم وبحسب تقديري الـ30 مليار دولار.

– الخسائر الاجمالية في القطاع المالي تغيّرت بفعل انخفاض الاحتياطي وتدهور العملة، ويجب اعادة تقييم هذه الخسائر على هذا الاساس.

– من الضروري إعادة النظر في توزيع الخسائر، وعلى الأخص تخفيف العبء عن المودعين وتوضيح آلية تعويض المودعين وإن جزئيّاً، إذ انّ الخطة السابقة تطرقت الى هذا الامر ولكن بطريقة سريعة.

– من الضروري كذلك الوصول الى حل علمي ومنطقي مع المصارف فهي الدائن الاكبر للبنك المركزي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي على أسس سليمة وعادلة، وهي شرط اساسي لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد.

ايفا ابي حيدر.

الإنهيار في لبنان… “قصة” من إسرائيل

لا تكمن أهمية المبادرة الفرنسية في أنّها فرصة ثمينة لمساعدة لبنان في الخروج من أزمته الخانقة فحسب، بل أيضاً، في كونها قطعت الشك باليقين، عندما أثبتت انّ الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان لم ينتج من حصار خارجي، كما يدّعي أو يتوهم البعض.

ما أثبتته المبادرة الفرنسية، التي ليس معروفاً بعد، اذا ما كانت ستبقى قائمة بعد تداعيات اعتذار مصطفى أديب، أنّ الاميركيين المتهمين بمحاصرة لبنان مالياً للضغط على ايران وحليفها «حزب الله»، لم يعترضوا على الفصل بين السياسة والاقتصاد لإعطاء فرصة لإنقاذ اللبنانيين. وعليه، ينبغي الاعتراف بأنّ المشكلة في مكان آخر. لن يبدّل في الحقائق القائمة الاختباء وراء العوامل السياسية لتبرير الجرائم التي ارتكبتها المنظومة الحاكمة. الكارثة التي يعيشها اللبنانيون اليوم، ونقلهم الى مشهد الفقر وسفن الموت وبطاقات التموين والذلّ، وتحضيرهم للأسوأ، ناتجة من تراكمات وارتكابات وخطايا، مسؤولة عنها المنظومة السياسية المحلية دون سواها.

لمن ينقصه الدليل على أنّ الشروط التي يضعها المجتمع الدولي، كما الأميركيون، لا علاقة لها بالضغط السياسي، من المفيد نقل هذه الـ»قصة» من اسرائيل.

منذ مطلع السبعينيات بدأ الاقتصاد الاسرائيلي يُرسل اشارات وهنٍ وتراجع. ومع مرور الوقت، راحت الاشارات تزداد وضوحاً، وتنبئ بالاتجاه نحو الانهيار. وكانت هناك مجموعة عوامل تقف وراء هذا الوضع، من أهمها التالي:

اولاً- الإنفاق المفرط على المجهود الحربي.

ثانياً- تدفق المهاجرين اليهود باضطراد، والحاجة الى خلق فرص عمل سريعة لاستيعابهم، تتطلّب تمويلاً اضافياً لدمج القادمين الجدد في المجتمع.

ثالثاً- بنية الاقتصاد الذي كان يعتمد سياسة رسمية شبه اشتراكية، لجهة دور الرعاية الموسّع الذي تقوم به الدولة، ومن ضمنه سياسة الفوائد والقروض المدعومة.

رابعاً- مستوى أجور في القطاعين العام والخاص، يتجاوز قدرة وحجم الاقتصاد.

هذه العوامل أدّت الى عجز دائم في الموازنة، اضطرت معه الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة الى الاقتراض والى طباعة العملة (شيكل) لتوفير السيولة. وراح حجم الدين يرتفع، وقيمة العملة تتقهقر.

اتضح للمنظومة السياسية الاسرائيلية، انّه لا بدّ من اجراء تغيير جذري يوقف التدهور الاقتصادي. لكن الحكومات المتعاقبة تحاشت اتخاذ القرار، لأنّه يتضمّن اجراءات موجعة للاسرائيليين، وكان كل حزب يصل الى السلطة يفضّل عدم المجازفة بفقدان شعبيته جراء قرار من هذا النوع. وبدلاً من الذهاب في اتجاه خطة انقاذ حقيقية، حاولت المنظومة السياسية الخطط المجتزأة والخفيفة (Light)، وهي خطط من النوع الذي يراعي عدم المس بالاجور، ويتحاشى فرض رسوم على الناس، ويبتعد عن الاقتطاع الفعلي من الموازنة… بذرائع متعددة. جرى تنفيذ خطتين من هذا النوع في مرحلتين مختلفتين، لكن الامور انتهت الى تسريع الانهيار بدلاً من لجمه.

في مطلع العام 1985، وصلت نسبة التضخم الى حوالى 450%، وكانت التوقعات تشير الى ارتفاعه الى 1000% في العام التالي. وهبطت قيمة العملة الاسرائيلية من 4 شيكل للدولار الواحد الى 1500 شيكل للدولار. وبلغ حجم الدين على الناتج (GDP %220)، وهو أعلى من نسبة الدين على الناتج في لبنان (حوالى 180%)، يوم أعلنت حكومة حسان دياب الإفلاس في آذار 2020. وأدركت المنظومة السياسية في اسرائيل انّ الانهيار صار على قاب قوسين أو أدنى. رفعت الصوت للاستعانة بالأميركي، وكان يومها رونالد ريغان في البيت الابيض، ووزير خارجيته جورج شولتز، الصديق الصدوق لاسرائيل. ورغم الصداقة والمحبة والمصلحة والسياسة، جاء الجواب الأميركي على طلب العون، بأنّ واشنطن مستعدة للمساعدة، لكنها لن تفعل قبل ان تنفّذ اسرائيل خطة اقتصادية اصلاحية شاملة. هذا الشرط سبق أن طلبه الأميركيون من الاسرائيليين قبل العام 1985، لكن الاسرائيليين عاندوا وفضّلوا تجربة الخطط الخفيفة غير الموجعة.

هذه المرة أدركت المنظومة السياسية، وكان على رأسها في حينه رئيس حزب العمل شيمون بيريز، انّ الخيار قائم بين اثنين: اعلان الافلاس والتوقف عن الدفع، أو تأمين التغطية السياسية لخطة انقاذية، كان يعرف مسبقاً انها ستثير غضب الاسرائيليين، لاسيما منهم الطبقة العمالية. واختار بيريز الخطة الانقاذية. ووافق على استقبال خبيرين اقتصاديين، ارسلتهما الادارة الأميركية للمساهمة في وضع الخطة، هما: هيربرت شتاين (Herbert Stein) وستانلي فيشر (Stanley Fischer)، بالتعاون مع خبراء اقتصاد اسرائيليين.

استغرق إعداد الخطة حوالى ثلاثة أشهر، وفق الركائز الرئيسية التالية:

اولاً- السماح بخفض الاجور من 12 الى 14%.

ثانياً- خفض العجز في الموازنة بحوالى 3,8 مليارات دولار.

ثالثاً- إقرار قانون يمنع الحكومة من الاقتراض من البنك المركزي لتغطية العجز.

رابعاً- وقف سياسة القروض المدعومة، وتعزيز نقاط القوة في الاقتصاد الاسرائيلي.

أُطلق على الخطة تسمية «خطة الاستقرار». وعقدت الحكومة الاسرائيلية برئاسة بيريز جلسة ماراتونية، سجّلت سابقة زمنية في تاريخ انعقاد الجلسات الحكومية، إذ استغرقت 19 ساعة مستمرة، وانتهت بإقرار الخطة.

ردّات الفعل الاولية في الشارع لم تكن مرحبة، ونظّم العمال تظاهرات واحتجاجات لمدة ثلاثة ايام، ثم ما لبثوا أن أوقفوا تحرّكاتهم، بعدما لاحظوا انّ الرأي العام لا يدعمهم، اذ انّ الاسرائيليين عموماً كانوا يخشون تبعات الافلاس والانهيار الاقتصادي.

لا حاجة للحديث عن الاقتصاد الاسرائيلي اليوم الذي أصبح في مكان آخر. لكن تنبغي الاشارة الى النتائج الفورية لتنفيذ الخطة في العام 1985. فقد اشارت ارقام العام 1986 الى انّ التضخّم (Inflation) تراجع من 450% الى 20%. والعجز في الموازنة الاسرائيلية قياساً بالناتج، هبط من 15% الى صفر. وحجم القروض هبط بنسبة 33%.

خلاصة هذه القصة لا تحتاج الى شرح مستفيض، والعبرة الاساسية فيها انّ الانهيار كما الانقاذ في لبنان، من صنيعة ومسؤولية المنظومة السياسية دون سواها. وبصرف النظر عن الاخطاء والارتكابات المتراكمة منذ سنوات طويلة، لو عرفت هذه المنظومة أن تتخذ القرار في الوقت المناسب، لأمكن تحاشي الافلاس. ولو تلقفت هذه المنظومة المبادرة الفرنسية بالأمس، لأمكن تحاشي تعميم الفقر. وغداً، قد تكون هناك فرصة أخرى لكنها قد تكون مخصّصة لتحاشي المجاعة ليس إلّا، ومن غير المستبعد أن يتمّ هدرها هي الأخرى.

قال وقيل بين الفرنسيين والمصارف: ماذا عن الهيركات؟

أثار الكلام الذي صدر عن الجانب الفرنسي في شأن الودائع المصرفية في لبنان، تساؤلات حول الخطوط العريضة لخطة الإنقاذ الجديدة التي قد ترى النور، في حال أقلعت المبادرة الفرنسية. فهل أصبح الـHAIRCUT أمراً واقعاً لا بدّ منه، وماذا عن بقية العناوين في الخطة العتيدة؟

يُجمع كل من يتعاطى الشأنين المالي والاقتصادي، انّ أهم عنصر إنقاذي في المرحلة المقبلة، سيرتبط بنقطتين:

 

اولاً- طبيعة الخطة التي سيتمّ تبنّيها للخروج من الأزمة.

ثانياً – الجدّية في تنفيذ مندرجات الخطة.

 

من هنا، يمكن تفسير التحركات الاستباقية التي يقوم بها القطاع المصرفي اللبناني، ومن ضمنها الزيارة التي قام بها وفد منه الى باريس، في محاولة للتفاهم على الخطوط العريضة للخطة الجديدة.

 

ورغم انّ التفاصيل والنتائج العملية المحتملة لهذه الزيارة لم يتمّ الكشف عنها، إلّا أنّ العناوين التي تحملها المصارف معروفة، وهي سبق وأعلنتها بوضوح في خطّتها الانقاذية التي قدّمتها في بيروت. من هنا، كان التركيز على معرفة ردّ الفعل الفرنسي، ومدى التجاوب مع هذه الطروحات. ومن خلال بعض التسريبات والمواقف المُعلنة، يمكن الاستنتاج انّ باريس، كانت لديها تساؤلات على بعض النقاط المطروحة، ومن أهمها، فكرة الحفاظ على الودائع كاملة، وعدم اللجوء الى أي نوع من أنواع «الهيركات».

 

ورغم انّ الفرنسيين لم يطالبوا بالهيركات، لكنهم طرحوا اسئلة وعلامات تعجّب في شأن الطريقة التي يمكن ان تحمي من الهيركات، طالما انّ الودائع التي وضعتها المصارف في مصرف لبنان قد جرى استخدامها. وبالتالي، يصعب القول انّ في الامكان استرجاع هذه الاموال، من دون عملية جراحية لاقتطاع قسم منها. في المقابل، أبدى الجانب الفرنسي تجاوباً مع فكرة إشراك الدولة اللبنانية في عملية الإنقاذ المالي، من خلال انشاء صندوق سيادي لإدارة الاصول.

 

من الواضح أنّ الفرنسيين يعتمدون مبدأ الإجراءات الموجعة، لأنّها برأيهم اكثر فعالية في إنجاح خطة الإنقاذ، خصوصاً في الوضع الحالي، أي بعد مرور اكثر من ستة أشهر على اعلان الحكومة اللبنانية التعثّر والتوقّف عن الدفع، ومن دون وجود قانون «كابيتال كونترول»، وفي ظلّ سياسة الدعم التي يتمّ تنفيذها حالياً.

 

وفي السياق، يعتبر الفرنسيون انّ ما كان ممكناً قبل 7 آذار 2020، أصبح أصعب بعده، وأنّ الإجراءات التي كانت كفيلة بالإنقاذ بعد هذا التاريخ ببضعة اسابيع، لم تعد كافية اليوم، وصار هناك حاجة الى وجع اضافي. وكلما تمّ شراء المزيد من الوقت من دون اجراءات، كلما صار الوجع المطلوب أعمق وأكثر حدّة. ومن هنا، ورغم انّ الفرنسيين تفهّموا وجهة نظر المصارف في توصيف الأزمة وتوزيع المسؤوليات، مع التركيز على مسؤولية الدولة والمنظومة السياسية، إلّا أنّهم لم يقتنعوا، على ما يبدو، بإمكانية الإنقاذ من دون «هيركات». واعتبروا انّ هذا الأمر كان مُتاحاً، لو تمّ إقرار قانون «كابيتال كونترول» وبدأ لبنان التفاوض مع الدائنين، وجرى إقرار خطة عملية موحّدة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي. إلاّ أنّ كل ذلك لم يحصل، واستمر استنزاف ما تبقّى من أموال ومن بقايا ثقة، بما جعل الوضع ينتقل الى مرحلة جديدة أكثر تعقيداً من ذي قبل.

 

في المقابل، اقتنع الجانب الفرنسي بضرورة الحفاظ على القطاع المالي في لبنان من خلال المصارف. لكن في المقابل، سيكون على المصارف أن تساهم بقوة في تحمّل نسبة كبيرة من الخسائر. المفارقة هنا، انّ الفرنسيين يتبنون نظرية انّ الدولة ربّ عمل فاشل، وهذا التوصيف ينطبق على الدول التي لا تعاني من نسبة فساد سياسي مرتفعة، فكم بالحري بالنسبة الى دولة، كما لبنان، يُعتبر الفساد السياسي فيها قاعدة، والنزاهة استثناء نادر.

 

يبقى أن تتمّ الاجابة عن السؤال التالي: اذا تمّ التسليم بحتمية اجراء «هيركات» على الودائع، ما هي الشريحة التي سيشملها الاقتطاع، وما هي النسبة، وما هو نوع «الهيركات» الذي سيُعتمد؟

 

الإجابة عن هذا السؤال المتعدد الجوانب، ترتبط بالتوقيت الذي ستختاره السلطة للبدء في تنفيذ خطة الإنقاذ، وبالإجراءات التي ستسبق الخطة ومن أهمها «الكابيتال كونترول». وعلى سبيل التوضيح، لو تمّ إقرار قانون «الكابيتال كونترول»، بعد 17 تشرين الاول 2019، كما طالبت المصارف في حينه، لوفّرنا خروج مليارات الدولارات، ليس بالنسبة الى ما يُعرف بالودائع المهرّبة، بل من الودائع الائتمانية المودعة في مصارف خارجية، والتي اضطرت المصارف اللبنانية الى تحريرها في غياب «الكابيتال كونترول».

 

في النتيجة، لم يُصدر الفرنسيون قرارات جازمة عقب حواراتهم مع المصارف اللبنانية، لكن الروحية التي سادت تعكس تفهّماً للوضع. وما يركّز عليه الفرنسيون اليوم، تأمين التغطية السياسية لإنجاح أي خطة إنقاذ يتمّ التفاهم عليها. ولا يحتاج الفرنسيون الى نماذج للتأكّد من أنّ القرار السياسي وحده يضمن نجاحات الخطط، اذ يكفي أن ينظروا الى اسرائيل، الجارة القسرية للبنان، وأن يتابعوا ما جرى فيها في 1 تموز 1985، وما حصل لاحقاً، لكي يتيقنوا أنّ أحسن الخطط الاقتصادية في العالم لا يمكن أن تنجح بلا تغطية سياسية، وأنّ القيادات السياسية لا تجرؤ من تلقاء نفسها على إقرار الخطط الإنقاذية الموجعة. في اسرائيل، مارست الولايات المتحدة الضغط المُحبّب، وفي لبنان تحاول فرنسا أن تمارس على المنظومة السياسية الضغط نفسه. اذا نجحت نجح الإنقاذ، وإذا فشلت إنهار الاقتصاد اكثر مما هو منهار.

انطوان فرح.

احتياطيات الغاز في لبنان تتراوح بين 80 و 140 مليار دولار والنفط 90 ملياراً

خبير النفط والغاز فادي جواد: ثروة لبنان النفطية تزيح عنا شبح العتمة لـ20 عاماً

كان من المفترض أن تقدّم شركة “توتال” التي قامت بأعمال الحفر بالبلوك رقم 4 بحثاً عن الغاز، دراسة عن نتيجة الحفر الأوليّة التي أجرتها لفترة شهرين في لبنان، ومقارنتها بالدراسات الجيوفيزيائية التي على أساسها تمّ الحفر في هذه البقعة وذلك لتسهيل عملية اختيار الموقع المناسب لحفر البئر في المرحلة المقبلة، إلا أن هذه الدراسة لم ترَ النور بعد لغاية اليوم. فالحفر في البلوكين 4 و9 اللذين يعوّل عليهما الكثير في استكشاف الغاز، يعتبر ضمن البنود التي يجدر بالحكومة الجديدة الشروع بها بشكل سريع فور تشكيلها نظراً الى التداعيات الإيجابية التي ستتركها على الساحة الإقتصادية و”الكهربائية” للبلاد. فما هي الآمال المعلقة على تجديد الحفر في البلوكين المذكورين وما هي نتائج الثروة النفطية المرجوّة على الإقتصاد؟

نتائج الحفر المعلنة في البلوك رقم 4 لفترة شهرين بدءاً من شباط، لم تأت كما اشتهاها اللبنانيون، اذ أنها بيّنت بخجل العثور على آثار الغاز. ووفقاً لدراسة عالمية في مثل تلك النتيجة إن 1 من 4 آبار تعطي النتيجة المرجوة والامل في استكشاف الكمية التجارية المطلوبة. من هنا يقول خبير اقتصاد النفط والغاز فادي جواد إنه يجب دراسة نتيجة الحفر الاولية جيداً ومقارنتها بالدراسات الجيوفيزيائية التي على اساسها تمّ الحفر ما يقلل من عامل المخاطرة Risk Factor وبالتالي ستعيد “توتال” تقييم الموقف لتأخذ القرار باختيار موقع البئر المقبل الجديد بالتعاون مع هيئة ادارة قطاع البترول الوطنية التي ستقيم من جهتها الدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية للمنطقة وتضمها لنتائج الحفر وهذا سيساعد الجانب الوطني على مناقشة “توتال” في اقتراح الموقع الجديد المقترح لحفر البئر الجديدة والموافقة عليه من عدمه او اقتراح موقع افضل”.

تجديد الحفر

وحول إمكانية تجديد أعمال الحفر في البلوك 4 رغم النتائج غير المرضية، خلال الفترة المقبلة، يؤكّد جواد أن إتفاقية الالتزام بين لبنان وشركات التحالف (التي رست عليها مناقصة كل من بلوكي 4 و 9 وفاز الكونسورتيوم المؤلف من توتال الفرنسية التي تقود وتدير التحالف و نوفاتاك الروسية وإيني الإيطالية )، تقوم على ان يكون عدد الآبار 3 في مدة 3 سنوات وتمدد لسنة واحدة بموافقة الحكومة اللبنانية لحفر بئر اضافية. على أن تعيد الحكومة تلزيمها لشركات أخرى أكثر إحترافية في تقنيات استكشافية خاصة بها كما حصل مع شركة “شلّ” والحكومة المصرية حيث اعادت تلزيم حقل زُهر لشركة “إيني” الايطالية والتي استكشفت اكبر حقل غاز في منطقة حوض المتوسط وسبب فشل “شل” كان حفرها أعماقاً ضحلة !

وحول التزام شركات التحالف بالاتفاقية او انسحابها منها بسبب النتائج غير الإيجابية في البلوك رقم 4، اشار جواد الى أن العكس هو الصحيح، فالنتائج فوق الممتازة في البلوك رقم 4 كان يجب ان يطلع عليها اللبنانيون في بداية شهر تموز الماضي حسب وعد “توتال” عن حاجتها لشهرين لدراسة نتائج الحفر التي حصلت عليها خلال شهر شباط الماضي ولكن تم تأخير نتائج الاعلان للوصول الى تسوية في المنطقة.

ويضيف: وبذلك وفور وضوح الرؤية الجيوسياسية للمنطقة ستبدأ الحفارة بإنجاز ما عليها ونصب اول بئر لبنانية في هذا البلوك وعلمت أن “توتال” متحمّسة للسيطرة على البلوكات حيث استأجرت 4 طوابق لطاقم عملها الشهر الماضي في بيروت وهذا دليل على ما هو موجود وقادم.

وما هي مجريات الأمور في المرحلة المقبلة؟

يؤكّد جواد انه من الناحية الفنية وحسب الالتزام المبرم، يكون التوجه لحفر بئرين في المرحلة المقبلة بعد اصدار النتائج التي كانت متوقعة خلال شهري حزيران وتموز الماضيين، ومن الناحية التقنية من الصعب ان نعطي نتيجة بلوك 4 قبل استكمال الدراسات للبئر الاولى حيث يحفر في مكان غير معروف ومنطقة عذارء تسمى Wild Cat وبعد الدراسات ستتحدث توتال وتعلن اذا ستكمل في هذا البئر وتقوم بـ well appraisal وباعتبارها اول بئر تحفر في منطقة Wild Cat ونسبة نجاحه 1 من 4 على احسن تقدير يعني من الممكن حفر 3 آبار ويكتشفون الكمية في البئر الرابع ومن الممكن الا تجد شركات التحالف شيئاً وتأتي بعدها شركة اخرى وتستكشف كميات تجارية كما حدث في كثير من الدول.

وبالنسبة الى المعلومات التي حصلت عليها “توتال” إثر استكشافها البئر الأولى، يقول إن المعطيات الموجودة حالياً هي معلومات “سايزمية ” حيث تبيّن وقت ارسال ورجوع الموجات وتعطي رسومات تقريبية للاعماق وبالنسبة الى الكميات التي يتكلم عنها الاميركيون نحو 90 تريليون قدم مكعب باعتبارها احتياطياً Reserve وهذا ليس صحيحاً فهي كميات موارد Resources متوقعة لتتحول الى احتياطي، يكون موارد ويتحول الى علمية الاكتشاف Discovery ومن ثم مرحلة الاستكشاف التجاري Commercial Discovery ومنها يبدأ تحديد الاحتياطي Reserve وبعدها 3 مراحل: Proven Reserve،Probable Reserve Possible Reserve.

إحتمال وجود الغاز

ويعتبر أن احتمال عدم وجود غاز في البلوك رقم 4 هو ضعيف جداً اذ أن اول بئر تعطينا المعلومات الخاصة بالطبقات الجيولوجية والمحدّد فيها المكمن وبعدها يعاد رسم كل الخرائط نتيجة التعرف على السرعات الخاصة بالموجات والمكان الحقيقي وتحويل الخرائط الى خرائط واقعية اكثر وضوحاً من الاولى وبالتالي الوصول الى المكمن الخاص بهذا البلوك.

أما عن كيفية التأكّد من وجود غاز في المياه اللبنانية، فيشير الى أن “الاكتشافات النفطية تختلف بين بلوك وآخر ومن خبرتنا يوجد بلوك منتج ملاصق لبلوك غير تجاري تم اقفاله وبلوك بحجم 30 تريليون قدم مكعب يجاوره بلوك يحتوي على 2 تريليون قدم مكعب، فبالتالي اذا لم توفق شركات التحالف في الوصول الى استكشاف تجاري في بلوك 4 يجب المسارعة الى تلزيمه لمجموعة اخرى مثلما حصل مع توتال في حقل “زُهُر” المصري حيث خرجت منه بسبب عدم وصولها لأي استكشاف وكان نصيب الاستكشاف بعد اعادة تلزيمه لشركة ايني الايطالية وكان الحقل الاكبر في البحر المتوسط، وبالتالي عملية استكشاف الغاز هي المرحلة المهمة في عالم النفط والغاز وتحتاج الى مهارات فنية عالية من قبل الفنيين بالتعاطي مع الجيولوجيا وتحليل البيانات.

وبالنسبة الى البلوك 4 النتائج الاولية مبشّرة اذ تفيد عن وجود غاز في مستويات متعددة من الحفر بالاضافة الى العناصر الاساسية لوجود هيدروكربون ونحن بانتظار التقرير النهائي من شركة “توتال” لتحليل البيانات والعينات الذي تأخر 7 أشهر بدل ان يصدر خلال 60 يوماً وهي الفترة المطلوبة لنشر النتائج !

وفور إعلان النتيجة وخصوصا اذا كانت مبشّرة سيدفع التحالف الى الانطلاق نحو حفر البئر الاختياري غير الالزامي والتوجه الى التفتيش عن المكمن المنتظر وخصوصاً ان طبقة الصخور التي بلغت 1000 متر في البلوك رقم 4 كانت غنية بالهيدروكربون وهذا ما يدعوني الى التفاؤل بأنه يوجد كمية تجارية مهمة، ومن جهة اخرى سيعزز وضع الدولة اللبنانية في قوة التفاوض على البلوكات الثمانية بالاضافة الى انه سيفتح شهية الشركات البترولية العالمية للدخول بقوة في دورة التراخيص الثانية وخصوصا الشركات الاميركية التي سنشهد تواجداً لها قوياً في الفترة القادمة.

البلوك 9: كمّيات كبيرة

وحول البئر الموجودة في البلوك 9 والتي يقال إنها تحوي كميات كبيرة من الغاز لقربها من حقل غاز زُهُر المصري الذي يضم كميات كبيرة من الغاز، يوضح جواد أننا “بانتظار العمل على البلوك رقم 9 في اسرع وقت من دون اي تأخير وخصوصاً ان العمل في بلوك رقم 4 قد توقف وبالنسبة الى رقم 9 فمؤشراته اعلى في النجاح بوجود كمية مبشرة نظراً لقربه من حقل “كاريش” الاسرائيلي والذي حفر وظهرت نتائجه الجيولوجية ودخل مرحلة الاستخراج كما ان البلوك رقم 9 قريب جداً من عدد كبير من البلوكات المصرية والاسرائيلية الغنية بالغاز مثل تامار ليقياثان افروديت وزُهر والتي استكشفت فيها كميات تجارية وصلت الى 30 تريليون قدم مكعب وليقاثيان 18 تريليوناً”.

وفي حال العثور على الغاز والنفط ماذا سيتغير في لبنان حالياً ولاحقاً علماً أن الفوائد المادية سيلمسها لبنان بعد 7 او 10 سنوات وفق أقلّ تقدير. اذا كانت البلاد لا تزال قائمة؟

تقدّر ثروة لبنان بنحو 30 تريليون قدم مكعب و850 مليون برميل من النفط، “قيمة احتياطيات الغاز في لبنان تتراوح بين 80 و 140 مليار دولار، وإحتياطيات النفط نحو 90 مليار دولار للفترة الممتدة بين عامي 2020 و2039. وبناءً على الاتفاقية فإن الدولة ستحصل على ما يقدر بنحو 56% إلى 71% من إيرادات الرقعة البحرية رقم أربعة، و55 إلى 63% من الرقعة رقم تسعة، ومن المعلوم أن 20 تريليون قدم مربّعة فقط كفيلة بتوفير الطاقة على مدار الـ 24 ساعة يومياً لمدة عشرين سنة، بحسب هيئة إدارة قطاع النفط في لبنان وهذه أهمية اكتشاف الغاز على سواحل لبنان”.

وبالتأكيد اذا لم يواكب الاكتشافات مرحلة مواكبة لها وهي تطوير صناعة البتروكيماويات التي تعتبر مستقبل الصناعات النفطية في العالم والتي تســعى جميع الدول النفطيــة لتطويرها واذا لم نطور الاقتصاد الانتاجي قبل بدء العائدات البترولية يرى جواد أن “هذه الصناعة ستنضمّ للاقتصاد الريعي ولا اعتقد ان تحقيق العوائد سيستغرق 7 سنوات اذا وجدت الارادة السياسية للتسريع في اخذ القرارات والاجراءات”.

سيستغرق انتاج النفط فترة تتراوح بين 3 و 5 سنوات وخصوصاً اننا بلد غير نفطي ولا نملك البنية التحتية والكفاءات المطلوبة مثل دول الخليج القادرة على الاستفادة من اي اكتشاف نفطي جديد بربع المرحلة الزمنية، لذلك من الضروري الإسراع في بدء الحفر في بقية البلوكات بعد التلزيمات المطلوبة والتي كنا منتظرين الدورة الثانية اوائل 2020، إذ إن الاسرائيليين بدأوا الحفر في حقل “كاريش” الذي يبعد حوالى 7 كلم عن البلوك رقم 9 وبالتالي يقفون على حوض خزان واحد ما يستوجب الضغط لايقاف العمل في حقل “كاريش” لحين الوصول الى تفاهم دولي على الكميات المسموح سحبها من قبل كل من الدولتين ما يحمي حقوق الشعب اللبناني في ثروته النفطية”.

بدء الحفر ضروري لإيقاف عمل “كاريش”

ايفا ابي حيدر

هل تُنقِذ البورصة أموال المودعين؟

يومها كنت أشغل منصب رئيس بورصة بيروت، وعملت جاهداً على إقناع المسؤولين بأنّ البورصة لا يمكن لها أن تعيش على الفتات الذي يسقط من مائدة المصارف. فسياسة الفوائد المرتفعة والإحجام عن الخصخصة وتداول سندات الخزينة خارج البورصة، وتوجيه الشركات للاستدانة من القطاع المصرفي حصراً دون تكوين رأسمالها عبر اكتتابات تُطرَحُ في البورصة، كانت تحول دون تأمين إطار الأمان. عوضاً عن ذلك، كان الإصرار على النفخ في إطار المصارف حتى إنتفخ الإطار وانفجر.

كثر الكلام عن مشاريع الخصخصة ما بين العامين 2000 و2004، فتمّ وضع عددٍ من التشريعات المتعلقة بها، وكان الإهمال لدور البورصة جلياً. ولما اعترضتُ كرئيس لبورصة بيروت في ذلك الحين، مستنداً الى دراسات ناقشها الاتحاد العالمي للبورصات، عن دور الخصخصة في النهوض بكبرى بورصات العالم، وتعميم ثقافة الاستثمار على المواطنين، جوبهت بجواب فحواه: «لو أعطينا لشركة ما حصرية الإستثمار في كهرباء لبنان من خارج البورصة لحصَّلنا ثمناً اعلى مما لو طرحناها في بورصة بيروت». علماً أنّ اقتراحي كان بأن يشارك الشعب اللبناني بـ 49% من خصخصة كهرباء لبنان عبر بورصة بيروت، فيما تؤول الإدارة ونسبة 51% الى شريكٍ استراتيجي أجنبي.

طبعاً لم يؤخذ بإقتراحي في حينه، لتبقى أموال الشعب نائمة في المصارف تغذّي الدين العام، وليتصارع السياسيون على حصص الخصخصة، فتطوى صفحتها ونصل الى ما وصلنا اليه من خسائر.

واذكر أيضاً، انّ المصارف كانت تُثني الشركات عن الإدراج في البورصة، مقترحة عليها التسليفات بدلاً من اللجوء إلى البورصة. لقد عملت جاهداً في احدى المرات على إقناع كبير المساهمين في شركة لبنانية ذات امتدادات اقليمية، بإدراج شركته في البورصة، وكان في صدد تقديم طلب الإدراج، حتى أتاه أحد المصرفيين ليثنيه قائلاً: «لماذا الإدراج في البورصة، أنا أؤمّن لك التمويل اللازم عبر المصرف، فلا حاجة بك للإدراج».

أما سندات الخزينة، فقد عانينا الأمرّين حتى تمّ إدراجها في بورصة بيروت؛ الّا أنّ المصارف أصرّت على التداول بها حصرياً في ما بينها.

وأروي الحادثة التالية: في أحد الأيام فوجئت بأمر بيع لعدد من سندات الخزينة ظَهَرَ على شاشة التداول أمامي، واعتقدت للحظات أنّ المصارف اقتنعت بأنّ التداول بسندات الخزينة على الملأ وبالشفافية التي تؤمّنها البورصة هو الخيار الصائب. وكم خاب ظني عندما تمّ سحب أمر التداول بعد دقائق قليلة، ليفيدني صاحب أمر البيع بأنّ احد المصارف الناشطة في مجال سندات الخزينة عرض عليه شراء سنداته بأي سعر يقترحه دون قيد، ولكن بشرط واحد، وهو سحب أمر البيع عن شاشة البورصة، منعاً لكشف هامش التسعير الواسع التي كانت تستفيد منه المصارف.

وها انّ المودعين يتهافتون اليوم على شراء أسهم شركة واحدة غير مصرفية مدرجة في البورصة للهروب من القطاع المصرفي، رغم مخاطر الاستثمار في الأسهم. نعم أصبحت شركة «سوليدير» ملاذاً للمودعين الذين يتهافتون على أسهمها اليوم، كقارب نجاة بعد غرق «تيتانيك» المصارف. ولكن، وإن كانت القيمة السوقية لشركة «سوليدير» تقارب المليارين وخمسماية مليون دولار، إلّا أنّها تتوزع على أسهم معظمها مملوكة من مجموعات كبيرة متمسكة بها، ما يجعل عدد الأسهم المتاحة للتداول قليلاً جداً.

فما هي حسنات ومخاطر الاستثمار في أسهم شركة «سوليدير»:

الحسنات:

– قامت شركة «سوليدير» أخيرا ببيع عقارات مكّنتها من تسديد الجزء الأكبر من ديونها.

– إعادة هيكلة الإدارة والتقشف في المصاريف، لعبا دوراً ايجابياً في تحسين الوضعية المالية للشركة.

– المساهمون الجدد لم يدخلوا أخيراً ليتخارجوا من مساهماتهم بفترة وجيزة أو أقله قبل تحقيق أرباح كبيرة على سعر أسهمهم.

– الاستثمار في أسهم الشركات المدرجة في البورصة مفتوح لرؤوس الأموال مهما صغر حجمها.

– امكانية تسييل الأسهم شبه فورية لصغار المساهمين. كما أنّها يمكن أن تكون جزئية بحسب الحاجة إلى السيولة.

– مع منع التحاويل إلى الخارج انتفت إمكانية شراء أسهم الشركات العالمية وانحصرت ببورصة بيروت.

– التحليلان الأساسي والفني يعطيان مؤشرات إيجابية تجاه الشركة.

– تمسّك حاملي الأسهم بها، لأنّ أي تسييل لمساهماتهم يعني عودة مدخراتهم إلى آتون الحسابات المصرفية من جديد.

السيئات:

– إنّ أداء الأسهم العقارية يبقى مرهوناً بنجاح أو فشل إدارة الشركة، فيما امتلاك عقار بطريقة مباشرة يجعلك سيداً وحيداً على استثمارك.

– امكانية التلاعب بسعر السهم من قِبل كبار المضاربين تبقى احتمالاً وارداً.

– إنّ الإداء السابق للشركة ما زال عالقاً في ذهن اللبنانيين.

– الجدل السياسي حول الشركة يبقى عائقاً امامها، كما انّ موقعها في صلب التظاهرات له سلبيات جمَّة.

وبناءً على ما سبق اطرح الأسئلة التالية؟

– كانت «سوليدير» سابقاً الشركة الأكثر تأثراً بالأحداث الأمنية والسياسية، أما الآن فنرى سعر السهم يرتفع في اليوم نفسه الذي تُحرق فيه المحال التجارية في وسط بيروت وينفجر المرفأ. هل لأنّ سهم «سوليدير» أصبح أكثر ارتباطاً بارتفاع سعر الدولار منه بالأحداث؟

– هل سيتعامل حاملو أسهم «سوليدير» مستقبلاً مع طالبي الشراء كمالكي العقارات حالياً، فيحتسبون سعر السهم بحسب سعر الدولار في السوق السوداء؟

– هل من باب الصدفة أنّه بعد استنفاد كافة الحلول تصدر التعاميم حول مساهمة المودعين بأسهم المصارف عبر البورصة، أو تطالب المصارف بخلق صندوق يجمع ممتلكات الدولة، تُطرح أسهمه في البورصة؟

– صدر قانون الاسواق المالية في العام 2011 بعد مخاض دام 14 عاماً واقرَّ خصخصة بورصة بيروت خلال عام من صدوره، ثم عدنا وانتظرنا حتى العام 2017 لاصدار المرسوم المتعلق بخصخصتها. أو تعلمون أنّ خصخصة بورصة بيروت ما زالت عالقة تنتظر تعيين عضوين مؤقتين لمهمة مدّتها لا تتعدّى السنة الواحدة؟ لماذا؟

– هل كان علينا انتظار خراب البصرة لنتذكر إطار الأمان الذي تحدث عنه بيل وليامس؟

التجربة المصرية بين عامي 2016 و2018 تخبرنا بأنّ الارتفاع الحاد في سعر الدولار مقابل الجنيه المصري وفقدانه من الأسواق، ترافق مع ارتفاع حاد مماثل بمؤشر البورصة المصرية. وهنا أرى الأزمة المالية في لبنان تطل علينا لتقول: البورصة والعقار من أمامكم والمصارف من ورائكم، فتمسكوا بإطار الأمان ولو متأخّرين.

د. فادي خلف.

مصارف آيلة للسقوط في غضون ستة أشهر

في الأشهر القليلة المقبلة، تبدأ التغييرات الفعلية في المشهدين الاقتصادي والمالي في البلد. وبعد مرور حوالى 6 أشهر على إعلان حكومة حسّان دياب التعثّر والتوقّف عن الدفع، عادت الامور الى المربّع الاول، وتمّ تسجيل خسائر إضافية بحوالى 15 مليار دولار.

لا يمكن رسم خريطة طريق للمشهد المالي والاقتصادي في الاشهر القليلة المقبلة، قبل استشراف الوضع السياسي. بين أن تنجح المبادرة الفرنسية، ونشهد ولادة حكومة مستقلين وأخصائيين، أو أن تفشل ونعود الى نقطة الصفر على المستوى الحكومي، الفرق شاسع بين المشهدين على كل المستويات. ومع ذلك، هناك حقائق على المستوى المالي لن تتغيّر كثيراً، ومن أهمها:

أولاً – سيضطر البنك المركزي الى تكبير حجم الكتلة النقدية بالليرة بسبب ازدياد الحاجة الى توفير سيولة إضافية تغطي جزءاً من الانفاق الحكومي، وتؤمّن ربما أرباحاً اضافية للمركزي (seigniorage). وهذا الامر يزيد الضغط على الدولار، ويُسهم في تراجع اضافي في سعر صرف الليرة.

ثانياً – حاجة الدولة الى الاموال سترتفع بنسبة تتراوح بين 30 و35 %، وربما أكثر. هذه الحاجة تعكسها بوضوح أرقام المالية العامة عن النصف الاول من 2020، إذ تُبيّن مدى تراجع الايرادات الناجمة عن الضرائب المباشرة وغير المباشرة. هذا التراجع الذي وصلت نسبته العامة في 6 أشهر الى حوالى 32 %، بما يعني عملياً انّ 85 % من مداخيل الخزينة حتى نهاية العام 2020 ستذهب لدفع الرواتب. كذلك يُستدلّ من تراجع إيرادات الضريبة على القيمة المضافة (TVA) بنسبة 50 %، انّ أداء القطاعات الخاصة يتراجع بسرعة دراماتيكية، بالاضافة الى الدلالات المتعلقة بتراجع القدرة الشرائية للمواطن. هذه النسبة، مرشّحة للارتفاع الى ما يقارب الـ65 % حتى نهاية العام، الأمر الذي يعكس وجود كارثة اقتصادية بكل المقاييس.

مع الاشارة هنا الى أنّ هذه الارقام المُقلقة تأتي في ظل تراجع الانفاق على فوائد الدين العام الى مستويات غير مسبوقة بسبب توقف الدولة عن الدفع. وعلى سبيل المثال، دفعت الخزينة حوالى مليارين و700 ألف دولار فوائد حتى حزيران 2019، مقارنة مع حوالى مليار و300 مليون دولار حتى حزيران 2020. بما يعني انّ الانفاق تراجع اصطناعياً بنسَب كبيرة. لكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، قبل أن تتم مراجعة موضوع الدين برمّته، واتخاذ قرار في شأن إعادة الهيكلة والجدولة، ونسبة الحسومات التي سيتمّ الاتفاق عليها لتسوية مسألة التوقّف عن دفع استحقاقات اليوروبوندز، واستحقاقات الفوائد المتراكمة.

ثالثاً – من المتوقّع أن يشهد القطاع المصرفي تغييرات جذرية من حيث الشكل والمضمون، إذ بدأت إدارات المصارف التحضير للمرحلة المقبلة، والتي يُفترض أن تتمّ خلالها زيادة الرساميل بنسبة 20 %، أي ما يوازي 4 مليارات دولار. هذا المبلغ قد يتم تأمين 40 % منه عبر عمليات بيع الوحدات المصرفية التابعة للمصارف اللبنانية في الخارج. لكن المبلغ المتبقّي، والذي لا يقلّ عن مليارين و200 مليون دولار، يُفترض تأمينه من المساهمين الحاليين أو من المساهمين الجُدد، وهذا الأمر قد لا يتوفّر لكل المصارف التي قد تجد نفسها مُرغمة على «الاستسلام» لمصرف لبنان الذي سيضع يده عليها ويتولى إدارتها مرحلياً، قبل تحضيرها للبيع لاحقاً الى مستثمرين جُدد.

هذه الحقائق ثابتة، سواء شهدنا ولادة حكومة وإقلاع المبادرة الفرنسية أم لا. لكنّ الفرق في المشهد بين السيناريوهين انّ هذه الوقائع ستتفاقم أو تتحلحل وفق الوضع السياسي. على سبيل المثال، في الملف المصرفي، يمكن أن نشهد التالي:

– في حال إقلاع الحكومة، واستقرار الوضع السياسي، وبدء تنفيذ خارطة الطريق التي جرى الاتفاق عليها مع الفرنسيين، سيكون عدد المصارف العاجزة عن تلبية متطلبات زيادة الرأسمال حتى نهاية شباط 2021 لا يتجاوز عدد أصابع اليد. وسيكون من السهل، وفي فترة زمنية قصيرة نسبياً، نقل ملكية هذه المصارف الى المستثمرين الجدد، أو دمجها مع مصارف قائمة وقادرة على الاستيعاب.

– في حال تعثّر المبادرة الفرنسية، والدخول في مرحلة إضافية من العقم السياسي، قد يتضاعف عدد المصارف التي ستعجز عن رفع رساميلها الى المستويات المطلوبة. ذلك انّ إيجاد مستثمرين حاليين أو جدداً مستعدين للاستثمار في القطاع في ظروف سياسية غامضة، أمر شبه مستحيل. وبالتالي، قد نكون أمام مشهد سقوط من 10 الى 12 مصرفاً في أحضان مصرف لبنان. وسيكون المركزي في وضع لا يُحسد عليه في إدارة هذه المصارف وتحضيرها للبيع. أولاً، لأنّ ّإمكانات الدعم والادارة الرشيدة في هذه الظروف ستكون صعبة، خصوصاً انّ مصرف لبنان لن يكون في وضع مالي طبيعي يسمح له بتخصيص موازنات كافية لضمان نجاح التجربة. وثانياً، لأنّ مصرف لبنان لن يجد مستثمرين جدداً، كما لن يكون في مقدور المصارف القائمة استيعاب هذه المصارف. وبالتالي، ستكون المعضلة صعبة ومعقدة.

هذا نموذج واحد من نماذج عدة يمكن إيرادها للدلالة على الفرق الذي سيحدثه المشهد السياسي في الاشهر القليلة المقبلة. صحيح أنّ الوضع المالي والاقتصادي، وفي كل الحالات، لن يكون طبيعياً، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ الوضع السياسي إمّا أن يجعل المشهد مظلماً بلا أفق وسيزداد ظلاماً كلما مرّ الوقت، وإمّا أن يكون الظلام شبيهاً بالظلام الذي يسبق بدء انبلاج الفجر، ولو طال الانتظار بعض الشيء.

انطوان فرح.

المودعون “يبتكرون” وسائل استثنائية لسحب المال

دفع الوضع المالي والنقدي في البلاد، بعد انهيار الليرة وتعدّد اسعار الصرف المعتمدة بين المصارف والسوق السوداء والصرّافين ومنصّة مصرف لبنان، المودعين المحتجزة اموالهم في المصارف، الى ابتكار وسائل جديدة لاستخدام اكبر نسبة ممكنة من الودائع المحتجزة، خصوصاً انّ المصارف تمتنع عن تسديد دولاراتهم وتحدّد لهم سقفاً شهرياً للسحوبات النقدية بالليرة اللبنانية على سعر صرف الـ3900 ليرة مقابل الدولار.

بالاضافة الى عمليات تسييل الودائع التي قام بها كبار المودعين عبر شراء العقارات والسلع الفاخرة، فانّ الاتجاه اليوم هو لتأمين القدر الاكبر من السحوبات النقدية بالليرة اللبنانية على سعر صرف الـ3900 ليرة المحدّد لدى المصارف ضمن سقوف شهرية معيّنة. وبما انّه لا يمكن لأي فرد او عائلة ان تعتاش على السقوف الشهرية التي تحدّدها المصارف وفقاً لحجم حسابات المودعين، والتي تبدأ بالحدّ الادنى بـ1000 دولار شهرياً اي ما يعادل 3 ملايين و900 الف ليرة، فإنّ البعض منهم لجأ الى ابتكار وسائل تمكّنهم من سحب دولارات اضافية عن الحدّ الاقصى المحدّد شهرياً، وذلك على سعر صرف الـ3900 ليرة، من خلال تحرير شيكات مصرفية لصالح عملاء مصرفيين يملكون حسابات مصرفية تمكّنهم من اتمام سحوبات على سعر صرف الـ3900 ليرة. وقد نشأت تجارة في هذا الاطار، حيث يعمد الافراد الذين يقومون بعمليات السحب النقدي بالليرة لصالح مودعين آخرين، على تحديد سعر صرف خاص بهم أيضاً، إذ يتمّ تسديد قيمة الشيك المصرفي على سعر صرف الـ3000 ليرة وليس 3900 ليرة، من اجل تحقيق ارباح تبلغ حوالى 900 الف ليرة لكل 1000 دولار.

في موازاة ذلك، هناك ابتكارات جديدة ايضاً على صعيد البطاقات المصرفية الائتمانية، حيث يعمد صغار التجار وبعض المؤسسات التجارية الكبرى، الى تحديد سعر صرف خاص بهم لليرة مقابل الدولار، في حال كان الزبون يريد الدفع بالبطاقات الائتمانية بالدولار. على سبيل المثال، هناك بعض المؤسسات التجارية على مختلف انواعها (محلات ألبسة، سوبرماركت، صيدليات…) تقبل الدفع بالبطاقات الائتمانية على سعر صرف يبلغ 2800 ليرة أو 3000 ليرة، لأنّها تعتبر انّها ستحقق مزيداً من الارباح عند سحب تلك الاموال من حساباتها المصرفية على سعر صرف الـ3900 ليرة. في حين لا تزال غالبية المؤسسات التجارية الاخرى تعتمد سعر الصرف الرسمي لكافة وسائل الدفع أي عند 1507 او 1515 ليرة مقابل الدولار، مما يدفع اصحاب الودائع بالدولار الى الامتناع عن استخدام بطاقاتهم الائتمانية لتسديد مدفوعاتهم، معتبرين انّه غبن بحقهم، حيث انّ سعر الصرف في السوق السوداء يفوق الـ7000 ليرة وفي المصارف عند 3900 ليرة.

هذا الوضع أدّى الى تخلّي نسبة كبيرة من اصحاب الودائع بالدولار عن بطاقاتهم الائتمانية، والى تراجع لافت في استخدام تلك البطاقات، بعد ان كانت المصارف وشركات المدفوعات الإلكترونية تسعى جاهدة لتحفيز عملاء المصارف على الاستغناء عن استخدام العملات الورقية واستبدالها بالبطاقات الائتمانية، بالاضافة الى تطوير تقنيات الدفع الالكتروني بشكل متواصل. إلّا انّ هذا المسعى لم يكن يأخذ في الاعتبار انّ الاقتصاد اللبناني سيتحوّل الى اقتصاد نقدي، يعتمد فقط على السيولة النقدية Cash Money.

في هذا الاطار، اوضح الرئيس التجاري لشركة الدفع الالكتروني «أريبا» رمزي الصبوري، انّ استخدام البطاقات الائتمانية محلياً في لبنان، لا يجب ان يكون في الاساس يشمل عملتين، الدولار والليرة اللبنانية، بل ان يقتصر فقط على العملة المحلية، حيث لا فائدة من وجود بطاقة بالدولار للاستخدام المحلي، «ولطالما طالبنا بإلغائها، حيث كنا تجنّبنا جزءاً مما يحصل اليوم لو تمّ تدارك هذا الموضوع منذ سنوات». وكشف الصبوري لـ»الجمهورية»، انّ حجم المشتريات عبر البطاقات الائتمانية تراجع بنسبة تراوحت بين 60 الى 70 في المئة بشكل عام، وبلغت ذروتها خلال شهري آذار ونيسان مع بدء تفشي فيروس الكورونا. لافتاً الى انّ هذا التراجع جاء أيضاً نتيجة ضرب القطاع السياحي وانعدام نسبة الإشغال فيه، خصوصاً الفنادق والمطاعم. ولاحظ الصبوري انّ حجم المشتريات عبر البطاقات الائتمانية ارتفع بشكل لافت في السوبرماركت والصيدليات ومحطات المحروقات، كما كان لافتاً استخدام بعض العملاء لبطاقاتهم الائتمانية للمرة الاولى، بعد ان حدّدت المصارف سقوفاً شهرية للسحوبات النقدية بالليرة اللبنانية.

كما اوضح انّ غالبية البطاقات الائتمانية التابعة لحسابات مصرفية بالدولار، قد توقف استخدامها بشكل شبه كامل، نتيجة التفاوت بسعر الصرف المعتمد بين مختلف التجار وفي المصارف. كما ذكر انّ بعض التجار يرفض التسديد عبر البطاقات الائتمانية، في حين يشجع البعض الآخر الذي بحاجة لتسديد قروض مصرفية بالدولار، الزبائن، على الدفع من خلال بطاقات ائتمانية بالدولار، وذلك عبر اغرائهم بمزيد من الخصومات.

وكشف الصبّوري انّ المصارف أخذت على عاتقها وقف كافة البطاقات الائتمانية بالدولار وتحويلها الى الليرة اللبنانية، بعدما أحجم حاملوها عن استخدامها وفقدت فعاليتها.

وفي الختام اعلن انّ «اريبا» مستمرّة في التشجيع على الاستغناء عن التعامل النقدي الورقي، وقد اطلقت في هذا الاطار، بعد حصولها على موافقة مصرف لبنان، تطبيقاً على اجهزة الخليوي، هو عبارة عن محفظة ذكية اسمها «ZAKY» تخوّل كافة المواطنين تحميلها والقيام بتحويلات مالية محلية من رقم هاتفهم الى رقم هاتف آخر، من دون ضرورة ان يكون لصاحب الرقم الهاتفي اي حساب مصرفي، مما يسهم في تخفيف الضغط على المصارف، لإتمام تلك العمليات البسيطة، ويتيح لجميع المواطنين اتمام تحويلات مالية في ما بينهم بطريقة شفافة وسريعة.

رنى سعرتي.

“بنك اوف امريكا”: “شعرة” الإصلاح تفصل لبنان عن السقوط في “البركان”

تحت عنوان العقوبات ترفع كلفة التقاعس عن العمل “sanctions raise cost of inaction”، أصدر “بنك أوف أميركا” تقريره عن تطور الوضع الاقتصادي في لبنان. التقرير تناول ثلاثة عناوين رئيسية تتعلق بالمبادرة الفرنسية والعقوبات الاميركية، إعادة هيكلة القطاع المصرفي والحاجة إلى اقتراض 4.3 مليارات دولار إضافية بسبب انفجار المرفأ.

يرى التقرير ان العقوبات الاميركية قد تغيّر الحسابات السياسية، وتفتح الطريق امام تنفيذ المبادرة الفرنسية ووصول المساعدات الدولية. فالتهديد بفرض عقوبات على القادة السياسيين الرئيسيين قد يؤدي إلى إحداث تغيير في الديناميكيات السياسية المحلية ويخفف الضغط على الحكومة المنوي تشكيلها، ويطلق يدها في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة. إلا ان الامور تبقى بحسب التقرير رهناً بقدرة القادة السياسيين على الإيفاء بوعودهم للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حمل في زيارته الاخيرة خريطة طريق اقتصادية مفروض تطبيقها في فترة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر.

“خريطة الطريق” الفرنسية

كما أصبح معلوماً فان الورقة تفترض استئناف المفاوضات سريعاً مع صندوق النقد الدولي، إقرار إصلاحات قطاع الكهرباء وقانون ضوابط رأس المال capital control خلال شهر واحد، إقرار عدد من الإصلاحات الهيكلية والقضائية والمالية ومكافحة الفساد في غضون شهر أيضاً، ومراقبة وضبط الحدود في غضون ثلاثة أشهر. بالاضافة إلى إقرار موازنة 2020 المنقحة في غضون شهر وميزانية 2021 في نهاية العام الحالي.

تنفيذ هذه الاصلاحات بشكل كامل قد يسهل بحسب التقرير عقد المؤتمرين اللذين وعد بهما الرئيس الفرنسي في تشرين الأول لدعم لبنان. أما تطبيق الحد الأدنى من الاصلاحات فسيكون كافياً، من وجهة نظر معد التقرير، لارضاء المجتمع الدولي موقتاً وكسب الوقت قبل الانتخابات الأميركية. حيث قد يكون لأي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران بعد الانتخابات الأميركية آثار إيجابية غير مباشرة على المشهد السياسي المحلي في لبنان، وربما القدرة على إجراء إصلاحات اقتصادية وحشد المساعدات الدولية.

الثقة بالمصارف مفقودة

اللافت في التقرير كان استنتاجه أن تعاميم مصرف لبنان قد تنجح في اعادة هيكلة المصارف، إلا أنها ستفشل في المقابل في إعادة الثقة في القطاع. التقرير ينطلق من تحليلٍ مفصل للتعميم الإشكالي رقم 154 (تعميم يهدف إلى استرداد ما بين 15 و30 في المئة من الاموال التي تفوق الـ 500 الف دولار والتي جرى تحويلها إلى الخارج منذ حزيران 2017. بدء عملية تحويل الودائع إلى أسهم bail in وزيادة رساميل المصارف بنسبة 20 في المئة). معتبراً اياه محاولة لتحقيق الاهداف من خلال التقديرات والإقناع الأخلاقي بدلاً من وضع إطار قانوني مفصل. ما يعني أن التزام البنوك أو المودعين بالتعميم قد يكون جزئياً. وفي جميع الحالات فان الآلية المعتمدة “تفتقر إلى الشفافية وتنطوي على قدر كبير من حرية التصرف من قبل صانعي السياسات. ومن المحتمل أن القطاع المصرفي سيبقى بحاجة إلى رأس مال أكبر لاستعادة الصحة المالية بما يفوق الهدف المعلن من مصرف لبنان”. التعميم يشبه بحسب التقرير “برنامج عفو”. وعلى الرغم من ان مثل هذه التدابير لاقت نجاحاً في بعض الأسواق الناشئة، حيث دعمت الحسابات المالية وحسابات ميزان المدفوعات. إلا ان تطبيقها في لبنان يحتاج لإجماع، وطموح أكبر، وأن يكون قائماً على أسس قانونية واقتصادية سليمة بشكل حازم.

المعالجة بحسب الحالة

التقرير يشير إلى ان النقاشات مع الخبراء المحليين أفضت إلى ان اعتماد المادة 2 من القانون الصادر العام 1967 بعد أزمة بنك انترا والتي تركز على التعامل مع البنوك كل حالة بحالتها أفضل من اسقاط حل واحد على الجميع. وينقل التقرير عن المراقبين ملاحظاتهم على إطار العمل الذي يترك سلطة تقديرية لمصرف لبنان، في ما إذا كان سيأخذ في الاعتبار البنك الذي يعاني من ضائقة، وما إذا كان سيتم إجباره لاحقاً على الاستمرار أو التصفية. ومع ذلك، فانه من الصعوبة في مكان من وجهة نظر معدي التقرير موافقه مجلس النواب في الظروف الحالية على قانون حل للمصارف. ومن المحتمل ألا تكون هناك حاجة لرفع السرية المصرفية في مثل هذا القانون على مستوى القطاع، حيث يمكن جعل البيانات الأساسية مجهولة الهوية بشكل مناسب، وفقاً لمراقبين محليين.

إحتياطي العملات الأجنبية 13 ملياراً

حجم احتياطي العملات الأجنبية القابل للاستخدام لدى مصرف لبنان ما زال يعتبر بحسب التقريرغير واضح. فالميزانية العمومية النصف أسبوعية لمصرف لبنان اشارت في نهاية آب الماضي إلى أن الأصول الأجنبية لمصرف لبنان، باستثناء السندات الأوروبية وغيرها من الأوراق المالية بالعملات الأجنبية، بلغت 21.4 مليار دولار أميركي. ومع ذلك، تشير التقارير المحلية إلى أن مصرف لبنان ربما قدم قروضاً بالعملة الأجنبية تصل إلى 8 مليارات دولار أميركي للبنوك. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا المبلغ الافتراضي أو جزء منه كان مستحقاً قبل الأزمة. الأمر الذي يجعل من طرح 8 مليارات دولار من 21.4 مليارا تمثل الأصول الأجنبية في المركزي، سيخفض إجمالي احتياطياته من العملات الأجنبية إلى 13.4 مليار دولار أميركي فقط، وهو بالفعل أقل من مستوى متطلبات احتياطي العملات الأجنبية المقدر بحسب الحاكم بـ 17.5 مليار دولار.

الكلفة الهائلة للانفجار

في ما خص كلفة انفجار بيروت على الاقتصاد فقد ذكر التقرير انها تتراوح بحسب تقديرات البنك الدولي بين 3.8 و4.6 مليارات دولار كأضرار مباشرة، وبين 2.9 و3.5 كخسائر اقتصادية. وهو ما يشكل حوالى 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2019. كما ذكر التقرير ان تقديرات البنك الدولي لاجمالي احتياجات القطاع العام للفترة 2020-2021 تتراوح بين 1.8 و2.2 مليار دولار أميركي أي حوالى 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019. أما في ما خص الناتج المحلي لعامي 2020 و2012 فيقدر البنك الدولي ان يتراجع بمقدار 0.8 جزء في المليون و1.9 جزء في المليون على التوالي. وسيكون هذا التراجع مصحوباً بتراجع الايرادات الجمركية بقيمة 0.3 تريليون ليرة لبنانية أو ما يشكل 0.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020 و0.6 تريليون في العام 2021.

الأمل معلق بالإصلاح

في الختام يذكر التقرير ان التحليل الوارد أعلاه هو تحليل جامد. ففي سيناريو يقترن فيه صرف المساعدات الدولية ببرنامج إصلاح موثوق به من صندوق النقد الدولي، سيؤدي إلى تحسين آفاق النمو واسترداد الديون ووضع البلاد في مسار أكثر استدامة. أما في حال غياب الدعم الخارجي السريع، فان بعض الخسائر قد تكون دائمة.

خبراء اقتصاد: مستقبل الدولار 8300 ليرة سعراً رسمياً

نشرت مجموعة ”سيتي غروب” الأميركية، تقريراً يركز على الشكل الذي يمكن أن يبدو عليه سيناريو خفض الديون، إذا ما توصل لبنان لاتفاق مع صندوق النقد الدولي. ووفق السيناريو الذي وضعه خبراء مجموعة الخدمات المالية الأميركية، فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي قد تنخفض بعد الاتفاق إلى أقل من 100 في المئة بحلول عام 2025، مدفوعةً بعمليات شطب الديون وسعر الفائدة المنخفض.

افتراضات عمل
يعيش لبنان في سباقٍ مع الوقت للتوصل إلى حل للأزمة الاقتصادية المستفحلة، بعد أن تخلفت بيروت في وقتٍ سابق من هذا العام عن سداد سندات اليوروبوند الخاصة بها، ما قطع عنها التمويل الأجنبي وجعلها تعتمد على طباعة مصرف لبنان للنقود. وفي المقابل، تضاءلت احتياطيات النقد الأجنبي لمصرف لبنان. ونتيجةً لذلك، ظهرت أسعار صرف متعددة، مع بقاء سعريّن رسمييّن مرتبطّين بالمصرف المركزي لدعم بعض السلع والمشتريات المحددة.

يشير خبراء المجموعة الأميركية في تقريرهم، أن ما يعرضوه في هذا التقرير الذي في متناولنا، ليس بالضروري أن يكون السيناريو الأمثل أو تجسيداً حقيقياً عمّا سيحدث فعلاً في المستقبل، خصوصاً أنه لا يمكن التنبؤ بما إذا كان لبنان سيصل فعلاً إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وبذلك تم التركيز على الافتراضات التي يمكن أن تشكل نتيجة أكثر ملاءمة، ما يعني حكماً اعتبار الأرقام الواردة في التقرير عبارةً عن افتراضات عمل أكثر من كونها توقعات.

سيناريو تخفيض الديون
على المدى القصير، يعتقد خبراء المجموعة الأميركية، أنه من شبه المؤكد أن ترتفع نسبة الدين العام اللبناني إلى الناتج المحلي الإجمالي عن المستويات الحالية وسط انهيار النمو الاقتصادي وانخفاض قيمة الليرة، وإضافة قروض صندوق النقد الدولي وقروض أخرى. ورغم توقعهم نمواً اقتصادياً إيجابياً بعد هذه الفترة، فإن التأثير التراكمي للنمو حتى عام 2025 سيظل يدفع الدين بمقدار 11 نقطة مئوية، ليفوق الانكماش الأولي الانتعاش المتواضع بعد ذلك.

ويضيف خبراء ”سيتي غروب” أن نسبة الدين ستبدأ في الانخفاض بشكلٍ حاد بعد الارتفاع الأولي الذي سبق ذكره، لأن التضخم، الناجم إلى حدٍ كبير عن انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، من شأنه أن يؤدي إلى تآكل قيمة الدين المحلي، وسحب معدل الفائدة الحقيقي الفعلي إلى المنطقة السلبية. ووفق افتراضاتهم، من شأن هذا أن يفوق تضخم ديون العملات الأجنبية بعد الاستهلاك التراكمي بنسبة 52 نقطة مئوية حتى عام 2025.

من شأن فرض الدولة اقتطاعاً (“الهيركات”)، على السندات بالعملات الأجنبية والديون المحلية أن يقلل من عبء الديون بمقدار 59 نقطة مئوية خلال هذه الفترة، كما من شأن عمليات الخصخصة بدورها، تخفيض هذا العبء بمقدار 13 نقطة أخرى. وهنا يتم افتراض أن يتسع العجز الأولي مبدئياً، حين سيتعين استخدام أجزاء من التمويل الخارجي لإعادة الإعمار ومساعدة القطاع المالي والإنفاق على البنية التحتية وما إلى ذلك.

ويفترض الخبراء أن نسبة الدين في الأعوام القليلة المقبلة ستزيد بمقدار 5 نقاط مئوية، مفترضين أن مؤشر الميزان الأولي سيعود إلى المنطقة الإيجابية بعد عامين إلى ثلاثة أعوام. أما القروض غير المستخدمة في النفقات الأولية (وتشمل غالباً ميزان مدفوعات صندوق النقد الدولي للدعم) من شأنها رفع الاحتياطيات بمقدار 27 نقطة مئوية أخرى.

الاتفاق مع صندوق النقد
إن توصل لبنان لحلول بخصوص صندوق النقد الدولي والمساعدات الخارجية الأخرى، سيشكل عاملاً أساسياً لتحقيق الاستقرار الأولي والتنفيذ اللاحق لنموذج تمويل جديد. في المرحلة الأولى، ستكون هذه الأموال ضرورية لتوفير بعض البدائل لفقدان التمويل الخارجي من أجل ضمان استيراد الضروريات الأساسية، وإعادة الإعمار بعد الانفجار في مرفأ بيروت. أما في المرحلة الثانية، ستكون الإصلاحات ضرورية ليس للحصول على التمويل وحسب، ولكن أيضاً لوضع الاقتصاد على مسار مستدام.

بالنسبة للسيناريو الموضح في هذا التقرير، يفترض الخبراء أن لبنان سيتوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي هذا العام، رغم تنويههم بأن هذا الأمر – مثل أي متغير آخر في هذه العملية – غير مؤكد إلى حد كبير.

الاقتطاعات
الافتراضات الواردة في التقرير، تتضمن أيضاً اقتطاعات بنسبة 65 في المئة على ديون العملات الأجنبية و 20 في المئة على الدين المحلي. وللتبسيط، هم يفترضون أن ثلث هذه العملية سيحدث هذا العام، وما تبقى سيليه في العام المقبل. كما يجب أن تكون عمليات الاقتطاع هذه مصحوبةً بإعادة تفاوض بشأن شروط الدين المتبقي، من أجل زيادة آجال الاستحقاق، وتقليل عائدات السندات وإدخال فترات السماح.

وللتوضيح أكثر، يُشار أن هذا التخفيض في عبء دفع الفائدة هو أمر بالغ الأهمية، إذ أن عبء سعر الفائدة الحقيقي المرتفع هو ما أدى إلى خروج الديون عن السيطرة في المقام الأول. ووفق حسابات المجموعة الأميركية، ساهم معدل الفائدة الحقيقي الفعلي بنسبة 42 نقطة مئوية في الزيادة البالغة 46 نقطة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بين عاميّ 2012 و 2019.

ويلفت الخبراء أن تخفيض نسبة الاقتطاع على الديون بالليرة هو أمرٌ ممكن، لأن التضخم المرتفع على مدى السنوات المقبلة سيؤدي إلى تآكل قيمة الأسهم الكبيرة وسحب معدل الفائدة الحقيقي الفعلي إلى المنطقة السلبية العميقة. من الناحية النظرية لن يكون من الضروري حتى تخفيض الديون بالعملة المحلية لتجنب التخلف عن السداد، لكن تبقى هناك شكوك تحوم حول امتلاك الدائنين الدوليين شهية (إضافية) ليخوضوا تجارب تشابه النظرية النقدية الحديثة.

سعر الصرف
وفيما يتعلق بسعر الصرف، يرى الخبراء أنه يجب أن يؤدي توحيد سعر الصرف وتوقف المصرف المركزي عن طباعة النقود، في نهاية المطاف، إلى خفض التضخم. وما سبق ذكره يشكل عامل بالغ الأهمية لخفض معدلات الاقتراض المحلية إلى مستوى معقول. وجراء ذلك يُفترض حدوث تخفيض مبدئي لقيمة الليرة اللبنانية لتصل إلى ما يعادل 4300 مقابل الدولار الأميركي الواحد (السعر الرسمي).

بحلول نهاية عام 2024، يقّدر خبراء المجموعة الأميركية، أن معدل سعر الصرف الرسمي سيكون 8300 ليرة مقابل الدولار. وعلى المدى القصير، سيكون توحيد أسعار الصرف بموجب نوع من التعويم، مصدراً لمزيد من التضخم. مع التأكيد على عدم وضوح إذا كان معدل التضخم سيكون أعلى بكثير مما هو عليه في ظل النظام الحالي لأسعار الصرف المتعددة. وعند الحديث عن المدى المتوسط، يجب أن يساعد معدل موحد أكثر استقراراً للصرف في خفض التضخم مرة أخرى.

الإيرادات الضريبية
في المحصلة، يرى الخبراء أنه في السنوات الأولى من التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، سيشهد لبنان عجزاً أولياً في الموازنة لا مفر منه، في ضوء الحاجة إلى إعادة الإعمار وربما مساعدة القطاع المالي. ومع ذلك، يُعتقد أن برنامج صندوق النقد الدولي قد يحاول تشجيع زيادة الإيرادات الضريبية. فنظراً لضعف الامتثال الضريبي، يجب إعطاء الأولوية للجهود المبذولة لتحسين التحصيل الضريبي الذي يمكن أن يكون كافياً بدلاً من زيادة معدلات الضرائب. وحتى الفائض المتواضع في مؤشر الميزان الأولي، من شأنه، وفق تقييم الخبراء، أن يساهم في جعل التوازن المالي أكثر قابلية للإدارة، ويجب أن تكون مدفوعات الفائدة (كحصة من الناتج المحلي الإجمالي) أقل بعد تخفيضات رأس المال والتضخم.

سامي خليفة

الأولوية للعودة الى المفاوضات مع صندوق النقد

السؤال الاساسي المطروح اليوم: هل ما زلنا نشتري الوقت وهو يداهمنا؟ والكل يعرف، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي والدول المانحة، الى أين وصلت الأمور من فساد بائس ومحسوبية ومحاصصة على مرّ عقود، أمعنت بالبلد خراباً وإنهياراً دون حسيب أو رقيب.

يبدو أنّ جريمة المرفأ أبعدت الشبهات عن المسؤولين الذين أمعنوا بالبلاد سرقة وفساداً منذ ثلاثين عاماً. ولبنان يحتل اليوم مرتبة متقدّمة في قائمة الدول على مؤشر الفساد (من أصل 180 دولة لبنان يحتل المركز 138 في قائمة الدول الأكثر فساداً للعام 2019) مع مؤسسات منحلّة وغياب تام للمسؤولية والمحاسبة وللاصلاح، وكأننا في بلد توزيع غنائم وتوظيف غبّ الطلب ومشاريع عشوائية فقط لأغراض انتخابية لا غير.

الأمر الذي يتبادر الى الأذهان، أين أصبح الاقتصاد حالياً، في ظلّ نظام تقاسم السلطة والمحسوبية. وقد أعاق هذا الحوكمة الرشيدة؟ وما هي وضعيتنا مع صندوق النقد الدولي بعد استقالة الحكومة، وفي انتظار ولادة الحكومة الجديدة؟ وفي الحقيقة، الحكومة المستقيلة لم تعرف يوماً أخذ المبادرة، ولم تفعل شيئاً، ولم تحقق أي إنجاز، عكس ما أفحمنا به رئيسها، وكأننا كنا في فراغ.

لذلك، نرى أنفسنا أمام خيارين لا ثالث لهما.

الأول- أن يأخذوا على محمل الجدّ عملية تأليف الحكومة، على أن تكون من مستقلّين تكنوقراط، حيادية غير ملزمة سياسياً، لتدير شؤون البلاد، ولها صلاحيات استثنائية، كون الوضع بات لا يحتمل المماطلة. فتجلس على طاولة صندوق النقد الدولي، الذي سوف يملي شروطه، وأقلّها، خصخصة قطاع الكهرباء الذي استنزف الدولة، ولا نزال ندفع ثمنه فاتورتين، ووقف الهدر في المشاريع الميؤوس منها.

هذه المرحلة تحدّد المرحلة اللاحقة، والتي ينبغي أن تشمل البدء بالتدقيق في حسابات البنك المركزي والمؤسسات العامة، ووقف الهدر في حسابات الموازنة وميزانيات المؤسسات، من رئاسة الجمهورية إلى أصغر دائرة في الدولة. هذه الأمور سوف تبرهن عن حُسن نيّة لدى الأطراف المعنية، فتُصرف أموال «سيدر» ولكن بحذر، ودون أن يكون للطبقة الحاكمة أي صلة بها. هذه الخطوات سوف تحدّد المرحلة اللاحقة، نجلس فيها على طاولة طائف ثانٍ، ونستمزج آراء الشعب وما يريده من لبنان.

الخيار الثاني- أن يبقى المسؤولون في غيبوبتهم وكأن ما حدث في 17 تشرين الأول وحتى 4 آب لا يعنيهم، بما يعني الانحدار التام في المجهول. وهنا ستكون جهود ماكرون قد ذهبت سدى. فالدول المانحة سوف لن تساعدنا، ومن يراهن على بواخر ايران وفيول العراق سوف يخيب ظنه، مع كل ما يتأتى عن ذلك من فقر وعقوبات وغيرها. مع الاشارة الى انّ الشعب اللبناني لا يريد التوجّه شرقاً، بل يصرّ على البقاء في أحضان الشرعية الدولية ومع دول عربية، أعطتنا الكثير في المراحل السابقة ومستعدة لتعطينا أكثر في المرحلة المقبلة. هذه الأمور تعني في ما تعنيه، أنّه لا صندوق النقد ولا دول مانحة ولا «سيدر»، والأمر الأكيد أنّه لا لبنان بعد الآن.

أما من ناحية الاصلاحات، واذا استمرت الغيبوبة رغم تهديدات ماكرون، فهي لن تحصل. وبالمناسبة نسأل، اين أصبح التغيير والاصلاح، الذي طالما وعدونا به، ولغاية اليوم لم نر سوى محاصصة واقتسام لأموال الشعب وتوظيفات غبّ الطلب. وهنا، لا داعي لعودة ماكرون للمرة الثالثة، إنما الأكيد هو انهيار الكيان.

في جميع الأحوال، الأمور السياسية والاقتصادية متداخلة جداً، والفرضية الأولى تبقى الأحسن، ولكن قد تكون مثالية في غياب أية مسؤولية أو وجود زعيم على مستوى الوطن ليدير البلاد. لذلك تبقى كفّة الحذر، رغم كل جهود ماكرون راجحة، وقد لا يكون المستقبل زاهراً كما يحلم به شباب لبنان.

دكتور غريتا صعب.

كيف يمكن إنقاذ لبنان؟

تصورات إنقاذ لبنان من ازمته المالية والاقتصادية تكاثرت، وعدد من المسؤولين السابقين بينهم وزراء تقدموا باقتراحات يعتبرونها مجدية، وسنعرض اقتراحين انطفأ اولهما والثاني لا يحتاج الى تعليق.

الاقتراح الاول كان من زياد الحايك الخبير الذي اختير للإشراف على الخصخصة في لبنان منذ اوائل القرن الحادي والعشرين، وبعد 16 سنة اكتفى بإصدار كتيب عن اصول عمليات التخصيص، وعرض مع خبير فرنسي اللجوء الى اقناع المودعين بتحويل جزء من مدخراتهم للاستثمار في صندوق وطني تُحوّل الحكومة عليه معظم الموجودات بيد الدولة غير المستثمرة او المستثمرة في شكل خاطئ، وسقطت الفكرة استنادًا الى عدم ثقة اللبنانيين باي ادارة تنشأ من السياسيين.

 

الاقتراح الثاني أعلنه الوزير السابق ناصر السعيدي وخبير سويسري، وعنوانه “الثروة الذهبية غير المكتشفة في لبنان”، وهما اعتمدا منهجاً مماثلاً لاقتراحات الحايك والامر العجيب انهما لا يدركان صعوبة شمل موجودات الدولة غير المستغلة او غير المستثمرة بنجاح في هيئة واحدة يشرف على اختيار اعضاء مجلس ادارتها اسوأ عهد اصابت اضراره غالبية اللبنانيين. بالتأكيد ثمة اقتراحات افضل منهما، الامر الذي نعرضه في هذا المقال.

اصبح الوضع الاقتصادي والمالي مخيفا، والمطلوب من نحو 300 الف متضرر تأمين امكانات السكن لمنازلهم ومكاتبهم وتأمين رواتب موظفيهم.

السلطة المتحكمة بمصير اللبنانيين ترفض الاعتراف بان عجز الكهرباء مدى عشر سنين توالى فيها رؤساء واعضاء من “التيار الوطني الحر” على وزارة الطاقة، تآكل 40 مليار دولار، ومع فوائدها على مستوى 6 في المئة يبلغ حجم تآكل الاحتياط 65 مليار دولار برعاية الحكم واصراره على قبول مشاريع للكهرباء لم تنتج طاقة اضافية على الاطلاق، في حين ان طاقة المولدات الخاصة التي تستهلك اكثر من محطات توليد الكهرباء من المازوت ارتفعت الى 1600 ميغاواط مقابل 1200 ميغاواط متوافرة لمصلحة كهرباء لبنان مع تشغيل الباخرتين.

يضاف الى ذلك هدر كبير وخسارة فاقعة لم يتم الانتباه اليها. فالمصرف المركزي يعزز كتب اعتماد استيراد مشتقات النفط، ومن ثم تخزن المستوردات في منشآت النفط الخاضعة لوزارة الطاقة والتي تعيد توزيع المشتقات.

الامر المخيف ان خبراء المصرف المركزي لا يطّلعون على تسليمات المشتقات، وبحسب تقديرنا فان مليوني طن من المازوت على الاقل تسرّبا او هُرّبا الى سوريا من دون ان يحصل مصرف لبنان على اية مداخيل. وبحسب تقديرنا ايضا على اساس تكاليف الاستيراد، نخسر ملياري دولار من هذا التصدير غير الشرعي. وبالتالي اذا اعتبرنا ان هذه الممارسة جارية منذ عام 2011 وتأسيس شركة نفط من قبل ابن خال الرئيس السوري في لبنان، علينا اضافة الى الـ65 مليار دولار، ان نزيد فاتورة التهريب الجاري منذ 8 سنوات ما يعادل 6.4 مليارات دولار، فتكون خسارة لبنان من احتياطه مساوية لـ71 مليار دولار كانت تكفي لتجهيز عشرات الآلاف من ميغاواط الانتاج.

السلطة المتحكمة بالشأن اللبناني لا تعترف بهذه المسؤولية وتريد الاستمرار في السلطة. والاكيد ان الاستمرار في السلطة او إطالة ممارسة الوزارة المستقيلة مهماتها البسيطة، امر يؤكد افلاس لبنان، وهذه السلطة ستوجه الاتهام الى الحاكم رياض سلامة بالذات.

في نهاية عام 2005 وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان الوضع الاقتصادي مقبولا. وعام 2006 وعلى رغم خسائر لبنان المادية والبشرية، ساهمت بلدان الخليج في دعم الاحتياط لدى مصرف لبنان واعادة إعمار قرى بكاملها ومشاريع تضررت مثل تدمير 12 مبنى في الضاحية الجنوبية، وعام 2008 حينما برزت الازمة المالية العالمية، حوّل المغتربون اللبنانيون 24 مليار دولار من حساباتهم في الخارج فارتفعت الودائع المصرفية بنسبة 25 في المئة وحقق لبنان نمواً عام 2009 (لان التحويلات تحققت اواخر عام 2008) بلغت نسبته للمرة الاولى منذ عشرين سنة 9 في المئة. كل ذلك لان الثقة بالحكم كانت مستمرة.

اليوم قدرات المصارف على تأمين اموال المودعين شبه معدومة، وبرامج التنقيط المتبعة وان كانت مقررة من مصرف لبنان للحفاظ على ما تبقى من قطاع المصارف، تؤدي الى تضييق الدورة الاقتصادية من جهة والى ارتفاع معدلات الاسعار، وهنالك حاجة ملحة لتجاوز هذه الوضعية، والمؤسسة الوحيدة القادرة على ذلك هي المصرف المركزي.

الخطة المطلوبة

ان اسس هذه الخطة وضعها المصرفي المميز مكرم زكور ورئيس الاقتصاديين لدى بنك بيبلوس نسيب غبريل الذي هو اقتصادي جيد.

تفترض الخطة اقتراض لبنان بما يساوي قيمة نصف احتياطه الذهبي لمدة سنتين بفائدة لا تتجاوز 1.5 في المئة سنويًا.

يتوافر من هذه المنهجية نحو 10 مليارات دولار، واذا كان الحكم يتقبل اصلاح وزارة الطاقة في شكل جذري، يصبح بالامكان اقتراض 10 مليارات من صندوق النقد الدولي، فتتوافر قدرات مالية تسمح بالتحرك المفيد الذي يؤدي الى نمو على مستوى 5 في المئة سنويًا.

واذا لم نحصل على قرض من صندوق النقد الدولي نستطيع تخصيص خدمات الهاتف الخليوي بشروط تؤمن ملياري دولار، وقد انجز نائب رئيس الوزراء سابقًا دراسة عن هذا الموضوع آمل تلخيصها في وقت قريب.

كذلك يمكن تخصيص 40 في المئة من مصلحة التبغ والتنباك، والتي قد تؤدي الى توافر مليار دولار بعد السماح بزراعة الحشيشة وتصنيعها وهذا ما حدث في كندا.

اخيرًا، أنجز فريق شبابي دراسة حول الحاجة لانتاج الكهرباء من حقول الالواح الزجاجية، ووجدوا ان من الممكن توليد 400 ميغاواط من حقل في البقاع يقع في املاك المصرف المركزي.

اضافة الى الخطوات المذكورة، يمكن تحفيز البنك الصيني التابع للدولة والبنك الاكبر دوليًا، على افتتاح فرع اساسي له في لبنان، خصوصا ان تجارتنا مع الصين تفوق أي تجارة اخرى مع بلد آخر وتبلغ 1.5-1.6 مليار دولار سنويًا، وبالإمكان تشجيع البنك الصيني عبر مباحثتهم في تملّك بعض البنوك ذات الاوضاع المقبولة، وتوفير سيولة ترسملية توازي 3-4 مليارات دولار. هذا الاقتراح تقدمتُ به شخصيا.

هذا هو البرنامج الذي اقترحه واتمنى السير به من قِبل مصرف لبنان اوعبر تعاونه مع هيئات دولية خاصة منها السوق الاوروبية حيث التعامل مع الصين مقبول من دون اعتراض.

ان من يمسك بطرف الحلول الثلاثة هو حاكم مصرف لبنان شرط ان يقر الحكم بان الهدر في وزارة الطاقة سيتوقف وان اصلاح قطاع الكهرباء سيصبح من مسؤولية إما شركة “سيمنز” الالمانية وإما شركة كهرباء فرنسا، شرط ان تكون الادارة في ايدي الشركتين او اكثر لان وضع وزارة الطاقة ومكاتب كهرباء لبنان اصبح مزريا، وحينئذٍ يمكن اضافة 10 مليارات دولارات من صندوق النقد الدولي الى حصيلة المبادرات الثلاث، فلا يعود هنالك خوف من العجز عن ايفاء القرض المضمون بقسم من احتياط الذهب.

د. مروان اسكندر