أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

تحليل- تصاعد المخاوف في لبنان في غياب أي تحرك للخروج من الأزمة

يكافح لبنان لأخذ الخطوات الأولى للخروج من أزمة مالية عميقة إذ اهتزت الآمال في بدء الإصلاحات بفعل ما يقول منتقدون للحكومة إنه توزيع طائفي للمناصب في الدولة يظهر رفض النخبة السياسية للتغيير.

رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب في القصر الرئاسي في بعبدا يوم السادس من مايو ايار 2020. تصوير: محمد عزاقير – رويترز.

ينزلق لبنان الغارق في الديون من سيء لأسوأ منذ أكتوبر تشرين الأول عندما تضافرت عوامل تباطوء التدفقات المالية من الخارج والاحتجاجات على الفساد وتحولت إلى أزمة سياسية ومصرفية ومالية.

وتبددت الآمال في التوصل إلى اتفاق سريع مع صندوق النقد الدولي لانتشال لبنان من أزمته إذ تعقدت المحادثات بخلاف بين الحكومة والبنك المركزي على حجم الخسائر في النظام المالي.

وتفاقمت المخاوف من ألا يحدث أي تغيير بفعل تعيينات في عدة مناصب بالحكومة والبنك المركزي الأسبوع الماضي انتقدها معارضون وبعض حلفاء الحكومة ووصفوها بأنها قائمة على أسس طائفية لا على الجدارة.

وأثار ذلك تساؤلات جديدة عن التزام رئيس الوزراء حسان دياب بتعهداته، أو قدرته على تنفيذ ما تعهد به لدى توليه منصبه في يناير كانون الثاني من تطبيق حوكمة تقوم على أساس الكفاءة.

وقال مهند حاج علي من مركز كارنيجي الشرق الأوسط ”التعيينات كانت في الأساس مؤشرا على أن شيئا لم يتغير… لا يُنفذ بالفعل أي من وعود الإصلاح الكبرى التي انطلقت عندما تشكلت الحكومة“.

وفيما يؤكد المخاوف المتنامية، قال مصدر مطلع على سير المحادثات مع صندوق النقد إن الصندوق يريد أن يشعر بالارتياح لبدء الإصلاحات على الأقل قبل إمكان بدء المفاوضات الموسعة على اتفاق إنقاذ. ويريد الصندوق أيضا أن يشهد تقدما في تقييم الخسائر المالية التي تواجه البلاد وسن قانون جديد لحركة رؤوس الأموال.

وقال المصدر إن المحادثات لا تزال في المرحلة التشخيصية.

وأحد المجالات المهمة التي ينتظر المانحون تحقيق تقدم ملموس فيها يتمثل في قطاع الكهرباء التابع للدولة والذي يعاني من الهدر. ويعد إصلاح هذا القطاع اختبارا للإرادة السياسية للتغيير لدى بيروت.

ومع انحسار الآمال في التغيير يتنامى خطر عدم الاستقرار.

وقال دبلوماسي دولي ”نشهد تدهورا مستمرا في الوضع على أرض الواقع… المجتمع الدولي لا يزال على استعداد لتقديم الدعم لكن السلطات اللبنانية وحدها هي التي يمكنها تحقيق الإصلاح وإعادة بناء الاقتصاد“.

غذى انهيار العملة وارتفاع معدلات الفقر احتجاجات جديدة وتعرضت منشآت تجارية للاعتداء في بيروت وطرابلس خلال العطلة الأسبوعية.

واشتد التوتر الطائفي وتدخلت قيادات دينية لنزع فتيل مواجهات سنية شيعية في بيروت هذا الشهر.

ومع تدهور الأزمة يقول الاتحاد العمالي إن نحو ربع مليون شخص فقدوا وظائفهم، كما فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 60 في المئة من قيمتها ووجد أصحاب المدخرات أنفسهم عاجزين عن السحب من ودائعهم.

وأقامت بعض البنوك التي تعرضت للإحراق في أعمال الشغب تحصينات على واجهاتها وأحاطت آلات الصراف الآلي بسواتر حديدية.

”طباعة النقد“

يقول المانحون الأجانب إن على لبنان أن يطبق إصلاحات لمعالجة الأسباب الأساسية للأزمة غير أن حكومة دياب لم تتجه حتى الآن إلى نهج جديد.

كان دياب تولى منصبه بتأييد جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران والرئيس المسيحي ميشال عون والرئيس الشيعي لمجلس النواب نبيه بري.

ولم يشارك في الحكومة السياسي السني سعد الحريري الحليف التقليدي للغرب ودول الخليج العربية ولا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

ويقول معارضون إن التعيينات التي أُعلنت الأسبوع الماضي كشفت عمن يتولى القيادة فعليا.

وقد عزز بري، أحد أقطاب النظام الطائفي، نفوذه باختيار واحد من أربعة نواب تقرر تعيينهم لحاكم مصرف لبنان المركزي وكذلك المدير العام الجديد لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر وآخرين.

وحصلت الحركة الوطنية الحرة بقيادة جبران باسيل صهر الرئيس عون على نصيب الأسد في تعيينات المسيحيين بما يبرز توازن القوى.

وكانت خطة للتعافي الاقتصادي كشف عنها دياب في ابريل نيسان وتضمنت اللجوء إلى صندوق النقد الدولي قد أثارت الآمال في اتجاه لبنان للإصلاح لكن كابيتال إيكونوميكس قالت في مذكرة بحثية يوم الاثنين إنه لم يحدث تقدم يذكر منذ ذلك الحين.

ومن العقبات التي يتعين اجتيازها احتمال اعتراض دول من أعضاء صندوق النقد على أي اتفاق بسبب دور حزب الله في الحكومة والخلافات بين البنك المركزي والحكومة.

وأضافت كابيتال إيكونوميكس ”يبدو من المرجح على نحو متزايد أن تزداد صعوبة اجتياز هذه العقبات“.

ومع الصعوبات التي تواجهها الحكومة في دعم الليرة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشدة في لبنان المعتمد على الاستيراد وأصبحت مالية الدولة في وضع خطر.

وقال ناصر السعيدي وزير الاقتصاد السابق ”لا أحد سيقرض الحكومة اللبنانية“.

وأضاف أن البنك المركزي عمد إلى طباعة مزيد من النقد لتمويل الحكومة.

خطة خفض الدولار… هذا مصيرها

هل دخل لبنان مرحلة مالية واقتصادية جديدة مع بدء تنفيذ خطة الخفض التدريجي لسعر صرف الدولار، وهي خطة قررتها السلطة السياسية، وتنفذها السلطة النقدية؟ وهل انّ الوضع بعد فشل «الانقلاب» الذي «كَشفه» رئيس الحكومة، سيكون أفضل أم أسوأ؟ وإلام سينتهي هذا النهج؟

ما جرى ويجري منذ 11 حزيران، لا يسمح بالاعتقاد انّ المشهد المالي والاقتصادي، وربما الأمني، سيبقى على حاله. وما أعلنه رئيس الحكومة حسان دياب، واعتباره انّ حكومته تعرّضت لمحاولة انقلابية تمّ إحباطها، يحمل الكثير من الاسئلة والاحتمالات والتداعيات. لكنّ المفارقة انّ نظرية الانقلاب والمؤامرة كانت القاسم المشترك بين اكثر من طرف، فيما انحصر الخلاف في تحديد هوية الانقلابيين وهوية الجهة المُستهدفة. وهكذا، كان هناك من يقول انّ الهدف هو رأس رياض سلامة، وكانت جهة اخرى تقول انّ المستهدف هو حكومة حسان دياب، وجهة ثالثة تشير الى استهداف العهد و»حزب الله»، والحلف بينهما…

تعدّدت الانقلابات في عقول الكثيرين، لكنّ النتيجة التي أفضَت اليها «الانقلابات»، وهمية كانت أم واقعية، تمثّلت في قرار سياسي جامع قضى بإلزام مصرف لبنان بالتدخّل في سوق الصرافة فوراً، عبر ضَخ كميات كافية من الدولارات كفيلة بوقف تدهور الليرة، ورفع سعر صرفها تدريجاً، وصولاً الى 3200 ليرة للدولار.

هذا النهج، الذي وضعت له ضوابط مبدئية لئلّا يؤدي الى هدر ما تبقى من احتياطي في صناديق المركزي، ومن ضمنها تحديد مبالغ أولية سيتم ضَخّها في السوق، لن ينجح كما هو مُخطّط له. والمقصود هنا، انّ المبالغ التي اتفق على ضَخّها (حوالى 30 مليون دولار اسبوعياً) لن تكون كافية لضرب السوق السوداء، وخفض سعر الصرف تدريجاً. وهنا ستبرز معضلة تحتاج معالجة، إذ انّ الاكتفاء بالتنفيذ الحرفي للخطة كما هي، وعدم رفع منسوب ضَخ الدولارات، سيؤدّي الى إعادة تنشيط السوق السوداء، وسيعود الوضع الى ما كان عليه قبل 11 حزيران، وستعود الأزمة الى المربّع الاول، بعد خسارة كمية من دولارات المركزي. أمّا اذا جرى اعتماد خيار رفع كميات الضَخ وصولاً الى تحقيق هدف الخطة، أي خفض فعلي للدولار الى 3200، والقضاء على السوق السوداء، عندها سنكون أمام كارثة حرق الوقت بدلاً من شرائه، وسيكون المشهد شبيهاً بما فعلناه في العام 2017، عندما كان البلد يقترب من الافلاس بخطى سريعة، فقررت السلطة «تسريع» الانهيار وأقَرّت سلسلة الرتب والرواتب، وأنجزت مهمة الافلاس بسرعة قياسية.

في هذا التوصيف، واذا كان القرار الذي سيُتخذ سيَستند الى علم الاقتصاد، ينبغي أن نتوقّع عدم ضَخ كميات اضافية من الدولارات، والاكتفاء بما فقدناه في هذه التجربة والانصراف الى معالجة الاسباب، بدلاً من التركيز على تَمويه النتائج في محاولة فاشلة لتجميلها. لكن، ولأنّ القرار سياسي، ولأنّ الصياغة التي استخدمت في إعلان الخطة بعد جلسة الحكومة الطارئة في 12 حزيران، توحي بأنّ المنظومة السياسية تركّز جهودها على محاربة الانقلابات وليس الفساد والسرقة والهدر، من المرجّح، وربما من المؤكد، انّ هذه السلطة ستُلزم مصرف لبنان بإنجاح خطة الخفض بأيّ ثمن. والثمن معروف، ولا يُخفى على أحد، تسريع الانهيار الشامل، والانتقال من المشهد المأساوي القائم حالياً، الى مشهد أشد سواداً وكارثياً بكل ما للكلمة من معنى.

في هذه الظروف هناك سؤال آخر مطروح: ما سيكون رأي خبراء صندوق النقد الدولي، في هذه الخطة، والطريقة التي اعتمدت لتنفيذها؟ وهل ستساعد هذه الخطة في تسهيل المفاوضات والوصول بها الى خواتيمها السعيدة، أم ستساهم في تعقيدها أكثر مما هي معقدة؟

لا حل لأزمة انهيار الليرة سوى من خلال البدء في تنفيذ خطة إنقاذية تعيد الامور تدريجاً الى مسارها الصحيح. والمسار الصحيح لأيّ خطة إنقاذ يبدأ باعتماد التسلسل الذي أعلنه رئيس الجمهورية في 12 حزيران الجاري، في تحديد المسؤوليات وتوزيع الخسائر على الشكل التالي: الحكومة (الدولة) مصرف لبنان والمصارف. وقد أرفق هذا التسلسل بتأكيد حماية ودائع الناس. وهذا ما أكده رئيس الحكومة حسان دياب أيضاً، في معرض كلمته التي أعلن فيها إحباط الانقلاب.

اذا كان رئيس الجمهورية مؤمناً بهذا التسلسل في تحديد المسؤوليات والخسائر في الأزمة المالية والاقتصادية التي وصل اليها البلد، واذا كان رئيس البلاد ورئيس الحكومة مُقتنعين، وتعهّدا بحماية ودائع الناس، فمَن وضع إذاً خطة الانقاذ الحكومية التي اعتمدت تسلسلاً مختلفاً لتوزيع الخسائر يَستثني أيّ مسؤولية على الحكومة، ويحصر توزيع الاضرار بالمودعين، من خلال تدمير القطاع المالي اللبناني؟

هناك تناقض في هذا الموضوع تستحيل معالجته سوى من خلال تصحيح الخلل في الخطة الحكومية، لأنّ تنفيذ تعهدات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يستوجب هذا التصحيح فوراً، أو التراجع عن هذه التعهدات لأنها تصبح غير واقعية، ولن يصدّقها عاقل.

انطوان فرح.

مصرف لبنان يضخ 30 مليون دولار في السوق

لم يطرأ تغير كبير على النفط يوم الجمعة، وسجل أول خسارة أسبوعية منذ أبريل نيسان، إذ ارتفع عدد حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة، مما يذكي مخاوف من أن تضر موجة ثانية من الفيروس بالطلب على النفط.

وجرت تسوية برنت عند 38.73 دولار للبرميل، بارتفاع 18 سنتا، في حين جرت تسوية خام غرب تكساس الوسيط عند 36.26 دولار للبرميل بانخفاض ثمانية سنتات.

وسجل الخامان القياسيان كلاهما انخفاضا أسبوعيا بنحو ثمانية بالمئة، وهو الأول بعد ستة أسابيع من المكاسب التي رفعت الأسعار من المستويات المدنية التي بلغتها في أبريل نيسان.

توقفت مسيرة الصعود بفعل مخاوف من أن جائحة فيروس كورونا قد تكون بعيدة عن الزوال، وذلك في الوقت الذي سجلت فيه حوالي ست ولايات أمريكية قفزات في أعداد حالات الإصابة الجديدة.

وقال فيل فلين المحلل لدى برايس فيوتشرز جروب ”هذه السوق في مفترق طرق. إذا واصل الطلب التحسن، فإن سوق النفط ما زال أمامها الكثير لتحققه على جانب الصعود…إذا صرنا في وضع نبدأ فيه اتخاذ خطوات للخلف في ظل فيروس كورونا، فإن السوق ستتراجع“.

في الوقت نفسه، ارتفعت مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي عند 538.1 مليون برميل، إذ تدفقت واردات رخيصة من السعودية على البلاد.

جاءت الزيادة بالرغم من خفض منتجين أمريكيين ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها الإمدادات.

وقالت شركة بيكر هيوز لخدمات النفط إن عدد حفارات النفط الأمريكية العاملة، وهو مؤشر على الإمداد المستقبلي، هبط بواقع سبعة إلى 199 هذا الأسبوع.

قلصت أوبك+ الإمدادات بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا، أي حوالي عشرة بالمئة من حجم الطلب قبل الجائحة، واتفقت في مطلع الأسبوع على مد أجل الخفض.

رنى سعرتي