أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

حاملو اليوريوبوندز يتحيّنون الفرصة المناسبة للانقضاض على أموال الدولة

Elliott, Aurelios,citadel.. صناديق تحوط (hedge fund) من حيث المبدأ، لكن يتمّ التعريف عنها بأنها vulture fund قامت بشراء سندات اليوروبوندز اللبنانية بأسعار بَخسة بعدما أعلن لبنان تخلّفه عن الدفع على عكس «اشمور» و»فيدالتي»، الّا انّ كل هذه الأطراف مجتمعة تستعد لمقاضاة لبنان بعد تعثّره. فما أوجه الاختلاف بينها؟ وكيف تستعد لمقاضاة لبنان؟ وهل تعدّ الدولة أوراقها للمواجهة؟

لدى إعلان لبنان تخلفه عن سداد سندات اليوروبوندز في 8 آذار الماضي، إتجهت الأنظار الى صندوق اشمور Ashmore الاستثماري على انه الجهة الشرسة التي استحوذت على الحصة الأكبر من سندات اليوروبوندز اللبنانية حتى باتت تحظى بحق «الفيتو» في أي قرار يتخذ لجهة إعادة جدولة الديون. وتردّد يومها انّ حصتها من السندات بلغت 25.3%. لكن يبدو انّ «اشمور» ليست الجهة الاشرَس التي ستقف في وجه لبنان في المرحلة المقبلة، فالمعركة الأكثر عدائية ستكون مع الجهات التي لم تكترث يوماً للسندات اللبنانية إنما اشترتها بعد تخلّف لبنان عن الدفع.

في السياق، يشرح الخبير المالي دان قزي لـ«الجمهورية» انّ الجهة التي كانت تشتري السندات اللبنانية منذ حوالى 10 سنوات الى اليوم، مثل fidelity و Ashmore، كان لديها إيمان بلبنان وعلى هذا الأساس كانت تُقرضه الأموال. وفي هذه الأزمة المالية، حافظت على السندات اللبنانية ولم تبعها، انما الجهة الأكثر شراسة، والتي تستعد لخوض معركة اليوم ضد لبنان، هي صناديق الـ vulture fund التي اشترت سندات لبنان بعدما وقّع، أي بعدما أعلن تخلّفه عن الدفع، وبأسعار بَخسة تقدّر بنحو 15 سنتاً للسهم. وأوضح ان المرة الأخيرة التي اشترت فيها اشمور السندات اللبنانية كانت في الفصل الأخير من العام 2019 بحيث كان سعر السهم حوالى 80 سنتاً بينما اصبح سعر السند اليوم اقل من 20 سنتاً، بما يعني انّ اشمور خسرت كثيراً بسندات لبنان، لكن كل هذه المعطيات لا تعني انّ صنوق اشمور لن يتجه الى المحاكم الدولية ليقاضي الدولة اللبنانية للاستحصال على حقوقه.

وأوضح انه قبيل بدء الحديث عن احتمال اعلان تعثّر لبنان، دخلت اطراف جديدة السوق اللبنانية واشترت سنداته، وهؤلاء نوعان: الأول يرى انّ هناك ما يستحق خوض هذه المعركة ضد لبنان (ممتلكات: نفط ذهب..)، والثاني راهَن على تدهور الأوضاع الاقتصادية فيه، فاستدانوا اليوروبوندز بسعر مرتفع باعوها في السوق المالية مراهنين على تدهور سعرها وما ان تدهور سعرها حققوا الأرباح واعادوها الى أصحابها.

الجهات الدائنة واقتناص الفرص

وعن سبب عدم تحرّك هذه الشركات لمقاضاة لبنان رغم مرور حوالي 8 اشهر على تعثر لبنان يقول قزي: انه من حسن حظ لبنان ان جائحة كورونا ألهت هذه الشركات عن لبنان، فنحن سوق صغير جدا لا يمثل اكثر من 1% مقارنة مع حجم أعمالها في دول أخرى. فكورونا أدّت الى انهيار الأسواق المالية العالمية بنحو 50% وكبّدت الشركات خسائر بالمليارات.

تابع: الى جانب ذلك، يمكن القول ان هذه الشركات الان في حالة ترقب للوضع المالي اللبناني وما اذا كنا سنحصل على دعم من صندوق النقد الدولي ام لا. وأوضح اذا وقع لبنان اتفاقا مع صندوق النقد فهذا يعني موافقة جدية على تطبيق الاصلاحات ودخول دولارات fresh money في المرحلة المقبلة ما من شأنه ان يزيد من مصداقية لبنان لدى الجهات الدائنة.

أضاف: في جميع الأحوال ان الجهات الدائنة لا تبدأ محادثات مباشرة مع الدولة اللبنانية انما هي تبقى في حال ترقب فتختار فتح معركتها في الوقت المناسب. على سبيل المثال، اذا قرّر لبنان ان يقترض الأموال سيحاولون وضع إشارة على الدين، ام اذا قرر بيع الذهب فسيحاولون وضع إشارة عليه، بما يعني انهم يتحركون إزاء أي خطوة من شأنها ان تدرّ أموالا للبنان.

وعن الهيركات المتوقع على السندات اللبنانية قال قزي: لا نسبة محدّدة انما هو يتراوح ما بين 50 سنتا كحد أدنى و75 سنتا كحد أقصى.​

ايفا ابي حيدر.

عام على 17 تشرين: الفقر ينتشر والإقتصاد من الأزمة الى الفاجعة

مَرّ عام على انفجار الأزمة المالية والاقتصادية التي قلبت الوضع رأساً على عقب، وفاجأت حتى المعنيّين والمسؤولين المباشرين وغير المباشرين عنها. سقط النظام المصرفي القائم على التحويلات المالية من الخارج بسرعة أكبر من المتوقع، فاضطّر الى احتجاز دولارات مودِعيه بسبب فقدانه السيولة بالعملة الاجنبية، وتحوّل الاقتصاد اللبناني الى اقتصاد نقدي يعتمد فقط على السيولة النقدية لإتمام المعاملات التجارية. آخر الإبداعات: ليرة بنكية Bira على غرار الدولار البنكي Lollar.

منذ 17 تشرين الاول 2019 ولغاية اليوم، يشهد لبنان انهياراً اقتصادياً مُتسارعاً أدّى الى زيادة حدّة الانكماش الاقتصادي من 7 في المئة الى 30 في المئة، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي من 52 مليار دولار في العام 2019 إلى 31 مليار دولار في العام 2020، وارتفع معدل التضخّم في مؤشر أسعار المستهلك الى 91.3 في المئة مقارنة مع 2.9 في المئة في 2019.

وقد استُنِزف احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية بالكامل بسبب مواصلة سياسة دعم استيراد السلع الاساسية على سعر الصرف الرسمي، ما أدّى الى تراجع اصول البنك المركزي من العملات الاجنبية الى حدود الاحتياطي الالزامي للمصارف عن 17.5 مليار دولار مقارنة مع 30 مليار دولار في 2019. وارتفعت نسبة الدين العام من الناتج المحلي الاجمالي الى 181 في المئة في 2020 مقارنة مع 177 في المئة في 2019، وذلك ليس بسبب استدامة الدين العام بل نتيجة تخلّف لبنان عن سداد ديونه الخارجية في آذار 2020 وتوقفه عن دفع سندات اليوروبوندز.

الانهيار الأبرز والأهم الذي نتج عن انفجار الأزمة، كان تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار بنسبة فاقت الـ 70 في المئة، ليصل في بعض الفترات الى حدود الـ10 آلاف ليرة مقابل الدولار ويتراجع الى حوالى 8000 ليرة حالياً، في حين ارتفع معدل التضخم السنوي الى مستويات قياسية عند 450 في المئة، ووضع لبنان في المرتبة الثانية عالمياً بعد فنزويلا.

في النتيجة، انهارت القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، وتضاعفت نسبة الفقراء لتصل إلى 55 في المئة في العام 2020 مقارنة مع 28 في المئة العام 2019، وارتفعت نسبة الذين يعانون الفقر المدقِع ثلاثة أضعاف، من 8 إلى 23 في المئة.

وفي ظل الابقاء على سعر الصرف الرسمي عند 1507 ليرة مقابل الدولار في القطاع المصرفي، أدّى الوضع المالي والنقدي المُزري الى وجود أسعار صرف مختلفة في السوق بالاضافة الى السعر الرسمي، وهي: سعر المنصة التي يحدده مصرف لبنان عند 3900 ليرة، سعر السوق السوداء عند 8000 ليرة حالياً، سعر شراء شيكات الدولار عند 3000 ليرة. كما بات هناك قيد التداول في السوق 4 عملات، هي: الدولار الحقيقي النقدي fresh dollar، الدولار الوهمي المُحتجز في المصارف (lollar)، الليرة الحقيقية النقدية، والليرة المحتجزة في المصارف (Bira/bank lira) والمستحدثة مؤخراً بعد ان قيّد مصرف لبنان السحوبات النقدية بالليرة اللبنانية ووضع سقوفاً لسحوبات المصارف النقدية بالليرة من المصرف المركزي.

ورغم تأكيد البنك المركزي على أنّ هذا النوع من التدابير هو بطبيعته إجراء موقّت تفرضه أوضاع استثنائية، وتلجأ اليه المصارف المركزية في العالم لمكافحة التضخّم والارتفاع المفرط في أسعار السلع والخدمات، من دون التقصير في تلبية مجمل حاجات السوق المحلي الى السيولة، إلّا انّ شح السيولة بالليرة في السوق في ظلّ شح السيولة بالدولار أيضاً وارتفاع الطلب عليه سيؤدي الى مزيد من الانكماش الاقتصادي لأنه سيعطّل الدورة الاقتصادية ويقلّص الاستيراد بنسبة اكبر من التي بلغها عند 50 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وفي النتيجة سيخفّض من حجم الاستهلاك.

في هذا الاطار، وصف وزير الاقتصاد السابق سامي حداد الاجراء الذي اتخذه مصرف لبنان، عبر تقييد السحوبات النقدية، بـ«التعيس جدّاً والقصير الاجل»، لافتاً الى انّ الهدف منه هو الحفاظ على سعر صرف الليرة مقابل الدولار بصورة اصطناعية. وأوضح لـ«الجمهورية» انه سينتج عن هذا الاجراء مزيد من التدهور في النشاط الاقتصادي، «وبدلاً من تحفيز الاقتصاد وتنشيطه، فإنّ تقييد السحوبات بالليرة سيؤدّي الى مزيد من الانكماش»، معتبراً انّ هذه الاجراءات بعيدة جداً من أفق الحلّ المتمثّل بتَدفّق مليارات الدولارت الى لبنان وذلك من خلال التوصّل الى اتفاق على برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي.

من جهته، أكد الخبير المالي وليد أبو سليمان لـ«الجمهورية» انّ الهدف من تقييد السحوبات النقدية بالليرة هو لجم الاستهلاك المحلي، وتقليص حجم الاستيراد، ومنع خروج المزيد من الدولارات الى الخارج، والحفاظ على ما تبقى من احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية لفترة اكبر، موضحاً انّ تقييد السحوبات بالليرة جاء بالتوازي مع طلب مصرف لبنان من مستوردي السلع المدعومة تسديد قيمة فواتير الاستيراد بالليرة نقداً، ما سيؤدي بطبيعة الحال الى شح ٍفي المواد الاستهلاكية وفقدان السلع من السوق بشكل اكبر من الحاصل اليوم، والى مزيد من الانكماش الاقتصادي.

وأشار ابو سليمان الى انه نتيجة ذلك، سيصبح هناك ليرات مكّدسة في المصارف وfresh ليرة، «وقد بدأ بيع وشراء الشيكات المصرفية بالليرة مقابل ليرة نقدية بسعر يتراوح بين 10 الى 15 في المئة من قيمتها الفعلية». وأكد انّ دولارات المنازل ستبقى مخزّنة ولن يتم استخدامها، بغضّ النظر عن أي سقوف يتمّ تحديدها للسحوبات النقدية بالليرة.

رنى سعرتي.

أزمة لبنان المالية – شرطان لصندوق النقد: الدعم وسعر الصرف

إعتبر كبير الاقتصاديين في «معهد التمويل الدولي» غربيس ايراديان، انّ لبنان سيتوصل الى اتفاق حول برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي عاجلاً أم آجلاً، لانّه الخلاص الوحيد لأي حكومة جديدة، مهما كان شكلها أو لونها. موضحاً انّ صندوق النقد الدولي سيشترط رفع الدعم عن المحروقات، وتوحيد سعر صرف العملة المحلية، الذي رجّح ان يبلغ أقلّ من 6000 ليرة مقابل الدولار، في حال تمّ تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، وحصل لبنان على الدعم المالي من المجتمع الدولي.

أكّد «معهد التمويل الدولي» في أحدث تقرير له، امكانية ان يصنّف لبنان كدولة فاشلة، في ظلّ غياب الإصلاحات السياسية والاقتصادية، لافتاً الى انّ الانفجار الهائل الذي حصل في مرفأ بيروت، بالاضافة الى الشلل السياسي أدّيا الى تعميق نسبة الانكماش في الاقتصاد إلى 26.6 في المئة لهذا العام، مقارنة مع 6.8 في المئة في 2019 و 1.9 في المئة في 2018.

واوضح انّ الانكماش الكبير في الإنتاج والانخفاض الهائل في سعر صرف العملة المحلية في السوق السوداء، سيؤديان الى تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 52 مليار دولار في العام 2019 إلى 31 مليار دولار في العام 2020. مشيراً الى انّ معدل التضخم في مؤشر أسعار المستهلك بلغت 91.3 في المئة في 2020 مقارنة مع 2.9 في المئة في 2019.

وذكر «رنى سعرتيمعهد التمويل الدولي»، انّ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المانحين الرسميين، يحجمون عن تقديم الدعم المالي الى لبنان، بسبب الفشل المتكرر للطبقة السياسية في تنفيذ السلة المطلوبة من الإصلاحات، معتبراً انّه يمكن استئناف المفاوضات بين السلطات اللبنانية وصندوق النقد الدولي وتخطّي كافة الاشكاليات السابقة ونقاط الخلاف، في حال تمّ تشكيل حكومة جديدة متخصصة ومستقلة في الأسابيع القليلة المقبلة، والتي يجب ان تبدأ فوراً في تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية، بما في ذلك إصلاح النظام المالي وإصلاح الكهرباء، بالاضافة الى اقرار مجلس النواب قانون يضمن استقلالية الهيئة القضائية، وقانون المشتريات العامة الجديد، والانتهاء من التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان الجارية حالياً.

وفيما توقع معهد التمويل الدولي تراجع العجز في الحساب الجاري، في ظلّ انهيار الطلب المحلي من 11.5 مليار دولار الى -3.1 مليارات دولار، اي بنسبة 22.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، إلى 10.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، اكّد انّ تراجع صافي تدفقات رأس المال سيعوّض الانخفاض الحاصل في عجز الحساب الجاري. وفي النتيجة، رجّح ان تنخفض الاحتياطات الرسمية للبنك المركزي بنحو 12 مليار دولار إلى 19.6 مليار دولار في نهاية العام 2020، مقدّراً أنّ ما لا يقلّ عن 18 مليار دولار من الأصول المتبقية لمصرف لبنان بالعملات الأجنبية، هي احتياطي إلزامي للمصارف، والتي لا يمكن للبنك المركزي استخدامها.

واكّد التقرير انّ العجز المالي سيبقى كبيراً بسبب انهيار إيرادات الدولة، وذلك بنسبة 10.3 في المئة من الناتج المحلي في 2020 مقارنة مع 11.9 في المئة في 2019. كما قدّر ان تبلغ نسبة الدين العام من الناتج المحلي الاجمالي 94.1 في المئة في 2020 مقارنة مع 175 في المئة في 2019.

واعتبر التقرير، انّ الإصلاح الاقتصادي والحدّ من حصول المزيد من التدهور سيتطلبان معالجة الفساد المستشري في لبنان بشكل جذري، وذلك عبر وجود إرادة سياسية قوية لإنشاء مؤسسات فعّالة تعزّز النزاهة والمساءلة في كافة مؤسسات القطاع العام، مشيراً الى انّ استقلالية النظام القضائي غالبًا ما تتعرّض للتحدّي من خلال التدخّل السياسي.

صندوق النقد يوقف الدعم

في هذا الاطار، اوضح كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي غربيس ايراديان، انّ الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد بلغ القعر، ولم يعد أمام لبنان سوى فرصة التوصل الى برنامج انقاذ مع صندوق النقد الدولي وتشكيل حكومة متخصصة، لتطبيق الاصلاحات المطلوبة، بغض النظر اذا كانت حكومة تكنوسياسيين او اختصاصيين، مؤكّدا لـ«الجمهورية»، انّ أي رئيس حكومة مقبل، ليس امامه سوى صندوق النقد الدولي لانتشال لبنان من ازمته، «وهذا أمر واقع، لكن توقيته ما زال مجهولاً، قد يتمّ التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل نهاية العام او مع بداية العام المقبل».

وشدّد ايراديان على انّ الدعم على السلع الاساسية المستوردة لا يمكن ان يستمرّ ولا قدرة لمصرف لبنان على الاستمرار به، مشدّداً على ضرورة رفع الدعم على المحروقات بشكل خاص او على الاقلّ دعمها وفقاً لسعر صرف الـ 3900 ليرة، كذلك الامر بالنسبة للادوية التي يجب ترشيد دعمها، باستثناء القمح الذي لا يشكّل دعمه مشكلة كبرى. وكشف انّ صندوق النقد الدولي لا يمكن ان يوافق عبر أي برنامج إنقاذ سينفذه في لبنان على مواصلة الدعم، وبالتالي فانّ هذا الامر سيحصل عاجلاً أم آجلاً، «إلّا انّ رفع الدعم، بعد الحصول على دعم مالي من صندوق النقد وتعزيز احتياطي مصرف لبنان، لن يكون تداعياتهما سلبية على غرار رفعه اليوم»، مشدّداً على ضرورة ان يقابل رفع الدعم، تفعيل لشبكة الحماية الاجتماعية للأُسر الاكثر حاجة.

ارتفاع سعر الليرة؟

عن مسار سعر صرف العملة المحلية، قال ايراديان، انّ سعر الصرف سيستعيد تعافيه عند البدء في تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي، والحصول على أموال «سيدر» التي ستعزّز النمو الاقتصادي وتُعيد الثقة للقطاع الخاص، لأنّها مخصّصة لتنفيذ مشاريع استثمارية في القطاع العام والخاص. متوقعاً ان يرتفع سعر صرف الليرة بعد 3 اشهر من انطلاق برنامج الانقاذ، والبدء في تنفيذ الاصلاحات، الى أقلّ من 6000 ليرة مقابل الدولار. كما اشار الى انّ صندوق النقد سيطالب ايضاً بعد 3 او 4 اشهر من تنفيذ برنامجه، بتوحيد اسعار الصرف المعتمدة، اي السعر الرسمي 1500 وسعر المنصة 3900 والسوق السوداء، مرجحاً ان يكون السعر الموحّد عند حوالى 5000 او 5500 ليرة.

رنى سعرتي.

أزمة لبنان المالية: 16مليار دولار في 11 شهـــــراً.. ماذا يجري؟

«حيث لا يوجد دولار لا يوجد اقتصاد»…العبارة مقتبسة من كلام حاكم مصرف لبنان في مؤتمره الصحافي الشهير في 11 تشرين الثاني 2019. يومها أعلن سلامة ما يشبه «الكابيتال كونترول»، وأقرّ كذلك خطة دعم المحروقات والطحين والدواء. هذان القراران اتخذهما سلامة في ظلّ حكومة مستقيلة، وتعذُّر إقناع المجلس النيابي بأن يأخذ على عاتقه مسؤولية قرارات من هذا النوع.

اليوم، وبعد مرور 11 شهراً ونيف على هذا التاريخ المفصلي (11 تشرين الثاني)، يتبيّن انّ القرارين المتعلقين بـ«الكابيتال كونترول» المموّه ودعم السلع الاستراتيجية، يواجهان مطبّات واعتراضات وتُرسم حولهما علامات استفهام. فهل أخطأ حاكم البنك المركزي في هذين القرارين، وكيف سيتمّ التعاطي مع الملفين في المرحلة المقبلة؟

في ملف «الكابيتال كونترول»، تواجه لجنة المال والموازنة حقائق لا يمكن تجاوزها، من أهمها تراجُع القدرات المالية لدى المصارف، وتفاوتها بين مصرف وآخر، بحيث أصبح توحيد معايير سحب المال، أو تسديد التزامات بالعملة الصعبة (الدولار الطالبي مثلاً)، شبه مُتعذّر، ما دامت هناك مصارف عاجزة عن تأمين الحدّ الأدنى من هذه المتطلبات. وبالتالي، لم تعد «وظيفة» «الكابيتال كونترول» تشبه مبدأ «ادارة السيولة» الذي تحدث عنه سلامة في 11 تشرين الثاني 2019، لأنّ السيولة الحقيقية بالدولار نضبت تقريباً. ومن أصل حوالى 4 مليارات دولار كانت لا تزال متوفرة في حينه في حسابات المصارف اللبنانية لدى المصارف المراسلة، أصبح الرقم سلبياً اليوم. طبعاً، هذا لا يعني انّ كل المصارف باتت حساباتها في الخارج مكشوفة، بل هناك مصارف مكشوفة، وأخرى لا تزال تملك حفنة متواضعة من الدولارات.

في المقابل، كان مصرف لبنان يملك 30 مليار دولار احتياطياً قابلاً للصرف، بالاضافة الى سندات «يوروبوند» بما يوازي 5 مليارات دولار. اليوم، تراجع هذا الاحتياطي الى حوالى 19 مليار دولار، وأنفقت المصارف وفق التقديرات المُتاحة حوالى 5 مليارات دولار. بما يعني انّ 16 مليار دولار خرجت من لبنان في سنة. فهل من المنطق، أن تخسر الدولة المفلسة من احتياطي العملات الصعبة هذا المبلغ في عام واحد، في عام «إدارة السيولة»؟

ما ساهم في هذا الهدر القاتل للدولار، ثلاثة عوامل أساسية:

اولاً- عدم وجود قانون «كابيتال كونترول»، الأمر الذي سمح بتسرّب الدولارات من المصارف بإسلوب فوضوي غير موزون وغير مُقونّن. («تهريب» ودائع، اضطرار المصارف الى دفع ودائع ائتمانية (fiduciary deposit)، سحب نقدي مُقنّن وغير عادل، لأنّه لم يتمّ وفق معايير موحدة…)

ثانياً- قرار دعم السلع الاستراتيجية، (محروقات، دواء وطحين، وسلة غذائية فضفاضة، اختلط فيها ما هو اساسي للغذاء، وما هو حيوي كمواد أولية للتصنيع). ورغم انّه لا توجد أرقام حول نسبة الهدر في مشروع الدعم، لكن اذا أخذنا في الاعتبار عوامل التهريب الى سوريا، التحايل التجاري، افادة حوالى مليوني أجنبي مقيمين على الأراضي اللبنانية، استغلال الدعم لإخراج مزيد من الاموال الى الخارج، نستطيع أن نستنتج، أنّ نسبة الهدر في أموال الدعم تفوق الـ60%.

ثالثاً- الفشل الحكومي الصارخ، بدءاً بإعلان التوقف عن الدفع (افلاس) في آذار 2020، مروراً بالاسلوب العنجهي الفاشل في وضع خطة للتعافي، للتفاوض على مندرجاتها مع صندوق النقد الدولي، وصولاً الى تخلّي حكومة حسان دياب عن دورها في إعادة النظر في موضوع الدعم، والتنسيق مع مصرف لبنان لوضع خطة بديلة تتماهى مع خطة التعافي، من حيث الأهداف والبرنامج الزمني.

بعد مرور عام على اعلان بدء مرحلة «ادارة السيولة»، كيف أصبحت الخريطة المالية والاقتصادية في البلد، وما هو المطلوب في المرحلة المقبلة؟

– في الاحتياطي بالعملات، تراجع مخزون المركزي الى حوالى 19 مليار دولار، من ضمنه حوالى 17 مليار دولار احتياطي إلزامي.

– في موجودات المصارف، تراجعت السيولة بالعملات في الخارج والداخل الى أقل من مليار دولار. واذا أخذنا في الاعتبار الحسابات المكشوفة لبعض المصارف، يصبح لزاماً حسم حوالى ملياري دولار من السيولة المتوفرة، بما يعني انّ مجموع السيولة بالدولار في المركزي وفي المصارف التجارية لا تتجاوز الـ18 مليار دولار، ومن ضمنها الاحتياطي الالزامي. هذا المبلغ، مُضافاً اليه حوالى 22 مليار دولار على شكل ديون قابلة للاسترداد، بالاضافة الى حوالى مليار دولار يمكن استردادها من تسوية ديون اليوروبوند، تشكّل المجموع العام القابل للتناقّص يومياً من أصل حوالى 120 مليار دولار كانت موجودة في النظام المالي.

الملاحظة هنا، انّ اعتماد الـ(Ratio) بين أصل حجم الودائع، وما تبقّى منها اليوم (41 مليار دولار بما فيها الديون غير المُحصّلة) يشير الى النسبة المئوية نفسها المعتمدة في تصريف الشيكات مقابل الدولار الطازج (حوالى 33%).

– في حجم الناتج المحلي، تشير التقديرات الى تراجع لا يقلّ عن 30%، بما سيؤدّي الى هبوط الـGDP الى ما دون الـ35 مليار دولار.

– التضخّم في الاسعار تجاوز الـ200%، وهبوط قيمة الليرة وصل الى 500%.

هذه بعض الارقام الواضحة، والتي تشير الى خطورة المسار الذي يسلكه الوضع المالي. ومن المرجّح ان يزداد سوءاً بسرعة قياسية، لأنّ كل المؤشرات توحي بأنّ مصرف لبنان عاجز عن وقف الدعم والهدر الذي يواكبه، ورئيس الحكومة المستقيل حسّان دياب، لا يريد تحمّل مسؤولية وقف الدعم، تماماً كما أنّه لا يرغب في تحمّل مسؤولية اتخاذ قرار واضح، باستمرار الدعم وإنفاق ما تبقّى من دولارات. كل ما يريده دياب حالياً، هو أن يتولّى سلامة بالنيابة عنه اتخاذ القرار الصعب، وان يتحمّل الحاكم بنفسه مسؤولية تبخُّر ما تبقّى من دولارات للبنانيين. والحاكم هو صاحب مقولة «حيث لا يوجد دولار لا يوجد اقتصاد»، ويعرف بلا شك انّه حيث لا يوجد اقتصاد لا يوجد وطن. والسؤال: الى أين المفرّ؟

انطوان فرح

إيرادات الدولة تعكس عمق الأزمة وتداعياتها في المستقبل

تُبرز أرقام المالية العامة التي صدرت حتى الآن أزمة عجز متفاقم، يعكس انكماشاً اقتصادياً يُنذر بكارثة، خصوصاً على مستوى التراجع الذي يسجله القطاع الخاص الذي يعني انّ مستويات البطالة سوف ترتفع باضطراد، وسيزيد الضغط المعيشي على الناس.

تعتمد إيرادات الدولة بشكل أساسي على الضرائب والرسوم التي تستوفيها من القطاع الخاص من أجل تمويل نفقاتها التشغيلية وليس الاستثمارية، وهي حالياً تتمثّل برواتب وأجور القطاع العام وتمويل عجز الكهرباء، بعد ان تراجعت بشكل كبير كلفة خدمة الدين العام (-50 %) إثر تعثّر الدولة عن سداد ديونها في آذار الماضي وتوقفها عن تسديد الديون الخارجية واقتصارها فقط على تسديد ما يوازي مليار دولار من فوائد على الديون الداخلية.

وبالتالي، فإنّ القطاع الخاص ومؤسساته وشركاته، التي أقفل اكثر من 50 في المئة منها لغاية اليوم، هي المموّل الوحيد للدولة في ظل انعدام التدفقات المالية من الخارج والقضاء على السياحة، علماً انّ تراجع نشاط القطاع الخاص بهذه النسبة يعني تسريح موظفين بالنسبة نفسها وارتفاع عدد العاطلين عن العمل، في حين انّ القطاع العام الذي يشكل جزءاً اساسياً من عجز المالية العامة، والتي تشتهر إداراتها بالفساد والمحاصصة والهدر وعدم الانتاجية، ما زال عدد الموظفين فيه على حاله، رغم انّ نسبة كبيرة منهم تتقاضى رواتب مقابل وظائف وهمية.

في النتيجة، يستمرّ موظفو قطاع العام بقبض رواتبهم رغم تراجع قدراتهم الشرائية بسبب تدهور قيمة العملة المحلية، في حين انّ موظفي القطاع الخاص يخسرون مردودهم الشهري على حساب تمويل عجز الدولة من خلال طبع العملة، وبالتالي ارتفاع التضخم الذي يؤدي بطبيعة الحال الى تعثّر مؤسسات القطاع الخاص ويتسبّب في إقفالها.

وفي التفاصيل، تراجعت ايرادات الدولة في النصف الاول من العام الحالي حوالى 20 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي الى حوالى 4 مليارات دولارات (وفقاً لسعر الصرف الرسمي) مع تراجع الايرادات الضريبية 28 في المئة والايرادات غير الضريبية بنسبة 30 في المئة. في المقابل، تراجعت نفقات الدولة بنسبة حوالى 20 في المئة ايضاً الى حوالى 6 مليارات دولار (وفقاً لسعر الصرف الرسمي) ليبلغ عجز الموازنة حوالى 2.2 مليار دولار بما نسبته 32.52 في المئة من مجموع النفقات.

في هذا الاطار، أوضح الخبير الاقتصادي بيار الخوري ان العجز ارتفع من 29.60 في المئة الى 32.52 في المئة في النصف الاول من العام 2020، مما يعني انّ انخفاض الايرادات لم يقابله انخفاض مماثل في النفقات «وهو امر طبيعي لأن نفقات الدولة لا تتمتّع بالمرونة ذاتها للايرادات، ورغم انها تراجعت هذا العام بالقيمة الاسمية بالليرة اللبنانية، فهي تبقى نفقات غير مَرنة، اي انه لا يمكن ان تشهد المزيد من التراجع».

وقال لـ«الجمهورية» ان ارقام المالية العامة تشير الى ان الانفاق على مؤسسة كهرباء لبنان تراجع بالفِعل من 720 مليون دولار الى 435 مليون دولار (وفقاً لسعر الصرف الرسمي) نتيجة تراجع استيراد النفط وتراجع اسعار النفط، وبالتالي فهذا التراجع هو عنصر غير ثابت. لافتاً الى ان النفقات العامة ما زالت على حالها عند حدود 4.7 مليارات دولار، وهي الجزء الاساس من الانفاق العام وبمرونة صفر، أي انه لا يمكن خفض هذه القيمة.

وبالنسبة لكلفة الدين العام، اعتبر الخوري انه لا يوجد انخفاض حقيقي في خدمة الدين العام الداخلي حيث تراجعت من 1.5 مليار دولار في النصف الاول من 2019 الى مليار دولار في النصف الاول من 2020 (سعر الصرف الرسمي)، موضحاً انّ التراجع في خدمة الدين العام مردّه الى انخفاض نفقات الفوائد على الديون الخارجية من 1.0 مليار دولار الى 135 مليون دولار نتيجة توقف الدولة عن الدفع.

ولفت الخوري الى انّ القيمة الحقيقية لتراجع حجم النفقات يجب ان يتم احتسابها وفقاً لسعر صرف العملة في السوق السوداء، أي ان كلفة الاجور البالغة 4.7 مليارات دولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي عند 1500 ليرة، تبلغ اليوم فعلياً 884 مليون دولار، مما يؤكد ان الدولة تلجأ الى حل أزمتها عبر التضخّم ومن خلال انهيار سعر الصرف.

وأشار الى ان القيمة الفعلية للايرادات تراجعت ايضا وفقاً لسعر الصرف العائم، وانّ ترجمة الموازنة وفقاً لسعر الصرف في السوق السوداء يدلّ على انّ حجم الموازنة تراجع بنسبة 80 في المئة من ناحية الايرادات والنفقات.

واكد ان هناك قراراً بتمويل عجز الدولة من خلال طبع العملة، وهو امر جَليّ من خلال مراقبة حجم الكتلة النقدية المعروض M0 الذي ارتفع بشكل جنوني منذ تشرين الاول 2019 لغاية تموز 2020 حيث بلغ 19101.40 مليار ليرة مقارنة مع 17817 مليار ليرة في حزيران 2019. موضحاً انّ نسبة الارتفاع في القاعدة النقدية مماثلة لنسبة زيادة التضخم ونسبة تراجع سعر صرف العملة المحلية في السوق السوداء.

رنى سعرتي

200 دولار شهرياً لكل عائلة أفضل للجميع

يشكّل سيناريو وقف الدعم كابوساً مرعباً للبنانيين. والقول انّ الدعم سيتوقف بعد شهرين أو ثلاثة على الأكثر، يجعل البعض يتحسّب لجهنّم. لكن، ومع الاعتراف بأنّ الكارثة وقعت، لا بد من إجراءات مؤقتة، تحمي البلد من مخاطر تفوق طاقته على تحمّلها.

من الواضح أنّ الذين قرأوا كلام رياض سلامة في خلال الاجتماع الشهري مع جمعية المصارف اللبنانية، ركّزوا على العبارة التالية:

«الأزمة الحادة باتت وراءنا». وبصرف النظر عن التفسيرات التي أُعطيت لهذا التعبير الذي قد يكون المقصود فيه انّ الكارثة وقعت، وبالتالي صار المطلوب التركيز على المرحلة المقبلة التي يُفترض ان تُخصّص للخروج التدريجي من الهاوية، من المهم التمعّن في القضايا الحسّاسة التي تحدّثَ فيها حاكم المركزي، من خارج سياق هذه العبارة التي أثارت بلبلة وجدلاً.

ما أثاره سلامة أمام ممثلي المصارف اللبنانية مُقلق، ويمكن مناقشته بنداً بنداً، إنطلاقاً من الوقائع التالية التي سَرَدها الرجل:

أولاً – الخطة الانقاذية مجمّدة.

ثانياً – لا وجود لخطة حول مقاربة التفاوض مع الدائنين بعد إعلان التعثّر في آذار 2020.

ثالثاً – المفاوضات مع صندوق النقد عالقة.

رابعاً – الدولة تموّل عجزها المتفاقم بطباعة الليرة بطلب من وزارة المال، سواء لسد عجز الموازنة، أو لتسديد استحقاقات سندات الدين بالليرة.

خامساً – دعم السلع لا يمكن أن يستمر لأكثر من شهرين أو ثلاثة على الأكثر، وسيتوقف بعدها كليّاً لعدم المس بالاحتياطي الالزامي لدى مصرف لبنان.

سادساً – ضرورة التزام المصارف بتطبيق مندرجات التعميم 154.

إنّ كلّ نقطة من هذه النقاط تستحق نقاشاً مستفيضاً، وهي أهم بكثير من عبارة «الأزمة وراءنا»، لأنها في الواقع تؤكّد أنّ الأزمة في بداياتها، وما هو متوقّع، اذا استمر المسار السياسي على حاله، سيكون أسوأ بكثير من المعاناة الحالية للبنانيين.

لعلّ واحدة من النقاط الأكثر سخونة هي تلك المتعلقة بتمويل الدولة عبر طباعة الليرة. والنقطة الثانية التي لا تقلّ خطورة هي تلك التي ترتبط بوقف الدعم الكلي في غضون شهرين أو ثلاثة على الأكثر.

في موضوع طباعة العملة، تبدو الامور دراماتيكية لأنّ القطاع المالي برمّته لم يعد يملك العملة الصعبة، في حين أنّ المخزون الدولاري المُخبّأ في المنازل بات يفوق مخزون كل المصارف اللبنانية في الداخل، ولدى المصارف المراسلة. وبالتالي، لم يعد متاحاً تسيير شؤون الدولة، ودفع الرواتب وتأمين الانفاق الداخلي الضروري، وتسييل الودائع الدولارية جزئياً بالليرة، سوى من خلال طباعة العملة. وهذا يعني انّ مسار التضخّم (هبوط سعر الليرة) هو مسار دائم وتصاعدي، بما يعني انّ كارثة التضخّم المفرط (Hyperinflation) باتت تدق الأبواب. واذا استمر هذا المسار القسري في ظل ظروف الجمود السياسي، وعقم السلطة التنفيذية المستقيلة، قولاً وفعلاً، فإنّ سعر الدولار، الذي يشكّل بوضعه الحالي أزمة ضخمة للبنانيين، سينتقل الى مكان آخر تنطبق عليه عبارة «جهنم» بدقة متناهية.

كذلك يفتح هذا الموضوع النقاش حول موازنة الدولة للعام 2020، والتي لم تبصر النور بعد، في حين انّ بند إقرار هذه الموازنة وارد في ورقة الشروط ضمن المبادرة الفرنسية لتشكيل «حكومة مهمة». إذ من شأن الموازنة، ولو متأخرة كثيراً، أن توضِح الحقائق المتعلقة بالتمويل، خصوصاً انّ وزير المالية سبق له أن نفى ما أثير سابقاً حول تمويل الرواتب والانفاق عبر طباعة العملة، في حين سمعنا سلامة يؤكد أمام المصارف هذا الأمر.

في موضوع توقّف الدعم والذي يخشى الناس ان يؤدي الى كارثة تفوق بأضرارها وتداعياتها أضعاف الكارثة الحالية، لا بد من التوقّف عند مسألة المبلغ الذي تمّ إنفاقه في غضون 8 اشهر من الدعم، والذي يقدّر بحوالى 10 مليارات دولار، وهو رقم كارثي. ومن المرجّح انّ المواطنين استفادوا واقعياً بما يوازي مليارين أو ثلاثة على الأكثر، في حين أُنفق ما تبقّى لتمويل التهريب والسرقة والتحايل والهدر والتخزين، والذي يُقال انّ بعض الأحزاب تتولّاه بنشاط لضمان قدرتها لاحقاً على دعم محازبيها عندما تنتقل الكارثة الى المرحلة النهائية الأصعب.

هذا الواقع، بالاضافة الى الرقم الذي بلغه الاحتياطي في مصرف لبنان، يعني انّ الدعم بمفهومه الحالي ينبغي أن يتوقف فوراً، وان يتم الانتقال الى ترشيد هذا الدعم. والأفضل اعتماد الطرح الذي سبق أن قُدّم، من خلال بطاقات التمويل الشهري. وفي حسبة بسيطة، واذا اعتبرنا ان كل عائلة في لبنان ستحصل على 200 دولار شهرياً، ووفق حسبة انّ هناك حوالى مليون عائلة (على أساس 4 ملايين نسمة، وبمعدل 4 أفراد في الاسرة الواحدة)، فهذا يعني 200 مليون دولار شهرياً. اذا أضفنا فاتورة دعم الفيول للكهرباء، ودعم القطاع الصحي في موضوع الادوية للحفاظ على قدرة الهيئات الضامنة، يصبح مجموع الفاتورة الشهرية حوالى 300 مليون دولار. وهذا يعني انّ الملياري دولار ونصف المليار المتبقية (خارج إطار الاحتياطي الالزامي الذي يبلغ حوالى 17 مليار دولار) تكفي لدعم كل العائلات اللبنانية، وتأمين الكهرباء والدواء لمدة 8 أشهر، وهي فترة كافية لتكون الخطط الانقاذية قد أقلعت وبدأت تعطي النتائج. وهذا يعني اننا لو اعتمدنا هذا النهج منذ إعلان الافلاس في آذار، لكنّا وَفّرنا مليارت الدولارات التي هُدرت بلا طائل.

انطوان فرح.

هل تلجأ الدولة الى بيع احتياطي الذهب؟

لم يعد موضوع رهن او بيع جزء من احتياطي الذهب، الذي يملكه لبنان، من المحرّمات كما كان في السابق، خصوصاً بعد ان طرح الاقتراح نائب حاكم مصرف لبنان السابق محمد البعاصيري، متسائلاً «لمَ لا نلجأ إلى رهن هذا الاحتياطي الذي يقارب حجمه 10 ملايين أونصة، أي ما يساوي نحو 18 مليار دولار، للتعويض عن المتضرّرين من انفجار مرفأ بيروت؟».

لا يأتي طرح موضوع رهن الذهب من قِبل شخصية مصرفية مالية من عدم، بل يوحي بأنّ المسّ باحتياطي الذهي بات أمراً مطروحاً، ومن الخيارات التي يمكن البحث فيها، كبدائل عن رفع الدعم، مع نفاد احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية، وفي حال تمّ التمسّك فعلاً بعدم المسّ بالاحتياطي الالزامي للمصارف.

عادة، تلجأ المصارف المركزية حول العالم الى تكوين جزء من احتياطاتها النقدية بالذهب، باعتباره الملاذ الآمن للعملة المحلية، حيث يمكن اللجوء الى تسييله عند الحاجة، من اجل دعم عملاتها المحلية، ولأنّ المعدن الأصفر الأقل تذبذباً، في ظل تزايد المخاطر العالمية.

وفيما لم يمسّ لبنان بأي كمية من الذهب خلال كافة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي مرّ بها على مدى السنوات السابقة، في مؤشر الى أنّ الوضع لم يكن يستدعي تسييل تلك الأصول، فهل انّ الأزمة الحالية قد تدفع الدولة الى اللجوء لاحتياطي الذهب للجم الانهيار في ظلّ انسداد الأفق؟

في هذا الاطار، اعتبر الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، انّ طرح موضوع رهن او بيع الذهب، هو حديث سابق لأوانه ويزيد الطين بلّة، في ظلّ عدم وجود رؤية واضحة لمستقبل البلاد، وفي أجواء سياسية ضبابية، ووضع غير سليم للمالية العامة، ومديونية غير متّفق عليها لغاية اليوم، وميزانية غير صحيحة للبنك المركزي والقطاع المصرفي، وودائع محتجزة في المصارف.

وشدّد حمود لـ«الجمهورية»، على انّه لا يجوز أبداً البحث في موضوع بيع او رهن الذهب، قبل وضوح الصورة والتوافق على سياسة مالية وآلية صحيحة لمعالجة الأزمة، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتحديد حجم الخسائر، واعلام المودعين حول مصير ودائعهم.

أضاف: «كلّ ما عدا ذلك، سيعني استخدام آخر ما لدينا من احتياطيات لهدرها، على غرار الاحتياطات بالعملة الاجنبية، التي تمّ استنزافها لدعم المحروقات وغيرها. وكما نفدت السيولة بالعملة الاجنبية سينفد الذهب».

ورأى حمود، انّه يجب تحديد رؤية صحيحة بعقلانية سياسية وبتوافق بين لغة السياسيين ولغة حاكم مصرف لبنان، لإعادة هيكلة مصرف لبنان والقطاع المصرفي، والاتفاق على كيفية معالجة وضع الودائع، ووقف تزايد عجز المالية العامة، للتوصل الى استدامة الدين العام. معتبراً انّ الحديث عن الذهب اليوم في ظلّ غياب تلك الرؤية سيُترجم بأنّ السلطة تريد ان تستولي أيضاً على الذهب.

واكّد حمود انّه سيأتي اليوم المناسب للبحث في استخدام احتياطي الذهب، «إلّا انّه اليوم موضوع لاحق وغير سابق»، موضحاً انه يفضّل الانهيار التام والانفجار الاجتماعي، في حال نفاد السيولة ورفع الدعم، على المسّ بآخر ما تبقى لنا من احتياطيات «لأنّ استخدامه في الظروف الحالية سيؤخّر الانفجار ولن يمنعه».

وشرح، انّ احتياطي الذهب يُعتبر اليوم من ضمن أدوات الحلّ، ولا يجوز التفريط به قبل وضع سياسة مالية ورؤية واضحة للخروج من الأزمة، بالاضافة الى التوافق مع صندوق النقد الدولي. عندئذ يمكن البحث في رهن او بيع الذهب، من اجل دعم اعادة هيكلة الدين العام وتصحيح وضع المالية العامة.

وشدّد حمود، على انّ المطلوب اليوم هو الهدوء السياسي وتشكيل حكومة عقلانية، لمعالجة الوضع المالي، بالتوافق مع البنك المركزي وجمعية المصارف، على ان تعيد الوضع الى ما كان عليه قبل حكومة حسان دياب، التي فجّرت الأزمة وتخلّفت عن السداد، وسعت الى القضاء على البنك المركزي والقطاع المصرفي، من اجل حلّ الأزمة.

رنى سعرتي

الى أين يتجه الدولار مقابل الليرة في الايام المقبلة؟

أن يرتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، أمرٌ متوقع ما أن يرفع المصرف المركزي الدعم عن المحروقات والقمح والأدوية، الّا انّ بَدء تحرّك الدولار منذ نحو أسبوعين في منحى تصاعدي يُنذر بالأسوأ، خصوصاً انّ الدعم لا يزال سارياً، فماذا تخبّئ لنا الاسابيع المقبلة مع رفع الدعم؟ وهل من سقوف لسعر الدولار؟

كشفت دراسة أعدّها المتخصّص في عمليات الصيرفة والاستثمار عمر تامو، بالاستناد الى الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان، عن ضَخ المركزي منذ بداية العام حتى مطلع شهر تشرين الاول الحالي مبلغ 13 ألف و180 مليار و140 مليون ليرة، بما يشكّل زيادة لكتلة النقد بالليرة بنسبة 125 %. وبلغ حجم الاموال المتداولة خارج مصرف لبنان (أي التي طبعها المركزي) حتى مطلع شهر تشرين الاول 2020 نحو 23 ألفاً و700 مليار ليرة، في حين كانت الكتلة النقدية المتداولة بالليرة مطلع العام 2019 نحو 5860 مليار ليرة أي بزيادة نحو 300 %، وهذا ما يفسّر كيف انّ طباعة الليرة وضَخّها بالسوق يؤثران سلباً على سعر الصرف.

في السياق، شرح تامو لـ”الجمهورية” انّ المركزي يطبع الليرات ويضخّها في السوق، في حين انّ الكتلة النقدية بالدولار لا تزال هي نفسها ولم يقابلها دخول دولارات جديدة الى لبنان يُعادل الطلب المتزايد على هذه العملة الصعبة، وهذا ما يفسّر التدهور المستمر في سعر صرف الليرة اللبنانية. فالليرة التي يطبعها المركزي لا يوجد في مقابلها أي عملة اجنبية أو ذَهَب يحميها ويحافظ على قيمتها.

تابع: انّ ضَخ الليرة بهذه الكميات في بلد يعتمد بشكل اساسي على الاستيراد يؤثر سلباً على قيمتها، بحيث كلما زادت كميتها في السوق كلما قَلّت قيمتها. فالمشهد مُشابه لسلة مليئة بالليرات اللبنانية باتت تتوازن اليوم مع سلعة غذائية واحدة، في حين كانت تتوازن في الماضي مع سلة استهلاكية كاملة.

وأوضح تامو انّ هناك سببين رئيسيين وراء ازدياد الكتلة النقدية في السوق، هما:

– تحوّل اقتصادنا الى cash economy والحاجة الدائمة الى التعامل بالنقدي، عازياً ذلك الى عدة اسباب أبرزها: تراجع الثقة بالمصارف اللبنانية، والتي دفعت المودعين الى سحب أموالهم من المصارف نقداً خوفاً من فقدانها، بعض تعاميم مصرف لبنان منها الذي أجاز سحب الدولار على سعر 3900 ليرة، بما يعني انه بدل ان تساوي الـ100 دولار 150 ألفاً باتت تساوي 390,000 ألف ليرة، اي هناك حاجة لطباعة المزيد من الاوراق النقدية لتغطية هذا الفارق لتمويل السحوبات.

– إحتساب الدولار اثناء السحوبات النقدية بـ3900 ليرة، في حين يحتسب 1500 ليرة عند الدفع بالبطاقة الائتمانية ما يشكّل خسارة للمودِع. وبالتالي، حتى لو كان المودع يفضّل استعمال البطاقة، فإنه باتَ مُجبراً على استبدالها بالنقدي. كذلك، كان التجار يدفعون في السابق ثمن البضاعة بِغَرض الاستيراد بواسطة البطاقة المصرفية، امّا اليوم فهم مُجبرون على الحصول على الاموال نقداً من المصارف لأخذها الى الصراف وشراء الدولار.

إرتفاع الدولار قبل الدعم؟

وعن تفسيره لارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة في السوق الموازي في الفترة الاخيرة، من حوالى 7200 ليرة الى 8600 ليرة، في حين كان من المتوقع ان يبدأ الدولار مَنحاه التصاعدي بعد رفع المصرف المركزي الدعم؟ يقول تامو: انّ الثقة بالعملة تؤدي دورا اساسيا في سعر الصرف. فاللبنانيون عقدوا آمالاً على قُرب تشكيل الحكومة بدعم أجنبي ومساعدات خارجية بالعملة الاجنبية وتحسّن الوضع الاقتصادي، لكنّ تعثّر التشكيل رغم التدخلات الاجنبية كان له أثر سلبي على سِعر الصرف، يُضاف الى ذلك كل ما يتم تداوله عن توجّه المصرف المركزي الى رفع الدعم على السلع الاساسية، فتدهور سعر الصرف لن ينتظر الى اليوم الذي سيرفع فيه الدعم. وفي هذا الجو السلبي الكلّ بدأ يحتاط من الأسوأ، فالمواطنون لن ينتظروا رفع الدعم لشراء الدولار، وهذا حقّهم، فهم يرون الدولار ملاذاً او خلاصاً في المرحلة السيئة المقبلة، لا سيما انّ كل الاشارات مصرفياً ومالياً واقتصادياً وسياسياً سلبية، الى جانب استمرار ضَخ الليرة في السوق.

مساران: الانهيار أو التحسن

في التوقعات للمرحلة المقبلة هناك مساران: الاول سيئ يُسرّع الانهيار، والثاني ايجابي قد يجمّد الوضع قبل ان يحسّنه، فما العوامل التي قد تؤدي دوراً محرّكاً في أحد هذين الاتجاهين؟

يقول تامو: لا شك انّ رفع الدعم من دون اي خطة إنقاذية سيسرّع من الانهيار لأنه سيدفع بكل التجّار للتوجّه نحو السوق الموازي لشراء الدولار ما سيزيد الطلب عليه بشكل مخيف، وعندها سيزداد الضغط على قيمة العملة اللبنانية، حيث لا سقف لارتفاع الدولار.

في المقابل، إنّ تحسّن سعر الليرة مقابل الدولار يتطلب أوّلاً تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن يكون على رأس اولوياتها الاصلاح وتحريك العجلة الاقتصادية. هذه الخطوة تحسّن نفسية اللبناني وتجمّد ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة، وإذا استكمل هذا المنحى الايجابي بموافقة صندوق النقد الدولي على خطة إنقاذية يضخ على أثرها دولارات جديدة في السوق، الى جانب السير بإصلاحات سيدر التي من المتوقع ايضاً ان تضخّ عملات اجنبية في السوق واستثمارات مع ما ستوفّره من فرَص عمل… كل هذه العوامل الايجابية ستؤدي الى تحسن سعر الصرف. لكن الى اي حد يمكن ان يتحسن فيه سعر الصرف؟ يقول تامو: انّ خطة لازار حددت سعر الصرف بـ 3500 ليرة على ان يرتقع الى 4000 ليرة لاحقاً، لكن حتى الآن لا يمكن معرفة قيمة العملة لأننا لا نعلم بعد حجم الخسائر الاقتصادية ولا حجم خسائر مصرف لبنان والمصارف، مع التأكيد انّ هذه الخسائر زادت بعد انفجار مرفأ بيروت وبعد تداعيات جائحة كورونا، كما من غير المعلوم بعد أيّ نوع صرف سيعتمد، أي هل سيتم تثبيت العملة او تركها ضمن هامش متحرّك.
ايفا ابي حيدر.

المشهد المالي يتغيّر… وأرقام خطة التعافي صارت من الماضي

بعدما أضاعت الطبقة السياسية فرصة تجنيب البلاد المزيد من الانهيار من خلال إفشال المبادرة الفرنسية بنسختها الأولى، ماذا سيكون تأثير هذا الفشل على الاقتصاد المترنّح؟ وهل لا تزال فرص الإنقاذ متوفرة؟

أما وقد وضع ملف التشكيل الحكومي في الثلاجة، ووقفت الطبقة السياسية موقف المتفرج حيال الأزمة المالية الحادة التي يمر بها لبنان مع يقينها الكامل بأنّ لبنان يسير نحو جهنم حيث الانهيار الكبير، ها هي لا تزال بعيدة كل البعد عن المعالجات المطلوبة. فهل تملك ترف الوقت لبقائها في حال المراوحة هذه؟ وما الثمن الذي سندفعه نتيجة تأخر وصول الدعم المالي؟

يقول الوزير السابق عادل افيوني: مرّة أخرى تضيّع الاحزاب الحاكمة فرصة مصيريّة لتجنّب مزيد من الانهيار، وتغلّب المصالح السياسية الضيّقة على الاولوية الوطنية وعلى حاجات البلد والشعب الاساسية.

منذ سنة والبلد ينزف مالياً واقتصادياً ونقدياً ومعيشياً، وأولويتنا كانت ولا تزال الحصول على دعم مادي خارجي سريع لوقف النزيف وتأمين المواد الاساسية وتوفير شبكة حماية اجتماعية ووقف تدهور العملة. وأكد انّ «هذا الدعم المادي الخارجي مطلوب أمس قبل اليوم، والمرجع الوحيد القادر على تأمينه هو صندوق النقد. والمبادرة الفرنسية وضعت خارطة طريق واضحة للوصول الى هذا الدعم سريعاً، وكان علينا تلقفها في أسرع وقت. لكن للأسف ضربت المصالح السياسية والحسابات الحزبية بهذه الفرصة عرض الحائط، وعُدنا اليوم الى نقطة الصفر مجدداً.

وردا على سؤال لـ«الجمهورية» قال أفيوني: في غياب الدعم المادي الخارجي السريع وبرنامج صندوق النقد سيستمر النزيف في الاحتياطي والشح في العملات، ونتيجة ذلك سنشهد ارتفاعاً في الطلب على الدولار ومزيداً من التدهور في العملة وتضخّماً قاتلاً وأزمة معيشية خطيرة.

أضاف: لقد شهد الوضع الاقتصادي والمالي مزيداً من التدهور منذ إعداد الحكومة السابقة خطة الإنقاذ المالي في نيسان، وانخفض الاحتياطي في البنك المركزي بمعدل سريع وتفاقم حجم الخسائر في القطاع المالي. وبالتالي، انّ حاجاتنا الى الدعم التي قدّرتها الخطة بـ10 مليارات دولار ازدادت منذ وضع هذه الخطة في نيسان. أضف الى ذلك، كارثة انفجار بيروت التي أدّت الى خسائر جسيمة اضافية تقدر بـ5 مليارات دولار على الاقل، وهذه بدورها تشكّل حاجات اضافية للدعم الخارجي.

الدعم الخارجي… ومعادلة جديدة

قدّر أفيوني حاجة لبنان الى الدعم الخارجي في السنوات الخمس القادمة بأنها تفوق الـ30 مليار دولار. ويمكن تقسيمها بين دعم الوضع المالي والنقدي وتحفيز الاقتصاد وتأمين شبكة أمان اجتماعية وتعويض خسائر كارثة بيروت… ولا شك انّ جزءاً كبيراً من هذه الاموال يجب تأمينه سريعاً وفي السنة الاولى.

وقال: انّ المعادلة واضحة برأيي: لا خلاص بدون دعم مالي خارجي، ولا دعم مالياً خارجياً بدون اتفاق مع صندوق النقد، ولا اتفاق مع صندوق النقد بدون خطة مالية واصلاحية واضحة، ولا خطة مالية وإصلاحية واضحة بدون حكومة من الكفاءات والاختصاصيين تضع الخطة وتنفذها.

هذا كان أملنا من المبادرة الفرنسية ولكنها أجهضت للأسف، والثمن يدفعه الشعب اللبناني انهياراً مالياً ونقدياً واقتصادياً ومعيشياً موجعاً لا حدود له، والمواطن لم يعد يحتمل هذا الوجع بينما الاحزاب الحاكمة غارقة في المحاصصة.

ماذا عن مصير الخطة الاقتصادية؟

يقول افيوني: انّ الاحداث التي مر بها لبنان منذ نيسان الى اليوم تستدعي تحديث الخطة الاقتصادية لأنّ الوضع استمر بالتدهور منذ إعدادها، والخسائر المالية تفاقمت بسبب انخفاض قيمة العملة وانخفاض الاحتياطي وكارثة انفجار مرفأ بيروت. وبناء عليه، عدّد افيوني أبرز التعديلات التي يجب إدخالها على الخطة الانقاذية، ومنها:

– انّ الحاجة الى الدعم المالي الخارجي في السنوات الخمس المقبلة باتت تتعدى اليوم وبحسب تقديري الـ30 مليار دولار.

– الخسائر الاجمالية في القطاع المالي تغيّرت بفعل انخفاض الاحتياطي وتدهور العملة، ويجب اعادة تقييم هذه الخسائر على هذا الاساس.

– من الضروري إعادة النظر في توزيع الخسائر، وعلى الأخص تخفيف العبء عن المودعين وتوضيح آلية تعويض المودعين وإن جزئيّاً، إذ انّ الخطة السابقة تطرقت الى هذا الامر ولكن بطريقة سريعة.

– من الضروري كذلك الوصول الى حل علمي ومنطقي مع المصارف فهي الدائن الاكبر للبنك المركزي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي على أسس سليمة وعادلة، وهي شرط اساسي لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد.

ايفا ابي حيدر.

الإنهيار في لبنان… “قصة” من إسرائيل

لا تكمن أهمية المبادرة الفرنسية في أنّها فرصة ثمينة لمساعدة لبنان في الخروج من أزمته الخانقة فحسب، بل أيضاً، في كونها قطعت الشك باليقين، عندما أثبتت انّ الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان لم ينتج من حصار خارجي، كما يدّعي أو يتوهم البعض.

ما أثبتته المبادرة الفرنسية، التي ليس معروفاً بعد، اذا ما كانت ستبقى قائمة بعد تداعيات اعتذار مصطفى أديب، أنّ الاميركيين المتهمين بمحاصرة لبنان مالياً للضغط على ايران وحليفها «حزب الله»، لم يعترضوا على الفصل بين السياسة والاقتصاد لإعطاء فرصة لإنقاذ اللبنانيين. وعليه، ينبغي الاعتراف بأنّ المشكلة في مكان آخر. لن يبدّل في الحقائق القائمة الاختباء وراء العوامل السياسية لتبرير الجرائم التي ارتكبتها المنظومة الحاكمة. الكارثة التي يعيشها اللبنانيون اليوم، ونقلهم الى مشهد الفقر وسفن الموت وبطاقات التموين والذلّ، وتحضيرهم للأسوأ، ناتجة من تراكمات وارتكابات وخطايا، مسؤولة عنها المنظومة السياسية المحلية دون سواها.

لمن ينقصه الدليل على أنّ الشروط التي يضعها المجتمع الدولي، كما الأميركيون، لا علاقة لها بالضغط السياسي، من المفيد نقل هذه الـ»قصة» من اسرائيل.

منذ مطلع السبعينيات بدأ الاقتصاد الاسرائيلي يُرسل اشارات وهنٍ وتراجع. ومع مرور الوقت، راحت الاشارات تزداد وضوحاً، وتنبئ بالاتجاه نحو الانهيار. وكانت هناك مجموعة عوامل تقف وراء هذا الوضع، من أهمها التالي:

اولاً- الإنفاق المفرط على المجهود الحربي.

ثانياً- تدفق المهاجرين اليهود باضطراد، والحاجة الى خلق فرص عمل سريعة لاستيعابهم، تتطلّب تمويلاً اضافياً لدمج القادمين الجدد في المجتمع.

ثالثاً- بنية الاقتصاد الذي كان يعتمد سياسة رسمية شبه اشتراكية، لجهة دور الرعاية الموسّع الذي تقوم به الدولة، ومن ضمنه سياسة الفوائد والقروض المدعومة.

رابعاً- مستوى أجور في القطاعين العام والخاص، يتجاوز قدرة وحجم الاقتصاد.

هذه العوامل أدّت الى عجز دائم في الموازنة، اضطرت معه الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة الى الاقتراض والى طباعة العملة (شيكل) لتوفير السيولة. وراح حجم الدين يرتفع، وقيمة العملة تتقهقر.

اتضح للمنظومة السياسية الاسرائيلية، انّه لا بدّ من اجراء تغيير جذري يوقف التدهور الاقتصادي. لكن الحكومات المتعاقبة تحاشت اتخاذ القرار، لأنّه يتضمّن اجراءات موجعة للاسرائيليين، وكان كل حزب يصل الى السلطة يفضّل عدم المجازفة بفقدان شعبيته جراء قرار من هذا النوع. وبدلاً من الذهاب في اتجاه خطة انقاذ حقيقية، حاولت المنظومة السياسية الخطط المجتزأة والخفيفة (Light)، وهي خطط من النوع الذي يراعي عدم المس بالاجور، ويتحاشى فرض رسوم على الناس، ويبتعد عن الاقتطاع الفعلي من الموازنة… بذرائع متعددة. جرى تنفيذ خطتين من هذا النوع في مرحلتين مختلفتين، لكن الامور انتهت الى تسريع الانهيار بدلاً من لجمه.

في مطلع العام 1985، وصلت نسبة التضخم الى حوالى 450%، وكانت التوقعات تشير الى ارتفاعه الى 1000% في العام التالي. وهبطت قيمة العملة الاسرائيلية من 4 شيكل للدولار الواحد الى 1500 شيكل للدولار. وبلغ حجم الدين على الناتج (GDP %220)، وهو أعلى من نسبة الدين على الناتج في لبنان (حوالى 180%)، يوم أعلنت حكومة حسان دياب الإفلاس في آذار 2020. وأدركت المنظومة السياسية في اسرائيل انّ الانهيار صار على قاب قوسين أو أدنى. رفعت الصوت للاستعانة بالأميركي، وكان يومها رونالد ريغان في البيت الابيض، ووزير خارجيته جورج شولتز، الصديق الصدوق لاسرائيل. ورغم الصداقة والمحبة والمصلحة والسياسة، جاء الجواب الأميركي على طلب العون، بأنّ واشنطن مستعدة للمساعدة، لكنها لن تفعل قبل ان تنفّذ اسرائيل خطة اقتصادية اصلاحية شاملة. هذا الشرط سبق أن طلبه الأميركيون من الاسرائيليين قبل العام 1985، لكن الاسرائيليين عاندوا وفضّلوا تجربة الخطط الخفيفة غير الموجعة.

هذه المرة أدركت المنظومة السياسية، وكان على رأسها في حينه رئيس حزب العمل شيمون بيريز، انّ الخيار قائم بين اثنين: اعلان الافلاس والتوقف عن الدفع، أو تأمين التغطية السياسية لخطة انقاذية، كان يعرف مسبقاً انها ستثير غضب الاسرائيليين، لاسيما منهم الطبقة العمالية. واختار بيريز الخطة الانقاذية. ووافق على استقبال خبيرين اقتصاديين، ارسلتهما الادارة الأميركية للمساهمة في وضع الخطة، هما: هيربرت شتاين (Herbert Stein) وستانلي فيشر (Stanley Fischer)، بالتعاون مع خبراء اقتصاد اسرائيليين.

استغرق إعداد الخطة حوالى ثلاثة أشهر، وفق الركائز الرئيسية التالية:

اولاً- السماح بخفض الاجور من 12 الى 14%.

ثانياً- خفض العجز في الموازنة بحوالى 3,8 مليارات دولار.

ثالثاً- إقرار قانون يمنع الحكومة من الاقتراض من البنك المركزي لتغطية العجز.

رابعاً- وقف سياسة القروض المدعومة، وتعزيز نقاط القوة في الاقتصاد الاسرائيلي.

أُطلق على الخطة تسمية «خطة الاستقرار». وعقدت الحكومة الاسرائيلية برئاسة بيريز جلسة ماراتونية، سجّلت سابقة زمنية في تاريخ انعقاد الجلسات الحكومية، إذ استغرقت 19 ساعة مستمرة، وانتهت بإقرار الخطة.

ردّات الفعل الاولية في الشارع لم تكن مرحبة، ونظّم العمال تظاهرات واحتجاجات لمدة ثلاثة ايام، ثم ما لبثوا أن أوقفوا تحرّكاتهم، بعدما لاحظوا انّ الرأي العام لا يدعمهم، اذ انّ الاسرائيليين عموماً كانوا يخشون تبعات الافلاس والانهيار الاقتصادي.

لا حاجة للحديث عن الاقتصاد الاسرائيلي اليوم الذي أصبح في مكان آخر. لكن تنبغي الاشارة الى النتائج الفورية لتنفيذ الخطة في العام 1985. فقد اشارت ارقام العام 1986 الى انّ التضخّم (Inflation) تراجع من 450% الى 20%. والعجز في الموازنة الاسرائيلية قياساً بالناتج، هبط من 15% الى صفر. وحجم القروض هبط بنسبة 33%.

خلاصة هذه القصة لا تحتاج الى شرح مستفيض، والعبرة الاساسية فيها انّ الانهيار كما الانقاذ في لبنان، من صنيعة ومسؤولية المنظومة السياسية دون سواها. وبصرف النظر عن الاخطاء والارتكابات المتراكمة منذ سنوات طويلة، لو عرفت هذه المنظومة أن تتخذ القرار في الوقت المناسب، لأمكن تحاشي الافلاس. ولو تلقفت هذه المنظومة المبادرة الفرنسية بالأمس، لأمكن تحاشي تعميم الفقر. وغداً، قد تكون هناك فرصة أخرى لكنها قد تكون مخصّصة لتحاشي المجاعة ليس إلّا، ومن غير المستبعد أن يتمّ هدرها هي الأخرى.

قال وقيل بين الفرنسيين والمصارف: ماذا عن الهيركات؟

أثار الكلام الذي صدر عن الجانب الفرنسي في شأن الودائع المصرفية في لبنان، تساؤلات حول الخطوط العريضة لخطة الإنقاذ الجديدة التي قد ترى النور، في حال أقلعت المبادرة الفرنسية. فهل أصبح الـHAIRCUT أمراً واقعاً لا بدّ منه، وماذا عن بقية العناوين في الخطة العتيدة؟

يُجمع كل من يتعاطى الشأنين المالي والاقتصادي، انّ أهم عنصر إنقاذي في المرحلة المقبلة، سيرتبط بنقطتين:

 

اولاً- طبيعة الخطة التي سيتمّ تبنّيها للخروج من الأزمة.

ثانياً – الجدّية في تنفيذ مندرجات الخطة.

 

من هنا، يمكن تفسير التحركات الاستباقية التي يقوم بها القطاع المصرفي اللبناني، ومن ضمنها الزيارة التي قام بها وفد منه الى باريس، في محاولة للتفاهم على الخطوط العريضة للخطة الجديدة.

 

ورغم انّ التفاصيل والنتائج العملية المحتملة لهذه الزيارة لم يتمّ الكشف عنها، إلّا أنّ العناوين التي تحملها المصارف معروفة، وهي سبق وأعلنتها بوضوح في خطّتها الانقاذية التي قدّمتها في بيروت. من هنا، كان التركيز على معرفة ردّ الفعل الفرنسي، ومدى التجاوب مع هذه الطروحات. ومن خلال بعض التسريبات والمواقف المُعلنة، يمكن الاستنتاج انّ باريس، كانت لديها تساؤلات على بعض النقاط المطروحة، ومن أهمها، فكرة الحفاظ على الودائع كاملة، وعدم اللجوء الى أي نوع من أنواع «الهيركات».

 

ورغم انّ الفرنسيين لم يطالبوا بالهيركات، لكنهم طرحوا اسئلة وعلامات تعجّب في شأن الطريقة التي يمكن ان تحمي من الهيركات، طالما انّ الودائع التي وضعتها المصارف في مصرف لبنان قد جرى استخدامها. وبالتالي، يصعب القول انّ في الامكان استرجاع هذه الاموال، من دون عملية جراحية لاقتطاع قسم منها. في المقابل، أبدى الجانب الفرنسي تجاوباً مع فكرة إشراك الدولة اللبنانية في عملية الإنقاذ المالي، من خلال انشاء صندوق سيادي لإدارة الاصول.

 

من الواضح أنّ الفرنسيين يعتمدون مبدأ الإجراءات الموجعة، لأنّها برأيهم اكثر فعالية في إنجاح خطة الإنقاذ، خصوصاً في الوضع الحالي، أي بعد مرور اكثر من ستة أشهر على اعلان الحكومة اللبنانية التعثّر والتوقّف عن الدفع، ومن دون وجود قانون «كابيتال كونترول»، وفي ظلّ سياسة الدعم التي يتمّ تنفيذها حالياً.

 

وفي السياق، يعتبر الفرنسيون انّ ما كان ممكناً قبل 7 آذار 2020، أصبح أصعب بعده، وأنّ الإجراءات التي كانت كفيلة بالإنقاذ بعد هذا التاريخ ببضعة اسابيع، لم تعد كافية اليوم، وصار هناك حاجة الى وجع اضافي. وكلما تمّ شراء المزيد من الوقت من دون اجراءات، كلما صار الوجع المطلوب أعمق وأكثر حدّة. ومن هنا، ورغم انّ الفرنسيين تفهّموا وجهة نظر المصارف في توصيف الأزمة وتوزيع المسؤوليات، مع التركيز على مسؤولية الدولة والمنظومة السياسية، إلّا أنّهم لم يقتنعوا، على ما يبدو، بإمكانية الإنقاذ من دون «هيركات». واعتبروا انّ هذا الأمر كان مُتاحاً، لو تمّ إقرار قانون «كابيتال كونترول» وبدأ لبنان التفاوض مع الدائنين، وجرى إقرار خطة عملية موحّدة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي. إلاّ أنّ كل ذلك لم يحصل، واستمر استنزاف ما تبقّى من أموال ومن بقايا ثقة، بما جعل الوضع ينتقل الى مرحلة جديدة أكثر تعقيداً من ذي قبل.

 

في المقابل، اقتنع الجانب الفرنسي بضرورة الحفاظ على القطاع المالي في لبنان من خلال المصارف. لكن في المقابل، سيكون على المصارف أن تساهم بقوة في تحمّل نسبة كبيرة من الخسائر. المفارقة هنا، انّ الفرنسيين يتبنون نظرية انّ الدولة ربّ عمل فاشل، وهذا التوصيف ينطبق على الدول التي لا تعاني من نسبة فساد سياسي مرتفعة، فكم بالحري بالنسبة الى دولة، كما لبنان، يُعتبر الفساد السياسي فيها قاعدة، والنزاهة استثناء نادر.

 

يبقى أن تتمّ الاجابة عن السؤال التالي: اذا تمّ التسليم بحتمية اجراء «هيركات» على الودائع، ما هي الشريحة التي سيشملها الاقتطاع، وما هي النسبة، وما هو نوع «الهيركات» الذي سيُعتمد؟

 

الإجابة عن هذا السؤال المتعدد الجوانب، ترتبط بالتوقيت الذي ستختاره السلطة للبدء في تنفيذ خطة الإنقاذ، وبالإجراءات التي ستسبق الخطة ومن أهمها «الكابيتال كونترول». وعلى سبيل التوضيح، لو تمّ إقرار قانون «الكابيتال كونترول»، بعد 17 تشرين الاول 2019، كما طالبت المصارف في حينه، لوفّرنا خروج مليارات الدولارات، ليس بالنسبة الى ما يُعرف بالودائع المهرّبة، بل من الودائع الائتمانية المودعة في مصارف خارجية، والتي اضطرت المصارف اللبنانية الى تحريرها في غياب «الكابيتال كونترول».

 

في النتيجة، لم يُصدر الفرنسيون قرارات جازمة عقب حواراتهم مع المصارف اللبنانية، لكن الروحية التي سادت تعكس تفهّماً للوضع. وما يركّز عليه الفرنسيون اليوم، تأمين التغطية السياسية لإنجاح أي خطة إنقاذ يتمّ التفاهم عليها. ولا يحتاج الفرنسيون الى نماذج للتأكّد من أنّ القرار السياسي وحده يضمن نجاحات الخطط، اذ يكفي أن ينظروا الى اسرائيل، الجارة القسرية للبنان، وأن يتابعوا ما جرى فيها في 1 تموز 1985، وما حصل لاحقاً، لكي يتيقنوا أنّ أحسن الخطط الاقتصادية في العالم لا يمكن أن تنجح بلا تغطية سياسية، وأنّ القيادات السياسية لا تجرؤ من تلقاء نفسها على إقرار الخطط الإنقاذية الموجعة. في اسرائيل، مارست الولايات المتحدة الضغط المُحبّب، وفي لبنان تحاول فرنسا أن تمارس على المنظومة السياسية الضغط نفسه. اذا نجحت نجح الإنقاذ، وإذا فشلت إنهار الاقتصاد اكثر مما هو منهار.

انطوان فرح.

احتياطيات الغاز في لبنان تتراوح بين 80 و 140 مليار دولار والنفط 90 ملياراً

خبير النفط والغاز فادي جواد: ثروة لبنان النفطية تزيح عنا شبح العتمة لـ20 عاماً

كان من المفترض أن تقدّم شركة “توتال” التي قامت بأعمال الحفر بالبلوك رقم 4 بحثاً عن الغاز، دراسة عن نتيجة الحفر الأوليّة التي أجرتها لفترة شهرين في لبنان، ومقارنتها بالدراسات الجيوفيزيائية التي على أساسها تمّ الحفر في هذه البقعة وذلك لتسهيل عملية اختيار الموقع المناسب لحفر البئر في المرحلة المقبلة، إلا أن هذه الدراسة لم ترَ النور بعد لغاية اليوم. فالحفر في البلوكين 4 و9 اللذين يعوّل عليهما الكثير في استكشاف الغاز، يعتبر ضمن البنود التي يجدر بالحكومة الجديدة الشروع بها بشكل سريع فور تشكيلها نظراً الى التداعيات الإيجابية التي ستتركها على الساحة الإقتصادية و”الكهربائية” للبلاد. فما هي الآمال المعلقة على تجديد الحفر في البلوكين المذكورين وما هي نتائج الثروة النفطية المرجوّة على الإقتصاد؟

نتائج الحفر المعلنة في البلوك رقم 4 لفترة شهرين بدءاً من شباط، لم تأت كما اشتهاها اللبنانيون، اذ أنها بيّنت بخجل العثور على آثار الغاز. ووفقاً لدراسة عالمية في مثل تلك النتيجة إن 1 من 4 آبار تعطي النتيجة المرجوة والامل في استكشاف الكمية التجارية المطلوبة. من هنا يقول خبير اقتصاد النفط والغاز فادي جواد إنه يجب دراسة نتيجة الحفر الاولية جيداً ومقارنتها بالدراسات الجيوفيزيائية التي على اساسها تمّ الحفر ما يقلل من عامل المخاطرة Risk Factor وبالتالي ستعيد “توتال” تقييم الموقف لتأخذ القرار باختيار موقع البئر المقبل الجديد بالتعاون مع هيئة ادارة قطاع البترول الوطنية التي ستقيم من جهتها الدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية للمنطقة وتضمها لنتائج الحفر وهذا سيساعد الجانب الوطني على مناقشة “توتال” في اقتراح الموقع الجديد المقترح لحفر البئر الجديدة والموافقة عليه من عدمه او اقتراح موقع افضل”.

تجديد الحفر

وحول إمكانية تجديد أعمال الحفر في البلوك 4 رغم النتائج غير المرضية، خلال الفترة المقبلة، يؤكّد جواد أن إتفاقية الالتزام بين لبنان وشركات التحالف (التي رست عليها مناقصة كل من بلوكي 4 و 9 وفاز الكونسورتيوم المؤلف من توتال الفرنسية التي تقود وتدير التحالف و نوفاتاك الروسية وإيني الإيطالية )، تقوم على ان يكون عدد الآبار 3 في مدة 3 سنوات وتمدد لسنة واحدة بموافقة الحكومة اللبنانية لحفر بئر اضافية. على أن تعيد الحكومة تلزيمها لشركات أخرى أكثر إحترافية في تقنيات استكشافية خاصة بها كما حصل مع شركة “شلّ” والحكومة المصرية حيث اعادت تلزيم حقل زُهر لشركة “إيني” الايطالية والتي استكشفت اكبر حقل غاز في منطقة حوض المتوسط وسبب فشل “شل” كان حفرها أعماقاً ضحلة !

وحول التزام شركات التحالف بالاتفاقية او انسحابها منها بسبب النتائج غير الإيجابية في البلوك رقم 4، اشار جواد الى أن العكس هو الصحيح، فالنتائج فوق الممتازة في البلوك رقم 4 كان يجب ان يطلع عليها اللبنانيون في بداية شهر تموز الماضي حسب وعد “توتال” عن حاجتها لشهرين لدراسة نتائج الحفر التي حصلت عليها خلال شهر شباط الماضي ولكن تم تأخير نتائج الاعلان للوصول الى تسوية في المنطقة.

ويضيف: وبذلك وفور وضوح الرؤية الجيوسياسية للمنطقة ستبدأ الحفارة بإنجاز ما عليها ونصب اول بئر لبنانية في هذا البلوك وعلمت أن “توتال” متحمّسة للسيطرة على البلوكات حيث استأجرت 4 طوابق لطاقم عملها الشهر الماضي في بيروت وهذا دليل على ما هو موجود وقادم.

وما هي مجريات الأمور في المرحلة المقبلة؟

يؤكّد جواد انه من الناحية الفنية وحسب الالتزام المبرم، يكون التوجه لحفر بئرين في المرحلة المقبلة بعد اصدار النتائج التي كانت متوقعة خلال شهري حزيران وتموز الماضيين، ومن الناحية التقنية من الصعب ان نعطي نتيجة بلوك 4 قبل استكمال الدراسات للبئر الاولى حيث يحفر في مكان غير معروف ومنطقة عذارء تسمى Wild Cat وبعد الدراسات ستتحدث توتال وتعلن اذا ستكمل في هذا البئر وتقوم بـ well appraisal وباعتبارها اول بئر تحفر في منطقة Wild Cat ونسبة نجاحه 1 من 4 على احسن تقدير يعني من الممكن حفر 3 آبار ويكتشفون الكمية في البئر الرابع ومن الممكن الا تجد شركات التحالف شيئاً وتأتي بعدها شركة اخرى وتستكشف كميات تجارية كما حدث في كثير من الدول.

وبالنسبة الى المعلومات التي حصلت عليها “توتال” إثر استكشافها البئر الأولى، يقول إن المعطيات الموجودة حالياً هي معلومات “سايزمية ” حيث تبيّن وقت ارسال ورجوع الموجات وتعطي رسومات تقريبية للاعماق وبالنسبة الى الكميات التي يتكلم عنها الاميركيون نحو 90 تريليون قدم مكعب باعتبارها احتياطياً Reserve وهذا ليس صحيحاً فهي كميات موارد Resources متوقعة لتتحول الى احتياطي، يكون موارد ويتحول الى علمية الاكتشاف Discovery ومن ثم مرحلة الاستكشاف التجاري Commercial Discovery ومنها يبدأ تحديد الاحتياطي Reserve وبعدها 3 مراحل: Proven Reserve،Probable Reserve Possible Reserve.

إحتمال وجود الغاز

ويعتبر أن احتمال عدم وجود غاز في البلوك رقم 4 هو ضعيف جداً اذ أن اول بئر تعطينا المعلومات الخاصة بالطبقات الجيولوجية والمحدّد فيها المكمن وبعدها يعاد رسم كل الخرائط نتيجة التعرف على السرعات الخاصة بالموجات والمكان الحقيقي وتحويل الخرائط الى خرائط واقعية اكثر وضوحاً من الاولى وبالتالي الوصول الى المكمن الخاص بهذا البلوك.

أما عن كيفية التأكّد من وجود غاز في المياه اللبنانية، فيشير الى أن “الاكتشافات النفطية تختلف بين بلوك وآخر ومن خبرتنا يوجد بلوك منتج ملاصق لبلوك غير تجاري تم اقفاله وبلوك بحجم 30 تريليون قدم مكعب يجاوره بلوك يحتوي على 2 تريليون قدم مكعب، فبالتالي اذا لم توفق شركات التحالف في الوصول الى استكشاف تجاري في بلوك 4 يجب المسارعة الى تلزيمه لمجموعة اخرى مثلما حصل مع توتال في حقل “زُهُر” المصري حيث خرجت منه بسبب عدم وصولها لأي استكشاف وكان نصيب الاستكشاف بعد اعادة تلزيمه لشركة ايني الايطالية وكان الحقل الاكبر في البحر المتوسط، وبالتالي عملية استكشاف الغاز هي المرحلة المهمة في عالم النفط والغاز وتحتاج الى مهارات فنية عالية من قبل الفنيين بالتعاطي مع الجيولوجيا وتحليل البيانات.

وبالنسبة الى البلوك 4 النتائج الاولية مبشّرة اذ تفيد عن وجود غاز في مستويات متعددة من الحفر بالاضافة الى العناصر الاساسية لوجود هيدروكربون ونحن بانتظار التقرير النهائي من شركة “توتال” لتحليل البيانات والعينات الذي تأخر 7 أشهر بدل ان يصدر خلال 60 يوماً وهي الفترة المطلوبة لنشر النتائج !

وفور إعلان النتيجة وخصوصا اذا كانت مبشّرة سيدفع التحالف الى الانطلاق نحو حفر البئر الاختياري غير الالزامي والتوجه الى التفتيش عن المكمن المنتظر وخصوصاً ان طبقة الصخور التي بلغت 1000 متر في البلوك رقم 4 كانت غنية بالهيدروكربون وهذا ما يدعوني الى التفاؤل بأنه يوجد كمية تجارية مهمة، ومن جهة اخرى سيعزز وضع الدولة اللبنانية في قوة التفاوض على البلوكات الثمانية بالاضافة الى انه سيفتح شهية الشركات البترولية العالمية للدخول بقوة في دورة التراخيص الثانية وخصوصا الشركات الاميركية التي سنشهد تواجداً لها قوياً في الفترة القادمة.

البلوك 9: كمّيات كبيرة

وحول البئر الموجودة في البلوك 9 والتي يقال إنها تحوي كميات كبيرة من الغاز لقربها من حقل غاز زُهُر المصري الذي يضم كميات كبيرة من الغاز، يوضح جواد أننا “بانتظار العمل على البلوك رقم 9 في اسرع وقت من دون اي تأخير وخصوصاً ان العمل في بلوك رقم 4 قد توقف وبالنسبة الى رقم 9 فمؤشراته اعلى في النجاح بوجود كمية مبشرة نظراً لقربه من حقل “كاريش” الاسرائيلي والذي حفر وظهرت نتائجه الجيولوجية ودخل مرحلة الاستخراج كما ان البلوك رقم 9 قريب جداً من عدد كبير من البلوكات المصرية والاسرائيلية الغنية بالغاز مثل تامار ليقياثان افروديت وزُهر والتي استكشفت فيها كميات تجارية وصلت الى 30 تريليون قدم مكعب وليقاثيان 18 تريليوناً”.

وفي حال العثور على الغاز والنفط ماذا سيتغير في لبنان حالياً ولاحقاً علماً أن الفوائد المادية سيلمسها لبنان بعد 7 او 10 سنوات وفق أقلّ تقدير. اذا كانت البلاد لا تزال قائمة؟

تقدّر ثروة لبنان بنحو 30 تريليون قدم مكعب و850 مليون برميل من النفط، “قيمة احتياطيات الغاز في لبنان تتراوح بين 80 و 140 مليار دولار، وإحتياطيات النفط نحو 90 مليار دولار للفترة الممتدة بين عامي 2020 و2039. وبناءً على الاتفاقية فإن الدولة ستحصل على ما يقدر بنحو 56% إلى 71% من إيرادات الرقعة البحرية رقم أربعة، و55 إلى 63% من الرقعة رقم تسعة، ومن المعلوم أن 20 تريليون قدم مربّعة فقط كفيلة بتوفير الطاقة على مدار الـ 24 ساعة يومياً لمدة عشرين سنة، بحسب هيئة إدارة قطاع النفط في لبنان وهذه أهمية اكتشاف الغاز على سواحل لبنان”.

وبالتأكيد اذا لم يواكب الاكتشافات مرحلة مواكبة لها وهي تطوير صناعة البتروكيماويات التي تعتبر مستقبل الصناعات النفطية في العالم والتي تســعى جميع الدول النفطيــة لتطويرها واذا لم نطور الاقتصاد الانتاجي قبل بدء العائدات البترولية يرى جواد أن “هذه الصناعة ستنضمّ للاقتصاد الريعي ولا اعتقد ان تحقيق العوائد سيستغرق 7 سنوات اذا وجدت الارادة السياسية للتسريع في اخذ القرارات والاجراءات”.

سيستغرق انتاج النفط فترة تتراوح بين 3 و 5 سنوات وخصوصاً اننا بلد غير نفطي ولا نملك البنية التحتية والكفاءات المطلوبة مثل دول الخليج القادرة على الاستفادة من اي اكتشاف نفطي جديد بربع المرحلة الزمنية، لذلك من الضروري الإسراع في بدء الحفر في بقية البلوكات بعد التلزيمات المطلوبة والتي كنا منتظرين الدورة الثانية اوائل 2020، إذ إن الاسرائيليين بدأوا الحفر في حقل “كاريش” الذي يبعد حوالى 7 كلم عن البلوك رقم 9 وبالتالي يقفون على حوض خزان واحد ما يستوجب الضغط لايقاف العمل في حقل “كاريش” لحين الوصول الى تفاهم دولي على الكميات المسموح سحبها من قبل كل من الدولتين ما يحمي حقوق الشعب اللبناني في ثروته النفطية”.

بدء الحفر ضروري لإيقاف عمل “كاريش”

ايفا ابي حيدر

هل تُنقِذ البورصة أموال المودعين؟

يومها كنت أشغل منصب رئيس بورصة بيروت، وعملت جاهداً على إقناع المسؤولين بأنّ البورصة لا يمكن لها أن تعيش على الفتات الذي يسقط من مائدة المصارف. فسياسة الفوائد المرتفعة والإحجام عن الخصخصة وتداول سندات الخزينة خارج البورصة، وتوجيه الشركات للاستدانة من القطاع المصرفي حصراً دون تكوين رأسمالها عبر اكتتابات تُطرَحُ في البورصة، كانت تحول دون تأمين إطار الأمان. عوضاً عن ذلك، كان الإصرار على النفخ في إطار المصارف حتى إنتفخ الإطار وانفجر.

كثر الكلام عن مشاريع الخصخصة ما بين العامين 2000 و2004، فتمّ وضع عددٍ من التشريعات المتعلقة بها، وكان الإهمال لدور البورصة جلياً. ولما اعترضتُ كرئيس لبورصة بيروت في ذلك الحين، مستنداً الى دراسات ناقشها الاتحاد العالمي للبورصات، عن دور الخصخصة في النهوض بكبرى بورصات العالم، وتعميم ثقافة الاستثمار على المواطنين، جوبهت بجواب فحواه: «لو أعطينا لشركة ما حصرية الإستثمار في كهرباء لبنان من خارج البورصة لحصَّلنا ثمناً اعلى مما لو طرحناها في بورصة بيروت». علماً أنّ اقتراحي كان بأن يشارك الشعب اللبناني بـ 49% من خصخصة كهرباء لبنان عبر بورصة بيروت، فيما تؤول الإدارة ونسبة 51% الى شريكٍ استراتيجي أجنبي.

طبعاً لم يؤخذ بإقتراحي في حينه، لتبقى أموال الشعب نائمة في المصارف تغذّي الدين العام، وليتصارع السياسيون على حصص الخصخصة، فتطوى صفحتها ونصل الى ما وصلنا اليه من خسائر.

واذكر أيضاً، انّ المصارف كانت تُثني الشركات عن الإدراج في البورصة، مقترحة عليها التسليفات بدلاً من اللجوء إلى البورصة. لقد عملت جاهداً في احدى المرات على إقناع كبير المساهمين في شركة لبنانية ذات امتدادات اقليمية، بإدراج شركته في البورصة، وكان في صدد تقديم طلب الإدراج، حتى أتاه أحد المصرفيين ليثنيه قائلاً: «لماذا الإدراج في البورصة، أنا أؤمّن لك التمويل اللازم عبر المصرف، فلا حاجة بك للإدراج».

أما سندات الخزينة، فقد عانينا الأمرّين حتى تمّ إدراجها في بورصة بيروت؛ الّا أنّ المصارف أصرّت على التداول بها حصرياً في ما بينها.

وأروي الحادثة التالية: في أحد الأيام فوجئت بأمر بيع لعدد من سندات الخزينة ظَهَرَ على شاشة التداول أمامي، واعتقدت للحظات أنّ المصارف اقتنعت بأنّ التداول بسندات الخزينة على الملأ وبالشفافية التي تؤمّنها البورصة هو الخيار الصائب. وكم خاب ظني عندما تمّ سحب أمر التداول بعد دقائق قليلة، ليفيدني صاحب أمر البيع بأنّ احد المصارف الناشطة في مجال سندات الخزينة عرض عليه شراء سنداته بأي سعر يقترحه دون قيد، ولكن بشرط واحد، وهو سحب أمر البيع عن شاشة البورصة، منعاً لكشف هامش التسعير الواسع التي كانت تستفيد منه المصارف.

وها انّ المودعين يتهافتون اليوم على شراء أسهم شركة واحدة غير مصرفية مدرجة في البورصة للهروب من القطاع المصرفي، رغم مخاطر الاستثمار في الأسهم. نعم أصبحت شركة «سوليدير» ملاذاً للمودعين الذين يتهافتون على أسهمها اليوم، كقارب نجاة بعد غرق «تيتانيك» المصارف. ولكن، وإن كانت القيمة السوقية لشركة «سوليدير» تقارب المليارين وخمسماية مليون دولار، إلّا أنّها تتوزع على أسهم معظمها مملوكة من مجموعات كبيرة متمسكة بها، ما يجعل عدد الأسهم المتاحة للتداول قليلاً جداً.

فما هي حسنات ومخاطر الاستثمار في أسهم شركة «سوليدير»:

الحسنات:

– قامت شركة «سوليدير» أخيرا ببيع عقارات مكّنتها من تسديد الجزء الأكبر من ديونها.

– إعادة هيكلة الإدارة والتقشف في المصاريف، لعبا دوراً ايجابياً في تحسين الوضعية المالية للشركة.

– المساهمون الجدد لم يدخلوا أخيراً ليتخارجوا من مساهماتهم بفترة وجيزة أو أقله قبل تحقيق أرباح كبيرة على سعر أسهمهم.

– الاستثمار في أسهم الشركات المدرجة في البورصة مفتوح لرؤوس الأموال مهما صغر حجمها.

– امكانية تسييل الأسهم شبه فورية لصغار المساهمين. كما أنّها يمكن أن تكون جزئية بحسب الحاجة إلى السيولة.

– مع منع التحاويل إلى الخارج انتفت إمكانية شراء أسهم الشركات العالمية وانحصرت ببورصة بيروت.

– التحليلان الأساسي والفني يعطيان مؤشرات إيجابية تجاه الشركة.

– تمسّك حاملي الأسهم بها، لأنّ أي تسييل لمساهماتهم يعني عودة مدخراتهم إلى آتون الحسابات المصرفية من جديد.

السيئات:

– إنّ أداء الأسهم العقارية يبقى مرهوناً بنجاح أو فشل إدارة الشركة، فيما امتلاك عقار بطريقة مباشرة يجعلك سيداً وحيداً على استثمارك.

– امكانية التلاعب بسعر السهم من قِبل كبار المضاربين تبقى احتمالاً وارداً.

– إنّ الإداء السابق للشركة ما زال عالقاً في ذهن اللبنانيين.

– الجدل السياسي حول الشركة يبقى عائقاً امامها، كما انّ موقعها في صلب التظاهرات له سلبيات جمَّة.

وبناءً على ما سبق اطرح الأسئلة التالية؟

– كانت «سوليدير» سابقاً الشركة الأكثر تأثراً بالأحداث الأمنية والسياسية، أما الآن فنرى سعر السهم يرتفع في اليوم نفسه الذي تُحرق فيه المحال التجارية في وسط بيروت وينفجر المرفأ. هل لأنّ سهم «سوليدير» أصبح أكثر ارتباطاً بارتفاع سعر الدولار منه بالأحداث؟

– هل سيتعامل حاملو أسهم «سوليدير» مستقبلاً مع طالبي الشراء كمالكي العقارات حالياً، فيحتسبون سعر السهم بحسب سعر الدولار في السوق السوداء؟

– هل من باب الصدفة أنّه بعد استنفاد كافة الحلول تصدر التعاميم حول مساهمة المودعين بأسهم المصارف عبر البورصة، أو تطالب المصارف بخلق صندوق يجمع ممتلكات الدولة، تُطرح أسهمه في البورصة؟

– صدر قانون الاسواق المالية في العام 2011 بعد مخاض دام 14 عاماً واقرَّ خصخصة بورصة بيروت خلال عام من صدوره، ثم عدنا وانتظرنا حتى العام 2017 لاصدار المرسوم المتعلق بخصخصتها. أو تعلمون أنّ خصخصة بورصة بيروت ما زالت عالقة تنتظر تعيين عضوين مؤقتين لمهمة مدّتها لا تتعدّى السنة الواحدة؟ لماذا؟

– هل كان علينا انتظار خراب البصرة لنتذكر إطار الأمان الذي تحدث عنه بيل وليامس؟

التجربة المصرية بين عامي 2016 و2018 تخبرنا بأنّ الارتفاع الحاد في سعر الدولار مقابل الجنيه المصري وفقدانه من الأسواق، ترافق مع ارتفاع حاد مماثل بمؤشر البورصة المصرية. وهنا أرى الأزمة المالية في لبنان تطل علينا لتقول: البورصة والعقار من أمامكم والمصارف من ورائكم، فتمسكوا بإطار الأمان ولو متأخّرين.

د. فادي خلف.

مصارف آيلة للسقوط في غضون ستة أشهر

في الأشهر القليلة المقبلة، تبدأ التغييرات الفعلية في المشهدين الاقتصادي والمالي في البلد. وبعد مرور حوالى 6 أشهر على إعلان حكومة حسّان دياب التعثّر والتوقّف عن الدفع، عادت الامور الى المربّع الاول، وتمّ تسجيل خسائر إضافية بحوالى 15 مليار دولار.

لا يمكن رسم خريطة طريق للمشهد المالي والاقتصادي في الاشهر القليلة المقبلة، قبل استشراف الوضع السياسي. بين أن تنجح المبادرة الفرنسية، ونشهد ولادة حكومة مستقلين وأخصائيين، أو أن تفشل ونعود الى نقطة الصفر على المستوى الحكومي، الفرق شاسع بين المشهدين على كل المستويات. ومع ذلك، هناك حقائق على المستوى المالي لن تتغيّر كثيراً، ومن أهمها:

أولاً – سيضطر البنك المركزي الى تكبير حجم الكتلة النقدية بالليرة بسبب ازدياد الحاجة الى توفير سيولة إضافية تغطي جزءاً من الانفاق الحكومي، وتؤمّن ربما أرباحاً اضافية للمركزي (seigniorage). وهذا الامر يزيد الضغط على الدولار، ويُسهم في تراجع اضافي في سعر صرف الليرة.

ثانياً – حاجة الدولة الى الاموال سترتفع بنسبة تتراوح بين 30 و35 %، وربما أكثر. هذه الحاجة تعكسها بوضوح أرقام المالية العامة عن النصف الاول من 2020، إذ تُبيّن مدى تراجع الايرادات الناجمة عن الضرائب المباشرة وغير المباشرة. هذا التراجع الذي وصلت نسبته العامة في 6 أشهر الى حوالى 32 %، بما يعني عملياً انّ 85 % من مداخيل الخزينة حتى نهاية العام 2020 ستذهب لدفع الرواتب. كذلك يُستدلّ من تراجع إيرادات الضريبة على القيمة المضافة (TVA) بنسبة 50 %، انّ أداء القطاعات الخاصة يتراجع بسرعة دراماتيكية، بالاضافة الى الدلالات المتعلقة بتراجع القدرة الشرائية للمواطن. هذه النسبة، مرشّحة للارتفاع الى ما يقارب الـ65 % حتى نهاية العام، الأمر الذي يعكس وجود كارثة اقتصادية بكل المقاييس.

مع الاشارة هنا الى أنّ هذه الارقام المُقلقة تأتي في ظل تراجع الانفاق على فوائد الدين العام الى مستويات غير مسبوقة بسبب توقف الدولة عن الدفع. وعلى سبيل المثال، دفعت الخزينة حوالى مليارين و700 ألف دولار فوائد حتى حزيران 2019، مقارنة مع حوالى مليار و300 مليون دولار حتى حزيران 2020. بما يعني انّ الانفاق تراجع اصطناعياً بنسَب كبيرة. لكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، قبل أن تتم مراجعة موضوع الدين برمّته، واتخاذ قرار في شأن إعادة الهيكلة والجدولة، ونسبة الحسومات التي سيتمّ الاتفاق عليها لتسوية مسألة التوقّف عن دفع استحقاقات اليوروبوندز، واستحقاقات الفوائد المتراكمة.

ثالثاً – من المتوقّع أن يشهد القطاع المصرفي تغييرات جذرية من حيث الشكل والمضمون، إذ بدأت إدارات المصارف التحضير للمرحلة المقبلة، والتي يُفترض أن تتمّ خلالها زيادة الرساميل بنسبة 20 %، أي ما يوازي 4 مليارات دولار. هذا المبلغ قد يتم تأمين 40 % منه عبر عمليات بيع الوحدات المصرفية التابعة للمصارف اللبنانية في الخارج. لكن المبلغ المتبقّي، والذي لا يقلّ عن مليارين و200 مليون دولار، يُفترض تأمينه من المساهمين الحاليين أو من المساهمين الجُدد، وهذا الأمر قد لا يتوفّر لكل المصارف التي قد تجد نفسها مُرغمة على «الاستسلام» لمصرف لبنان الذي سيضع يده عليها ويتولى إدارتها مرحلياً، قبل تحضيرها للبيع لاحقاً الى مستثمرين جُدد.

هذه الحقائق ثابتة، سواء شهدنا ولادة حكومة وإقلاع المبادرة الفرنسية أم لا. لكنّ الفرق في المشهد بين السيناريوهين انّ هذه الوقائع ستتفاقم أو تتحلحل وفق الوضع السياسي. على سبيل المثال، في الملف المصرفي، يمكن أن نشهد التالي:

– في حال إقلاع الحكومة، واستقرار الوضع السياسي، وبدء تنفيذ خارطة الطريق التي جرى الاتفاق عليها مع الفرنسيين، سيكون عدد المصارف العاجزة عن تلبية متطلبات زيادة الرأسمال حتى نهاية شباط 2021 لا يتجاوز عدد أصابع اليد. وسيكون من السهل، وفي فترة زمنية قصيرة نسبياً، نقل ملكية هذه المصارف الى المستثمرين الجدد، أو دمجها مع مصارف قائمة وقادرة على الاستيعاب.

– في حال تعثّر المبادرة الفرنسية، والدخول في مرحلة إضافية من العقم السياسي، قد يتضاعف عدد المصارف التي ستعجز عن رفع رساميلها الى المستويات المطلوبة. ذلك انّ إيجاد مستثمرين حاليين أو جدداً مستعدين للاستثمار في القطاع في ظروف سياسية غامضة، أمر شبه مستحيل. وبالتالي، قد نكون أمام مشهد سقوط من 10 الى 12 مصرفاً في أحضان مصرف لبنان. وسيكون المركزي في وضع لا يُحسد عليه في إدارة هذه المصارف وتحضيرها للبيع. أولاً، لأنّ ّإمكانات الدعم والادارة الرشيدة في هذه الظروف ستكون صعبة، خصوصاً انّ مصرف لبنان لن يكون في وضع مالي طبيعي يسمح له بتخصيص موازنات كافية لضمان نجاح التجربة. وثانياً، لأنّ مصرف لبنان لن يجد مستثمرين جدداً، كما لن يكون في مقدور المصارف القائمة استيعاب هذه المصارف. وبالتالي، ستكون المعضلة صعبة ومعقدة.

هذا نموذج واحد من نماذج عدة يمكن إيرادها للدلالة على الفرق الذي سيحدثه المشهد السياسي في الاشهر القليلة المقبلة. صحيح أنّ الوضع المالي والاقتصادي، وفي كل الحالات، لن يكون طبيعياً، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ الوضع السياسي إمّا أن يجعل المشهد مظلماً بلا أفق وسيزداد ظلاماً كلما مرّ الوقت، وإمّا أن يكون الظلام شبيهاً بالظلام الذي يسبق بدء انبلاج الفجر، ولو طال الانتظار بعض الشيء.

انطوان فرح.