أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية
حاكم مصرف لبنان يرفض انتقاد رئيس الوزراء ويقول لا توجد ضرورة لخفض قيمة الودائع
بنوك لبنان تحدد سعر صرف عند 3000 ليرة للدولار للسحب من حسابات بالدولار
مصرف لبنان سيحدد سعر صرف الليرة عند 3200 للدولار لدى شركات تحويل الأموال اعتبارا من الثلاثاء
مصرف لبنان يحدد سعر صرف الليرة عند 3800 للدولار لدى شركات تحويل الأموال الاثنين
أزمة لبنان المالية: صراع الحكومة والمركزي يزيد الطين بلّة..
تتابع الأسواق المالية اللبنانية بتوتر استثنائي شديد التطورات المتصلة باندلاع الصراع المعلن غير المسبوق بين السلطة التنفيذية، ممثلة بالحكومة ورئيسها حسان دياب، والسلطة النقدية، الممثلة حصرياً في حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، تبعاً للشغور المتسع في مكوناتها الذي يشمل نواب الحاكم الأربعة، ومفوض الحكومة لدى البنك المركزي، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف، وأعضاءها الخمسة، وهيئة الأسواق المالية.
وفيما سربت مصادر مقربة من سلامة استبعاد خيار الاستقالة الطوعية، وعزمه الرد بالتفاصيل على الاتهامات المباشرة التي وجهها إليه رئيس الحكومة، والتحرر من قيود «التحفظ» التي تحكم غالباً تصريحات محافظي البنوك المركزية حول العالم، بدت الأوساط المصرفية متأهبة من ما قد تؤول إليه هذه المواجهة، وتأثيرها على الأوضاع المالية والنقدية المتردية أصلاً، خصوصاً فيما يتصل بحاجة لبنان الملحة إلى تدفقات من مصادر خارجية تخفف من خطورة ندرة السيولة بالعملات الأجنبية.
ويؤكد مصدر مسؤول كبير في القطاع المصرفي ل “الشرق الاوسط” أن «تبادل قذف كرة الأزمة المالية العاتية، بين ثلاثي الدولة والبنك المركزي والجهاز المصرفي، حرف البوصلة الإنقاذية عن الاتجاه المنشود، ويشي بتبديد أي جهود هادفة لانتشال الاقتصاد الوطني من القعر العميق، بعدما أدخلت الأزمة المتدحرجة كامل الثروة الوطنية، من مدخرات المواطنين وموارد الخزينة ودورة الإنتاج والتشغيل، في دوامة خسائر دراماتيكية تواصلية، لتنتج بدورها تدهوراً خطيراً على المستويين المعيشي والاجتماعي، مع تلاشي قدرات أصحاب المداخيل المتوسطة، وانضمامهم إلى خط الفقر الذي يحاصر نصف الشعب اللبناني، ويتمدد سريعاً إلى فئات جديدة».
ويقر المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته لحساسية الموقف، بأن معادلة الاستقرار النقدي، وهي العنوان الأبرز للسياسة النقدية التي انتهجها سلامة منذ تسلمه منصبه في عام 1993، وحظيت تباعاً بدعم سياسي واقتصادي واسع يقارب الإجماع، سقطت واقعياً في دوامة الفوضى والتسعير المتفلت للدولار بين حدي 1520 ليرة المعتمد حصراً للمستوردات من حساب احتياطي العملات الصعبة لدى مصرف لبنان، وعتبة 4 آلاف ليرة التي بلغها، ثم تعداها، في تداولات نهاية الأسبوع لدى الصرافين، وبينهما سعر 1800 ليرة لإقراض المصارف من قبل المركزي، و2600 للسحب من الودائع المحررة بالدولار، و3625 لسداد التحويلات الواردة من الخارج عبر المؤسسات المالية غير المصرفية.
ولم ينفع الإجماع المحلي والخارجي على حاجة لبنان الملحة لدعم مالي خارجي وفوري، يقدر حده الأدنى بنحو 15 مليار دولار، للحد من سرعة الانهيارات والتطلع إلى الخيارات الإنقاذية المعقدة، في فرض موجباته، وحيازة أولوية الاهتمام لدى المرجعيات المحلية المعنية، وفقاً للمسؤول المصرفي، بل «بدأنا نستشعر مخاطر تشمل مجمل الأوضاع الداخلية، بفعل اتساع مسافات التباعد والاختلاف، وتشتيت الجهود، والمس بهوية البلاد الاقتصادية والملكية الخاصة».
ويعترف المصدر بأن ودائع الزبائن لدى البنوك، البالغة نحو 147 مليار دولار، ليست في مأمن تام عن حلبة الأزمة وصراعاتها المستجدة. فالسيولة تدنت إلى حدود أجبرت المصارف على وقف الصرف بالدولار النقدي، إلا في حالات محدودة للغاية، تعود حصراً للتحويلات الجديدة الواردة من الخارج، وعمليات الاقتطاع التي أوصى الاستشاري الدولي للحكومة (شركة لازارد) باعتمادها ضمن الخطة الإنقاذية؛ ويرجح أيضاً أن تطال أصحاب الحسابات التي تفوق 500 ألف دولار، تتم فعلياً من خلال إخضاع السحوبات لسقف لا يتجاوز 5 آلاف دولار شهرياً، بسعر 2600 ليرة، أي ما يقل 1400 ليرة عن سعر السوق الواقعية.
وتشير مسودة برنامج الإصلاح الحكومي إلى أن الاحتياجات التمويلية الخارجيّة هي ضرورية للحد من حجم الانكماش الاقتصادي، ولاستعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني، وأن تأخر الخطوات الإجرائية يأتي لفتح قناة حوار رسمية مع صندوق النقد الدولي للاتفاق على برنامج إصلاحي معزز ببرنامج دعم مالي.
وترمي الخطة إلى تخفيض الدين العام الذي تجاوز 92 مليار دولار تدريجياً، من 176 في المائة كنسبة من الناتج المحلّي الإجمالي في نهاية العام الماضي إلى 103.1 في المائة في عام 2024. كما تركز خطة الحكومة على إعادة رسملة المصرف المركزي، والقطاع المصرفي بأكمله، علماً بأن الفجوة المالية لدى الطرفين تتركز في تمويلاتهما للدولة التي يفوق مجموعها 75 مليار دولار من إجمالي ديون الدولة بالليرة وبالدولار.
أزمة لبنان المالية: «هجمة» عقارية بـ 5 مليارات دولار!
شهد السوق العقاري خلال الاشهر الثلاثة الماضية «هجمة عقارية»، نتيجة سعي المصارف الى تسييل كافة العقارات المرهونة من خلال الضغط على أصحاب تلك العقارات لبيعها بأسعار تحددها المصارف وفقاً لحجم قروض الاشخاص المعنيين، وذلك بعد إقناع كبار مودعيها بتحويل إيداعاتهم من «دولارات وهمية» الى عقارات. وقد أدّت تلك العملية الى تراجع في حجم الودائع في القطاع المصرفي منذ أواخر العام 2019 ولغاية نهاية شباط 2020 بحوالى 5,5 مليارات دولار.
فيما تسعى المصارف من خلال تلك العملية الى تجميل ميزانياتها من خلال تقليص حجم القروض المتعثرة وخفض الايداعات بالدولارات «الوهمية»، فإنّ القطاع العقاري استفاد من هذه الاستراتيجية على قاعدة «مصائب قوم عند قوم فوائد». وقد نجح المطوّرون العقاريون في التخلّص من مخزون الشقق السكنية الذي عانى في الفترة الماضية جموداً حاداً رغم خفض الأسعار، كما انهم سدّدوا كافة استحقاقاتهم المالية للمصارف وتخلَّصوا من جحيم الفوائد المرتفعة.
وقد كشف الخبير العقاري رجا مكارم لـ«الجمهورية» في هذا الاطار انّ القطاع العقاري كان يمرّ بأزمة جمود حاد دفعت المطورين العقاريين الى خفض الاسعار من اجل تحفيز المبيعات، «وفجأة، مع تفاقم أزمة القطاع المصرفي بعد 17 تشرين الاول 2019، أدّت المخاوف المتزايدة لدى المودعين على مدّخراتهم، الى حصول «هجمة عقارية» مدعومة من حالة هلع المودعين بعد احتجاز اموالهم وتدهور سعر صرف الليرة». وأشار الى انّ القطاع العقاري حظي بالحصة الاكبر من الايداعات المصرفية التي تم التخلّص منها مقابل أصول اخرى كالمجوهرات والسيارات وغيرها من السلع الفاخرة.
وقال مكارم انّ كل المطورين العقاريين المديونين للمصارف، تخلّصوا من كامل مخزون الشقق السكنية الصغيرة والمتوسطة التي تتراوح اسعارها بين 200 ألف دولار الى 3 ملايين دولار. في المقابل، لم يشارك المطورون الذين لا تترتَّب عليهم قروض مصرفية، في تلك الهجمة العقارية بسبب المردود الوهمي الذي سيتقاضونه اليوم مقابل المبيعات العقارية، موضحاً انّ كافة المبيعات تمّت عير شيكات مصرفية من قبل المودعين لصالح تسديد قروض المطورين العقاريين او لتسديد رهون عقارية للافراد، في حين انّ نسبة ضئيلة جدّاً من المستثمرين عمدت الى دفع جزء كبير من قيمة العقار عبر شيك مصرفي وجزء بسيط عبر تحويل اموال من الخارج (fresh money).
ورأى مكارم انه لم يعد هناك من شقق سكنية اليوم معروضة للبيع، واصبح حجم العرض محدوداً جدّاً. كذلك الأمر بالنسبة للاراضي التي شهدت موجة مبيعات، حيث لجأ اصحاب الميزانيات الاكبر الى شراء الاراضي التي تفوق قيمتها 3 ملايين دولار، «وكان الطلب الاكبر في مدينة بيروت حيث يعتقد المستثمرون انه يمكن تسييل العقارات فيها لاحقاً بسهولة أكبر».
وكشف مكارم انّ الجرأة الكبرى في تخفيض اسعار الاراضي تجلَّت لدى شركة «سوليدير» التي خفضت اسعارها من حوالى 3000 دولار لمتر الهواء الى نحو 1200 دولار، وبالتالي نجحت سوليدير في الاستفادة بشكل كبير من موجة المبيعات مع تسييل ما قيمته 500 مليون دولار من الاراضي، وهي تفكّر اليوم بالتوقف عن البيع لأنها لم تعد بحاجة للسيولة.
وقال انّ معظم الاراضي الموجودة في السوق قد تمَّ بيعها ولم يعد هناك من عرض حالياً، لافتاً الى انّ الاسعار التي تمَّت وفقها المبيعات هي اسعار معقولة او مغرية بالنسبة للمطورين ولم يعد هناك ما يعرف بسعر «لَقطة» بالنسبة للمشترين، لأنّ عملية البيع والشراء تتم من خلال «دولارات وهمية» ولن يقبل أحد خفض الاسعار مقابل مردود وهمي.
وحول إمكانية حصول أزمة رهن عقارية وهبوط الاسعار على غرار ما حصل في الولايات المتحدة في 2008، اكد مكارم انه لم يعد هناك من عقارات مرهونة للمصارف لأنّ الاخيرة لعبت في الاشهر الثلاثة الاخيرة دور الوسيط العقاري وقامت بتسييل العقارات المرهونة، «لكن التوقعات بالنسبة للقطاع العقاري في المستقبل تشير الى تراجع حتمي بنسبة حوالى 40 في المئة في اسعار العقارات التجارية أي المحال التجارية والمكاتب بسبب تراجع اسعار الايجارات وانعدام إمكانية تأسيس اعمال تجارية جديدة او حتى توسّع اعمال الشركات القائمة نتيجة التدهور الاقتصادي وأزمة كورونا.
بالنسبة للشقق السكنية التي تم توظيف حوالى مليار دولار فيها مؤخراً، فإنّ جميع المستثمرين فيها لن ينتفعوا في المستقبل القريب منها، بسبب غياب الطلب على الايجارات، مما سيؤدي الى تراجع المردود على القطاع السكني من 3 في المئة الى حوالى النصف، وسيكون عرض الشقق للبيع مرتبطاً بحاجات المستثمرين للسيولة في المستقبل، «ولكن طبعاً بأسعار أقلّ من الحالية».
رنى سعرتي.
لبنان يبتعد أكثر عن ربط العملة بسعر صرف لشركات تحويل الأموال
مصدر: مصرف لبنان المركزي يحدد سعر الصرف عند 3625 ليرة للدولار الجمعة لشركات تحويل الأموال
مفاجآت مصرفية من العيار الثقيل
في لبنان، لن تكون المرحلة المقبلة شبيهة بما مرّ حتى الآن على مستوى العلاقة بين الثلاثي «المتهم» بالأزمة المالية الاقتصادية التي ضربت البلد. وما سنشهده بين السلطة السياسية ومصرف لبنان والمصارف التجارية، لن يكون مجرد تعاون للخروج من المأزق، بل قد يتحوّل الى مواجهات «دامية»، لأنّ الأزمة أصبحت قضية وجود.
شكّل البيان المُسهب الذي أصدرته جمعية المصارف اللبنانية نقطة تحوّل في العلاقة بين القطاع والدولة. ولن يكون هذا البيان سوى البداية، إذ قد تليه مرحلة قاسية من المواجهة المباشرة مع السلطة السياسية مُمثّلة بحكومة حسّان دياب.
ولا بدّ من الاعتراف بأنّ المصارف خسرت حتى الآن، وفي منظور الرأي العام، كل المواجهات التي خاضتها لإبعاد الاتهامات عنها في موضوع احتجاز وتبديد الاموال. لكن في المواجهة الأخيرة، وعلى طريقة «رمية من دون رامٍ»، خرجت المصارف رابحة، وبدّلت ولو بنسبة ضئيلة، في حجم المسؤولية التي يُحمّلها لها الناس في مسألة ضياع أموالهم. واستفادت المصارف من الثغرة التي فتحتها الحكومة في خطتها الإنقاذية، والمتعلقة بالـHaircut، لتصطف الى جانب حقوق المودعين. وهكذا بدا المشهد وكأنّ الحكومة هي الجهة التي تسعى الى مصادرة اموال الناس، والمصارف، ومعها مصرف لبنان يرفضون هذا النهج، ويصرّون على المحافظة على ودائع الناس بالكامل. ولم تتوقف المواجهة عند هذا الحد، بل انتقلت الى الجبهة السياسية، حيث اضطرت جهات سياسية موالية ومعارضة الى اتخاذ موقف واحد معارض لنهج الاقتطاع من الودائع. وصار المشهد العام يوحي بأنّ الحكومة في جبهة، ومصرف لبنان والمصارف والقوى السياسية والناس في جبهة أخرى.
اذا أضفنا الى هذا العامل، عنصراً آخر يتعلّق بالقلق الذي أثارته بعض النقاط المحدّدة في الخطة، من احتمال تغيير خارطة توزيع ملكية القطاع المصرفي، أو من احتمال ضرب القطاع من دون ايجاد البديل، بحيث يصبح ملء الفراغ ممكناً من قِبل جهات تتربّص للانقضاض على هذا القطاع، وفرض واقع مالي جديد، يمكن القول عندها، إنّ المصارف التي كانت تشعر بأنّها مُستفردة شعبياً وسياسياً (في العلن على الأقل)، برغم بعض التداخل، بين العائلات السياسية ومصالحها وبين أصحاب المصارف، أصبحت اليوم في وضع أفضل، وتحظى بدعم سياسي وأحياناً روحي، علني لضمان وجودها.
انطلاقاً من هذه النقطة، ما هي معالم المرحلة المقبلة، وما هي الحقائق والخيارات المتاحة أمام المصارف؟
في المؤشرات والمعلومات، انّ النهج الذي ستتبعه المصارف سيكون مغايراً للنهج السابق، وستكون هناك خيارات عدّة من ابرزها ما يلي:
اولاً – التخلّي عن سياسة الدفاع عن النفس، واتباع نهج المواجهة العلنية مع الدولة، من خلال التركيز الإعلامي على المسؤولية الاولى التي تتحمّلها الدولة، في الوصول الى حال الافلاس التي وصل اليها البلد.
ثانياً – استخدام نقاط القوة التي تملكها المصارف، ومن أهمها التركيز على رفض المسّ بودائع الناس.
ثالثاً- تحاشي فتح جبهة مواجهة مع مصرف لبنان، والتعاطي مع الموضوع من زاوية انّ المصارف التجارية ومصرف لبنان في جبهة واحدة، لأنّهما ضحية السلطة التي بذّرت الاموال.
رابعاً- إقامة دعوى قضائية في وجه الدولة اللبنانية في الداخل أو في الخارج، وفق الاسلوب نفسه الذي قد يتبعه المستثمرون الأجانب من حَمَلة «اليوروبوند» للمطالبة باسترداد اموالهم. هذا الموضوع، ولو أنّه غير محسوم، لكنه طُرح، وكلما زاد الضغط على القطاع، كلما أصبح احتمال اعتماده مُرجّحاً.
في الموازاة، سيتبّع حاكم مصرف لبنان نهجاً مختلفاً عن النهج السابق في طريقة التعاطي مع المستجدات، وقد يتخلّى عن اسلوب ردّة الفعل المتحفظة (Passive) لينتقل الى الفعل (Active). والمقصود هنا، انّ سلامة، الذي اعتاد شراء الوقت للسلطة بانتظار ان تحسم أمرها للبدء في المعالجة، لن ينتظر هذه المرة، وسيبدأ في أخذ مبادرات تتيحها له القوانين المرعية الإجراء. وفي الخيارات والاحتمالات المتاحة امام حاكم المركزي التالي:
اولاً- التعاطي المباشر في حلحلة وسدّ بعض الثغرات، كما هي الحال مثلاً في موضوع إنشاء وحدة للتجارة بالعملات في مصرف لبنان، هدفها التفاعل مع السوق المالية الموازية للجم سعر صرف الدولار بالحدود الممكنة على المدى القصير.
ثانياً- اعتماد نهج مختلف في التعاطي مع الرأي العام، بحيث قد يعمد الى تكثيف الإطلالات الاعلامية، لإتاحة الفرصة لمصارحة الناس بالوقائع سواء المتعلقة بتوصيف اسباب الوصول الى هذه المصيبة، أو لجهة كيفية تجاوز مفاعيل الأزمة. وبالتالي، لن يصمت سلامة بعد اليوم، وسيصارح الناس في حال اضطر الى مجاراة السلطة السياسية، لأنّ فلاناً من السياسيين النافذين ضرب على الطاولة وقال له لن ندفع (استحقاق اليوروبوند في آذار)، أو لأنّ فلاناً قال له بلغة الجزم، إدفع من اموال المركزي لتمويل هذا المشروع العام أو ذاك.
ثالثاً- المباشرة في إعادة هيكلة ذاتية للقطاع المصرفي، من خلال تشجيع الدمج بين مصارف لا تزال تملك امكانات مقبولة، وحجم انكشافها على الدين العام مقبول أيضاً، وبين مصارف مكشوفة تماماً وغير قادرة على تلبية مندرجات تعميم رفع الرساميل الخاصة بنسبة 20%. وقد انقضت مهلة الـ10 في المئة الاولى، ويستحق في حزيران موعد زيادة الـ10 في المئة الثانية. وسيضطر مصرف لبنان الى دفع بعض الاموال التحفيزية لتشجيع وإنجاز الدمج، أو وضع اليد على مصارف متعثرة لإعادة تشغيلها بإدارة جديدة.
رابعاً- إصدار مجموعة تعميمات تتعلق كلها بمعالجات آنية لأزمات برزت على ضفاف الأزمة المالية التي ضربت البلد.
في الواقع، ينبغي أن يتحضّر اللبنانيون، وبصرف النظر عن المواجهات الداخلية، سواء حصلت أم لا، لمرحلة صعبة موجعة. وينبغي ان يكون مفهوماً، انّ الوجع الأكبر لن يكون ناتجاً من اجراءات قد تتخذها الحكومة لتنفيذ خطط انقاذية، (مثل الرسوم والضرائب والحسومات وتخفيض التقديمات) بل عن الواقع الذي لا يمكن تغييره، والذي يشير حتى الآن، الى أنّ حجم الاقتصاد سيتراجع الى النصف، نسبة البطالة سترتفع بشكل مرعب، منسوب الفقر سيشمل شريحة واسعة جداً من الناس، القدرة الشرائية للمواطن ستتراجع بنسب يصعب تقديرها لكنها قد لا تقل عن 200%، وستكون السنوات الثلاث المقبلة على الأقل، سنوات عوَز وحرمان.
انطوان فرح.
“بلومبيرغ”: لبنان يتخلى عن تثبيت الليرة
نشرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية تقريراً عن تعميم مصرف لبنان الأخير الذي يحمل الرقم 13221 والعنوان التالي: “إجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية”، معتبرةً أنّه يندرج في خانة العلامات التي تشير إلى أنّ لبنان يفك ربط الليرة بالدولار، أي سياسة تثبيت سعر الليرة عند 1507.5 مقابل الدولار.
وأوضحت الوكالة أنّ التعميم يتيح لأصحاب الحسابات المودعة بالدولار سحب أموالهم بالليرة، وفقاً لسعر السوق. وينص التعميم على أنّه “في حال طلب أي عميل لا يستفيد من أحكام القرار الأساسي الرقم 13215 تاريخ 3/4/2020 إجراء أي سحوبات أو عمليات صندوق نقداً من الحسابات أو من المستحقات العائدة له بالدولار الأميركي أو بغيرها من العملات الأجنبية، على المصارف العاملة في لبنان، شرط موافقة العميل المعني، أن تقوم بتسديد ما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر السوق، وذلك استناداً إلى الإجراءات والحدود المعتمدة لدى المصرف المعني… وعلى المصرف المعني أن يبيع من مصرف لبنان العملات الأجنبية الناتجة عن العمليات المشار إليها”، مضيفاً: “تبقى سائر العمليات بالدولار الأميركي التي تقوم بها المصارف مع عملائها خاضعة للسعر الذي يحدّده مصرف لبنان في تعامله مع المصارف”.
وفي تحليلها، اعتبرت الوكالة التعميم بمثابة الإشارة الأخيرة الدالة إلى أنّ السلطات اللبنانية تتخلى عن سياسة تثبيت الليرة المتبعة منذ عقود، مشيرةً إلى أنّ الدولار يُباع بـ3200 ليرة في السوق السوداء.
وفي السياق نفسه، ذكّرت الوكالة بتعميم المصرف المركزي الذي استهدف أصحاب الحسابات التي يبلغ أقصاها 3 آلاف دولار، معتبرةً أنّ مصرف لبنان اتخذ آنذاك خطوته الأولى في مسار فك ربط الليرة بالدولار؛ فبموجب التعميم المذكور أتيح للمصارف إغلاق الحسابات التي تقل عن 5 ملايين أو 3 آلاف دولار بسعر السوق (2600 ليرة للدولار). يُذكر أنّ المركزي منع المؤسسات المالية غير المصرفية التي تستقبل تحويلات إلكترونية من أن تدفع بالدولار، إذ فرض عليها دفعها بالليرة، استناداً إلى سعر السوق أيضاً.
من جهتهم، يحذّر الخبراء من خطورة تعاميم المركزي، إذ يتخوفون من حصول تخضم مفرط “hyperinflation” من شأنه أن يودي بقيمة الليرة الشرائية إلى الحضيض. وينبّه الخبراء أيضاً من ارتفاع الطلب على الدولار، وبالتالي ارتفاع سعره أكثر.
وعلى مستوى الـ”هيركات”، يؤكد الخبراء أنّه بموجب التعاميم الأخيرة سيخضع اللبنانيون لـ”هيركات”، موضحين أنّ الفجوة بين سعر الصرف المعمول به لدى مصرف لبنان والمصارف والمقدّر بـ1515 ليرة، وبين السعر الفعلي في السوق السوداء المقدّر بـ3200 ليرة تفوق الـ 115%؛ باتت ورقة المئة دولار تساوي 3200 ليرة لبنانية بعدما كانت تساوي 150 ألف ليرة فقط.
وفي هذا الإطار، حذّر الصحافي الاقتصادي محمد وهبة من تجاوز سعر صرف الليرة في السوق السوداء “3 آلاف ليرة أو 4 آلاف ليرة أو 5 آلاف ليرة أو ربما أكثر”، متوقعاً أن يعمل المصرف المركزي على “طبع المزيد من الليرات لإمداد المصارف بسيولة تكفي لتسديد الودائع”. ويضيف وهبة في تحليله: “المودع سيدفع الثمن مباشرة عبر “هيركات” مباشر على وديعته يمثّل الفرق بين سعر الصرف السوقي المحدّد من مصرف لبنان بقيمة 2600 ليرة، وسعر الصرف الفعلي في السوق البالغ 3250 ليرة. نسبة الهيركات ستبلغ 20% وربما تزداد مع الوقت، بما أن الليرات المسحوبة من المصارف ستشكّل طلباً إضافياً على الدولار، ما يؤدي إلى ارتفاع إضافي في سعر الصرف”.
بدوره، اعتبر الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة FFA Private Bank جان رياشي عملية تحويل الودائع بالدولار إلى الليرة أو “لولرة الودائع” أسوأ طريقة لحل مشكلة الخسائر؛ يتضمن “برنامج الإصلاح الحكومي” توزيعاً لخسائر إجمالية بقيمة 83 مليار دولار سيتحملها مصرف لبنان والمصارف ودافعو الضرائب. وتُقدّر الخسائر المتراكمة في ميزانية مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بـ 42.8 مليار دولار، بحسب اللجنة الحكومية والمستشار المالي “لازار”. وتوقع رياشي أن يتأثّر المجتمع اللبناني ككل بهذا القرار، منبهاً من أنّه “سيحول دون حصول تعافي اقتصادي فعلي”. وأكّد رياشي أنّ السياسيين اللبنانيين يرفضون الحلول الحقيقية، مشيراً إلى أنّهم يدّعون حرصهم على أموال المودعين. وشدّد رياشي على أنّ “لولرة” الودائع تعني أن نسبة الـ”هيركات” ستكون مرتفعة جداً وتقضي على فرص تعافي الاقتصاد.
المركزي: البنوك اللبنانية تصرف الدولار بالعملة المحلية بسعر السوق
أزمة لبنان المالية: حَقائِق الدَين العام ومُقتَرَحاتُ حُلول
تَتَكَشَّفُ الأرقام لتُؤَكِّد الحَقيقة المُوجِعَة: إنَّ مَجموع الدَين العام يَتجاوزُ في الواقِع ٣٠٠٪ من إجمالي الناتِج المَحَلّي، وهو أعلى مُعَدَّل في العالَم لم يَسبِق له مَثيل.
هيَ الأزمَة تَتَجَلّى بأشَدِّ صوَرِها بؤساً وتؤَشِّرُ الى التَداعيات الكُبرى على حياة اللبنانيّين واستِقرارِهم الاقتِصادي والاجتِماعي.
اخيراً، بدَأت الأرقام تَخرُج الى العَلَن وأمكَنَ تَجميعُها وتَحليلُها والإرتِكازُ علَيها لمَعرِفة ما ستَؤولُ اليه أحوالُ البِلاد والعِباد.
ولأنَّ مِن حَقِّ الناس الوصول الى المَعلومات والحقائِق، ولأنَّ أيّ اجراءات أو حُلول للخُروج مِن الأزمة تستَدعي الإستِناد الى الوقائِع والأرقام الدَقيقة، أعرِضُ في ما يلي بَعضَ ما إتَّضَحَ الى الآن، مِن ارقامٍ ومؤَشِّرات.
وفقَ ما صَدَر رسميّاً عن وزارة الماليّة، بَلَغ حَجمُ الدَين العام ٩١،٦٤٢ مليار دولار لغاية ٣١ كانون الأول ٢٠١٩، يُضاف الَيه الإلتِزامات المُتَرِتبّة على الدَولَة، غَير المَدفوعَة، لِصالِح الضَمان الاجتِماعي (ما يُعادل حَوالي ٢،٢ مليار دولار )، ولِصالِح مؤَسَّسَة ضَمان الوَدائِع ولصالِح المُتَعهِّدين والمُستَشفيات، وتَعويضات إستِملاكات و … والمُقَدَّرة كُلّها بِحَوالي ٥ مليار دولار .
كما تُضاف خِدمَة الدَين العام للفَصل الأوَّل من العام ٢٠٢٠ بِما فيها الكُوبّونات (فوائِد نِصف سَنويّة) على مِحفَظة اليوروبوندز .
استِناداً الى كُلِّ ذلك، يُمكِن تَقدير حَجم الدَين العام راهِناً بِما لا يَقِلّ عن ١٠٠ مليار دولار، هوَ الدَين الحُكومي.
وعلى مُستوى موازٍ ، فإنَّ الأموال «المُتَبَخِّرة» مِن مَصرِف لبنان أو ما اصطُلِحَ على تَسميَتِه الفُجوَة في حِساباتِ المَصرِف المَركزي، تَبلُغ بحَسَب المُعطَيات المُتَوَفِّرة حوالي ٥٠ مليار دولار، قَد تَزداد مَع ظهورِ كامِل الأرقام الحقيقيّة ومَع مُساءَلة الحاكِم الذي لَمْ يَكشُفْ لغاية الآن عن كُلِّ الحِسابات. مَع العِلمِ أيضاً بأنَّ مُفوَّضي المُراقَبة تَحَفَّظوا عَن إبداءِ رأيٍ إيجابي (Disclaimer) بالمبادِئ المُحاسَبيَّة المُعتَمَدَة في مَصرِف لبنان مُنذ بِضعِ سَنوات.
تَكوَّنَتْ هذِه الفُجوَة، نتيجَةَ الهَندَساتِ الماليّة الإستِنسابيّة وعمَليّات السواب التي قامَ بها مَصرِف لبنان، وتَشجيعِه دَفعَ فوائِدَ بمُعَدَّلاتٍ مرتفِعَة على إيداعات الدولار، خُصوصاً لغَيرِ المُقيمين وعلى الودائِع الإئتِمانيّة، وتَغطيةً لِكُلفَةِ الكَهرَباء ولصافي العَجزِ في الميزان التِجاري.
في هذا السياق، كان مُلفِتاً للإنتِباه ما صَرَّحَ به حاكِم مَصرِف لبنان مُؤَخَّراً بأنَّه يُسَجِّل في دفاتِره حِساب overdraft بِقيمة ١٥،٥ مليار دولار يَعتَبِر بأنَّه دفَعَها عَن الدَولة ومؤسَّسَاتها، لَكِنْ مِن دونِ أن يَظهَر لهذا المبلغ مِقابِلٌ واضِح counterparty في حِسابات الدَين العام في وزارة الماليّة، ومِن دونَ أن يُصَرِّح بِها مَصرِف لبنان كَدَينٍ على القِطاع العام Loans to the Public sector حيثُ أنَّ رَصيد هذا البَند في دفاتِره هو صِفر.
ما تَقَدَّم يوصِلُنا الى الحَقيقة المُرَّة بالأرقام: إجمالي الدَين العام حاليّاً هو بِحُدود ١٥٠ مليار دولار بِما فيها فُجوَة مَصرِف لبنان !!! .
مِن حَقِّ اللبنانيّين أن يَعرِفوا كَيفَ وصَلَتْ الامورُ الى هُنا. مِن حَقِّهِم أن يسألوا ويُحاسِبوا، كَي لا تَتَكَرَّر خطيئَة إنتهاءِ الحَرب مِن دونِ مُصارَحة ومُصالحَة عَميقة حقيقيّة، ومِن دونِ تَحَمُّل المَسؤوليّات.
مِن حَقِّ اللبنانيّين أن يَعرِفوا كيفَ ولماذا يَحمِل البَلَد هذا العِبءَ الكبير مِن الدُيون، ومَن إستَفادَ مِن السياسات الفاشِلَة التي أوصَلَتنا الى هُنا، في حين أنَّ لبنان لَمْ يَكُن في أيلول ١٩٧٦، أي بَعدَ سَنةٍ ونِصف مِن إندلاع الأحداث في ١٣ نيسان ١٩٧٥، مَديناً بأيِّ قرش؛ ولَمْ يَكُنْ دَينُه عام ١٩٩١ يَتجاوَز ١،٨ مليار دولار مُعظَمُه بالليرة اللبنانيّة.
اليَوم، يُعاني لبنان واللبنانيّون مِن مَديونيَّةٍ عامّة كَبيرة ومِن مشاكِل مُتعَدِّدة ومُتَداخِلة تفاقَمَت مع السَنوات مِن دونِ أنْ تُبادر حُكومات ما بَعد الطائف إلى حَلِّها.
فمَجموعُ الدَين العام الحُكومي بما فيه الفوائد المُترتّبة لغاية تاريخه والتزاماتُ الدَولة غَير المَدفوعة، مَع فُجوَة مَصرِف لبنان التي تَتَعاظَم مع إنكِشاف الأرقام، يتَجاوز كما أسلَفنا ٣٠٠٪ من إجمالي الناتِج المَحَلّي، وهو ما يُشَكِّلُ سابِقة على مُستوى العالم. تَـأتَّـى هذا الحَجمُ الكبير للدَين مِن خَياراتٍ وتوَجُّهاتٍ اقتِصاديّة رَيعيّة المَنحى وسياساتٍ ماليّة – نَقدِيَّة خاطِئة مُنذُ التِسعينات، جَرى طَمسُ سَلبيّاتِها وآثارِها عَبرَ «سياسة الطَرابيش» إمعاناً في المُكابَرة وعَدَم تَحَمُّل المَسؤوليّات.
تَتَعَدَّد الأسبابُ التي أوصَلَتنا الى ما نَحنُ عليه اليَوم وتَتداخَل، لَكِن يُمكِن تلخيصُ أهمِّها بسَبعِ نِقاط:
١- تَزعزُعُ سُلَّمِ القِيَم وإنقِلابُ المفاهيم، وهو ما تُرجِم في أحَدِ وُجوهِه السَعي وراءَ الرِبح السَريع من خِلال اقتِصاد الرَيع والفوائِد وعدَم تَبنّي سياساتٍ تُعطي الاولويّة لزِيادة الإنتاج، سِلَعاً وخدَمات، وغياب أيِّ سياسة وطنيّة تُشَجِّع على المُبادرات الفَردِيّة او الجَماعيّة الخَلاّقة المَبنيّة على التَمَيُّز عِوَضَ التسطيح والاستِعراض.
٢- غيابُ استقلاليّة القَرار الوَطني طِوال سَنواتٍ خَلَت. فاللبنانيّون الذين إرتَضوا الميثاق عام ١٩٤٣ وحاوَلوا إقامَة دولةٍ استَفادتْ من ظروفٍ تاريخيّة لتكونَ «سويسرا الشَرق»، غَرِقوا في محاوِر ليكتَشفوا اليَوم أنَّ ربطَ مَصيرِهم بسوريا أو مِصر أو السعوديّة أو إيران او اميركا، كان مُدَمِّراً للاقتِصادِ اللبناني وللنَسيجِ الوَطني.
٣- العَجزُ التِجاري الناتِج عَن نموذَجٍ إقتِصاديٍّ ارتَكَزَ مُنذُ التِسعينات على تَوَجُّهاتٍ رَيعيّة وعلى الإستِهلاك بَدَلَ الإنتاج، مِمّا انعَكَسَ عَجزاً تراكُميّاً في ميزان المَدفوعات، فاقَمَتهُ أزمةُ النُزوح السوري التي كَلَّفَتْ الاقتِصاد اللبناني كَكُلّ ما لا يَقلّ عن ٢٥ الى ٣٠ مليار دولار، يُضاف اليه نَقصٌ بحوالي ٩٠٠ مليون دولار سنَويّاً في ايرادات الدَولة ناجِمٌ عن هذه الأزمة، وذَلِك وَفقاً لتقرير صُندوق النَقد الدَولي.
٤- العَجزُ المُتراكِم في حِساباتِ الدَولة التي جَرى إدارتُها لبِضعِ سنَوات دونَ موازناتٍ ودونَ ارقامٍ صَحيحة. وقَد تفاقَمَ العَجز المالي نتيجةَ خِدمَة الدَين العام وسِلسِلَة الرُّتب والرَواتِب غَير المَدروسة وكُلفَة الكَهرباء العالية التي تأخَّر إنجازُ خُطَطِها نتيجَة المُماحكات السياسيّة العَقيمة.
٥- العَجزُ في الثَروة الوطنيّة الماليّة بالعُملات الاجنبيّة، الذي يَبدو بأنَّه سيَتَجاوز الـ ٥٠ مليار دولار أي حَوالي ٤٢٪ الى ٤٣٪ مِن مُدَّخَرات اللبنانيّين بالعُملات الأجنبيّة، وقَد تَظَهَّرت هذه الفُجوَة في حِسابات مَصرِف لبنان.
٦- عَجزٌ في القِطاع المَصرِفي تمَثَّلَ نَقصَاً في السُيولة بالعُملات الأجنَبيّة وسيتَظَهَّر تِباعاً أزمةً في الملاءَة. وهوَ ما جَعَلَ اللبنانيّين يَعيشون الإذلال على أبوابِ المَصارِف للحُصول على بِضعِ مئاتٍ من الدولارات شَهريّاً مُنذُ تشرين الأوَّل المُنصَرِم.
٧- أزماتٌ اجتِماعيّة جاءَتْ نتيجةً لتَراكُمات كُلِّ الأسباب الآنِفة الذِكر، وتَمَظهَرَت بمُعَدَّلاتِ بَطالة خَطيرة تَتَراوح وفقَاً لتَقديرات ما بَين ٤٠٪ و٥٠٪ . تَرافَقَ ذلك مع إقفالِ الكَثير مِن المؤَسَّسَات وما يَعنيه مِن تَداعياتٍ على أُسلوبِ عَيش اللبنانيّين مِن تَعليمٍ وطَبابةٍ الى المأكَلِ والمَسكَنِ وما بينهما مِن اهتِماماتٍ ثقافيّة وفِكريّة وبَحثيّة.
قَد تَكونُ هَذِه ابرَز عناوينِ اسباب ازمَتنا الإقتِصاديّة، وإنْ أمكنَ تِعدادُ مِئاتٍ غَيرها. أمّا كَيفَ الخُروج مِن هذه الأزمات مَعاً، فاللائحةُ تَطول، وقَدْ أَسهَبَ الخُبَراء بِعَرضِها مؤَخَّراً.
إلّا أنَّ أُولى الحُلول تَنطَلقُ برأيي مِن حاجَتِنا الى رجالٍ احرار يَنذُرونَ أنفُسَهُم لبناءِ وطنٍ مُتَخَفِّفين من حِساباتِ الأنا والرِبح او الخِسارة، مُتَرَفِّعين عن المالِ العام والتَعاطي مَعهُ كَمِثلِ مَالِ الوَقف.
ومِن أهَمِّ الخُطُوات التي أقتَرِحُها:
١- إقرارُ كُلّ قوانين مُكافَحَة الفساد، والعَمَل على إظهار كُلّ الحقائق الماليّة والنَقديّة، وكَشف المُخالفات والتَعديّات على المال العام.
٢- العَمَلُ على خَلْقِ شَبكَة أمانٍ سياسي، والدَعوَة الى مؤتَمرِ حِوارٍ وطَني بَين القيادات السياسيّة، عَلَّنا نَصِلُ الى بَعضٍ من توافُقٍ وطَني في هذه المَرحلَة الحسّاسة.
٣- إتّخاذُ سَلَّةٍ مِن الإجراءات لِتَحفيزِ الإنتاج الوطني مِن اجلِ تخفيضِ فاتورة الإستيراد وزيادة الصادِرات خُصوصاً السِلَع ذات القيمَة المُضافَة العاليَة.
٤- إقرار ُقانون المُنافَسة الذي تَمَّ إنجازُه في وزارة الاقتِصاد والتِجارة خِلال العام ٢٠١٩ وأُرسِلَ في حينِه الى مَجلِس الوزراء؛ وهوَ يُساهِمُ بفَكفَكة الإحتِكارات التي لَمْ يَعُدْ لها مَثيل في عالَم الإقتِصاد الحُرّ.
٥- إعادةُ هَيكَلَةِ الدَين العام وشَطبُ الجُزء الأكبَر مِن حَجمِه وتَخفيضُ مُعَدَّلِه الإجمالي مِن ٣٠٠٪ حاليّاً الى اقَلّ من ٨٠٪ من الناتِج المَحَلّي، مِن خِلال سَلّة إجراءاتٍ فوريّة وأُخرى متوَسِّطة وطويلَة الأمَد.
٦- تَصفيرُ العَجز المالي في ما عدا العَجز الناجِم عَن الإنفاق الإستِثماري المُحَفِّز للنُمُوّ. في هذا الإطار، يُفتَرَض العَمَل، مِن دون أيّ إبطاء، على تَصفير ِعَجزِ الكَهرَباء.
٧- إقرارُ نِظامٍ ضَرائِبي جَديد يَرتَكِزُ على الضَريبة التَصاعُديّة على الدَخل وعلى الصَحن الضَريبي المُوَحَّد للأُسرَة، مَع الحِرص على عَدَم المَسّ بذَوي الدَخل المَحدود.
٨- إجراءُ تَخفيضٍ إضافي لمُعَدّلات الفوائِد الدائِنة والمَدينة بالليرة اللبنانيّة والدولار، بِما ينعَكِس إيجاباً، وبِشَكلٍ فَوري، على الحَرَكة الإقتِصاديّة وعلى كُلفَة الدَين العام.
٩- إعادةُ هيكَلَةِ المَصارِف ورَسمَلَتِها وتطويرُ القِطاع المَصرِفي ليواكِب الحداثَة ومُستَلزَمات بازل، وليَكونَ رافِعةً للإقتِصاد المُنتِج عِوضَ أنْ يَبقى أجيراً في خِدمةِ اقتِصاد الرَيع.
١٠- تَطويرُ أنظِمَة الحِماية الاجتِماعيّة والصِحيّة لتُصبِحَ اكثَر عدالةً ولتَشمُل تَغطيَتُها كُلّ فئات المُجتَمَع اللبناني.
هَذهِ كُلُّها عَناوين اساسيّة يَندَرجُ تَحتَها عَشَراتُ العَناوين التَفصيليّة لِحُلولٍ ، مَهما حاوَلنا التَخفيفَ مِن وطأَتِها، ستَكون مُوجِعَة. فكَيفَ يَكونُ اجمالي دَينُنا العام ١٥٠ مليار دولار ونَتَوقَّع حُلولاً سَهلَة؟
لَكِنَّ المُهِم، عِندَ تَوزيع أعباء الدُيون والآم الخسائِر، أنْ يَتَحَمَّلَ مُسَبِّبوها ومَنْ استَفادوا مِنها العِبءَ الأكبَر، وأنْ تَتِمّ حِمايةُ الناس ذَوي الدَخلِ المَحدود الذين خَسِروا الى الآن حَوالي ٤٠٪ مِن مَداخيلِهم مَع تَراجُعِ سِعر العُملَة الوَطنيّة امامَ الدولار.
وكُلُّ كَلامٍ وسُلوكٍ مُغايرٍ جَريمةٌ مُتَماديةٌ على أبسطِ حُقوقِ الناس بحَياةٍ كَريمَة، وإمعانٌ في سَرِقَتِهم بالمِعنى الحَرفيّ لِلكَلِمة، كما بإستِعارَتِها المَجازيّة: سَرِقَةُ غَدِهِم وحُلمِهِم بوَطنٍ مُشتَهى قابِلٍ لِلحَياة.
منصور بطيش.